خذلان عائشة :

و روى محمد بن عبد الله عن عمرو بن دينار قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه محمد خذ الراية و امض و علي (عليه السلام) خلفه .

فناداه يا أبا القاسم ؟

فقال : لبيك يا أبة .

فقال : يا بني لا يستفزك ما ترى ; قد حملت الراية و أنا أصغر منك فما استفزني عدوي و ذلك إنني لم ألق أحدا إلا حدثتني نفسي بقتله فحدث نفسك بعون الله بظهورك عليهم و لا يخذلك ضعف النفس باليقين فإن ذلك أشد الخذلان .

قال : فقلت ; يا أبة أرجو أن أكون كما تحب إن شاء الله .

قال : فالزم رأيتك , فإذا اختلطت الصفوف قف في مكانك و بين أصحابك فإن لم تر أصحابك فسيرونك .

قال : و الله إني لفي وسط أصحابي فصاروا كلهم خلفي و ما بيني و بين القوم أحد يردهم عني و أنا أريد أن أتقدم في وجوه القوم فما شعرت إلا بأبي من خلفي قد جرد سيفه و هو يقول لأتقدم حتى أكون أمامك فتقدم (عليه السلام) بين يدي يهرول و معه طائفة من أصحابه فضربوا الذين في وجهه حتى انهضوهم و لحقتهم بالراية فوقفوا وقفة و اختلط الناس و ركدت السيوف ساعة فنظرت إلى أبي يفرج الناس يمينا و شمالا و يسوقهم أمامه فأردت أن أجول فكرهت خلافه و وصيته لي لا تفارق الراية حتى انتهى إلى الجمل و حوله أربعة آلاف

[369]

مقاتل من بني ضبة و الأزد و تميم و غيرهم و صاح اقطعوا البطان .

فأسرع محمد بن أبي بكر رحمه الله فقطعه , و اطلع على الهودج .

فقالت عائشة : من أنت ؟

فقال : أبغض أهلك إليك .

قالت : ابن الخثعمية ؟

قال : نعم ; و لم تكن دون أمهاتك .

قالت : لعمري بل هي شريفة دع عنك هذا ; الحمد لله الذي سلمك .

قال : قد كان ذلك ما تكرهين .

قالت : يا أخي لو كرهته ما قلت ما قلت .

قال : كنت تحبين الظفر و إني قتلت .

قالت : قد كنت أحب ذلك ; لكن لما صرنا إلى ما صرنا إليه أحببت سلامتك لقرابتي منك فاكفف و لا تعقب الأمور و خذ الظاهر و لا تكن لومة و لا عذلة فإن أباك لم يكن لومة و لا عذلة .

قال : و جاء علي (عليه السلام) فقرع الهودج برمحه , و قال : يا شقيراء أ بهذا أوصاك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

قالت : يا ابن أبي طالب قد ملكت فأسجح.

[370]

و جاءها عمار رضي الله عنه فقال لها : يا أماه كيف رأيت ضرب بنيك اليوم دون دينهم بالسيف ؟

فصمتت و لم تجبه .

و جاءها مالك الأشتر رحمه الله و قال لها : الحمد لله الذي نصر وليه و كبت عدوه جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فكيف رأيت صنع الله بك يا عائشة ؟

فقالت : من أنت ثكلتك أمك ؟

فقال : أنا ابنك الأشتر .

قالت : كذبت لست بأمك .

قال : بلى و إن كرهت .

فقالت : أنت الذي أردت أن تثكل أختي أسماء بابنها ؟

فقال : المعذرة إلى الله ثم إليك ; و الله إني لو لا كنت طاويا ثلاثة لأرحتك منه و أنشأ يقول بعد الصلاة على الرسول : طالب قد ملكت فأسجح.

أ عائش لو لا إنني كنت طاويا *** ثلاثا لغادرت ابن أختك هالكا

غداة ينادي و الرماح تنوشه *** بآخر صوت اقتلوني و مالكا

فبكت , و قالت : فخرتم و غلبتم وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً.

و نادى أمير المؤمنين (عليه السلام) محمدا , فقال : سلها هل وصل إليها شي‏ء من

[371]

الرماح و السهام ؟

فسألها , فقالت : نعم وصل إلي سهم خدش رأسي و سلمت منه يحكم الله بيني و بينكم .

فقال محمد : و الله ليحكمن الله عليك يوم القيامة ما كان بينك و بين أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى تخرجي عليه و تؤلبي الناس على قتاله و تنبذي كتاب الله وراء ظهرك .

فقالت : دعنا يا محمد و قل لصاحبك يحرسني .

قال و الهودج كالقنفذ من النبل ; فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبرته بما جرى بيني و بينها و ما قلت و ما قالت ; فقال (عليه السلام) : هي امرأة و النساء ضعاف العقول تول أمرها و احملها إلى دار بني خلف حتى ننظر في أمرها .

فحملتها إلى الموضع و إن لسانها لا يفتر عن السب لي و لعلي (عليه السلام) و الترحم على أصحاب الجمل .

[373]

حرب الجمل