حان الأجل الذي ضرب لاجتماع الحكمين، فأرسل الإمام ((عليه السلام)) أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني، وبعث معهم عبد الله بن عباس ليصلّي بهم ويلي اُمورهم وأبو موسى الأشعري معهم، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل من أهل الشام حتى توافوا في دومة الجندل.
وقد سارع عدد في أهل الرأي والحكمة ممّن أخلصوا للإمام ((عليه السلام)) بتقديم النصح والتحذير لأبي موسى، باذلين جهدهم في حمله على التبصرة والرويّة في اتّخاذ القرار، وخشيةً منهم من مكر عمرو وخداعه(1).
قرار التحكيم :
اجتمع الحكمان أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص، والأوّل يحمل الغباء السياسي وضعف الانتماء العقائدي وقلّة الولاء لإمامه عليّ ((عليه السلام)) والثاني هو الماكر المخادع ذو السجيّة الغادرة والطامع إلى إقصاء خطّ أهل البيت ((عليهم السلام)) تماماً عن الميدان السياسي، يدفعه لذلك طمعه للملك وشركته مع الطليق ابن الطليق معاوية.
ولم يطل الاجتماع طويلاً حتى تمكّن ابن العاص من معرفة نقاط الضعف في شخصية الأشعري والسيطرة عليه وتوجيهه نحو ما يريد، واتفق الاثنان في اجتماع مغلق على خلع الإمام عليّ ((عليه السلام)) ومعاوية عن ولاية أمر المسلمين، واختيار عبد الله بن عمر بن الخطاب ليكون الخليفة المقترح.
وبادر ابن عباس محذّراً الأشعري من أن ينساق في لعبة ابن العاص، فقال له: ويحك، والله إنّي لأظنّه قد خدعك إن إتّفقتما على أمر، فقدّمه فليتكلّم
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 246. طـ. دار إحياء التراث العربي، ووقعة صفّين: 534.