فصل ; في اجتماع الناكثين و المنافقين بمكة :

لما تم أمر البيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و اتفق على طاعته كافة بني هاشم و وجوه المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان و أيس طلحة و الزبير مما كانا يرجوانه بقتل عثمان من بيعة الناس لأحدهما بالإمامة و تحققت عائشة بنت أبي بكر تمام الأمر لأمير المؤمنين (عليه السلام) و اجتماع الناس عليه و عدولهم عن طلحة و الزبير و علمت أنه لا مقام لهما بالمدينة بعد خيبتهما مما أملاه من الأمر و عرف عمال عثمان أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يقرهم على ولاياتهم و أنهم إن ثبتوا في أماكنهم أو صاروا إليه طالبهم بالخروج مما في أيديهم من أموال الله تعالى و حذروا من عقابه على خوضهم في خيانة المسلمين و تكبرهم على المؤمنين و استخفافهم بحقوق المتقين و اجتبائهم الفجرة الفاسقين عمل من كل فريق منهم على التحرز منه و احتال في الكيد له و اجتهد في تفريق الناس عنه فسار القوم من كل مكان إلى مكة استعاذة بها و سكنوا إليها لمكان عائشة بها و طمعوا في تمام كيدهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) للتحيز إليها و التمويه على الناس بها و كانت عائشة تعلم أن كثيرا من

[227]

الناس يميل لها لمكانها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنها من أمهات المسلمين و ابنة أبي بكر المعظم عند الجمهور و أن كل عدو لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يلتجئ إليها متى أظهرت المباينة له و دعت إلى حربه و فساد أمره.

فلما تواترت الأخبار عليها و هي بمكة في تحيزها عن عثمان لقتل المسلمين له قبل أن تعرف ما كان من أمر المسلمين بعده عمل على التوجه إلى المدينة راجيه بتمام الأمر بعد عثمان لطلحة أو الزبير زوج أختها فلما صارت ببعض الطريق لقيت الناعي بعثمان فاستبشرت بنعيه له و ما كان من أمر الناس في اجتماعهم على قتله ثم استخبرت عن الحال بعده فأخبرت أن البيعة تمت لأمير المؤمنين بعده و أن المهاجرين و الأنصار و التابعين لهم بإحسان و كافة أهل الإيمان اجتمعوا على تقديمه و الرضا به فساءها ذلك و أحزنها و أظهرت الندم على ما كان منها في التأليب على عثمان و الكراهة لتمام الأمر لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فأسرعت راجعة إلى مكة فابتدأت بالحجر فتسترت فيه و نادى مناديها باجتماع الناس إليها فلما اجتمعوا تكلمت من وراء الستر تدعوا إلى نصرة عثمان و تنعاه إلى الناس و تبكيه و تشهد أنه قتل مظلوما.

و جاءها عبد الله بن عامر الحضرمي عامل عثمان على مكة فقال قرت عينك قتل عثمان و بلغت ما أردت من أمره .

فقالت سبحان الله أنا طلبت قتله إنما كنت عاتبة عليه من شي‏ء أرضاني فيه قتل عثمان و الله من عثمان خير منه و أرضى عند الله و عند المسلمين و الله ما زال قاتله تعني أمير المؤمنين (عليه السلام) مؤخرا منذ بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعد أن توفي يعدل الناس عنه

[228]

إلى الخيرة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا يرونه أهلا للأمور و لكنه رجل يحب الإمرة و الله لا نجتمع عليه و لا على أحد من ولده إلى يوم القيامة ; ثم قالت :

معاشر المسلمين إن عثمان قتل مظلوما و لقد قتله من إصبع عثمان خير منه و جعلت تحرض الناس على خلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) و تحثهم على نقض عهده.

و لحق إلى مكة جماعة من منافقي قريش و صار إليها عمال عثمان الذين هربوا من أمير المؤمنين (عليه السلام) و لحق بها عبد الله بن عمر بن الخطاب و عبيد الله أخوه و مروان بن الحكم بن أبي العاص و أولاد عثمان و عبيده و خاصته من بني أمية و انحازوا إليها و جعلوها الملجأ لهم في ما دبروه من كيد أمير المؤمنين (عليه السلام) و جعل يأتيها كل من تحيز عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حسدا له و مقتا و شنآنا له أو خوفا من استيفاء الحقوق عليه أو لإثارة فتنة أو إدغال في الملة و هي على ملتها و سنتها تنعى إليهم عثمان و تبرأ من قاتله و تشهد له بالعدل و الإحسان و تخبر أنه قتل مظلوما و تحث الناس على فراق أمير المؤمنين (عليه السلام) و الاجتماع على خلعه .

[229]

حرب الجمل