15 - لا شئ من الإمام يباح الاعتداء عليه، بالضرورة. وكل غير معصوم بالفعل يباح الاعتداء عليه في الجملة، لأنه ظالم في الجملة، فيدخل في قوله (فلا عدوان إلا على الظالمين(1)) ينتج: دائما لا شئ من الإمام بغير معصوم بالفعل.
16 - كل غير معصوم يركسه الله بما كسب بالامكان، ولا شئ من الإمام يركسه الله بما كسب بالضرورة، فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة، أو بالدوام.
17 - كل من ليس بمعصوم يمكن كونه ظالما، ولا شئ من الإمام بظالم بالضرورة، فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.
(الفصل السادس)
وفيه أمور:
1 - غير المعصوم يمكن أن يتبرأ منه من تبعه، لقوله تعالى: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا(2)) الآية ولا شئ من الإمام المنصوب من الله يتبرأ منه بالضرورة، فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة على قول، وبالدوام على قول والمطلق حاصل في القولين.
2 - غير المعصوم يمكن أن يكون من أهل النار، فيمكن أن يدعو إلى النار ولا شئ من الإمام بالضرورة من أهل النار [ ولا يدعو إلى النار ]، فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة أو بالدوام.
3 - غير المعصوم مفسد لنفسه ولمتبعه بالامكان، ولا شئ من الإمام كذلك بالضرورة، فغير المعصوم ليس بإمام.
____________
(1) البقرة: 193.
(2) البقرة: 166.
5 - لا شئ من غير المعصوم قوله وفعله بمجرده حجة بالامكان، لعدم كونه معلوما، فلا يجب اتباعه، وكل إمام قوله وفعله بمجرده حجة بالضرورة فيجب اتباعه، فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة أو بالدوام.
6 - مخالف غير المعصوم له على الله حجة لو آخذه لأنه معذور لعدم عصمته وجواز خطاءه، ولا شئ من مخالف الإمام كذلك، فلا شئ من غير المعصوم بإمام.
7 - الإمام المعصوم متق وكل متق الله معه، لقوله تعالى: (والله مع المتقين(2)) فالمعصوم الله معه بالضرورة، ولا شئ من غير المعصوم الله معه بالامكان فلا شئ من الإمام بغير معصوم.
إن قيل: قد أخبر الله تعالى أنه مع كل أحد بقوله: (ما يكون من نجوى ثلاثة(3)) الآية. قلنا: هذه المعية بمعنى العلم لهم، والإحاطة بهم، والمعية مع المتقين بمعنى المعونة، وزيادة الألطاف والهداية، وترجيح العناية، والحث على المتابعة، وإلا لم يكن في القيد بالتقوى فايدة، وقد ذهب جماعة من الأصوليين إلى أن التخصيص بالوصف، يقتضي التخصيص بالحكم، فلو كانت المعية الأولى هي الثانية تناقضا.
إن قيل: لا تناقض لدخول المتقين في كل أحد والجزء لا يناقض الكل.
قلنا: كلامنا على اقتضاء التخصيص بالحكم، وظاهر فيه التناقض، وأيضا على التداخل يلزم التأكيد فيه، والتأسيس مقدم عليه.
انتهت هذه الفصول الموجبة للعصمة من المعقول، ويتلوها أقطاب في شئ من المنقول، بالنور المنزل على الرسول، وهو الكتاب المجيد، والركن الشديد الوتيد
____________
(1) آل عمران: 61.
(2) البقرة: 194 وبراءة 37 و 124 ولفظ الآية (واعلموا أن الله مع المتقين).
(3) المجادلة: 7.
القطب الأول:
وفيه الآيات المتضمنة للرحمة مثل: (بسم الله الرحمن الرحيم. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة. إن رحمة الله قريب من المحسنين. إنه هو الغفور الرحيم.
كتب ربكم على نفسه الرحمة(1)) ونحو ذلك كثير مما فيه نسبة الرحمة إلى الله سبحانه كثير، يستغنى بالإشارة إلى مجمله، عن التطويل بمفصله، إذ لو سبرنا باقي أفرادها خرجنا عن قيد الوجيز بإيرادها يجدها في الكتاب العزيز من أرادها.
ووجه الاستدلال بها أن الرحمة إنما يكون ثبوتها بفعل مأمورات التكاليف وترك منهياتها، وإنما يكون ذلك بالألطاف المقربة إليها، المصرفة للقوى الشهوية والغضبية عنها، ولا أهم في ذلك من المعصوم في كل زمان، إذ منه تستفاد علوم أحكام السنة والكتاب لكل انسان، فترك نصبه يعود بالتعطيل على الأحكام، العائد على نفي الرحمة عن الحكيم العلام، فلا يكون لآيات الرحمة معنى معقولا، وهو تناقض لا يصدر إلا ممن كان غبيا جهولا.
القطب الثاني:
في الآيات المتضمنة للتقوى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. هدى للمتقين. إنما يتقبل الله من المتقين. وآتاهم تقواهم. إن المتقين في جنات و نعيم(2)) ونحو مما يقرب إليه ويعول في هذا المعنى عليه.
ووجه الاستدلال بهذه الآيات أن التقوى المحثوث عليها، المرغب فيها إنما تحصل بامتثال الأوامر وإهمال الزواجر فإن لم يكن للمكلف طريق يؤدي إلى العلم بذلك على الاطلاق، لزم التكليف بما لا يطاق، فإن كان الطريق إلى الظن مؤديا، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا، وغير المعصوم لا يجب التعويل
____________
(1) البقرة: 157. الأعراف: 55. يوسف: 98. الأنعام: 54.
(2) البقرة: 197. البقرة:. 1 المائدة: 30. القتال: 17. الطور: 17.
إن قيل: آيات التقوى مهملة وهي غير عامة، فتصدق بمفرد، فلا يفيد مطلوبكم. قلنا: بل الوقاية فرط الصيانة، يقال: وقاة فاتقى، فلا يتم إلا باجتناب الكبائر والصغائر، قال الله تعالى: (وأنا ربكم فاتقون(1)) والمراد بها فعل كل الطاعات، وترك جميع المعصيات. وقال النبي صلى الله عليه وآله (لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس).
القطب الثالث:
في الآيات التي فيها طلب الهداية، مثل: (اهدنا الصراط المستقيم(2)) و التي فيها نسبة الهداية إلى الرب الكريم مثل (فهديناهم. والله يهدي من يشاء.
سيهديهم ويصلح بالهم. وهديناه النجدين. ومن يهد الله فما له من مضل. ولكن الله يهدي من يشاء هذا هدى. [ هدى ظ ] للمتقين)(3) ونحو ذلك يستغنى بقليله عن كثيره، ويشار بنزيره إلى غزيره.
ووجه الاستدلال أن الهداية جميعها غير معلومة بالعقول، فإن غالبها إنما يستفاد من المنقول، فإن فوض النقل والبيان إلى جايز الخطأ، ولا شك في اختلاف المفسرين والرواة، فإن سمع المكلف من الجميع، وقع في الأمر الشنيع، ولا ترجيح لبعض لارتفاع العصمة عن كل، فالمرشد على اليقين إلى معرفة الهداية هو المعصوم عن الغواية، فإن لم يجب وجوده كلفنا بما لا سبيل إليه، وطلبنا الصواب ممن لا يعول عليه، ولهذا لما تغلب على هذه المنزلة من جهل الفتوى، خبط في دين الله خبط عشوى.
____________
(1) المؤمنون: 52.
(2) الفاتحة: 5.
(3) فصلت: 17. النور: 46. القتال: 5. البلد: 10. الزمر: 37. القصص:
56. الجاثية: 10. البقرة: 1.
القطب الرابع:
في الآيات المتضمنة للخوف ونحوه: (مثل لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ما على المحسنين من سبيل. إنما يخشى الله من عباده العلماء. فلا تخشوهم و اخشون. ما لكم لا ترجون لله وقارا. يعذب من يشاء. مأواهم جهنم(1)) وغير ذلك من الآيات المشتملة على الوعيد بالمخالفة.
وجه الاستدلال أن خروج المكلف عن خوف الوعيد، والسقوط في العذاب الشديد، إنما يكون باختياره ما يوجب ذلك، وهو غير عالم بما يوجبه أو يسلبه من تلقاء نفسه، ولا ممن يحكم في عقله بجواز معصيته، فلا ملجأ له في زوال الهم الفادح، إلا بهداية من لا يفعل ولا يأمر إلا بصالح، وذلك هو الإمام المعصوم، الذي لا يصدق عليه اسم الظلوم.
القطب الخامس:
الآيات الناطقة بما يوجب الهلاك، مثل: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. ولا تخونوا أمانتكم. ولا تفسدوا. فلا تولوهم الأدبار. ولا تكونوا كالذين آذوا موسى. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة(2)) إلى غير ذلك مما لا يخفى حقيقته ولا يعفى طريقه، فنقول:
الكتاب والسنة مجملان في هذه وغيرها، فلا بد من طريق إلى معرفة المراد يقينا منها، ومجتهدو الأمة غايتهم الظن والتبعيض، ولا يصلون إلا في قليل إلى العلم القطعي المانع من النقيض، فلا بد من معصوم يجزم العبد بصوابه، فلا يخشى
____________
(1) البقرة: 62. براءة: 92. فاطر: 28. البقرة: 150. نوح: 13. البقرة:
284. آل عمران: 197.
(2) البقرة: 190. (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم): الأنفال:
27. البقرة: 11. الأنفال: 15. الأحزاب: 69. الأنعام: 151. البقرة: 188.
الأنعام: 152. البقرة 195.
إن قلت: هذا يفهم كون الإمام رسولا. قلت: لا، بل هو تكميل لدينه، و نايب في رعيته بعد حينه، ولا خفاء أن الله لا يخل أمة من الخلفاء (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير(2)).
القطب السادس:
الآيات المتضمنة للاستمرار على الحق اليقين: (ربنا لا تزغ؟ قلوبنا بعد إذ هديتنا. لئن أشركت ليحبطن عملك. يا أيها الذين آمنوا. آمنوا بما نزل على محمد. اصبروا وصابروا. وافعلوا الخير. والله يحب الصابرين. الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا(3)).
فالدوام على ذلك وشبهه فيما لم تقض الضرورة به، ولم تهتد العقول إلى كسبه، إنما يحصل من النبي صلى الله عليه وآله، ومع فقده فمن الإمام، وغير المعصوم يشارك في الحاجة إلى الاستفادة ممن جعل الرب الحكيم عنده، ومنه الإفادة، وقد نص الله في كتابه المبين على اصطفاء قوم معينين في قوله: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين(4)) وإنما يحسن ذلك من الحكيم مع عصمتهم من أول خلقهم إلى آخر عمرهم، فإن كان المراد الأنبياء والأئمة فالمطلوب
____________
(1) النساء: 164.
(2) فاطر: 24.
(3) آل عمران: 8. الزمر: 65. النساء 135. القتال: 2. آل عمران: 200 الحج: 77. آل عمران: 146. الرعد: 22. إبراهيم: 7. الحجرات 15.
(4) آل عمران: 33.
القطب السابع:
الآيات التي فيها الحث على عمل الصالحات مثل: (افعلوا الخير)(1) ومن يفعل خيرا يجز به. (ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره(2)) والآيات التي فيها الزجر عن المعصيات (من يعمل سوء يجز به. من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته. كل امرء بما كسب رهين. فمن افترى على الله الكذب. اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا(3)) فهذه الآيات ونحوها لا يوصل إلى حقائقها إلا بالمعصوم، إذ الكتاب والسنة مشتملان على المجملات والمتشابهات، وتفويض استخراج ذلك إلى الاجتهاد المختلف باختلاف الأمارات، فيه تعطيل الأمور، والتكليف بغير المقدور، والخوف من عدم إصابة اليقين، للقادة والتابعين.
وقد ذكر أن رجلا دخل على فخر الدين الرازي في موضعه فوجده يبكي فقال له: مم بكاؤك؟ فقال: مسألة حكمت بها منذ ثلاثين سنة، ووضعتها في مصنفاتي وسارت بها الركبان، والآن ظهر لي أنها خطأ فما يؤمنني أن يكون جميع ما صنفته وألفته كذلك، فهذا خوف هذا الإمام مع سعة علمه، وإقرار العارفين له بزيادة فهمه.
إن قيل: فما ذكرتم بطلان الاجتهاد، والاجماع يرده. قلنا: اكتفي في المسائل العملية به تخفيفا عند فقد المعصوم، وقد قال الله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم(4)) لأن المسائل العلمية
____________
(1) الحج: 77.
(2) الزلزال: 7.
(3) النساء: 122. البقرة: 81. الطور: 21. آل عمران: 94، 103، 152، 105.
(4) النساء: 82.
إن قيل: النهي عن الافتراق لا يستلزم وجوب الاجتماع إذ النهي عن الشئ لا يستلزم الأمر بضده. قلنا: عند الأشاعرة أن متعلق النهي فعل الضد فسقط السؤال، وعند أبي هاشم متعلقه عدم الفعل، والمقصود هنا من عدم التفرق اجتماع المسلمين لتحصيل فوائد الاجتماع، وأبو هاشم لا يمنع ذلك.
إن قيل: النهي عن التفرق لا يعم جميع أحكام العباد، بل مخصوص بما المقصود منه الاجتماع، كالأصول والجهاد. قلنا: (لا تفرقوا) نكرة منفية فتعم ولأن المراد عدم إدخال الماهية في الوجود، فلو دخلت في وقت عدم الامتثال.
القطب الثامن:
الآيات الدالة على شفقة الله تعالى بخلقه، وذلك في آيات الرحمة والعفو و المغفرة والتوبة والنعمة، وفي أمر رسوله بنحو ذلك من التلطيف والتغافل عنهم والارفاق بهم، في قوله: (فاصفح الصفح الجميل. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم(1)) وبدون نصب الإمام المعصوم من الله ورسوله لا يوجد ذلك، إذ لا يتم إلا به، فكيف يحسن من النبي صلى الله عليه وآله مع شدة شفقته الاخلال به.
إن قيل: هذا من باب الخطابة والمسألة علمية فلا تستفاد من الخطابة.
قلنا: لا بل ذلك من باب مفهوم الموافقة، فإن الأمر باللين والاستغفار والتواضع هابط في اللطفية عن المعصوم، فيجب بالأولى، والخطاب الإلهي برهاني لأن إثبات الرحمة التامة وإرادة المنافع العامة، علة في نصب الإمام المعصوم الذي تفقد تلك الفايدة بفقده، وهذا برهان لمي ولأنه تعالى أثبت أحد معلولي الرحمة وهو الأمر باللين والشفقة، فيثبت المعلول الآخر وهو نصب المعصوم الذي تفقد تلك
____________
(1) الحجر: 85. آل عمران: 159.
إن قيل: فاعل الحسن لحسنه لا يلزمه فعل كل حسن، والله فعل ذلك وأمر به، فلا يلزمه فعل كل حسن، فلا يلزمه نصب الإمام. قلنا: بلى، فإنه إذا فعل الحسن الذي هو غير واجب لحسنه لزم منه أن يفعل الواجب لحكمته، وقد بينا وجوب نصب الإمام والعناية به، وإلا لزم نقض غرضه من نفع خلقه، إذ الإمام أتم في تحصيل ذلك من اللين وغيره من المأمور به.
القطب التاسع:
الآيات التي فيها إخفاء الحق وكتمانه مثل: (لم تصدون عن سبيل الله [ من آمن ظ ] تبغونها عوجا. لم تقولون على الله ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. لم تلبسون الحق بالباطل(1)) ونحوها مما ينجذب إلى معناها تقتضي التحرز عن اتباع من يجوز فيه ذلك، وكل من ليس بمعصوم يجوز فيه ذلك، ولأن آية (لم تلبسون الحق بالباطل) ناصة على الباطل الممازج للحق، فيدخل الباطل الصرف بطريق أولى، وإذا كان النهي تعلق بالمرتكب للباطل في بعض الأحوال، فالمراد به الزجر عن الموجبة الجزئية المطلقة العامة فيكون نقيضها وهو الدائمة الكلية مرادا وهذه صفة العصمة وهي تحصل في الأمة إذا أطاعت الإمام في كل شئ وذلك ممكن، وهي مكلفة به، فالإمام أولى منها بها وإلا لشاركها في وجه حاجتها إليه، ولأن الله تعالى لما أمر باتباع الإمام لمجرد قوله في كل شئ علم أن سبيل الإمام هو العصمة، وإذا كان المكلف أيضا مأمورا بالعصمة كيف يكلف باتباع من ليس فيه عصمة.
القطب العاشر:
الآيات المتضمنة للاستعاذة من الشيطان مثل: (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم من شر الوسواس الخناس)(2) ونحو ذلك (ولا تتبعوا خطوات الشيطان(3) فالمأمور
____________
(1) آل عمران: 99. الصف: 3. آل عمران: 71.
(2) النحل: 97. الناس: 4.
(3) البقرة: 168.
ولأن غير المعصوم قد يتبع خطوات الشيطان ولا شئ من متبعها يجب اتباعه ما دام متبعا لها، فلا شئ من غير المعصوم بواجب الاتباع وكل إمام واجب الاتباع فلا شئ من غير المعصوم بإمام وينعكس إلى لا شئ من الإمام بغير معصوم.
القطب الحادي عشر:
قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون(1)) فكل من ابتغى غير دين الله في أي شئ كان، فهو مذموم مستحق للعقاب، ولا شئ من الإمام كذلك لأنه إنما وجب ليعرف المكلف تفاصيل دين الله، ولا يخالفه في شئ، وإنما ذلك المعصوم فلا شئ ممن يتبع غير دين الله بإمام، وتنعكس إلى لا شئ من الإمام يبتغي غير دين الله.
ونحو ذلك قوله (تبغونها عوجا(2)) والتقرير كما سلف، ونحو ذلك قوله (و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما(3)) فنقول: غير المعصوم يتبع الشهوات، وكل من يتبع الشهوات يميل عظيما وكل من يميل عظيما لا يقتدى به، والإمام يقتدى به، فغير المعصوم ليس بإمام.
____________
(1) آل عمران: 83.
(2) آل عمران: 99.
(3) النساء: 26.
تذنيب:
كل آيات الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والحث على التمسك بالدين والمن بالارشاد إلى طريق المؤمنين، وما فيه ذكر الظالمين والفاسقين والمعتدين والمبدلين، وغير ذلك من جنسه وغير جنسه كثير مخزون في الكتاب المبين، من أتقن ما أصلناه منه، قدر على استخراج ما سكتنا عنه، وتبين له الاحتياج إلى المعصوم في كل فرد من أفراده، وأنه بدونه لا يصل إلى كنه مراده، ومن طلب ذلك بوجوه تفصيله فكتاب الألفين تكفل بتحصيله، وفيما وضعنا في هذا الكتاب من الفصول والأقطاب غنية لأولي الألباب عن الإطناب، في القصد إلى سبيل الصواب.
(الفصل السابع)
قالوا: إن قلتم: إن عليا كان إماما في عصر النبي خرقتم الاجماع، وإن قلتم: لا، جاز كون باطنه في تلك الحال على غير العصمة، لعدم الإمامة وحينئذ لا يضر العصيان من غيره تقدم إمامته. قلنا: علي وإن لم يكن إماما في حياة النبي فإنه كان معصوما لأجل إمامته بعده، لئلا يقع التنفير عنه، كالنبي قبل بعثته
____________
(1) آل عمران: 126. الأنفال: 10 وفيه (بشرى) مكان (ذكرى).
إن قالوا: لم يكن أحد بعد النبي معصوما إلا عصمة الإيمان. قلنا: هذه لا يعلم بالباطن حصولها، وحسن الظاهر لا يدل عليها لوقوع النفاق في كثير من الأمة في حياة نبيها وحينئذ لا وثوق ولا أمان بحصول الثلاثة باطنا على الإيمان لجواز إظهاره وإبطان الكفران، ولم قطعتم بالاطلاق على كذب من وصفهم بالنفاق.
إن قالوا: فمدائح النبي فيهم ترفع هذا التجويز لرواية سعيد بن عمرو بن نفيل، أن النبي صلى الله عليه وآله عد العشرة المشهورة من أهل الجنة. قلنا: إن سلم ذلك عن الفساد، فهو من أخبار الآحاد، والراوي له أحد العشرة، فيرد الحكم بقوله لشهادته لنفسه.
إن قالوا: لم ينكره أحد من الأمة فصار إجماعا. قلنا: فالأمة قد اجتمعت على استحلال دم أحد العشرة، وهو عثمان وكيف تستحل دم من تعتقد أنه من أهل الجنان، وإن لم تجتمع عليه، فقد استحله جماعة كثيرة منها فكيف يدعى في صلاحه إجماعها، والشيخان قد أكذبا ما روى سعيد فيهما، بجزعهما عند موتهما حتى قال الأول لابنته عائشة: هلك أبوك، هذا رسول الله معرض عني فقال عمر:
لا تخبروا بذلك فإنكم أهل بيت يعرف فيكم عند الموت الهذيان، وقال عمر عند احتضاره: ليت أمي لم تلدني، وسيأتي في المطاعن بإسناده إلى صحاحهم.
وعثمان لم يحتج بخبر سعيد وقت حصره، وقد ذكر غيره من فضائله ليدفع بها من قتله وضره، ولو كان صحيحا عنده كان ذكره أوكد من غيره، وهذا علي وطلحة والزبير من العشرة قد استحل كل منهم دم الآخر ولم يسلموا السعيد
(الفصل الثامن)
قالوا: ورد الخبر بندم علي على تحريق الغالين لما بلغه كلام ابن عباس في ذلك، فإن دفعتم الندم فأرونا في الكتاب والسنة التحريق على جناية في الدنيا وقد جاء في الخبر أنه شهد على نفسه بالخطأ في التحكيم، وقال حين رأى اختلاف الناس عليه:
لقد عثرت عثرة لا أنجبر | سوف أكيس بعدها وأستمر |
وهذا كله ينافي العصمة، قلنا: أدلة العصمة لا تنكسر بهذه الشبهات والأخبار الشاذات المرسلات، وخبر الواحد مع ذكر رواته والنص على عدالتهم لا يوجب علما، فما بال المرسل؟ وكيف يكون قول ابن عباس سبب ندم علي عليه السلام وهو تلميذه وعنه أخذ الأحكام قال: ما ملئت عيني منه قط هيبة له، ولم نسمع له الخلاف لعلي عليه السلام إلا في مال البصرة ثم ندم ولم يزل يبكي حتى عمي.
ولم يرجع علي إلى أحد في شئ من الأحكام، بل كانت رؤساء الصحابة ترجع عما حكمت إلى قوله عليه السلام وقد جاء النقل من الفريقين واستفاض بين الخصمين قول النبي صلى الله عليه وآله له: (أنا مدينة العلم وعلي بابها. الحق يدور مع علي حيث دار أقضاكم علي). وضرب بيده على صدره حين بعثه إلى اليمن وقال: (اللهم اهد قلبه وثبت لسانه قال علي فما شككت في قضاء بين اثنين).
وقولهم: أرونا في الكتاب والسنة التحريق بالنار. فإن الله تعالى يقول
وما ذكره من ندمه على التحكيم، فالبطلان ظاهر فيه، والشعر المنسوب إليه مكذوب عليه، كيف ذلك وإنما قتل من الخوارج أربعة آلاف حيث حكموا بضلاله في التحكيم، أفيصح أن يشهد على نفسه بخطائه فيما قتل الناس لأجله.
ثم إن ذكر العثرة لا يدل على الخطأ والندم، لجواز تسمية ما أعقب العثرة عثرة مجازا، يجب المصير إليه لما تلوناه من قول النبي صلى الله عليه وآله فيه، وقد أضاف الرب الخبير زيادة الرجس إلى السورة والنفور إلى النذير. وأبلغ من ذلك أن الله تعالى سمى الحسنة سيئة والعدل جورا في قوله: (وجزاء سيئة سيئة. ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه(2)).
إن قالوا: إنما سماهما بذلك لوقوعها في صحبة السيئة والعدوان، كما تقرر في علم المعاني والبيان، قلنا: والتحكيم وقع في صحبة العثرة من الضالين حيث عدلوا إليه عن الحق اليقين، الذي قال الله تعالى فيه: (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين).(3) على أنا نعارض بقول النبي صلى الله عليه وآله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، وهذا يدل بظاهره على ندمه على سوق الهدي، ولم يخرجه ذلك من عصمته، بل هو مصروف عن ظاهره، فكذا ما نحن فيه.
قالوا: تلك صغاير جايزة على النبي، وأنتم أثبتم للإمام العصمة مطلقا.
قلنا: لم نثبتها له إلا على حد ثبوتها للنبي وإلا لكان أفضل من النبي ولا يقول ذلك سوى الضال الغبي، على أنا لا نجوز الصغاير على النبي وإنما قصدنا معارضتكم لنريكم أنكم [ ا ] دخلتم في أشنع مما ألزمتم خصمكم.
وهذان الفصلان لخصتهما من كلام الشيخ المفيد رحمه الله.
____________
(1) الحشر: 7.
(2) الشورى: 40. البقرة: 194.
(3) يس: 12.
إن قيل: فلم حارب الفرق الثلاث(1) دون الأولين. قلنا: لوجود الناصر دون الأولين، أو لجواز ظنه أنه لو لم يحارب ارتد أكثر المستضعفين، ولو حارب الأولين ارتد قوم من ضعفاء اليقين.
إن قيل: فعندكم قد ارتد دافعوا النص على أمير المؤمنين، فلا فايدة في ترك محاربة الأولين. قلنا: خاف أن يتعاظم الكفر بوجود المحاربة فيؤدي إلى جحد الله وتوحيده والرسول وما جاء به.
إن قيل: فعندكم أن الاقرار بالله ورسوله، لا ينفع عند جحد النص على خليفته، فلا زيادة بالمحاربة عما حصل بعدمها. قلنا: أقل مراتب الريادة أنهم إذا حاربوا الإمام، وأظهروا جحد الإمامة، وطعنوا فيها طعنا مسموعا، حصلت زيادة.
(الفصل التاسع)
رووا أن عليا قال: كنت إذا حدثني أحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أحلفته بالله فإن حلف صدقته وإلا فلا. وإن أبا بكر حدثني وصدق أبو بكر، قال النظام:
إن كان ثقة فلا معنى للإحلاف، وإن كان غيره لم تزل تهمته بالإحلاف، فإن من جوز الكذب على النبي يجوز الحلف عليه، قلنا: لم ينقل أحد أن عليا نقل عن النبي حرفا بواسطة، وهذا الخبر ضعيف لأنه مسند إلى أسماء بن الحكم، وهو مجهول عند أهل الرواية وروي من طريق آخر إلى سعد بن سعيد قال الزبير و يحيى بن معين والشيباني إنه ضعيف خبيث متروك الحديث. ولا موضع لإنكار
____________
(1) يعني الناكثين والقاسطين والمارقين.
وما؟ قاله من تصديق أبي بكر فلعلمه بصدوره عن النبي صلى الله عليه وآله لا بمجرد إخبار النبي. على أنه لا يلزم من صدق أبي بكر في حديث صدقه في كل حديث حتى يلزم صدقه في قوله: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث).
قالوا: قتل علي أصحاب الجمل ولم يغنم فإن حل أحدهما حل الآخر و إلا حرما معا. قلنا: قال عليه السلام: فأيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ فقال له الراسي:
أليس لنا قتل غيرها دونها، قال: بلى، قال: فلنا سبي غيرها دونها فقال عليه السلام:
مننت عليهم كما من النبي صلى الله عليه وآله على أهل مكة وقال لعباد لما اعترضه بذلك:
إن دار الهجرة حرمت ما فيها وإنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، فما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم. وقد ارتد في أيام أبي بكر علاثة فلم يتعرض لماله و آخر في أيام عمر فلم يتعرض لماله، هذا.
وقد شهد له النبي صلى الله عليه وآله أن الحق يدور مع علي حيث دار. وإن لم يعلم وجه الصواب، وجب علينا الكف والتفويض إلى من علمت عصمته، وأومن بدعاء النبي خطاؤه، وكما يرجع في آيات الجبر والتشبيه، إلى إثبات العدل والتنزيه.
قالوا: قطع سارقا من أشاجعه. قلنا: هو أعلم باللغة العربية، من غيره، ولقد قال له قائل: أفلا قطعت من الرسغ؟ قال: فعلى أي شئ يتوكأ؟ وبأي شئ يستنجي؟ على أن ذلك بنص الكتاب في قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم(1)).
قالوا: جلد الوليد أربعين، قلنا جلده بسعفة لها رأسان، فكانت ثمانين أخذا
____________
(1) البقرة: 79.