[ 431 ]

 

(6)

الباب السادس

حول قصة الغار


[ 432 ]


[ 433 ]

 

[ قصة الغار لا تدل على فضيلة لابي بكر]

143 – إحتجوا علينا حين انقطعوا، ولم تبق لهم حجة: إن أبا بكر كان في الغار مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (1) وأن الله جل ذكره، ذكره في كتابه،


(1) - وفي " ش ": وان نزلت عليه، أقول: قصة الغار تبدأ من أن المشركين في مكة مكروا برسول الله صلى الله عليه وآله واجتمعت في دار الندوة وكانوا أربعين رجلا، وقالوا بأجمعهم: أن يجتمع من كل بطن من بطون قريش رجل شريف ! ويكون معهم من بني هاشم واحد، فيأخذون حديدة أو سيفا ويدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة فيتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه.

فاختاروا خمسة عشر رجلا فيهم أبو لهب على أن يدخلوا على رسول الله فيقتلونه، فأنزل الله سبحانه على رسوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين / الانفال - 30).

فأمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يفرش له وقال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا علي أفدني بنفسك، قال: نعم يارسول الله، قال له: نم على فراشي والتحف ببردي فنام    =


[ 434 ]

فقال: (ثاني اثنين إذ هما في الغار) (1) ولا نعلم أن الله تعالى ذكره بخير


= علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتحف ببردته، قيل: وإن الله عزوجل أوحى في تلك الليلة إلى جبرئيل وميكائيل: (إني قضيت على أحدكما بالموت فأيكما يواسي صاحبه فاختار الحياة كلاهما، فأوحى الله إليهما هلا كنتما كعلي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر فاختار علي الموت وآثر محمدا بالبقاء ونام في مضجعه إهبطا فاحفظاه من عدوه) فهبط جبرئيل وميكائيل فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوه ويصرفان عنه الحجارة وجبريل يقول: " بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ؟ من مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سماوات "، وخلف عليا عليه السلام على فراشه ولرد الودائع التي كانت عنده.

 فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم وهو يقرأ " يس " إلى قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون / يس - 9).

 وأخذ ترابا بكفه ونثره عليهم وهم نيام ومضى، فقال له جبريل عليه السلام: يا محمد خذ ناحية ثور وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور فمر رسول الله وتلقاه أبو بكر في الطريق فأخذ بيده ومر به فلما إنتهى إلى ثور دخل الغار.

 (1) - سورة التوبة الآية: 40. قال الحافظ عبد الرحمان السيوطي في تفسير الدر المنثور ج 4 ص 202: وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، عن الزهري رضي الله عنه في قوله: (إذ هما في الغار) قال: الغار الذي في الجبل يسمى ثورا.

 وقال العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان ج 9 ص 306: أقول: وقد استفاضت الروايات بكون الغار المذكور في القرآن الكريم هو غار جبل ثور، وهو على أربعة فراسخ من مكة تقريبا.  =

 


[ 435 ]

أو أثنى عليه (1)، فكشفوا عن أمر كان مستورا عن كثير من الامة، وبعثوا على أظهاره بعد أن كنا ممسكين عن شرحه، ونحن الآن نظهره ونكشفه، إذ أبوا عدوا كونه مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار فضيلة، حتى يقف عليه أهل المعرفة [فنقول ]:

إن الله جل ذكره ذكر السكينة في كتابه في مواضع كثيرة، فأي موضع ذكر فيه نبيه والمؤمنين معه وصلتهم به (2)، قال اله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) (3) وقال تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت) - إلى قوله -: ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) (4) وقال تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) (5)


= وفي إعلام الورى [الفضل بن الحسن الطبرسي ط النجف ص 63] وقصص الانبياء، وبقي رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار ثلاثة أيام ثم أذن له تعالى له بالهجرة، وقال: أخرج من مكة يا محمد فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 (1) - وفي " ش ": ولا أثنى عليه.

 (2) - وفي " ش ": وصلهم به.

 (3) - سورة الفتح الآية: 18.

 (4) - سورة البرائة، الآية: 25 - 26.

 (5) - سورة الفتح الآية: 4.

 


[ 436 ]

فليتأمل المتأملون حال أبي بكر، وليمعنوا النظر، فإنهم سيقفون على ذكر السكينة في الغار بين جميع ما أنزل الله تعالى في كتابه مفردا لرسول الله صلى الله عليه وآله ليس لصاحبه فيها حظ، وأنه جل ذكره، قال: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (1) فأفرد الله رسوله بالسكينة، وخصه بالوقار والطمأنينة دون صاحبه، وإن ضرب الانك بآذانهم (2).

 وذهبوا إلى عوج التأويل وزيغ التفسير، وإلى ما يأبى الحق الا إقامته، واللغة الا إظهاره، فقالوا: إنما نزلت السكينة على أبي بكر دون رسول الله، إذ كان رسول الله مستغنيا عنها، وأبو بكر محتاجا إليها إحتججنا عليهم بما لا يقدرون على دفعه، وعرفناهم خطأ ما تأولوه، فإن الغار قبل كل موطن ذكرت فيه السكينة، وقد سمعنا الله تعالى يقول: (ويوم حنين) (3)، وهي أيام حروب النبي صلى الله عليه واله ثم أنزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين، ولو كانت لا تنزل عليه الا عن فقر وفاقة لكان مستغنيا عنها يوم حنين (4)، وحاجته إليها في الغار أشد حاجة،


(1) - سورة التوبة، الآية: 40.

 (2) - هذا هو الصحيح، كما في نسخة " ح " والآنك: الا سرب وهو الرصاص القلعي، أنظر لسان العرب ج 10 ص 394، مادة: أنك. وما في النسخة " فان ضرب الايوان بأذناهم " سهو قلم أو خطأ مطبعي، وفي " ش "، الابون، تحريف ولا معنى له.

 (3) - سورة البرائة، الآية: 25.

 (4) - وفي " ح ": وهي أيام حروب.

 


[ 437 ]

فما كانت نزلت قبل ذلك الوقت، إذ كانت أول سكينة نزلت.

 وأخرى - أن الله وصل السكينة بالجنود التي أيد بها من أنزلت عليه السكينة، فهل المؤيد بالجنود في مذهبكم أبو بكر - لا النبي ؟ !، كلا إن ذلك لمن المستحيل، ! ومن الكلام البين ما المراد بها أهل لرؤيتها ببصره وسماع مخاطبتها بأذنه، وفهم منطقها بعقله، ونحن ندعوهم مع هذا البرهان إلى خصلة أخرى لا يقدرون على دفعها، وهي: أن للسكينة علامات: فأول علاماتها فقدان القرار والنكاية في الفجار، فإن كان هذا الرجل ممن هذه صفته فواجب لازم أن تكون السكينة عليه نازلة هابطة، والطمأنينة له لازمة، وإن كان يشوب إقبالا بإدبار وثباتا بفرار، فالسكينة متعهدة، نظرنا، فإن كان مدبرا في كل موطن وموليا في كل زحف كما عرض به النبي وبصاحبه يوم فرا من خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

لاعطين هذه الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار (1).

 


(1) - مسند الامام أحمد ج 1 ص 185 و 331 وج 2 ص 384، وفيه: قال: فقال عمر: فما أحببت الامارة قبل يومئذ فتطاولت لها واستشرقت رجاء أن يدفعها إلي فلما كان الغد دعا عليا عليه السلام فدفعها إليه.

 وج 5 ص 358 أيضا من المسند.

 قال كافي الكفاة الصاحب إسماعيل بن عباد المتوفى (385) في قصيدته اللامية، وقد شرحها القاضي جعفر بن أحمد البهلولي اليماني، ص 85، ط بغداد:

قالت: فخيبر من ذا هد معقلها ؟ * فقلت: سائق أهل الكفر في عقل

 


[ 438 ]

فوسم من كان قد إنهزم بالفرار وسماه فرارا، وسمى عليا (عليه السلام) كرارا، وجعله غير فرار، فالسكينة أجل قدرا وأعظم منزلة، وأعلا مرتبة وأنفس خطرا من أن يطيش محلها، وهذه كتب المغازي المؤلفة التي يؤثرها علماؤهم ليتصفحوها، فإن وجدوا ذكره في شئ منها، أو رئي ثابتا في موضع واحد لاقى فيه، أو قاتل زمنا فضلا عن بطل، أو كان مطاعنا، أو مطعونا، أو راميا، أو مرميا، أو ضاربا، أو مضروبا، فسبيل ذلك الحق ونحن في ما ذكرنا مبطلون، وإن وجد المشركون من نكايته برآء ووجد من مكروههم خليا كما قال الله تعالى: (مسلمة لاشية فيها) (1) فليعلم الذين ادعوا له نزول السكينة عليه أنه [كان] عنها في إعتزال، وإذ قد ذكرنا أمر الغار، فإنا ذاكرون قصة الصحبة إذ كنا غير آمنين أن يحتجوا بها علينا أن سماه الله صاحبا لرسوله وقد اعتدوا بها فضيلة له وذلك ذهول (2) ممن ذهب إليه، وقلة معرفة بالكتاب، إن الصحبة يستحق المسمى بها من صاحب صاحبا إما على كفر أو إيمان، قال الله جل ذكره: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) (3) فقد جعل كل واحد منهما صاحبا صاحبه، وهما متباينان، وقول


(1) - سورة البقرة الآية: 71.

(2) - وفي " ش ": وهل، وكذا في " ح " ويمكن أن تقرأ: وهن.

(3) - سورة الكهف الآية: 37. وكذا في الآية 34: (وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا).

 


[ 439 ]

النبي صلى الله عليه وآله له: لا تحزن إن الله معنا، أغلظ عليه من كثير مما ذكرنا لان النبي لا ينهى عن الخير، ولو كان حزنه بخير، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار لم ينهه، ولكن لسوء ظنه بالله وبرسوله، ولقلة إحتفاله بما أنبأه (1) به الرسول، وما أدركه من قلة اليقين، وضعف القلب قدر أن يكون الرسول في قبضة المشركين فإن الحزن مع رسول الله برئ من الايمان، إذ كان داعيا إلى اشك، وهذه نقيصة شديدة، وقد عدوها فضيلة !، ولو أمسكوا عن ذكرها لامسكنا عن شرحها، والله بالغ أمره.

 وأما قولكم: إنه صديق، فإنا وجدنا هذا الاسم في كتاب الله للمسلمين عامة، لم نجد له فيها خاصة دونهم، وذلك قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) (2) وكل المسلمين يؤمنون بالله ورسله وهم صديقون، فلم تثبت له بهذا الاسم فضيلة هذا.

 وإنا لما فرغنا من قصة الغار (3)، سألونا عن شرح قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


(1) - وفي " ش ": أتاه.

 (2) - سورة الحديد الآية: 19.

 (3) - أقول: فثبت إن عليا عليه السلام فدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نفسه وبات على فراشه ليلة خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم وكان المشركون يحاولون إيقاع المكروه بالنبي صلى الله عليه واله وسلم فوقاه علي عليه السلام بنفسه وتعرض للهلاك دونه وهذه هي المحبة البالغة والنصيحة التامة. وأخبر أنه أثبت خلق الله جأشا عند الفزع، وهذا مما لا يحتاج إلى إقامة برهان. قال ابن عباس رحمه الله: بات علي عليه السلام ليلة خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى المشركين على فراشه ليعمي على قريش وفيه نزلت هذه الآية: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)  =


[ 440 ]

لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي، لما فيه من العجائب، ! فشرحنا منه ما عرفناه.

 


= (سورة البقرة / 207). كما في كفاية الطالب ص 115 وينابيع المودة 105.

 وقال علي بن الحسين عليهما السلام: أول من شرى نفسه لله عزوجل علي بن أبي طالب عليه السلام. كان المشركون يطلبون رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقام عن فراشه فانطلق هو وأبو بكر، واضطجع علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في مكانه، فقصة الغار أثبتت الفضل وهو لمن بات على فراشه صلى الله عليه واله وسلم دون غيره.

 قال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعرا قاله في تلك الليلة:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا * وأكـــــرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبـــــت أراعــــي منهم ما يسوءني * وقد صبرت نفسي على القتل والاسر

وبـــــات رســول الله في الغار آمنا * ومـــــا زال في حفظ الاله وفي الستر

 أنظر الغدير ج 2 ص 48، وج 8، ص 41. وتذكرة الخواص سبط ابن الجوزي، ص 40. وبحار الانوار ج 19 ص 28. وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 33 والطرائف للسيد ابن طاوس ص 407. والشافي للسيد المرتضى ج 4 ص 25. ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر ج 2 ص 404. واختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي ج 1 ص 130.

 وقال الصاحب ابن عباد:

قالت: فمن بات من فوق الفراش فدى * فقلـــــت: أثبـــــت خلق الله في الوهل