موقف الأحنف :
و بعث إليه الأحنف بن قيس رسولا يقول له إني مقيم على طاعتك في قومي فإن شئت أتيتك في مائتين من أهل بيتي فعلت فإن شئت حبست عنك أربعة آلاف سيف من بني سعد .
فبعث إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) : بل احبس و كف .
فجمع الأحنف قومه , فقال : يا بني سعد كفوا عن هذه الفتنة و اقعدوا في بيوتكم فإن ظهر أهل البصرة فهم إخوانكم لم يهيجوكم و إن ظهر علي (عليه السلام) سلمتم .
فكفوا و تركوا القتال .
و أقبل هلال بن وكيع الحنظلي إلى الأحنف بن قيس حين بلغه ذلك , فقال : ما يقول سيدنا في هذا الأمر ؟
فقال الأحنف : إنما أكون سيدكم غدا إذا قتلت و بقيت أنا .
فقال هلال : بل أنت سيدنا اليوم و شيخنا .
فقال الأحنف : أنا شيخكم المعصي , و أنت الشاب المطاع , اقعد في بيتك و لا تخرج مع طلحة و الزبير .
فأبى أن يرضى , ثم دعا تميما كلهم فتابعوه إلا نفر منهم .
فبلغ طلحة و الزبير ما فعله الأحنف و قاله ; فبعثا إليه يستميلانه و يرومان أن يدخل في طاعتهما .
فقال اختاروا مني إحدى ثلاث خصال : أما أن أقيم في بيتي و أكف بنفسي و لا أكون معكما و لا عليكما ; و أما أن ألحق بعلي بن أبي طالب ; و أما أن آتي إلى الأهواز فأقيم بها .
[296]
فقالا :ننظر في ذلك ثم استشارا من حضرهما فقالوا لهما : أما علي فعدوكم و لا حظ في أن يكون معه الأحنف ; و أما الأهواز فإنه إن أتاها يلحق به كل من لا يريد القتال معكما ; و لكن فليكن قريبا منكما فإن تحرك وطأتماه على صماخه فأمراه بالقعود .
فأتى وادي السباع و أقام به.
و لما جاء رسول الأحنف و قد قدم على علي (عليه السلام) بما بذل له من كف قومه عنه .
قال رجل : يا أمير المؤمنين من هذا ؟
قال : هذا أدهى العرب و خيرهم لقومه .
فقال علي (عليه السلام) : كذلك هو و إني لأمثل بينه و بين المغيرة بن شعبة لزم الطائف فأقام بها ينتظر على من تستقيم الأمة .
فقال الرجل : إني لأحسب أن الأحنف لأسرع إلى ما تحب من المغيرة .
فقال (عليه السلام) : أجل ما يبالي المغيرة أي لواء رفع لواء ضلالة أو لواء هدى .
[297]
و روى الواقدي قال حدثني معمر بن راشد عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال : أقبل أبو بكرة يريد أن يدخل مع طلحة و الزبير في أمرهما فلما رأى عائشة تدبره برأيها رجع عنهما ; فقيل له : ما لك لم تدخل معهما ؟
فقال : رأيت امرأة تدبر أمورهم .
و قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول و قد ذكر ملكة سبإ : لا أفلح قوم تدبرهم امرأة .
فكرهت الدخول معهم.
و روى عبد الله بن عطاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال اعتزل أبي أن يدخل مع عائشة و قال : إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا يفلح قوم تلي أمرهم امرأة .
[299]
حرب الجمل