(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام

المواجهة الدموية هي أبعد ما يكون، وعندها سقطت كلّ الخيارات، ولم يبق أمام قريش إلاّ أن تلجأ الى عمل يضعف الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ويجنّبها القتال، فكان قرارهم حصار بني هاشم ومن معهم إجتماعياً واقتصادياً باعتبارهم الحماية التي تقي الرسول من بطش قريش، فبدأت معركتها السلبية مع بني هاشم.
وتجمّع المسلمون وبنو هاشم في شِعب أبي طالب لتوفير سبل الحماية بصورة أفضل، حيث يمكن إيجاد خطوط دفاعية لمواجهة أيِّ محاولة هجومية قد تقوم بها قريش(1).
وللمزيد من الاحتياط والحرص على سلامة حياة الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) كان أبو طالب يطلب من ولده عليّ أن يبيت في مكان الرسول ليلاً حرصاً على سلامته من الاغتيال والمباغتة من قبل الأعداء من خارج الشِعب(2)، وكان عليّ  ((عليه السلام)) يُسارع إلى الامتثال لأوامر والده ويضطجع في فراش النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) فادياً نفسه من أجل الرسالة وحاملها.
ولم يكتف عليّ ((عليه السلام)) بهذا القدر من المخاطرة بنفسه، بل كان يخرج من الشِعب الى مكّة سرّاً ليأتي بالطعام الى المحاصرين(3)، إذ اضطرّوا في بعض الأيام أن يقتاتوا على حشائش الأرض.
لم يكن لأحد أن يقوم بمثل هذه الأعمال في تلك الفترة العصيبة إلاّ من ملك جناناً ثابتاً وقلباً شجاعاً ووعياً رسالياً وحبّاً متفانياً للرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم))، ذلك عليّ بن أبي طالب ((عليه السلام)) الذي قضى في الشِعب جزءً من زهرة شبابه حيث دخله وعمره سبعة عشر عاماً وخرج منه وعمره عشرون عاماً، فكانت تجربةً


(1) سيرة ابن هشام: 1 / 350، وإعلام الورى: 1 / 125.
(2) البداية والنهاية لابن كثير: 3 / 84 .
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13 / 256.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة