دعوة طلحة و الزبير عائشة إلى إثارة الفتنة :

و لما عرف طلحة و الزبير من حالها و حال القوم عملا على اللحاق بها و التعاضد على شقاق أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستأذناه في العمرة على ما قدمناه و ذكرنا الخبر في معناه و شرحناه و سارا إلى مكة خالعين الطاعة و مفارقين الجماعة .

فلما وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما و خاصتهما و خالصتهما طافا بالبيت طواف العمرة و سعيا بين الصفا و المروة و بعثا إلى عائشة عبد الله بن الزبير , و قالا له :

امض إلى خالتك فأهد إليها السلام منا و قل لها إن طلحة و الزبير يقرءانك السلام و يقولان لك إن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما و إن علي بن أبي طالب ابتز الناس أمرهم و غلبهم عليه بالسفهاء الذين تولوا قتل عثمان و نحن نخاف انتشار الأمر به فإن رأيت أن تسيري معنا لعل الله يرتق بك فتق هذه الأمة و يشعب بك صدعهم و يلم بك شعثهم و يصلح بك أمورهم .

فأتاها عبد الله فبلغها ما أرسلاه به , فأظهرت الامتناع من إجابتهما إلى الخروج عن مكة و قالت : يا بني لم آمر بالخروج لكني رجعت إلى مكة لأعلم الناس ما فعل بعثمان إمامهم و أنه أعطاهم التوبة فقتلوه تقيا نقيا بريئا و يرون في ذلك رأيهم و يشيرون إلى من ابتزهم أمرهم و غصبهم من غير مشورة من المسلمين و لا مؤامرة بتكبر و تجبر و يظن أن الناس يرون له حقا كما كانوا يرونه لغيره ; هيهات

[230]

هيهات , يظن ابن أبي طالب يكون في هذا الأمر كابن أبي قحافة ؟ لا و الله , و من في الناس مثل ابن أبي قحافة ؟ تخضع إليه الرقاب و يلقى إليه المقاد وليها و الله ابن أبي قحافة فخرج منها كما دخل ثم وليها أخو بني عدي فسلك طريقه ثم مضيا فوليها ابن عفان فركبها رجل له سابقة و مصاهرة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أفعال مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مذكورة لا يعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله في ذات الله و كان محبا لقومه فمال بعض الميل فاستتبناه فتاب ثم قتل فيحق للمسلمين أن يطلبوا بدمه.

فقال لها عبد الله : فإذا كان هذا قولك في علي يا أمه و رأيك في قاتلي عثمان فما الذي يقعدك عن المساعدة على جهاد علي بن أبي طالب ؟ و قد حضرك من المسلمين من فيه غنى و كفاية فيما تريدين ؟

فقالت : يا بني أفكر فيما قلت , و تعود إلي .

فرجع عبد الله إلى طلحة و الزبير بالخبر ; فقالا له : قد أجابت أمنا و الحمد لله إلى ما نريد ; ثم قالا له : باكرها في الغد فذكرها أمر المسلمين و أعلمها إنا قاصدان إليها لنجدد بها عهدا و نحكم معها عقدا .

فباكرها عبد الله و أعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها .

فأجابت إلى الخروج , و نادى مناديها : إن أم المؤمنين تريد أن تخرج تطلب بدم عثمان فمن كان يريد أن يخرج فليتهيأ للخروج معها .

و صار إليها طلحة , فلما بصرت به قالت له : يا أبا محمد قتلت عثمان و بايعت عليا ؟

فقال لها : يا أمه ما مثلي إلا كما قال الأول :

ندمت ندامة الكسعي لما *** رأت عيناه ما صنعت يداه

[231]

و جاءها الزبير فسلم عليها , فقالت له : يا أبا عبد الله شركت في دم عثمان ثم بايعت عليا و أنت و الله أحق منه بالأمر .

فقال لها الزبير : أما ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه و هربت إلى ربي من ذنبي في ذلك و لن أترك الطلب بدم عثمان , و الله ما بايعت عليا إلا مكرها , التفت به السفهاء من أهل مصر و العراق و سلوا سيوفهم و أخافوا الناس حتى بايعوه.

و صار إلى مكة عبد الله بن أبي ربيعة و كان عامل عثمان على صنعاء فدخلها و قد انكسر فخذه و كان سبب ذلك ما رواه الواقدي عن رجاله أنه لما اتصل بابن أبي ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعا لنصرته فلقيه صفوان بن أمية و هو على فرس يجري و عبد الله بن أبي ربيعة على بغلة فدنا منها الفرس فحادت فطرحت ابن أبي ربيعة و كسرت فخذه و عرف أن الناس قد قتلوا عثمان فصار إلى مكة بعد الظهر فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلى الخروج للطلب بدم عثمان فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد ثم حمل و وضع عليه و قال للناس من خرج للطلب بدم عثمان فعلي جهازه فجهز ناسا كثيرا فحملهم و لم يستطع الخروج معهم لما كان برجله .

[232]

حرب الجمل