الصفحة 53

3 - أخبر أهل مكة بقدوم عيرهم ويقدمه جمل أورق، فكان، وهذا من الله إذ لو كان من غيره لم يدر لعله يتأخر أو يتقدم غيره.

4 - مسح على شاة أم معبد فدرت ولم تكن درت قبل ذلك بسنة.

5 - دعا شجرة يابسة فجاءت فأومأ إليها فأورقت.

6 - شكا عسكره في تبوك فناء زادهم فأخذ فضلة من تمر، ووضع يده فيها فأكلوا منها وملؤا أوعيتهم بها، وشكوا إليه العطش، فوضع يده في ركوة فشرب الجميع منها.

7 - سأله قوم من عبد قيس غلامة في غنمهم، فغمز بأصبعه في أصل آذانها فابيصنت وبقي ذلك إلى اليوم، معروف في نسلها.

8 - أتاه رجل من جهينة تقطع من الجذام، فبصق في ماء كان في قدح فمسح به فبرأ.

9 - جاء رجل من بني سليم وفي كمه ضب، وقال لا أؤمن بك حتى يؤمن هذا الضب، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: من أنا؟ قال: أنت رسول الله فآمن الرجل.

10 - برسالته وقالت: ما ملكني سواه.

11 - لما فتح النبي خيبر، كان في سهمه حمار أسود فكلم النبي وكلمه فقال خرج من نسل جدي ستون حمارا لم يركبها إلا نبي، أنا آخرهم وأنت آخر الأنبياء، فسماه اليعفور، فلما قبض النبي، أتى إلى بئر لابن أبي التيهان فتردى فيها وكانت قبره.

12 - اغتم النبي من الكافرين، فأمره جبرائيل أن يدعو شجرة فجاءته من بعيد، فقال النبي: حسبي.

13 - أمر أعرابيا بالاسلام، فقال: هل من شاهد؟ فنطقت شجرة برسالته فأسلم الأعرابي.

14 - أخذ كفا من حصى، فسبح في يده، فصبه في يد علي فسبح في يده.


الصفحة 54
15 - دعا لعمه العباس وأولاده بالستر من النار. فقالت حيطان البيت آمين.

16 - لما ضم النبي صلى الله عليه وآله عليا وولديه وفاطمة تحت الكساء، أتاهم جبرائيل بطبق، فيه رمان وعنب، فسبح العنب والرمان عند أكل كل واحد منهم.

17 - قطع أبو جهل يد معاذ بن عفرة، فبصق عليها النبي صلى الله عليه وآله فألصقها فعادت.

18 - لما قصد فتح خيبر، اعترضه نهر عميق، فعبر الجيش على الماء ولم تبتل أرجلهم.

19 - دعا للفضل بن العباس أن يذهب الله جنبه وشحه ونومه، فذهبوا.

20 - لما أسر عمه العباس طلب منه فداء، فقال: لا مال لي، قال: فالذي أودعته لزوجتك قبل أن تخرج تقسمه في أولادك؟ فقال: ما علم به غيري وغيرها إعلم أنك رسول الله.

21 - أخبر عليه السلام أن ملك السحاب سلم عليه، فاستسقاه، فأخبر أصحابه أنهم يسقون يوم كذا فكان كذلك.

22 - بعث كسرى فيروز الديلمي، يأتيه بالنبي، فقال إن ربي أمرني أن آتيه بك، فقال عليه السلام: إن ربي أخبرني أن ربك قتل البارحة، فكان كذلك.

23 - قال عن زيد بن صوحان: يسبق منه عضو إلى الجنة، فقطعت يده بنهاوند، في سبيل الله.

24 - وطئ أعرابي ناقة له وأتى إلى النبي ليخبره بحملها، فقال لعلي أخبره، فمسح على جرانها، فنطقت أنه واقعها في موضع كذا، فأسلم الأعرابي.

25 - ندرت عين أبي قتادة في أحد، فردها النبي صلى الله عليه وآله فكانت لا تعرف من الأخرى لحسنها وضوئها.

26 - سأله قوم من اليهود أن يجيئ إليه الجبل، فتباعد عنه، فجاءه مسرعا.

27 - أخبر الثقفي بأنه أراد أن يسئله عن فضل وضوئه وصلاته، فقال: نعم جئت لذلك.


الصفحة 55
28 - أخبر الأنصاري أنه أراد أن يسئله عن حجته وعمرته، فقال: نعم جئت لذلك.

29 - شكا زيد بن حارثة، قلة ماء بئرهم في الصيف، ففرك حصاة، وقال ألقها فيها، ففعل فكثر ماؤها.

30 - شكا المسلمون إليه في غزوة فناء الماء، فأتي بفضل ماء، فوضع أصابعه فيه ففار حتى ارتوى منه ثلاثون ألفا من الناس، واثنا عشر ألف جمل، واثنا عشر ألف فرس، فهذه نبذة يسيرة من دلايله عليه السلام، أخذناها من خرايج الراوندي وغيره وتركنا أشياء منها خوف الإطالة بها، وقد ذكر الزمخشري في كتابه أنه عليه السلام:

أوتي نحو ثلاثة آلاف آية.

إن قيل: لم لا يكون ما أخبر به من صناعة الزرق، فإن الشعراني منهم كان حاضر الجواب معروفا بكثرة الإصابة، حتى قال المنجمون: إن مولده ونجمه اقتضى ذلك، وهو باطل، وإلا لسرى إلى كل عالم وصانع بأن يكون نجمه اقتضى علمه.

قلنا: الإخبار بالغائبات المستقبلة بخلاف الزرق، فإنه للأمور الموجودة الغائبة.

(الفصل السادس)
* (يذكر فيه شئ من البشارة به في الكتب الماضية) *


ففي السفر الأول من التورية: نزل الملك على إبراهيم وبشره بإسماعيل أنه يلد اثني عشر عظيما، إن قيل ليس في هذا ذكر النبوة فجاز كونه ملكا، قلنا:

لا يبشر الله تعالى خليله بملوك الكفر في ولده.

وفيها: أقبل الله من سينا وتجلى من ساعير وظهر بفاران. وفي كتاب حيقوق:

[ أنه ] سيد يجئ من اليمن، ومقدس من جبل فاران، يغطي السماء بهاؤه، ويملأ الأرض نورا.


الصفحة 56
وفي كتاب حزقيل: إني مؤيد بني قيدار بملائكة. وقيدار جد العرب و قد أيد الله نبيه بالملائكة في بدر وغيرها، وقال دانيال: ستنزع في قسيك اغراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد.

وفي كتاب شعيا: يظهر في الأمم عبد لي لا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العور، ويسمع الآذان الصم، هو نور الله الذي لا يطفى، حتى تثبت في الأرض حجتي.

وفي مزمور آخر: إن الله أظهر من صهيون إكليلا محمودا، والإكليل مثل الرياسة والإمامة، ومحمود هو محمد.

وفي الإنجيل قال المسيح للحواريين: أنا ذاهب وسيأتيكم الفارقليط، روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنما يقول كما يقال له من ربه، وفي حكاية يوحنا عن المسيح: الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب، يسوسكم بالحق ويخبركم بالغيوب.

وفي حكاية أخرى: إني سائل ربي أن يبعث لكم فارقليطا آخر يكون معكم إلى الأبد. وفي موضع آخر: يشهد لي كما شهدت له.

وفي الإنجيل: قال عيسى: إن الاليا متوقع على أذيالي، وروي أنه كان أحمد متوقع، فغيروه إلى اليا، وكأن اليا هو علي، قيل وإنما ذكره لأنه قدام النبي صلى الله عليه وآله في كل حرب واسم محمد بالسريانية مشفح والشفح الحمد، فإذا كان الشفح الحمد فمشفح محمد.

وفي التورية: أحمد عبدي المختار مولده مكة وهجرته طابة.

ومما أوحى الله إلى آدم: من ولدك إبراهيم، أجري على يده عمارة بيتي تعمره الأمم، حتى ينتهي إلى نبي من ولدك يقال له محمد خاتم النبيين، أجعله من سكانه وولادته.

قال الراوندي في خرائجه: إن الله حفظ اسم محمد صلى الله عليه وآله لم يسم به أحدا قبله صيانة ليعرف به، كما فعل في إبراهيم عليه السلام وغيره، وهذا لا يناقض ما قيل:

إن رجالا في الجاهلية سميت محمدا، فعن سراقة بن خثعم قال: قدمنا الشام فأشرف

الصفحة 57
علينا راهب وقال: من أين؟ قلنا من مضر، قال: سيبعث فيكم رجل اسمه محمد فرجعنا فولد لكل منا غلام فسماه محمدا.

وروي أن تبع بن حسان قتل من يهود يثرب جماعة، فقال له شيخ منهم أتى عليه مائتان وخمسون سنة: إنك لا تقدر على خراب هذه القرية، قال: ولم؟

قال: لأنه يخرج من هذه البنية - يعني البيت الحرام - نبي من ولد إسماعيل فكف عن القتل، فمضى إلى مكة وكسى البيت وأطعم الناس.

تذنيب:

يفرق بين المعجزة والحيلة، أن المعجزة غايتها الدعاء إلى الله سبحانه و تزداد ظهورا مع الأزمان، والحيلة تفتقر إلى الآلات ويطلع على أنه لا حقيقة لها مع الأزمان، والمعجزة لا يمكن معارضتها، بخلاف الحيلة، والحيلة لها معلم ومرشد بخلاف المعجزة، والمعجزة تظهر على من يعرف بالصلاح والسداد، والحيلة على من يعرف بالمزاح والفساد، والمعجزة دالة على صدق الصادق والرب قادر عليها فتجب في حكمته، فلو ادعى النبوة من ليس بصادق وجب أن يمنعه من المعجزة ومن الحيلة المشبهة بها، بل ربما يظهر المعجزة على العكس، كما في مسيلمة.

وقد ذكر ابن زكريا الطبيب أمورا في مقابلة المعجزات، كصب زرادشت الصفر المذاب على صدره.

قلنا: إنما وضع أولا على صدره طلاء معروفا بطلاء الجلق وهو دواء يمنع من إحراق النار.

قال: للأشياء طبائع وخواص كحجر المغناطيس وباغض الخل، إذا ألقي في إناء الخل لم ينزل إليه، والزمرد يسيل عين الأفعى، فلا يمكن الحكم على ما يدعونه معجزا، إلا بعد الإحاطة بجميع جواهر العالم وعرفان قوى الخلق كلهم، وذلك موقوف على جوب البلدان وطول الأزمان.

قلنا: في المعاجز ما لا يمكن فعله بحيلة ولا طبيعة ولا قوة كإحياء الموتى و

الصفحة 58
الإخبار بالمغيبات وبما تكن الصدور، ثم نقول: إذا فرضنا سارت الجبال وكدرت النجوم ونشرت الأموات، يلزم أن لا يعرف أن ذلك من الخالق تعالى، إلا بعد ما ذكره وهو معلوم البطلان، فظهر أنه يجب النظر في الأمر الخارق للعادة، و إن لم [ نكن ] نسر في البلاد ونعرف أحوال العباد، وما عارض به لا يلتفت إليه، وقد ذكر أبو إسحاق أن واحدا وضع الزمرد الفائق فوق رأس قصبة وقربه من عين الأفعى فلم تسل.

(الفصل السابع)
* (في مقالات المنكرين للنبوات الطاعنين على المعجزات) *


قالوا: في القرآن: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا(1)) وقد قتل يحيى ونشر زكريا وقتل الكافرون كثيرا من الأبرار وذلك خارج في الاشتهار إلى حد يمتنع فيه الانكار.

قلنا: السبيل المنفي هو السبيل بالحجة لا بالغلبة، ويحيى وغيره كانت لهم الحجة وذلك معنى (ليظهره على الدين كله(2)).

قالوا: قوله (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله(3) وقد تزوج فقراء فلم يزدادوا إلا فقرا. قلنا: الغنى من الفقر إلى النكاح أو خرج مخرج الأغلب.

قالوا: (والله يعصمك من الناس(4)) وقد كسرت رباعيته وشج رأسه.

قلنا: المراد العصمة من القتل.

قالوا: " ادعوني أستجب لكم)(5) وقد مضت الدهور ولم يستجب. قلنا:

____________

(1) النساء: 140.

(2) البراءة: 34. والفتح: 28. والصف: 9.

(3) النور: 32.

(4) المائدة: 70.

(5) المؤمن: 60.


الصفحة 59
تقديره أستجب إن رأيت مصلحة، أو معناه أعبدوني آجركم أو فيه إطلاق العام و إرادة الخاص.

قالوا: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(1)) فكيف يرجع في إثبات نبوته إلى أهل الكتاب وهم عنده يكتمون الحق ويذهبون عمدا عن الصواب.

قلنا: أراد الله دلالتهم على صدقه بإقرار عدوه وذلك أن الجاهلية كانت تميل إلى أهل الكتاب، وتعدلها على أنفسها، وفي التورية والإنجيل صفات محمد صلى الله عليه وآله من أنصف منهم شهد له بها.

قالوا: تدعون لمحمد علم الغيب وقد أخبر بأشياء وظهر الأمر بخلافها، فقال:

إذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده، وقد وجدنا قياصر بعده متعددة. قلنا: لما مزق كتابه، قال. مزق الله مملكته، فكان ذلك، وكتب إلى قيصر آخر ولم يمزقه فدعى بثبات مملكته فكان، فنحمل قوله: فلا قيصر بعده، أي على صفة ممزق الكتاب.

قالوا: قال صلى الله عليه وآله: شهرا عيد لا ينقصان وقد وجدنا فيها النقصان. قلنا: قال ذلك لسنه بعينها، فكان كما قال، أولا ينقصان(2) معا وإن نقص أحدهما أولا ينقص أجر من صامهما.

قالوا: قال: لا ينقص مال من صدقة، ووجدنا النقص مع الصدقة، قلنا:

المراد البركة أو لا ينقص ثوابه.

قالوا: اشتهر حسن يوسف، فكيف قال في إخوته: (فعرفهم وهم لهم منكرون(3) وكيف ينكر من يتفرد بهذا الجمال. قلنا: لا يبعد جهلهم به لتغييره إلى الكهولة والملوكية ويحتمل أن يكون ينكرون بمعنى يزيلون الانكار، مثل: (إن الساعة

____________

(1) النحل: 43. والأنبياء: 7.

(2) وذيله كما في أبي داود: رمضان وذو الحجة. راجع سننه ج 1 ص 542 و لفظ البخاري ج 1 ص 327: شهران لا ينقصان شهرا عيد رمضان وذو الحجة.

(3) يوسف: 58.


الصفحة 60
آتية أكاد أخفيها(1)) أي أزيل خفائها.

قالوا: تواتر في النصارى قتل عيسى وصلبه وفي كتابكم: (وما قتلوه وما صلبوه(2)) قلنا: أخبار النصارى ترجع إلى أربعة، فلا تواتر لهم ولا عصمة فيهم على أنه يجوز أن يخبروا عن الشبيه كما قال تعالى: (ولكن شبه لهم).

قالوا: قال: في نسائكم أربع نبيات وفي كتابكم: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم(3)) قلنا النبي غير الرسول وأيضا فالرسول يطلق على جبرائيل وعلى الغراب، لقوله تعالى: (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض(4)) وقد قيل هنا إن الأربعة: سارة وأخت موسى ومريم وآسية، بعثوا لولادة فاطمة عليها السلام.

قالوا: (قال فرعون يا هامان ابن لي صرحا(5)) وقد كان فرعون قبل هامان بزمان.

قلنا: لا ينكر أن يسمى انسان آخر في زمان فرعون بهامان.

قالوا: في كتابكم (وما علمناه الشعر(6)) وفي كتابكم وزن الشعر، فهو شعر، فمن ذلك: (وجفان كالجواب وقدور راسيات(7)) ومنه (فيخزيهم و ينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين(8)) وزنه من الشعر:


ألا حييت عنا يا مديناتحيينا وإن كرمت علينا

قلنا: بل كان النبي يعاف قول الشعر، ليخلص قلبه ولسانه للقرآن، و يصون الوحي عن شبهة الشعر، قال أبو عبيدة: هو كلام وافق وزنه وزن الشعر ولا يلزم كونه شعرا لعدم القصد إليه ولأنه يقرنه بأمثاله وقليل من الكلام إلا ويوزن بوزن الشعر.

قالوا: قال يوم حنين: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. وقال: غير

____________

(1) طه: 15.

(2) النساء: 156.

(3) الأنبياء: 7.

(4) المائدة: 34.

(5) المؤمن: 36.

(6) يس: 69.

(7) السبأ: 13.

(8) البراءة: 15.


الصفحة 61
الإله قط لا ندينا ولو عبدنا غيره شقينا، وقال لما دميت أصبعه: هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت. قلنا: سلف ما يصلح جوابا عنه.

قالوا: ويجوز كون ما ظهر على يده سحرا. قلنا: السحر يعارض والمعجزة لا تعارض، ولو فتح باب السحر لجاز أن يقال في كل عالم بل في كل صانع:

أنه ساحر. على أن السحر علم يتمكن به من إحداث ما لا يقدر عليه مثله، وقد كان علما ثم انقطع لما أحرق المسلمون كتب الأكاسرة المصنفة فيه من الفلاسفة.

تذنيب:

قالت الفلاسفة: النبوة جعلت لتقرير الشريعة التي هي سياسة الدنيا ومن ثم كل من لازم الشرعيات تهذبت أخلاقه وحسنت أفعاله وتقدس في نفسه و أقبل بفكره على زهده ورمسه، ونظر بعين بصيرته فعرف الرب وما يفاض عنه بعنايته، فالشرعيات ألطاف في العقليات. وهذا خيال منهم لأن أهل كل دين يحدث ذلك في عبادهم و أكابرهم من الصابية والرهبان والأحبار وعباد الأوثان فإنهم يجدون أنفسهم خائفة مستحية من أوثانهم أن يقدموا على رذائل الأفعال و قبايح الأقوال، فالقائلون من الفلاسفة بالنبوات، رجعوا بها إلى هذا الباب، وقد عرفت ما فيه من الذهاب عن الصواب، لأنا حينئذ لا نعرف النبي المختار، من الرهبان والأحبار، ونحكم بصحة الأديان المتناقضة، وهذه مقالة داحضة.

(الفصل الثامن)


محمد رسول الله خاتم الأنبياء لقوله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين(1)). ولقوله صلى الله عليه وآله بعد ثبوت صدقه لعلي عليه السلام:

(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وبالجملة فذلك معلوم بالضرورة من دينه عليه السلام.

____________

(1) الأحزاب: 40.


الصفحة 62
وقالت الخرمية: بعده أنبياء لقوله تعالى: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون(1)) وهذا لفظ مستقبل. قلنا: قد أتى المستقبل بمعنى الماضي: (يريد الله أن يخفف عنكم(2). إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(3) يريدون أن يبدلوا كلام الله(4)) على أن في الآية إضمارا أي يأتكم نبأ رسل كانوا من قبلكم وكانوا يقصون دلالاتي وقد أنزلت عليكم، فمن عمل بها فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويؤيد ذلك، الآية التي بعدها (والذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها أولئك أصحاب النار) ولو سلم كونها للاستقبال حقيقة، فقد خصها النبي بقوله: لا نبي بعدي وتخصيص الكتاب بقوله جايز.

قالوا: فآية (وخاتم النبيين) يدل على أن بعده أنبياء لأن الخاتم في المعتاد هو في الوسط كختم الكتاب في وسطه. قلنا: خاتم بكسر التاء هو الآخر، مثل:

ختامه مسك، وهذا خاتم هذا الأمر، وعلى قراءة عاصم بفتح التاء فمعناه الذي جمع الجميع مفرغ من أمره، فأجرى خاتم بالفتح مجرى المصدر.

قالوا: قوله تعالى: (أرسلنا رسلنا تترى(5)) أي لا تنقطع قلنا أرسلنا لفظ ماض فيجب حمل تترى على معنى الماضي وإلا خرب النظم ولو كان تترى معناه لا تنقطع لزم إنكار المعاد، إذ فيه تنقطع الرسل إجماعا، وأيضا فقد نقلت أعلام النبي وفيها لا نبي بعدي، فإن صدقوا بها بطل ما قالوه، وإن طعنوا في نقلها لزمهم الطعن في كل من نقل معجزة لنبي، وإن قالوا: لو كان الخبر صحيحا لعرفناه.

قلنا: لم تنظروا فيه إذ بهذا يتفصل عن اليهود والنصارى لما قالوا: لو كانت معاجز محمد صحيحة لعرفناها.

____________

(1) الأعراف: 34.

(2) النساء: 27.

(3) الأحزاب: 33.

(4) الفتح: 15.

(5) المؤمنون: 44.


الصفحة 63

(الباب الرابع)
* (في إثبات الوصي وصفاته) *


وفيه فصول:

(الفصل الأول)
* (في طريق إثباته) *


اختلف الناس في الإمامة، فأوجبها عقلا - مطلقا - على الله الإمامية والشيعة وأوجبها أكثر المعتزلة عقلا علينا، وأوجبها الزيدية والأشعرية والجاحظ و الكعبي وأبو الحسن البصري علينا سمعا ولم يوجبها بعض الخوارج أصلا وبعضهم والأصم وأتباعه أوجبوها إذا لم يتناصف الناس وعكس ذلك هشام وأتباعه فأوجبها إذا تناصف الناس.

لنا على الوجوب مطلقا على الله كون الإمام لطفا، فيجب عليه لامتناع نقض الغرض إذا علم أن المكلف لا يقرب من ذلك إلا به.

بيان اللطفية أن فيه رد المطامع، والقيام بحق الضائع، ولهذا تسارعوا إلى طلب الرئيس في السقيفة قبل تجهيز النبي، واشتغل به علي لعلمه أنه خليفة النبي وتبادر الناس إلى نصبه في كل صقع. ولأنه حافظ الشرع فهو معصوم ولا يعرف المعصوم إلا الله وهو من الألطاف في العقليات المتقدمة على السمعيات، فلو وجب سمعا لزم الدور. ولأن الوجوب سمعا إما على النبي، فلا يخل به لعصمته أو على الأمة فلا علم لها بتعيينه أو مشترك بينهما ويلزم التناقض فإنه إذا اختار وجب اتباعه وإذا لم تختر الأمة معه لم يجب اتباعه ولأن الأمة قد لا يقع اختيارها فيتعلق الواجب وهو قول النبي صلى الله عليه وآله ونصب الإمام بالحاير.


الصفحة 64
قالوا: الإمامة تثير الفتن في كل زمان، كما في علي وولديه، فكيف تجب من الله أو عليه؟ قلنا: جاز كون الفساد بتركها أكثر منها إذ لولاها جاز أن يستولي شوكة الكافرين، على تبديل مذهب المسلمين، فبتلك المنازعة خمدت نار الظلمة واجتمع المسلمون على كلمة.

إن قالوا: إذا كان تصرفه في الأمة بردها - بالمحاربة - إلى طاعته، يستلزم كفرها، لزم كون الإمامة مفسدة، فتخرج بذلك عن وجوبها.

قلنا: قال المرتضى إذا علم الله المصلحة فيها وجب أن يفرضها ويوجب طاعة الأمة لها وقد فعل، فخالفه الأمة بترك نصرتها بل منعت وصدت عنها، فاللوم عليها إذا لم تفعل ما يوجب تمكين الإمام من مصلحتها وليس له بالمحاربة أن يلجئها لأدائه إلى إبطال تكليفها ويجوز أن يغلب في ظنه عدم طاعتها بمحاربتها، بل قد يزداد نفورها، ولأن المفسدة المفروضة غير لازمة للإمامة وإلا لم توجد إمامة ولا نبوة، وأيضا فالتمكين واجب عليه تعالى لإزاحة العلة ونصب الإمام جزء منه، إذ الداعي بوجوده إلى فعل الطاعات أوفر، والصارف إلى ترك المعصيات أزجر وجزء الواجب واجب فالإمامة واجبة.

قالوا: جاز اشتمالها على قبيح لا تعلمونه قلنا: القبائح محصورة لتكليفنا باجتنابها فنكلف ما لا نطيق أو لم نعقلها.

إن قالوا: يجوز أن يعرفنا الله أقسام الحسن ويقول القبيح ما عداها ويكلفنا بتركه وإن لم نعلم تفصيل مجمله. قلنا: يلزم المطلوب لأن حصر أحد الجهتين يستلزم حصر الأخرى، ولما نصب الله الأنبياء والخلفاء انتفى القبيح بغير خفاء و لأن الطوايف المحاربة للإمام كان فيهم رؤساء، فلو كان الفساد في الرؤساء لم ينصبوا لأنفسهم رؤساء.

قالوا: مع الإمام يلتجئ المكلف إلى الطاعة والالجاء مفسدة لعدم الثواب فيه. قلنا: نمنع الالجاء على أنه وارد في النبوة.

قالوا: شرطتم لطفيته بتمكينه فمع عدم تمكينه يسارع المكلف إلى معصية ربه

الصفحة 65
قلنا لم نشرط ذلك بل نصبه لطف وتمكينه آخر على أن المكلف يكون خائفا مترقبا ظهوره دائما.

قالوا يكفي ترقب وجوده بعد عدمه، كما يكفي ترقب ظهوره بعد غيبته فلا قاطع الآن بوجوده. قلنا: قضت الضرورة بعد استواء الخوف مع غيبته بالخوف مع عدمه وإن جزم بوجوده عند مصلحته.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنه قد اختلف الناس بعد النبي المختار، فقالت طائفة شاذة - يقال لها المحمدية - أنه لم يمت.

وقالت الفرقة المحقة: الإمامة ثبتت بالنص، لا الدعوى ولا الميراث ولا الاختيار، وقالت الزيدية أو بالخروج والدعوى، ويلزمهم الدور إذ لا يجوز الخروج قبل الإمامة، فلو كانت إنما ثبتت به دار. إلا أن يقال: الخروج كاشف عن سبق الاستحقاق قلنا: فبطلت الشرطية لوجوب تقدم الشرط.

وقال الجمهور من أهل المذاهب الأربعة وبعض المعتزلة والزيدية والصالحية والبترية والسلمية(1) وأصحاب الحديث أو بالاختيار ويلزمهم جواز أن تختار الأمة نبيا كما يجوز أن تختار إماما ولم يقل به أحد، وسيأتي البحث في تكميله إن شاء الله ولأن المنصوب منهم إن اختار نفسه معهم فقد زكاها فدخل في نهي الله (فلا تزكوا أنفسكم(2)) وإن لم يختر نفسه ولم يرض بها لم تجتمع الأمة عليه وكان غيره أولى لعدم الرضا به.

وقالت الراوندية أو بالميراث وقد ذكر صاحب نهج الإيمان أن هذه المقالة أحدثها الجاحظ، سنة عشر ومائة من الهجرة، ليتقرب بها إلى المأمون، حيث جعلها للعباس بكونه عم النبي صلى الله عليه وآله وعمل فيها كتابا ووضع فيها حججا على أنا لو قلنا بالميراث، فعلي أولى منه، لكونه ابن عم النبي لأبويه والعباس عمه لأبيه فذو السببين أولى بآيات أولي الأرحام المعتبر فيها بالأقرب فالأقرب وقد أجمعت

____________

(1) السلمانية، خ ل.

(2) النجم: 34.


الصفحة 66
الفرقة المعتبر صحة إجماعها بدخول المعصوم فيها على اختصاص الإرث بابن العم للأبوين، دون العم للأب، وأيضا فآية أولي الأرحام تتضمن ذكر المهاجرين ولم يكن العباس من المهاجرين، فليس له ميراث.

وأسند ابن جبر في نخبه إلى زيد بن علي في قوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض(1)) قال ذلك علي بن أبي طالب، كان مهاجرا وذا رحم، وعن جابر بن يزيد أثبت الله بهذه الآية ولاية علي ابن أبي طالب فحاز ميراث النبي و سلاحه ومتاعه وبغلته وكتابه وجميع ما ترك بعده ولم يرث الشيخان من ذلك شيئا.

وأسند ابن حنبل، إلى زيد بن آدمي، قوله: (أنت أخي ووارثي) وأسند إلى زيد بن أبي أوفى نحوه وأسند ابن المغازلي إلى أبي بريدة (لكل نبي وارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب) وحديث: لا نورث، خبر واحد مردود لمخالفته الكتاب، في قوله: (وورث سليمان داود(2) ونحوه والسنة المتواترة من الأحاديث السالفة وغيرها.

وفي حديث زيد بن آدمي أن ميراث علي من النبي الكتاب والسنة لا يضرنا بل فيه النصرة لنا لأنه إذا كان علي ورث الكتاب الذي هو أكبر معاجز النبي وورث السنة التي فيها أحكام شريعة النبي، فقد ورثه الله علوم النبي صلى الله عليه وآله فكان أحق بالاقتداء بدليل: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(3)).

تذنيب:

قال الجاحظ: لم تعرف الشيعة الاحتجاج بالقرابة إلا من قول الكميت:


يقولون لم يورث ولولا تراثهلقد تركت فيها نكيل وأرحب

إلى قوله:


فإن هي لم تصلح لقوم سواهمفإن ذوي القربى أحق وأوجب

____________

(1) الأحزاب: 7.

(2) النمل: 16.

(3) الزمر: 9.


الصفحة 67
قلنا: ويلك كيف ذلك، وقد رد علي يوم السقيفة حجة الشيخين، حين تقدم أبو بكر على الأنصار بالقرابة، فقال علي: نحن أحق برسول الله لأنا أقرب قريش كلها، وقد نظم علي عليه السلام هذا المعنى، فقال:


فإن كنت بالقربى حججت خصيمهمفغيرك أولى بالنبي وأقرب
وإن كنت بالشورى ملكت أمورهمفكيف بهذا والمشيرون غيب

فواعجبا، من أن تكون الخلافة بالصاحبة ولا تكون بالصحابة والقرابة(1) وقد قال سلمان له، لما رقى المنبر: إلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلم وفي القوم أعلم منك وأقرب برسول الله؟.

وذكر ابن عبد ربه في الجزء الأول من كتاب العقد، أن أروى بنت الحارث ابن عبد المطلب قالت لمعاوية: لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة و تسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا سابقة لك في الاسلام بعد أن كفرتم برسول الله صلى الله عليه وآله فأتعس الله منكم الجدود وصعر منكم الخدود فرد الحق إلى أهله، فأصبحتم تحتجون على الناس بقرابتكم من رسول الله ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا الأمر فيكم، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي بمنزلة هارون من موسى، فغايتنا الجنة و غايتكم النار.

فيقبح من الجاحظ نسبة الشيعة إلى جهل ما تعرفه نساؤهم.

وقال الملك الصالح في ذلك:


أخذتم عن القربى خلافة أحمدوصيرتموها بعده في الأجانب
وأين على التحقيق تيم بن مرةلو اخترتم الإنصاف من آل طالب

وروي أن الرضا عليه السلام بات ساهرا متفكرا في قول ابن أبي العوجاء:


أنى يكون وليس ذلك بكائنللمشركين دعايم الاسلام
لبني البنات نصيبهم من جدهموالعم متروك بغير سهام

____________

(1) نهج البلاغة الرقم 190 من الحكم والمواعظ.


الصفحة 68

ما للطليق وللتراث وإنماسجد الطليق مخافة الصمصام
قد كان أخبرك القران بفضلهفمضى القضاء به من الحكام
إن ابن فاطمة المفوه باسمهحاز الوراثة عن بني الأعمام

وقال عمرو بن حريث:


لو لم يكن لك في الإمامة مهلةإلا سوابقك التي لا تعدل
كنت المقدم قبلهم وأحقهمإذ لا يفوتك منهم متمهل
فلك المكارم والوراثة حزتهاومناقب لك جمة لا تجهل
أما ابن حرب فالإمارة همهلا المنجيات ولا الكتاب المنزل

وقال المرزكي:


أيا لائمي في حب أولاد فاطمفهل لرسول الله غيرهم عقب
هم أهل ميراث النبوة والهدىوقاعدة الدين الحنيفي والقطب
أبوهم وصي المصطفى وابن عمهووارث علم الله والبطل الندب

(الفصل الثاني)
* (في تكميل شئ مما سبق في هذا الباب) *


قالوا: لطفية الإمام لا تتعين إلا عند امتناع البدل. قلنا: التجاء الخلق في الأزمان والأصقاع إليه، دليل [ على ] عدم البدل.

قالوا: فقد قام غيره مقامه في حق الإمامة وهو العصمة عندكم. قلنا: قد علمنا عدم عصمة الأمة وأيضا، فبدله لا يتصور إلا عند عدمه وقد بينا وجوبه في كل وقت وأيضا لزم من عدم الإمام، هدم الصوامع والبيع والصلوات، كما قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات)(1).

الآية، فلو كان له بدل، لم تلزم هذه المفاسد، وأيضا ففي أمره تعالى بطاعة أولي

____________

(1) الحج: 40.