نهضة حكيم بن جبلة العبدي :
و بلغ حكيم بن جبلة العبدي ما صنع القوم بعثمان بن حنيف و قتلهم السبابجة الصالحين خزان بيت مال المسلمين ; فنادى في قومه :
يا قوم انفروا إلى هؤلاء الضالين الظالمين الذين سفكوا الدم الحرام و قتلوا العباد الصالحين و استحلوا ما حرم الله تعالى .
فأجابه سبعمائة رجل من عبد القيس ; فأتوا المسجد و اجتمع الناس إلى حكيم بن جبلة ; فقال لهم :
أ ما ترون ما صنعوا بأخي عثمان بن حنيف ما صنعوا , لست بأخيه إن لم أنصره .
ثم رفع يديه إلى السماء و قال : اللهم إن طلحة و الزبير لم يريدا بما عملا القربة منك و ما أرادا إلا الدنيا ; اللهم اقتلهما بمن قتلا و لا تعطهما ما أملا .
ثم ركب فرسه و أخذ بيده الرمح و اتبعه أصحابه و أقبل طلحة و الزبير و من معهما و هم كثرة من الناس قد انضم إليهم الجمهور فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت بينهم القتلى و الجرحى .
و برز إلى حكيم بن جبلة رجل من القوم فضربه بالسيف فقطع رجله فتناولها حكيم بيده و رماه بها فصرعه ثم صار إلى حكيم أخوه المعروف بالأشرف فقال من أصابك فأشار إلى الذي ضربه فأدركه الأشرف
[284]
فخبطه بالسيف حتى قتله و تكاثر الناس عليه و على أخيه حتى قتلوهما و تفرق الناس .
و رجع طلحة و الزبير فنزلا دار الإمارة و غلبا على بيت المال ; فتقدمت عائشة بحمل مال منه لتفرقه في أنصارها و دخله طلحة و الزبير في طائفة من أنصارهما و احتملا منه شيئا كثيرا فلما خرجا نصبا على أبوابه الأقفال و وكلا به من قبلهما قوما فأمرت عائشة بختمه فبرز لذلك طلحة ليختمه فمنعه الزبير و أراد أن يختمه الزبير دونه فتدافعا فبلغ عائشة ذلك فقالت يختمانه و يختم عني ابن أختي عبد الله بن الزبير .
فختم يومئذ بثلاثة ختوم.
ثم قال طلحة و الزبير لعائشة ما تأمرين في عثمان فإنه لما به ؟
فقالت : اقتلوه قتله الله .
و كانت عندها امرأة من أهل البصرة , فقالت لها : يا أماه أين يذهب بك ؟ أ تأمرين بقتل عثمان بن حنيف و أخوه سهل خليفة على المدينة و مكانه من الأوس و الخزرج ما قد علمت ; و الله لئن فعلت ذلك لتكونن له صولة بالمدينة يقتل فيها ذراري قريش .
فناب إلى عائشة رأيها و قالت : لا تقتلوه و لكن احبسوه و ضيقوا عليه حتى أرى رأيي .
فحبس أياما ثم بدا لهم في حبسه و خافوا من أخيه أن يحبس مشايخهم بالمدينة و يوقع بهم فتركوا حبسه .
[285]
حرب الجمل