[ 441 ]

 

(7)

الباب السابع

شرح قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لعلي عليه السلام:

أنت مني بمنزلة هارون من موسى

(وإخراج قصصه)

 


[ 442 ]

 


[ 443 ]

144 - كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) غزا تبوكا، وكان لا يعزم على غزاة الا وري بغيرها (1) الا ما كان من تبوك لبعد السفر، والحاجة إلى الاستعداد، والتقدم في الجهاد، فخلف عليا (عليه السلام) على المدينة وعلى الحرم، وخلف ابن أم مكتوم الاعمى، ليصلي بمن تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالمدينة، ولم يأذن لاحد من أصحابه في التخلف، وكان سبب تخلف علي (عليه السلام) عنه أن تبوك بعيدة عن المدينة، فلم يأمن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) العرب أن يصيروا إليها، إذ كان قد وترهم وسفك دمائهم، وسبى البنات، والامهات، والاخوات والازواج، وكانت في صدورهم، عليه حقود، فلم يكن ليدعها بلا حافظ، ويخليها بلا حائط،


(1) - - وري أي أراده وأظهر غيره، قال الزمخشري: قال النضر: الورى شرق يقع في قصب الرئتين فيقتل، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا اراد سفرا ورى بغيره.

 أساس البلاغة للزمخشري ص 673.

 


[ 444 ]

فتكون نهزة لمن اهتبل (1)، وفرصة لمن أغفل.

 وأخرى أنه علم (صلى الله عليه واله وسلم) أنه لا يكون هناك قتال، وخرج في جيش يروي أنهم كانوا أكثر من أربعين الف رجل وخلف بالمدينة جيشا وهو علي عليه السام وحده، وكان الذين تخلفوا عن رسول الله، الذين قال الله تعالى فيهم: (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون * يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم) (2).

 وقال عزوجل: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (3).

 فما ظنك بمدينة ليس فيها الا منافق أو إمرأة ؟، والنساء لحم على وضم فخلف عليا حافظا، إذا كان مأمونا في نفسه معصوما، فحصن الله عزوجل به المدينة وعفف به حرمهم، فتكلم فيه المنافقون، وقالوا: ما خلفه الا استثقالا له، فلحق علي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال: يارسول الله، زعم المنافقون أنك خلفتني إستثقالا لي ؟ فتضاحك رسول الله، ثم أمر فنودي في الناس كلهم، فاعصوصبوا وتجمعوا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):


(1) - أي موضع اغتنام الفرصة.

 (2) - سورة البرائة، الآية: 93، 94.

 (3) - سورة البرائة، الآية: 84.

 


[ 445 ]

145 - يا أيها الناس، ما فيكم من أحد الا وله خاصة من أهله، الا إن عليا مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي (1) .


(1) - قال محمد بن سعد في الطبقات الكبرى ج 3 ص 23: وكان علي ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس وبايعه على الموت وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني سعد بفدك في مأة رجل وكان معه إحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة، وبعثه سرية إلى الفلس إلى طي وبعثه إلى اليمن ولم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها الا غزوة تبوك خلفه في أهله.

 قال أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا فضل بن مرزوق عن عطية، حدثني أبو سعيد قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وخلف عليا في أهله، فقال: بعض الناس ما منعه أن يخرج به الا انه كره صحبته، فبلغ ذلك عليا فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا ابن أبي طالب أما ترضى أن تنزل مني بمنزلة هارون من موسى ؟ " قال اخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا فطر بن خليفة عن عبد الله بن شريك قال: سمعت عبد الله بن رقيم الكناني قال: قدمنا المدينة فلقينا سعد بن مالك فقال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وخلف عليا، فقال له: يارسول الله خرجت وخلفتني ؟ فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي ؟ " قال أخبرنا عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة قال: أخبرنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: قلت: لسعد بن مالك إني أريد أن أسئلك عن حديث وأنا أهابك أن أسئلك عنه، قال: لا تفعل يابن أخي إذا علمت أن عندي علما فسلني عنه ولا تهبني، فقلت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي حين خلفه بالمدينة في غزوة تبوك، قال: قال: أتخلفني في الخالفة في النساء والصبيان ؟ فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ " =


[ 446 ]

فصار علي عليه السلام من النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وبذلك المكان الذي أردوا أن يضعوا منه، بمنزلة هارون من موسى في أسبابه كلها الا ما استثناه من النبوة، ولا أحبهم يأتون بمثلها في أحد من العالمين، فعلي (عليه السلام) ليس بأخيه لابيه وأمه كما كان هارون، وإنما هو أخوه في الدين لا كما كان


= فأدبر علي مسرعا كأني أنظر إلى غبار قدميه يسطع، وقد قال حماد: فرجع علي مسرعا.

 قال وأخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا عون، عن ميمون عن البراء ابن عازب وزيد بن أرقم قالا: لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلبي ابي طالب إنه لابد من أن أقيم أو تقيم فخلفه، فلما فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا قال ناس: ما خلف عليا الا لشئ كرهه منه، فبلغ ذلك عليا فاتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليه، فقال له: ما جاء بك يا علي ؟ قال: لا يارسول الله الا أني سمعت ناسا يزعمون أنك إنما خلفتني لشئ كرهته مني، فتضاحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " يا علي أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي ؟ قال: بلى يارسول الله، قال: فانه كذلك ".

 أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا بسطام بن مسلم عن مالك بن دينار قال: قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال إنك لرخو اللبب.

 فقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك، كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي فإذا كان القتال أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 وقال الخظيب في تاريخ بغداد ج 4 ص 383 عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وفي قصة بنت حمزة: أنت مني وأنا منك. تاريخ بغداد ج 4 ص 140.

 


[ 447 ]

هارون وإنما فرق بينه وبين علي النسب لما بلغا إلى عبد المطلب ليزوجه سيدة نساء العالمين، وينتج منهما سيدا شباب أهل الجنة، ولولا ذلك لانقطع نسل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فهذه علة النسب،

وإنما كان هارون المتقدم لموسى، وموسى كان بعده الباقي، فقد عدم علي بفضل الاب والام والاخوة في النسب وإنما كانت أخوته من رسول الله أخوة الدين، والمشاكلة والمشابهة، وتقدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتخلف [علي] بعده، فأين هارون من الامرين ؟ واستثنى رسول الله النبوة فيه، فليت شعري ما الحجة فيه بعد هذه الاشياء التي قد شرحناها ؟!

اللهم الا أن يجعلوا كلام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لغوا، فلا نعلم أمرا بقي الا أن يخلفه في أمته بعده، كما أن هارون لو بقي بعد موسى كان خليفته في أمته، فإن كان النبي لم يرد الاستخلاف، ولم يرد أنه أخوه لابيه وأمه، فأي منزلة عنى ؟ وإلى أي معنى ذهب ؟ ولم إستثنى النبوة ؟ فما هو الا أن وافق في الاشياء كلها هارون، ونحن ذاكروها إن شاء الله:

قال الله عزوجل: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) (1) فكان التشابه في ذلك أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بنى لنفسه ولعلي في المسجد وأخرج منه سائر


(1) - سورة يونس، الآية: 87.

 


[ 448 ]

الخلائق، فلم يدع لهم بابا إلا بابه (1).

 وأنه (2) سمى ولده حسنا وحسينا ومحسنا فقا: إني سميت


(1) - قال أحمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 369: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد فقال يوما: " سدوا هذه الابواب الا باب علي " قال: فتكلم في ذلك الناس قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد فإني أمرت بسد هذه الابواب الا باب علي وقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشئ فاتبعته ".

 وفي مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 117: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الاوسط وزاد: قالوا: يارسول الله سددت أبوابنا كلها الا باب علي، قال: ما أنا سددت أبوابكم ولكن الله سدها، [قال الهيثمي ]: وإسناد أحمد حسن.

 وعن علي بن أبي طالب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: إن موسى سأل ربه أن يظهر مسجده بهارون وإني سألت ربي أن يظهر مسجدي بك وبذريتك، ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك فاسترجع، ثم قال: سمعا وطاعة فسد بابه ثم أرسل إلى عمر، ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي وسد أبوابكم "، رواه البزار.

 قال أحمد المحمودي: من أراد التفصيل فعليه بمراجعة إحقاق الحق للتستري ج 5 ص 540، الباب الثاني عشر في أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قد سد بأمر الله أبواب الصحابة من المسجد الا باب علي عليه السلام وفيه أحاديث مهمة ومصادر جمة.

 (2) - وفي " ش ": والثانية.

 


[ 449 ]

ولدي باسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

 والاخرى أنه لما مضى [موسى] لمقيات ربه، إستخلف هارون على قومه وكذلك إستخلف الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عليا ثلاث وهلات، مرة على حرم الله حجة للناس حتى ظهر هو بالمدينة، ومرة على فراشه حجة على الخلق حين توارى بأبي بكر في الغار، ومرة ثالثة في غزوة تبوك على المدينة، ثم كانت المرة الرابعة إستخلافه بعد وفاته، ثم جعل خلافته علامة واضحة، فقال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، فعاش خليفة بعده ثلاثين سنة (1).

146 - والاخرى أنه لم يكن أحد أفضل من هارون بعد موسى عليه السلام فكذلك وجب لعلي عليه السلام مثله، والاخرى أنه لم يكن أحب إلى موسى من هارون (عليه السلام) فكذلك وجب لعلي (عليه السلام) مثله، وقد سئلت عائشة: من كان أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقالت: من الرجال علي ومن النساء فاطمة (2).

 


(1) - أنظر " إكمال الدين " للصدوق رحمه الله 2 ص 462، ضمن مسائل سعد بن عبد الله القمي عن الامام الحجة صلوات الله عليه، وقوله عليه السلام في جوابه: " فهلا نقضت عليه دعواه (أي الناصبي) بقولك: أليس قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ". كما في بحار الانوار للعلامة المجلسي رحمه الله ج 25 ص 85.

(2) - قال اذهبي في السير والاعلام ج 2 ص 125 وقد روى الترمذي في جامعه من حديث عائشة أنها قبل لها: أي النساء كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: فاطمة من =


[ 450 ]

والاخرى: أن هارون، كانت له من بني إسرائيل حالتان، إحدايهما أنه كان المجيب فيهم حتى أنه بلغ من أمرهم أنهم إتهموا موسى في قتله !، فقال: يا أولاد الافاعي، أو في إبن أمي تتهموني ؟ !.

 فأراهم هارون على سريره في الهواء فأومأ إليهم بوفاته !، والحالة الثانية، أنه بلغ من بغضه لعبدة العجل، وبغض عبدة العجل له، أن كادوا يقتلونه إستضعافا لقلة من معه على رفض العجل، فسماهم عبدة العجل الرافضة، وكذلك علي (عليه السلام) كان مجيبا، وسميت شيعته الرافضة لرفضهم عبادة العجل.

 والاخرى: أنهم أرادوا قتل علي (عليه السلام) حتى عصمه الله كما عصم هارون حين قيل لخالد ما قيل (1): لما أراد الله أن يجري عليه كل سنة


= قبل النساء، ومن الرجال زوجها وإن كان ما علمت صواما، أقول: أوردنا هذا الحديث وهو الحديث الثامن والثلاثون من كتابنا " الاربعون حديثا " ص 160 ط بيروت، وذكر الذهبي أيضا في تاريخ الاسلام ج 2، " عهد الخلفاء "، ص 635، وقال: أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب. أنظر الجامع الصحيح للترمذي ج 5 ص 701 الرقم: 3874. قال: حدثنا حسين بن يزيد الكوفي حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي الجحاف عن جميع بن عمير التميمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال ؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواما قواما.

(1) - والقائل هو: أبو بكر كما سيأتي !.

 


[ 451 ]

جرت على هارون، إذ (1) كادوا يقتلونه ! ! ولما يفعلوا حيث أئتمر الاول والثاني فبعثا إلى خالد بن الوليد، فواضعاه الامر وفارقاه على قتل علي (عليه السلام) وضمن ذلك لهما، فسمعت أسماء بنت عميس ذلك، وهي إمرأة أبي بكر في خدرها، فأرسلت جارية لها، وقالت لها: ترددي في بيت (2) علي، وقولي: (إن الملاء يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج إني لك من الناصحين) (3)، ففعلت الجارية، فسمعها علي، فقال: رحمها الله، فمن يقتل الناكثين والمارقين والقاسطين ؟ ! ووقعت المواعدة بصلاة الفجر، إذ كان أحرى للصدفة (4) والشبهة ولكن الله بالغ أمره.

 147 - روى ذلك صناديدهم: سفيان بن عينية، والحسن بن صالح ابن حي، ووكيع بن الجراح، وعباد بن يعقوب الاسدي [الرواجني]، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن الاول أمر خالد بن الوليد، فقال: إذا أنصرفت من [صلاة] الفجر، فاضرب عنق علي، فصلى ثم ندم، فجلس في صلاته حتى كادت الشمس أن تطلع، ثم قال في صلاته: " يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ".

 


(1) - وفي نسخة " ش ": حيث قال.

 (2) - ونسخة " ح " و " ش ": دار علي.

 (3) - الآية 20 من سورة القصص.

 (4) - وفي نسخة " ح " و " ش ": السدفة.

 


[ 452 ]

ثلاثا (1)، فالتفت علي (عليه السلام) فإذا خالد مشتمل على السيف في جانبه، فقال: يا خالد أكنت به فاعلا ؟ فقال: إي والله لولا أنه نهاني !، فقال له علي: كذبت لا أم لك، أنت أضيق حلقة أست من ذلك.

 [ثم قال عليه السلام ]: أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا (2).

 


(1) - وفي نسخة " ش ": مليا.

 (2) - روى العلامة المجلسي رحمه الله في البحار، ط القديم (الكمپاني) ج 8 ص 92 و 93 قصة أمر أبي بكر خالد بن الوليد لقتل علي عليه السلام مفصلا واليك موجزها، قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما وبعث أبو بكر إلى عمر ثم دعاه فقال: أما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم والله لئن قعد مقعدا مثله فيفسدن أمرنا فما الرأي ؟ قال عمر: الرأي أن نأمر بقتله ! قال: فمن يقتله ؟ قال: خالد بن الوليد، فبعثا إلى خالد فأتاهم، فقالا له: نريد أن نحملك على أمر عظيم فقال: إحملوني على ما شئتم ولو علي قتل علي بن أبي طالب ! قالا: فهو ذاك، قال خالد: متى أقتله ؟ قال أبو بكر: إحضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة فإذا سلمت قم إليه واضرب عنقه قال: نعم.

 فسمعت أسماء بنت عميس وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها: إذهبي إلى منزل علي وفاطمة واقرئيها السلام وقولي لعلي: (إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) (سورة القصص / 20)، فجائت الجارية إليهم فقالت لعلي: إن أسماء بنت عميس تقرء عليك السلام وتقول: إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لها: إن الله يحول بينهم وبين ما يريدون.

 ثم قال وتهيأ للصلاة وحضر المسجد صلى لنفسه خلف أبي بكر، وخالد بن الوليد =


[ 453 ]

............................................................................................................................


= بجنبه ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر للتشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وعرف شدة علي وبأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه سهى ثم التفت إلى خالد وقال: يا خالد لا تفعلن ما أمرتك به السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا خالد ما الذي أمرك به قال: أمرني بضرب عنقك قال: أو كنت فاعلا قال: إي والله لولا أنه قال لي لا تفعله قبل التسليم لقتلتك قال: فأخذه علي فجلد به الارض فاجتمع الناس عليه فقال عمر: يقتله ورب الكعبة فقال الناس: يا أبا الحسن الله، الله، بحق صاحب القبر فخلى عنه ثم إلتفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه فقال: يابن صهاك والله لولا عهد من رسول الله صلى الله عليه واله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا ودخل منزله.

 أقول: روى الشيخ الكشي رحمه الله في رجاله في ترجمة سفيان الثوري ج 2 ي ص 695، في حديث قوم مع الامام الصادق عليه السلام لما وفد عليه فقال أبو عبد الله عليه السلام لرجل منهم وكان يتحدث: زدنا فقال: حدثني يونس بن عبيد، عن الحسن، أن عليا عليه السلام أبطأ عن بيعة أبي بكر، فقال له عتيق: ما خلفك يا علي عن البيعة ؟ ! والله لقد هممت أن أضرب عنقك، فقال له علي عليه السلام: يا خليفة رسول الله لا تثريب، قال: لا تثريب، قال له أبو عبد الله عليه السلام: زدنا، قال: حدثني سفيان الثوري، عن الحسن، أن أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يضرب عنق علي عليه السلام إذا سلم من صلاة الصبح، وأن أبا بكر سلم بينه وبين نفسه، ثم قال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك. وروى عنه السيد الخوئي في المعجم ج 8، ص 153. كما رواه العلامة العلياري في ترجمة سفيان الثوري في بهجة الآمال ج 4، ص 380.

وأورده علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ج 2 ص 158 في تفسير الآية =


[ 454 ]

فقيل لسفيان وابن حي: ما تقولان فيما كان من الاول في ذلك ؟ فقالا: (1) كانت سيئة لم تتم.

 ثم جعل سفيان الثوري، هذا الفعل أصلا، وقال في الرجل إذا أحدث قبل أن يسلم إذا فرغ من التشهد أن صلاته تامة !، فكره علي (عليه السلام) أن يقدم عليه حتى استثبت، وأوجب عليه الحجة، فقال:

148 - أبعد قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): من كنت مولاة فهذا علي مولاه، وبعد قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وبعد كذا وكذا وعدد خصالا (2) [أ] هذه سبيلها ؟ قال: نعم، فقبض علي (عليه السلام) صدره بيده، فجعل يرغو رغاء البعير (3)، ونبع (4) بوله في المسجد، واجتمع الناس عليهما يمدونهما لتخليصه من يده، فراموا مراما صعبا مستحيلا من الامكان، فناداهم الاول: نحلف بالله العظيم أن لو تمالا عليه أهل الارض ما استنقذوه منه، ولكن ناشدوه بحق صاحب القبر ! ! فلما ناشدوه خلى عنه، وقال: " لو عزمت على ما هممت به لشققتك شق الثوب "، و تركه وأمسك عنه كما أمسك عن طلب حقه بالسيف.

 


= (فأت ذا القربى حقه) وفيه قصة فدك.

 (1) - وفي نسخة " ش ": فقالوا جميعا.

 (2) - ظاهر هذه الكلمة تعبير المصنف رحمه الله.

 (3) - وفي نسخة " ش ": البكر.

 (4) - وفي نسخة " ح " و " ش ": وانباع.

 


[ 455 ]

149 - وأخبرني الحسن بن الحسين العرني (1)، قال: حدثنا عبيد الله بن المبارك، ويحيى بن خالد، عن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه.

 عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، قال: لما أيطأ علي عن البيعة على الاول، أمر الاول خالد بن الوليد، فقال: إذا سلم علي من صلاة الفجر فاقتله، فسلم الاول في نفسه، ثم [ندم] فنادى يا خالد لا تفعلن ما أمرتك به، وخالد إلى جنب علي فقال: له عليه السلام (2): أو كنت فاعلا ؟، قال: نعم، قال: أنت أضيق حلقة إست من ذلك، ثم أهوى علي بيده إلى حلق خالد، فجعل يرغو رغاء البكر (3).

 


(1) - أنظر ترجمة الحسن والحسين العرني في رجال النجاشي ص 38 ط طهران.

 ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي دام ظله ج 14 ص 316 ط النجف 1. ورجال المامقاني ج 1 ص 274 ط طهران. ورجال ابن داود ص 72. ولسان الميزان ج 2 ص 198.

(2) - وفي نسخة " ح ": علي لخالد.

(3) - كذا في النسخة والصحيح: البعير، أو البقر. قال الامام أبي سعد عبد الكريم بن سعد السمعاني المتوفى (562) في كتاب الانساب ج 3 ص 95 في ترجمة الرواجني وهو أبو سعيد عباد بن يعقوب المتوفى (250) شيخ البخاري، روى عنه جماعة من مشاهير الائمة مثل أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري لانه لم يكن داعية إلى هواه، وروي عنه حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: لا يفعل خالد ما أمر به، سألت الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني بالكوفة عن معنى هذا الاثر ؟ فقال: كان أمر خالد بن الوليد أن يقتل عليا ثم ندم بعد ذلك فنهى عن ذلك.

 


[ 456 ]

قال: فاجتمع عليه الناس، فلم يقدروا على أن يخلصوه، فقال الاول: لو اجتمع عليه أهل منى لم يخلصوه، ولكن سلوه بحرمة صاحب القبر والمنبر فناشدوه بذلك فتركه.

 150 - وروى العرني، عن اسماعيل بن إبراهيم، عن عمرو بن نصر، قال: سمعت خالد بن الوليد القسري، يغتاب، عليا، ويقول: والله لو كان في أبي تراب خير ما أمر أبو بكر الصديق بقتله.

 فهذا دليل على أن الاول أمر خالد بن الوليد بقتل علي، وأن الخبر في ذلك مستفيض، ولو أراد علي بعد ذلك أمرا لقبض خالدا على رؤوس أعدائه قبضة يضرب بعضها ببعض، فيثير دماغه ودماغ كثير منهم (1) لفعل، ولكان مليا بذلك، ولكن لم يأذن الرسول في ذلك، وأراد أن يصبر ويؤجر كما صبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والاصنام تعبد بين عينيه، فأتاه ملك: فقال: إن شئت ضممت عليهم الاخشبين، وهما جبلان يكتنفان مكة، وإن شئت صبرت ؟ فقال: بل أصبر (2).

 


(1) - وفي نسخة " ح ": بعضه بعضا بها وينثر دماغه فيها.

 (2) - كما صرح عليه السلام في الخطبة الشقشقية: " فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا ".

 قال أحمد المحمودي: ليس هناك حق أعظم مما غصب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من حق علي وفاطمة عليهما السلام، وليست مصيبة أفظع من إحراق الباب على أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ولا يتصور فوق ما صبر علي وأهل بيته =


[ 457 ]

151 - وأخرى: أن المؤمنين أحبوا عليا كما أحب أصحاب هارون، وأبغضه المنافقون، كما أبغض هارون عبدة العجل، فأخبره النبي صلى الله عليه واله وسلم بذلك، وقال: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك الا منافق.

 (1) وأخرى: أن موسى لما دخل على فرعون، وهارون قائم على رأسه في الديباج والذهب، فقال لموسى من يصدقك ؟ فقال: هذا القائم على رأسك فسأله، فقال: أشهد أنه صادق وأنه رسول الله عزوجل إليم، فقال: إني لا أعاقبه الا باخراجه من تكرمتي، وإلحاقه بدرجتك، فدعا له بجبة صوف والبسه إياها، وبعصا فوضعها في يده فعوضه الله من


= وشيعته، فانه لمصاب جلل وخطب فظيع وحق ضائع، وكم له من نظير، ! ؟ والى الله المشتكى، ونعم الحكم الله والزعيم محمد صلى الله عليه واله وسلم والموعد القيامة.

 (1) - قال محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ط مصر ص 91، في باب ذكر الحث على محبته والزجر عن بغضه: عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. أخرجه أحمد والترمذي. أنظر ص 18 من الكتاب أيضا فيه شواهد.

 وعنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يحبني الا مؤمن، ولا يبغضني الا منافق. قال: أخرجه مسلم. وعن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

 قال: وعن الطيب بن عبد الله بن حنطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس أوصيكم بحب أخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فإنه لا يحبه الا مؤمن، ولا يبغضه الا منافق " قال الطبري: أخرجه أحمد في المناقب.

 كتاب المناقب للمغازلي: ط 1 ص 190 وفيه تفصيل الحديث بطرق عديدة فراجع.

 


[ 458 ]

ذلك أن ألبسه قميص الحياة فكان هارون، آمنا من الموت ما دام عليه، وكذلك ألبس الله جل اسمه عليا عليه السلام قميصا هو أفضل من ذلك القميص بقدر فضل محمد، على موسى عليهما السلام وإخباره إياه (1) من المحتوم أن لا يموت إلى يوم كذا من ساعة كذا بعد ثلاثين سنة، وبعد أن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وبعد أن يؤثر ثم تخضب لحيته من دم رأسه (2) فكان هارون إذا نزع القميص غير آمن، وكان علي عليه السلام آمنا على كل حال، وقد أقروا بألسنتهم أن عليا قد عرف أجله، ووقت وفاته.

 رواه الشاذكوني، قال:

152 - حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن عيسى، عن يحيى بن سيرين، قال: إن كان أحد عرف أو قال: علم متى أجله، فعلي بن أبي طالب (3).

 


(1) - وفي نسخة " ش ": إن.

(2) - كذا في نسخة " ح " و " ش ".

(3) - قال العلامة المجلسي رحمه الله في بحار الانوار ج 41 ص 315 نقلا عن " الشافي في الانساب ": وأخبر عليه السلام بقتل نفسه، روى الساذكوني عن حماد عن يحيى، عن ابن عتيق عن ابن سيرين قال: " إن كان أحد عرف أجله فعلي بن أبي طالب عليه السلام ".

وقال: الاصبغ بن نباتة أنه خطب عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه فقال: " أتاكم شهر رمضان وهو سيد الشهور وأول سنة وفيه تدور رحى الشيطان الا وإنكم حاجوا العام صفا واحدا وآية ذلك أني لسيت فيكم ".

 


[ 459 ]

وأخرى: أن عليا عليه السلام أول من صدق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، كما صدق هارون موسى عليه السلام.

 وأخرى: أنه لم يكن لاحد منزلة عند موسى كمنزلة هارون لا يساويه أحد، وكذلك وجب مثلها لعلي.

 وأخرى أنه لا نبي بعد رسول الله، ولو كان لم يكن غير علي، لان الاستثناء أوجب ذلك له.

 153 - رواه الشاذكوني: قال: أخبرني يوسف بن يعقوب بن الماجشون قال: أخبرني محمد بن المنكدر، عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص: قال سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه ليس معي نبي.

 قال ابن المسيب: فأحببت أن أشافه بذلك سعدا، فأتيته (1) فذكرت ما قال عامر عنه، قال: نعم، سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، قلت: أنت سمعته ؟ فأدخل إصبعيه في أذنيه، وقال: سمعته بهاتين والا فصمتا.

 فقد دل هذا القول من رسول الله، أنه لا نبي معه ولا نبي بعده، ولو كان لم يكن غير علي عليه السلام فهذا ما عرفناه من منزلة هارون من موسى مما


(1) - وفي " ش ": فلقيته.

 


[ 460 ]

وافق أمير المؤمنين من رسول الله (1) صلوات الله عليهما.

 ونحن الآن نشرح قصة ابن أم مكتوم الاعمى، وصلاته بالناس، في غزوة تبوك بالمدينة، كان سبب ابن أم مكتوم الاعمى في الصلاة بمن بقي في المدينة وتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والذين هم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، ففضحهم الله بأن جعل لهم الاعمى إماما، ومن شأن الاعمى أن يتنجس ثوبه ولا يعلم، ويتوجه نحو القبلة، ليس الا التسليم والتقليد، وينحرف عن القبلة وهو في صلاته ليس الا أن ينوي الصلاة، فنزه الله عليا عليه السلام أن يكون إماما لهؤلاء الصم البكم الذين لا يعقلون، كما نزهه عن إمارة الموسم، وبدعة الوقوف بالمزدلفة عام برائة، وكنا وعدنا شرح العلة في إقامة أبي بكر الحج للناس عام برائة، ونحن نشرحه حتى


(1) ـ وقال الامام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي المتوفى (354) في كتاب " الثقات " ج 1 ص 141 عند قدوم النبي صلى الله عليه واله وسلم المدينة ومؤاخاته مع الاصحاب، فقال علي بن أبي طالب: يارسول الله ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت، فان كان من سخطة علي فلك العتبى والكرامة ! قال: والذي بعثني بالحق، ما أخرتك الا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، قال [علي ]: يارسول الله أرث منك ؟ قال ما ورثت الانبياء قبلي، قال: وما ورثت الانبياء قبلك ؟ قال: كتاب الله وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة إبنتي، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إخوانا على سرر متقابلين) الآية: 47 من سورة الحجر.

 


[ 461 ]

يعرفه أولوا الالباب.

 154 - كان سبب ولاية أبي بكر الموسم، أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إعتمر ومكة في أيدي المشركين، حرصا على الطواف بالبيت والمشاهد لسوابغ الله في تلك الاماكن، فأمسك (صلى الله عليه واله وسلم) في هذه السنة عن الحج ومكة في أيديهم (1) لتدبير الله العظيم الذي بعضه أمر برائة وكانت العرب تنسئ النسيئ، ومع ذلك، إن كثيرا منهم كانوا يتعايشون بالتناهب والتغالب والتحارب، فكانت أشهر الحرام هذه الثلاثة المتصلة ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فطال عليهم الامر، فولدوا بآرائهم حتى انتهوا إلى المحرم في السنة بعد السنة الغوه، وسموه صفرا، ثم بعد صفر شهر ربيع الاول، ومضوا على ذلك، وتطاولت المدة، وتفانت القرون، فاختلط عليهم الحساب، ولم يدروا في أي شهر هم للنسئ الذي كانوا يفعلونه، فقال الله تعالى:

(إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله - إلى قوله -: زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين) (2) فصار حجهم مجهول الوقت، لا يدرون إذا حجوا في أيام الحج حجوا أن في غيرها ؟ ! ثم ولد من هذا الفعل أن يقف بالمزدلفة، ولا يمضي إلى عرفة، ففسد بذلك حجهم، وكانت حجهم في الوقوف بالمودلفة لانهم قالوا:


(1) - وفي " ش ": في يده.

 (2) - سورة التوبة، الآية: 36.

 


[ 462 ]

نحن أهل الحرم ولا نخرج منه، ففسد لذلك أيضا حجهم وبطل، فأنزل الله عزوجل من بعد: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) (1) يعني ابراهيم، وإسماعيل، ثم استدارت السنون وأطلع الله نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) على ذلك لما جعل مكة في يديه، فبعث ابا بكر ومعه سورة البراءة، وأمره بإقامة الحج للمشركين، ليثبت اليد، وكان (صلى الله عليه واله وسلم) عالما بأن الزمان، قد استدار، فلم يطلعهم على ذلك، ولا أعلم ابا بكر، وتركهم و إياه جهلا، لا يدرون أفي وقت الحج هم ؟ أم في غير وقته، ولا أمره أن يمضي إلى عرفات، فمضى أبو بكر، فقام معهم بالمزدلفة، على سنة أهل الجاهلية بباطل الحج، فختمت حجج الجاهلية الفاسدة زمانا ومكانا بأبي بكر، وطهر الله الحرم من المشركين بعلي عليه السلام، فالامر الفاسد وقتا ومكانا ما توجه فيه أبو بكر ونزه عنه علي عليه السلام.

 والامر الحق الذي هو في قرائة برائة على المشركين (2) عزل عنه أبو بكر وتوجه به علي، وكذلك نزهه (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة في المدينة بالمنافقين، إذ كان (عليه السلام) لا يجوز أن يكون إماما لقوم ليس فيهم الا منافق أو مشرك فهذه هي العلة.

 


(1) - سورة البقرة الآية: 199.

(2) - وفي " ش ": الذي عنه عزله ووجه عليا وكذلك نزهه عن الصلاة بالمدينة بالمنافقين.

 


[ 463 ]

 

[ خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج ]

155 - فلما كان في السنة الثانية، حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمر بقريش وأبنيتها وفساطيطها بالمزدلفة لا يشكون لوقوف أبي بكر في العام الماضي، إن الله قد ثبت سننهم التي ولدوها وإن رسول الله سيقف معهم كما وقف أبو بكر، فمر بهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فقال: السلام عليكم، ثم طواهم، وقصد لعرفات، فقطعت الابنية، وقوضت وتركت عرصة البدعة قاعا ولحقت قريش برسول الله، ومن حج من المؤمنين، فعرفهم، فخطبهم رسول الله فقال:

ألا إن الزمان قد إستدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والارض (1) [قال الله عزوجل ]: (إن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها أربعة حرم) (2)، [وقال تعالى]:


(1) - مروج الذهب ج 2 ص 290 ط بيروت.

(2) - سورة التوبة: 36.

 


[ 464 ]

(إنما النسيئ زيادة في الكفر) (1)، ثم قال:

أيها الناس إن الله عزوجل باهى بكم الملائكة عامة وبعلي خاصة إمضوا على بركة الله (2).

 


(1) - سورة التوبة: 37.

 (2) - روى العلامة محب الدين الطبري في " الرياض النضرة " ج 2، ص 177، من طريق أحمد، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال: إن الله عزوجل قد باهى بكم وغفر لكم عامة ولعلي خاصة.

 وروى العلامة العيني في مناقب علي ص 32 من طريق أبي نعيم عن عمر الديلمي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جبريل ينادي: من مثلك يا علي يباهي الله تعالى بك والملائكة. ومن طريق آخر عن جابر أن الله يباهي بعلي كل يوم الملائكة المقربين. أنظر إحقاق الحق ج / فهرست ص 111.

 


[ 465 ]

 

[ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والمسلمون في غدير خم بعد حجة الوداع ]

156 - فلما قضى حجه، وصار بغدير خم، وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة، أمره الله، عزوجل بإظهار أمر علي عليه السلام فكأنه أمسك لما عرف من كراهة الناس لذلك إشفاقا على الدين وخوفا من إرتداد القوم فأنزل الله عزوجل: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(1).

فما أمهل أن يدخل المدينة، وبينه وبينها ميلان، ولا انتظر به وقت الصلاة، وقد قرب وقتها ! فإنهم خرجوا والرمضاء تحت أرجلهم، وليس ذلك إلا لامر عجيب ! فنادى: الصلاة جامعة في غير وقت صلاة فخرج الناس على طبقاتهم: الحر والعبد، والقرشي والعربي، وقد كان الدين قد كملت شرائعه غير الامامة والولاية، فأكملها عزوجل بعلي، قالوا: فخرجنا والرمضاء تحت أرجلنا، فخطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما قد ذكرناه، وبعض رواة الخبر زاد على بعض، ونحن نذكر بعضا.

 


(1) - سورة المائدة: 67.

 


[ 466 ]

157 - حدثنا أحمد بن مهدي، قال: حدثنا شهاب بن عباد البصري (1) قال: حدثنا عبد الله بن بكر النخعي، عن حكيم بن جبير (2)، عن أبي الطفيل: عن زيد بن أرقم، قال:

لما كان يوم غدير خم أمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بشجر يدعى الدوح فقم (3) ما تحتهن، ثم قال: إني لم أجد (4) لنبي الا نصف عمر النبي الذي كان قبله وإني أوشك أن أدعى فأجيب فما أنتم قائلون ؟ فقال: كل رجل منا كما شاء الله أن يقول: نشهد أنك قد بلغت ونصحت (5) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

158 - اليس تشهدون أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله ؟ وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق ؟ قالوا: يارسول الله بلى، (6) فأومأ رسول الله إلى صدره، وقال: وأنا معكم، ثم قال رسول الله: أنالكم فرط، وأنتم واردون على الحوض، وسعته ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه


(1) - هو: شهاب بن عباد العبدي العصري البصري، أنظر تهذيب الكمال ج 12 ص 575 الرقم: 2778.

(2) - هو: حكيم بن جبير الاسدي الكوفي. تهذيب الكمال ج 7 ص 165 رقم: 1452.

(3) - قم من باب مد: أي كنسه ونظفه، وفي " ش ": فقمم.

(4) - وفي "ح": ألا إني.

(5) - وفي "ح": واشهدوا أنه قد بلغ ونصح.

(6) - وفي "ش": نعم.

 


[ 467 ]

عدد الكواكب قد حان ماؤه أشد بياضا من الفضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ؟ فقام رجل، فقال: يارسول الله ما الثقلان ؟

قال: الاكبر، كتاب الله طرفه بيد الله و [الثاني] سبب طرفه بأيديكم، فاستمسكوا به، ولا تزلوا ولا تضلوا، والاصغر: عترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، سألت ربي ذلك لهما، فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (1).

ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله (2)


(1) - قال الحافظ أبي القاسم سليمان أحمد الطبراني في المعجم الكبر ج 3 ص 66 قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا جعفر بن حميد، حدثنا عبد الله بن بكير الغنوي عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لكم فرط، وإنكم واردون علي الحوض، عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب قد حان مائه أشد بياضا من الفضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين.

 "فقام رجل فقال: يارسول الله وما الثقلان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الاكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، لن تزالوا ولا تضلوا، والاصغر عترتي، وإنهم لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تعلموهما فإنهما أعلم منكم ". أنظر الحديث 2680 و 2681.

(2) - أنظر ترجمة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) من تاريخ ابن عساكر الدمشقي ط 1، =


[ 468 ]

159 - وروى يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع، قال: حدثنا العبدي، عن أبي سعيد [الخدري ]:

أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) دعا الناس إلى علي (عليه السلام) بغدير خم، وأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك، فقم وذلك يوم الخميس، ثم دعا عليا وأخذ بضبعيه ورفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الاية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (1).

فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وبالولاية لعلي من بعدي [ثم] قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله (2).

 


= بيروت ج 2 ص 5، تجد تفصيل ما يناسب المقام بطرق عديدة وشواهد جمة، فراجع.

 (1) - سورة المائدة الآية: 3.

 (2) مسند الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 331، 84، 119 و 152 وج 4 ص 368 و 372 ج 5 ص 347 و 366.

قال العلامة محمود بن عمر الزمخشري في ربيع الابرار ط بغداد ج 1 ص 84: ليلة الغدير معظمة عند الشيعة، محياة فيهم بالتهجد، وهي الليلة التي خطب فيها رسول الله بغدير خم على أقتاب الابل، وقال في خطبته: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وجاء في التعليقة هكذا: وقال الحازمي: " خم واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به =


[ 469 ]

160 - فقال حسان بن ثابت: [إذن لي يارسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن، فقال: قل على بركة الله،] فقام حسان، فقال: يا معشر مشيخة قريش إسمعوا قولي بشهادة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):

يناديهـــــم يـــــوم الغدير نبيهم * بخـــــم فأكـــرم بالرسول مناديا

يقـــول: فمـــــن مولاكم ووليكم * فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهـــــك مولانـــــا وأنـــت ولينا * ولا تحـدن منا لك الدهر عاصيا

فقـــــال له: قــــم يا علي فإنني * رضيتـك من بعدي إماما وهاديا

 161 - روى الحسن بن الحسين العرني، عن أبي يعلى (1) الاسلمي، عن عبد الله ابن موسى، عن يحيى بن منقذ الشامي قال: سمعت ابن عباس يقول:


= غدير عنده خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة " يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته هناك: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره... ويعرف بحديث الغدير.

وروى المزي في تهذيب الكمال ج 11، ص 100، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب عن زيد بن بثيغ قالا: نشد علي الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي يوم غدير خم: " اليس الله أولى بالمؤمنين ؟ قالوا: بلى قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".

(1) - وفي " ش ": يحيى.

 


[ 470 ]

أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) بإظهار ولاية علي (عليه السلام)، فقال: يا رب، الناس حديث عهد بالجاهلية، ومتى أفعل، قال الناس: فعل بابن عمه كذا وكذا !، فلما قضى حجه، رجع حتى إذا كان بغدير خم، أنزل الله عزوجل:

(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(1).

فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فخرج رسول الله، ومعه علي فقال:

يا أيها الناس، الستم تزعمون ؟ أني مولى(2) كل مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأعن من أعانه، وأبغض من أبغضه، وحب من أحبه.

 


(1) - سورة المائدة: 67.

 قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير ط مصر، ج 12، ص 49، في تفسير هذه الاية: العاشر: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، ولما نزلت هذه الاية اخذ بيده وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئا لك يا ابن ابي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، [قال الرازي ]: وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي.

 (2) - وفي " ح ": ولي.

 


[ 471 ]

قال ابن عباس: فوجبت والله بيعته في أعناق الناس وأتم خطبته (1) وزاد بعض (2) الرواة على بعض في معنى ما حكيناه:

162 - ولما قال: ألستم تشهدون ؟ أني أولى بكل مؤمن من نفسه و قالوا: بلى، إستغلق الرهينة، وحصل الاقرار، فعطف الكلام على أوله بعد أن استوثق منهم، وعقد عليهم الامر، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

 ثم دعا له ولاخوانه، ودعا على أعدائه، والخاذلين له، فقال: وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، وأخذل من خذله.

 (وهذا دعاء لا يقع الا لامام مفترض الطاعة، والا فما معنى قوله: وانصر من نصره، واخذل من خذله) (3) ولم يدر كثير من الناس ما عنى به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حتى اختلفوا وقد كانت نزلت على رسول الله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (4) ثم نزل الشرح بقوله [تعالى ]: (اليوم أكلمت لكم دينكم) ونزل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (5)


(1) - وفي " ش ": فقال في خطبة ما حكيناه.

 (2) - وفي " ش ": بعضهم على بعض فقال: الستم تشهدونه.

 (3) - ما بين القوسين كان ساقطا من نسخة " ح ".

 (4) - سورة الاحزاب الآية: 6.

 (5) - سورة الاحزاب الاية: 36.

 


[ 472 ]

وذلك أنه لا خيرة مع الله جل ذكره الذي يعلم الغيب، ولا مع رسول الله، ولا يجوز إتباع الظن إنما هو اليقين، فتأول المنافقون، كما قال الله عزوجل: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) (1).

163 - فمنهم من قال ذلك، ولاء التكافؤ الذي المؤمنون به بعضهم أولى ببعض، ومنهم من قال: إنه عنى بالولاية التي جعلها الله لرسوله (2)، وجعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

فمن ذهب إلى ولاء التكافؤ، فقد سخف رسول الله أن يجمع الناس وينادي الصلاة جامعة، والرمضاء، تحرقهم ! ! فيقول: من اعتقته فقد اعتقه علي (عليه السلام)، ولم يكن جمع عبيده ومواليه فقط، إنما جمع الناس على طبقاتهم وفي الجمع عمر حين ضرب بيده على منكب علي (عليه السلام)، وقال: أصبحت يابن أبي طالب مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ! !، وإذا كان ولاء التكافؤ، فما معنى قول عمر، وقد أقر أنه مولاه ! ؟.

وقالت العلماء لمن خالفهم من المنافقين والمخالفين: إن هذا القول من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يحتمل خمسة (3) معاني لا غير، فمنها ولاء النبوة، وولاء الايمان، وولاء الاسلام، وولاء االعتق، وولاء الولاية، ثم نظروا


(1) - سورة البقرة الآية 75.

(2) - وفي " ح ": لنبيه.

(3) - وفي " ش ": ستة.

 


[ 473 ]

وقاسوا الوجوه الخمسة، فأجمعوا أنه لا يجوز أن يقوم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في مجمع ينادي بتوكيد أمر لا معنى له، ولا حاجة بالناس إليه، و لا منفعة لهم فيه، فيكون قيامه قيام عابث وهذا منفي عنه (صلى الله عليه واله وسلم).

ثم نظروا هل يجوز أن يكون ذلك ولاء النبوة والرياسة فاستحال لقوله صلى الله عليه واله وسلم) لا نبي بعدي، ثم نظروا هل يجوز أيكون ذلك ولاء الايمان، أو الاسلام، أو العتق فوجدوا أن المعروف عند الناس، أن المؤمن ولي المؤمن لا ولي الكافر (1)، وقد يكون إيمان علي (عليه السلام) قبل أن يقول النبي (صلى الله عليه واله وسلم): الولاء لمن أعتق، ولم يكن بهم حاجة أن يقوم النبي فيهم فيعلمهم ما كان عندهم مشهورا.

فقد بطلت الوجوه الخمسة باجماعهم، وأجمعوا ضرورة أن معنى الولاية أن يكون أولى بهم من أنفسهم، كما كان النبي أولى بهم من أنفسهم، لا أمر لهم معه، وقد شرح أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له، فقال:

164 - إني وليت هذا الامر دون قريش، لان نبي الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: الولاء لمن أعتق، فجاء نبي الله بعتق الرقاب من النار وعتقها من النسئ، فهذان إجتمعا أعظم من عتق الرقاب من الرق، فكان للنبي ولاء


(1) - ولا الفاسق الفاجر.

 


[ 474 ]

هذه الامة، وكان لي بعده ما كان له، فما جاز لقريش على العرب من فضلها عليها بالنبي جاز لبني هاشم على قريش، وجاز لي على بني هاشم لقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من كنت مولاه فعلي مولاه، وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عهد إلي فقال: يابن أبي طالب لك ولاء أمتي من بعدي، فإن ولوك في عافية واجتمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه، فإن الله سيجعل لك مخرجاً.

وقد إستغنينا بعد ما شرحنا من قوله من التأويلات، لان التأويل إنما يقع في شئ لم يفسر، فإذا جاء عنهم التفسير إستغنى به عن كل قيل وقال:، وأبى الله جل ذكره إلا ما كان من إقراركم بألسنتكم واضطراركم أي تلقف الظنون بعد التفسير، وإلى إعادة الحسبان بعد البيان، والى إشتفاء بعضكم من آباء بعض ما لا يغنى من الحق، ورجوعكم إلى حكم الجاهلية والى أن أقمتم شرائع الدين بالرواية الكاذبة التي إختلفتم فيها، والى أن شهدت كل فرقة على صاحبتها بالنار، زادكم حيرة.

 


[ 475 ]

 

[ علي أمير المؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله برواية أبي سعيد الخدري ]

ثم قول أبي سعيد الخدري يدل على أنه أمير المؤمنين بعد رسول الله.

165 - رواه يحيى بن مساور، عن إسماعيل بن زياد، عن فضيل بن يسار، عن أبي هارون العبدي، قال: كنت أرى رأي الخوارج، حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري، فسمعته يقول: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة فقالوا: يا أبا سعيد ما هذه الاربع التي عملوا بها ؟، فقال: الصلاة، والزكاة، والحج، وصوم شهر ومضان، فقيل: فما الوحدة التي تركوها ؟، قال: ولاية (1) عللي بن ابي طالب (عليه السلام) !، فقيل وإنها مفترضة معهن ؟ قال: نعم، قيل: فقد كفر الناس إذا ! ؟، قال: فما ذنبي ؟ (2) وكان رسول الله قد أقامه


(1) - وفي " ح ": أمير المؤمنين.

 (2) - رواه فخر الشيعة أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالشيخ المفيد رحمه الله المتوفى (413) في الامالي ص 139 باسناده عن أبي هارون العبدي قال: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره جلست إلى أبي سعيد الحدري رحمه الله، فسمعته يقول: =


[ 476 ]

[ مقامه] بعد أن (1) نعيت إليه نفسه، وعلم أنه لاحق بربه، وصائر إلى كرامته، فأمر أن يدل على الامام القائم بأمره من بعده بما جاء به، ففعل به، وأقامه للناس، وإنما بقي بعد هذا الموقف ثمانين يوما.


= "أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة، فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هذه الاربع التي عملوا بها ؟ قال: الصلاة، والزكوة، والحج، وصوم شهر رمضان.

قال: فما الوحدة التي تركوها ؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب صلى الله عليه واله وسلم قال الرجل: وإنها المفترضة معهن ؟ قال أبو سعيد: نعم ورب الكعبة، قال الرجل: فقد كفر الناس إذن ! قال أبو سعيد: فما ذنبي ؟.

 ورواه أيضا العلامة المجلسي رحمه الله في البحار ج 27، ص 102.

 (1) - وفي " ح ": ما.