خاتمة
في تتمة أسباب بغض عائشة لأمير المؤمنين (عليه السلام) :
و يدل على ما أثبتناه منه أن القوم مضوا مصرين على أعمالهم غير نادمين عليها و لا تائبين منها و أنهم كانوا يتظاهرون إلى الله بالقربة و الدينونة بعداوتهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) و التبغض له و التضليل و التبديع له و لولده و لشيعته و أنصاره و البراءة إلى الله من جميعهم و أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يبدئ إليهم بمثل ذلك و يرى القربة إلى الله بجهادهم و قتالهم حتى مضى (عليه السلام) لسبيله و أنا مثبت بعد الذي قدمت أخبارا قد سلم لصحتها أهل العقل و النقل على خلافهم في الآراء و المذاهب تؤكد ما ذكرت في هذا الكتاب و تشهد بصحة
[426]
ما زبرت فإني كنت قد جمعتها في موضوع آخر من كتبي و إنما أوردتها في هذا الكتاب لملاءمتها لمعناه و تأييدها لما تضمنته من فوائده و فحواه و بالله أستعين.
فمن ذلك : .
ما رواه أبو بكر محمد بن عمر الجعابي و حدثنا به قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن أبي الحسن علي بن الحسين بن فضال بإسناده في كتابه المعروف بالمنبئ و هو أشهر من أن يدل عليه العلماء عن أبان بن عثمان عن الأجلح عن أبي صالح عن عبد الله بن العباس قال : لما رمى أهل الإفك عائشة استشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) فيها فقال يا رسول الله النساء كثيرة و سل الخادمة فسألوا بريرة فقالت ما علمت إلا خيرا فبلغ ذلك عائشة فقالت لا أحب عليا بعد هذا أبدا و كانت تقول لا أحب عليا أبدا أ ليس هو الذي خلا و صاحبه بجاريتي يسالانها عني .
و هذا حديث صحيح الإسناد واضح الطريق و هو يتضمن التصريح منها ببغض أمير المؤمنين ع بنصيحته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و اجتهاده في طاعته و مشورته من غير أن يكون ظلمها بذلك و اعتدى عليها فيه إذ لو كان ذلك كذلك و حاشاه (عليه السلام) لما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقالته و لا قبل مشورته و لا انتهى فيها إلى رأيه و لما صار بعد ذلك إلى الإصغاء إليه و الاعتماد في ذلك عليه فدل على صوابه (عليه السلام) و ضلال من مقته لأجله و عاداه فيه.
[427]
و من ذلك :
ما رواه محمد بن مهران قال حدثنا محمد بن علي بن خلف قال حدثنا محمد بن كثير عن إسماعيل بن زياد البزاز عن أبي إدريس عن رافع مولى عائشة قال : كنت غلاما أخدمها و كنت إذا كان رسول الله عندها أكون قريبا منها فبينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم عندها إذ جاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا جارية معها إناء مغطى فرجعت إلى عائشة فأخبرتها فقالت أدخلها فدخلت فوضعته بين يدي عائشة و وضعته عائشة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكل منه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا ليت أمير المؤمنين و سيد المسلمين و إمام المتقين يأكل معي فقالت عائشة و من ذلك فجاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) فرجعت إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت هذا علي بالباب فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أدخله فلما دخل قال له أهلا لقد تمنيتك حتى لو أبطأت لسألت الله أن يأتيني بك اجلس فكل معي فجلس معه و رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر إليه و يقول قاتل الله من يقاتلك و عادى الله من عاداك فقالت عائشة من يقاتله و يعاديه فقال لها أنت و من معك .
و هذا الحديث يدل على عداوتها له من حيث استفهمت عما تعلمه على وجه الإنكار و دعائه في آخر القول على من يقاتله و يعاديه لعلمه بما يكون منها من القتال أيضا و دعائه على من عاداه ليبين فضيلته و ما هي عليه من البغضاء و الشنئان له و يزيل الشبهة عن الأمة في حقه و صوابه و باطل عدوه في خلافه له و عناده
[428]
و من ذلك :
ما رواه غير واحد عن الأرقم بن شرحبيل عن عبد الله بن العباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي توفي فيه ابعثوا إلى علي فادعوه فقالت عائشة لو بعثت إلى أبي بكر و قالت حفصة لو بعثت إلى عمر فأمسك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعثتا إلى أبي بكر و عمر فلما حضرا عنده فتح النبي عينيه فرآهما فقال انصرفا فإن تكن لي حاجة بعثت إليكما .
و من ذلك ما رواه إسحاق عن عكرمة عن عبد الله بن العباس قال : أغمي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أفاق فقال ادعوا لي أخي فأمرت عائشة أن يدعوا أبا بكر فدخل فلما رآه رسول الله أعرض عنه فقالت أم سلمة رضي الله عنها ادعوا له عليا فإنه أخوه و حبيبه فدعي له فجاء حتى جلس بين يديه فلما رآه أدناه و ناجاه طويلا .
و هذا الحديث مع استقامته و ظهوره و كثرة رواته في الخاصة و العامة يدل على عداوتها له و حسدها عليه.
و من ذلك : ما اجتمع عليه أهل النقل : من شهادتها لأبي بكر في صواب منعه فاطمة فدكا و مباينتها في تلك الشهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما ذهب إليه من استحقاقها و مظاهرة أبي بكر على منع فاطمة (عليه السلام) من ميراث أبيها و لم تشركها في ذلك إحدى الأزواج.
[429]
و من ذلك :
ما رواه إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت : استشعر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المرض في بيت ميمونة فدعى نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل بن العباس و رجل آخر تخط قدماه الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيتي قال عبيد الله فحدثت عنها عبد الله بن العباس فقال هل تدري من الرجل قلت لا قال ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ما كانت أمنا تذكره بخير و هي تستطيع .
و من ذلك : أن عائشة كانت تذم عثمان و ولاته و كانت تقول كل قول بغضا منه و ترفع قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول هذا قميص رسول الله لم يبل و قد أبلى عثمان أحكامه و لما جاء الناعي إلى مكة فنعاه بكى لقتله قوم من أهل ظنه فأمرت مناديا ينادي ما بكاؤكم على نعثل قد أراد أن يطفئ نور الله فأطفأه الله و أن يضيع سنة رسوله فقتله ثم أرجف بمكة أن طلحة قد بويع له فركبت مبادرة بغلتها و توجهت نحو المدينة و هي مسرورة حتى انتهت إلى سرف فاستقبلت عبيد الله بن أبي سلمة فقالت له ما عندك من الخبر قال قتل عثمان قالت ثم ما ذا قال بايعوا عليا ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
[430]
فقالت و الله لوددت أن هذه أطبقت على هذه إذ تمت الآن لصاحبك فقال لها عبيد الله و لم فو الله ما على هذه الغبراء نسمة أكرم على الله منه فلما ذا تكرهين قوله فقالت إنا عبنا على عثمان في أمور سميناها له و لمناه عليها فتاب منها و استغفر الله فقبل منه المسلمون و لم يجدوا من ذلك بدا فوثب عليه صاحبك فقتله و الله لإصبع من أصابع عثمان خير منه و قد مضى كما يمضي الرحيض ثم رجعت إلى مكة تنعى عثمان و تقول هذه المقالة للناس.
فهل يصح رحمكم الله عند أحد من العقلاء دخول الشبهة من بغضها أو يرتاب مكلف في عنادها لأمير المؤمنين (عليه السلام) على ما ذكرناه.
و من ذلك : ما رواه نوح بن دراج عن أبي إسحاق قال حدثني المنهال عن جماعة من أصحابنا : أن طلحة لما قدم إلى مكة جاء إلى عائشة فلما رأته قالت يا أبا محمد قتلت عثمان و بايعت عليا فقال لها يا أماه مثلي كما قال الأول :
ندمت ندامة الكسعي لما *** رأت عيناه ما صنعت يداه
أ و لا ترى أنها تبدي له العداوة في كل حال و تظهر له العناد بكل مقال.
و من ذلك : كتبها إلى الآفاق تؤلب عليه و تخذل الناس عنه من غير شبهة تعرض في الديانة لفعل كان منه (عليه السلام) كتبت إلى زيد بن صوحان على ما اجتمعت عليه نقلة الأخبار:
[431]
بسم الله الرحمن الرحيم من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين زوجة النبي إلى ابنها المخلص زيد بن صوحان أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا فأقم في بيتك و اخذل الناس عن علي حتى يأتيك أمري و ليبلغني عنك ما أقر به فإنك من أوثق أهلي عندي و السلام.
فكتب إليها زيد بن صوحان رضي الله عنه :
بسم الله الرحمن الرحيم من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر و أمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك و أمرنا بالجهاد فأتاني كتابك بضد ما أمر الله به و ذلك خلاف الحق و السلام.
و من ذلك : ما تظاهرت به الأخبار و ثبتت به الآثار في الكتب المصنفة في حرب البصرة و غيرها من كتاب عائشة إلى حفصة على ما رواه عبد الرحمن الأصم عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال لما نزل علي (عليه السلام) بذي قار كتبت إلى حفصة الكتاب الذي قدمنا ذكره.
و روى بشر بن الربيع عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال : ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خروج بعض نسائه و عنده عائشة و علي حاضر , فضحكت عائشة .
فالتفت (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي , فقال : يا علي إذا رأيت من أمرها شيئا فارفق بها .
[432]
و روى عصام بن قدامة البجلي عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لنسائه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها و شمالها خلق كثير كلهم في النار و تنجو بعد ما كادت .
و رواه أبو بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال المسعودي و في حديثه : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إذا أدركتها فاضربها و اضرب أصحابها .
و روى علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عائشة إني رأيتك في المنام مرتين أرى جملا يحملك في سدافة من حرير فأكشفها فإذا هي أنت .
[433]
أ فلا ترى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهاها و قد بين ما يكون منها على علم منه في مصيرها و عاقبة أمرها ; ثم نهاها عن ذلك و زجرها و دعا عليها لأجله و توعدها فأقدمت على خلافه مستبصرة بعداوته و ارتكبت نهيه معاندة له في أمره و صارت إلى ما زجرها عنه مع الذكر له و العلم به من غير شبهة في معاندته على أن كتاب الله المقدم في الحجة على ما يعضده من أثر و خبر و سنة قد أوضح ببرهانه على إقدام المرأة على الخلاف له من غير شبهة و قتاله و قتال أوليائه لغير حجة بقوله تعالى لها و لجميع نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ فخرجت من بيتها مخالفة لأمر الله و تبرجت بين الملاء و العساكر في الحروب تبرج الجاهلية الأولى و أباحت دماء المسلمين و أفسدت الشرع على المؤمنين و أوقعت في الدين الشبهات على المستضعفين.
و من ذلك : .
ما رواه أبو داود الطهوي عن عبد الله بن شريك العامري عن عبد الله بن عامر قال : سمعت عبد الله بن بديل الخزاعي يقول لعائشة : أنشدك الله , أ لم نسمعك تقولين سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي مع الحق و الحق مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ؟
قالت : بلى .
قال لها : فلم ذلك ؟
قالت : دعوني , و الله لوددت أنهم تفانوا جميعا .
[434]
فدل ذلك على أنه لم يعترضها شبهة في قتاله و أنها في خلاف الله و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأخبار في هذا المعنى كثيرة إن أخذنا في إيرادها طال بها الكتاب .
[435]
حرب الجمل