سبب عناد طلحة و الزبير لأمير المؤمنين (عليه السلام) :

فأما ما جاء في عناد طلحة و الزبير لأمير المؤمنين (عليه السلام) و إقدامهما على حربه طمعا في نيل الأمر من بعده بغير شبهة في ذلك و أنهما كانا متوليين لقتل عثمان فلما بايع الناس لأمير المؤمنين (عليه السلام) و فاتهما ما كانا يأملانه من التأمر على الناس عمدا إلى حربه و رمياه بما صنعاه بعثمان و عانداه في ذلك و كابراه و دفعا به المعلوم.

فروى موسى بن مطير عن الأعمش عن مسروق قال : دخلنا المدينة فبدأنا بطلحة فخرج مشتملا بقطيفة حمراء فذكرنا له أمر عثمان و أمر القوم فقال لقد كاد سفهاؤكم أن يغلبوا عقلاءكم ثم قال أ جئتم معكم بحطب ألا فخذوا هاتين الحزمتين فاذهبوا بهما بابه فأحرقوه بالنار فخرجنا من عنده و أتينا الزبير فقال مثل قوله فخرجنا حتى أتينا عليا عند أحجار الزيت فذكرنا له أمره فقال استتيبوا الرجل و لا تعجلوا فإن رجع عما هو عليه و إلا فانظروا.

و روى محمد بن إسحاق عن أبي جعفر الأسدي عن أبيه عن عبد الله بن جعفر

[436]

قال : كنت مع عثمان و هو محصور فلما عرف أنه مقتول بعثني و عبد الرحمن بن أزهر الزهري إلى علي (عليه السلام) و قد استولى طلحة على الأمر و قال انطلقا و قولا له إنك أولى بالأمر من ابن الحضرمية فلا يغلبنك على أمر ابن عمك.

و روى الفضل بن دكين عن فطر بن خليفة عن عمران الخزاعي عن ميسرة بن جرير قال : كنت عند الزبير بأحجار الزيت و هو آخذ بيدي فأتاه رجل و قال يا أبا عبد الله إن أهل الدار قد حيل بينهم و بين الماء فقال دبروا و أدبروا وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ.

فهذه الأخبار و أمثالها قد جاءت بما فعل طلحة و الزبير بعثمان و ما أباحاه من دمه.

و أن أمير المؤمنين كان معتزلا لذلك عن عثمان دافعا عنه بحسب الإمكان ثم جاءا بعد ذلك يطلبان بدم عثمان و يدعيان عليه أنه تولى قتله و يقرفانه بما ادعياه و يعملان في قتل أهل الإيمان و إثارة الفتنة في الإسلام و هلاك العباد و البلاد.

و روى إبراهيم بن عمر عن أبيه عن نوح بن دراج : أن عليا (عليه السلام) قال لهما و الله ما للعمرة تريدان و قد بلغني أمركما و أمر صاحبتكما فحلفا بالله ما يريدان إلا العمرة .

[437]

و روى الحسن بن المبارك عن بكر بن عيسى : أن عليا (عليه السلام) أخذ عليهما العهد و الميثاق أعظم ما أخذه على أحد من خلقه أن لا يخالفا و لا ينكثا و لا يتوجها وجها غير العمرة حتى يرجعا إليه فأعطياه ذلك من أنفسهما ثم أذن لهما فخرجا.

و روت أم راشد مولاة أم هانئ : أن طلحة و الزبير دخلا على علي (عليه السلام) فاستأذناه في العمرة فأذن لهما فلما وليا من عنده سمعتهما يقولان ما بايعناه بقلوبنا و إنما بايعناه بأيدينا فأخبرت عليا (عليه السلام) بمقالتهما فقال إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ثم قام (عليه السلام) خطيبا فحمد الله و أثنى عليه فقال أما بعد فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قبض كنا نحن أهل بيته و عصبته و ورثته و أولياءه و أحق خلق الله به لا ننازع في ذلك فبيننا نحن نقول ذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا و ولوه غيرنا و ايم الله فلو لا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر لكنا غيرنا ذلك ما استطعنا و قد وليتمونا أيها الناس أمركم و قد بايعني طلحة و الزبير فيمن بايعني منكم ثم نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم و يلقيا بعثكم بينكم الفتنة اللهم فخذهما بغشهما هذه الأمة و سوء بطرهما .

[438]

قال أبو عبد الله و قد كان في منع الحسن (عليه السلام) أن يدفن مع جده (صلى الله عليه وآله وسلم) مما لا خلاف فيه بين العلماء و فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم و لي تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب دليل على أنها مبغضة له و كانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها.

و من الله نسأل التوفيق لما يرضيه و العمل بما يقرب منه و نستهديه إلى سبيل الرشاد إنه ولى الإجابة قريب مجيب و الحمد لله و صلاته و سلامه على محمد و آله