[ 557 ]
(10)
الباب العاشر
[باب تثبيت الوصية والوصايا]
[ 558 ]
[ 559 ]
[ حديث الثقلين وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالامامة والولاية ]
237 - ثم نرجع الآن إلى ما كنا إبتدأنا فيه من تثبيت الامامة والوصاية ونحتج بما لا يدفع من قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي [ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا] ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1).
(1) - الخصائص للنسائي، ص 150 قال: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن سليمان الاعمش،، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة: عن زيد بن أرقم قال: لما دفع النبي صلى الله عليه واله وسلم من حجة الوداع ونزل " غدير خم " أمر بدوحات فقممن ثم قال: " كأني دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ".
وقال الحاكم النيسابوري في المستدرك ج 3 ص 109: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد، حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، حدثنا يحيى بن حماد، وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار، قالا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن حماد، =
[ 560 ]
............................................................................................................................
= وحدثنا أبو نصر بن سهل الفقيه ببخارى، حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، حدثنا خلف بن سالم المخرمي، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة عن سليمان الاعمش، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال: " كأني قد دعيت فأجبت، أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عزوجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن " ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " وذكر الحديث بطوله.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وم يخرجاه بطوله.
وقال في ص 533: أخبرني محمد بن علي الشيباني بالكوفة، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري حدثنا أبو نعيم، حدثنا كامل أبو العلاء، قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى انتهينا إلى غدير خم فأمر بروح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حرا منه فحمد الله وأثنى عليه وقال: " يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط الا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله وأني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده، كتاب الله عزوجل " ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
المناقب للمغازلي، ص 234، والمناقب للخوارزمي ص 93 ومقتل الحسين، ص 47 =
[ 561 ]
238 - وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا إن عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا، ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تدبروا عنا يهلكهم بأيدينا أو بما شاء، [و] معنا راية الحق من تبعها الحق، ومن تأخر عنها محق، ألا وبنا يفتح، وبنا يختم، لا بكم، فإنه عزوجل قد أمر بطاعة أقوام بأعيانهم، والرسول قد دل عليهم، وحظر على المتمسكين بهم أن يضلوا، والدليل على ذلك أن الله قد طبعهم على الخير، وعلمهم ما إحتاجت إليه الامة، فلا يتغيرون وعروبتهم معروفة، فلا يتكلفون ولا يختلفون إلى علماء العامة، ولا يجالسون فقهائها، ولا يتدارسون كتبها، بل ينظرون في علم الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) الذي هو عندهم لا إختلاف فيه، وإنك لتلقى الصغير منهم وتظن أنه غفل عن (في) الآداب والعلوم لحداثته.
ثم إن رمت إمتحانه أو أردت إسترشاده إغترفت من لج بحر عميق مع حسن مواقع مواعظه وصبره على التعليم ورفقه بالقلوب النافرة وعلمه بموضع القبول، وستر ما يجب ستره عن العامة، إذا أجابك لم يخط عليك وإن قال لم يبط.
ثم عنده الفرق بين الامور المشكلة مما تعجز عنه العامة من
= ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 163 والسيرة الحلبية ج 3 ص 274. البيان والتعريف / ج 2 ص 36 ط حلب. وينابيع المودة ص 32 و 40.
[ 562 ]
الاشياء الغامضة الممتنعة، واللطيف الذي يتسكع فيه علماء العامة ما يخرس عنده المشار إليه في العلم، ثم قد ساسوا أنفسهم بالصون و الاجتهاد في العبادة ولم يلتمسوا (1) من حظوظ الدنيا الا ما هو حقهم، ولا مالوا إليها، وحكوا سيرة الكتاب والسنة، وجانبوا سير الملوك والجبابرة، وصارت أعمالهم موازية لعلومهم، فمن أجل ذلك، قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): إني تارك فيكم [الثقلين] ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا [بعدي أبدا ]، فقد علم الرسول أنهم لا يتمسكون. فقال: ما إن تمسكتم بهما !.
ثم دل على الامامة أنها قائمة متصلة محصورة في أهل بيته إلى يوم القيامة، وأن الله تعالى لا يدع خلقة بلا حجة، والايماء من الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كثير فضلا عن التصريح، فإن المطاع يكفيه (2) الايماء ! والرسول قد صرح ودل، ولم يكمن ليوجب، ولا يوجد غير أن علمه بالقوم بعد علم الانبياء، أنهم لا يتمسكون!!
ومن الدليل أيضا، أن القوم على ما ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام): أنهم أحلم الناس صغارا، وأعلمهم كبارا، دعا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عليا (عليه السلام) إلى الاسلام، وهو غلام صغير لا تقوم الحجة على أمثاله من
(1) - وفي " ش ": ولم يتلمسوا.
(2) - في " ش ": دون الايماء.
[ 563 ]
ذوي أسنانه، وهذا عبد الله بن العباس، (1) رأى جبرئيل (2) وهو صغير !، فاغتم رسول الله لذلك، ثم قال: اللهم إجعله في آخر عمره، وذلك أنه نظر إلى جبرئيل فأغمي عليه، فجعله الله حبرا من الاحبار وعمي آخر عمره، ودعا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى أمور لم يدع إليها غيرهم زادهم الله رفعة وعلوا، ولا يروى عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه دعا أحدا إلى التي ذكرناها غيرهم، ولا من كانت طبيعته لا تحتمل الدعاء، وأمثالهم ممن سنه كسنتهم (3) من غير أهله، لا يفرقون بين النبي والمتنبي، وهذا أبين دليل، لان النبي حجة الله الذي لا يليق به دعاء الصبيان إلى الاسلام الذين لا يفرقون بين النبي والمتنبي، ولكن العرق الصالح ينمى، والنسب الثاقب يسري، وتعليم الرسول به ينجع، ومن يتولى النبي تأديبه ويضمن جضانته بوحي من الله، فليس الا باختيار الله إياه، وهذه منزلة لا منزلة ورائها (4).
(1) - هو: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف يكنى أبا العباس المتوفي (68)، حبر الامة مفسر القرآن، أنظر تاريخ الاسلام للذهبي ج 5 ص 148، والمعجم الكبير للطبراني ج 10 ص 232 و 236، وطبقات ابن سعد ج 2 ص 365، والمعرفة والتاريخ للبسوي ج 1 ص 493.
(2) - في " ش ": مرتين.
(3) - في " ش ": كسنهم.
(4) - وفي " ش ": ولا درجة أشرف وحالة أدل على الفضيلة والمنزلة منها.
[ 564 ]
أو دليل آخر، مشى رسول الله والعباس ليحملا الكل عن أبي طالب، ثم اختاروا، فاختار النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عليا، وإختار العباس جعفرا وإختار أبو طالب عقيلا، ففي إختياره ليتخذه ولدا وهو صغير، ثم لما يقع أخا بينه وبين نفسه دليل على عظم شأنه وكبر قدره ومن يقضي عليه رسول الله فراسة مع الوحي فيه لرفيع المكان عالي الشأن فما ينكر من هذا محله وقدره أن يفرق بين النبي والمتنبي، ويكون ممن تقوم حجة الله عليه، وقد نزل عليه جبرئيل في رحله وسمع حسه، وقعد مقعده ورأى أثره، ولا ينكر ممن هذا محله، أن يقوم بأعباء النبوة بعد النبي، إذ كان قد خصه بهذه الاشياء التي لم يختص بها غيره، ونحن فلا ندعي له غير الامامة والوصاية.
وننكر قول الجهال الذين ادعوا لما رأوا من عجائبه، ما إدعته النصارى في المسيح، ! وليست عجائب علي (عليه السلام) كل علاماته حتى لو لم تظهر للناس زالت إمامته، ولكنها زيادة في شهرة أمره، ونباهة إسمه، ولوجوب الحجة على من وقف عليها وعاينها وسمعها، وإنما جعلنا الامامة بعد النبوة، وفي أدنى المراتب، إذ كان الامام ثالث ثلاثة لان على الرسول دعاء الناس إلى الدين، فمن إمتنع ضربه بالسيف حتى يدخله في الدين، فإذا إنعقد عليه أمر الدين، وجب عليه قبول الحق ممن يقيمه مقامه، والامام ليس له أن يدعو إلى نفسه إذ كان مدلولا عليه.
239 - ومن الدليل على إمامته أيضا، أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أوصى إليه (عليه السلام) ولا في فطرة العقل أن يوصي إليه في دينه، وإنجاز مواعيده،
[ 565 ]
ويترك أمر الامة مهملا، لانه لا شئ أعظم عنده خطرا، ولا أجل قدرا من أمر أمته في إرشاده إلى ما فيه صلاحهم ونجاتهم، وتعريفهم الفرق فيما شجر بينهم، وحملهم على مصلحتهم، وليس في فطرة العقل أن يوصي من الصغير في الامر، ويدع الكثير، فكيف إدعوا أنه جعل الامام إلى الامة ليختاروا، وقد علم أن إختيارهم له خير من إختيارهم لانفسهم، وكيف إستجازوا أن يدعوا ذلك ؟ أما علموا ان المحتج إذا إحتج عليهم، فقال:
إدعيتم أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) جعل إختيار الامام إليكم، إنما كان أهل بيته الذين تخلفوا من الامة، فيدخلون في هذا الاختيار، فليت شعري ما الجواب، ؟ ! فقبح الله هذا القول وقبح من إدعاه.
أما علموا أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) معصوم، ؟ والامة جلها غير معصومة والنبي يعمل بالحق، وعامة الامة تعمل بالظن، وقد قال النبي لاصحابه: الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فهذا من يعرفه فيهم، ومن يقف عليه ينزل (1) عليه خبر السماء غدوة وعشية، وقال لهم أيضا:
240 - الا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (2).
(1) - وفي " ش ": ينزل الامر، وينزل عليه خبر السماء.
(2) - قال أحمد بن حنبل في مسنده ح 4 ص 363: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك، قال: سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير يحدث عن جرير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع لجرير: إستنصت الناس، =
[ 566 ]
فاختيار من ينزل عليه خبر السماء، خير من إختيار من خاطبهم الله وقال: (إتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (1)، وهم المنافقون والمرتدون.
فإن قالوا: إن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لم يوص إلى أحد، وخلاهم والكتاب الذي فيه تبيان كل شئ، والسنة التي جعلها أصلا.
فالحجة عليهم أنه قد أوصاهم بالتمسك به وبرجل من عترته يبينه لهم، فإن في القرآن المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، واختلفت الامة في التأويل والتفسير، واحتاجت إلى من يقيمه، ويشرح ما فيه من الحلال والحرام، والمحكم والمتشابه، فاختلفوا، لان القرآن لا يشرح ما فيه، وكيف يأمر (صلى الله عليه واله وسلم) بالوصية، ويدعها ويهمل أمر أمته، وأمر أزواجه وولده، وقد كان قول الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة
= وقال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وفي ص 366، من المجلد مثله. وفيه: حدثنا إسماعيل بن قيس قال: بلغنا أن جريرا قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إستنصت الناس، ثم قال عند ذلك: لاعرفن بعد ما أرى ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
وروى أيضا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي المتوفي (402) في معجم الشيوخ، ص 242.
(1) - سورة الانفال الآية: 25.
[ 567 ]
حسنة) (1)، موجبا للتأسي، فكيف نتأسى بمن يأمر بالشئ، ولا يأتيه ؟ ! وكيف إدعوا على رسول الله، واستجازوا لانفسهم أن ينسبوه إلى تضييع أمر الامة، وتركهم بلا راع يرعاهم، ولا قائم يقيم عليهم الحدود، وقد قال الله تعالى في كتابه: (اليوم أكملت لكم دينكم) (2) والحكم بين عباد الله من دين الله، فان الله قد خاطب نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) فقال: (وان أحكم بينهم بما أنزل الله) (3) وقال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الظالمون) (4) وقال: (إن الذين إرتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) (5).
فكيف إرتدوا الا بعد أن دخلوا في الاسلام، وبعد ما كرهوا من الامر ما أنزل الله، فصاروا بهذا الفعل مرتدين عن الاسلام، ومن يرتد عن الاسلام فقد رجع إلى الكفر ! وقال [تعالى] جل ذكره: (الم تر إلى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن
(1) سورة الاحزاب، الاية: 21.
(2) - سورة المائدة، الآية: 3.
(3) سورة المائدة، الآية 48.
(4) - سورة المائدة، الاية: 45.
(5) - سورة محمد صلى الله عليه وآله الاية: 25.
[ 568 ]
يضلهم ضلالا بعيدا) (1).
فوجدناه جل ذكره، قد بين أن هؤلاء قوم قد دخلوا في الاسلام وادعوا الايمان، ثم ضلوا يتحاكمون إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به.
ولسنا ندري من الطاغوت، غير أنا نعلم أن كل حاكم يحكم بخلاف حكم الله تعالى وحكم رسوله فهو طاغوت، وكذلك من لم يكن ممن قال الله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول والى أولى الامر منكم) (2).
فمن لم يفعل ذلك وتحاكم إلى غيرهم، فقد تحاكم إلى الطاغوت ومن تحاكم إلى الطاغوت فقد خالف أمر الله، ومن خالف أمر الله فقد كفر .
241 - واحتجوا بعد ذلك حيث لم يجدوا حجة بالحديث الذي رووا إن تولوا أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه، وإن تولوها عمر تجدوه قويا في بدنه فإن كانت رواياتهم صحيحة عند بعضهم، فجلهم قد طعن في الحديث من جهة العقل (3) إذ لم يدع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أمر أبي بكر مهملا حتى قال في صفته: ضعيفا في بدنه، لئلا يشتبه أمره على مضعوف فيدخل قلبه وهن، والمجاهد القوي أفضل من المجاهد الضعيف، لان المجاهد لا يكون الا بفضل القوة.
(1) - سورة النساء. الاية: 60.
(2) - سورة النساء. الاية: 59.
(3) - وفي " ش ": النقل.
[ 569 ]
وقيل لهم: زعمتم أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) جعل الامر إلى الامة، فجاءت جماعة من الامة، فاختارت أبا بكر، فينبغي إن كان الامر على ما زعمتم أن يكون أبو بكر يدع الامر من بعده، كما تركه الرسول، ولا يولي عمر، وكان يجب على عمر أن يدع ذلك كما تركه الرسول، ولا يجعل الامر في ستة نفر، ! بل يجعل الامر إلى الامة كلها، ولا يحصره في ستة، ثم لم يرض بذلك حتى أمر بضرب أعناقهم إن لم يبرموا أمرهم، فأبو بكر لم يقتد برسول الله في مذهبهم، و [كذلك] عمر، فلا برسول الله إقتدى، ولا بصاحبه أبي بكر، ! فهؤلاء كلهم قد خالفوا أمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، بزعمهم.
وقام بعد ذلك عثمان بالامر، وعقدوا له البيعة في أعناقهم، ثم إدعوا عليه أنه قد غير وبدل، ثم راودوه على خلعها وتوعدوه بالقتل إن لم يفعل، فقال: ما كنت لاخلع سربالا سربلينه الله !، فلما أبى عليهم قتلوه، فلا أعلم تخليطا أعجب من هذا التخليط الذي لا يشبه أوله آخره، وكيف إدعوا واسجتازوا لانفسهم، أن الرسول أهمل أمرهم، وكلهم إلى أنفسهم، وجعل الاختيار إليهم، وهو عاقل يعرف سريرة القوم و علانيتهم، والقوم جهال لا يميزون بين الصالح والطالح ؟، وكيف يقدرون على إستخراج الافضل والاعلم مع تخلفهم ؟ !، ولا يعرف ذلك الا العالم المستغنى بنفسه، والمعلم الذي هو الرسول !. [تاريخ الذهبي ج 2 ص 446].
فقد أوجبوا في مذهبهم أنهم قد ساووا رب العزة في الاختيار !، وساووا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي عرفه أمر العباد، وقد يجب مع ذلك،
[ 570 ]
إن كان العقد إليهم أن يكون الحل أيضا إليهم، ولا ينكروا ما فعل بعثمان، إذ كان قد خالفهم، هذا لعمري يجب على أهل الدين والمعرفة أن ينظروا فيه بالرأي لا بالهوى، فلعل الله يرشدهم إلى ما هو أرضى عنده ويعرفهم ما كانوا من القوم، وما جرى من العجائب، ثم لا يعلم بين الامة إختلاف، إن الامامة زمام الرياسة وعماد النبوة، وربيطة ما جاء به الرسول وبها تنتظم معاني الطهارة، والعلم، والورع، والزهد، والتقوى، فإن الجماعة لا تكون جماعة الا بالاجتماع على إمام عادل، وما كان الرسول أن يضيع أمر الامة، ويهملهم، ولا يولي عليهم رجلا معروفا مشهورا ليكونوا جماعة من بعده، كما كانوا جماعة في أيامه إذ كان (صلى الله عليه واله وسلم) قد عرفهم وعلم منهم ما لم يعلمه غيره.
وكان من تشديده في إقامة الامام والحض على طاعته، أن قال:
242 - نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها، وبلغها لم يسمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب أمرء مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة الدين المسلمين، واللزوم للجماعة (1).
(1) - قال أحمد بن حنبل في مسنده ج 4، ص 82: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أبي، عن إبن إسحاق، قال: فذكر محمد بن مسلم بن عبيدالله بن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس بالخيف: نصر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها لمن لم يسمعها، فرب =
[ 571 ]
243 - ومن تشديده في ذلك قوله: ليؤمكم أقرؤكم (1) فقد حل قوله (صلى الله عليه واله وسلم): حيث أمر أن يؤمهم أقرؤهم [و] أن لا يقضي بينهم إلا أقضاهم، ثم ذكر الوالي بعده أن يرحم صغيرهم، ويجل كبيرهم، ولا يمنعهم فيئهم، ولا يجعل الاموال دولة بين الاغنياء منهم، ولا يغلق بابه دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، والوالي إذا كان من قبل الله عزوجل، فقد جمع الله فيه ثلاث خصال التي هي يهدي الدليل عليه لئلا يعسر عليه طلبه وتخفى معرفته على الطالب المرتاد، فأولهن القرابة بالرسول المعلن ذكره على الصوامع، والثانية العلم بحاجة الناس، إذ كان قد وضعه لحاجتهم لانه إن لم يكن عنده علم ما تحتاج إليه الامة كان كأحدهم في الجهل، والثالثة، أن يكون مأمونا عليهم وعلى الدين، وإلا لم يؤمن عليهم أن يخرجهم عن الهدى ويدخلهم في الردى، معصوما عن الخطأ والزلل، فإذا كملت خلاله كان مأمونا مأمولا، [وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) ما زال مأموما مأمولا ].
فقد أوجد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنه لابد من إمام، وأوجده أمير المؤمنين عليه السلام والادعاء على الرسول أنه ترك الامر مهملا من أعظم
= حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، وطاعة ذوي الامر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من ورائه.
(1) - راجع فتح الباري للعسقلاني ج 2، 239 وفيه: أكبركم.
(2) - وفي " ش ": لا يزال في ولدي. وما بين المعقوفين لم يكن في " ح ".
[ 572 ]
ما إدعوه، وذلك أنه لم يفتتح بلدة قط فتركها طرفة عين ولا بعث سرية فتركها بلا وال يوليه عليهم، ولا خرج عن المدينة في وجه من الوجوه الا خلف عليهم من يقوم بشأنهم إشفاقا عليهم وكراهة لتشتتهم واضطرابهم، فكيف أجزتم أن تنسبوه إلى تضييع أمر أمة عند خروجه عن الدنيا، وقد كان عرف طمع المنافقين في هذا الامر، ووقف على اختلاف كلمتهم، وكيف يصلحون مهملا وقد كان (صلى الله عليه واله وسلم) مواد السماء تأتيه فإن هفوا (1) تداركهم، وإن غلطوا ردهم، وإن جهلوا علمهم، وإن شكوا وقفهم، وإن زلوا قومهم، (وإن غيروا وبدلوا نبههم) (2) إبقاء على دهمائهم، ونظرا لجماعتهم، وكان صلى الله عليه واله وسلم، في رأفته ورحمته، كما ذكره الله في كتابه حيث قال: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) (3).
244 - فمن هاهنا قال (صلى الله عليه واله وسلم): إختلاف أمتي رحمة أي إختلافهم إلي رحمة لهم ما دمت حيا بين ظهرانيهم ليردوا الامر إلي حتى أقوم ميلهم، وأقفهم (4) على الطريقة الواضحة.
(1) - من هفا يهفو هفوة، والهفوة: الزلة، الصحاح للجوهري، ج 6 ص 2535.
(2) - كذا في نسخة " ش " و " ح " وفي ش: غير لهم.
(3) - سورة التوبة: الاية: 128.
(4) - وفي " ح ": فاقيم. وفي " ش ": وأقف بهم.
[ 573 ]
فكما لم يدع تولية الوالي في حياته، وروادهم (1) تأتيه بتقويمه لهم في إختلافهم، ويردون (2) عليه فلا يغفل عن تقويمهم [وإن غفلوا] ولا يدع ملامتهم وإن زهدوا، كذلك لم يدعهم بعد وفاته.
فكيف إستجازوا أن يعرفوه بأنه أهملهم بعد وفاته وتركهم بلا وال من قبله والحاجة إلى الوالي بعد وفاته أشد، إذ لم يكن لهم من يقيمهم إذا اختلفوا، وكان على الاختيار لهم أقدر، ولا سيما وهو على الانتقال من دار الدنيا، وذلك آخر عهده بامته الذين لم يألها منذ ولاه الله أمرها، (3) نظرا وعطفا ولينا وتأدبيا، وسنته في وفاته كسنته في حياته، وذلك إنا لم نر ولم تر الامة شيئا من سنة يغفلها مهملا بل لم يزدها الا تأكيدا، ومن المحال أن يترك الامة ويهمل أمرها حتى تختلف وتعمل بآرائها، فيقع التفاوت والاختلاف، وقد نفى الله ذلك عن نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) فقال: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) (4) ووصفه جل ذكره فقال: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (5)، فإذا وقع الاختلاف، فكل فرقة تقول بما تهوى، وعلى هذا تبطل سنة الرسول، وتثبت سنن الامة المختلف فيها، [كذا ].
(1) - وفي " ش ": وزوائده تأتيه.
(2) - وفي " ش ": ويرده عليهم.
(3) - وفي " ح ": أراد الله.
(4) - سورة يونس، الاية: 15.
(5) - سورة النجم، الاية: 3 و 4.
[ 574 ]
245 - وقد إحتجوا لذلك ورووا، أن سنن الانبياء بخلاف سنن الرسول، إذ كانت الانبياء كلها لم تدع [يدعوا] أمر أممهم مهملا بل إستخلفوا عليهم هذا، وقد علموا أنه سيكون بعدهم أنبياء، فكيف إستحلوا أن ينسبوا خاتم الانبياء، ومن كان تاريخهم، ومن ختمت به النبوة في ترك الاستخلاف وليست أمة أحوج إلى وصي وإمام من هذه الامة، إذ كان (صلى الله عليه واله وسلم) خاتم الانبياء !.
وهذا آدم أوصى إلى هابيل، فلما قتل هابيل أوصى إلى شيث، وأوصى نوح إلى سام إبنه، وأوصى إبراهيم إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، [وأوصى يوسف إلى موسى] (1) وأوصى موسى إلى هارون، فلما مات هارون أوصى لى يوشع، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف، و أوصى عيسى إلى شمعون !.
فكيف أقررتم بوصية الانبياء كلهم وجحدتم وصية خير الانبياء و قد أمره الله تعالى بالاقتداء بهم في الاستخلاف، فقال: (أولئك الذين هداهم الله فبهداهم إقتده) (2)، ولم يكن (صلى الله عليه واله وسلم) يهتدي في الاشياء كلها، ويدع القدوة بهم في الاستخلاف وحده، ويخالفهم، فمن وصفه (صلى الله عليه واله وسلم) أنه مضى ولم يستخلف خليفة، فقد وصفه بتضييع أمر
(1) - ما بين لمعقوفتين لم يكن في " ح " و " ش ".
(2) - سورة الانعام، الاية: 90.
[ 575 ]
الامة وتعطيل الحدود والاحكام، وإحياء أمر الجاهلية وهو بخلاف هذه الصفة (1) (فإن نبينا (صلى الله عليه واله وسلم) لم يمت حتى ورث علمه وصيا [كذا] يقوم مقامه، (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (2).
246 - ومن الدليل قول الله جل ذكره: (وإذا جائهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول والى أولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (3).
فقد دل بصراحة على أولى الامر منهم في حياة رسول الله، وأشار إليه واحتجوا بحجة واهية جدا !، فقالوا: إن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لم يوص، إذ
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 212، في كتاب الوصايا: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ترك الوصية عار في الدنيا، ونار وشنار في الاخرة. قال: رواه الطبراني في الصغير والاوسط.
وعن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين سوداوين وعنده ما يوصي فيه الا وصيته مكتوبة "، رواه أبو يعلى في الكبير. وفي الحديث: " من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية ".
أنظر وسائل الشيعة للحر العاملي، ج 19 ص 259، كيف لم يوص ؟ ! وقد قال صلى الله عليه واله وسلم: " من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية "، " ومن مات بغير وصية مات ميتة جاهلية ". الرسائل لعشر للشيخ الطوسي ص 317.
(2) - سورة النساء، الاية: 165.
(3) - سورة النساء، الاية: 83.
[ 576 ]
كان لا مال له، وهذه عليهم، لان عامة الانبياء الذين أوصوا لم يكن لهم مال فالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) أكثرهم مالا، إذ كان حقه في الخمس قائما في كل مغنم إلى يوم القيامة، بفرض من الله، وكانت عليه ديون وعليه عدات. وهو مع ذك أولى بالمؤمنين من أنفسهم يقوم لهم مقام الوالد البر. ووصية الرسول مع ذلك لا تدفعها حجج العقول بل توجبها، وليس لاحد أن ينكر ذلك، وقد إدعاها علي (عليه السام) لنفسه، وإدعاها ولده وأهل بيته قاطبة، وجاءت شيعته تدعيها له مع ما قد جاء في ذلك من الحديث ورواية الفقهاء من المرجئة والعثمانية وهم مع ذلك يقرون غير أنهم لا يفقهون.
247 - أليس قد روت فقهائهم عامة ما قد حكيناه أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، قال: من يقضي ديني وينجز موعدي فهو معي في درجتي ؟ ! (1) هل قضى دينه أحد غير وصيه ؟
(1) - قال أبو جعفر الطبري العامي في تهذيب الاثار ج (مسند علي بن أبي طالب) ص 60 حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا يحيى بن آدم قال: قلت لشريك: ما تقول في الرجل يقول لورثته: من يضمن عني ديني ؟ ضمنه بعضهم ولا يسمى. فقال: من أجازه فهو أحسن قولا ممن لم يجزه.
حدثنا الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد، عن علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن عني ديني، ويقضي عداتي، ويكون معي في الجنة ؟ أو نحو ذا قلت: أنا.
وحدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا الاسود بن عامر، قال: حدثنا شريك، عن =
[ 577 ]
248 - أليس قال النبي (صلى الله عليه وله وسلم): لا يؤدي عني الا علي ؟.
249 - أليس روى حذيفة بن اليمان، وأبو سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، أنه خير الناس وخير الاوصياء ؟، أليس زعمتم أن العباس عم رسول الله، نازع عليا في تركة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حتى ظلمه ؟ !.
حدثه الرافعي محمد بن عبد الله بن رافع عن أبيه أبي رافع، أنه كان عند أبي بكر، إذ جاء علي والعباس، فقال العباس: أنا عم رسول الله و وارثه، وقد حال علي بينه وبين تركته، فقال أبو بكر: فأين كنت يا عباس ؟ حين جمع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بني [عبد] المطلب، وأنت أحدهم، فقال: أيكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي وينجز عدتي ويقضي ديني ؟، فقال له العباس: بمجلسك [هذا] تقدمته وتأمرت عليه، فقال أبو بكر: أغدرا يا بني عبد المطلب ؟ !.
ثم رويتم أنهما إرتفعا من بعد أبي بكر إلى عمر، فقال عمر: أخرجوهما عني قد فهمت يا بني عبد المطلب، وإنما تنازعا عنده
= الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الاسدي، عن علي قال: لما نزلت هذه الاية: (وأنذر عشيرتك الاقربين) قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته، فاجتمعوا ثلاثين رجلا، فأكلوا وشربوا، وقال لهم: من يضمن عني ذمتي ومواعيدي، وهو معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي ؟ قال: فعرض ذاك عليهم، فقال رجل: أنت يارسول الله كنت بحرا، من يطيق هذا ؟ حتى عرض على واحد واحد، فقال علي: أنا.
[ 578 ]
ليعرف القاعد ذلك المقعد لا حق له في ذلك المجلس، وأنه لهما ولم يرض به أحد منهما حكما بل ليقف على ظلمه لهما، كما أن الملكين صارا إلى داود (عليه السلام)، فقال: (خصمان بغى بعضنا على بعض فأحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب،) فقال داود (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) (1) فلما حكم لاحد هما على الاخر طارا، فأسقط في يد داود فعرف ما أرادا، وعلي والعباس إنما تظلما إلى أبي بكر ثم عمر ليعرفا ظلمهما لا أن بينهما إختلافا والحمد لله.
250 - ونرجع الآن إلى شرح ما كنا فيه من أمر الوصية، وتثبيت الامامة، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): إني تارك فيكم الثقلين، و قال (صلى الله عليه واله وسلم): إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(2).
(1) - الايتان 22 و 23 من سورة ص.
(2) - قال محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص 20: عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها غرق " أخرجه الملا في سيرته.
وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 9 ص 171: كما ذكر الحافظ السيوطي في " إحياء الميت " وفي " الجامع الصغير " ص 480 ط مصر كما ذكر ابن حجر الهيتمي في =
[ 579 ]
فقد دل النبي على قوم بأعيانهم، وقال صلى الله عليه واله وسلم: أهل بيتي أمان لامتي (1) فأهل بيته هم الذين حرم الله عليهم الصدقة، وقد قال الله جل ذكره: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (2).
فمن سلك صراط الله المستقيم، واتبع نوره المنير، خرج من الشبهات، والاختلاف، والحيرة والضلالة، وصار إلى مستقر الامن وضياء
= " الصواعق المحرقة " ص 184 ط مصر، وكنز العمال، ج 12 ص 94 و 95 و 98 و " ينابيع المودة " ص 187 و 193، وأبو نعيم الاصبهاني في " حلية الاولياء " ج 4 ص 306 والعلامة النبهاني في " الفتح الكبير " ص 133 ط مصر والعلامة محمد بن يونس التونسي في " السيف اليماني المسلول " ص 9 ط الترقي بشام. والعلامة الامر تسري في " أرجح المطالب " ص 330 ط لاهور والحافظ الدولابي في " الكنى والاسماء " ج 1 ص 76 أنظر إحقاق الحق ج 9 ص 270 وذكر أيضا الطبراني في المعجم الصغير ج 1 ص 157.
(1) قال الحاكم النيسابوري في المستدرك ج 3 ص 149: حدثنا مكرم بن أحمد القاضي، حدثنا أحمد بن علي الآبار، حدثنا إسحاق بن سعيد بن أركون الدمشقي، حدثنا خليد بن دعلج أبو عمرو السدوسي، أظنه عن قتادة، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: النجوم أمان لاهل الارض من الغرق وأهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب أبليس. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
أقول: للمزيد من التفصيل راجع إحقاق الحق ج 9 ص 294.
(2) - سورة الانعام، الاية: 153.
[ 580 ]
القوم، ومعدن الخير، وموضع الرسالة، ومقر الرحمة، والرأفة، والهدى وأمان الامة، وسفينة النجاة، ودار السلامة والاسلام، وولاية المهتدين واتباع الصادقين وأحساب العالمين (1) والتسمك بحبل المؤمنين عصمنا الله من الزيغ.
251 - ثم لم نجد أحدا أكذب عليا (عليه السلام) في عصره ولا ادعاها لغيره ولا لنفسه، إلا أن يكون معاندا مريدا.
ثم قول سلمان (رضي الله عنه) للنبي (صلى الله عليه واله وسلم): أنه لم يكن نبي قط الا وكان له وصي، قال: فمن وصيك ؟، فسكت عنه مليا، ثم لقيه فقال له: يا سلمان من كان وصيي موسى ؟ فقال: يوشع بن نون، قال: لم أوصى إليه ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: لانه خير من ترك بعده، ثم قال: هل تدري من وصيي من بعدي ؟ قال: لا، قال: علي أخي ووصيي في أمتي، وإبناه سبطا هذه الامة سميتها باسم إبني هارون شبرا وشبيرا، والدليل قائم أن النبي ضمنه الوفاء بعداته، وقضاء ديونه، ودفع إليه سيفه ودرعه ونعليه وخاتمه.
252 - ومن الدليل أيضا، على أن عليا (عليه السلام) هو المخصوص بالامامة والخلافة، والوصية، وأنه كان أرضا لها وسماء، إذ كان نفس رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، أن القوم ما ساروا إلى رسول الله، ليحاجوه في المسيح أنزل الله: (قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم
(1) - وفي " ح ": وإفتداء.
[ 581 ]
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل، فنجعل لعنت الله على الكاذبين) (1)، دعا أهل بيته، وكان علي من نفس رسول الله، وكان هاشمي الوالدين، وكان أشبه الناس برسول الله، لانه لم يعبد وثنا قط، ولا حجرا من دون الله كما عبده من قعد مقعده، ولا أكل ربا، ولا ذبح لغير الله ولا أكل منه، وكان مبرأ من الاقذار، مطهرا من الآفات، لم يدنس بالريب، ولم يولد من سفاح، ولا كانت أمه جدته صاحبة راية ولا كانت ممن ينتابها الفساق، (2) بل هو كما قال الله: أولئك هم المطهرون.
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): لم يمسني سفاح أهل الجاهلية، ولم أزل أنقلب من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، فليس لاحد أن يدعي الطهارة الا من جرى مع رسول الله إلى عبد المطلب الذي هو جده، وجد أهل بيته، ولا يصلح للامامة الا من هذه صفته، وكان قلبه كما وصف الله قلب ابراهيم (عليه السلام)، حيث قال: (إذ جاء ربه بقلب سليم) (3)، هكذا صفة من إختصه الرسول ورباه، ونشأ على أدبه، وهديه وخلقه.
253 - ثم هذا علي أول الناس إسلاما، وآخرهم هجرة، واحتمل مكروه الوصية، ونهض بأعباء الامامة، وصبر في دار الكفر مظلوما مقهورا محتسبا، وكان مفتاح الامر وخاتمته، ولما أراد الله أن يشهر أمره
(1) - سورة ال عمران، الاية: 61.
(2) - إشارة إلى حمامة جدة معاوية لانها كانت صاحبة راية في الجاهلية.
(3) سورة الصافات، الاية: 84.
[ 582 ]
بالفضيلة، إختصه بها ليكون علما للطالب، إذ كان مدلولا عليه، ولم يكن الله ليدع عباده والجهل، لانه ليس للجهل سواهم، ولا للهلكة أنشأهم، ولم يكن ليدلهم على الاسلام والصلاح، وهو يريد إفسادهم، وإن هذا غير جائز على الله أن يدع العباد ولا يدلهم على الصلاح إذ كانت عقولهم لا تبلغ جميع مصالحهم في دنياهم، فكيف يصلح لامر الدين ! ؟، وإذا كانوا عاجزين عن أمر الدنيا فهم عن الدين أعجز، ولولا ذلك لكان إرسال الرسل ايهم فضولا وخطأ، وإذا كانوا عاجزين عن العلم بمصلحة أبدانهم في دنياهم، فهم عن المستنبط بالقياس مما لا تدركه الحواس، وعن المؤجل الذي لا يعرف بالمعجل وعن الخفي الذي [لا] يعرف بالظاهر أعجز ؟ !، فكيف لو وقفوا على غامض الدين من التعديل والتجويز، ومعرفة ما يجوز على الله، ومما لا يجوز ؟ وعلى الفرق بين الكهنة والرسل، وبين النبي والمتنبي، وبين الكاذب من الاخبار وبين الصحيح (1)، وكيف يفصل بين التأويل في الوعد والوعيد، والاسماء والاحكام، وبين العلم بالحلال والحرام، وكيف يخفى على ذي عقل أن الناس لا بد لهم من قيم يعرفهم مصالح دينهم، فالرسول قد أقامهم على جملة أمرهم، وأقام لهم الامام ليدلهم على ما يختلفون فيه من بعده وعليه التفصيل.
فالامر بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) راجع إلى الامام المدلول عليه بعد أن يطاع ويؤخر له، لان الرسول (صلى الله عليه واله) يشرع الشريعة ويخبر بالجملة،
(1) - وفي " ح " و " ش ": وبين العقل طباعا وهوى.
[ 583 ]
والامام يشرح من بعده للامة ما يختلفون فيه، ولولا أن في وسع الناس قبول الارشاد، وضبط التلقين لكانوا هملا ولسقط عنهم الامر والنهي، ولو أن الناس لم يكونوا مطبوعين على تلقي العلم من المؤدبين، ولم يكن لادراك الحواس من أثر ما كان بينهم وبين البهائم فرق، وإذا كان الجهل بالمصالح وغلبة الطباع وشره الشهوات على الناس غير مأمون، فلابد لهم في كل دهر من قيم عليم ومعرف حكيم لاقامتهم على مصالحهم التي لا تبلغها عقولهم، و [أما] الامام فلا يجوز أن يكون محتاجا إلى غيره، ولا مضطرا إلى من يقيم إوده وإذا كان ناقصا كان كمن حكم بتلك الاحكام التي قد شرحناها من قبل، وكمن أتى بإمرأة حبلى من غير زوجها فأمر برجمها ورجم ما في بطنها ! حتى قال له أمير المؤمنين (عليه السلام): هذه قد ظهر جرمها، فما جرم ما في بطنها ؟ ! فقال: لولا علي لهلك عمر.
وقد يجب على الامة أن تعلم أن الناقص لا يجوز أن يكون اماما بعد الرسول لان الله قد إختار خيرة من خلقه، واصطفى صفوة من عباده فأرسل الرسول، وجعله خير خلقه وفرض الفرائض وأقام الامام على هديه ولم يكن ليهملهم، روى ذلك رواتهم وفقهائهم:
254 - فمن ذلك ما رواه عباد بن يعقوب الاسدي (1) ومحرز بن هشام
(1) - هو: عباد بن يعقوب الاسدي الرواجني أبو سعيد الكوفي، الشيعي امتوفى (250).
أنظر تهذيب الكمال ج 14 ص 175، ومعجم رجال الحديث ج 9 ص 218، ط بيروت.
[ 584 ]
قالا: حدثنا السدي (1) عن عبد الله السلمي (2) قال: دخلت أنا والعلاء ابن هلال، على أبي إسحاق السبيعي، حين قدم من خراسان، فقلت حدثني أخوك أبو داود السبيعي، عن بريدة الاسلمي، (3) أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أمرهم أن يسلموا على علي (عليه السلام) بأمرة المؤمنين، فقال عمر بن الخطاب: أمر من الله أم من رسوله ؟ ! فقال (صلى الله عليه واله وسلم): أمر من الله ومن رسوله.
255 - وروى المنقري: قال: حدثنا صفوان بن يحيى، عن عاصم ابن جميل، عن فضيل قال: حدثني عمران، قال كنت أنا وأخي بريدة عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فدخل أبو بكر، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): يا أبا بكر سلم على علي (عليه السلام) فإمرة المؤمنين، فقال أبو بكر: أمر من الله أم من رسوله ؟ ! فقال (صلى الله عليه واله وسلم): من الله ومن رسوله.
ثم جاء عمر، فقال (صلى الله عليه واله وسلم) له سلم على علي بإمرة المؤمنين فقال عمر: أمر من الله أم من رسوله ؟ فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من الله ومن رسوله.
(1) - هو: إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي كريمة السدي، أبو محمد القرشي الكوفي الاعور، المتوفى (127)، أنظر تهذيب الكمال ج 3، ص 132، رقم: 462.
(2) - هو: عبد الله بن حبيب بن ربيعة أبو عبد الرحمان السلمي الكوفي المتوفى (74).
أنظر تهذيب الكمال ج 14، ص 408، رقم: 3222.
(3) - هو: بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن أسلم الاسلمي أبو عبد الله، المتوفى (63)، أنظر تهذيب الكمال ج 4، ص 53 رقم: 661.
[ 585 ]
ثم جاء سلمان، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): سلم على علي بإمرة المؤمنين، فسلم، فسلم، ثم جاء عمار، فقال له سلم على علي بإمرة المؤمنين فسلم ثم جلس، فأقبل علينا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بوجهه فقال: أنني قد أخذت ميثاقكم على ذلك كما أخذ الله ميثاق بني إسرائيل حيث قال لهم: (ألست بربكم قالوا بلى) (1) وسألتموني أنتم، أمن الله أم من رسوله، فقلت: من الله ومن رسوله !.
أما والله لئن أبغضتموه لتكفرن، أما والله لئن أبغضتموه لتكفرن مرتين.
فخرجوا من عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، ورجل من القوم يضرب بأحدى يديه على الاخرى ويقول: كلا ورب الكعبة، فقلت: يا أبا داود من ذلك الرجل ؟ فقال: إنك لا تحتمله، وجابر من خلفي يغمزني، أي سله، فالححت عليه، فقال: هو الاعرابي.
256 - قال: وحدثنا يوسف بن كليب المسعودي، قال: حدثنا يحيى بن سالم العبدي، قال: حدثنا الصباح المزني (2)، عن العلاء بن
(1) - سورة الاعراف، الاية: 172.
(2) هو: صباح بن يحيى أبو محمد المزني الكوفي المتوفى () أنظر رجال النجاشي ج 1 ص 446 رقم: 535 ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج 9 ص 96 رقم: 5885 وقاموس الرجال للتستري ج 5 ص 481 رقم: 3666 والجرح والتعديل ج 4 ص 442 رقم: 1941.
[ 586 ]
المسيب (1).
عن أبي داود، (2) عن بريدة الاسلمي، (3) قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن نسلم على علي بإمرة المؤمنين، ونحن تسعة وأنا أصغر القوم يومئذ (4).
257 - وروى البزاري، قال: حدثنا محمد بن الحرث بن بريد، عن روح بن القاسم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.
عن حذيفة بن اليمان، قال: دعانا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى بيعة علي بن أبي طالب يوم غدير خم، فلما بايع الناس إتكأ رجل قد سماه علي المغيرة بن شعبة ثم انطلق يتمطى وهو يقول: والله ما نقر لعلي بن أبي طالب بولاية، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) (ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى) (5)، فصعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهو يريد البرائة منه
(1) - هو: العلاء بن المسيب بن رافع الاسدي الكوفي المتوفى () أنظر تهذيب الكمال ج 22 ص 541 رقم: 4588.
(2) - هو: أبو داود السبيعي.
(3) - تقدم اسمه.
(4) - أنظر ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق ج 2 ص 260، وفيه: ونحن سبعة.
و روى العلامة السعدي الخزرجي الشافعي المتوفى بعد سنة (1024) في أرجوزته المسماة بسعدية ص (273) مخطوط أنظر إحقاق الحق للتستري ج 4 ص 287 وج 15 ص 222.
(5) - سورة القيامة الاية 30، قال الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج 2 ص 295 =
[ 587 ]
............................................................................................................................
= ط 1 وفي ط 2 ج 2 ص 390: عن عمار بن ياسر، قال: كنت عند ابي ذر [الغفاري] في مجلس لابن عباس وعليه فسطاط وهو يحدث الناس إذ قام أبو ذر حتى ضرب بيده أي عمود الفسطاط، ثم قال: " أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته باسمي أنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري سألتكم بحق الله وحق رسوله أسمعتم رسول الله يقول: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء ذا لجهة [كذا] أصدق من أبي ذر ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أيها الناس أن رسول الله جمعنا يوم غدير خم ألف وثلاث مائة رجل، وجمعنا يوم سمرات خمسمائة رجل، [وفي] كل ذلك يقول: اللهم من كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
فقام عمر فقال: بخ بخ [لك] يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولا كل مؤمن ومؤمنة.
فلما سمع ذلك معاوية بن أبي سفيان، إتكأ على المغيرة بن شعبة، وقام وهو يقول: لا تقر لعلي بولاية، ولا نصدق محمدا في مقالة.
فأنزل الله تعالى على نبيه: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى، ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى) تهددا من الله تعالى وانتهارا فقالوا: اللهم نعم.
فرات قال: حدثني إسحاق بن محمد بن القاسم بن صالح بن خالد الهاشمي حدثنا أبو بكر الرازي محمد بن يوسف بن يعقوب بن ابراهيم بن نبهان بن عاصم بن زيد بن طريف مولى علي بن أبي طالب حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني حدثنا سلمة بن الفضل، عن أبي مريم، عن يونس بن حسان، عن عطية: عن حذيفة بن الفيمان قال: كنت والله جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم [و] قد نزل بنا غدير خم، وقد غص المجلس بالمهاجرين والانصار، فقام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على =
[ 588 ]
وتسميته للناس، وكان له وقت لم يبلغه، فأنزل الله (لا تحرك به لسانك لتعجل به) (1)، فسكت رسول الله.
فهذه روايتهم على أن فقهائهم قد ستروا جل ما روى في أهل بيت النبوة حذرا على دمائهم وخوفا من بني أمية، والذي بقي منه في أيدي العامة القليل النزر، ونحن قد كفانا ما حكينا فقد إختار الله جل ذكره لهم الخيار، وبقي من لا يصلح للامامة، فجروا إلى الجحود حبا للدنيا، وجحدوا صاحب الحق حقه، ومن جحد الحق لزمه إسم الجحود والجاحد للحق مقيم للباطل، والمقيم للباطل كافر.
وقد روى فيمن جحد عليا حقه ما نحن ذاكروه.
258 - روى أبو محمد الهاشمي، قال: حدثنا ابراهيم بن سليمان العطار الصائدي، قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس، قال: صمتا كما عميتا إن لم أكن سمعت رسول الله يقول: جاحد علي حقه يجيئ يوم القيامة في عنقه طوق من حديد فيه
= قدميه فقال: " يا ايها الناس إن الله أمرني بأمر فقال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك) ثم نادى علي بن أبي طالب فأقامه عن يمينه ثم قال: يا أيها الناس ألم تعلموا أني أولى منكم بأنفسكم ؟ قالوا: اللهم بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
(1) - سورة القيامة، الاية: 16.
[ 589 ]
ثلاثمائة قرنة في كل قرنة شيطان يبزق في وجهه ويكلح (1) في وجهه، فهذا شأن من جحد عليا حقه فقد خرج من الايمان إلى الكفر (2).
ونحن نسألهم بعد ما إحتججنا عليهم بهم عن كل من ولي الامر من بر أو فاجر ممن أطاع الله أو عصاه، هل تجوز طاعته ؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: هذا خلاف أمر الله، لان الله يقول: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) (3).
ويقول: (قاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله) (4).
وأنتم تأمرون بطاعتهم وتدعون إليها، ثم يقال لهم: أليس قد أمر الله المؤمنين بقتال الفئة الباغية ؟ فإذا قالوا بلى، قيل لهم: أليس الباغية هي الظالمة، فإذا قيل بلى، قيل لهم: كيف يجب علينا قتالهم وتجب علينا طاعتهم إذا غلبوا من غير رجوع منهم ولا توبة، فمن هناك وجب علينا
(1) - كلح، أي: عبس، وفي حديث علي (ع): إن من ورائكم فتنا وبلاء مكلحا، أي يكلح الناس بشدته، الكلوح: العبوس. أنظر لسان العرب لابن منظور، ج 2 ص 574.
(2) - قال العلامة الشهير بابن حسنويه في " در بحر المناقب "، ص 64 المخطوط، قال: وبالاسناد يرفعه إلى بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: " من مات ولقى الله جاحد لولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقيه وهو غضبان عليه ساخطا، لا يقبل الله من أعماله شيأ. أنظر إحقاق الحق للتستري ج 6، ص 409.
(3) - سورة التوبة، الاية: 12.
(4) - سورة الحجرات، الاية: 9.
[ 590 ]
قتالهم فمن المحال أن تجب علينا طاعتهم، فإذا قالوا لا تجب علينا بالمعاصي، قيل لهم فأخبرونا عنهم، فإذا حكموا بغير ما أنزل الله، وأمروا بقتال من لا يجب عليه القتل أو بقطع من لا يجب عليه القطع فما الواجب علينا ؟ نطيعهم أو نقاتلهم ؟ فإن قالوا نطيعهم فقد نقضوا قولهم، وإن قالوا: نقاتلهم فقد أخرجوهم من الامامة وهذا نقض لقولهم أطيعوه لو كان عبدا حبشيا، والخيار هو الذي لا يحتاج إلى أحد من الامة وتحتاج إليه لعلمه ومعرفته (1)، فأمره ظاهر، إذ كان الله قد دل عليه ودل عليه الرسول وبرئ من النفاق لقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيه: لاعطين الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله.
ويحبه الله ورسوله (2)، وليس لاحد من الامة أن يشهد لاحد أن الله يحبه ورسوله ويحب الله ورسوله الا لعلي (عليه السلام)، وقد أيد ذلك بقوله (صلى الله عليه واله وسلم): اللهم إئتني بأحب خلقك اليك يأكل معي من هذا الطائر، فأتاه علي (عليه السلام)، فأكل معه، ولا يعلم لاحد من الامة مثلها (3).
وقد يجب على الامة أن تعقل هذا الموضع، ولا تقدم على من
(1) - لله در خليل بن أحمد العروضي إذ قال: إحتياج الكل إليه، وإستغنائه عن الكل دليل على انه امام الكل.
(2) - أورد هذا الحديث أبو حاتم ابن حبان في كتاب الثقات ج 2 ص 12.
(3) - أنظر حديث الطير وطرقه العديدة في ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق ج 2، ص 105 ط بيروت. ومقتل الحسين للخوارزمي، ص 46. قال الخوارزمي: أخرج الحافظ ابن مردويه هذا الحديث بمأة وعشرين أسنادا.
[ 591 ]
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فان الله لا يحب الا الخيار، وقد برئ من النفاق، فإن المنافقين في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كثير لا يعرفهم الا الله ورسوله.
وقد دل رسول الله حذيفة بن اليمان على قوم منهم، وأمره بستر ذلك إبقاء عليهم وكراهة لهتك ستورهم، وأصحاب اعقبة قد كان منهم ما لا خفاء به، وهم جلة أصحاب محمد، وتقدم (صلى الله عليه واله وسلم) إلى حذيفة في شأن الرجلين الجليلين عند الامة أن لا يخبرنا باسميهما (1).
259 - رواه أحمد بن مهدي قال: حدثنا نعيم بن حماد (2) قال: حدثنا هشيم (3) عن مجالد، (4) عن عامر (5)، عن صلة بن زفر (6)، قال:
(1) - سير أعام النبلاء ج 2 ص 362 - 363.
(2) - هو: نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث أبو عبد الله المروزي المتوفى (228) أنظر تهذيب الكمال ج 29، ص 466، رقم: 6451.
(3) هو: هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي المتوفى (183) أنظر تهذيب الكمال ج 30 ص 272 رقم: 6595.
(4) - هو: مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام، كما في نسخة " ح " و " ش " وفي المطبوع كان مجاهد وهو خطأ.
أنطر تهذيب الكمال ج 27 ص 219 رقم: 5780.
(5) - هو: عامر الشعبي كما تقدم.
(6) - هو: صلة بن زفر العبسي، أبو العلاء، ويقال: أبو بكر الكوفي المتوفى () أنظر تهذيب الكمال ج 13 ص 233 رقم: 2902.
[ 592 ]
قلت لحذيفة: أين علمت أسماء المنافقين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ؟ قال: بينا أنا في الحجيج مع رسول الله ليلا، إذ أنا بركب المسلمين، يقولون: إذا أتينا العقبة فعقنا (1) بناقته فيقع عنها فندق عنقه فنستريح منها، فلما سمعت ذلك، أتيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكان نائما جعلت أقرأ وأرفع صوتي حتى إستيقظ فقال من هذا ؟ فقلت: أنا، قال: ما شأنك ؟ فقلت: سمعت فلانا وفلانا وفلانا يقولون كذا وكذا، فقال: إن فلانا وفلانا وفلانا منافقون، أعداء الله وأعداء رسوله فلا تخبرن بذلك أحدا.
260 - وروى الواقدي، قال: حدثني عبد الله بن عبد العزيز، عن عبد الرحمان بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة المازني، عن خلاد بن سويد، عن أبي قتادة في حديث طويل، قال: لما كان رسول الله ببعض الطريق، مر به بعض (2) المنافقين وتناجوا أن يطرحوه عن عقبة في الطريق، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها، فأخبر رسول الله بخبرهم، فقال للناس: أسلكوا (3) بطن الوادي، وسلك رسول الله العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه، فبينا
(1) - وفي " ش " فعسنا.
(2) - وفي " ش ": أناس.
(3) - وفي " ح ": أمسكوا.
[ 593 ]
رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يسير في العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه، فغضب وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم، وقد رأى غضب رسول الله فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن كان في يده (معه) وظن القوم أن رسول الله قد إطلع على مكرهم، فانحطوا عن العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى اتى رسول الله وقد ضاق به (1) فلما خرج من العقبة ونزل الناس، فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لحذيفة: يا حذيفة هل عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم ملثمين، فما أبصرهم من أجل ظلمة الليل، قال: لا (2).
261 - وروى أنهم حين أرادوا ذلك نفروا فسقط بعض متاع راحلته فقال أسيد بن حصين: يارسول الله، قد إجتمع الناس ونزلوا، فمن كان منا يظن برجل من الذين هموا بهذا فيكون الرجل من عشيرته فهو الذي يقتله وإن أحببت والذي بعثك بالحق نبيا لابيتن في هذه الليلة بهم، فلا أروح حتى آتيك برؤوسهم، وإن كانوا منا كفيتكم وإن كانوا من الانصار أمرت سيد الخزرج فكفاك من في ناحيته، فإن مثل هؤلاء لا يتركون، إلى متى تداهنهم ؟ ! وقال: حتى متى تداهنهم ؟، وقد صاروا اليوم في القلة والذلة وقد ضرب الاسلام بجرانه فما تستبقي من هؤلاء يارسول الله ؟ قال: يا أسيد إني أكره أن يقول الناس: إن محمدا لما إنقطعت الحرب بينه
(1) - وفي " ح " و " ش ": فساق به.
(2) - أنظر دلائل النبوة للبيهقي، ج 5 ص 256 والبداية والنهاية لابن كثير ج 5 (3) ص 19.
[ 594 ]
وبين المشركين، وضع يده في قتل أصحابه، فقال: يارسول الله فإن هؤلاء ليسوا بأصحاب، قال: أليس يظرون شهادة أن لا اله الا الله ؟ قال بلى ولا شهادة لهم، قال: أليس يظهرون أني رسول الله ؟ قال: بلى ولا شهادة لهم، قال: فقد نهيت عن قتل أولئك.
262 - وروى الواقدي قال: فحدثني يعقوب بن محمد، عن ربيح بن عبد الرحمان بن أبي سعيد الخدري، (1) عن أبيه، عن جده، قال: كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) ما أردوا ثلاثة عشر رجلا قد سماهم رسول الله لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر.
(1) - هو: ربيح بن عبد الرحمان كما في " ح " و " ش " ابن أبي سعيد الخدري المدني أخو سعيد بن عبد الرحمان، أنظر تهذيب الكمال ج 9 ص 59 رقم: 1852. وفي النسخة كان ربيج بن عبد الله وهو خطأ.
[ 595 ]
263 - قال الواقدي: وحدثني إبن أبي حبيبة، (1) عن داود بن الحصين (2)، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله (3)، عن أبيه، قال: تنازع عمار بن ياسر ورجل من المسلمين في شئ فتسابا، فلما كاد الرجل يعلو عمارا في السباب قال عمار: كم كان أصحاب العقبة ؟ قال: الله أعلم، قال: أخبرني عن علمك بهم، فسكت الرجل، فقال بعض الحاضرين: بين لصاحبك ما سألك عنه، وإنما يريد عمار أشياء قد خفيت عليهم، فكره الرجل أن يحدثه فأقبل القوم على الرجل يسألونه، فقال الرجل: كنا نتحدث أنهم كانوا أربعة عشر رجلا، فقال عمار: فإنك كنت فيهم فهم خمسة عشر، فقال الرجل: مهلا، أذكرك الله أن تفضحني، فقال عمار: والله ما سميت أحدا (4) منهم ولكني أشهد أن الخمسة عشر رجلا، فإثنا عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد، (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) (5).
(1) - هو: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الانصاري الاشهلي المتوفى (165) أنظر تهذيب الكمال ج 2، ص 42، رقم: 146.
(2) - هو: داود بن الحصين القرشي الاموي أبو سليمان المدني المتوفى (135) أنظر تهذيب الكمال ج 8، ص 379، رقم: 1753.
(3) - هو: جابر بن عبد الله الانصاري السلمي أبو عتيق المدني المتوفى (.) أنظر تهذيب الكمال ج 17، ص 23، رقم: 3780.
(4) - وفي " ح ": رجلا.
(5) - سورة غافر، الاية: 52.
[ 596 ]
264 - قال: فحدثني معمر بن راشد، عن الزهري، قال: نزل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن راحلته، فأوحى الله إليه وراحلته باركة، فقامت راحلته تجر زمامها فاقتادها حذيفة حتى رأى النبي جالسا وأناخها، ثم جلس عندها حتى قام النبي فأتاه فقال: من هذا ؟ قال: أنا حذيفة بن اليمان فقال النبي له: فإني مسر إليك أمرا فلا تذكرنه، وذكر أمرهم، أو قال: فذكر أمرا ولم يعلم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ذكرهم لاحد غير حذيفة (1).
265 - وروى يزيد بن هارون (2)، قال: أخبرنا الوليد بن جميع (3).
عن أبي الطفيل (4) قال: ساب رجل عمارا، فقال حذيفة: أو قال عمار: كان الذين تجسسوا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليلة العقبة أربعة عشر رجلا فإن كنت فيهم خمسة عشر.
266 - وروى عبيد الله بن موسى (5) عن الوليد بن جميع، عن
(1) - المغازي للواقدي ج 3 ص 1045 ط بيروت، وفيه نص الحديث: فراجع.
(2) - يزيد بن هارون بن زاذي السلمي أبو خالد الواسطي. تهذيب الكمال ج 32، ص 251.
(3) - هو: الوليد بن جميع الزهري الكوفي المتوفى (.) أنظر تهذيب الكمال ج 31، ص 35، رقم: 6713.
(4) - هو: عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش أبو الطفيل الليثي المتوفى (107) قال المزي: قال مسلم: وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنظر تهذيب كمال ج 14، ص 79، رقم: 3064.
(5) - هو عبيد الله بن موسى بن أبي المختار، مولاهم أبو محمد الكوفي المتوفى (213)
[ 597 ]
أبي الطفيل، عن حذيفة أو عمار، قال: تجسسوا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليلة العقبة الثلاثة وصاحبا البصرة (1) وعمرو بن العاص، وأبو مسعود، وأبو موسى، وقد ذكر جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
فكيف يوقف على أخبار قوم هذه صفتهم، ويعدل بهم قوم قد برأهم الله من النفاق، وأظهر أمرهم لا يعادل بهم، ومن جللهم الرسول، و دعا لهم بإذهاب الرجس عنهم لا يفرق بهم عمن قد شرحنا أمرهم.
267 - وروى عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: حدثتني أم سلمة - حيلولة -.
268 - وروى علي بن قادم (2)، قال: حدثني أبو إسرائيل، عن زبيد اليامي (3) عن شهر بن حوشب (4).
= أنظر تهذيب الكمال ج 19 ص 164 رقم: 3689.
(1) - وفي " ش ": الاول والثاني والثالث وطلحة والزبير.
(2) - هو: علي بن قادم الخزاعي أبو الحسن الكوفي المتوفى (212)، أنظر تهذيب الكمال ج 21، ص 106 رقم: 4122.
(3) - هو: زبيد بن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي أبو عبد الله الكوفي المتوفى (122) أنظر تهذيب الكمال ج 9، ص 289 رقم: 1957. وفي النسخة كان الهامي لعله سهو مطبعي أو من النساخ.
(4) - هو: شهر بن حوشب الاشعري، أبو سعيد، المتوفى (112) أنظر تهذيب الكمال ج 12، ص 578، رقم: 2781.
[ 598 ]
عن أم سلمة، قالت: جمع رسول الله أهل بيته فجللهم، وقال: اللهم هؤلاء أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
فهؤلاء أهل بيته وذريته الذين شهد لهم رسول الله بما أتاهم من علم الكتاب وشهدوا على الناس بما أوتي (1) إليهم من علم الكتاب، وهم أهل الذكر وحملة الكتاب وخزان الوحي، وأمناء الله في أرضه، وحجته على عباده، وهم آل محمد وذريته الباقون من بعد نوح التي بارك الله عليها.
حيث يقول: (ذرية من حملنا من نوح) (2)، فجعل الله بقية الخلق من بعد نوح الذرية التي بارك عليها حيث يقول: (ذرية من حملنا) ويقول: (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) (3)، ويقول: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) (4)، فهذه هي التي جعلها الله في الذرية وقد أنبأنا أنه جعل الكتاب حيث جعل النبوة فقال: (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) (5)، والذكر الكتاب.
269 - وذكر إبن أبي عمير، عن أبيه، عن صالح الاسود، قال: سمعت
(1) - وفي " ش ": بما أنهوا.
(2) - سورة الاسراء الاية: 3.
(3) - سورة الحديد الاية: 26.
(4) - سورة هود الاية: 73.
(5) - سورة الانبياء الاية: 24.
[ 599 ]
محمد بن عمر، قال: (ذكر من معي) نحن و (ذكر من قبلي) هم ؟ ! فهل يستقيم لاحد إتبع الكتاب من يهود أو نصارى من قبائل العرب وشعوب العجم أن يقولوا: نحن صفوة الله دون آل عمران، ونحن الذين أوتوا الكتاب دونهم، ونحن أعلم بالكتاب منهم، فمن قال ذلك كذبه القرآن، قال الله تعالى: (ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب) (1) وقال: (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا) (2).
فقد بين لكم أنه إصطفى آل عمران، وأنه أورثهم الكتاب من بعد موسى وجعل منهم أئمة يهدون بأمره، ثم بين في الكتاب أنه إصطفى آل ابراهيم وآل عمران وأنهم ذرية بعضها من بعض، ثم قال: في هذه الامة (ثم أورثنا الكتاب إصطفينا من عبادنا) (3)، فمنهم يعني آل محمد خاصة ورثة الذين ذكرنا، وذكر إبراهيم بن يحيى الثوري، قال:
270 - حدثنا صفوان بن مهران (4) قال: سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام)
(1) - سورة غافر الاية: 53.
(2) - سورة السجدة، الاية: 24.
(3) - سورة فاطر، الاية: 32.
(4) - هو: صفوان بن مهران الجمال أبو محمد الاسدي الكوفي المتوفى (.) أنظر معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج 9 ص 121 رقم: 5921. وقاموس الرجال للتستري ج 5، ص 502 رقم: 3684.
[ 600 ]
فقال: بأبي وأمي أنتم، بم فضلتم على غيركم من بني أبيكم ؟ قال: بأربع، قال: وما هي ؟ قال: لنا من الله الطهارة، وذلك قوله [تعالى ]: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1) ولنا من رسول الله الولادة، ولنا من كتاب الله الوراثة، وذلك قوله: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (2)، ولنا الانفال خاصة لا يدعي فيها إلا كذاب ولا يمنعناها الا ظالم، وقد قال: رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): ما ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه الا لم يزل أمرها يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا.
271 - وروى محمد بن النعمان بن عبد السلام، قال: حدثنا مسدد (3) عن خالد بن عبد الله الواسطي (4) عن أبي علي حسين الرحبي (5) عن عكرمة (6).
(1) - سورة الاحزاب، الاية: 33.
(2) - سورة فاطر: الاية: 32.
(3) هو - مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مرعبل الاسدي أبو الحسن البصري المتوفى (228) أنظر تهذيب الكمال ج 27، ص 443، رقم: 5899.
(4) - تقدمت ترجمته.
(5) - هو: الحسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي المتوفى (.) أنظر تهذيب الكمال ج 6، ص 465، رقم: 1330.
(6) - هو: عكرمة القرشي الهاشمي أبو عبد الله المدني التوفى (104)، مولى عبد الله بن
[ 601 ]
عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): ما من قوم أمروا أميرا وفيهم من هو أرضى عند الله منه الا خانوا الله وكتابه ورسوله والمؤمنين.
272 - قال وحدثني إبراهيم بن ميمون (1) وعثمان بن سعيد (2)، قالا: حدثنا علي بن عابس (3) عن الحارث بن حصيرة (4) عن القاسم بن جندب (5)، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أسكب لي وضوء أتوضأ، ثم قام فتوضأ، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال:
= عباس. أنظر تهذيب الكمال ج 20، ص 264، رقم: 4009.
(1) - هو: ابراهيم بن محمد بن ميمون الكوفي، أنظر الجحر والتعديل ج 2، ص 128، رقم: 400.
(2) - لم يعلم رويته عن علي بن عابس.
(3) - هو: علي بن عابس الاسدي الازرق الكوفي الملائي، بياع الملاء، أنظر تهذيب الكمال ج 20 ص 502 رقم: 4093. وفي " ح " أيضا: عابس، وفي المطبوع عائش وهو خطأ.
(4) - هو: الحارث بن حصيرة الازدي أبو النعمان الكوفي، أنظر معجم رجال الحديث ج 4، 192، رقم 2463. وتهذيب الكمال ج 5، ص 224، رقم: 1015. والجرح والتعديل ج 2، ص 72، رقم: 331.
(5) - لم أجد له ترجمة الا أن المزي قال في تهذيب الكمال ج 5 ص 225 في ترجمة الحارث: روى عن القاسم بن جندب. كما وقع في طريق أبو نعيم والخوارزمي وابن عساكر.
[ 602 ]
يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين، [قال أنس ]: قلت: اللهم إجعله رجلا من الانصار، وكتمته، إذ جاء علي، فقال: من هذا يا أنس ؟ قلت: علي، فقام مستبشرا فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرقه بوجهه، ويسمح عرق وجهه بوجه علي، فقال علي: يارسول الله، لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعته بي قط، قال: وما يمنعني ؟ وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما إختلفوا فيه من بعدي، وهذا من طريق أنس بن مالك (1).
(1) - روى الحديث أبو نعيم الاصبهاني في حلية الاولياء ج 1 ص 63، وأورد الخوارزمي أيضا على نحو ما ورد في المتن في المناقب ط النجف، ص 42، كما روى إبن عساكر في ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق ج 2، ص 259.