حديث عائشة عن حرب الجمل :

و روى الواقدي عن رجاله العثمانية عن عائشة في ذكر الحال و هزيمة القوم في الحرب و شرح الصورة و رأيها فيما كان من ذلك فقال حدثنا محمد بن حميد عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن أمها كبشة بنت كعب قالت : كان أبي لقي على عثمان حزنا عظيما و بكاه و لم يمنعه من الخروج إلا أن بصره ذهب و لم يبايع عليا و لم يقربه بغضا له و مقتا و خرج علي (عليه السلام) من المدينة فلما قدمت عائشة منصرفة من البصرة جاءها أبي فسلم على الباب ثم دخل و بينها و بينه حجاب فذكرت له بعض أمر و لم تشرحه له فلما أمسينا بعثنا إلى عائشة و استأذنا عليها فأذنت لنا قالت كبشة فدخلت في نسوة من الأنصار فحدثتنا بمخرجها و أنها لا تظن الأمر يبلغ إلى ما بلغ.

ثم قالت لقد عمل لي على هودج جملي ثم ألبس الحديد و دخلت فيه و قمت في وسط من الناس أدعو إلى الصلح و إلى كتاب الله و السنة فليس أحد يسمع من كلامي حرفا و عجل من لقينا بالقتال فرموا النبل و صرعتهم القوم فلا أدرك حتى قتل من أصحاب علي رجل أو رجلان ثم تقارب الناس و لحم الشر و صار القوم ليس لهم همة إلا جملي و لقد دخلت علي سهام فجرحتني فأخرجت ذراعها و أرتنا جرحا على عضدها فبكت و أبكتنا قالت و جعل كلما أخذ رجل بخطام جملي قتل

[379]

حتى أخذه ابن أختي عبد الله فصحت به و ناشدته بالرحم أن يتجافاني فقال يا أماه هو الموت يقتل الرجل و هو عظيم الغنى عن أصحاب على نيته خير من أن يدرك و قد فارقته نيته فصحت وا ثكل أسماء فقال يا أماه الزمي الصمت و قد لحم ما ترين فأمسكت و كان ممن معنا فتيان أحداث من قريش و كان لا علم لهم بالحرب و لم يشهدوا قتالا فكانوا جزرا للقوم فإنا لعلى ما نحن فيه و قد كان الناس كلهم حول جملي فاسكتوا ساعة فقلت خير أم شر إن سكوتكم ضرس القتال فإذا ابن أبي طالب أنظر إليه يباشر القتال بنفسه و أسمعه يصيح الجمل الجمل فقلت أراد و الله قتلي فإذا هو قد دنا منه و معه محمد بن أبي بكر أخي و معاذ بن عبيد الله التميمي و عمار بن ياسر و قطعوا البطان و احتملوا الهودج فهو على أيدي الرجال يرفلون به إذ تفرق من كان معنا فلم أحس لهم خبرا و نادى منادي علي بن أبي طالب لا يتبع مدبر و لا يجهز على جريح و من طرح السلاح فهو آمن فرجعت إلى الناس أرواحهم فمشوا على الناس و استحيوا من السعي فأدخلت منزل عبد الله بن خلف الخزاعي و هو و الله منزل رجل قد قتل و أهله مستعبرون عليه و دخل معي كل من خاف عليا ممن نصب له و احتمل ابن أختي عبد الله جريحا فو الله إني لعلى ما أنا عليه و أنا أسأل ما فعل أبو محمد طلحة إذ قال

[380]

قائل قتل فقلت ما فعل أبو سليمان فقيل قد قتل فلقد رأيتني تلك الساعة جمدت عيناي فانقطعت من الحزن و أكثرت الاسترجاع و الندامة و ذكرت من قتل فبكيت لقتلهم فنحن على ما نحن عليه و أنا أسأل عن عبد الله فقيل لي قتل فازددت هما و غما حتى كاد ينصدع قلبي فو الله لقد بقيت ثلاثة أيام بلياليهن ما دخل فمي طعام و لا شراب و إني عند قوم ما يقصرون في ضيافتي و إن الخبز في منازلهم لكثير و لكني أذهب أعالج الشبع من الطعام فما أقدر فنعوذ بالله من الفتنة و لقد كنت ألبت على عثمان حتى نيل منه ما نيل فلما قتل ندمت و علمت أن المسلمين لا يستخلفون مثله أبدا كان و الله أجلهم حلما و أعبدهم عبادة و أبذلهم عند النائبة و أوصلهم للرحم.

قالت كبشة بنت كعب فرجعت إلى أبي فقال ما حدثتكم به عائشة فأخبرته بما قالت فقال يرحم الله عائشة و يرحم الله أمير المؤمنين عثمان هي كانت أشد الناس عليه و لقد نزعت و تابت و أرادت أن تأخذ بثأره فجاء خلاف ما أرادت فرحمهم الله جميعا ثم قال رحم الله عمر بن الخطاب كان و الله يرى هذا كله قال يوما إن كان يصير اختلاف فإنما يكون بينكم و إن كان بينكم دخل عليكم ما تكرهون .

[381]

حرب الجمل