أسباب بغض عائشة لأمير المؤمنين (عليه السلام) :
و روى عن عمر بن أبان قال : لما ظهر أمير المؤمنين (عليه السلام) على أهل البصرة , جاءه رجال منهم , فقالوا : يا أمير المؤمنين ما السبب الذي دعا عائشة بالمظاهرة عليك ؟ حتى بلغت من خلافك و شقاقك ما بلغت , و هي امرأة من النساء لم يكتب عليها القتال و لا فرض عليها الجهاد و لا أرخص لها في الخروج من بيتها و لا التبرج بين الرجال و ليست ممن تولته في شيء على حال .
فقال (عليه السلام) : سأذكر لكم أشياء مما حقدتها علي ; ليس لي في واحد منها ذنب إليها , و لكنها تجرمت بها علي .
أحدها : تفضيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لي على أبيها و تقديمه إياي في مواطن الخير عليه , فكانت تضطغن ذلك علي فتعرفه منه فتتبع رأيه فيه .
و ثانيها : لما آخى بين أصحابه آخى بين أبيها و بين عمر بن الخطاب , و اختصني بإخوته , فغلظ ذلك عليها و حسدتني منه .
[410]
ثالثها : وأوحى الله تعالى إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بسد أبواب كانت في المسجد لجميع أصحابه إلا بابي ; فلما سد باب أبيها و صاحبه و ترك بابي مفتوحا في المسجد تكلم في ذلك بعض أهله .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما أنا سددت أبوابكم و فتحت باب علي بل الله عز و جل سد أبوابكم و فتح بابه ; فغضب لذلك أبو بكر و عظم عليه و تكلم في أهله بشيء سمعته منه ابنته فاضطغنته علي .
رابعها : و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى أباها الراية يوم خيبر و أمره أن لا يرجع حتى يفتح أو يقتل فلم يلبث لذلك و انهزم فأعطاها في الغد عمر بن الخطاب و أمره بمثل ما أمر صاحبه فانهزم و لم يثبت فساء ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , فقال لهم ظاهرا معلنا : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ; فأعطاني الراية , فصبرت حتى فتح الله تعالى على يدي , فغم ذلك أباها و أحزنه فاضطغنته علي و ما لي إليها من ذنب في ذلك فحقدت لحقد أبيها .
خامسها : و بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أباها بسورة براءة و أمره أن ينبذ العهد
[411]
للمشركين و ينادي فيهم فمضى حتى انحرف فأوحى الله تعالى إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرده و يأخذ الآيات فيسلمها إلي ; فسلمها إلي فصرف أباها بإذن الله عز و جل .
و كان فيما أوحى إليه الله أن لا يؤدي عنك إلا رجل منك و كنت من رسول الله و كان مني ; فاضطغن لذلك علي أيضا و اتبعته ابنته عائشة في رأيه .
سادسها : و كانت عائشة تمقت خديجة بنت خويلد و تشنؤها شنآن الضرائر و كانت تعرف مكانها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيثقل ذلك عليها و تعدى مقتها إلى ابنتها فاطمة فتمقتني و تمقت فاطمة و خديجة و هذا معروف في الضرائر .
سابعها : و لقد دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم قبل أن يضرب الحجاب على أزواجه و كانت عائشة بقرب رسول الله فلما رآني رحب بي و قال ادن مني يا علي و لم يزل يدنيني حتى أجلسني بينه و بينها ; فغلظ ذلك عليها , فأقبلت إلي و قالت بسوء رأي النساء و تسرعهن إلى الخطاب : ما وجدت لأستك يا علي موضعا غير موضع فخذي .
فزجرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لها : أ لعلي تقولين هذا ؟ إنه و الله أول من آمن بي و صدقني , و أول الخلق ورودا على الحوض , و هو أحق الناس عهدا إلي , لا يبغضه أحد إلا أكبه الله على منخره في النار .
فازدادت بذلك غيضا علي .
[412]
ثامنها : و لما رميت بما رميت اشتد ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) , و استشارني في أمرها ; فقلت : يا رسول الله سل جاريتها بريرة و استبرئ حالها منها فإن وجدت عليها شيئا فخل سبيلها فإن النساء كثيرة .
فأمرني رسول الله أن أتولى مسألة بريرة و أستبرئ الحال منها .
ففعلت ذلك , فحقدت علي , و و الله ما أردت بها سوء لكني نصحت لله و لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; و أمثال ذلك , فإن شئتم فاسألوها ما الذي نقمت علي حتى خرجت مع الناكثين لبيعتي و سفك دماء شيعتي و التظاهر بين المسلمين بعداوتي للبغي و الشقاق و المقت لي بغير سبب يوجب ذلك في الدين و الله المستعان .
فقال القوم : القول و الله ما قلت يا أمير المؤمنين , و لقد كشفت الغمة , و لقد نشهد أنك أولى بالله و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن عاداك .
فقام الحجاج بن عمرو الأنصاري فمدحه في أبيات نكتفي بما ذكرناه من هذه الجملة عن إيرادها .
[413]
حرب الجمل