[ 239 ]
(2)
باب الفضل والعلم
لمن أدّعوهما له
[ 240 ]
68 - إدعوا العلم والفضل لرجل لم يدعهما لنفسه، فإنه قام على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: إن لي شيطانا يعتريني ! فإن إستقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني، وإن غضبت فجنبوني (1)
(1) - راجع الامامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 34، ط بيروت. وفيه: إعلموا أيها الناس أني لم أجعل لهذا المكان أن أكون خيركم، ولوددت أن بعضكم كفانيه، ولان أخذتموني بما كان الله يقيم به رسوله من الوحي ما كان ذلك عندي، وما أنا إلا كأحدكم، فإذا رأيتموني قد استقمت فاتبعوني وإن زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطانا يعتريني أحيانا، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم.
وتاريخ الطبري ج 3، ص 224. وطبقات ابن سعد ج 3، ص 183، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 5، ص 186، وفيه - إن لي شيطانا يحضرني - وذكر المتقي الهندي في كنز العمال ج 5 ص 589 الرقم: 14050، وفيه: عن الحسن، أن أبا بكر الصديق خطب فقال: أما والله ما أنا بخيركم ولقد كنت لمقامي هذا كارها، ولوددت أن فيكم من يكفيني، أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذن لا أقوم بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني أن لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم، ألا فراعوني، فان استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني، قال الحسن: والله ما خطب بها بعده، وذكر أيضا ابن هشام في سيرته ج 4 ص 311، ط بيروت، وابن قتيبة في عيون الاخبار، ج 2 ص 254، كما ذكر أيضا جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 66 ط بيروت. =
[ 241 ]
فزعم أنه يزيغ، ويحتاج أن يقوم !، وقال أيضا على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وليتكم ولست بخيركم (1).
وقد قال فيه عمر بن الخطاب، وهو وليه وصاحبه وأخوه، وممن عقد له البيعة حين أتاه عبد الرحمان بن أبي بكر، يسأله في أمر الحطيئة الشاعر، لابنه عبد الله: عبد الرحمان بن أبي بكر لدويبة سوء، ولهو خير
= وسيرة الحلبيه ج 3 ص 359. والسيرة النبوية لابن الكثير ج 4 ص 493 ط بيروت. كما أورد في النهاية، ج 5، ص 228.
قال الزبير، ج 5، ص 228، قال الزبير بن بكار في الاخبار الموفقيات ص 579 فلما كان من الغد قام أبو بكر فخطب الناس، وقال أيها الناس إني وليت أمركم ولست بخيركم، فإذا أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني. إن لي شيطانا يعتريني فإياكم وإياي إذا غضبت.
(1) - الاخبار الموفقيات للزبير بن بكار ط، 1، ص 579، قال الزبير: فلما كان من الغد قام أبو بكر فخطب الناس، وقال: أيها الناس، إني وليت أمركم ولست بخيركم، فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. ان لي شيطانا.. الخ.
وذكر أيضا إبن حبان في كتاب الثقات ج 2، ص 157. وذكر أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 6، ص 20.
قال السيد المرتضى في الشافي ج 3 ص 116: ومن ظريف الامور أن يستشهد القوم بهذا الخبر على التفضيل وهم يروون أن أبا بكر قال: وليتكم ولست بخيركم فصرح باللفظ الخاص بأنه ليس بالافضل، ثم يتأولون ذلك على أنه خرج مخرج التخاشع الامة) ولكن الانصاف عندهم مفقود.
[ 242 ]
من أبيه.
69 - رواه الهيثم بن عدي (1)، عن عبد الله بن عياش الهمداني (2) عن سعيد بن جبير (3)، قال:
ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر، فقال رجل من القوم: كانا شمسي هذه الامة وبدريها (4)، فقال ابن عمر: وما يدريك ؟ ! فقال الرجل: أليس قد إئتلفا ؟ فقال [ابن عمر] (5): بل إختلفا لو كنتم تعلمون فأشهد أني كنت عند أبي يوما، وقد أمرني أن أهيئ أحلاسا، وأصلح
(1) - هو: الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي المتوفى (207)، أنظر لسان الميزان ج 6 ص 209 الرقم: 740، والجرح والتعديل ج 9 ص 85 الرقم 350، وسير أعلام النبلاء ج 10 ص 103 الرقم: 4.
(2) هو: عبد الله بن عياش بن عبد الله، أبو الجراح الهمداني الكوفي يعرف بالمنتوف، حدث عن عامر الشعبي، روى عنه الهيثم بن عدي الطائي. أنظر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج 10 ص 14 الرقم: 5132، وتاريخ الاسلام للذهبي، ج 9 ص 465. وفي تلخيص شافي ج 3 ص 160: المدائني.
(3) - هو: سعيد بن جبير بن هشام الاسدي الواسطي رحمه الله الذي قتله الحجاج بن يوسف. أنظر تهذيب الكمال ج 10 ص 358 الرقم: 2245. وسير أعلام النبلاء ج 4 ص 321 الرقم: 116.
(4) - وفي " ش ": ونوريها. وفي الشافي ج 4 ص 127 نوريها.
(5) - كذا في " ح ".
[ 243 ]
منها، إذ إستأذن عبد الرحمان بن أبي بكر، فقال [أبي ]: دويبة سوء (1)، ولهو خير من أبيه ! فأوحشني [منه] ذلك، فقلت يا أبة: عبد الرحمن خير من أبيه ؟ ! فقال: ومن ليس خيرا من أبيه ؟ ! لا أم لك.
وأذن لعبد الرحمان، فدخل، فكلمه في أمر الحطيئه، أن يرضى عنه، وقد كان حبسه في شعر قاله، فقال له: إن في الحطيئة تأودا، فدعني أقومه وأحسنه (2) بطول الحبس، فألح عليه عبد الرحمان فأبي، وخرج عبد الرحمان، فأقبل علي عمر، فقال: أو في غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من أفحج (أحيمق) بني تيم، وتقدمه علي، وظلمه لي (3) ؟ !
(1) - في تلخيص الشافي ج 3 ص 160: رؤية سوء.
(2) - وفي " ش ": وأحبسه. وفي تلخيص الشافي أمته. ثم إن قصة الحطيئة ذكرها محمد شاكر الكتبي المتوفى (764) في فوات الوفيات، ج 1، ص 276:. وإسمه جرول بن أوس بن مالك الحطيئة الشاعر لقب بالحطيئة لقربه من الارض، فإنه كان قصيرا قال الاصمعي: كان الحطيئة سؤلا ملحفا دنيئ النفس كثير الشر قليل الخير. وهجا الزبرقان بن بدر فاستعدى عليه زبرقان إلى عمر بن الخطاب فرفعه عمر إليه واستنشده فحبسه في بئر وأبقى عليه شيئا. أقول: القصة طويلة لا تناسب المقام ومن أراد التفصيل فعليه بالمصدر المذكور.
(3) - كذا في النسخة، وفي الشافي وشرح النهج: وتقدمه علي وظلمه لي.
والا فحج من أوصاف العيوب، التكبر، والذي في رجليه إعوجاج، قال الفيروزآبادي وفي الحديث: في صفة الدجال: أعور أفحج.
أنظر تاج العروس، ج 6 ص 140.
[ 244 ]
فقلت: يا أبة لا أعلم شيئا من ذلك (1)، فقال: يا بني، وما عسيت أن تعلم، فقلت: والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم، فقال: إن ذلك لكما ذكرت على رغم أبيك وسخطه، فقلت يا أبة: أفلا تحكي (2) أفعاله بمقام في الناس، يبين ذلك عنه، فقال: وكيف لي بذلك، مع ما ذكرت من أنه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم، إذا لرضخت (3) هامة أبيك بالجندل (4) قال: [ابن عمر] ثم تجاسر فجسر، فما دارت الجمعة حتى وقف به في الناس، فقال:
يا أيها الناس: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها (5) فمن عاد لمثلها فاقلتوه! (6).
(1) - وفي " ش ": لا علم لي بشئ.
(2) - وفي تلخيص الشافي تجلى بموقف في الناس تبين ذلك لهم.
(3) - وفي الشافي يرضخ رأس أبيك.
(4) - الجندل: الحجارة، وقيل: هو الحجر كله، الواحدة: جندلة. أنظر، لسان العرب، ج 11 ص 128، ط بيروت.
(5) - كتاب الثقات لابن حبان ج 2، ص 156. وفيه: فلا يقرن إمرا يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقد كان كذلك إلا أن الله وقى شرها. وفيه: فلما كان اليوم الثاني قام عمر بن الخطاب على المنبر فتلكم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إني قد قلت لكم بالامس مقالة ما كانت إلا مني وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6) - وفي تلخيص الشافي ج 4، ص 128: فمن دعا إلى مثلها فاقتلوه. ورواه أيضا اب
[ 245 ]
فكان الذي حدا عمر على ذلك مع ما كان في صدره عليه أنه بلغه عن قوم، هموا بأفاعيل، فكانت هي التي هيجت عمر، فقال ابن عمر: لكل أمر سببا، وإن ما كان من أخبار هؤلاء القوم الذين هموا بأفاعيل، هي التي هيجت على عمر، وأنه باب فتحه عمر من السخطة على أبي بكر.
70 - روى الهيثم بن عدي، عن مجالد (1) قال: غدوت يوما إلى الشعبي، وأنا أريد أن أسأله عن شئ بلغني أن ابن مسعود، كان يقوله، فأتيته في مسجد حيه (2)، وفي المسجد قوم ينتظرونه، فخرج ونهض (3) إليه القوم فقلت: أصلحك الله، أكان إبن مسعود يقول: ؟ ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة، قال: نعم كان ابن مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس قوله، وكان لابن عباس (4) علوم يعطيها أهلها ويصونها عن غيرهم (5)، فبينا نحن كذلك، إذ أقبل رجل من الازد، فجلس إلينا، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر، فضحك
= ابي الحديد في شرح النهج 2، ص 28 - 29.
(1) - هو: مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام بن ذي مران بن شرحبيل الهمداني الكوفي. أنظر تهذيب التهذيب ج 10 ص 39، وتقريب التهذيب 2 ص 229 رقم 919.
(2) - أي الحي الذي كان نازلا فيه. وفي " ش ": حبسه.
(3) - وفي ش: فيفوض.
(4) وفي " ش ": لعبدالله.
(5) - وفي الشافي وشرح النهج: وكان عند ابن عباس دفائن علم يعطها أهلها ويصرفها عن غيرهم.
[ 246 ]
الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر خب (1) على أبي بكر، فقال الازدي والله ما رأينا، ولا سمعنا قط برجل، كان أسلس قيادا لرجل من عمر لابي بكر ولا أقول فيه بالجميل (2) (من عمر في أبي بكر)، فأقبل علي الشعبي وقال: هذا مما سألت عنه، ثم أقبل (3) على الرجل، فقال الشعبي: يا أخا الازد، فكيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها، أترى عدوا يقول في عدوه، ما قاله عمر في أبي بكر ؟ فقال الرجل: سبحان الله يا أبا عمرو، أنت تقول مثل هذا ؟ ! فقال الشعبي: ما أنا أقوله، ولكن قاله عمر بن الخطاب، فنهض الرجل مسرعا ولم يودع، وهو كالمغضب يهمهم بما لا يفهم من الكلام، [قال مجالد:] فقلت للشعبي: ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم، قال: إذا لا أحفل به وقد قاله عمر على رؤوس المهاجرين والانصار، ولم يحفل به (4) أأحفل به أنا وأنتم أيضا فأذيعوه عني ما بدا لكم.
(1) - وفي " ش ": ضب. الخب بالفتح والتشديد غير مهموز: الخداع ومعناه الذي يفسد الناس بالخداع ويمكر ويحتال في الامر، يقال: فلان خب ضب إذا كان فاسدا مفسدا مراوغا، كذا بالكسر، وفي الشافي الضب: الحقد الخفي، الغيظ والعداوة وجمعه ضباب. وفي الشافي ضب وكلاهما واحد. أنظر تلخيص الشافي لشيخ الطوسي ج 3 ص 29.
(2) - وفي " ش ": بالجهل.
(3) - وفي " ح ": ثم إلتفت للرجل.
(4) - وفي الشافي: بذلك شيئا لم يحفل به ابن الخطاب حين قام على رؤوس المهاجرين والانصار، أحفل به، وأنتم أيضا، فأذيعوه عني ما بدا لكم. وفي شرح النهج: على رؤوس =
[ 247 ]
71 - وروى شريك بن عبد الله النخعي (1)، عن محمد بن عمرو بن
= الاشهاد، من المهاجرين والانصار به أنا أذيعوه أنتم عني أيضا ما بدا لكم.
(1) - هو: شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي، أبو عبد الله الكوفي القاضي. تهذيب الكمال ج 12 ص 462 الرقم 2736. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج 2 ص 30 وروى شريك بن عبد الله النخعي، عن محمد بن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن عبد الله بن سلمة. عن أبي موسى الاشعري، قال: حججت مع عمر، فلما نزلنا وعظم الناس خرجت من رحلي أريده، فلقيني االمغيرة بن شعبة، فرافقني ثم قال: أين تريد ؟، فقلت: أمير المؤمنين، فهل لك ؟. قال: نعم، فانطلقتا نريد رحل عمر فإنا لفي طريقنا إذ ذكرنا تولى عمر وقيامه بما هو فيه، وحياطته على الاسلام، ونهوضا بما قبله من ذلك، ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر، فقلت للمغيرة: ؟ ؟ ك الخير ! لقد كان أبو بكر مسددا في عمر، لكانه ينظر إلى فيامه من بعده، وجده واجتهاده وغنائه في الاسلام، فقال المغيرة: لقد كان ذلك، وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه، وما كان لهم في ذلك من حظ، فقلت له: لا أبالك ! ومن القوم الذين كرهوا ذلك لعمر ؟ فقال المغيرة: لله أنت ! كأنك لا تعرف هذا الحي من قريش وما خصوا به من الحسد ! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره، وللناس كلهم عشر، فقلت: مه يا مغيرة ! فإن قريشا بانت بفضلها على الناس. فلك نزل في مثل ذلك حتى إنتهيا إلى رحل عمر فلم نجده، فسألنا عنه فقيل: قد خرج آنفا،
فمضينا نقفو أثره، حتى دخلنا المسجد، فإذا عمر يطوف بالبيت، فطفنا معه، فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة، فتوكأ على المغيرة وقال: من أين جئتما ؟ فقلنا خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين، فأتينا رحلك فقيل لنا: خرج إلى المسجد، فاتبعناك. فقال: أتبعكما الخير، =
[ 248 ]
............................................................................................................................
= ثم نظر المغيرة إلي وتبسم، فرمقه عمر، فقال: مم تبسمت أيها العبد ؟ ! فقال: من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك، قال: وما ذاك الحديث ؟ فقصصنا عليه الخبر ختى بلغنا ذكر حسد قريش، وذكر من أراد صرف أبي بكر عن إستخلاف عمر، فتنفس الصعداء ثم قال: ثكلتك أمك يا مغيرة ! وما تسعة أعشار الحسد ! بل وتسعة أعشار العشر، وفي الناس كلهم عشر العشر، بل وقريش شركاؤهم أيضا فيه ! وسكت مليا وهو يتهادي بيننا، ثم قال: ألا أخبركما بأحسد قريش كلها ؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: و عليكما ثيابكما، قلنا: نعم، قال: وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما ؟ قلنا يا أمير المؤمنين وما بال الثياب ؟ قال: خوف الاذاعة منها قلنا له: أتخاف الاذاعة من الثياب أنت وأنت من ملبس الثياب أخوف ! وما الثياب أردت ؟ قال: هو ذاك.
ثم انطلق وانطلقنا معه حتى إنتهينا إلى رحله فخلى أيدينا من يده ثم قال: لا تريما و دخل فقلت للمغيرة لا أبالك ! لقد أثرنا بكلامنا معه، وما كنا فيه وما نراه حبسنا إلا ليذاكرنا إياها قال: فإنا لكذلك إذ أخرج إذنه إلينا، فقال: أدخلا فدخلنا فوجدناه مستلقيا على برذعة برحل، فلما رآنا تمثل بقول كعب بن زهير:
لا تفـــش ســـرك إلا عند ذي ثقة * أولى وأفض ما إستودعت أسرارا
صــدرا رحيبـــا وقلبا واسعا قمنا * ألا تخــــاف متـى أودعت إظهارا
فعلمنا أنه يريد أن يضمن له كتمان حديثه، فقلت أنا له: يا أمير المؤمنين الزمنا وخصنا وصلنا، قال: بماذا يا أخا الاشعريين ؟ فقلت بإفشاء سرك في همتك فنعم المستشاران نحن لك. قال: إنكما كذلك، فاسألا عما بدا لكما، ثم قام إلى الباب ليغلقه، فإذا الآذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك: فخرج وأغلق الباب خلفه، ثم أقبل =
[ 249 ]
............................................................................................................................
= علينا، فجلس معنا وقال: سلا تخبرا، قلنا: نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش الذي لم يأمن ثيابنا على ذكره لنا، فقال: سألتما عن معضلة، وسأخبركما فليكن عندكما في ذمة منيعة وحرز ما بقيت، فإذا مت فشأنكما وما شئتما من إظهار أو كتمان.
قلنا: فإن لك عندنا ذلك، قال أبو موسى: وأنا أقول في نفسي: ما يريد إلا االذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره، فإنهم قالوا لابي بكر: أتستخلف علينا فظا غليظا ؟ ! وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي، فعاد إلى التنفس، ثم قال: من تريانه ؟ قلنا: والله ما ندري إلا ظنا ! قال: ومن تظنان ؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الامر عنك، قال: كلام والله ! بل كان أبو بكر أعق، وهو الذي سألتما عنه، كان والله أحسد قريش كلها.
ثم أطرق طويلا، فنظر المغيرة إلي ونظرت إليه، وأطرقنا مليا لاطراقه وطال السكوت منا ومنه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه.
ثم قال: والهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة ! لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها آثما، فقال المغيرة: أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالما فقد عرفناه، كيف خرج إليك منها آثما ؟ قال: ذاك لانه لم يخرج إلى منها إلا بعد يأس منها أما والله لو كنت أطعت يزيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشئ أبدا، ولكن قدمت وأخرت، وصعدت وصوبت، ونقضت وأبرمت، فلم إجد إلا الاغضاء على ما نشب به منها، والتلهف على نفسي، وأملت إنابته ورجوعه، فوالله ما فعل حتى نغزبها بشما.
قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين، وقد عرضك لها يوم السقيفة بدعائك إليها ! ثم أنت الآن تنقم وتتأسف ؟ قال: ثكلتك أمك يا مغيرة ! إني كنت لاعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائبا عما هناك ! إن الرجل ماكرني فماكرته، وألفاني أحذر من قطاة، =
[ 250 ]
............................................................................................................................
= إنه لما رأى شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه، أيقن أنهم لا يريدون به بدلا، فأحب لما رأى من حرص الناس عليه، وميلهم إليه، أن يعلم ما عندي، وهل تنازعني نفسي إليها ! وأحب أن يبلوني بإطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم وعلمت لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك، فألفاني قائما على إخمص مستوفزا حذرا ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك، واختبأها ضغنا علي في قلبه، ولم آمن غائلته ولو بعد حين: مع ما بدا لي من كراهة الناس لي: أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي: لا نريد سواك يا أبا بكر، أنت لها ! فرددتها إليه عند ذلك، فلقد رأيته إلتمع وجهه لذلك سرورا. وقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني، وذلك لما قدم عليه بالاشعث سيرا، فمن عليه وأطلقه، وزوجه أخته أم فروة، فقلت للاشعث وهو قاعد بين يديه: يا عدو الله أكفرت بعد اسلامك، وارتددت ناكصا على عقبيك ! فنظر إلي علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني بعد ذلك في سكك المدينة، فقال لي: أنت صاحب الكلام يابن الخطاب ؟ فقلت: نعم يا عدو الله، ولك عندي شر من ذلك، فقال: بئس الجزاء هذا لي منك ! قلت: وعلام تريد مني حسن الجزاء ؟ قال: لانفتي لك من اتباع هذا الرجل والله ما جرأني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك، وتخلفك عنها، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافا عليك. قلت: لقد كان ذلك، فما تأمر الآن ؟ قال: إنه ليس بوقت أمر، بل وقت صبر، ومضى ومضيت. ولقى الاشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني وبينه، فنقل إلى أبي بكر، فأرسل إلي بعتاب مؤلم، فأرسلت إليه: أما والله لتكفن أو لاقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس، تحملها الركبان حيث ساروا وإن شئت استدمنا ما نحنا فيه عفوا، فقال: بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد إيام، فظننت أنه لا =
[ 251 ]
مرة، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن أبي موسى الاشعري، قال: حججت مع عمر.
فلما نزلنا وعظم الناس خرجت من رحلي وأنا أريد عمر، ونحن (1) بمكة، فلقيت المغيرة بن شعبه فقال: أين تريد ؟ فأعلمته (2) أني أريد عمر [فهل لك ؟ قال: نعم ]، فمضينا جميعا فدخلنا عليه (3)، فذكرنا أبا بكر، فقال (4): كان والله أعق وأظلم، وكان والله أحسد قريش كلها والهفتاه على ضليل بني تيم بن مرة، والله لقد تقدمني ظالما وخرج إلي
= يأتي عليه جمعة حتى يردها علي، فتغافل، والله ما ذكرني بعد ذلك حرفا حتى لك.
ولقد مد في أمدها عاضا على نواجذه حتى حضره الموت، وأيس منها فكان منه ما رأيتما، فأكتما ما قلت لكما عن الناس كافة وعن بني هاشم خاصة، وليكن منكما بحيث أمرتكما، قوما إذا شئتما على بركة الله.
فقمنا ونحن نعجب من قوله، فوالله ما أفشينا سره حتى هلك.
أقول: وروى أيضا السيد المرتضى رحمه الله في كتابه الشافي ج 4، ص 129 مع إختلاف جزئي.
(1) - وفي " ح ": وأنا.
(2) - وفي " ح ": فقلت.
(3) - الظاهر من العبارة، أن المصنف رحمه الله لخص القصة كما يظهر من الشافي وشرح النهج لابن أبي الحديد، واقتصر بما جرى من الحديث الذي دار بينهم وغض النظر عما دار بين أبو موسى والمغيرة.
(4) - وفي " ش ": عمر.
[ 252 ]
منها آثما، فقيل له (1) تقدمك ظالما قد عرفنا، فكيف خرج إليك منها آثما ؟ قال: إنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها، أم والله لو كنت أطعت زيد ابن الخطاب ما تلمظ من حلاوتها بشئ أبدا (2)، ولكني قدمت وأخرت وصعدت، وصوبت ونقضت وأبرمت، فلم أجد بدا من الاغضاء له على ما نشبت منه فيها، ولم يجبني نفسي على ذلك وأملت (3) إنابته ورجوعه فوالله ما فعل حتى أثغر بها نفسا (4)، فقال له المغيرة: فما منعك منها وقد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائه إياك إليها، ثم أنت الآن متعقب بالتأسف عليه ؟ فقال له عمر: ثكلتك أمك يا مغيرة، إني كنت لاعدك من دهاة العرب !، كأنك كنت غائبا عما هناك، إن الرجل ماكرني فماكرته (5) فألفاني أحذر من قطاة أنه لما رأى شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أنهم لا يريدون به بدلا، فأحب مع ما رأى من شخوص الناس إليه وشغفهم به (6) أن يعلم ما عندي، وهل تنازعني إليها نفسي بأطماعي فيها والتعريض لي بها، وقد علمت أني لو قبلت ما عرض علي لم يجب الناس إلى ذلك، وكان أشد
(1) - وفي " ح ": فقلنا له. والقائل هو المغيرة.
(2) - وفي " ح ": ما تلمظ منها بشئ من حلائتها أبدا.
(3) - وفي " ح ": وأقلت.
(4) -: للثغر معان عديدة، فراجع لسان العرب ج 4، ص 103، لغة ثغر.
(5) - وفي الشافي: كادني فكدته.
(6) - وفي الشافي وشرح النهج: من حرص الناس عليه وميلهم إليه.
[ 253 ]
الناس إباء، الذين كرهوا إياها لي عند موته فألقاني قائما على أخمصي حذرا (1)، ولو أجبته إلى قبولها لم تدفع (2) الناس ذلك إلي وأخباها علي ضغنا في قلبه، ثم لم آمن (3) من أتباعه ولو بعد حين مع ما بدا له ولي من كراهية الناس لما عرض علي منها، أو سمعت ندائهم في كل ناحية عند عرضه إياها علي، لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها، فرددتها عند ذلك، فلقد رأيته إلتمع وجهه لذلك سرورا.
ولقد والله عاتبني مرة على شئ كان بلغه عني، وذلك أنه لما قدم عليه الاشعث بن قيس أسيرا، فمن عليه وزوجه [أخته] أم فروة بنت أبي قحافة، قلت للاشعث وهو بين يديه: أبعد أسلامك إرتددت كافرا ! ؟ فنظر إلي الاشعث نظرا حديدا علمت أنه يريد كلاما، ثم أمسك، فلقيني بعد ذلك في سكة من سكك المدينة، فقال: أنت صاحب الكلمة يومئذ يابن الخطاب ؟ فقلت: نعم، ولك عندي شر من ذلك، فقال: بئس الجزاء هذا لي منك، فقلت: وعلى ما تريد مني حسن الجزاء ؟ فقال: أما تأنف من أتباع هذا الرجل ! يعني (4) أبا بكر - وما حداني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك، ولو كنت صاحبها لما رأيت (5) مني خلافا.
(1) - وفي " ش ": أحمض خميرا.
(2) - " ش ": لم يعلم.
(3) - كذا في الشافي وشرح النهج.
(4) - وفي " ح ": يريد.
(5) - وفي ش: عليك.
[ 254 ]
فقلت: قد كان ذلك، فما تأمرني الآن ؟ قال: هذا وقت صبر حتى يفرج الله، ويأتي بمخرج، فمضى ومضيت، ولقي الاشعث الزبرقان بن بدر السعدي (1)، فذكر ما جرى بيني وبينه من الكلام، فنقل الزبرقان الكلام إلى أبي بكر فذكر (2) ذلك، ثم قال: إنك لتشوق إليها يابن الخطاب ؟ فقلت: وما يمنعني من التشوق إلى ما كنت أحق به ممن غلبني عليه، أما والله لتكفن أو لاقولن كلمة بالغة بي وبك ما بلغت، فإن شئت إستدمت ما فيه عفوا - قال: بل أستديمه وهي صائرة إليك بعد أيام، فما ظننت أن تأتي عليه جمعة بعد ذلك حتى يردها إلي، فوالله ما ذكر لي منها حرفا بعد ذلك.
ولقد مد في أمدها (3) عاضا على نواجذه، حتى كان عند إياسه منها حين ما حضرته الوفاة، فكان ما رأيتما منه.
ثم قال لنا: إحفظا ما قلت لكما وليكن منكما بحيث أمرتكما إذا شئتما على بركة الله وفي حفظه.
(1) - هو: الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس التميمي السعدي، وقيل: إسمه الحصين، وهو صحابي، توفي سنة (45)، وله قصة مع الحطيئة الشاعر في هجائه إياه واستعدائه إلى عمر، تجدها في ترجمة بغيض بن عامر بن شماس. أنظر ترجمة الزبرقان في الاصابة للعسقلاني ج 1، ص 543 باب: ب - ز. وترجمة الحطيئة، ص 378، وترجمة بغيض في ص 174.
(2) - وفي " ش ": لي.
(3) - وفي " ش ": أمدادها
[ 255 ]
فنهضنا وكل واحد منا يتعجب إلى صاحبه من قوله (1).
[و] لعمري أن أبا بكر قد تكلم في أمر غير عمر أيضا، وأنكروا من أمره أشياء تكلم بها.
72 - ومن ذلك ما رواه زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: دخل عمر على أبي بكر، وهو آخذ بلسانه ينضنضه، فقال [له عمر ]: الله [الله يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبو بكر يقول: هاه إن هذا أوردني الموارد] (2).
(1) - أنظر كتاب الشافي ج 4 من المطبوع ص 129 إلى 135، والمخطوط لمكتبة السيد المرعشي دام ظله، ص 193 و 194، الرقم: 1282. وكذلك تلخيص الشافي لشيخ الطوسي رحمه الله ج 3 ص 162 إلى 167، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 30 إلى 33 كما تقدم، وذكره أيضا العلامة المجلسي رحمه الله في البحار الطبعة القديمة ج 8 ص 248 إلى 250، وهو الطعن الرابع، فراجع.
(2) - بين المعقوفات كان ساقطا من المتن المطبوع وجميع النسخ المخطوطة وكان محلها بياضا، والحديث أكملته كما ذكر ابن أبي شيبة في المصنف ج 14، ص 568 ط الهند رقم الحديث: 18893، قال:
حدثنا ابن إدريس، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه، فقال له عمر: الله الله يا خليفة رسول الله، وهو يقول: هاه إن هذا أوردني الموارد. وذكر أيضا جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء ط بيروت ص 93، قال: وأخرج النسائي عن أسلم، أن عمر اطلع على أبي بكر وهو آخذ بلسانه، فقال: هذا الذي أوردني الموارد. وقال العلامة البياضي رحمه الله في الصراط المستقيم، ج 2
[ 256 ]
[ قال المصنف] ثم أنكروا أحكاما حكم بها خالف فيها [عمر من أحكام] الكراع والسلاح، ولم يبايع على ذلك، و [ما ورد] في القرآن،
وما كان من عمر في مخالفته في [قصة] مالك بن نويرة قتله خالد بن الوليد، فأ [خذه إلى أبي بكر] فقال عمر: والله لئن وليت شيئا من الامر، [لاقيدنك] بمن قتلت من أصحابه، فقد تحقق عنه... على الاسلام رغبة
= ص 299: أخرج الغزالي في الاحياء، عن زيد بن أسلم، قال: دخل الثاني على الاول وهو يجيل بلسانه، وفي موضع آخر ينضنض بلسانه، فقال: هذا أوردني الموارد.
وذكر أيضا أبو يعلى الموصلي في مسنده ج 1 ص 17 رقم الحديث 5، قال: حدثنا موسى بن محمد بن حيان، أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث، أخبرنا عبد العزيز الاندراوردي.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر اطلع على أبي بكر وهو يمد لسانه، فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله ؟ فقال: إن هذا أوردني الموارد.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس شئ من الجسد إلا وهو يشكو ضرب لسان ".
أقول: من هنا إلى نهاية الصفحتين الآتيتين توجد سقطات كانت في جميع النسخ التي رأيناها وقابلنا معها وكذا النسخة المطبوعة التي جلعناها الاصل كانت بهامشها هذه الجملة: " هذه البياضات لقد أكلتها الارضة " ؟ ! ومما يؤسف أن هذا المورد من أهم مواضيع الكتاب لمكان الحديث.وإني أرى من الانسب أن أحسبها على أرضة التاريخ، لتكون موضع إعتبار للقادمين من الاجيال، ولهذه العلل والسوانح، قد تبقى بعض الاحاديث بلا مصدر وسند. كما أشرنا في المقدمة.
[ 257 ]
منك في إمرأته (1)... ألح في أمره وإبطال فضله.
ونحن نشرح بعد... له الفضل بحديث روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)... معنى له أنه صعد المنبر في وقت إحتاج... إلى القتال وعرف شغفهم به فأعطاهم... خير هذه الامة بعد نبيهم أبو بكر و عمر.. اله الفضل، ولعمري إنها صفة عليه... يجوز أن يقال: خير هذه الامة بعد [رسول الله] صلى الله عليه وآله، ليس من هذه الامة... وإنما الامة... أن أمير المؤمنين لو أراد... خير هذه الامة أبو بكر وعمر، وكان... دعواهم، ولكن إن كان الامام على ما ذكروه [فأشار] إلى جماعة تحت
(1) - وفي الايضاح لابن شاذان، ص 72، ط بيروت: والله لو وليت من أمور المسلمين شيئا لضربت عنقك، ولقد تحقق عندي، أنك قتلت مالك بن نويرة ظلما له وطمعا في إمرأته لجمالها. فأبطل أبو بكر قول عمر، وأجاز ذلك القتل والسبي، وأجاز لخالد ما صنع !.
قال أحمد المحمودي: ولخالد فارس هذا الميدان سابقة، في قصة بنو جذيمة وأمره بقتل الاسرى، حتى قال ابن عمر: فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره، فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا صنيع خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " مرتين. وفي قصة قتل مالك بن نويرة حين ضرب عنقه وإصطفى إمرأته أم تميم، فقال عمر بن الخطاب لابي بكر: إعزله فان في سيفه رهقا، فقال أبو بكر: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين. أنظر البداية والنهاية لابن كثير، ج 4، ص 314، وج 6، ص 320 و 321 أقول: وللمزيد من الاطلاع والتفصيل، عليك أيها القارئي الكريم بكتاب " الغدير " للبحاث الامين، الاميني رحمه الله، ج 7، ص 158.
[ 258 ]
منبره وهم دونهما... التي أشير إليها أبو بكر وعمر، وإنما أراد [من الحديث] معنى له حتى يبايعوه كما ذكرنا والحرب [خدعة، كما ورد] عن أمير المؤمنين أنه قال: [إذا حدثتكم عن رسول] الله رسول الله، فلئن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب على رسول اللله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) [و] قال: ما أقلت الغبراء ولا ظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر (2).
أفترى النبي (صلى الله عليه وآله) ممن أقلته الغبراء وأظلته الخضراء، ولكن هذا على مجاز اللغة، وحديث أبي يدل على أنه لم يدع الفضل لنفسه حيث قيل له: وعنده إبنة سعيد بن الربيع، هذه إبنتك ؟ قال هذه إبنة من هو خير مني سعيد بن الربيع، فقد تبين أن الفضل قد زال بهذه الاشياء التي
(1) - أنظر صحيح مسلم ج 2 ص 746، ط بيروت، الرقم: 154 - (1066).
(2) - رواه الترمذي في سننه ج 5 ص 669، الرقم: 3801 باب 36، قال: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا ابن نمير، عن الاعمش، عن عثمان بن عمير هو أبو اليقظان، عن أبي حرب بن أبي الاسود الدئلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر. ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك ج 4، ص 480، عن علي بن أبي طالب عليه السلام. وسيأتيك الحديث بالتفصيل. قال: وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي ذر. قال: وهذا حديث حسن.
أقول: وأحسن من هذا الحديث، الذي بعده، وفيه: شبه عيسى بن مريم عليه السلام، فراجع. كما ذكر ابن ماجة في سننه، ج 1، ص 55، باب فضل أبي ذر.. الرقم 156، وذكر ابن سعد في طبقاته ج 4 ص 228، وأحمد بن حنبل في مسنده ج 163، و 175 وبعده.
[ 259 ]
شرحناها.
ولعمري أن عمر من أعدل الشهود عليه فيما ذكره من قبيح القول فيه وهو صاحبه، وأخوه والمتقدم له والمتابع له، والمبادر إليه، فمن إدعى له الفضل بعد ما شرحنا من أمره فليس إلا معاندا.
73 - واحتج بعض أهل العلم في قول أمير المؤمنين عليه السلام: ألا إن خير هذه الامة، أنه عنى المتحيرة، وكما قال أبو ذر وسلمان: " أيتها الامة المتحيرة لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، ما عال ولي الله، ولا طاش سهم (1) عن فرائض الله ".
فهذا لعمري إن أمير المؤمنين (عليه السلام) خاطب الامة المتحيرة، فقال: خيركم أبو بكر وعمر، ولعمري أن الامة المتحيرة أبت أن تختار إلا من قد نفاه الله، وتطرح من إختاره الله ورسوله حسدا وبغيا وطلبا للامرة، خلافا على الله وعلى رسوله، فإن الله قد إختار و رسيوله قد دخل (2) على إختيار الله، فأبت الامة المتحيرة إلا ما أتت، والله عزوجل يقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذ قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (3).
(1) - اي جاز السهم ولم يصبه، والطيش: جواز السهم الهدف وقد طاش عنه، إذا عدل ولم يقصد الرمية. تاج العروس، ج 17، ص 249.
(2) - وفي " ش "، و " ح ": قد دل.
(3) - الاحزاب الآية: 36.
[ 260 ]
فلما فعلت [الامة] ذلك، واختلفت وافترقت كما افترقت بنو إسرائيل على احدى وسبعين فرقة كلها هالكة الا فرقة واحدة، وافترقت النصارى على أثنين وسبعين فرقة، كلها هالكة الا واحدة، وتفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة الا واحدة، وتفترق الواحدة على أنثي عشر فرقة كلها هالكة الا واحدة ! ! (1).
فطلبنا هذه الفرقة الناجية، فوجدنا النبي (صى الله عليه وآله وسلم) قد دل عليها بقوله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
وهذا دليل واضح، إذ كان (صلى الله عليه وآله) قد دل على أهل بيته، وجعلهم كسفينة نوح، وأعلم الامة أن من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، فأبت الامة إلا ما ذكرنا، والله المستعان.
قد ذكرنا جملا تدل على إبطال فضل من إدعوا له الفضل، ونحن نوضحه لاولي الالباب، (إن شاء الله).
(1) - مسند أحمد بن حنبل ج 2، ص 332. والمطالب العالية لابن حجر العسقلاني ج3، ص86، و87.