[ 369 ]

 

(5)

باب: الرد على من قال:

لم قعد علي بن أبي طالب عن طلب حقه ؟!

 


[ 370 ]

121 - بزعمكم إذاً، كيف سكت عنه (ان) كان له؟!، إنا لما أوردنا هذه القواطع التي إحتججنا بها، والبراهين التي كشفنا عنها، ولم يقدروا على إبطالها، طالبونا بهذه، فقالوا: ما بال هذا الرجل قعد عن طلب حقه ؟ إذ علم أن الخلافة له دون غيره، ولم يضارب عليها بسيفه، أكان أضعف من الرجل الذي غلبه مكانه ؟ أم كانت بنو هاشم أقل عددا وأضعف جندا من بني تيم ؟

فأخبرناهم بالعلة في ذلك وشرحنا ما كانت علة قعوده (عليه السلام) عن طلب حقه بالسيف دون اللسان من قوله، حيث سأله الاشعث ابن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين إني سمعتك تقول: ما زلت مظلوما ! فما منعك من طلب ظلامتك والضرب دونها بسيفك ؟

فقال: يا أشعث منعني من ذلك، ما منع هارون (عليه السلام) إذا قال لاخيه موسى (عليه السلام): (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) (1)، وكان معنى ذلك، أنه قال له موسى حين مضى لميقات ربه:


(1) - سورة طه، الاية: 94.

 


[ 371 ]

إن رأيت قومي ضلوا وإتبعوا غيري، فنابذهم، وجاهدهم، فإن لم تجد أعوانا فاحقن دمك وكف يدك، ! وكذلك قال لي أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا فلا أخالف أمره، وما ضننت بنفسي عن الموت فماذا أقول له إذا لقيته ؟ وقال: ألم آمرك بحقن دمك وكف يدك، فهذا عذري.

 122 - وقوله حين سأله ابن دودان (1) فقال يا أمير المؤمنين: عجبت لهؤلاء القوم الذين عدلوا هذا الامر عنكم، ! وأنتم الاعلون نسبا وفرطا برسول الله، وقيما للكتاب ؟ ! فقال [عليه السلام]:

يابن دودان، إنك لقلق (2) الوضين، وتسأل عن غير ذي مسألة و لك مع هذا أحسن الاجابة قد إستعملت (3) !

 


(1) - إلى الان لم نجد ترجمة لهذا العنوان، الا إذا راجعنا الخطبة الحادية والستون من نهج البلاغة، وشرحه لابن ميثم البحراني (ره) وتوضيح الشارح، من أن الرجل المخاطب في كلام الامام عليه السلام، من بني أسد، ومن أجداده ذوذان، والقرابة له من جانب زينب بنت جحش زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فراجع شرح نهج البلاغة للبحراني ج 3 ص 293، ط ابران. كما سيأتيك كلام الشيخ المفيد (ره) قريبا مع كلام ابن أبي الحديد المعتزلي. وفي البحار للمجلسي (ره) ج 44، ص 323، أيضا إشارة ما.

 (2) - وفي " ش ": تقلق (3) - هذا هو الصحيح: قد استعلمت.

 ثم انظر نهج البلاغة الخطبة (160) أنظر شرح أبي الحديد ومصادر نهج البلاغة ج 2 ص 377، واليك النص من الارشاد، قال الشيخ =


[ 372 ]

فاعلم: أنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم آخرين، فإن يرتفع عنا محن البلوى نحملهم من الحق على محضه، وإن تكن


= المفيد (ره): وروى نقلة الآثار أن رجلا من بني أسد وقف على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: يا أمير المؤمنين العجب فيكم يا بني هاشم: كيف عدل بهذا الامر عنكم وأنتم الاعلون نسبا وسببا ونوطا بالرسول (صلى الله عليه وآله) وفهما للكتاب ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يابن دودان إنك لقلق الوضين ضيق ترسل غير ذي مسك لك ذمامة الصهر وحق المسألة وقد استعملت، فاعلم كانت إثرة سنحت بها نفوس قوم وشحت عليها نفوس آخرين.

 فدع عنك نهبا صيح في حجراته، وهلم الخطب في أمر ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه ولا غرو ويئس القوم الله من حظي وسنتي وحاولوا الادهان في ذات الله وهيهات ذلك مني وقد جدحوا بيني وبينهم شربا وبيئا فإن تخسر عنا محن البلوى أحملهم من الحق على محضه وإن تكن الاخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فلا تأس على القوم الفاسقين.

 الارشاد للشيخ المفيد ط بيروت ص 156.

 ثم إن ابن دودان هو الرجل الاسدي الذي سئل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) واستعمله، واليك كلام ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 9 ص 242 عند شرح قوله (عليه السلام) " ولك بعد ذمامة الصهر ": لان زينب بنت جحش زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كانت أسدية وهي زينب بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة.

 وأمها أمية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فهي عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمصاهرة المسار إليها هي هذه.

 


[ 373 ]

الاخرى (فلا تذكب نفسك عليهم حسرات ولا تأس على القوم الفاسقين) [سورة فاطر: 8 ].

 ووجه آخر: ما ذكره العلماء، قلنا: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) منعه من طلب الخلافة بعد فراغه من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعد أن توثب الظالمون، فبايعوا أبا بكر إن المدينة كانت محتشية بالمنافقين وكانوا يعضون الانامل من الغيظ، وكانوا ينتهزون (يهتبلون) الفرصة، وقد تهياؤا لها ووافق ذلك في شكاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبل وفاته، وعلي (عليه السلام) مشغول بغسل رسول الله وبإصلاح أمره ودفنه، فلما إنجلت الغمة وبايع الناس أبا بكر من غير مناظرة أهل البيت قعد في منزله، وطلب الخلافة بلسان دون سيفه، وتكلم وأعلم الناس حاله و أمره معذرا يعلم الناس أن الحق له دون غيره، وذكرهم ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقد له، ثم رجع وقعد عن القوم، فصاروا إلى داره و أرادوا أن يضرموها عليه وعلى فاطمة عليها السلام نارا !، فخرج الزبير بسيفه حتى كسروه.

 


[ 374 ]

123 - رواه محمد بن هارون (1):

عن أبان بن عثمان (2): قال: حدثني سعيد بن قدامة (3)، عن زائدة بن قدامة (4): أن أبا بكر دعا عليا (عليه السلام) إلى البيعة فامتنع، وقال: إني لاخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقولها غيري الا كذاب، وأنا والله أحق بهذا الامر منكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، إنكم أخذتم هذا الامر من العرب بالحجة وتأخذونه منا أهل البيت غصبا وظلما، إحتججتم على العرب بأنكم أولى الناس بهذا الامر منهم، بقرابة رسول الله (صلى لله عليه وآله وسلم) فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الامر فانا أحتج عليكم بما إحتججتم به على العرب، فنحن والله أولى بمحمد (صلى الله عليه وآله) منكم فأنصفونا من أنفسكم إن كنتم تؤمنون بالله، وأعرفوا لنا من هذا الامر ما عرفته لكم العرب، وإلا


(1) - هو محمد بن هارون بن إبراهيم الربعي أبو جعفر البغدادي البزار المعروف بأبي نشيط المتوفى (250) أنظر تهذيب الكمال ج 26 ص 560 رقم: 5661.

 (2) - هو: أبان بن عثمان بن عفان الاموي المتوفى (105)، أنظر تهذيب الكمال ج 1 ص 16، رقم: 141.

 الجرح ولتعديل ج 2 ص 295.

 (3) - لم نجد بهذا العنوان ترجمة لعله تصحيف أو سقط في السند فراجع.

 (4) - هو زائدة بن قدامة أبو الصلت الثقفي الكوفي، المتوفى (161) أنظر تاريخ لاسلام للذهبي ج 10 (161 - 170) ص 5، ومعجم رجال الحديث ج 7 ص 214 رقم 4649 وفيه: من أصحاب الباقر عليه السلام وروى عن علي بن الحسين عليه السلام.

 


[ 375 ]

فبوؤا بالظلم، وأنتم تعلمون (1).

 فقال أبو عبيدة بن الجراح: [يا أبا الحسن] أبو بكر أقوى على هذا الامر، وأشد إحتمالا، فارض به وسلم له، وأنت بهذا الامر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك ! فقال لهم [علي عليه السلام ]:

124 - يا معشر قريش، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد من بيته (2) إلى بيوتكم، فإنكم إن تدفعونا أهل البيت عن مقامه في الناس، وحقه تؤزروا فوالله لنحن أهل البيت أحق بهذا الامر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بسنة رسول الله المضطلع بأمر الرعية، فوالله إن ذلك فينا فلا تزينوا لانفسكم ما قد سميتمونا، ولا تتبعوا الهوى، ولا تزدادوا من الله الا بعدا (3).

 


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 ص 11، وفيه: فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع. فقال له علي: إحلب يا عمر حلبا لك شطره أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا ! على والله لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبو بكر: فان لم تبايعني لم أكرهك فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور، ولا أرى أبا بكر الا أقوى على هذا الامر منك، وأشد احتمالا له، واضطلاعا به، فسلم له هذا الامر وارض به، فإنك إن تعيش ويطل عمرك فأنت لهذ الامر خليق وبه حقيق، في فضلك وقرابتك، وسابقتك وجهادك. فقال عليّ: ... .

(2) - وفي " ش ": من أهل بيته.

(3) - أنظر: الامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ص 28 - 29. شرح النهج لابن أبي =


[ 376 ]

فقال بشير بن سعد الانصاري (1): لو سمع الناس مقالتك من قبل أن يبايعو أبا بكر، ما إختلف عليك إثنان، فقال أبو بكر لعلي (عليه السلام) عند ذلك: إن لم تبايع [فلا] أكرهك !، فانصرف علي (عليه السلام) في ذلك اليوم (2).

 فسألت زائدة بن قدامة: ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال: من أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام).

 125 - قال: وأخبرنا مخول بن إبراهيم النهدي (3)، قال: حدثنا مطر


= الحديد ج 6 ص 12 وفيه: قال أبو بكر [الجوهري ]: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو قبيصة محمد بن حرب: لما توفى النبي صلى الله عليه واله وسلم)، وجرى في السقيفة ما جرى تمثل علي:

وأصبح أقوام يقولون ما إشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائلـــه

 أقول: من أراد تفصيل الحديث وما جرى بعد السقيفة وتواليها فليراجع إلى " بحار الانوار للمجلسي رحمه الله ج 38 ص 181.

 (1) - هو: بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الانصاري الخزرجي، أنظر الجرح و التعديل ج 2 ص 374 لرقم: 1449، وتهذيب الكمال ج 4 ص 166 الرقم: 718.

 (2) - قال إبن أبي لحديد: وإنصرف علي إلى منزله، ولم يبايع، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة، فبايع.

 (3) - هو: مخول بن راشد النهدي الكوفي الدي روى عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، وهو جد للمذكور في المتن، أنظر: تهذيب الكمال ج 27 ص 348 الرقم: 5846، والجرح والتعديل ج 8 ص 398 الرقم: 1830. وتاريخ الاسلام للذهبي ج 6 ص 404 الرقم: 395  =


[ 377 ]

بن أرقم قال: حدثنا أبو حمزة الثمالي (1):

عن علي بن الحسين (عليهما لسلام)، قال: لما قبض [النبي] (صلى الله عليه وآله) و بويع أبو بكر، تخلف علي (عليه السلام) فقال عمر لابي بكر: الا ترسل إلى هذا الرجل المتخلف فيجيئ فيبايع ؟، قال [أبو بكر ]: يا قنفذ اذهب إلى علي وقل له: يقول لك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعال بايع ! فرفع علي (عليه السلام) صوته، وقال: سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) !، قال: فرجع فأخبره، ثم قال عمر: الا تبعث إلى هذا الرجل المتخلف فيجيئ يبايع ؟ فقال: لقنفذ: إذهب إلى علي، فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: تعال بايع، فذهب قنفذ، فضرب الباب، فقال علي عليه السلام: من هذا ؟ قال: أنا قنفذ، فقال: ما جاء بك ؟ قال: يقول لك أمير المؤمنين: تعالى فبايع ! فرفع علي (عليه السلام) صوته، وقال: سبحان الله ! لقد إدعى ما ليس له، فجاء: فأخبره، فقام عمر: فقال: إنطلقوا إلى هذا الرجل حتى نجيئ إليه، فمضى إليه جماعة، فضربوا الباب، فلما سمع علي عليه السلام أصواتهم لم يتكلم، وتكلمت إمرأتـ [- ه ]، فقالت: من هؤلاء،


= وتهذيب التهذيب ج 10 ص 79 لرقم: 137، وطبقات لابن سعد ج 6 ص 352، والثقات لابن حبان ج 7، ص 515، والمعرفة والتاريخ ليعقوب البسوي ج 3، ص 95، و تقريب التهذيب ج 2، ص 236، الرقم: 988، وفيه: مخول بوزن محمد.

 (1) - هو: ثابت بن أبي صفية ويقال: سعيد، أبو حمزة الثمالي الازدي الكوفي، أنظر تهذيب الكمال ج 4، ص 357 الرقم 819.

 


[ 378 ]

فقالوا: قولي لعلي: يخرج ويبايع، فرفعت فاطمة عليها السلام صوتها، فقالت: يارسول الله ما لقينا من ابي بكر وعمر بعدك ؟ ! ! فلما سمعوا صوتها، بكى كثير ممن كان معه، ثم أنصرفوا (1)، وثبت عمر في ناس معه، فأخرجوه وانطلقوا به إلى أبي بكر حتى أجلسوه بين يديه !، فقال أبو بكر: بايع، قال: فإن لم أفعل ؟، قال: إذا والله الذي لا اله الا هو تضرب عنقك !، قال علي عليه السلام: فانا عبد الله وأخو رسوله قال (أبو بكر): بايع، قال: فإن لم أفعل، قال: إذا والله الذي لا اله الا هو، تضرب عنقك (2)، فالتفت علي عليه السلام إلى القبر، وقال: (يابن أم أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) (3) ثم بايع وقام (4) !.

 126 - وحدث الواقدي: قال: حدثنا ابن ابي حنيفة، عن داود بن الحصين، قال: غضب رجال من المهاجرين والانصار في بيعة ابي بكر، وقالوا: من غير مشورة ولا رضى منا، وغضب علي والزبير، ودخلا بيت فاطمة، وتخلفا عن البيعة، فجاءهم عمر في عصابة، فيهم أسيد بن حضير (5) وسلمة بن أسلم بن جريش الاشهلي، فصاح عمر: أخرجوا أو


(1) - وفي " ش ": قال:.

 (2) - وفي " ش ": قال:.

 (3) - وفي " ش " قال:.

 (4) - الامامة السياسة لابن قتيبة ص 30. وأنظر بحار الانوار ج 38 ص 301.

 (5) - أنظر تهذيب الكمال ج 3 ص 246 رقم: 517. وفي النسخة أسد بن حصين خطأ.

 


[ 379 ]

لنحرقنها عليكم !، فأبوا أن يخرجوا، فصاحت بهم فاطمة وناشدتهم الله، فأمر عمر سلمة بن أسلم، فدخل عليهما، وأخذ سيف (1) أحدهما فضرب به الجدار حتى كسره، ثم أخرجه ما يسوقهما حتى بايعا (2).

 127 - قال: وأخبرني إسحاق بن إبراهيم (3)، قال: أخبرنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، عن عبد الملك بن أعين (4)، عن أبي حرب بن أبي الاسود الدئلي (5) قال:


(1) - وفي " ش ": وأسيافهما.

 (2) - قال أحمد بن محمد بن عبد ربه الاندلسي المتوفى 338 هـ في كتابه العقد الفريد ط / بيروت ج 5 ص 13: الذين تخلفوا عن بيعة ابي بكر: علي والعباس، والزبير وسعد بن عبادة، فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبو فقاتلهم.

 فاقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة: فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرف دارنا ؟ قال: نعم ! أو تدخلوا فيما دخلت فيه الامة ! فخرج علي حتى دخل أبي بكر فبايعه، فقال له أبو بكر: اكرهت امارتي ؟ فقال: لا، ولكني آليت ان لا ارتدي بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أحفظ القرآن، فعليه حبست نفسي.

 (3) - هو: اسحاق بن ابراهيم العجلي، ختن سلمة بن الفضل، روى عن سلمة بن الفضل، أنظر الجرح والتعديل ج 2 ص 208، الرقم: 709.

 (4) - معجم رجال الحديث ج 11 ص 14 الرقم 7284، والجرح والتعديل ح 5، ص 343 الرقم: 161.

 (5) تهذيب الكمال ج 33، ص 231، الرقم 7305.

 


[ 380 ]

بعثني أبي إلى جندب بن عبد الله البجلي (1)، أسأله عما حضر من ابي بكر وعمر مع علي، حيث دعواه إلى البيعة، قال: أخذاها من علي ! ! قال: فكتب إليه: لست أسألك عن رأيك، أكتب لي بما حضرت وشاهدت، فكتب: بعثا إلى علي فجيئ به ملبيا، فلما حضر، قالا له: بايع، قال [علي:] فإن لم افعل ؟ قالا: إذا تقتل !، قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله، قالا: اما عبد الله فنعم، وأما اخو رسول الله فلا ! ! ثم قالا له: بايع، قال: لم افعل ؟ قالا: إذا تقتل وصغرا لك، قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله، قالا: اما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فلا (2) ! قال: فرجع يومئذ ولم يبايع قال [الواقدي ]:.

 


(1) - هو: جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي، أنظر سير أعلام النبلاء، ج 3 ص 174، الرقم: 30.

(2) أنظر الامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري وأنظر تاريخ بغداد ج 6 ص 387، قال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا أبو علي ابن الصواف ومحمد بن علي بن سهل الامام، والحسن بن علي بن الخطاب الوراق البغدادي، وسلبمان بن أحمد الطبراني، قالوا: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا يحيى بن سالم، حدثنا أشعث، ابن عم حسن بن صالح وكان يفضل على الحسن - حدثنا مسعر، عن عطية عن جابر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " مكتوب على باب الجنة لا اله الا الله محمد رسول الله، علي أخو رسول الله قبل أن تخلق السماوات والارض بألفي عام "..  وأنظر ترجمة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) من ابن عساكر ط 2 بيروت ج 1 ص 133، وفي ط 2 ص 137.

 


[ 381 ]

128 - وروى النعمان المعروف بابن الشيخ: قال: حدثني أبي عن محمد بن جمهور، عن زرارة (1)، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال:

لما خرج أمير المؤمنين علي عليه السلام من منزله، خرجت فاطمة (عليه السلام) والهة ! فما بقيت إمرأة هاشمية الا خرجت معها حتى انتهت من القبر فقالت: خلوا عن ابن عمي، فوالذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا عنه،


(1) - هو: زرارة بن ابن أعين بن سنسن الشيباني، الكوفي المتوفى (150) وإسمه: عبد ربه وكنيته أبو الحسن وابو علي، ولقب بزرارة، من اصحاب الامام الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام وهو من أوتاد الارض، واعلام الدين، له ترجمة مفصلة تجدها في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج 7 ص 218 رقم: 4662. ورجال النجاشي، ج 1 ص 397 رقم 461. ورجال الشيخ الطوسي ط النجف، ص 123، في أصحاب الامام الباقر عليه السلام، ورجال أبي عمرو الكشي أنظر إختيار معرفة الرجال لشيخ الطوسي ج 1 ص 345 تحقيق مؤسسة آل البيت. وكتاب الفهرست لابي الفرج المعروف بالوراق النديم ص 276. و بهجة الآمال للعلامة العلياري ج 4 ص 162. وقاموس الرجال للتستري ج 4 ص 415 رقم: 2916. ولسان الميزان لابن حجر، ج 2 ص 473 رقم: 1908. والانساب للسمعاني ج 3 ص 144. والمعارف لابن قتيبة ص 624. وجامع الرواة للاردبيلي ج 1 ص 324 رقم: 2613. وتنقيح الرجال للمامقاني ج 1 ص 438 رقم: 4213. ومنتهى المقال لمحمد بن اسماعيل المدعو بأبي علي ص 139. والتعليقات على منهج المقال لميرزا محمد ص 142. أقول: ومن أرد التفصيل فليراجع رسالة أبي غالب الزراري، تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي. وتاريخ آل زرارة للسيد الابطحي.

 


[ 382 ]

لانشرن شعري، ولاضعن قميص رسول الله الذي كان عليه حين خرجت نفسه على رأسي ولاخرجن (1) إلى الله، فما صالح بأكرم على الله من ابن عمي، ولا الناقة بأكرم على الله مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.

 قال: سلمان: وكنت قريب منها، فرأيت والله (2) حيطان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) انقلعت من أسفلها (3)، حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها لنفذ ! فقلت: يا سيدتي ومولاتي، إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان ! حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا (4).

فمن أين زعموا انه لم يطلب الخلافة بلسانه دون سيفه وقد قعد في بيته ستة أشهر يعلم الناس، فمرة يخرج ملبيا، ومرة يداري، ومرة يقول: ويقال له: [بايع] يقول: فإن لم افعل، يقال له: تضرب عنقك.

ثم دخل بعد ذلك، فيما دخل فيه الناس، وأشفق على الاسلام وأهله، وخاف أن يثور عليه من كلام متكلم أو شغب شاغب، فإن الانصار لما رأت الامر قد أزيل عن صاحبه، قالت: فمنا أمير ومنكم أمير، وقالوا:


(1) - وفي " ح ": ولاصرخن.

 (2) - وفي " ش ": أساس حيطان.

 (3) - وفي " ح ": من أساسها.

 (4) - وفي " ح ": في الخياشيم.

 


[ 383 ]

نرد هذا الامر جدعا إذ (1) أزلتموه عن أهل بيت النبوة فخدعوا فقيل لهم: منا الامراء، ومنكم الوزراء، فصاروا هم الامراء، ولم تكن الانصار (2) و زراء فدعاه النظر للدين إلى الكف عن الاظهار، ورأى التجافي عن الامر أصلح، وعلم أن ترك منازعة من لا يصلح لكل الامور لا يعادل التغرير بالدين ولا يفي بالخطاب في دروس الاسلام وما فيه فساد العاجلة والآجلة، فآثر الخمول ظنا (3) بالدين، وآثر الآجلة على العاجلة.

 ثم وقع أمر الردة، وإمتنع كثير من الناس أن يخرجوا إلى محاربتهم، فقالوا لابي بكر: كيف تخرج ؟ وابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاعد عنك ؟ ! فضرع أبو بكر إلى عثمان بن عفان، وسأله أن يكلم علي بن أبي طالب عليه السلام ويسأله البيعة فإنه لولا مخافة إضطراب الامر عليه لجعلها لعلي، فعندها مشى عثمان إلى علي عليه السلام، فقال: يابن عم رسول الله، إنه لا يخرج إلى قتال هذا العدو أحد وأنت قاعد.

129 - رواه الواقدي قال: حدثني عبد الرحمان بن جعفر، عن ابن عون قال:

لما إرتدت العرب، مشى عثمان إلى علي عليه السلام، فقال: يابن عم [رسول الله] إنه لا يخرج أحد في قتال هذا العدو وأنت لم تبايع وقد


(1) - وفي " ح ": إذ قد أزلتموه.

 (2) - وفي " ش ": ولم يكونوا أعني الانصار وزراء.

 (3) - وفي " ش ": ضنا.

 


[ 384 ]

تراقب الامور كما ترى، وعسى الله أن يجعل فيما ترى خيرا، وإني أخشى من الامر أن يعظم فيأتي بما فيه الزوال، فلم يزل عثمان بعلي حتى مشى به إلى أبي بكر، وسر بذلك من حضر من المسلمين، وخرجت به الركبان في كل وجه وجد الناس في القتال، وكان مع ذلك مذهبه الكف عن تحريك الامر بالسيف إذ أبصر أسياف الفتن مسلولة 1)، وشواهد الفساد بادية، وأرماح القوم توجهت لاكباد الاسام وأهله فأمسك عن طلب حقه، ومع ذلك فإن العرب كانت في أمره على طبقات: فمن رجل قتل علي عليه السلام أباه وأخاه أو ابنه، أو إبن عمه، أو حميمه أو صفيه، أو سيده، أو فارسه، فهو مضطغن (2) قد أغضب على حقه (3) فهو ينتظر الفرصة، ويترقب الدائرة، قد كشف قناعه وأبدى عداوته، حتى قال قائلهم منهم: كيف تهجع (4) قريش، وقد قتلت منهم سبعين رجلا تشرب آناقهم الماء قبل شفاههم.

 ومن رجل قد أخفي (5) غيظه وأكمن ضغنه، وإنما يحركه أول علة


(1) - وفي " ش ": شارعة.

(2) - إضطغن القوم: إنطووا على الاحقاد وقابلوا الحقد بالحقد، يقال: أضطغن فلان على فلان ضغينة أي أضمرها. المنجد في اللغة.

(3) - وفي " ش ": قد أضب على حقده.

(4) - وفي " ش ": كيف يخيل.

(5) - وفي " ش ": قد زمل غيظه وأكمن ضغنه.

 


[ 385 ]

تحدث، وأول تأويل يعرض، وأول فتنة تنجم، فهو يترصد الفرصة، ويترقب الفتنة، حتى يصول صيال الاسد ويروغ روغان الثعلب، فيشفي غليله، كما قتل خالد بن الوليد بالغميصاء (1)، الرجال، وتعدي إلى الاطفال بعمه الفاكهة بن المغيرة، (2) حتى رفع النبي (صلى الله عليه وآله): يديه إلى السماء، مما ورأى المسلمون بياض إبطيه، وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد. ثم بعث عليا عليه السلام فوادهم (3).

 


(1) - قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ج 4 ص 214: الغميصاء: تصغير الغميصاء تأنيث الاغمص وهو ما يخرج من العين، والغميصاء: موضع في بادية العرب قرب مكة، كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة الذين أوقع بهم خالد بن الوليد (رض) عام الفتح فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد، ووداهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أنظر طبقات ابن سعد ج 2 ص 147، وج 7 ص 396.

 (2) - أنظر قصة خالد وبنو جذيمة والفاكه بن مغيرة، في سيرة ابن هشام، ج 4 ص 73. وتاريخ الطبري ج ص 67 و 68. وفي مغازي الواقدي ج 3 ص 880، قال: قال: حدثني عبد الله بن زيد، عن اياس بن سلمة، عن أبيه، قال: لما قدم خالد بن الوليد على النبي صلى الله عليه وسلم عاب عبد الرحمان بن عوف على خالد ما صنع، قال: يا خالد أخذت بأمر الجاهلية قتلتهم بعمك الفاكه قاتلك الله ؟ قال: وأعانه عمر بن الخطاب على خالد فقال خالد: أخذتهم بقتل ابيك ! فقال عبد الرحمان: كذبت والله لقد قتلت قاتل أبي بيدي وأشهدت على قتله عثمان بن عفان... ثم أنظر دلائل النبوة للبيهقي ج 5 ص 114.

 (3) - المغازي للواقدي ج 3 ص 881.

 


[ 386 ]

ومن موتور قد شجى بثكله قد زمّه (1) الاسلام، وقيده الدين، فهو يكابد حقده ويساور غيظه، إذا ذكر مصرع أبيه أو أخيه.

ومن رجل عرف شدته في أمره و (2) إعتقاده في دينه، وخشونة مذهبه، وجملة نفسه، ومن والاه أمره على الخلق (3) وحذر مخالفته، فأراد رجلا ألين منه (عليه السلام).

 ومن رجل كره أن تكون النبوة والخافة في مغرس واحد، فإن ذلك أحرى أن تعود دولة، في قبائل قريش.

ومن همج رعاع لا نظام ولا إختيار عندهم، وهم الاعراب وأشباه الاعراب أجلاف يتفرقون من حيث يجتمعون، ويجتمعون من حيث يتفرقون، لا تؤمن صولتهم إذا هاجوا، ولا يؤمن هيجهم إذا سكتوا، إن أحصنوا بغوا، وإن أجدبوا أثاروا.

 ومن فرقة قد تفقهوا في الدين، وعرفوا سبب الامامة، وأين محلها، ولكنهم قليل في كثير، وخيار في كل زمان، وإن كثروا فهم أقل عددا من الباقين.

 


(1) - زم يزم زما فانزم: شده من باب قتل شددت عليه زمامه، والجمع: أزمة. أنظر لسان العرب لابن منظور ج 12 ص 272. والمصباح المنير للفيومي، مادة زمم.

(2) - وفي " ش ": وقلة إعتقاله.

(3) - وفي " ش ": ولاه الله على الخلق ومخالفة الهوى.

 


[ 387 ]

ثم وجب على الامة إذا قعد هذا الرجل المدلول عليه من طلب حقه بسيفه للعلة التي ذكرناها، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد دل عليه، فلما كفاه عليه السلام لم يحتج أن يدل على نفسه، وهذا كما دعا الله عزوجل الملائكة إلى السجود لآدم، فلم يكن لآدم أن يدعو إلى نفسه، وقد كفاه الله ذلك، وقول النبي صلى الله عليه وآله له عليه السلام دليل حيث قال:

(يا علي أنت بمنزلة الكعبة يُؤتى إليها ولا تأتي).

 130 - رواه العباس بن بكار، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي (1) عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): يا علي أنت بمنزلة الكعبة يؤتى إليها ولا تأتي (2).

 


(1) - هو: عبد الرحمان بن عسيلة بن عسال المرادي، أبو عبد الله الصنابحي، والصنابح بطن من يمن، أنظر تهذيب الكمال ج 17 ص 282 الرقم: 3905.

 (2) - أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 4 ص 112 ط مصر، في خلافة علي عليه السلام وفيه تتمة الحديث هكذا: " فإن أتاك هاؤلاء القوم فسلموها إليك - يعني الخلافة - فاقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك ". ورواه أيضا المغازلي في المناقب ص 106، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل علي فيكم كمثل الكعبة المستورة - أو المشهورة - النظر إليها عبادة والحج إليها فريضة.

 ورواه أيضا ابن عساكر الدمشقي في ترجمة الامام علي عليه السلام ج 2 ص 406 ط 2.

ورواه أيضا الديلمي في فردوس الاخبار ج 5، ص 406، رقم الحديث: 8309:  =


[ 388 ]

............................................................................................................................


= يا علي إنما أنت بمنزلة الكعبة، تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هاؤلاء القوم فمكنوا لك هذا الامر فاقبله منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم.

 وروى الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه ذيل اللئالي ص 62، على ما في إحقاق الحق ج 5 ص 642.

 والقندوزي في ينابيع المودة ص 90.

 العلامة الشيخ زين الدين لمناوي في كنوز الحقائق ط مصر ص 203 على ما في إحقاق الحق والعلامة الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد الحنفي الموصلي في " در بحر المناقب " ص 47 (مخطوط).

 والعلامة لامر تسري في " أرجح المطالب " ص 480، ط لاهور.

 والعلامة الحمويني في " مناهج الفاضلين " ص 180 (مخطوط) والعلامة السيد محمود الدرگزيني في " نزل السايرين " على ما في درر المناقب.

 والعلامة العيني في " مناقب علي " ص 30 ط أعلم پريس.

 


[ 389 ]

 

[ مناشدته عليه السلام مع الخوارج]

 

131 - وقد إحتج على الخوارج حين بعث علي عليه السلام بعبد الله ابن عباس، يحاجهم، فقالوا: نقمنا يابن عباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة موبقة، تدعو إلى النار !.

 أما الاولى: فإنه محى إسمه من إمرة المؤمنين، ثم كتب الكتاب بينه وبين معاوية، فإذا لم يكن أمير المؤمنين، فنحن المؤمنون ولسنا نرضى أن يكون علي عليه السلام أميرنا.

 [وأما] الثانية: فإنه شك في نفسه، حيث قال للحكمين: أنظرا، فإن كان معاوية أحق بها مني فأثبتاه، وإن كنت أولى بها منه ؟، فاثبتاني، فإذا هو قد شك في نفسه، فلم يدر أهو أحق بها أم معاوية ؟ فنحن فيه أشد شكا.

 وأما الثالثة: فإنه جعل الحكم إلى غيره، وقد كان عندنا من أحكم الناس.

 وأما الرابعة: فإنه حكم في دين الله الرجال، ولم يك ذاك إليه.

 وأما الخامسة: قسم بيننا الكراع والسلاح يوم البصرة، ومنعنا النساء والذرية.

 


[ 390 ]

وأما السادسة: فإنه كان وصيا، فضيع الوصية.

 فقال ابن عباس: قد سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم، وأنت أحق بالجواب.

 فقال (عليه السلام) (1):

يابن عباس: قل لهم: ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله قالوا: نعم، قال: أبدأ على ما بدأتم به أول الامر، فقد كنت أكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو فكتبت:

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو وصخر بن حرب، فقال سهيل: إنا لا نعرف الرحمن الرحيم، ولا نقر أنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمحوت الرحمن الرحيم، وكتبت باسمك اللهم، ومحوت رسول الله، وكتبت محمد بن عبد الله


(1) - وأخيرا منه ذكر النسائي في الخصائص ط بيروت ص 266، والحاكم النيسابوري في المستدرك في كتاب قتال أهل البغي ج 2 ص 150 وكذا ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 3 ص 191 ط 2.

 أقول وذكر النسائي بعد نقل الاحتجاج شواهد مهمة تفيد للمقام وتؤيد لما ذكر في المناظرة ولعدم التطويل أعرضنا عن ذكرها.

 


[ 391 ]

فقال لي: يا علي إنك تدعى إلى مثلها، فتجيب وأنت مكره (1)، و


(1) - أنظر دلائل النبوة للبيهقي ج 4 ص 105 وفيه: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات أكتب بيننا وبينك كتابا، فدعا الكاتب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن بسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون: والله لا نكتبها الا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب بسمك اللهم ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن أكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لرسول الله وإن كذبتموني، أكتب محمد بن عبد الله.

 قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 232: قال نصر: فلما رضي أهل الشام بعمرو وأهل العراق بأبي موسى، أخذوا في سطر كتاب الموادعة، وكانت صورته: " هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ومعوية بن أبي سفيان " فقال معاوية بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته ! وقال عمرو: بل نكتب إسمه وإسم أبيه، إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا. فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه، فقال الاحنف: لا تمح إسم أمير المؤمنين عنك، فإني أتحوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا، فلا تمحها. فقال علي عليه السلام: إن هذا اليوم كيوم الحديبية حين كتب الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو، فقل سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أقتلك، ولم أخالفك، إني إذا لظالم لك إن منعتك أن تطوف ببيت الله الحرام وأنت رسوله ولكن أكتب: محمد بن عبد الله، فقل لي رسول الله صلى الله عليه: يا علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبد الله، فاكتبها وامح ما أراد محوه، أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد.

 =


[ 392 ]

هكذا، كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن العاص، فقالا: قد ظلمناك إن أقررنا أنك أمير المؤمنين وقاتلناك، ولكن أكتب: علي بن أبي طالب فمحوت كما محا رسول الله، وكتبت كما كتب رسول الله، فإن أثبت ما ثبتوني.

 فقالوا: هذه لك خرجت منها.

 قال: وأما قولكم: أني شككت في نفسي، حيث قلت للحكمين: أنظر، فإن كان معاوية أحق بها مني، فأثبتاه، فإن ذلك لم يكن شكا مني ولكنه نصف من القول، وقد قال الله تعالى: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) (1) فلم يكن ذلك شكا، وقد علم الله: أن نبيه كان على الحق.

قالوا: وهذه لك خرجتَ منها.

 


= قال نصر: وقد روى أن عمرو بن العاص عاد بالكتاب إلى علي عليه السلام، فطلب منه أن يمحو إسمه من إمرة المؤمنين فقص عليه وعلى من حضر قصة صلح الحديبية قال: إن ذلك الكتاب أنا كتبته بيننا وبين المشركين، واليوم أكتبه إلى ابنائهم، كما كان رسول الله صلى الله عليه كتبه إلى آبائهم شبها ومثلا، فقال عمرو: سبحان الله، أتشبهنا بالكفار، ونحن مسلمون ! فقال علي عليه السلام: يابن النابغة، ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا ! فقام عمرو، وقال: والله لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم. فقال علي: أما والله إني لارجو ا أن يظهر الله عليك وعلى أصحابك.

(1) - سورة السبأ: الآية: 24.

 


[ 393 ]

قال: وأما قولكم: إني جعلت الحكم إلى غيري، وقد كنت عندكم من أحكم الناس ! فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة، وقد كان أحكم الناس ؟ وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (1)، فتأسيت برسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالوا: وهذه لك خرجت منها، قال: وأما قولكم: إني حكمت في دين الله الرجال فقد حكم الله جل ذكره في طائر، فقال: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) (2) فدماء المسلمين أعظم من دم طائر.

 قالوا: وهذه لك خرجت منها (3).

قال: وأما قولكم: إني قسمت يوم البصرة الكراع والسلاح ومعتكم النساء والذرية، فإني مننت على أهل البصرة، كما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل مكة، وقد عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم، ولم نأخذ صغيرا بكبير، وبعد فأيكم يأخذ عائشة بسهمه ؟،

قالوا: وهذه لك خرجت منها.

 


(1) - الاحزاب: 21.

 (2) - سورة المائدة: 95.

 (3) - وفي " ش ": بحجتنا.

 


[ 394 ]

قال: وأما قولكم: كنت وصيا فضيعت الوصاية، فأنتم كفرتم وقدمتم علي غيري وأزلتم الامر عني، ولم أك كفرت بكم، وليس على الاوصياء الدعاء إلى أنفسهم، فإنما تدعوا الانبياء إلى أنفسهم والوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه، ذلك لمن آمن بالله ورسوله، وقد قال الله تعالى:

(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (1).

فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركه إياه، ولكن كانوا يكفرون بتركه، لان الله تبارك وتعالى قد نصبه لهم علما، وكذلك نصبني علما، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت بمنزلة الكعبة يؤتى إليها ولا تأتي (2).

فقالوا: وهذه لك خرجت منها وحججتنا، فأذعنوا معه أربعة آلاف رجل ممن قعدوا عنه (3)،


(1) - سورة آل عمران، الآية: 97.

 (2) - تقدمت قبل قليل مصادر هذا الحديث، وهو مشهود بل متواتر.

 (3) - قال الحافظ عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج 10 ص 157: لحديث: 18678: أخبرنا عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار، قال: حدثنا أبو زميل الحنفي قال: حدثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:.

 لماا إعتزلت الحر وراء فكانوا في دار على حدتهم، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة لعلي آتي هاؤلاء القوم فأكلمهم، قال: إني أتخوفهم عليك، قلت: كلا إن شاء =


[ 395 ]

............................................................................................................................


= الله تعالى، قال: فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية، قال: ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة، قال: فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد إجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن الابل، ووجوجههم معلمة من آثار السجود، قال: فدخلت، فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس ! ما جاء بك ؟ قلت: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليهم نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه، وقال بعضهم والله لنحدثنه، قال: قلت: أخبروني ما تنقمون على إبن عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وختنه، وأول من آمن به ؟ وأصحاب رسول الله معه ؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثا، قال: قلت: وما هن ؟ قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في دين الله، وقد قال الله: إن الحكم الا لله، قال: قلت: وماذا ؟ قالوا: وقاتل ولم يسب، ولم يغنم، لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دمائهم، قال: قلت: وماذا ؟ قالوا محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين؛

[قال ابن عباس]: قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) ما لا تنكرون، أترجعون ؟ قالوا: نعم، قال: قلت: أما قولكم: حكم الرجال في دين الله، فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم - إلى قوله: يحكم به ذوا عدل منكم) سورة المائدة: 95، وقال في المرأة وزوجها: (وإن خفتم شقاق بينهم فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها) سورة النساء الآية 35، أنشدتكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم، وإصلاح ذات بينهم أحق أم في إرنب ثمنها ربع درهم ؟ قالوا: اللهم بل في حقن دمائهم، وإصلاح ذات بينهم، قال أخرجت من هذه ؟ قالوا: اللهم نعم،   =


[ 396 ]

فأي دليل أوضح من هذا الدليل في عدم قعوده عن طلب حقه بالسيف.

132 - ثم إنه لما بويع له، ونكث من نكث [فـ] طلبهم على النكث وقاتلهم عليه، وقد خطب الناس، فقال في خطبته:


= قال: وأما قولكم: إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة ؟ أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها، فقد كفرتم، وإن زعمتم إنها ليست أم المؤمنين فقد كفرتم وخرجتم من الاسلام، إن الله يقول: (النبي أولى باالمؤمنن من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) (سورة الاحزاب، الآية 6). فأنتم مترددون بين ضلالتين، فاختار أيهما شئتم أخرجت من هذه ؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: وأما قولكم: محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا، فقال: أكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن أكتب محمد بن عبد الله، فقال: والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني أكتب يا علي ! محمد بن عبد الله، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أفضل من علي رضي الله عنه، أخرجت من هذه ؟ قالوا: اللهم نعم، فرجع منهم عشرون ألفا، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا.

قال أحمد المحمودي: هذه المناشدة ذكرها الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمان ابن الجوزي المتوفى (597) في كتابه تلبيس إبليس في باب: ذكر تلبيس إبليس على الخوارج: ص 91، مع إختلاف في الالفاظ. وذكر اليافعي في مرآة الجنان ج 1 ص 114. وذكر أيضا أبو يوسف البسوي في المعرفة والتاريخ، ج 1، ص 522. والعلامة المقدسي في البدء والتاريخ، ج 5 ص 223.

 


[ 397 ]

إن الله ذا الجلال والاكرام، لما خلق الخلق وإختار خيرة من خلقه، وإصطفى صفوة من عباده أرسل رسوله منهم وأنزل كتابه عليهم وشرع له دينه، وفرض فرائضه وكانت الجملة قول الله عزوجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وألي الامر منكم) (1).

 وهؤلاء أهل البيت خاصة دون غيرهم فانقلبتم عى أعقابكم، و إرتددتم، ونقضتم الامر، ونكثتم العهد ولم تضروا الله شيئا، وقد أمركم الله أن ترد والامر إلى الله ورسوله، والى أولي الامر منكم، المستنبطين للعلم، فأقررتم بمن جحدتم، وقد قال الله لكم: (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون) (2).

 إن أهل الكتاب والحكمة والايمان آل إبراهيم بينه الله لكم، فحسدوا، فأنزل الله عزوجل: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من امن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) (3).

 فنحن آل إبراهيم فقد حسدنا كما حسد اباؤنا، وأول من حسد آدم عليه السلام الذي خلقه الله عزوجل بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له


(1) - سورة النساء الآية 59.

(2) - سورة البقرة الآية 40.

(3) - سورة النساء الآية 54.

 


[ 398 ]

ملائكته، وعلمه الاسماء وأصطفاه على العالمين، فحسده الشيطان فكان من الغاوين، ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين، ونوح حسده قومه فقالوا: ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون، (ولئن أطعتم بشرا مثلكم إذا لخاسرون) (1).

 ولله الخيرة، يختار من يشاء من عباده، ويختص برحمته من يشاء، يؤتى الملك من يشاء والحكمة من يشاء.

 ثم حسد نبينا (صلى الله عليه وآله) ألا ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنا الرجس، فنحن محسودون كم حسد أباؤنا، قال الله تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين إتبعوه وهذا النبي) (2)، وقال تعالى: (أولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (3)، فنحن أولى الناس بإبراهيم، ونحن ورثناه، ونحن أولو الارحام اللذين ورثناه الكعبة والحكمة، ونحن أولى بإبراهيم أفترغبون عن ملة إبراهيم ؟ وقد قال الله عزوجل: (فمن تبعني فإنه مني) (4).

 يا قوم أدعوكم إلى الله وإلى رسوله وإلى كتابه، وإلى ولي أمره و وصيه ووارثه، فاستجيبوا لنا، واتبعوا آل ابراهيم واقتدوا بنا، فإن ذلك


(1) - سورة المؤمنون الآية 33 و 34.

(2) - سورة آل عمران، الآية: 68.

(3) - سورة الاحزاب، الآية: 6.

(4) - سورة إبراهيم، الآية: 36.

 


[ 399 ]

لنا فرضا واجبا، والافئدة من الناس تهوي إلينا، وذلك دعوة إبراهيم عليه السلام، حيث قال: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) (1).

 فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل علينا، فلا تفرقوا فتضلوا، والله شهيد عليكم، فقد أنذرتكم، ودعوتكم، وأرشدتكم ثم أنتم أعلم وما تختارون (2).

 133 - وقال عليه السلام أيضا في خطبة [أخرى]:

هلك من قارن حسدا، وقال باطلا، ووالى على عداوتنا أو شك في فضلنا، أنه لا يقاس بنا آل محمد من هذه الامة أحد، ولا يسوي بنا من جرت نعمتنا عليهم، نحن أطول الناس أغراسا، ونحن أفضل الناس أنفاسا، ونحن عماد الدين، بنا يلحق التالي، وإلينا يفئ الغالي، ولنا خصائص حق الولاية، وفينا الوصية والوراثة، وحجة الله عليكم في حجة الوداع يوم غدير خم، وبذي الحليفة، وبعده المقام الثالث بأحجار الزيت، تلك فرائض ضيعتموها، وحرمات إنتهكتموها، ولو سلمتم الامر لاهله، ولو أبصرتم باب الهدى رشدتم (3).


(1) - سورة إبراهيم الآية: 37.

(2) إنظر المصدر...

(3) - وفي شرح نهج البلاغة لمحمد عبده الخطبة الثانية ط القاهرة ص 24 هكذا: لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الامة أحد، ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليهم =


[ 400 ]

اللهم إني قد بصرتهم الحكمة، ودللتهم على طريق الرحمة، و حرصت على توفيقهم بالتنبيه والتذكرة، ودللتهم على طريق الجنة بالتبصر والعدل والتأنيب، ليثبت راجع، ويقبل ويتعظ مذكر، فلم يطع لي قول.

 اللهم إني أعيد القول ليكون أثبت للحجة عليهم:

يا أيها الناس، إعرفوا فضل من فضل الله، وإختاروا حيث إختار الله، واعلموا أن الله قد فضلنا أهل البيت بمنه حيث يقول: (أنما يريد الله ليذهب عنكم ارجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1).

 فقد طهرنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن كل دنية وكل رجاسة، فنحن على منهاج الحق ومن خالفنا فعلى منهاج الباطل، والله لئن خالفتم أهل بيت نبيكم لتخالفن الحق إنهم لا يدخلونكم في ردى، ولا يخرجونكم من باب هدى ولقد علمتم وعلم المستحفظون من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أني وأهل بيتي مطهرون من


= أبدا، كما ذكر هذه الفقرات الاخيرة، الآمدي (ره) في غرر الحكم ص 857، ط، ايران، الرقم: 466، ترجمة محمد علي الانصاري. ولله در السيد الخطيب في تحقيقه مصادر نهج البلاغة وأسانيده، وفي هذا الموضع من الكلام قال: أما قوله عليه السلام: " لهم خصائص حق الولاية والوراثة " فقد رواه الطبري في المسترشد: ص 73 ط النجف. (وهو كتابنا هذا) أنظر مصادر نهج البلاغة ج 1، ص 303 ط بيروت.

 (1) - سورة الاحزاب، الآية: 33.

 


[ 401 ]

الفواحش، ولقد قال (صلى الله عليه واله وسلم): لا تسبقوهم فتضلوا، ولا تخالفوهم فتجهلوا، ولا تخلفوا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم كبارا، وأحكمكم صغارا، وإتبعوا الحق وأهله حيث كانوا قد والله فرغ من الامر، لا يزيد فيمن أحبني رجل منهم ولا ينقص منهم رجل.

 وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي: يا علي إن الله قد أخذ من شيعتك الميثاق، لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل، أنت وشيعتك في الجنة (1).

 134 - وقال عليه السلام في مقام آخر: قد إستكبر أقوام في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأضمروا لعلي الغل المدفون ومن بعده ما قعدوا للثقل الاكبر بالمرصد، حتى أدخلوا فيه الالحاد وقعدوا للثقل الاصغر بالاضطهاد، ولقد أسروا في رسول الله بالنجوى وصدق فيه بعضهم بعضا، وتعارضوا عليه الحسد من عند أنفسهم.

 والله لقد إرتد بعد رسول الله أقوام، إرتدوا على الاعقاب وغالتهم السبل، وإتكلوا على الولائج (2)، وهجروا السببب الذي أمروا بمودته، أصابوا بالامر غير أهله، ونقلوا البناء من غروس أساسه وبنوه في غير


(1) - أنظر المصدر.

(2) - الولائج جمع وليجة، ما يتخذها الانسان لنفسه إلى هنا ذكر الشريف الرضي بعض جملاته في نهج البلاغة، في الخطبة 148، وسيأتيك بعد قليل.

 


[ 402 ]

موضعه (1).

فتلك لعمري، أكبر الكبائر، فتحوا على أنفسهم باب البلاء، وأغلقوا باب العافية، وتركوا الرخاء، وإختاروا البلاء، فصاروا في غمرة تغشى أبصار الناظرين، وريب بنته لها عقول الطامعين، منها يشعث البنيان، وإتبعوا ملة من شك وظلم وحسد، وركن إلى الدنيا، وهو القائل لاشباهه في الاسلام مضاهيا للسامري، في قوله مقتديا به في أفعاله، جاهلا لحق القرابة مستكبرا عن الحق، ملقيا بيديه إلى التهلكة بعد البيان من الله عزوجل، والحجج التي تتلو بعضها بعضا، معتديا على


(1) - إلى هنا ذكر الشريف الرضي بعض جملاته في نهج البلاغة في الخطبة (148).

 وقال العلامة المعاصر السيد عبد الزهرة الخطيب، في مصادر نهج البلاغة وأسانيده ج 2 ص 337 ط بيروت، بعد نقل الخطبة: روى الطبري في " المسترشد "، ص 74، فقرات من أواخر هذه الخطبة باختلاف في بعض الالفاظ، ويظهر من رواية الطبري أن هذه الخطبة طويلة، لانه جاء في بعض روايته فصول لم يروه الرضي، ولانه قال في أول روايته لما رواه: وقال عليه السلام أيضا في خطبته...

 وفي شرح نهج البلاغة لمحمد عبده في ذيل خطبة 148، ج 2 ص 46 ط مصر هكذا: حتى إذا قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجع قوم على الاعقاب، وغالتهم السبل وإتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه.

 


[ 403 ]

القرابة كما اعتدى في السبت أهله.

 ألا وإن لكل دم ثائر، وإن الثائر يريد دمائنا، والحاكم في حق ذي القربى واليتامي والمساكين وأبناء السبيل: الله الذي لا يفوته مطلوب يوثر حذو النعل بالنعل، مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب، أمر من طعم العلقم، وكما هو آت قريب، ويحسبكم ما تزودتم، وحملتم عى ظهوركم من مطايا الخطايا، مع الذين ظلموا (1).

 135 - ثم أقبل عليه السلام على الحسن عليه السلام، فقال: يا بني، ما زال أبوك مدفوعا عن حقه، مستأثرا عليه منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يوم الناس هذا، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (2).

 136 - وقال عليه السلام في مقام آخر: أيها الناس، إستصحبوا من شعلة مصباح واضح، وامتاحوا من عين صافية، قد روقت من الكدر، وامتاروا (3) من طور الياقوت الاحمر، فلعمري ما فوض إليكم،


(1) - روى السيد الرضي رحمه الله بعض هذه الفقرات في نهج البلاغة، أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص 272.

(2) - سورة الشعراء الآية: 227.

(3) - أي واختاروا لانفسهم.

 


[ 404 ]

واعلموا أن الذي هو أعلم بكم لو وقفتم ببابه، وقلدتموه الامر هداكم، فليس المعروف كلما عرفنموه، وليس المنكر كلما أنكرتموه، فلربما سميتم المعروف منكرا وسميتم المنكر معروفا، وإحتجتم إلى رأي البائس الفقير الذي يحدث لرأي بعد الرأي، يريد أن يلصق ما لا يلتصق، ينقض رأيه ما قد أبرمه آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويهدم ما قد شيدوه لكم، ولو سلمتم الامر لاهله سلمتم، ولو ابصرتم باب الهدى رشدتم.

 الله الله عباد الله، القوا هذه الازمة إلى صاحب الامر عفوا، ولا تقيسوا هذه الامور بآرائكم فترتدوا القهقرى على اعقابكم، ولا تتكلوا على أعمالكم، خوف مما في غب أناتكم، ولا تزولوا عن صاحب الامر فتذقوا غب أفعالكم، الا فتمسكوا من إمام الهدى بمعجزته، وخذوا من يهديكم ولا يضلكم، فإن العروة الوثقى التي تفوتكم، (إن الله مع الذين اتقوا والذينهم محسنون) (1).

 137 - وقال عليه السلام في مقام آخر، لما ولي الامر: أهلك الله فرعون وهامان وقارون، والذي نفسي بيده، لتخلخلن خلخة ولتبلبلن بلبلة، ولتغربلن غربلة، ولتساطن سوطة القدر حتى


(1) - سورة النحل، الآية: 128


[ 405 ]

يعود أسفلكم أعلاكم، ولقد عدتم كهيئتكم يوم بعث فيكم نبيكم (صلى الله عليه وآله) ولقد تبينت بهذا الموقف وبهذا الامر، وما كتمت رحمة ولا سقطت وسمة، هلك من إدعى، وخاب من افترى، اليمين والشمال مضلة الطريق، والمنهج ما في كتاب الله وآثار النبوة (1).

 الا إن أبغض عبد خلقه الله لعبد وكله إلى نفسه، ورجل قمش (2) في اشباه الناس علما فسماه الناس عالما، حتى إذا ورد من آجن، وارتوى من غير طائل، قعد قاضيا للناس لتخليص ما اشتبه من غيره، فإن قاس شيئا بشئ لم يكذب بصره، وإن أظلم عليه شئ كتم ما يعرف من نفسه، لكيلا يقال: خباط عشوات، ومفتاح جهالات لا يسأل عما لا يعلم، فيسأل ولا ينهض بعلم قاطع يذري الرواية إذراء الريح الهشيم، تصرخ منه المواريث، يحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال لا يلى (3) بتصدير ما ورد عليه، ولا ذاهل عما فرط عنه،


(1) - روى بعض هذه الفقرات، أبو عثمان الجاحظ في البيان والتبيين، ط بيروت، ص 237 و 238، ضمن خطبة نقلها عن أبي عبيدة معمر بن المثنى وقال: أول خطبة خطبها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ونقلها عنه أيضا ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 272، و 275، وهي الخطبة السادسة عشر من نهج البلاغة.

 (2) - القمش: الردئ من كل شئ والجمع قماش. ونظيره عرق وعراق نقله ابن السكيت. أنظر تاج العروس للزبيدي ج 17 ص 341.

 (3) - وفي نسخة " ح " و " ش ": لا ملي.

 


[ 406 ]

ألا إن علم الدي هبط به آدم وجميع ما فضلت به الانبياء عليهم السلام في عترة نبيكم، فاين يتاه بكم وأين تذهبون ؟

يا معشر من نجا من أصحاب السفينة، هذا مثلها فيكم كما نجا في هاتيك من، كذالك من ينجو في هذه منكم من ينجو، ويل لمن تخلف عنهم، إنهم لكم كالكهف لاصحاب الكهف سموهم بأحسن أسمائهم. ومما سموا به في القرآن، هذا عذب فرات سائغ شرابه فاشربوا وهذا ملح أجاج فاحذروا، إنهم باب حطة فادخلوا،

ألا إنّ الابرار من عترتي وأطائب أرومتي، أعلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا، من علم الله علمنا، ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تدبروا عنا يهلككم الله بأيدينا، أو بما شاء معنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تخلف عنها محق، وبنا ينير الله الزمان الكلف، وبنا يدرك الله ترة كل مؤمن، وبنا يفك الله ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا يختم الله لا بكم (1).

 


(1) - إلى هنا أورد أبو عمرو الجاحظ في البيان والتبيين، ص 238، قال فيه: قال أبو عبيدة: وروى فيها جعفر بن محمد.

 وفي المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي ج 2، ص 107، أسند هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: عن جابر الجعفي: عن محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا فان لبدوا فالبدوا و إن إستنصروكم فانصروهم تحمدوا وتوجروا، ولا يستنفروهم فتصرعكم المنية و = [*


[ 407 ]

138 - وقال عليه السلام في موطن آخر:

يا معشر الناس، أنا أنف الهدى وعيناه - وأشار بيده إلى وجهه.

 يا معشر الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإن الناس [قد] إجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل (1)، والله المستعان.

 يا معشر الناس، إنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فأصابهم العذاب بنياتهم في عقرها، قال الله عزوجل: (فنادوا صاحبهم فنعاطى فعقر) (2).

وقال لهم نبي الله: (ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها) (3) وقال: (فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون (4)) وقال تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) (5).

 


= يشمت بكم عدوكم.

 (1) - إلى هنا ذكر الشريف الرضي في نهج البلاغة المختار 196 من كلامه عليه السلام. أنظر شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ط مصر ج 2 ص 207.

(2) - سورة القمر، الآية: 29.

(3) - سورة الشمس، الآية: 14.

(4) - سورة الشعراء، الآية: 151.

(5) - سورة النحل الآية 128.

 


[ 408 ]

139 - وقال عليه السلام في مقام آخر قولا قاطعا لمن فهمه فيه لاهل المعرفة مقنع انه: [لم] يوجس موسى [عليه السلام] من نفسه خيفة أشفق عليه من غلبة الرجال، وذوي الضلال، وكان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى باعوا أخاهم وعقوا أباهم، وبعد الاقرار توبتهم، وباستغفار أبيهم راحتهم، اليوم توافقنا على حدود الحق والباطل، وتتأهب أبناؤه من وثق بماء لم يظمأ (1).

وخطب عليه السلام، بعد إفضاء الامر إليه وكفتنا المؤنة بما ذكر فيها مما إحتاج إليه الناس من علة قعوده وبيعته لابي بكر وعمر، وذلك حين سئل عنهما فقال:

140 - لو قاتلتم عدوكم كان أصلح لكم من مسألتي عنهما، !

141 - وروى الشعبي (2)، عن شريح بن هاني (3) قال: خطب علي بن أبي طالب عليه السلام بعدما افتتحت مصر، ثم قال:


(1) - روى بعض هذه الفقرات الشريف الرضي (ره) ذيل الخطبة الرابعة من نهج البلاغة.

(2) - هو: عامر بن شراحيل الشعبي، أبو عمرو الكوفي، أنظر تهذيب الكمال ج 14 ص 28 الرقم: 3042.

(3) - هو: شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك أبو المقدام الكوفي، أنظر تهذيب الكمال ج 12 ص 452، الرقم: 2729.

 


[ 409 ]

وإني مخرج إليكم كتابا، وكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي من المؤمنين والمسلمين:

أما بعد، فإن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بشيرا ونذيرا للعالمين و أمينا على التنزيل، وشهيدا على الامة، وكنتم يا معشر العرب على شر دين تنحتون في حجارة خشن من صفاة صم، وتسفكون دمائكم، وتقتلون أولادكم وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والاصنام فيكم منصوبة (1)؛

فمن الله عزوجل عليكم بمحمد (صلى الله عليه وآله) وبعثه إليكم رسولا، فقال: (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (2).

 


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده، ص 62 الخطبة السادسة والعشرون، نجد هذه الخطبة هناك مع أختلاف يسير في العبارة، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 ص 94.

 (2) - سورة الجمعة: 2.

 


[ 410 ]

فكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إليكم من أنفسكم بلسانكم، فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض، وأمركم بصلة أرحامكم، وحصن دمائكم وأداء الامانة إلى اهلها، ونهاكم عن النجاسة، وأمركم بكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار، فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله حميدا سعيدا مرضيا علمه (1)، مشكورا سعيه، فيالها من مصيبة، خصت الاقربين، وعمت جميع المسلمين.

 فلما مضى لسبيله، ترك كتاب الله وأهل بيته إمامين لا يختلفان، و أخوين لا يتخاذلان، ومجتمعين لا يفترقان، قد كنت اولى الناس به مني بقميصي، فسارع المسلمون بعده، فوالله ما كان يلقي في روعي، ولا يخطر على بالي ! ! أن العرب تعدل هذا الامر بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عني، فلما أبطأوا بالولاية علي، وهموا بإزالتها عني، وثبت الانصار وهم كتيبة الاسلام، فقالت: إذا لم تسلموها لعلي فصاحبنا سعد بن عبادة أحق بها من غيره !.

فوالله ما أدري إلى من أشكو ؟ إما أن تكون الانصار ظلمت حقها، و إما أن يكونوا ظلموني بل حقي المأخوذ، وأنا المظلوم ! !

 


(1) - كذا في النسخة، وفي نسخة " ح ": عمله.

 هذه الخطبة ذكرها ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 6 ص 94، قال: وروى إبراهيم عن رجاله، عن عبد الرحمان بن جندب، عن أبيه، قال: خطب علي عليه السلام بعد فتح مصر، وقتل محمد بن أبي بكر، فقال: أما بعد فإن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين...

 


[ 411 ]

وقال قائل من القوم: إن رسول الله إستخلف ابا بكر في حياته، لانه أمره أن يصلي بالناس والصلاة هي الامامة.

فعلى مَ المشورة فيه إن كان رسول الله استخلفه ؟ ! فاتى رهط من أصحاب محمد [صلى الله عليه وآله) يعرضون علي النصرة منهم خالد، وأبان إبنا سعيد بن العاص (1)، والمقداد بن الاسود الكندي (2)، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي والزبير بن العوام، وأبو سفيان بن حرب، والبراء بن مالك الانصاري، فقلت لهم:

إن عندي من نبي الله العهد وله الوصية، وليس لي أن أخالفه، و لست أجاوز أمره، وما أخذه علي الله، لو خزموا أنفي لاقررت سمعا و طاعة لله عزوجل، فبينا أنا على ذلك، إذ قيل: قد إنثال الناس على أبي بكر وأجفلوا عليه (3) ليبايعوه، وما ظننت أنه تخلف عن جيش أسامة، إذ كان


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج 2 ص 1، حديث السقيفة.

(2) - هو: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي إبن الاسود الصحابي، المتوفى (33) وهو ابن سبعين سنة، ومن الذين أمر الله رسوله أن يحبهم، كما في تهذيب الكمال ج 28 ص 455: عن عبد الله بن بريدة عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرني الله عزوجل بحب أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم، منهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد ". أنظر: أسد الغابة لابن الاثير، ج 5، ص 251 الرقم: 5069.

(3) - أجفلوا: أي هربوا مسرعين. لسان العرب ج 11، ص 114.

 


[ 412 ]

النبي (صلى الله عليه وآله) قد أمره عليه وعلى صاحبه، وقد كان أمر أن يجهز جيش أسامة، فلما رأيته قد تخلف وطمع في الامارة، ورأيت إنثيال الناس عليه أمسكت يدي، ورأيت أني أحق بمقام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الناس ممن قد رفض نفسه، فلبثت ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الاسلام وأظهرت ذلك يدعون إلى محو دين الله، وتغيير ملة محمد (صلى الله عليه وآله) فخشيت أن لم أنصر الاسلام وقعدت، أن أرى فيه ثلما وهدما، تكون مصبته علي أعظم من فؤت ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب، وينقشع كما ينقشع السحاب.

ورأيت الناس قد إمتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم، فمشيت عند ذلك إلى ابي بكر فتألفته، ولولا أني فعلت ذلك لباد الاسلام، ثم نهضت في تلك الاحداث حتى أناخ الباطل، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره المشركون.

ثم إن سعد بن عبادة، لما رأى الناس يبايعون ابا بكر، نادى: والله ما أردتها حتى صرفت عن علي، ولا أبايعكم أبدا حتى يبايعكم علي ولعلي لا أفعل وإن بايع، وأحببت أن أقطع قول سعد فركب فرسه وأتى حوران (1)، وأقام في غسان حتى هلك، وأبى أن يبايع.

 


(1) - حوران: ماء بنجد، قال نصر: أظنه بين اليمامة ومكة. وحوران بالفتح كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار، وفتحت   =


[ 413 ]

وقام فروةُ بن عمر الانصاري (1)، فقال: يا معشر قريش هل فيكم رجل تحل له الخلافة، أو يقبل في الشورى فيه ما في علي ؟ قالوا: لا، قال: فهل في علي ما ليس في أحد منكم ؟ قالوا: نعم ! قال: فما صدكم عنه ؟ ! قالوا: إجتماع الناس على ابي بكر ؟ ! قال: أما والله لئن كنتم أصبتم أسنتكم (2) لقد أخطأتم سننكم، فلو جعلتموها في علي لاكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم.

فتولى أبو بكر فصحبته والله مناصحا، وأطعته فيما أطاع الله، جاهد وما طمعت أن لو حدث به حادث وأنا حي أن يرد الامر الذي نازعته فيه إلى طمع مستيقن، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولولا خاصة ما بينه وبين عمر، وأمر قد عقداه بينهما، لظننت أنه لا يدفعها عني هذا، وقد سمع قول النبي (صى الله عليه وآله وسلم) للبريدة الاسلمي (3)، وذلك (4):


= حوران قبل دمشق، أنظر معجم البلدان للحموي ج 2 ص 317.

(1) - هو: فروة بن عمرو بن ودقة بن عبيد بن عامر بن بياضة الانصاري البياضي المتوفى () - أنظر أسد الغابة لابن الاثير، ج 4 ص 357 ط مصر. كما تجد ترجمته أيضا في " الاستيعاب " لابن عبد البر النمري القرطبي، المطبوع بهامش الاصابة ج 3 ص 198.

(2) - " ح ": أسنكم، ولعل أسنتكم.

(3) - هو: بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الاسلمي، أنظر، تهذيب الكمال ج 4 ص 53، الرقم: 661.

(4) - أنظر دلائل النبوة للبيهقي ج 5، ص 397،


[ 414 ]

أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعثني وخالد بن الوليد إلى اليمن فقال:

إذا تفرقتما فكل واحد منكما أمير على حياله، وإذا إجتمعتما فأنت يا علي أمير على خالد، فأغرنا على أبيات، وسبينا فيهم خولة بنت جعفر (1) جان الصفا، وإنما سميت جان لحسنها، فأخذت خولة وإغتنمها خالد مني ! وبعث بريدة الاسلمي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخبره بما كان مني ومن أخذي خولة، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): حظه في الخمس أكثر مما أخذ، إنه وليكم بعدي، ويسمعها أبو بكر وعمر (2) !.

 


(1) - لعل هي: خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة، أم محمد بن حنفية. أنظر بحار الانوار، ج 42، ص 99، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 244.

 (2) - أورد البخاري في صحيحه في باب: بعث علي بن أبي طالب إلى اليمن، عن محمد بن البشار..

 عن عبد الله بن بريدة عن ابيه، كما اتى مفصلا في " فتح الباري " ط بيروت ج 8 ص 53، وأخرج البيهقي في دلائل النبوة ج 5 ص 396 وهذا نصه:

أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الاديب، أنبأنا أبو بكر الاسماعيلي، أخبرني ابن خزيمة، أنبأنا يعقوب بن ابراهيم الدورقي، ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس فأخذ منه جارية، فأصبح ورأسه يقطر قال خالد لبريدة: الا ترى ما يصنع هذا ؟ قال بريدة: وكنت أبغض عليا فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما صنع علي، فلما أخبرته، قال: أتبغض عليا ؟ قلت: نعم، قال: فأحبه فإن له في الخمس أكثر من ذلك.

 وفي تاريخ الاسلام للذهبي ج (عهد     =


[ 415 ]

وهذا بريدة لم يمت، فهل بعد هذا مقال لقائل ؟!،

فلما إحتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعت وأطعت، وناصحت للدين، وتولى عمر تلك الامور، وكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة عندهم، حتى إذا إحتضر، فلت في نفسي: لن يعدلها عني، فجعلني سادس ستة (1)، وأمر صهيبا أن يصلي بالناس ! ودعا أبا طلحة زيد بن سهل الانصاري (2)، فقال: كن في خمسين رجلا من قومك فاقتل من ابى أن يرضى من هؤلاء الستة، ! كيف قال: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو عن هؤلاء الستة راض، وقال: في حالة: أقتل من ابى منهم وهم عنده ممن قد رضي الله ورسوله عنهم، إن ذلك لمن العجب!!

ثم إجتمعوا فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم، فكانوا يسمعوني أحاج أبا بكر فأقول:

يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الامر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن، ويعرف السنة ويدين بدين الحق، فخشي القوم إن أنا وليت


= الخلفاء) ص 628، و 631: وقال الاجلح الكندي: عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي ".

(1) - كما صرح عليه السلام ذلك في الخطبة الشقشقية وهي الخطبة الثالثة من نهج البلاغة، قال: " جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيالله وللشورى " !.

(2) - هو: زيد بن سهل بن الاسود أبو طلحة الانصاري المدني، تهذيب الكمال ج 10، ص 75، الرقم: 2110.

 


[ 416 ]

عليهم أن لا يكون لهم في الامر نصيب ما بقوا، وأخذوا بأنفاسهم، واعترض في حلوقهم، فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية عني إلى عثمان وأخرجوني من الامرة عليهم ! رجاء أن ينالوها ويتداولوها، ثم قالوا هلم فبايع وإلا جاهدناك ! !

فبايعت مستكرها، وصبرت مختسبا، فقال عبد الرحمان: يابن أبي طالب إنك على هذا الامر لحريص، قلت: حرصي على أن يرجع حقي في عافية، ولا يجوز لي عنه السكوت لاثبات الحجة عليكم، و أنتم حرصتم على دنيا تبيد، فإني قد جعلني الله ورسوله أولى به منكم، وأنتم تصرفون وجهي دونه، وتحولون بيني وبينه، فبهتوا، والله لا يهدي القوم الظالمين.

اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي، أضاعوا سنتي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي، أمرا كنت أولى الناس به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذوه، وفي الحق أن تمنعه (1) فاصبر كمدا أو مت متأسفا حنقا، وأيم الله لو


(1) - إلى هنا ذكر السيد الرضي رحمه الله في نهج البلاغة في كلامه عليه السلام الرقم 214 وهذا نصه: اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفأوا إنائي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري، وقالوا: الا ان في الحق أن تأخذه في الحق أن تمنعه، فأصبر مغموما أو أمت متأسفا، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد الا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على =


[ 417 ]

إستطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سنتي لفعلوا (1)، ولكن لم يجدوا إلى ذلك سبيلا، وكان نبي الله (صلى الله عليه وآله) عهد الي فقال: يا ابن ابي طالب لك ولاية أمتي من بعدي فإن ولوك في عافية وإجتمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن إختلفوا عليك فدعهم وماهم فيه، فإن الله سيجعل لك مخرجا.

 فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب، ولا مساعد الا أهل بيتي فضننت بهم على الموت والهلاك ولو كان بهم حمزة أو أخي جعفر، ما بايعت كرها، فأغضبت على القذى وتجرعت الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم والم القلوب من حز الشفار، (2).

 ثم تفاقمت الامور فما زالت تجري على غير جهتها فصبرت


= الشجاع، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار.

 أنظر نهج البلاغة شرح محمد عبده ج 2 ص 227 الرقم: 212، وذيل خطبة 167 ص 102. و"مصادر نهج البلاغة وأسانيده" للخطيب، ج 3، ص 131 الرقم: 215.

(1) - كما فعلوا حينما طلبوا منه البيعة ثم حددوه بالقتل وقالوا: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسول الله فلا !، كما ذكر ابن قتيبة الدينوري في " الامامة والسياسة " ص 31، وكما تقدم. ثم إن كلمة سنتي فيها غرابة ولعل الصواب: نسبي أو سببي كما يفهم من الكلام.

(2) - وقال عليه السلام أيضا في الخطبة الشقشقية، وهي الثالثة من نهج البلاغة: " فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا ".

 


[ 418 ]

عليكم حتى إذا نقمتم على عثمان أنبتموه فقتلتموه، خذله أهل بدر، وقتله أهل مصر، ما أمرت ولا نهيت عنه، ولو أمرت به لكنت قاتلا، ولو نهيت عنه لصرت ناصرا.

 ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم فأمسكت يدي فنازعتموني ورافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي تداكك الهيم على حياضها يوم ورودها، وإزدحمتم علي [حتى] ظننت أن بعضكم قاتل بعضا، وأنكم قاتلي حتى إنقطع النعل، وسقط الرداء، ووطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس بيعتهم إياي أن حمل إليها الصغير وخرج إليها الكبير، وتحامل إليها العليل وحسرت إليها الكفار، فقلتم بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى الا بك، فبايعنا لا نتفرق و (لا) نختلف، فبايعتكم على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايعني طائعا قبلت منه ومن أبى تركته، فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما.

 وكان طلحة يرجوا اليمن، والزبير يرجوا العراق، فلما علما أني غير موليهما، إستأذنا في العمرة، يريدان الغدرة، فأتيا عائشة فاستخفاها مع شئ كان في نفسها علي.

 والنساء نواقص العقول، نواقص الايمان، نواقص الحظوظ، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة في أيام حيضهن، وأما نقصان عقولهن فلا شهادة لهن الا في الدين وشهادة إمرأتين برجل، وأما نقصان


[ 419 ]

حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال.

وقادهما عبد الله بن عامر إلى البصرة، وضمن لهما الاموال والرجال، فبينا هما يقودانها إذا هي تقودهما، فاتخذاها دريئة يقاتلان بها وإلى خطيئة أعظم مما أتيا أخرجا أمهما زوجة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكشفا عنها حجابا ستره الله جل اسمه عليها، وصانا حلائلهما ما أنصفا الله ولا رسوله فأصابوا ثلاث خصال من حقها على من فعلها من الناس في كتاب الله عزوجل، البغي والنكث والمكر، قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) (1) وقال تعالى: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (2) وقال تعالى: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)(3).

فقد والله بغيا علي ونكثا بيعتي، وغدرا بي، إني منيت بأربعة ما مني أحد بمثلهن منيت بأطوع الناس في الناس، عائشة بنت أبي بكر وبأشجع الناس الزبير بن العوام (4)، وبأخصم الناس طلحة بن


(1) - سورة يونس الاية: 23.

 (2) - سورة الفتح، الآية: 10.

 (3) - سورة فاطر الآية: 43.

 (4) - قال السمعاني في الانساب ج 1 ص 139، ط بيروت: وكان علي عليه السلام يقول: " بليت بأطوع الناس، وأشجع الناس، أراد بالاول عائشة، وبالثاني الزبير ".

 وفي العقد الفريد لابن عبدربه الاندلسي چ 4 ص 326، ط بيروت: وكان علي بن =


[ 420 ]

عبيدالله، وبأكثر الناس مالا يعلى بن منية التميمي (1)، أعان علي بأصواع الدنانير.

 والله لئن إستقام هذا الامر لاجعلن ماله وولده فيئا للمسلمين، فأتيا البصرة وأهلها مجتمعون على طاعتي وبيعتي، وبها شيعتي و خزان بيت مال المسلمين، فدعوا الناس إلى معصيتي، وإلى نقض بيعتي فمن أطاعهم أكفروه ومن عصاهم قتلوه، فثار بهم حكيم بن جبلة العبدي (2) في سبعين رجلا من عباد أهل البصرة وكانوا يسمون أصحاب الثفنات كأن جبهاتهم مثل ثفنات الابل، وأبى أن يبايعهما يزيد بن الحرث اليشكري (3) وهو شيخ أهل البصرة يومئذ وقال: إتقيا الله، إن


= ابي طالب يقول: " بليت بأنض الناس، وأنطق الناس وأطوع الناس في الناس، يريد بأنض الناس: يعلى بن منية، وكان أكثر الناس ناضا، ويريد بأنطق الناس: طلحة بن عبيدالله، وأطوع الناس في الناس عائشة أم المؤمنين ".

(1) - هو: يعلى بن أمية التميمي، حليف بني نوفل، ومنية جدته الادنى وبها يعرف، يقال له: يعلى بن منية.

 أنظر " الاكمال " لابن ماكولا، ج 7 ص 228، ط بيروت.

(2) - هو: حكيم بن جبلة العبدي. أنظر " الاصابة " لابن حجر العسقلاني ج 1 ص 379، وكان بعثه عثمان إلى السند، ثم نزل البصرة وقتل بها يوم الجمل.

وفي " الاكمال " لابن ماكولا ج 2 ص 48: وحكيم بن جبل ويقال: جبلة، كان عاملا على البصرة مع عثمان بن حنيف، قطعت رجله يوم الجمل.

(3) - هو إسمه موجود ضمن التاريخ والاحاديث كما ذكر في الغارات للثقفي، والغدير =


[ 421 ]

أو لكما قادنا إلى الجنة فلا يقودنا آخركما إلى النار.

أمل يميني فشغلها عني علي [بن أبي طالب] (عليه السلام) ببيعتي إياه و أما شمالي فهذه خذاها فارغة إن شئتما !، فخنق حتى مات.

وقام عبد الله بن حكيم التميمي، فقال: يا طلحة تعرف هذا الكتاب ؟ قال: نعم هذا كتابي إليك، قال: هل تدري ما فيه ؟ قال: إقرأه علي، فقرأه، فإذا فيه عيب عثمان ودعائه إلى قتله.

ثم أخذا عاملي عثمان بن حنيف أمير الانصار فمثلا به، ونتفا كل شعرة في رأسه ووجهه، وقتلا شيعتي، طائفة صبرا وطائفة غدرا، جالدوا بالسيوف حتى لقوا الله عزوجل صادقين، فوالله لو لم يصيبوا منهم الا رجلا واحدا متعمدين بقتله لحل لي قتالهم ذلك الجيش كله،

أما طلحة فرماه مروان بسهم فقتله، وأما الزبير فذكر (1) قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) له: تقاتل عليا وأنت له ظالم (2) فرجع من الحرب على


= للاميني والبحار للمجلسي، ولم نظفر على ترجمته بهذا العنوان.

 (1) - وفي " ش ": فذكرته.

 (2) - قال الحاكم النيسابوري في المستدرك ج 3 ص 366، عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الانصار فقال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتحبه ؟ قلت: وما يمنعني ؟! قال: أما إنك ستخرج عليه وتقاتله و أنت ظالم، قال: فرجع الزبير.    =


[ 422 ]

عقبه،

وأما عائشة، فإن نبي الله نهاها عن مسيرها، فعضت يدها ندامة على ما كان منها (1).

 


= وقال: عن أبي حرب بن أبي الاسود الدئلي قال: شهدت الزبير خرج يريد عليا، فقال له علي: أنشدك الله: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: تقاتله وأنت له ظالم ؟ فقال: لم أذكر، ثم مضى الزبير منصرفا. [قال الحاكم ]: هذا حديث صحيح عن أبي حر بن بن الاسود.

وقال: عن أبي حرب بن أبي الاسود الدئلي، قال: شهدت عليا والزبير، لما رجع الزبير على دابته يشق الصفوف فعرض له إبنه عبد الله فقال: مالك ؟ فقال: ذكر لي علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لتقاتلنه وأنت له ظالم فلا أقاتله، قال: وللقتال جئت إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الامر بك، قال: قد حلفت أن لا أقاتل قال: فاعتق غلامك جرجس وقف حتى تصلح بين الناس، قال: فأعتق غلامه جرجس ووقف فاختلف أمر الناس فذهب على فرسه. [قال الحاكم ]: وقد روى إقرار الزبير لعلي رضي الله عنه بذلك من غير هذه الوجوه والروايات.

 أقول: وذكر الحاكم أيضا أحاديث أخرى، وفي كل منها: قول الزبير: ولكن نسيت. فمن يريد التفصيل فليراجع المصدر. كما ذكره الطبري العامي في تاريخه، ج 4 ص 509 ورواه العلامة أبو جعفر الاسكافي في " مناقضات أبي جعفر " ص 335، ط القاهرة كما في إحقاق الحق ج 17 ص 349. راجع " الغدير " ج 3 ص 191.

(1) - قصة ندامة عائشة وتوبتها، ورجوعها إلى المدينة، وهل كانت نادمة أو حانقة لما حصلت من الخيبة والفشل والهزيمة، قال العلامة المجلسي رحمه الله في البحار، ط القديم   =


[ 423 ]

............................................................................................................................


= وهو المجلد الثامن ص 419: نقلا عن كتاب " إبطال توبة الخاطئة ":

عن ابراهيم بن عروة، عن ثابت، عن أبيه، عن حبة العرني، أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعث إلى عائشة محمدا أخاها رحمه الله وعمار بن ياسر رضوان الله عليه، أن إرتحلي وألحقي بيتك الذي تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: والله لا أريم هذا البلد أبدا، فرجعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأخبراه بقولها فغضب ثم ردهما إليها وبعث معهما الاشتر فقال: والله لتخرجن أو لتحملن إحتمالا، ثم قال أمير المؤمنسن صلوات الله عليه: يا معشر عبد القيس أندبوا إلى الحرة الخيرة من نسائكم فان هذه المرئة من نسائكم فانها قد أبت أن تخرج لتحملوها إحتمالا، فلما علمت بذلك قالت لهم: قولوا فليجهزني، فأتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فذكروا له ذلك، فجهزها وبعث مهعا بالنساء.

وعن الحسن بن ربيع، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن محصن بن زياد الضبي، قال سمعت الاحنف بن قيس يقول: بعث علي علي عليه السلام إلى عائشة أن إرجعي إلى الحجاز فقالت: لا أفعل فقال لها: لان لم تفعلي لارسلن إليك نسوة من بكر بن وائل بشفار حداد يأخذنك بها، قال: فخرجت حينئذ.

 وعن إسحاق بن إبراهيم، عن أشرس العبدي، عن عبد الجليل، إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعث عمار بن ياسر عليهم السلام إلى عائشة أن إرتحلي، فأبت عليه، فبعث إليها بإمرأتين وإمرأة من ربيعة معهن الابل، فلما رأتهن إرتحلت .

وعن محمد بن علي بن نصر، عن عمر بن سعد، أن أمير المؤمنين صلواتالله عليه دخل على عائشة لما أبت الخروج، فقال لها: يا شعيرا إرتحلي وإلا تكلمت بما =


[ 424 ]

............................................................................................................................


= تعلمين قالت: نعم أرتحل. فجهزها وأرسلها ومعها أربعين إمرأة من عبد قيس.. الحديث بطوله.

أقول: أكتفي بهذا المقدار، خوف الاطالة كما ذكر المجلسي رحمه الله وأحيل القارئ الكريم إلى المصدر المذكور.

 قال العلامة سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص، ص 79: قال علماء السير: لما بعث علي عليه السلام عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالمسير إلى المدينة فدخل عليها إبن عباس بغير إذن فقالت له: أخطأت السنة دخلت علينا بغير إذن ! ! فقال لها لو كنت في البيت الدي خلفك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما دخلنا عليك بغير إذنك، ثم قال: إن أمير المؤمنين يأمرك بالمسير إلى البيت الذي أمرك الله بالقرار فيه، فأبت عليه، فشدد عليها وقال: هو أمير المؤمنين وقد عرفتيه.

قال هشام بن محمد: فجهزها علي عليه السلام أحسن الجهاز ودفع لها مالا كثيرا وبعث معها أخاها عبد الرحمان بثلاثين رجلا وعشرين إمرأة من أشراف البصرة وذوات الدين من همدان وعبد القيس، وألبسهن العمائم وقلدهن السيوف بزي الرجال وقال: لهن: لا تعلمنها أنكن نسوة، وثلثمن وكن حولها ولا يقربنها رجل وسرن معها على هذا الوصف فلما وصلت إلى المدينة قيل لها: كيف كان مسيرك ؟ فقالت: بخير، والله لقد أعطى فأكثر و لكنه بعث رجالا معي أنكرتهم، فبلغ ذلك النسوة فجئن إليها وعرفنها أنهن نسوة فسجدت وقالت: والله يا ابن أبي طالب ما إزددت ألا كرما، وددت إني لم أخرج هذا المخرج وان أصابني كيت وكيت.

قال ابن الكلبي وكانت عائشة: إذا ذكرت يوم الجمل بكت حتى تبل خمارها وتأخذ =


[ 425 ]

وكان طلحة لما نزل بذي قار، (1) قام خطيبا فقال:

يا أيها الناس، إنا أخطئنا في أمر عثمان خطيئة لا يخرجنا منها الا الطلب بدمه ! ! وعلي قاتله وعليه القود، وقد نزل ذاقار مع نساجي اليمن وقصابي ومنافقي مصر،

فلما بلغني ذلك كتبت إليه أناشده بحق محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ألست أتيتني في أهل مصر ؟ وقد حصروا عثمان ! ؟ فقلت: إنهض بنا إلى هذا الرجل، فإنا لا نستطيع قتله الا بك، ألا تعلم أنه سير أبا ذر، وفتق بطن


= بحلقها كأنها تخنق نفسها، وكانت إذا ذكرت أم سلمة تذكر نهيها لها وتبكي، وقال هشام بن محمد: إنما رد علي عليه السلام عائشة إلى المدينة إمتثالا لامر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أشار هشام إلى ما روى أحمد بن حنبل، قال: حدثنا حسين بن محمد حدثنا فضل بن سليمان، حدثنا محمد بن يحيى، عن أبي أسماء مولى ابن جعفر، عن أبي رافع إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي بن أبي طالب: سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال: فإذا أنا أشقاهم ؟ قال: لا، ولكن إذا جرى ذلك فارددها إلى منامها، قال هشام فكانت عائشة تأتي بعد يوم الجمل وتقول: ياليتني كنت نسيا منسيا أي الحيضة الملقاة، قال ابن الجوزي: إنتهت قصة الجمل على وجه الاختصار. وكتاب مقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصفهاني، ص 42 و 43. وقد أطنب العلامة المجلسي وذكر العلامة المعاصر السيد مرتضى العسكري في معالم المدرستين، ج 1 ص 233. كما أوردنا مفصلا في مقدمة كتابنا " الاربعون حديثا في فضائل أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين برواية عائشة " لمحقق هذا الكتاب.

 (1) - وفي " ح ": ذا قار.

 


[ 426 ]

عمار وآوى الحكم بن العاص طريد رسول الله، وإستعمل الفاسق في كتاب الله الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد ضرب في الخمر وسلط خالد بن الوليد على عرفطة العذري (1) وأنحى (2) على كتاب الله يحرفه ويحرقه ! ! فقلت: لا أرى قتله اليوم، وأنت اليوم تطلب بدمه !؟ فأتياه معكما عمرو وسعيد، فخلياه عنهما يطلبان بدم أبيهما، متى كانت أسد وتيم أولياء دم بني أمية !؟ فانقطعا عند ذلك،

وقام عمران بن الحصين الخزاعي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا هذان لا تخرجانا من طاعة الله على أنفسكما، ولا تحملانا على نقض بيعته، فإنها لله رضى، أما وسعتكما بيوتكما حتى جئتما بأم المؤمنين لطاعتها إياكما من مسيرها معكما، وكفا عنا أنفسكما، وأرجعا، [من حيث جئتما] (3) فأبيا عليه،

ثم نظرت في أهل الشام فإذا هم بقية الاحزاب وحثالة الاعراب فراش نار، وذبان طمع، تجمعوا من كل أوب ومنزل ممن كان ينبغي أن يؤدب ويدرب ويولا عليه، ليسوا من المهاجرين والانصار ولا التابعين بإحسان، فسرت إليهم ودعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلا شقاقي


(1) - أورد البلاذري تفصيل القصة في أنساب الاشراف ج 5 ص 29 ط بيروت، ولرعاية الاختصار وضيق المجال نحيل القارئ إلى المصدر المذكور.

(2) - وفي " ح ": وانحنى.

(3) - ما بين المعقوفتين كانت تقتضيها السياق.

 


[ 427 ]

وعنادي وفراقي، وقاموا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل، فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلوهم، فلما عضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعون إلى ما فيها ! فأنبأتهم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قران، وأنهم رفعوها خديعة ومكرا ومكيدة وغدرا، فأمضوا على حقكم وقتالكم فأبيتم علي، وقلتم (1): إقبل منهم فإن أجابونا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا، كان أعظم لحجتنا عليهم فقبلت منهم، وكففت عنهم وكان الصلح بينكم (2) وبينهم على رجلين حكمين يحييان ما أحيى القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما وتفرق حكمهما ونبذا حكم القرآن وخالفا ما في الكتاب وإتبعا أهوائهما بغير هدى من الله فجنبهما الله السداد، وركسهما في الضلال (3)؛

وانحازت فرقة عنا فتركناهم وما تركونا، فقلنا إدفعوا إلينا قتلة إخواننا، ثم كتاب الله بيننا وبينكم فقالوا: كلنا قتلتهم وكلنا إستحل دمائهم ودمائكم، فشدت عليهم خيلنا فصرعهم الله مصارع الظالمين.

 


(1) - وفي " ح ": فأبوا علي وقالوا.

(2) - وفي " ح ": بين الفريقين.

(3) - إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء الآية: 88 (فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا).

 


[ 428 ]

فهذه حجج شرحناها وذكرناها، وذكرنا قول أمير المؤمنين عليه السلام لنرد على من ذكر أنه (عليه السلام) لم يطلب حقه، وهل يكون الطلب أكثر من هذا القول؟!

فليت شعري، كيف إستجزتم أن تقولوا: سكت علي عن طلب حقه ؟ ! وما كان سكوته الا الرضا بمن بايعه، ولا نعلم طلبا أكثر من طلبه لانه عرف القوم على حقه ما تناسوه وتجاهلوه هذا، وهم لا يشكون في فضله وعلمه وشجاعته، أليس يقرون أنه أول ما ضارب الاقران بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفه حتى قام الاسلام، وهدم الله به أركان الكفر ؟ وقد فشل كثير من المسلمين، وولى رجال من المهاجرين فغيرهم الله و فضحهم حيث يقول: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخريكم)(1).

فما ثبت مع رسول الله غيره وغير عميه، أليس قبض العباس في بعض المواطن على لجام بغلة رسول الله ونادوا الفرار وهو يقول: يا صاحب السور، يا قراء القرآن إلى أين الفرار عن رسول الله ؟ أرغبتم بأنفسكم عن نفسه، فكشف الله به وبعميه حمزة والعباس الكرب وكسر صولة من كفر وعاند، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي بعد ذلك المقام:


(1) - سورة آل عمران، الآية: 153.

 


[ 429 ]

142 - " يا علي إنك تقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله " (1) وأعلمه (عليه السلام) في ذلك المقام: أن جبرائيل نادى: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (2).

فأين المذهب عمن هذه حالته وهذا فعله، وهذا قوله، وهذا دعائه على نفسه ؟ ! أما علم أهل المعرفة أنه لم يدفع عن حقه إلا حسدا وبغيا، أعاذنا الله من الحيرة والضلالة إنه ولي قدير.

 


(1) - راجع ص... من هذا الكتاب.

(2) - وفي نسخة " ح " و " ش ": الكرار.


[ 430 ]