[ 485 ]

 

(9)

باب: تثبيت الامامة

وأنها مفترضة

(وتثبيت الوصاية لقرب الامر بينهما)

 

لقد بدأت بإستنساخ هذا القسم من الكتاب أي الباب التاسع، يوم الثلاثاء الثاني والعشرون من جمادي الثانية، لسنة / 1398 مستمدا من الله عزوجل أن يوفقنا لاتمامه.

 


[ 486 ]

 


[ 487 ]

167 - قال الله عزوجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) (1).

 وقال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون) (2).

 


(1) - سورة النساء: 59، والآية بتمامها هكذا: (يا أيها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).

 (2) - سورة المائدة: الاية 55، ثم أنظر كتاب المناقب لابن المغازلي ط 1 ص 311، و شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني، ط بيروت، ص 61 عن طريق ابن عباس، وذكر الحافظ الگنجي الشافعي في كفاية الطالب ط النجف ص 228. وأنساب الاشراف للبلاذري ط بيروت ترجمة الامام علي (عليه السلام) ص 150 الرقم 151، عن ابن عباس أيضا قال: نزلت في علي. وذكر العلامة البحراني رحمه الله في تفسير البرهان ج 1 ص 482 ط 2 في ذيل الاية الشريفة:

وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج 12 ص 26 ط مصر في ذيل تفسير هذه الاية: روى عطاء، عن ابن عباس، انها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام). وروى عبد الله بن =


[ 488 ]

فوصف الله تعالى الولي بفضله، ودل (1) عليه بشخصه، وقرن ولاية المدلول عليه الموصوف بالصلاة والزكاة في حال الركوع بولاية الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، فنحن نطالب بأن يدل على المدلول عليه، فليجعلوه من شاؤا بعد أن يقيموا، فإن هذه الامامة مفترضة طاعة لله عزوجل، وقد دل على شئ من الاشياء، ولا يجوز أن يجعل قول الله عزوجل هزوا، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوم غدير خم ما ذكرناه من قبل (2) ثم دعا


= سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يارسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه.

 وروي عن ابي ذر رضي الله عنه أنه قال: صليت مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوما صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) فما أعطاني أحد شيئا، وعلي عليه السلام كان راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، فقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: " رب اشرح لي صدري " إلى قوله: " وأشركه في أمري، فأنزلت قرآنا ناطقا (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري.

 قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبرئيل، فقال: يا محمد إقرأ (إنما وليكم الله ورسوله) إلى آخرها. أنظر تفسير " الدر المنثور " للسيوطي ج 3 ص 104 ط بيروت فراجع.

 (1) - وفي " ش ": ودل انبي على شخصه.

 (2) - أنظر ص 465 من هذا الكتاب.

 


[ 489 ]

لمن نصره بالنصر، وعلى من خذله بالخذلان، ولابد لقول الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) من معنى حيث أخبر أن موالاته موالات الله تعالى، و أن معاداته معاداة الله جل إسمه.

 فنحن (1) نقررهم، أن هذا يوجب إمامة وخلافة، إذ كان النص لا يكون الا لامام، والا لبطل المعنى، ولم دل عليه، ودعا إليه ولاوليائه بالنصر، وعلى أعدائه بالخذلان في ذلك الموقف وذلك الوقت، في غير وقت صلاة، والرمضاء تحرق أرجلهم، ولم ينتظر وقت الصلاة ولا دخول المدينة، فهذا يدل على أمر قد أمر به (2) أن يأتيه قبل أن يزول عن مكانه.

 168 - ونرجع الآن إلى قول الله عزوجل، الذي هو الاصل، وعليه بناء الامر: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) وهذه مخاطبة من الله جل ذكره، خاطب بها المؤمنين، ولم يخاطب بها أولي الامر، بل أمر المؤمنين أن يطيعوه ويطيعوا أولي الامر، والمخاطبة بعث على من ندبهم إلى طاعته وطاعة أولى الامر، وذلك أنه لا يجوز أن يكون المطيع هو المطاع ولا المأمور هو الآمر، والدليل أنه لم يقرن طاعة أولي الامر بطاعة الرسول، كما قرن عزوجل طاعة رسوله بطاعته تعالى، إلا وأولي الامر فوق الخلق، كما أن رسول الله فوق أولي الامر، ونحن


(1) - وفي " ح ": فإنا.

 (2) - وفي " ش ": فهذا لا يدل الا على أمر قد أمر به.

 


[ 490 ]

نطالبهم في هذا الموضع أن يدلونا على هؤلاء القوم الذين دل عليهم، فإن الله لم يكن يوجب ولا يوجد قال: ونضطرهم إلى الاقرار، إن الله إذا دل على قوم بأعيانهم، فحرام مخالفتهم إلى غيرهم.

 169 - واحتج علينا القوم: أن الله عنى بأولي الامر، أمراء السرايا، فاحتججنا عليهم نحن بقاطعة، أن الله تعالى، إن كان أمر بطاعة أمراء السرايا، فقد أمر بطاعة المنهزمين، فإن أبا بكر كان من أمراء السرايا يوم خيبر، ثم عمر، فانهزما، وهل هذا الاصل الا سنة موسى وهارون حذو القذة بالقذة، والله يقول: (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) (1).

 وكان موسى وهارون وقفا على بني إسرائيل، يذكرانهم نعم الله، ويكرران ذلك، ثم قالا لهم: (أدخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) (2)، فكان جوابهم الاباء، واحتجاجهم بالخوف والرهبة من القوم الذين استعظموا اجسادهم، واستكبروا أبدانهم، فقالوا: (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا) (3) فشرط لهم موسى وهارون [عليهما السلام] الغلبة والنصر والفلج، فأبوا الا تمسكا بالمعصية، ورهبة من القوم، واتهموا موسى وهارون في قولهما !، ففسقهم موسى (عليه السلام) بقوله: (فافرق بيننا


(1) - سورة الاحزاب، الآية: 62.

 (2) - سورة المائدة، الآية: 21.

 (3) - سورة المائدة، الآية: 22.

 


[ 491 ]

وبين القوم الفاسقين) (1).

 170 - إن مثل ذلك أيام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، حين انصرف من الحديبية، وكان فتح الخيبر، بين فتح المدينة، وفتح مكة، فسار إليهم حتى نزل بساحتهم، وقد تلا على أمته من بني إسماعيل ما تلاه موسى على أمته من بني إسرائيل، من ضمان الله لهم بالفتح، فأخذ الراية الاول (2) فانصرف منهزما، فهذا من كلام بني إسرائيل الاول: إن فيها قوما جبارين، ثم أخذ الراية الثاني (3)، وكان ذلك سبيله فانصرف منهزما، يجبن أصحابه ويجبنونه من غير قتال ولا لقاء فكانت سنة القوم (4) من الثاني، إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها، فهذا عملها، والقصة تطول حتى قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم): لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار، فسمي من أعطاه الراية كرارا، وسمي من انهزم فرارا (5) ؟.

 ثم ما فعله خالد بن الوليد في بني جذيمة حين قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم):


(1) - سورة المائدة، الآية: 25.

(2) - وهو أبو بكر.

(3) - وهو: عمر بن الخطاب.

(4) - وفي نسخة " ش ": القول.

(5) - مناقب ابن المغازلي: ط 1 ص 176، وثقات ابن حبان ج 2 ص 12.

 


[ 492 ]

اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد (1)، وكان أيضا من أمراء السرايا، وقد إنهزم الاول والثاني مع عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، فهؤلاء أمراء السرايا قتلوا النفس المحرمة (2)، فتبرأ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من فعل


(1) - الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 2 ص 111 ط مصر، وأنظر كتاب المغازي من صحيح البخاري، ج 3 ص 47، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين. باب بعث خالد إلى بني جذيمة.

وقد أرسل (صلى الله عليه واله وسلم) إليهم، داعيا لهم إلى الاسلام ولم يبعثه مقاتلا، وكان بنو جذيمة قتلوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة، فما جاءهم بمن معه قال لهم: ضعوا أسلحتكم فإن الناس قد أسلموا، فوضعوا أسلحتهم، وأمر بهم فكتفوا ثم عرضهم على السبي فقتل منهم مقتلة عظيمة فلما انتهى الخبر إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) رفع يديه إلى السماء فقال كما في باب بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كتاب المغازي من صحيح البخاري: اللهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد مرتين. ثم أرسل عليا - كما في تاريخي ابن جرير وابن الاثير وغيرهما - ومعه مال وأمره أن ينظر في أمرهم، فودى لهم الدماء والاموال حتى أنه لبدى ميلغة الكلب وبقي معه من المال فضله فقال لهم: هل بقي لكم مال أو دم لم يؤد ؟ قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية إحتياطا لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، ففعل. ثم رجع فأخبر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال: أصبت وأحسنت.

هذا ما نقله المؤرخون ومترجمون خالد، حتى قال ابن عبد البر بعد أن ذكر هذا الخبر عنه في ترجمته من الاستيعاب ما هذا لفظه: وخبره في ذلك من صحيح الاثر.

(2) - وفي نسخة " ش ": وقد إنهزموا وقتلوا النفس التي حرم الله، وقد تبرأ النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، من فعل خالد.

 


[ 493 ]

خالد، وبعث عليا (عليه السلام)، فوداهم حتى ميلغة الكلب، وقد زعموا أن الله أمر بطاعة المنهزمين ! !.

 171 - ووجه آخر: أغلط مما ذكرنا، أن أمراء السرايا قد ماتوا كلهم، والامة قائمة، فإذا كانت الاية قد [مات] مات من نزلت فيه بطلت، فليس لاحد بعدهم طاعة وفي ذلك نقض الولايات، على ان الاية لا يكون ثلثاها ناسخا، وثلثها منسوخا، لان طاعة الله وطاعة رسوله فرض إلى يوم القيامة، وطاعة ولاة الامر إن كانوا أمراء السرايا ساقطة، فهذا واضحة ؟.

 وزعم قوم منهم، أنهم العلماء والفقهاء، وان الله فرض طاعتهم على الامة، ووجدنا الذين أشير إليهم بالعلم والفقه منهم قد اختلفوا في الاحكام، فان كانت طاعة الله تلزم بالاختلاف، وبأن يحرم أحدهم الفرج ويحله الآخر، فإن أطيع فقيه فيما يحل عصى الآخر فيما يحرم، وإن عصى الذي يحل أطيع الذي يحرم، فكيف يطاعان في حالة واحدة ؟ وكيف يفرق بين من طاعته لازمة ؟ وبين من طاعته غير لازمة ؟ وكيف تلزم الطاعة قوما هذه حالتهم ؟ وكيف يعرف ولي الله من عدوه ؟ وكيف يعلم حزب الله من حزب الشيطان.

 فقد وضحت هذه أيضا عليهم، وبط إحتجاجهم والحمد لله، ولولا ما يجرون إليه من العناد، ما احتجنا إلى الاحتجاج عليهم بعد ما يرون من فقهائهم، ورواة أخبارهم ما نذكره:


[ 494 ]

172 - روى الحسين بن نصر المنقري (1): قال أخبرني ابراهيم بن الحكم بن ظهير (2)، عن ابيه (3)، عن السدي (4)، عن ابي صالح (5).

عن ابن عباس في قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و اولي الامر منكم) (6)، قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام)(7).

 


(1) - كذا في النسخة والظاهر هو: الحسين بن نصر المصري. أنظر الجرح والتعديل للرازي ج 3، ص 66، الرقم: 300.

 (2) - هو ابراهيم بن الحكم بن ظهير الفزاري أبوسحاق ابن صاحب التفسير روى عن السدي. أنظر رجال النجاشي ج 1 ص 87. وقاموس الرجال للتستري ج 1 ص 172، الجرح والتعديل ج 2 ص 94 الرقم: 253، وميزان الاعتدال ج 1 ص 27 الرقم: 73. وجامع الرواة للاردبيلي ج 1 ص 20 الرقم: 79.

 (3) - هو الحكم بن ظهير الفزاري روى عن عاصم والسدي أنظر الجرح والتعديل ج 3 ص 118 الرقم: 550.

 (4) - هو إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي كريمة السدي أبو محمد القرشي مولاهم الكوفي الاعور، وهو السدي الكبير. أنظر تهذيب التهذيب ج 1 ص 313 الرقم: 572 وقاموس الرجال ج 2 ص 80 الرقم: 844.

 (5) - أنظر الجرح والتعديل ج 9 ص 392 أو 93.

 (6) - سورة النساء، الآية: 59. روى العلامة الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد الحنفي الشهير بابن حسنويه في " در بحر المناقب " مخطوط ص 65 فقال: عن القاضي أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد المغازلي بسنده إلى حارثة بن زيد قال: شهدت عمر بن الخطاب حجته في خلافته فسمعته يقول: اللهم قد عرفت بحبي =


[ 495 ]

............................................................................................................................


= لنبيك وكنت مطلعا من سري، فلما رآني أمسك وحفظت الكلام فلما انقضى الحج وإنصرفت إلى المدينة تعمدت الخلوة به فرأيته يوما على راحلته وحده فقلت له يا أمير المؤمنين بالذي هو أقرب اليك من حبل الوريد الا أخبرتني عما أريد أسألك عنه، قال سل عما شئت قال: سمعتك يوم كذا وكذا تقول كذا وكذا، قال: فكأني ألقمته حجرا وقلت: لا تغضب فوالذي أنقذني من الجاهلية وأدخلني في الاسلام ما أردت بسؤالي الا وجه الله عزوجل قال: فعند ذلك ضحك وقال: يا حارثة دخلت على رسول الله (صلى الله عليه واله) و قد اشتد وجعه وأحببت الخلوة به وكان عنده علي بن أبي طالب والفضل بن العباس، فجلست حتى نهض ابن العباس وبقيت أنا وعلي، فتبين لرسول الله ما أردت فالتفت إلي وقال: جئت لتسألني إلي من يصير هذا الامر من بعدي فقلت: صدقت يارسول الله، فقال: يا عمر هذا وصيي وخليفتي من بعدي، فقلت: صدقت يارسول الله، فقال: هذا خازن سري فمن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله ومن تقدم عليه فقد كذب بنبوتي، ثم أدناه فقبل بين عينيه وقال: وليك الله وناصرك والى الله من والاك، فأنت وصيي وخليفتي من بعدي في أمتي، وعلا بكاه وانهملت عيناه بالدموع حتى سالت على خده وخده على خد علي.

 فوالذي من علي بالاسلام لقد تمنيت من تلك الساعة أن أكون مكانه على الارض.

 ثم التفت وقال لي: إذا نكث الناكثون وقسط القاسطون ومرق المارقون فامر هذا مقامي حتى يفتح الله عليه وهو خير الفاتحين.

 قال حارثة: فتعاظمني ذلك فقلت: ويحك يا عمر، كيف تقدمتموه وقد سمعت ذلك من رسول الله (صلى الله عليه واله) ؟ ! =


[ 496 ]

173 - قال: وفي قوله [تعالى ]: (ولو ردوه إلى الرسول والى أولى الامر منهم) (8) قال ابن عباس: علي بن أبي طالب (عليه السلام).

 واحتج عليهم بعض المحتجين، فقالوا: أخبرونا عن القوم الذي ذكرتم، أكانوا معصومين أم لم يكونوا معصومين ؟ فإن الامام لا يجوز أن يكون غير معصوم، إذ يكون محتاجا إلى غيره، والى حاكم يقيم أوده (9) وإذا كان غير معصوم فهو غير مأمون على نفسه في إنتهاك المحارم، ولا يجوز أن يكون محتاجا إلى معلم يعلمه، والى أحد فوق يديه، إن إنتهك محرما أقام عليه الحد، وإن إرتكب منكرا أزاله، وإذا كان كذلك لم يؤمن على غيره، ومستحيل أن يكون الامام محكوما عليه، وهو المؤدب للناس، ومن المحال أن يحتاج إلى من يرشده، وهو المقوم المرشد، (10) فهذه واضحة.

 174 - واحتج بعض أهل العلم عليهم، فقال: أخبرونا عن هؤلاء


= فقال: يا حارثة بأمر كان، ! فقال: من الله أم من رسوله أم من علي ؟ فقال: لا، بل الملك عقيم، والحق لابن أبي طالب (عليه السلام).

(7) - أنظر شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ط بيروت ج 1 ص 148.

(8) - سورة النساء، الآية: 83.

(9) - الاود: الاعوجاج.

(10) - لله در العالم الجليل الا وهو: الخليل بن أحمد العروضي من كلمته القيمة في علي عليه السلام، حيث يقول إحتياج الكل إليه وإستغنائه عن الكل دليل على أنه إمام الكل.

 


[ 497 ]

العلماء الذين أمر الله بطاعتهم، والوقوف عند أمرهم، أنهم متساوون في المعرفة والعلم أم بعضهم أعلم من بعض، فإن قالوا: هم متساوون فقد أحالوا، وإن قالوا: يتفاضلون، قيل لهم: فما علامة الفاضل، والى من ترجع الامة ؟ إلى الفاضل ام [إلى] المفضول ؟ فان قالوا (1): بل إلى الفاضل فقد ثبت موضع الفضل والعلم، واستغنينا عن إقامة البرهان.

 وإحتج فقال: إنا وجدنا صاحبكم بخلاف هذه الصفة، ورأيناه قد جرى عليه الخطأ والزلل في الاحكام، ووقف الناس على ذلك حتى نقموه وأنكروه، وردوه، فدللنا فعله ذلك على أنه غير معصوم، ثم أمره في الفقه والعلم ظاهر عند الامامة، وقد قال الله [تعالى ]: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا ان يهدي) (2).

 وذلك في أشياء نقمت عليه الامة، ونحن نذكرها ما احتج به هذا المحتج في أمره وأمر صاحبه.

 ذكر أن الامة نقمت على الاول، وهو القائم مقام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باختيار قوم منهم إياه، أنه سمى نفسه خليفة رسول الله، أنه كتب إلى العمال: من خليفة رسول الله، ثم زعم وزعم صاحبه: أن النبي لم يستخلف أفيكون خليفة رسول الله من لم يستخلفه رسول الله ؟ فكيف استجازت الامة أن تنصب له خليفة لم يقمه ؟ وكيف سمته خليفة رسول الله ؟ وكيف


(1) - وفي نسخة " ح ": قلتم.

(2) - سورة يونس: 35.

 


[ 498 ]

يجوز لها أن تقيم خليفة لا تقدر على عزله إذا نقمت عليه ؟، ثم مع ذلك زعمت الامة، أنه أولى بمقام رسول الله من أهل بيته !، وأن المهاجرين من آل أبي قحافة وآل الخطاب خير من المهاجرين من بني هاشم، فكانت أول شهادة زور شهدوا في الاسلام، وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أول مشهود عليه في الاسلام، وكانوا أول مشهود عليه بالزور، ! ! فهذه ظلامة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

 175 - ونقموا عليه: أنه زعم، أن الانبياء لا يورثون خلافا لقول الله عزوجل (1): حتى تواصلوا إلى أخذ نحلة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لابنته فاطمة (عليها السلام) ولم يقبلوا دعواها، وسألوها البينة، فأتت بعلي والحسن واحسين، وجاءت بأم أيمن، فرد شهادتهم ولم يقبلها، وقال: أما علي فزوجك يجر إلى نفسه بشهادته، وكذلك الحسن والحسين يجران بشهادتهما إلى انفسهما، وأما أم أيمن فهي مولاتكم (2) ثم سن بذلك


(1) - الآيات التي تدل على توريث الانبياء بعضهم ن بعض كثيرة، منها: (وورث سليمان داود) النمل: 16، وآية: (فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب) مريم / 6، (رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) الانبياء / 89.

 كما إستشهدت الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بالآيات التي تدل على توريث الانبياء في الخطبة التي خطبتها في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إحتجاجا على أبي بكر.

 (2) - هو: أم أيمن، وإسمها: بركة، حاضنة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وكانت لام رسول الله، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: " أم أيمن أمي بعد أمي ". أنظر تهذيب الكمال، ج 35 ص 329.

 


[ 499 ]

للامامة الا تقبل شهادة الرجل لامرأته، ولا [شهادة] إمرأة لزوجها، ولا الوالد لولده، ولا الولد لوالديه ! !، ولم تجتمع الامة على أن رسول الله رد شهادة أحد من هؤلاء ؟ ! !.

 فيا معشر المسلمين، أنظروا إلى ما فعله هذا الذي قام مقام رسول الله وسمى نفسه خليفة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كيف إستجاز منع فاطمة (عليها السلام) حقها، وكذبها في دعواها، وجرح شهادة علي بن أبي طالب، والحسن والحسين، ! [وهما سيدا شباب أهل الجنة ].

 ولعمري لقد دل قول الثاني، على ما قد فعلوه، حين توفى رسول الله فجاء حتى دخل على علي (عليه السلام) بما نحن ذاكروه.

 176 - رواه الواقدي قال: حدثنا هشام بن سعد، (1) عن زيد بن أسلم (2)، عن أبيه، قال: سمعت عمر يقول: لما توفى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) خرجت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على علي بن أبي طالب، وهو في بيت فاطمة، وعنده المهاجرون، فقلت: ماذا تقول يا علي ؟ قال: أقول خيرا، نحن أولى برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وما نزل، قلت والذي قال: نعم قلت: نعدل قال: نعم، قلت: كلا، والذي نفسي


(1) - هو: هشام بن سعد أبو سعد مولى أبي لهب، روى عن زيد بن أسلم. أنظر الجرح و التعديل، ج 9، ص 61.

 (2) هو: زيد بن أسلم أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب، روى عن ابن عمر، وأنس، و أبيه، أنظر الجرح والتعديل ج 3 ص 555.

 


[ 500 ]

بيده حتى تحزوا رقابنا بالمناشير.

 فهذا دليل [على] أنهم قصدوا أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

 


[ 501 ]

 

[ إعطاء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فدك (1) لفاطمة عليها السلام]

 

فأما فدك: فقد روى فقهائهم وعلمائهم، أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لما نزلت عليه: (وآت ذا القربى حقه) (2) قال رسول الله: يا فاطمة، لك فدك.

177 - وروى أيضا، قال: لما نزلت على رسول الله: (وآت ذا القربى حقه) دعا فاطمة، فأعطاها فدك (3).

 


(1) - فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق الا ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة وهي التي قالت فاطمة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحلنيها، فقال أبو بكر رضي الله عنه أريد لذلك شهودا [قال الحموي ولها قصة ]. أنظر معجم البلدان ج 4 ص 238.

 قال أحمد المحمودي: الحديث في قصة فدك ذو شجون ذكر الحموي في المعجم قصة فدك وإعطائها لفاطمة عليها السلام وإحتلالها أبو بكر في خلافته وكذا عمر، وردها عمر بن عبد العزيز إلى بني فاطمة، فمن أراد التفصيل فعليه بالمصدر المذكور.

(2) - سورة الاسراء، الآية: 26.

(3) - قال الحافظ جلال الدين السيوطي في تفسيره، الدر المنثور، ط بيروت، ج 5، =


[ 502 ]

178 - وحدثنا، عن عبد الرحمن بن صالح الازدي (1)، قال: حدثنا علي بن عابس الملائي (2)، عن فضيل بن مرزوق (3) عن عطية: (4) عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (وآت ذا القربى حقه) قال: يا فاطمة لك فدك (5).

 فهذه رواياتهم، ثم يجرون إلى العناد، والى منع ابنة رسول الله


= ص 273: وأخرج البزار وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية: " وآت ذا القربى حقه " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك.

 (1) - هو: عبد الرحمان بن صالح الازدي العتكي أبو صالح، ويقال: أبو محمد الكوفي سكن بغداد في جوار علي بن الجعد. أنظر تهذيب الكمال ج 17 ص 177 الرقم: 3851.

 (2) - هو: علي بن عابس الاسدي الازرق الكوفي الملائي بياع الملاء. أنظر تهذيب الكمال ج 20، ص 502، الرقم: 4093.

 (3) هو: فضيل بن مرزوق الاغر الرقاشي أبو عبد الرحمان الكوفي. أنظر تهذيب الكمال ج 23، ص 305، الرقم: 4769.

(4) - هو: عطية العوفي.

(5) - مقتل الحسين للخوارزمي، ص 71، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 44، وقد فسر الله عزوجل اصطفاه العترة في الكتاب في أثني عشر موضعا، أولها: وأنذر عشيرتك الاقربين، خامسها: قول الله تعالى: (وآت ذا القربى حقه)، خصوصية لهم فلما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه واله وسلم لفاطمة (عليها السلام): هذه فدك.

 


[ 503 ]

حقها، تعصبا على رسول الله وذريته!!.

 ولعمري لقد كان عمر بن عبد العزيز أعرف بحقها حين رد إلى محمد بن علي (عليه السلام) فدك، فقيل له: طعنت على الشيخين ؟ !، فقال: هما طعنا على أنفسهما، وذلك لما صار إليه محمد بن علي (عليه السلام).

 179 - رواه أبو صالح الطائي، قال: حدثنا الحماني، (1) قال: حدثنا شريك، (2) عن هشام بن معاذ، قال: كنت جليسا لعمر بن عبد العزيز، حيث دخل المدينة، فأمر مناديه أن ينادي: من كانت له مظلمة، أو قال: ظلامة، فليأت الباب، فأتاه محمد بن علي (عليهما السلام) فدخل عليه مولاه مزاحم (3) فقال له: إن محمد بن علي (عليه السلام) بالباب، فقال له: أدخله يا مزاحم فدخل محمد، وعمر تسح عيناه بالدموع، فيمسحها، فقال محمد (عليه السلام) ما أبكاك يا عمر ؟ فقال هشام: أبكاه كذا وكذا يابن رسول الله.

 


(1) - هو: جبارة بن المغلس الحماني أبو محمد الكوفي. أنظر تهذيب الكمال ج 2 ص 489. أو: يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمان. تهذيب الكمال ج 31، ص 419.

 (2) - هو: شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي. أنظر تهذيب الكمال ج 12، ص 462، الرقم: 2736.

 (3) - هو: مزاحم بن أبي مزاحم المكي، مولى عمر بن عبد العزيز. أنظر تهذيب الكمال ج 27، ص 420 الرقم: 5884.

 


[ 504 ]

 

[ موعظة الامام محمد بن علي الباقر عليهما السلام لعمر بن عبد العزيز]

فقال محمد [بن علي عليهما السلام ]: يا عمر.

 إن (1) الدنيا سوق من الاسواق، منها خرج الناس بما ينفعهم، ومنها خرجوا بما يضرهم، وكم من قوم هم قد ضرهم مثل الذي أصحابنا فيه حتى أتاهم الموت، فاستوعبوا فخرجوا من الدنيا نادمين (2)، لما لم يأخذوا لما أحبوا من الاخرة عدة، ولا لما كرهوا جنة، فسم ما جمعوا من لا يحمدهم، وصاروا إلى ما يعذرهم، فنحن والله محقون أن ننظر إلى تلك الاعمال التي كنا نغبطهم بها فنوافقهم فيها، وننظر إلى تلك الاعمال التي كنا نتخوف عليهم منها، فنكف عنها.

 فاتق الله واجعل في قلبك إثنين تنظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك حتى تخرج إليه، وتنظر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربك، فابتغ به البدل، ولا تذهبن إلى سلعة يارت على من كان قبلك (3).

 فاتق الله يا عمر، وافتح الابواب، وسهل الحجاب وانصر المظلوم


(1) - وفي " ش ": إنما.

 (2) - وفي " ش ": مولين.

 (3) - وفي " ش ": يرجو أن يجوز عنك.

 


[ 505 ]

ورد المظالم، ثلاث من كن فيه إستكمل الايمان بالله:

فجثا عمر على ركبتيه، ثم قال: إيه أهل بيت النبوة، قال: نعم يا عمر، من إذا رضي لم يدخل رضاه في الباطل، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له.

 


[ 506 ]

قال: فدعا عمر بدواة وقرطاس وكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم:

هذا ما رد عمر بن عبد العزيز، ظلامة محمد بن علي، فدك (1).

 


(1) - قال الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق المتوفى (381) في كتاب " الخصال "، ص 100، ط النجف: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري، قال: أخبرنا أبو صالح الكناني عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن شريك، عن هشام بن معاذ، قال: كنت جاليسا لعمر بن عبد العزيز، حيث دخل المدينة فأمر مناديه فنادى: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليأت الباب، فأتى محمد بن علي، يعني الباقر - عليهما السلام، فدخل إليه مولاه مزاحم فقال: إن محمد بن علي بالباب، فقال له: أدخله يا مزاحم، قال: فدخل وعمر يمسح عينيه من الدموع، فقال له محمد بن علي: ما أبكاك يا عمر ؟ فقال هشام: أبكاه كذا وكذا يابن رسول الله، فقال محمد بن علي: يا عمر، إنما الدنيا سوق من الاسواق، منها خرج قوم بما ينفعهم، ومنها خرجوا بما يضرهم، وكم من قوم قد ضرهم بمثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوحشوا فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا لما أحبوا من الآخرة عدة، ولا مما كرهوا جنة، قسم ما جمعوا من لا يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم، فنحن والله محقوقون أن ننظر إلى تلك الاعمال التي كنا نغبطهم بها فنوافقهم فيها، وننظر إلى تلك الاعمال التي كنا نتخوف عليهم منها فنكف عنها، فأتق الله، واجعل في قلبك أثنتين: تنظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك، وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا قدمت على ربك فابتغ فيه البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على من كان =


[ 507 ]

ثم كان، يحب على الامة أن ينظروها (1)، ولا يخذلوها، ولا يكذبوها فإن فاطمة بضعة من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لا تدعي غير خقها، وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين لا يشهدون بالزور.

 فذكر هذا المحتج، أن من فعل هذا الفعال بآل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فلا نصيب له في الاسلام.

 هذا وقد أعطيا إبنتيهما ما ادعيا من ميراث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ثم منعهما عثمان.

 روى ذلك، شريك: أن عائشة وحفصة أتتا عثمان بن عفان تطلبان منه ما كان أبواهما يعطيانهما، فقال لهما: لا والله، ولا كرامة ما زاد لكما،


= قبلك ترجو أن تجوز عنك، وإتق الله عزوجل يا عمر، وإفتح الابواب وسهل الحجاب، وأنصر المظلوم، ورد المظالم.

 ثم قال: ثلاث من كن فيه إستكمل الايمان بالله، فجثا عمر على ركبتيه، ثم قال: إيه يا أهل بيت النبوة، فقال: نعم يا عمر، من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له.

 فدعا عمر بدواة وقرطاس وكتب: بسم الله الرحمان الرحيم، هذا ما رد عمر بن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي فدك.

 قال أحمد المحمودي: روى العلامة المجلسي رحمه الله في البحار هذا الحديث بعينه مع إختلاف طفيف نقلا عن الخصال كما رأيت، أنظر البحار ج 46 ص 326 و 78 ص 181.

 (1) - وفي " ش ": أن ينصروها.

 


[ 508 ]

عندي، فألحتا، وكان متكأ فجلس، وقال: ستعلم فاطمة، أي ابن عم لها أنا اليوم، ثم قال لهما: ألستما اللتين شهدتما عند أبويكما ؟ ولفقتما معكما، أعرابيا يتطهر ببوله، ملك بن أوس بن الحدثان (1)، فشهدتما معه، أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه صدقة ؟.

 فمرة تشهدون، أن ما تركه رسول لله صدقة، ومرة تطالبون ميراثه، فهذا من أعاجيبهم.

 180 - ومما نقموا عليه: أن العباس بن عبد المطلب، أتاه، وطلب قطيعته التي كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أقطعه إياها من الحيرة (2) والرصافة (3) والغائظ، (4) فلم يقبل قوله، ولم يجز له ما أجازه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وهو يعطي الاعراب والاحزاب، والطلقاء وأبناء الطلقاء، ويصدقهم على ما ادعوه ومناديه في كل موسم من كانت له عدة عند رسول الله، كائنة ما كانت فليأت، فكان يعطيهم، ويقبل دعواهم (5)،


(1) - هو: مالك بن أوس بن الحدثان بن يربوع النصري، قال ابن حجر العسقلاني: قال البخاري: قال بعضهم: له صحبة ولا تصح، وقال أبو حاتم وابن معين: لا تصح له صحبة. أنظر تهذيب التهذيب ج 10 ص 10 الرقم: 5.

(2) - أنظر معجم البلدان ج 2، ص 328 (3) - أنظر معجم البلدان ج 3 ص 46 و 47.

(4) - أنظر معجم البلدان ج 3 ص 184.

(5) - وفي " ح ": دعاويهم.

 


[ 509 ]

ويكذب عم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ويجرح شهادة علي (عليه السلام) ولا يقبل قول فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولا قول إبنيها، ! ثم يسألهم البينة، فإذا أتوا بها تسلق عليهم بالحيل جرأة على الله عزوجل، وعداوة لنبيه (صلى الله عليه واله وسلم) وتعرضا لاهل بيته.

 181 - ومما نقموا عليه: أن فقهاء الامة إجتمعوا فيما نقلوا أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان يقسم الخمس من الغنائم في بني هاشم على ما فرضه الله، وأن الاول (1) لما إدعى أن الخمس للمسلمين، إدعاه من بايعه معه، ثم استوفى الخيل والسلاح، فقسمها بين المسلمين (2) لم يسأل البينة، كما سئل العباس وفاطمة (عليها السلام)، فنحى بني هاشم، عن جميع ما كان لهم، وأزال أمرهم، وأطمع فيهم الطلقاء وأبناء الطلقاء، حتى مضت سنته، وبطلت سنة رسول الله، وجاء، من بعدهما معاوية وابنه، فوثبا على حق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فاحتازاه، ثم قتلا ولديه، وأباحا حريمه، فلما كان من محمد بن أبي بكر الاحتجاج عليه، قال: يا محمد، أبوك مهد مهادة وثني لملكه وسادة، ووافقه (3) على ذلك فاروقه، فإن يكن ما نحن فيه حقا فأبوك أوله، وإن يكن باطلا، فأبوك أساسه، فعب أباك بما بدا لك، أودع،


(1) - وفي " ح ": وأن أبا بكر.

 (2) - وفي " ش ": الناس.

 (3) - وفي " ح " و " ش ": ووازره.

 


[ 510 ]

في كلام كثير (1).

ثم أفضى الامر إلى يزيد بن معاوية، فقام مقام رسول الله، فوثب بما سنه له أبوه، وسنه الحبران الفاضلان بزعمهم على (2) ابن رسول الله، و سيد شباب أهل الجنة، في جماعة من ولد ابيه الذين هم ولد رسول الله من بني هاشم، وسبي بنات رسول الله سوقا إلى الشام كما تساق سبايا الروم والخزر، والامة تنظر، لا معين يعين، ولا منكر ينكر.

 ثم أباح المدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أياما ولياليا لاهل الشام، حتى إفتض فيها الف بكر من بنات المهاجرين والانصار (3)، و [كان] الملعون يتمثل بقول ابن الزبعري:

ليــــت أشياخــي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 190، جواب معاوية لرسالة محمد بن أبي بكر.

 (2) - وفي " ح ": قتل ابن: (3) - أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 195، وفيه: قتل فيها خلق من الصحابة ومن غيرهم، وإفتض فيها الف عذراء، فإنا لله وانا إليه راجعون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "، رواه مسلم و تاريخ الطبري في حوادث: سنة، 63، وج 5، ص 491، وابن عبدربه في عقد الفريد الجزء الثاني في ذكر وقعة حرة، وابن الطقطقي في تاريخه المعروف بالفخري. وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 259.

 


[ 511 ]

لاهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا: يا يزيد لا تشل

قد جزيناهم ببدر بعدما * قوم القتل بقتل فاعتدل

لست للشيخين إن لم أنتقم (1) * من بني أحمد ما كان فعل

إن يكن أحمد حقا مرســـــــــلا * لم يكـــــن عترته الله خذل

فحقق عدو الله وابن عدوه، أنه قد طلب ثاره من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأنه أدركه بمن أصيب من أهل بيته يوم بدر وذلك بما سنه الحبران الفاضلان، فما فاتت خصلة من الخصال تركوها ولم يأتوها، لقد بقيت آثار كسري قائمة إلى غايتنا هذه (2)، وآثار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) دارسة، ولقد إصطفوا أمواله بعده، وهدموا نبوته، وقتلوا ولده، وسبوا بناته، وأخذوا خمسه، وهدموا مسجده، وعمروا فيه آثارهم، ورزقوه وشيدوه، خلافا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وكسروا منبره، وخالفوا عليه بالزيادة، وهدموا عليه بيت ربه مرتين من بعده، واستحلوا حرمه وحرم ربه، وأباحوه، وغيروا سنته، وأبدعوا في دينه، ودخلوا عليه بيته بغير إذنه فهذه الاشياء كلها مما سنه الحبران الفاضلان.

 


(1) - أنظر العقد الفريد لابن عبد ربه، ونقل هناك اعتراف يزيد بارتداده عن الاسلام.

 و من كلمة لست للشيخين يعلم مدى تعلقه وانتسابه عقيدة كيف ينسب نفسه لهما حقدا على بني هاشم..

(2) - أي إلى يومنا هذا ويشمله الحديث. من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

 


[ 512 ]

182 - وما نقموا عليه: أنه لما ولى، قال للناس: لا تفردوني من عيالي، فإنه لابد لي ولكم من كري أعطيه على القيام بأمركم وصلاتكم وحجكم، وجهاد عدوكم، وإقامة الحديود وغير ذلك من دين الله الذي بعث به محمد، ففرضوا له ثلاثة دراهم في كل يوم على قيامه بأمرهم، فكانت صلاته بهم، وجهاده، وحكمه، وغير شئ من أعمال البر بكرى، و إجماع الامة أنه من عمل شيئا من أعمال البر بكرى كان عمله فاسدا مردودا عليه وأن الصلاة خلف المستأجر فاسدة، وجعل ذلك يقوم من بعده، وللامة التي تعمل شيئا من أعمال البر، فليس أحد من الامة يعمل عملا من أعمال البر من قضاء أو حكم، أو تعليم قرآن الا طلب عليه الكري، إقتداء به وبصاحبه وإستنانا بسنته، فذهبت الحسنة من الناس بتعليم الخير، ورأوا أخذ الكرى أصلح وأجدى عليهم في دنياهم.

 فمن هاهنا أخذ القضاة الكرى على الحكم وقالت الفقهاء: أعطونا نحدثكم وقال المؤذنون: أعطونا نؤذن لكم، وقالت القصاص أعطونا نقص لكم، وقال الائمة: أعطونا نؤمكم في شهر رمضان، وقال الله جل ذكره خلاف هذا، وأخبر عن الانبياء، وخلائف الانبياء، أنهم لم يسألوا أحدا شيئا على ما أتوهم به، فقال: (إتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون) (1) ولا نعلم نبيا من الانبياء، ولا عالما من العلماء يريد بعلمه يسأل شيئا، لا ذهبا ولا فضة، فهذا ما سنه الحبران الفاضلان ؟!.

 


(1) - سورة " يس ": 21.

 


[ 513 ]

183 - ومما نقموا عليه: فعله بالفجاءة، إحراقه بالنار، وهو يقول: أنا مسلم، روى الواقدي قال: حدثنا عبد الله بن الحرث بن الفضل، عن أبيه، عن سفيان، عن أبي العوجاء السلمي، في حديث طويل قال: كتب الاول، إلى طريفة بن حاجزة، وهو عامله، أما بعد فقد بلغني أن الفجاءة إرتد عن الاسلام، فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأسره فتأتين به في وثاق والسلام.

 فسار بمن معه، فلما إلتقيا، قال: يا طريفة ما كفرت، وإني لمسلم، فأوثقه طريفة في جامعة، وبعث به إلى الاول، (1) فلما قدم إليه، أرسل به إلى ابن جثم فحرقه بالنار، وهو يقول: أنا مسلم.

 ثم سلط خالد بن الوليد على الناس، فقتلهم، وقتل مالك بن نويرة على الاسلام رغبة في إمرأته لجمالها، فسوغه الاول ذلك، وأنكره الثاني عليه، ولم يغير ذلك، وأهدر دمه (2).

 


(1) - وفي " ح ": إلى أبي بكر.

 (2) - الكامل في التاريخ لابن الاثير، ج 2 ص 359، كما تقدم. قال ابن الاثير: وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يقدم عليه، ففعل ودخل المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهما، فقام إليه عمر فترعها وحطمها، وقال له: قتلت أمرا مسلما ثم نزوت على إمرأته، والله لارجمنك بأحجارك ؟ وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبا بكر مثله، ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه، فعذره وتجاوز عنه: عنفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب، فخرج خالد وعمر جالس، فقال: هلم إلي يابن أم =


[ 514 ]

184 - ومما نقموا عليهم: أنهم غيروا ما فرضه الله عليهم، في حرمة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ولم يشكوا أن حرمته في وفاته كحرمته في حياته، فقد قال الله جل وعلا: (لا تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم) (1)، و أجمعت الامة أن النبي لم يعهد إليهم في دفن الاول والثاني (2) معه بيته، ولا أوصى بذلك، فضربوا بالمعاول (3) عند رأسه وأدخلوا القوم عليه، ودفنوهما معه بغير إذنه، وتراهم يبرمون في النهي عن رفع الصوت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إعظاما له، وتوقيرا، ولم يوقر في ضرب المعاول عند رأسه، ثم أدخلوهما عليه وكانا لا يطمعان في الدخول عليه وهما حيان، وهو حي بغير إذنه.

 ومن العجب، أن الثاني أرسل إلى عائشة يستأذنها في الدفن مع الرسول !.

 فليت شعري، ما معناه في ذلك ؟ وأي أمر إلى عائشة في الدفن مع رسول الله ؟ وقد قال الله عزوجل: (لا تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم) (4) فنسب الله البيوت إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ونسبها الثاني، إلى


= سلمة، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه.

 (1) - سورة الاحزاب الاية: 53.

 (2) - وفي " ح ": أبي بكر وعمر.

 (3) - المعول، جمعه: معاول، أداة لحفر الارض.

 المنجد في اللغة.

 (4) - سورة الاحزاب، الاية: 53.

 


[ 515 ]

عائشة، ولا يجوز أن يدفن النبي الا في بيته، والموضع الذي قبض فيه، فإن كان البيت لعائشة كما زعم الثاني، فقد جعلته للنبي، لانه لا يدفن الانبياء الا في أرضهم وملكهم، وإن جعلته للنبي فقد خرج من ملكها، فما معنى إستيمارها ؟، وإن كان البيت من قبل النبي كما قال الله جل وعز، فعائشة وغيرها من الاجنبيات في البيت سواء، فما ندري أي شئ كان لعائشة من أمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى استوذنت فأذنت، فهذا ما فعل الحبران الفاضلان.

 


[ 516 ]

 

[ تحريم عمر: المتعتان وحي على خير العمل]

185 - ووما نقموا على الثاني: اذي سموه فاروقا، وزعم المحتج أنه إنما سمي بذلك لانه فرق بين الحق وأهله، وأنه صعد المنبر، وقال: أها الناس، ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن، منها: المتعتان، متعة النساء ومتعة الحج، فإنه متى لم يتمتع الناس بالعمرة إلى الحج إعتمر الناس في كل وقت قدرت عليكم الحيرة وقامت أسواقكم في كل وقت مع ما في ذلك من تحصين الاحرام وتعظيمه، فإني أستفظع أن يروح الحاج إلى منى شعثا غبرا قد لوحتهم السماء، وغيرت الوانهم الشمس، وروح المتمتعون لم يصبهم من ذلك شئ !.

 وأما متعة النساء، فإني متى أبحتها للناس لم يزل الرجل يرى في حرمه مثل هذا الطفل وجاء بطفل من ولادة متعة، فصعد به المنبر !، والثالثة: حي على خير العمل، فإن الناس إذا سمعوها في الاذان، إتكلوا عليها وعطلوا الحج وسائر الاعمال (1) !.

 


(1) - قال الحافظ، أبو بكر ابن أبي شيبة في مصنفه، ج 1 ص 215 ط الهند (حيدر آباد دكن) في كتاب الاذان والاقامة، باب من كان يقول في اذانه: حي على خير العمل: =


[ 517 ]

فما أعجب من هذا الفعل يا معشر المسلمين !، أن يقوم عمر على منبر رسول الله يحرم، ويحلل ويحظر (1) ويطلق من غير أمر


= حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، ومسلم بن أبي مريم: أن علي بن الحسين كان يؤذن، فإذا بلغ، حي على الفلاح، قال: حي على خير العمل، ويقول: هو الاذان الاول.

 مسند الحبري، ما أسنده عن الامام زيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام، الحديث 18: أبو عبد الله الشريف العلوي: (قال): حدثنا محمد بن عبد الله، ومحمد بن الحسين بن غزال، قالا: حدثنا محمد بن عمار العطار، وحدثنا الحسين بن الحكم الحبري، حدثنا جندل، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين: أنه إذا بلغ في أذانه إلى " حي على الفلاح " كان يقول: " حي على خير العمل " وكان يقول: هو الاذان الاول.

 أنظر: تراثنا، العدد: 32 - 33 ص 324.

 حدثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول في أذانه: الصلاة خير من النوم، وربما قال: حي على خير العمل.

 حدثنا أبو أسامة، قال: أخبرنا عبيدالله، عن نافع، قال: كان ابن عمر زاد في أذانه: حي على خير العمل.

 وقال العلامة علي بن برهان الدين الحلبي في " السيرة الحلبية " ج 2 ص 98 في باب " بدأ الاذان ومشروعيته ": ونقل عن ابن عمر وعن علي بن الحسين رضي الله عنه أنهما كانا يقولان في أذانهما بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل.

 وقال أبو الفرج الاصفهاني في " مقاتل الطالبيين "، ص 446: وصعد عبد الله بن الحسن الافطس المنارة التي عند رأس النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال للمؤذن: أذن بحي على خير العمل.

 (1) - أي ويمنع.

 


[ 518 ]

رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبعد أنقطاع الوحي، فلا برسول الله، ولا بصاحبه الذي أقامه ذلك المقام، إقتدى، وأعجب من هذا أن المهاجرين و الانصار قعود، ولا ينكر ذلك منكر، ولا يدفعه دافع، قد أطيع في ذلك كله وأخذ بأسماعهم وأبصارهم حتى قال بعض الصحابة: إنا لنراه بقية الرهبان، وقال الله عزوجل: (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (1) وما صلوا لاخبارهم ورهبانهم ولكن دعوهم إلى معاصي الله عزوجل، فأجابوهم فكانت تلك عبادتهم وهم المهاجرون و الانصار الذين شهدوا رسول الله وشهدوا أحكامه ونزل القرآن بين ظهرانيهم.

 186 - وروى الواقدي قال: حدثني هارون، عن أبان بن صالح، عن عامر بن سعيد، عن عدي بن حاتم، أنه جاء إلى رسول الله فقال: يارسول الله إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، والله ما كانوا يعبدونهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أليس إذا كانوا أحلوا لهم شيئا إستحلوه ؟ وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه ؟ فقال عدي: بلى، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): فتلك عبادتهم، فصار عمر على هذا معبودا عندهم وفي هذا إبطال أمر الله وطرح سنن رسول الله ؟، فهذا الذي زعموا لم


(1) - سورة التوبة: 31، والآية بتمامها هكذا: (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا الا ليعبدوا إلها واحدا لا اله الا هو سبحانه عما يشركون).

 


[ 519 ]

يغير ولم يبدل، وهو عندهم الحبر الفاضل !.

 187 - ومما نقموا عليه (1): أن الناس كانوا على عهد رسول الله وعهد الاول، وصدرا من ولايته يطلقون النساء طلاق السنة، حتى أجاز الثاني، الثلاث في مجلس واحد، وقال: أجيزوها لئلا يتبايع فيها الغيران، والسكران، وقال: إن الله جعل لكم في الطلاق أناة (2) فاستعجلتموها، فأجزت عليكم ما استعجلتم !.

 فلو أن قائلا له: يا ثاني من أطلق لك أن تجيز أمرا لم يجز الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، ومن جعل اليك التحريم والتحليل ؟ ومن أباح لك ذلك المحظور ؟ لا والله، ولكنهم (3) عبدوه عبادة، وأجازوا أمره في مخالفة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، كل ذلك حملا على بني هاشم أهل بيت النبوة ؟!

188 - وروي: أن عبد الله إبنه، طلق إمرأته ثلاثا على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فردها عليه، وأمره أن يمسكها أو يطلقها للسنة، (4) وعطلوا ما قال الله عزوجل في الطلاق عدة، وعصوا الله جل


(1) - أي على الثاني.

 (2) - أنظر سنن البيهقي ج 7 ص 336، باب من جعل الثلاث واحدة، وسنن ابن داود في كتاب الطلاق.

 (3) - وفي " ح ": وكل عبدوه.

 (4) - سنن أبي داود ج 2 ص 340.

 


[ 520 ]

وعز وأطاعوه (1) ؟ ! وقد أنكر النبي (صلى الله عليه واله وسلم): الطلاق الثلاث.

 رواه الشاذكوني، قال:

189 - حدثنا عبد الله بن وهب المصري (2)، قال: حدثنا مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الاشج (3)، عن أبيه (4)، قال: سمعت


(1) - قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 923: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا جرير، عن الاعمش، عن ابراهيم، قال: قال عمر رضي الله عنه: يأمروني أن أبايع لرجل لم يحسن أن يطلق إمرأته.

 وفي طبقات ابن سعد ج 3 ص 343: قا: أخبرنا وكيع بن الجراح، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: قال عمر: من أستخلف لو كان أبو عبيدة بن الجراح، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين فأين أنت من عبد الله بن عمر ؟ فقال: قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا، أستخلف رجلا ليس يحسن يطلق إمرأته.

 وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 135: وأخرج عن النخعي أن رجلا قال لعمر: الا تستخلف: عبد الله بن عمر ؟ فقال: قاتلك الله ! والله ما أردت بهذا، أستخلف رجلا لم يحسن أن يطلق إمرأته ؟ !.

 (2) - هو: عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي المصري الفقيه، وثقه ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج 6 ص 71 الرقم (140).

 (3) - هو: مخرمة بكير بن عبد الله بن الاشج القرشي مولى بني مخزوم، قال ابن حجر: قال ابن سعد: كان ثقة الحديث مات في أول ولاية المهدي. تهذيب التهذيب ج 10 ص 70 ط بيروت.

 (4) - هو: بكير بن عبد الله بن الاشبح القرشي، مولى بن مخزوم. أنظر تهذيب =


[ 521 ]

محمود بن لبيد (1) يذكر، أن رجلا طلق إمرأته على عهد رسول الله، ثلاثا بمرة واحدة فقال: يلعب بكتاب الله، وأنا بين ظهرانيكم.

 190 - ومما نقموا عليه: أن العلماء، ورواة الحديث، رووا: أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، صلى بالناس، فجمع بين الظهر وبين العصر وبين المغرب والعشاء، من غير خوف ولا مطر.

 قال الراوي: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ؟ قال: لئلا يحرج أمته (2) وقال الثاني: الجمع بين الصلاتين من الكبائر ؟ !.

 191 - ومما نقموا عليه: أن رسول الله، وضع المقام بين الكعبة والحجر، بينه وبين جدار الكعبة ذراع، فكان هناك صلاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في ولاية الاول، وأمر الله جل ذكره نبيه، أن يتخذ من مقام ابراهيم مصلى، وفرض ذلك عليه، وعلى الامة فلما ولى عمر، قال: من يعرف موضع المقام في الجاهلية ؟ فقال ابن أبي وداعة السهمي: أنا يا أمير المؤمنين أعرفه، لقد أخذت مقداره وقياسه بشبر عندي و


= الكمال ج 4 ص 242 رقم: 765.

 (1) - هو: محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع المتوفى (96) أنظر تهذيب الكمال ج 27، ص 309 رقم: 5820.

 وما في النسخة محمد غلط.

 (2) - أنظر صحيح مسلم ج 2 ص 151 ط مصر ففيه غير واحد من الروايات تدل على الجمع بين الصلاتين من الظهرين والعشائين من غير خوف ولا مطر بل في الحضر والسفر والعلة مذكورة في نص الاحاديث فراجع.

 


[ 522 ]

علمت أنه سيحتاج إليه يوما ما، فقال له الثاني: آت به، وقدره وقاسه حتى إنتهى إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية، فوضعه فيه (1)، فهو فيه إلى يومنا هذا، فأزال المقام عن الموضع الاول الذي وضعه فيه رسول الله ووضعه في الموضع الذي كان فيه في الجاهلية، ولم يرض بفعل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ولا بقول الله حيث قال: (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) (2) فأبطل أمر الله، ودفع أمر رسول الله، وأحيى أمر الجاهلية والمهاجرون والانصار حوله، قد ضربت عليهم الذلة، فليس منهم منكر


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 75 وفيه: وهو الذي اخر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت.

 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ط بيروت ص 128 وفيه نحو ما تقدم.

 وفي حياة الحيوان للدميري ص 249 في (ديك)، وفيه: نحو ما تقدم.

 والنص والاجتهاد لشرف الدين، رقم 39، ص 288 المترجم.

 و " الشيعة والسنة " للاستاذ المعاصر الدكتور محمد التيجاني السماوي ص 177 وفيه: فقد أخرج ابن سعد في طبقاته ج 3 ص 204 وغيره من المؤرخين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة ألصق مقام ابراهيم بالبيت كما كان على عهد ابراهيم و إسماعيل عليهما السلام لان العرب في الجاهلية أخروه إلى مكانه اليوم فلما ولى عمر بن الخطاب أخره إلى موضعه الآن، وكان على عهد النبي وأبي بكر ملصقا بالبيت.

 (2) - سورة البقرة الاية 125 كما نص عليه ابن سعد في ترجمة عمر من طبقاته في صفحة 204 من الجزء الثالث والسيوطي في أحوال عمر من كتابه تاريخ الخلفاء ص 53، وابن أبي الحديد في أحوال عمر ج 3 ص 113.

 


[ 523 ]

ولا مغير، وقد نقل شريعتهم التي شرعها الله ورسوله إلى الشرائع الجاهلية ثم يزعمون أنه لم يغير ولم يبدل !، 192 - ومما نقموا عليه: أخذه ثمانين الف درهم، من أموال المسلمين، ثم أوصى ابنه عبد الله عند موته، أن يكثر فيها ماله، ويردها، وقد قتل عثمان في أقل من هذا المقدار، ولا نعلم أحدا روى، أن عبد الله، قضى هذا المال عن الثاني ! (1).

 193 - ومما نقموا عليه: قوله لعياله: أنا وأنتم في هذا المال كولي اليتيم، إن استغنينا إستعففنا، وإن إحتجنا أكلنا بالمعروف، والرواية عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال لرجل سأله زماما من شعر من الغنيمة، فقال: سألتني زماما من نار، ما كان لك أن تسألنيه ولا لي أن أعطيكه، فمن أين جاز للثاني أن يدفع من أموال المسلمين، ما لم يجزه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في نفسه، وأنما هو مقدار زمام من الشعر، ولم يرو أحد عن رسول الله، أنه إستحل شيئا من مال اليتيم، لا بسبب فئ ولا غير ذلك مما قد أباحه الثاني لنفسه، ولم يعده، ثم أنزل أقواما ذي عقول وأحلام بمنزلة الايتام، وحظر عليهم، وحرم وأباح وحلل، فقبلوا ذلك منه، ولم ينكروه عليه، وكان لعمري أعرف بهم وأعلم.

 194 - ومما نقموا عليه، وضعه للعطاء، وفرضه إياه، للناس، و أتباعه سير الاكاسرة والقياصرة، رغبة عن الاستنان بسنة


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 12 ص 226.

 


[ 524 ]

رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فإن من سنته حمل [الناس] على الجهاد وطلب الثواب من الله، فأفسد على الناس الجهاد، وأفسد النيات، وسن فيهم الجهاد بالكرى، فترك الناس ما أمرهم الله به، ومالوا للكرى، والناس يجاهدون منذ زمانه إلى اليوم عى مطامع العطاء، وكرى الديوان، فذهب الجهاد الذي أمر الله به الا من قوم قليل، وأجمعت الامة، أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لم يفرض لامته العطاء، ولا وضع لهم ديوانا، وما فعل الرجل هذا الا خلافا على رسول الله، وعلى صاحبه.

 195 - ومما نقموا عليه: ما أحدث في الفروج، وقوله: لامنعن فروج ذوات الاحساب الا من الاكفاء، فمضت السنة بذلك، إلى اليوم وجرى الحكم بالحكمية والعصبية، (1) والكتاب ينطق بخلاف ذلك والسنة، وجائت بأجماع الامة، أن رسول الله، عمل في ذلك بخلاف ما عمله الثاني وسنه.

 196 - ومما نقموا عليه: قوله: يس على عربي ملك، وقد سبي


(1) - رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج 6، ص 152، الحديث 10324، قال: قال عمر بن الخطاب: لامنعن فروج ذوات الاحساب الا من الاكفاء.

 وفي ص 154 رقم الحديث 10331، عبد الرزاق، عن ابن جريح قال: وزعم ابن شهاب أن عمر بن الخطاب قال على المنبر: والذي نفس عمر بيده لامنعن فروج ذوات الاحساب الا من الاكفاء.

 ورواه أيضا البيهقي في سننه ج 7، ص 133، قال عمر رضي الله عنه لا ينبغي لذوات الاحساب تزوجهن الا من الاكفاء.

 


[ 525 ]

رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من قبائل العرب ما عتق، واسترق وأطلق، كما فعل بالعجم، وفعل ذلك أبو بكر فيمن سبى من اهل الردة، فخالف عمر رسول الله، وخالف صاحبه، وأطلق أبو بكر وقال: ليس على عربي ملك خلافا على رسول الله، وخلافا على صاحبه.

 197 - ومما نقموا عليه: قوله: لا تجلدوا العرب، ولا ترجموها فتفتنوها، والامر عن الله تعالى، وعن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): أن العجمي والعربي في إقامة الحدود سواء إذا وجب عليهما، في ذلك تعطيل الحدود والخلاف على الله، وعلى رسوله (صلى الله عليه واله وسلم).

 198 - ومما نقموا عليه: تفضيله للناس بعضا على بعض في القسمة، وتفضيله المهاجرين على الانصار، وتفضيله الانصار على غيرهم، وتفضيله العرب على العجم، وقد كان أشار على ابي بكر بذلك فلم يقبل منه قال: لقد عهدنا رسول الله أمس في هذه القسمة، وقد كان معه المهاجري والانصاري، والعجمي، فلم يفضل أحدا على أحد، و إن أنا عملت برأيك، لم آمن أن ينكر الناس علي لقرب عهدهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وإنما هذه القسمة معاش الناس، يحتاج الانصاري، إلى ما يحتاج إليه المهاجري، وإنما المهاجرون والانصار، فضلهم وشرفهم عند الله جل ذكره، لا في القسمة التي لا يجب أن يفضل فيها أحد عى أحد، فلما أفضى الامر إليه، فضل بعضهم عى بعض، خلافا على رسول الله، وخلافا على صحابه في كثير من الاشياء.

 


[ 526 ]

199 - ومما نقموا عليه: تعطيله الحد في المغيرة بن شعبة الثقفي، بعدما شهد عليه ثلاثا بالزنا (1)، وتقدم الرابع (2) ليشهد، فنظر في وجهه فقال: يا شيخ العرب ما تقول أنت ؟ ثم قال: إني أرى وجه رجل ما كان الله ليفضح بشهادته رجلا من أصحاب رسول اله (صلى الله عليه واله وسلم) (3) به فجبهه أوا ثم لقنه، ففهم تلقينه، فخلط في الشهادة، وقال: رأيت منظرا قبيحا، وسمعت نفسا عاليا، ولم أر الذي فيه ما فيه، فقال عمر: الله أكبر، ما كان الشيطان ليشمت رجلا برجل من أصحاب رسول الله، ثم جلد الشهود، فأبطل حدا، ولقن الشاهد المداهنة في شهادته، فكرر أحد الشهود الثلاثة المضروبين شهادته (4) فأراد أن يجلده ثانيا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لما رآه يريد أن يجلده، ولم يجز أن يجلد رجلا لا يجب عليه الحد وهو حاضر، ولا يجيز ذلك فقال: إنك إن جلدته رجمت صاحبك، فأمسك عن جلده إبقاء على صاحبه، ولو كان ما جرى إليه في أمر المغيرة بن شعبة وعصبية عمر له في الاسلام وهو غض طري كان يجري في الجاهلية، لكان مستبشعا، وأنه يروي أن قردا زنى في الجاهلية فاجتمعت عليه القرود، فرجمنه، فهذه القرود ترجم،


(1) زني مغيرة بن شعبة بامرأة يقال لها: أم جميل بنت عمرو زوجة الحجاج بن عتيك.

 (2) - الرابع كان زياد.

 (3) وفي " ح ": أصحاب محمد.

 (4) - هو: أبو بكرة.

 


[ 527 ]

والثاني (1) يعطل الحد في المغيرة بن شعبة، ! ويحد من لا يجب عليه الحد في دار الاسلام، والمهاجرون والانصار حوله، لا يجسرون أن يغيروا، ! فأي شئ أفظع من هذا الفعل (2).

 200 - ومما نقموا عليه: إجلاؤه أهل نجران، وأهل خيبر عن ديارهم وقد أقرهم رسول الله، وكتب هم كتابا بذمتهم وصلحهم، وهو في أيديهم إلى يومنا هذا، لم يجزه كتاب رسول الله، وقال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب خلافا على رسول الله ونقضا لعهده !.

 201 - ومما نقموا عليه: ما عمل به في أمر السواد بالشام والعراق من إقراره ما أقر من غير قسمة في أيدي أهله، ووضعه الخراج على ما فعله المسلمون، ومساحته العامرة، والغامر بدرهم، وقفيز حنطة فعل الاكاسرة رغبة عن دين الله تعالى ودين رسوله (صلى الله عليه واله وسلم).

 202 - ومما نقموا عليه: وضعه عن جماجم أهل العهد، على


(1) - وفي " ح ": وهذا.

 (2) - أنظر تاريخ ابن خلكان، وفيات الاعيان في ترجمة المغيرة، بقوله: وأما حديث المغيرة، ففيه تفصيل القصة، وما أفظعها، وفي ترجمة يزيد بن زياد الحميري، الجزء الثاني من الوفيات فراجع. وهذه أيضا من غرائب الامور، إذ يشدد الخليفة اثاني عند الخليفة الاول في رجم خالد بن الوليد بالزنا وإعطاف الاول للزاني، ولما وصل الامر إلى الثاني أعطف لزاني وعطل حدا من حدود الله، فللثاني حق أن يقول للاول: بائك تجر وبائي لا تجر ؟ !، أنظر ص 159 و 160 من هذا الكتاب.

 


[ 528 ]

أقدارهم في اليسار من إثني عشر درهما إلى ثمانية وأربعين درهما، والفقهاء مجمعون على أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أخذ عن كل حاكم دينارا ومضت به السنة، فاطرح عمر قول رسول الله وعمل برأيه (1).

 203 - ومما نقموا عليه: حكمه في إمرأة المفقود [زوجها] أن تتربص بنفسها أربع سنين، أترى لا يمكن أن يغيب الرجل في موضع لا يقدر على الخروج أربعين سنة فضلا عن أربع سنين، حتى أطلق التزويج لامرأة متزوجة فأباح الفروج، حتى أن المرأة كانت تتزوج في أيامه، فيقدم الزوج الاول فيخير بين المرأة والصداق، خلافا على الله وعلى رسوله، وجرأة على أحكام الله عزوجل، إقتحاما على حدود الله، ثم لا مغير يغير، ولا منكر ينكر، ! ثم يزعمون أنه لم يغير ولم يبدل، وهذا حكمه.

 ثم أورد طامة هي أعظم من هذه نحن نحكيها هنا: حظر على إمرأة كانت عنده التزويج، وزعم أنه حظر فرجها على الازواج، لما طلقها وكرهته امرأة، وخافت أن يراجعها. رواه الشاذكوني، قال:

204 - حدثنا عبد الله بن وهب المصري، قال: حدثنا فرات بن رزين، عن علي بن رباح البصري، قال: كانت تحت عمر إمرأة من قريش فطلقها تطيقة أو تطليقتين وهي حبلى، فلما أحست بالولادة، غلقت الابواب حتى وضعت، فأخبر بذلك عمر فأقبل مغضبا حتى دخل المسجد، فإذا


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 74 و 75.

 


[ 529 ]

هو بشيخ، فجلس إليه، فقال: إقرأ غلى ما بعد المائتين من سورة البقرة، فذهب يقرأ، فإذا في قراءته ضعف، فقال: يا أمير المؤمنين، هاهنا غللام، حسن القراءة، فإن شئت دعوته لك ؟، قال: نعم، فدعاه فقرأ عليه: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) (1) فقال عمر: ألا إن فلانة من اللاتي يكتمن ما خلق الله في أرحامهن و أن الزواج عليهن (2) حرام ما بقيت ! !.

 فيا معشر الناس، أما تعجبون من هذا الرجل، من فقهه وفعله ؟ ! ذكر أن فعل هذه المرأة حيث كرهت مراجعته كتمانها، ما خلق الله في رحمها، وزعم أن الزواج حرام عليها ما بقي، فأي شئ أعجب من هذا الفعل أن يكون يحظر ويطلق في الاسلام كيف يشاء، وهو مطاع طاعتة عندهم أكثر من طاعة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم).

 205 - ومما نقموا عليه: أنه قضى في الحد بسبعين قضية كل واحدة تخالف الاخرى، فلما كان عند وفاته رجع عنها كلها، وقال: إني لم أقض في هذا الحد شيئا.

 رواه الواقدي، قال: حدثنا ربيعة بن عثمان، عن نافع، قال عمر: عند الموت: إني لم


(1) - سورة البقرة الآية: 228.

 (2) - وفي " ش ": عليها.

 


[ 530 ]

أقض في الحد شيئا (1)، فصار قدوة في القول بالرأي.

 206 - ومما نقموا عليه: ما حكم به في الضوال والامانات مثل عبد آبق من مولاه، أو دابة ضالة، فحكم في ذلك، إن أصابه إنسان في مصر لم يرد الامانة فيه لاخيه المسلم حتى يأخذ منه عشرة دراهم، وأن أصابه خارجا من البلد، أخذ منه أربعين درهما، فصار ذلك سنة إلى يومنا هذا.

فذكر المحتج بهذه الحجج التي ذكرناها، إن الشيطان، لو قيل له: أحكم واجتهد في مخالفة حكم الله تبارك وتعالى ما قدر أن يحكم إلا بدون ذلك أن يكون يأمر الناس بترك رد الامانات إلى المسلمين الا بالاجعال، والله يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) (2) والثاني يقول: لا تردوها الا بأخذ الاجعال، فأي حكم أفظع من هذا الحكم !.

 207 - ومما نقموا عليه: قيامه على منبر رسول الله، يوعد الناس العقوبة لمن غالى في مهر إمرأة، ويقول: لا تجاوزوا به في أكثر من أربعمائة فضيق على الناس ما أباحهم الله تعالى رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) من الاكثار في ذلك، حتى قامت إليه إمرأة وخطأته واحتجت عليه بكتاب الله فقالت: يا عمر، الله أحق أن يؤخذ بقوله منك، فقال: وما قال الله ؟ قالت: إن الله عزوجل قد أباحنا من المهور أكثر مما أبحت حيث يقول: (آتيتم


(1) - أنظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 352.

 (2) - سورة النساء الآية: 58.

 


[ 531 ]

إحديهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) (1) فقال الثاني: كل أحد أفقه منك يا عمر حتى المخدرات، ورجع عن قوله ! (2) فهذا الذي يزعمون أن عنده تسعة أعشار العلم (3)، وهو أعلم


(1) - سورة النساء الآية 20.

 (2) - قال الحافظ أبي الفداء اسماعيل ابن كثير في تفسيره ج 1 ص 478، قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن ابراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن خالد بن سعيد عن الشعبي، عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربع مأة درهم فما دون ذلك ولو كان الاكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة علي أربع مأة درهم قال ثم نزل فاعترضته إمرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربع مأة درهم ؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال: وأي ذلك ؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: (وآتيتم إحديهن قنطارا) الآية، قال: فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مأة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. [قال ابن كثير] إسناده جيد قوي. ورواه أيضا الهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 286. ورواه السيوطي في " الدر المنثور " ج 2 ص 466.

 (3) - المعرفة والتاريخ للبسوي ج 1 ص 462: عن شقيق قال: قال عبد الله: والله لو =


[ 532 ]

بالعشر العاشر من أصحاب محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فلئن كان الامر كذلك لقد خاب وخسر أصحاب محمد، إن كان هذا الرجل مع هذه الاحكام أعلم منهم.

 208 - ومما نقموا عليه: أن رجلا من اليهود أصيب مقتولا في سكك المدينة، فخطب الناس، وناشدهم عنه، فقام إليه رجل معه سيف مضرج بدمه، وأنشده شعرا، زعم أنه لليهودي وهو:

وأشعث غرة الاسلام مني * خلــوت بعرسه ليل التمام

وقال: يا أمير المؤمنين، إن أخي خرج غازيا في جيش، وخلفني في أهله أتعهدهم، فأتيت منزله، فإذا أنا بهذا اليهودي قاعد مع أهله، فلم أملك نفسي أن دخلت عليه فضربته بهذا السيف حتى برد، فقال عمر: أقتل وأنا شريكك، فأبطل حدا، وأطل دما، والامة مجتمعة أنه لا يقبل قول مدع الا ببينة، فصدق القاتل بلا بينة على ما ادعاه، وقد أقر بالقتل وأبطل الدم من الرجل المعاهد بدعوى القاتل بغير بينة (1) وقد قذف إمرأة مسلمة محصنة بمعاهد، وأزال عنه الحد بإدعاء (2) الخصم بلا بينة، فما العجب الا من المهاجرين والانصار أن يكونوا قد وقفوا على


= وضع علم عمر في كفة ميزان وجعل علم أهل الارض في الكفة الاخرى لترجح علن، عمر مذ ذهب بتسعة أعشار العلم !.

(1) - وفي نسخة " ح ": بلا بينة.

(2) - وفي نسخة " ح ": بدعوته بلا بينة.

 


[ 533 ]

هذه الاشياء العجيبة، ولا ينكرون ولا يغيرون وقول الثاني (1) عندهم مقبو، وإن خاف حكم الله وحكم الرسول، فكيف يكون العناد الا هكذا.

 209 - ومما نقموا عليه: أمره بالصلاة النافلة جماعة في شهر رمضان ولم يفعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ولا أبو بكر وقال هو (2): هي بدعة حسنة، وقال رسول الله: كل بدعة ضلالة.

 فألزم الناس جماعة في شهر رمضان، ومر أمير المؤمنين بالمساجد، وقد حدث فيها هذه البدعة فقال: نور الله قبره.

 فلم يدر كثير من الناس ما قال، ولا فهم ذلك الا أهل المعرفة باللغة، فهذه من بدائعه.

 210 - ومما نقموا عليه: توليته معاوية بن أبي سفيان وقد سمع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول: إذا رأيتم معاوية على منبري هذا فاقتلوه (3).

 


(1) - وفي نسخة " ح ": وقول عمر.

 (2) أي الثاني، ثم انظر صحيح البخاري كتاب صلاة التراويح ص 233 وصحيح مسلم باب الترغيب في قيام رمضان.

 (3) قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج 5 ص 110 في ترجمة عباد بن يعقوب: روى عن شريك، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله مرفوعا: " إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ".

 كما رواه السمعاني في الانساب، ج 3 ص 95 في ترجمة عباد بن يعقوب.

 ورواه أيضا الخطيب في تاريخ بغداد، ج 12 ص 181 في ترجمة عمرو بن عبيد، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم معاوية على المنبر فاقتلوه ".

 ورواه أيضا نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفين ص 216 عن عبد الله بن =


[ 534 ]

قال الحسن البصري: فلم يفعلوا ولم ينجحوا، وقد ولاه الثاني أمر المسلمين، فخطب على منابرهم، وتحكم في أموالهم وفروجهم وجعل له سبيلا إلى طلب الخلافة، حتى قتل ولد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وجرى على يده ويد ابنه ما جرى.

 211 - ومما نقموا عليه: أنه جعل أمواله المومسات في الجاهلية في بيت مال المسلمين، وفرق فيهم كما فرق أموال الفئ.

 212 - ومما نقموا عليه: شكه في أيمانه مع ما يرون فيه أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: إنه من أهل الجنة، وأنه أحد العشرة الذين


= مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب عى منبري فاضربوا عنقه ". قال الحسن فما فعلوا ولا أفلحوا. وفي حديث آخر عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه "، قال: فحدثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: فلم نفعل ولم نفلح. وفي ص 217 عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يموت معاوية على غير الاسلام ". وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله: " يموت معاوية على غير ملتي ". وفي ص 219: عن عبد الله بن عمر قال: إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون، وذلك بأن فرعون قال: (أنا ربكم الاعلى).

ورواه الذهبي في تاريخ الاسلام ج 4 ص 312.

أقول: لهذا الحديث شواهد عديدة إلى حد التواتر بأسناد كثيرة وألفاظ مختلفة، و من يريد التفصيل فعليه بكتاب " الغدير للعلامة الاميني رحمه الله، ج 10 ص 142 إلى..

 


[ 535 ]

شهد لهم النبي بالجنة، وهذا الشعبي الذي هو إمامهم يقول فيه: ما رواه سعيد بن سليمان، قال: حدثنا مبارك بن سعيد، قال: حدثنا إسماعيل الاسدي، قال: شهدت الشعبي يذكر عليا وبقول: لو رضوا أن نقول رحمه الله، إنه لقريب القرابة، قديم الهجرة، عظيم الحق، زوج فاطمة، وأبو الحسن والحسين فكان في هذا، إذ قام رجل من القوم، فقال: إن عليا يشهد أن عمر في الجنة فما تقول أنت يا أبا عمرو ؟ فقال الشعبي: كان يبكي الناس من خطيئة، وأنا أشهد له بالجنة، فأنت أعلم وما شهدت.

 فهذا قول الشعبي، وذكر المحتج أن عمر شك في إيمانه في غير موطن (1)، وقال: كيف يدخل الجنة شاك في إيمانه وأنتم تعلمون أنه.

 


(1) - ذكر الواقدي في مغازيه: أن عمر رد على كلام رسول الله غير مرة وشك في إيمانه.

 قال الواقدي: فكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: قال لي عمر في خلافته وذكر القضية: ارتبت إرتيابا لم أرتبه منذ أسلمت الا يومئذ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة عن القضية لخرجت ج 2 ص 607 ط بيروت.

 وفي فصول المختارة لشيخ المفيد ص 9: فان الامة مجمعة لا خلاف بينها على أن عمر بن الخطاب قال: ما شككت منذ يوم أسلمت الا يوم قاضى فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أهل مكة فاني جئت إليه فقلت له: يارسول الله الست بنبي فقال: بلى، فقلت: ألسنا بالمؤمنين قال: بلى فقلت: فعلى م تعطي هذه الدنية عن نفسك ؟ فقال: أنها ليست بدنية ولكنها خير لك، فلت له: أليس قد وعدتنا أن ندخل مكة ؟ قال: بلى، قلت: فما بالنا =


[ 536 ]

أتى حذيفة بن اليمان يسأله عن نفسه، أهو من المنافقين ؟ (1).

فما أعجب هذا القول منه إن كان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قد شهد له بالجنة، فما يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون ما رووه من شهادة النبي (صلى اله عليه واله وسلم) له بالجنة باطلا، وإما أن يكون الثاني غير معتمد على ما قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وإلا فما معنى مخاطبة حذيفة، ومسألته إياه، أمنافق هو أم لا ؟ ولا يجوز لاحد من المسلمين أن يأمن فيه ما قد خافه هو على نفسه، والله عزوجل يقول: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) (2).

 فذكر هذا المحتج المواطن التي قد شك فيها في إيمانه، وقد عارض النبي غير مرة، وتقدم بين يديه (3).

 213 - منها قوله للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) يوم الحديبية، يوم وادع قريشا، و كتب بينه وبينهم على أن من خرج إليهم من قبله لم يردوه ومن خرج


= لا ندخها ؟ قال: أو عدتك أن تدخلها العام ؟ قلت: لا، قال: فسندخلها ان شاء الله تعالى، فاعترف بشكه فيدين الله ونبوة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وذكر مواضع شكوكه.

(1) - أنظر احياء العلوم لابي حامد الغزالي ج 1 ص 78 وص 124. وفيه: حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذكر في المنافقين.

(2) - سورة الحجرات: الآية 15.

(3) - أنظر صحيح مسلم في الباب (من لقي الله بالايمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة)


[ 537 ]

من أهل مكة ردوه إليهم، فغضب الثاني، وقال لصاحبه: يزعم أنه نبي وهو يرد الناس إلى المشركين.

 ثم أتى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال: ألست برسول الله حقا ؟ قال: بلى، قال: ونحن المسلمون حقا ؟ ! قال: بلى، قال: وهم الكافرون ؟ قال: بلى، قال: فعلى م نعطي الدنية في ديننا (1).

 فقال له النبي (صلى الله عليه واله وسلم): إنما أعمل بما يأمرني به الله ربي، إنه من خرج منها إليهم راغبا ! فلا خير لنا في مقامه بين أظهرنا ومن رغب فينا منهم، فسيجعل الله له مخرجا ومخرجا.

 فقال الثاني: والله ما شككت في الاسلام الا حين سمعت رسول الله يقول ذلك ! !.

 وقام من عند النبي متسخطا لامر الله وأمر رسوله، غير راض بذلك ثم أقبل يمشي في الناس، ويؤلب على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ويعرض به ويقول: وعدنا برؤياه التي زعم أنه رآها يدخل مكة، وقد صددنا عنها ومنعنا منها، ثم ننصرف الآن، وقد أعطيناه الدنية في ديننا !، والله لو أن معي أعوانا ما أعطيت الدنية أبدا، فقد كان أعطى الاعوان، وقيل له يوم احد قاتل، ويوم خيبر، ففر بأعوانه، وبلغ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ذلك، فقال له:


(1) - أنظر صحيح مسلم في باب صلح الحديبية الجزء الاول، وصحيح البخاري ج 2، ص 81 في آخر كتاب الشروط، ففيهما تفصيل القضية.

 


[ 538 ]

إنه قد بلغني قولك ! فأين كنتم يوم أحد ؟ ! وأنتم تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في آخركم ؟.

 فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وأستغفر الله مما كان مني يارسول الله، قد كان الشيطان ركب عنقي في ذلك الوقت.

 وروي الواقدي ما هو أشنع من هذا، قال (1):

214 - حدثنا يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله عن الحارث بن عبد الله بن كعب، قال: سمعت أم عمارة تقول يوم الحديبية إني لانظر إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، يومئذ جالسا متربعا، وإن عباد بن بشر، وسلمة بن أسلم بن حريش مقنعان في الحديد، قائمان على رأس رسول الله، إذ رفع سهيل بن عمرو صوته، فقالا له: إخفض من صوتك عند رسول الله، وسهيل بارك على ركبتيه كأني أنظر إلى علم في شفته، إذ وثب الثاني إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فقال: يارسول الله، ألسنا بالمسلمين ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أنا عبد الله ورسوله، لا أخالف أمره، ولن يضيعني فقال له الثاني: أعذرك الله، وجعل يردد الكلام على النبي، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: الا تسمع ياين الخطاب، رسول الله يقول ما يقول ؟ تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأتهم رأيك (2).

 


(1) - أنظر المغازي للواقدي، ج 2 ص 605، فيه تفصيل القضية.

 (2) - ذكر الواقدي في المغازي ج 2 ص 605 و 606 القضية بالتفصيل باختلاف في بعض العبارات، فلعدم الاطالة نحيل إلى المصدر المذكور إن شئت فراجع.

 


[ 539 ]

215 - وقال ابن عباس: قال لي الثاني في خلافته: وذكر القضية إرتبت إرتيابا لم أرتبه منذ أسلمت إلى يومئذ، ولو وجدت شيعة أخرج معهم رغبة عن القضية لخرجت ! !.

 216 - وقال أبو سعيد الخدري: جلست يوما عند الثاني وذكر القضية، فقال: لقد دخلني يومئذ الشك، وراجعت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مراجعة ما راجعته مثلها، ولقد قلت في نفسي، لو كان رجل على مثل رأيي ما دخلنا فيها أبدا ! !.

 وقال الثاني: يارسول الله، الم تك حدثتنا، ستدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرف مع المعرفين، وهذا هدينا لم يصل إلى البيت، ولا نحن ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أما أنكم ستدخلونه، فآخذ مفتاح الكعبة، وأحلق رأسي ورؤسكم، وأعرف مع المعرفين.

 ثم أقبل على الثاني فقال: أنسيتم يوم أحد (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد) (1) وأنا أدعوكم في آخراكم، أنسيتم يوم الاحزاب.

 (إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار و بلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) (2) أنسيتم يوم كذا ؟


(1) - سورة آل عمران الاية: 153.

 (2) - سورة الاحزاب، الاية: 10.

 


[ 540 ]

أنسيتم يوم كذا ؟ أنسيتم يوم كذا ؟ !.

 فما كان الفتح، وأخذ رسول الله المفتاح، قال: أدعوا لي الثاني فجاء، فقال: هذا الذي كنت قلت لكم، فما كان في حجة الوداع، وقف بعرفة، وقال: إي والله، هذا البيت، وهذا الذي قلت لكم !.

 ولا يعلم أحد، ما عنى به، وهذا القول من النبي غليظ جدا لمن فهمه، وزعم هذا المحتج، قال: فمن يرد على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) هذا الرد، ولا يقبل منه، ولا يصدقه ؟، أي حظ له في الاسلام، وإن من يقر بلسانه أنه شك في دينه كما شك يوم الحديبية أي نصيب له في الاسلام.

 217 - وقال الواقدي: قال ابن عباس وأبو سعيد الخدري: لا ينبغي لمن آمن برسول الله، أن يستعجل أمر الله، فقد كان من سهيل بن عمرو واستفصائه على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ما ذكرناه، ولقد نظرنا إلى سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند المنحر، يقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بدنة، والرسول ينحرها بيده، ودعا الحلاق، فحلق رأسه، وأنظر إلى سهيل بن عمرو، وهو يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه.

 وفيه، وقد رأيناه يوم الحديبية يأبى أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يقر، أن محمدا رسول الله !.

 218 - ومنها إعتراضه بين يدي النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في حاطب بن أبي بلتعة، حيث قا: إئذن لي أضرب عنقه، فإنه قد نافق، فقال النبي: أتريد


[ 541 ]

يا عمر ؟ أن تقول العرب، أن محمدا يقتل أصحابه (1).

 219 - ومنها إعتراضه على رسول اله حيث قال: يارسول الله إئذن لي أضرب عنق أبي سفيان بن حرب، وكان العباس قد أجاره، فألح عليه في قتل أبي سفيان، حتى قال له العباس: مهلا يا عمر، فوالله لو كان رجلا من بني عدي لما قلت ذلك !، ولكنك قد علمت أنه رجل من بني عبد مناف.

 220 - ومنها قوله لصفية بنت عبد المطلب: يا صفية، إن قرابتك لن تغني عنك شيئا، فبلغ ذلك النبي، فقال: ما بال أقوام، يزعمون أن قرابتي غدا عند الله لا تنفع ! !، أيرجو شفاعتي خارجكم ؟ ولا يرجوها بنو عبد المطلب !.

 221 - وروى عمر بن رافع، عن إسماعيل، عن أيوب السجستاني عن عكرمة بن خالد المخزومي، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قدم نصر بن عبد الله الثقفي، على عمر من الطائف، ومعه ناس من أصحابه، فقال لهم: لا تبدؤا أمير المؤمنين بشئ حتى يسألكم، فجاءه رجلان يختصمان، فحكم بينهما، فقالا: أصبت أصاب الله بك، فقال عمر: وما يدريكما، فوالله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ ؟ !.

 فقال هذا المحتج: كيف جاز، أن يحكم في دماء المسلمين و


(1) - صحيح البخاري ج 4 في كتاب إستتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم.

 


[ 542 ]

أموالهم، وهو لا يدري، أصاب أم أخطأ ؟ ! وكيف استحل ذلك ؟، واستجازه، وزعموا، أن بين عينيه ملكا يسدده، فليت شعري، أين كانت غيبة الملك عنه في ذلك الوقت ؟ إذ كان لا يدري أصاب أم أخطأ ! !، ثم يفضل ويقدم على من عنده علم المنايا والبلايا، وفصل الخطاب، و زعموا أن إسمه مكتوب على العرش، وقد شك في إسلامه غير مرة ! !، فهذا الحبر الفاضل عندهم !، وهذه صفته وأفعاله !.

 222 - ومما نقموا عليه: أنه أتاه رجل يقال له: ضبيع (1) فسأله عن قول الله عزوجل: (والذاريات ذروا) (2) وعن: (والنازعات غرقا) (3) وعن: (والمرسلات عرفا) (4) وكان معتما، فحسر عن رأسه فإذا له وفرة وقال له: أولى لك. لو أحسبك محلوقا لضربت عنقك. ثم أمر به، فحبس، فجعل.

 يخرجه كل يوم، فيضربه خمسين جريدة، حتى ضربه أربعمائة ! !، فقال له الرجل: قد عذبتني، فإن يكن قتلي تريد ؟، فالسيف أروح لي بما استوجبت ما صنعت بي، إنما سألتك عن شئ من كتاب الله، فإن كان لك علم ؟ فعلمني، وإن لم يكن لك علم فقل: لا علم لي، فانصرف عنك، وإلا فإني ما سألتك ما أستحق به الضرب


(1) - هو: ضبيع التميمي وكان سيد قومه من قبل، وله قصة ستأتي بعد قليل فانتظر.

 (2) - سورة الذاريات، الاية: 1.

 (3) - سورة النازعات، الاية: 1.

 (4) - سورة المرسلات، الاية: 1.

 


[ 543 ]

فأمر به فسير به إلى البصرة، فصار منفيا، وكتب إلى أهل البصرة، لا تجالسوه ولا تبايعوه ! ! (1)


(1) - وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 12 ص 102: وجاء رجل إلى عمر فقال إن ضبيعا التميمي لقينا يا أمير المؤمنين، فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن، فقال: اللهم أمكني منه، فبينا عمر يوما جالس يغدي الناس إذ جاءه الضبيع، وعليه ثياب وعمامة، فتقدم فأكل، حتى إذا فرغ، قال: يا أمير المؤمنين، ما معنى قوله تعالى: (والذاريات ذروا * فالحاملات وقرا)، قال: ويحك أنت هو ! فقام إليه فحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقط عمامته، فإذا له صفيرتان، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك، ثم أمر به فجعل في بيت، ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مأة فإد برأ أخرجه فضربه مأة أخرى ثم حمله على قتب وسيرة إلى البصرة.

 وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته، وأن يقوم في الناس خطيبا، ثم يقول: إن ضبيعا قد ابتغي فأخطأه، فلم يزل وضيعا في قومه وعند الناس حتى هلك، وقد كان من قبل سيد قومه.

 أقول: ما لابن الخطاب وتفسير القرآن وإنما يفسر القرآن من نزل في بيته فهلم معي يا ضبيع لنسأل من كان على منبر الكوفة ويقول: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنبأتكم بذلك، قال ابن كثير في تفسير القرآن ج 4 ص 248: قال شعبة بن حجاج عن سماك عن خالد بن عرعرة، أنه سمع عليا رضي الله عنه وشعبة أيضا عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، أنه سمع عليا رضي الله عنه، وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك، فقام إلى ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين =


[ 544 ]

فأي شئ، أعجب من هذا الفعل ! ؟، أن يكون رجل يقدر، أن من قعد ذلك المقعد، لا يجوز أن لا يكون عنده علم ما يحتاج إليه الامة، ولم يعلم أن عند الرجل غفلة عن العلوم، فيعامله هذه المعاملة وإنما ضرب هذا الرجل ليقطع عن نفسه مادة هذا السؤال، فلو سئل عن فعله بهذا الرجل ماذا كان يقول ؟: فهذا الذي كان يعمل بالحق، عندهم ! !.

 223 - ومما نقموا عليه: إختياره أصحاب الشورى، من أصحاب محمد (صلى الله عليه واله وسلم) من المهاجرين الاولين، وزعمه أن النبي قبض وهو عنهم راض، وأنهم من أهل الجنة، وذكر أنه يكره أن يتحملها حيا وميتا، فلئن كانت خلافته على منهاج رسول الله، فإنه ليحب أن يتحملها حيا


- ما معنى قوله تعالى ؟ " والذاريات ذروا " قال علي رضي الله عنه: الريح، قال: فالحاملات وقرا " ؟ قال رضي الله عنه: السحاب، قال: فالجاريات يسرا ؟ قال رضي الله عنه: السفن، قال: فالمقسمات أمرا ؟ قال رضي الله عنه: الملائكة.

 وروى الحافظ السيوطي في الدر المنثور ج 7، ص 614، عن عبد الرزاق والفريابي، وسعيد بن منصور والحارث بن أبي أسامة وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وابن الانباري في المصاحف والحاكم وصححه البيهقي في شعب الايمان من طرق علي بن أبي طالب عليه السلام.

 وفي مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور ج 11 ص 45، في ترجمة: صبيغ بن عسل، وفيه: قال عمر: أما والله لو رأيتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك، ثم كتب إلى أهل البصرة لا تجالسوه.

 


[ 545 ]

وميتا، لانه الحق، وهو في آخر حين، ولئن كان قد علم أنها على غير جهتها لقد أحسن، حيث تحوب (1) أن يتحملها ميتا، فاختار هؤلاء الستة (2) الذين اختارهم (3)، وقال: إن اتفق أربعة من الستة وأبى إثنان فاضربوا أعناقهما وهما عنده من أهل الجنة، ثم حكم بحكم آخر، فقال: إن افترقوا ثلاثة ثلاثة فالفرقة التي فيها عبد الرحمن بن عوف معها الحق، ثم حكم بحكم ثالث، فقال: إن مضت ثلاثة أيام، ولم يفرغوا من شأنهم، فاضربوا أعناق القوم جميعا ! !.

 فيا عجبا !، زعم أنه يتخوف أن يولي أحدا، مخافة أن لا يعلم بالحق، ولا يتخوف من ضرب أعناق ستة من المهاحرين الاولين هم عنده خيار الامة، ويشهد أنهم من أهل الجنة، وفي عقد دين الله التكفير لمن إستحل قتل مؤمن، فأية خصلة من الخصال لم يأمر بها، ثم مع ذلك يدور على إزالتها من بني هاشم أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ويحوم حول قتلهم بغضا لله عزوجل، ولرسوله ولاهل بيته (عليهم السلام) وذلك أنه قدر، فقال علي والزبير ابن عمته، ولن يخالف عيه، وقد كان حين دعي إلى بيعة أبي بكر ما كان من تجريد سيفه دون علي وإنكاره بيعة أبي بكر، وطلحة بن


(1) - وفي " ش ": تجرب.

 (2) - وهم: علي (عليه السلام)، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص.

 (3) - وفي " ش ": ليختاروا رجلا واحدا منهم ثم لم يرض بذلك حتى حكم على الستة.

 


[ 546 ]

عبيد الله لا يخالف الزبير لمواخاة رسول الله بينهما فهؤلاء ثلاثة لا يفترقون وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف قبل إخاء النبي لهما بينهما، ما بينهما من الصهرية، وسعد بن أبي وقاص إبن عم عبد الرحمن ولم يخالف عليه، ففي أي فرقة يكون عبد الرحمن الا في هذه الفرقة ؟، وأي دليل أدل على العقل (1) منه ؟ بأنه لم يرد إلا إزالة العقل والامر عن بني هاشم بعضا منه لهم، وحملا عليهم والله له بالمرصاد !.

 224 - ومما نقموا عليه: ما رواه عبد الله بن صالح، عن ليث ابن سعد (2) قال: قال عمر للزبير: أما أنت يا زبير، فمؤمن الرضا كافر الغضب، وأما أنت يا علي فمراء (3) !.

 فما أعجب منه هذا القول في قوم هم عنده من أهل الجنة !، ثم ينسبهم إلى الكفر والرياء والله المستعان !.

 


(1) - وفي " ش ": الفعل منه.

 (2) - هو: ليث بن سعد بن عبد الرحمان الفهمي أنظر تهذيب الكمال، ج 24 ص 255.

 (3) - الامامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 39 ط مصر.

 وط بيروت ص 42 و 43.

 


[ 547 ]

 

[ وضع الاحاديث المتناقضة وجعلها عن رسول الله] صلى الله عليه واله وسلم

225 - وأعجب من ذلك ما وضعوا فيه من الاخبار الكاذبة المتناقضة التي تدفعها العقول، ثم لم يرضوا بها حتى حكوها عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، ونسبوها إليه، وليس ذلك [العمري] بمنكر من فعل القول ميلا منهم إليه، وبغضا لبني هاشم أهل بيت النبوة.

 وهذا أبو هريرة الدوسي رجل من أصحاب الصفوة، فقير لا مال له أعطي على أربعمائة حديث وضعها له ورواها عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بأربعمائة الف درهم، فمال إلى الدنيا، وأهمل أمر آخرته (1) !.

 226 - ثم ما رواه غيره من العحائب في عمر، فقد رووا أن السكينة ملك ينطق على لسانه، (2) فليت شعري، بأي شئ فرقوا بينه وبين النبي بل لم يرضوا أن يجروه في ميدانه حتى فضلوه عليه فإن النبي (صلى اله عليه واله وسلم) كان يؤدي رسالة ربه إلى أمته عن ملك من الملائكة، وكان عمر عندهم وفي رواياتهم ينطق على لسانه ملك، وزادوه آخر بين عينيه يوفقه ويسدده فالملك الآخر مما قد فضل به على النبي، ويروون أنه حكم


(1) - للاستاذ العلامة محمود أبو رية تعريف كامل لابي هريرة بكتابه: " شيخ المضيرة " أبو هريرة، فلتعرف بشخصيته راجع إلى المصدر المذكور ط مصر.

 (2) - أنظر المعرفة والتاريخ ج 1 ص 462 وفيه: أن السكينة تنطق على لسان عمر. و البداية والنهاية لابن كثير ج 6 ص 201. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 178.

 


[ 548 ]

بأشياء أخطأ فيها حتى فهمه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له الحكم كذا و كذا حتى قال: لولا علي لهلك عمر وقال: كل أحد أفقه من عمر، وفي حديث آخر، أنه كان يقول لابن عباس غص يا غواص، ويفرح منه !.

 فليت شعري، أين كان الملك المسدد له، في وقت خطأه ؟، وأين كان الملك الآخر الذي ضرب على قلبه ولسانه ؟ وكيف لم يقصه عن الزيغ والزلل، وهذه صفته عندهم (1).

 227 - وروت الامة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يسأل عن الشئ تعلما أو تعنتا فيقول: لا علم لي شئ من ذلك، وينتظر نزول الملائكة بالوحي و [أما] الثاني لا حاجة به إلى الملك ونزوله لحضوره إياه، إذا كان ينطق على لسانه، فمن كانت هذه صفته لم تكن تغيب عنه الملائكة، ولا تفارقه، وكان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ربما إنتظر الوحي أياما ويسأل عن الشئ، فيتأجل السائل إنتظارا للوحي، فهذه لعمري فضيلة ظاهرة على فضل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) !.

 فياشر أمة قبلت هذه الاشياء في رجل عبد الاوثان وأشرك بالله أربعين سنة، فأي جهل وأي شئ أفظع من هذا ! ؟، أن يفضل على النبي الا يستحون من هذه الروايات الفظيعة المنكرة ؟ !.

 ثم ما كفى حتى رووا


(1) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 178. وفيه: إن الله تعالى ضرب بالحق على لسان عمر، وإن بين عيني عمر ملكا يسدده ويوفقه.

 


[ 549 ]

أن رسول الله، قا: لو لم أبعث لبعث فيكم عمر ! (1).

 228 - وروي أنه قال ما أبطأ عني جبرئيل إلا ظننت أنه بعث إلى عمر (2) ! فأي كفر لم يرووه ميلا إلى عمر ؟، وأي شك لم يؤدوه ؟ ويلهما أنهم علموا ان الله عزوجل أخذ ميثاق محمد على النبيين ليؤمنن به ولينصرنه، وبشروا به أممهم في قصص موسى وعيسى بن مريم و غيرهما من النبيين وهذا عيسى يقول: يأتي من بعدي نبي إسمه أحمد، فكان محمد أول الانبياء في الميثاق، وذلك قوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وعيسى بن مريم) (3).

 فبدأ به تعالى ذكره قبل نوح.

 فقالوا: في عمر هذا القول، وهذا جبرئيل يقول للنبي: إني قد سلمت عليك في صلب آدم، قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه واله وسلم): (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) (4) فإن كان كما قالوا ؟، فرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عذاب على عمر، لانه لو لم يبعث لبعث عمر نبيا !، ولا يعلم أن رتبته أجل من رتبة النبوة !، والمزيل له عن هذه الرتبة التي


(1) أنظر المعرفة والتاريخ، ج 1 ص 462 وفيه: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ". وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج 12 ص 178.

(2) أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 178.

(3) - سورة الاحزاب، الاية: 7.

(4) - سورة الانبياء، الآية: 107.

 


[ 550 ]

ليس ورائها رتبة هو النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وهذا يوجب أن ليس على الارض أحد أبغض إلى عمر من هذا الذي أزاله عن هذه المنزلة الرفيعة، فتبارك الله ما أعجب هذه الاسباب وأغلظ هذه الامور التي ركبوها (1) !، وهم لا يعقلون.

 229 - ورووا: أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) نزل عليه جبرئيل فقال: يا محمد ربك يقرئك السلام، ويقول لك: إقرأ عمر السلام، وسله !، أهو عني راض كرضاي عنه (2)؟!، فلو نسب هذا إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان منكرا عندهم، فكيف إلى عمر الذي قد أشرك بالله، وعبد الاصنام أربعين سنة.

230 - ويروون: أن عمر بن الخطاب: سراج أهل الجنة، فلو لم يخلق الله عمرا لبقيت الجنة مظلمة بلا سراج لها (3) ! ! والله المستعان.

231 - ورووا: أن النبي، قال يوم بدر: لو نزل عذاب من السماء ما نجا غير عمر بن الخطاب، والله عزوجل يقول: (وما كان الله ليعذبهم


(1) - وفي " ح ": إرتكبوها.

 (2) كما ورد في شأن أبي بكر، أنظر " المنتظم لابن الجوزي " ج 4 ص 61 وفيه: فقال (جبريل): إن الله عزوجل يقرأ عليك السلام ويقول: قل له (أبي بكر) أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط!؟، وأنظر " الغدير " للعلامة الاميني (ره) ج 5 ص 321. وذكر العلامة المجلسي (ره) في البحار ج 50 ص 80 نقلا عن الاحتجاج للطبرسي (ره) وهي مناظرة مع الامام الجواد (عليه السلام) في مجلس المأمون ويحيى بن أكثم، مناظرة طويلة، فراجع.

(3) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 178.

 


[ 551 ]

وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (1)، وزعموا أن العذاب لو نزل لم يكن يؤمن على الظاهر الطيب !، وكان يؤمن على عمر (2) !.

 232 - ويروون: أن عمر نادى مناديه: إبن زنيم، قال: يا سارية الجبل وعمر بالمدينة، وسارية بفارس، فسمع سارية صوت عمر، فانحاز إلى الجبل !.

 وإنما وضعوا هذا الحديث، بإزاء حديث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في جعفر بن أبي طالب، حين رفع له بموتة حتى نظر إلى معترك جعفر ابن أبي طالب، ثم نعى جعفر إلى الناس، وأخبرهم أنه أصيب، وأصيب بعده زيد بن حارثة، وأصيب بعد زيد عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم.

 فأرادوا مضاهاة رسول الله، بل أرادوا تفضيله على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فإن كان عمر قوى إلى إسماع سارية، لقد قوى سارية، على إجابة عمر، وما أعلم أحدا من أهل العقل والمعرفة يفكر في مثل هذا القول، الا صرف القول فيه إلى الكفر بالله، والله المستعان.

 233 - ورووا: أن شاعرا أنشد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) شعرا قاله فيه، فدخل رجل، فقال النبي: أسكت، فسكت حتى خرج الرجل، قال


(1) - سورة الانفال، الآية: 33.

(2) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 178.

 


[ 552 ]

النبي للشاعر: عد فيما كنت فيه، فعاد الشاعر، فدخل الرجل، فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أسكت، فسكت، فع ذلك ثلاث مرات، فقال الشاعر يارسول الله، من هذا الذي تسكتني له إذا دخل، وتأمرني بالانشاد إذا خرج ! ؟ فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) هذا عمر، وهو لا يحب الباطل ؟ ! ! (1).

 فأي كفر وعتو وفجور يكون من قوم هو أعظم وأفحش من رواية قوم عن النبي نسبوه فيها إلى حب الباطل!؟، وأن عمر لا يحبه، ولا يشهد والنبي يشهده، فنزهوا عمر بن الخطاب مما لم ينزهوا عنه النبي الطاهر المطهر الذي قد فضله الله على خلقه، ولولاه ما خلق الله الدنيا، فأي


(1) - حلية الاولياء ج 1 ص 49، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان حدثنا اسماعيل بن اسحاق القاضي، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن الاسود بن سريع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك فقال: إن ربك عزوجل يحب الحمد فجعلت أنشده فاستأذن رجل طويل أصلع فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسكت فدخل فتكلم ساعتا ثم خرج فأنشدته ثم جاء فسكتني النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم ثم خرج فأنشدته ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فقلت يارسول الله من هذا الذي أسكتني له فقال: هذا عمر رجل لا يحب الباطل.

 وفي حديث بعده الزهري عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن الاسود التميمي قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده فدخل رجل طوال أقنا فقال لي أمسك فلما خرج قال هات فقلت من هذا يا نبي الله هل الذي إذا دخله قلت أمسك وإذا خرج قلت هات قال: هذا عمر بن الخطاب وليس من الباطل في شئ.

 


[ 553 ]

فضيلة أظهر من هذه الفضيلة على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) التي حكوها في هذا الخبر، وفيما رووه من هذه الاخبار التي أخرجناها وشرحناها، وإنما فعلنا ذلك ليعلم الناظر في كتابنا، أن من لفق هذه العجائب، وروي فيه هذه الاخبار التي لو رويت في سيد ولد آدم الذي هو زين القيامة، وكان ذلك عدنهم منكرا، ولم ينكروه في رجل قد عبد الاوثان، وأشرك بالله أربعين سنة، بل تلقوا ذلك بالقبول ميلا منهم إليه !، وحملا على بني هاشم أهل بيت النبوة.

 234 - وهذا هو الذي يروى عنه، أنه قام بظلم فاطمة (عليها السلام)، وأمتنع أن يحمل الصحيفة، والدواة إلى رسول الله، وهو الذي نسبه إلى أنه هجر !، ثم قال: حسبنا كتاب الله ردا منه على النبي مما علم من مراده، ولو علم أن هذا الامر فيه أو في صاحبه، لبادر بالصحيفة والدواة، وفي قوله: حسبنا كتاب الله الكفر بالله، لان جل ذكره يقول: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1)، وفي فعله ورده ما أمر الرسول به ما هو دليل على ما ذكرناه، والله المستعان.

 235 - ورووا طامة أخرى، وهي: أن النبي، قال: وزنت بأمتي فرجحت ثم وزن بها أبو بكر فرجح (2)، ثم وزن بها عمر فرجح، ثم رجح


(1) - سورة الحشر الاية: 7.

 (2) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 178. أنظر المحاسن والمساوي للبيهقي ص 53 وفيه: وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لو وزن إيمان أبي بكر


[ 554 ]

ثم رجح ثلاثا، (1) فزعموا، أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الذي هدى الله به الامة، وكان رحمة للخلق رجح مرة، ورجح أبو بكر مرة، مساواة لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، ووزن عمر فرجح ثلاث مرات (2) !.

 فهذا لعمري رجحان ظاهر بين على صاحبه الذي هو خير منه عندهم، ثم على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ثلاث مرات، وفضل صاحبه ظاهر عليه، لانهم قد رووا، أن عمر، قال: لوددت أني شعرة في صدر أبي بكر (3)، فما أعجب هذا الامر، وهذا أبو بكر، يود أنه شعرة في جنب مؤمن !.

 


بإيمان أهل الارض لرجحبهم كما في كتاب الخلفاء للسيوطي وشعب الايمان للبيهقي.

 (1) - أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 178.

 (2) - أنظر المصنف لابن ابي شيبة ج 12 ص 17 و 18.

 (3) - أنظر كنز العمال ج 12 ص 496 الرقم: 35626 والمحاسن والمساوي للبيهقي ص 53، وفي كليهما هكذا: عن عمر قال: وددت أني شعرة في صدر أبي بكر.

ويوما آخر يود أن يكون كبشا سمنا يؤكل، أنظر حلية الاولياء لابي نعيم ج 1 ص 52، عن الضحاك قال: قال عمر بن الخطاب: ليتني كنت كبش أهلي يسمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون، زراهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدا، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة ولم أك بشرا.

 


[ 555 ]

236 - رواه الشاذكوني: قال: أخبرنا جعفر بن سليمان الضبيع قال: سمعت أبا عمر ابن الجون يقول: قال أبو بكر الصديق: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن ! (1).

 فهذا أبو بكر يود أنه شعرة في جنب عبد مؤمن وعمر يود أنه شعرة في صدر أبي بكر، ثم أنتم تروون أن الله عزوجل يتجلى له يوم القيامة خاصة !، رويتموه عن وكيع بن الجراح، عن الاعمش، عن أبي وائل: 237 - عن حذيفة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إذا كان يوم القيامة، تجلى الله للناس عامة، ولابي بكر خاصة !.

 ورويتم عن ابن أبي ذويب، عن الزهري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثل ذلك ! ؟.

 في شئ أعجب مما قد لفقتموه من هذه الاخبار ؟، ثم أفردتم لذلك الاسانيد التي هي عندكم صحيفة، فهذه من عجائبكم، وهذه رواياتكم المناقضة لا تستحيون منها، وأنتم رويتم هذه الاشياء، من الاحكام التي غلطوا فيها، وأقررتم أنهم لم يفهموها، ونقمتم عليه بعض ما ذكرناه عنكم، ولو شرحنا ما أخرجتموه بتمامه فيها لطال كتابنا ولكنا


(1) - المنتظم لابن الجوزي ج 4 ص 63، قال: قال أبوعمران الجوني قال أبو بكر: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن. وقال: وقال: قال الحسن: قال أبو بكر الصديق: ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل.

 


[ 556 ]

اقتصرنا على اليسير مما قد ذكرتموه مما رواه علماؤكم فيهما، ولعمري، إن في دون ما ذكرنا مقنعا لمن أحب أن ينظر، ويتفحص، ويتدبر، ومن جرى عليه بعض ما قد رويتموه لم يصلح للامامة، إذ كان غير مأمون على نفسه، وعلى رعيته، وقد قال الله جل ذكره للامة: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (1)، وقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (2).

 


(1) - سورة النحل، الاية: 43، والاية بتمامها هكذا: (وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحي إليهم فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). كما في سورة الانبياء، الاية: 7.

 (2) سورة النساء، الاية: 83. والاية بتمامها هكذا: (وإذا جائهم أمر من الامن أو الخوف إذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا).