المضروب به المثل فيه، حتى عابه بذلك أعداؤه.. فقال رادّاً على ابن العاص: عجباً لابن النابغة! يزعم لأهل الشام أنّ فيّ دعابة، وإنّي امرؤ تِلعابة اُعافس واُمارس(1).
قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا، لِين جانب، وشدّة تواضع، وسهولةِ قياد، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه.
وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن، فلقد كان هشّاً بشّاً ذا فُكاهة. قال قيس: نعم، كان رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) يمزح ويبتسم إلى أصحابه، وأراك تُسرّ حَسْواً في ارتغاء، وتعيبه بذلك! أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيَبَ من ذي لِبْدتين قد مسّه الطّوى، تلك هيبة التقوى، وليس كما يهابك طغامُ أهل الشام.
وأمّا الزهد في الدنيا فهو سيّد الزّهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشدّ الرحال، وعنده تُنْفَضُ الأحلاس، فما شبع من طعام قطّ، وكان أخشنَ الناس مأكلاً وملبساً.
وأمّا العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاةً وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على وِرده أن يُبسَط له نِطَعٌ بين الصفّين ليلةَ الهرير(2) فيصلّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صِماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته... وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما يتضمّنه من الخضوع لهيبتهِ
(1) التِلعابة: الكثير اللعب والمرح. والمعافسة: الملاعبة. والممارسة: ملاعبة النساء.
(2) هي أشد ليلة من ليالي القتال التي مرّت على الجيشين في معركة صفّين.
راجع مروج الذهب : 2 / 389 .