(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام

والخشوع لعزّته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلب خرجتْ، وعلى أيّ لسان جَرَتْ، وقال عليّ بن الحسين وكان الغاية في العبادة: عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)).
وأمّا قراءته القرآن واشتغاله به فهو المنظور اليه في هذا الباب; اتّفق الكلّ على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم))، ولم يكن غيره يحفظه، ثمّ هو أوّل من جمعه.. وإذا رجعت الى كتب القراءات وجدت أئمّة القرّاء كلّهم يرجعون اليه.
وكان من أسدّ الناس رأياً وأصحّهم تدبيراً... وإنّما قال أعداؤه: «لا رأي له» لأنّه كان متقيّداً بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه، وقد قال ((عليه السلام)): «لولا الدين والتُقى لكنتُ أدهى العرب». وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوفقه، سواءٌ أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن.
وما أقول في رجل تحبّه أهل الذمّة على تكذيبهم بالنبوّة، وتعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة، وتصوِّر ملوك الافرنج والروم صورته في بِيَعها وبيوت عباداتها، حاملاً سيفه... وما أقول في رجل أحبّ كلُّ واحد أن يتكثّر به، وودّ كلُّ أحد أن يتجمّل ويتحسّن بالانتساب إليه.
وما أقول في رجل سبق الناس الى الهدى.. لم يسبقه أحد الى التوحيد إلاّ السابق لكلّ خير محمد رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم))(1).


* * *


(1) من مقدمة ابن أبي الحديد لشرح نهج البلاغة 1 / 16 ـ 30 تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة