وهو المقدم عند حومات الوغى | ما ليس ينكر طارفا وتليدا |
الناشي:
وقى النبي بنفس كان يبذلها | دون النبي قرير العين محتسبا |
حتى إذا ما أتاه القوم عاجلهم | بقلب ليث يعاف الرعب ما وجبا |
فساءلوه عن الهادي فشاجرهم | فخوفوه فلما خافهم وثبا |
وقال آخر:
مبيت علي في الفراش فضيلة | كبدر له كل الكواكب تخضع |
فرهن علي بالفكاك معادل | وهذا سبيل واضح النهج مهيع |
(الفصل السابع)
حمله النبي لتكسير الأصنام، عن البيت الحرام، وهو من الفضائل العظام حيث تشرف قدماه بمنكب خير الأنام، وقد رواه الفريقان مثل ابن حنبل والموصلي والخطيب والخوارزمي والزعفراني والنطنزي والشيرازي وعمار بن أحمد و أبي عمر والقاضي وابن منده والبيهقي وابن مردويه والثعلبي والجرجاني و شاذان والحسكاني.
قالوا: لا فضيلة لعلي في حمل النبي إذ لو وجد آلة يرمي بها غيره لم يحمله قلنا: لم يشك أحد في أن ذلك فضيلة لعلي فقد ذكره شيخ المعتزلة ابن أبي الحديد في قوله:
رقيت بأسمى غارب أحدقت به | ملائكة تتلو الكتاب لمطهرا |
فيا رتبة لو شئت أن تلمس السها | بها لم يكن ما رمته متعذرا |
ويا قدماه أي قدس وطئتما | وأي مقام قمتما فيه أنورا |
وهذا أخذه من قول النبي صلى الله عليه وآله فيما رواه ابن المغازلي أن عليا قال للنبي:
أنا أحملك فقال النبي لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا مني بضعة وأنا حي
كيف يصيبك وإنما حملك محمد، وأنزلك جبرائيل.
فهذا الحديث مجمع عليه، يتبين فضيلة علي منه، والمخالف يبطل ترجيحه بذلك، ويرجح أبا بكر بإخباره بموضع قبر النبي بخبر رواه، وبإخباره بأنه يجوز عليه الموت مع اشتهار قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون. وكل نفس ذائقة الموت(1)) وأيضا إذا ادعيتم أن النبي لم يقصد الفضيلة لعلي بحمل علي لزمكم أنه صلى الله عليه وآله لم يقصد الفضيلة لأبي بكر بصحبة أبي بكر، وقد روي أن الثلاثة هبطوا عن مقام النبي في المنبر وعلي صعد إليه فتكلم الناس فيه فقال: سمعت النبي يقول: (من قام مقامي ولم يعمل بعملي أكبه الله في النار وأنا والله العامل بعمله والحاكم بحكمه).
قلت: فمن أقام الاسلام بحسامه، ووضع رجله من النبي على ختامه، كيف ينكر عليه الصعود إلى مقامه، قال الناشي:
وكسر أصناما لدى فتح مكة | فأورث حقدا كل من عبد الوثن |
فأبدت له عليا قريش عداوة | فأصبح بعد المصطفى الطهر في محن |
يعادونه أن أخفت(2) الكفر سيفه | وأضحى به الدين الحنيفي قد علن |
قال المخالف: روت أهل السنة أن النبي ليلة الهزيمة كان يحمل أبا بكر في الرمل لأن قدم النبي لا يؤثر فيه وأبو بكر يحمل النبي في الصخر لأن قدم النبي تؤثر فيه. قلنا: الحديث المجمع عليه، فيه: (لو أن ربيعة ومضر جهدوا على أن يحملوا مني بضعة وأنا حي ما قدروا) ينفي ويكذب ما قدرووا ولو فرضت
____________
(1) الزمر: 30. آل عمران: 185.
(2) أخمد. خ ل.
قالوا: لم يطق حمل النبي أحد كما في الحديث. قلنا: قد قلتم: إن أبا بكر حمله، فكيف تعثرون هذا العثور؟ وقد حملته العضباء واليعفور قال الناشي:
إمام علا من خاتم الرسل كاهلا | وقد كان عبلا يحمل الطهر كاهله |
ولكن رسول الله أعلاه عامدا | على كتفيه كي يباهي فضائله |
أيعجز عنه من دحى باب خيبر | ويحمله أفراسه ورواحله |
قالوا: حمل النبي الصبيان: أسامة والحسنين وأمامة، ولا فضل بذلك فضلا عن اقتضاء الإمامة. قلنا: بلى، فإن كل واحد اشتهر به افتخاره، ولم يسع مسلم إنكاره، كيف وفيه حط لمنصب النبوة والرسالة، وحط لمنقب الفتوة والجلالة والفرق أيضا بين حملهم وحمل علي ظاهر، لكل عاقل خابر، إذ كان في حمله عليه السلام وسيلة إلى إعزاز الاسلام، بكسر الأصنام، وإرغام الطغام، قال المرتضى:
ولنا من البيت المحرم كلما | طافت به في موضع أقدامه |
وبجدنا وبصنوه دحيت من البيت | الحرام وزعزعت أصنامه |
فهما علينا أطلعا شمس الضحى | حتى استنار حلاله وحرامه |
وقال آخر:
قالوا مدحت علي الطهر قلت لهم: | كل إمتداح جميع الأرض معناه |
ماذا أقول لمن حطت له قدم | في موضع وضع الرحمن يمناه |
(الفصل الثامن)
عمل بآية النجوى وبخل غيره، قال الثعلبي في تفسيره: قال ابن عمر: لعلي ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلى من حمر النعم: تزويج فاطمة، و إعطاء الراية، وآية النجوى.
وأورده في التفسير الثعلبي، وشريك، والليث، والكلبي، وأبو صالح والضحاك ومقاتل، والزجاج، ومجاهد، وقتادة، وابن عباس، والترمذي، والأشنهي عن الأشجعي، والثوري، وسالم ابن أبي حفصة، وابن علقمة الأنباري، والموصلي وزاد أبو القاسم الكوفي: لو لم أعمل بها لنزل العذاب عند امتناع الكل منها، و حكى القاضي في تفسيره وقال: في هذا تعظيم الرسول، وانتفاع الفقراء، والنهي عن الافراط في السؤال، والتمييز بين المخلص والمنافق، ومحب الآخرة ومحب الدنيا وذكر قريبا منه رزين العبدري.
وفي الكشاف للزمخشري: ومن طريق الحافظ أبي نعيم: بخلوا أن يتصدقوا وتصدق ولم يفعل ذلك أحد غيره، فهنا عتب الله تعالى على كل الأمة لقوله تعالى:
(فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم(1)) وذلك أن الله لم يقيد الصدقة بقليل ولا كثير فلا اعتذار للفقراء بعدم المقدرة، وكان ذلك ليتميز علي عليه السلام وتظهر فضيلته فيهم إذ كان الله عالما قبل اختبارهم بفعله وامتناعهم، فأراد بذلك إظهار شرفه بامتثال أمره، واستحقاق إمرته.
قالوا: كان علي سبب نسخها ومنع الأمة عن نيل ثوابها، إذ عملت بها.
قلنا: [ إذ ] المراد تثبيت فضيلته، وإن لزم منها نقص غيره، وقد كان عند النذير زيادة النفير، وزيادة الرجس عند إنزال السورة، فلا تنفعهم كلمتهم العورة.
قالوا: تفتخرون بصدقة النجوى مع قلتها فكيف يكون افتخارنا بإنفاق أبي بكر مائة ألف كل ماله وعمر نصف ماله؟ قلنا: صدقة النجوى كثرها القبول كما قال عليه السلام: (لا يقل عمل مع التقوى وكيف يقل ما يتقبل) ولولا إعلام
____________
(1) المجادلة: 13.
إن قلت: فأيسر بعد ذلك، قلت: الأصل عدمه ولا دليل عليه، ودعوى الإنفاق لا تجري فيه لبنائها عليه، وقبل الهجرة كان النبي غنيا بمال خديجة، وقد أخرج صاحب الوسيلة أنه عليه السلام كان يجازي على الهدية بأكثر منها، قال: كان كل ذلك تنزيها له عن المنن، وتشريفا له بالعز والغناء بما آتاه الله، ولو كان الإنفاق صحيحا، وعلى تقدير صحته لو كان مخلصا، نزل القرآن فيه كما نزل في علي هل أتى وآية الخاتم ونحوها، مع كونه هو الأقل والمنفق عليه وهو النبي هو الأجل.
تذنيب:
اتحاد النبي وعلي عليهما السلام في دار في الجنة يدل على شدة المناسبة في الفضيلة، واستحقاق الثواب دون غيره بيانه أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن شجرة طوبى فقال: أصلها في داري في الجنة وسئل ثانيا في دار علي فقيل له في ذلك، فقال:
داري ودار علي واحدة. روي ذلك عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام.
(الفصل التاسع)
مرض الحسنان فعادهما جدهما ووجوه العرب، فنذر علي وفاطمة صيام ثلاثة أيام إن برئا، فكان ذلك. فاقترض علي ثلاثة أصوع من شعير من يهودي و روي أنه أخذها ليغزل له بها صوفا، فطحنت فاطمة عليها السلام صاعا واختبزته فأتاهم مسكين فسألهم فأعطوه، وفي اليوم الثاني يتيم فأعطوه، وفي الثالث أسير فأعطوه
____________
(1) العضروط والعضارط: الخادم على طعام بطنه.
قال الجاحدون: السورة مكية فكيف تتعلق بما كان في المدينة؟ قلنا: ذكر الرازي في الأربعين، وابن المرتضى، والزمخشري، والقاضي في تفاسيرهم و الفراء في معالمه، والغنوي في شرح طوالعه، والواحدي، وعلي بن إبراهيم، و أبو حمزة الثمالي، وأسنده أحمد الزاهد، والحسكاني أنها مدنية، وكذا عن عكرمة، وابن المسيب، والحسن بن أبي الحسن البصري، ونحو ذلك قال خطيب دمشق الشافعي، وأورد القضية بجزئياتها الثعلبي وفي آخرها: بكى النبي صلى الله عليه وآله وقال: وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا، فهبط جبرائيل و قال: خذ ما هناك الله في أهل بيتك، ثم أقرأه (هل أتى).
وزاد محمد بن علي صاحب الغزالي في كتابه البلغة أنه نزلت عليهم مائدة فأكلوا منها سبعة أيام، وعد أبو القاسم الحسين بن حبيب وهو من شيوخ الناصبية في كتاب التنزيل، ما نزل بالمدينة وهو تسعة وعشرون سورة وذكر هل أتى منها ولم يذكر خلافا فيها، ويقرب منه ما ذكره هبة الله المفسر البغدادي في الناسخ و المنسوخ، بل ذلك قد شاع وذاع، وقرع جميع الأسماع، وأنشد فيه:
أنا مولا لفتى | أنزل فيه هل أتى |
آخر(2):
إلام ألام وحتى متى | أفند في حب هذا الفتى |
فهل زوجت فاطم غيره | أفي غيره أنزلت هل أتى |
____________
(1) راجع الكشاف ج 4 ص 169 أسباب النزول ص 331 تفسير الرازي ج 3 ص 243، تفسير القرطبي ج 19 الدر المنثور ج 6 ص 299، فتح القدير للشوكاني ج 5 ص 338. على ما في ذيل إحقاق الحق ج 3 ص 157.
(2) نسبه في ذيل الاحقاق إلى الإمام الشافعي.
شرفي محبة معشر | شرفوا بسورة هل أتى |
وولاء من في فتكه | سماه ذو العرش الفتى |
ولما كان الله سبحانه قد علم صدق نياتهم وإخلاص طوياتهم أنزل على نبيه:
(إنما نطعمكم لوجه الله(1)) قال مجاهد وابن جبير لم يتكلموا بذلك بل علم الله ما في قلوبهم فأثنى به عليهم.
(الفصل العاشر)
نزل في علي وفاطمة والحسنين (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(2)). وفي رواية القمي: إنما نزلت في علي والسبطين والأئمة من ولده، قال أحمد بن فارس اللغوي صاحب المجمل، فيه: التطهير:
التنزيه عن الإثم وعن كل قبيح، وأقول: فيه شاهد عدل على عصمتهم.
إن قلت: الواحد المعرف بلام الجنس لا يعم، قلت: بل يعم في النفي لأنه لو ثبت من الرجس فرد كانت الماهية فيه، فلم يصدق إلا ذهاب وليست اللام للعهد لعدم تقدم ذكر الرجس.
قالوا: الله يريد إذهاب الرجس عن كل أحد. قلنا: نمنع أن الرجس المستلزم إذهابه للعصمة يريد الله إذهابه عن كل أحد.
قالوا: (يريد) لفظ مستقبل فلا دليل على وقوعه، قلنا: دعا النبي صلى الله عليه وآله لهم به، ولا يدعو إلا بأمر ربه، فيكون مقبولا فيقع، مع أن صيغة الاستقبال قد جاءت للماضي والحال: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة. يريد الله أن يخفف عنكم. يريدون أن يبدلوا كلام الله(3)).
____________
(1) الدهر: 9.
(2) الأحزاب: 33.
(3) المائدة 94. النساء: 27. الفتح: 15.
قالوا: المراد النساء لأن مبدء الآية وختامها فيهن قلنا: الميم الذي هو علامة التذكير يخرجهن.
قالوا: فلتخرج فاطمة وليس قولكم. قلنا: يدخل المؤنث إذا جاء معه بخلاف قولكم فإنكم خصصتموها بالنساء.
إن قالوا: خاطب موسى امرأته بالميم في قوله (لعلي آتيكم منها بقبس) قلنا:
أقامها مقام الجمع مجازا إن قالوا: فكذا هنا بل أولى، قلنا: لا ضرورة تحوج إلى المجاز هنا وحديث أم سلمة أخرج النساء وسيأتي ذلك منا، مع انعقاد الاجماع في أن ترتيب القرآن ليس على ما نزل وقال الإمام الطبرسي: عادة الفصحاء الذهاب من خطاب إلى آخر والعود إليه، والقرآن مملوء منه: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم وسقاهم ربهم شرابا طهورا، إن هذا كان لكم جزاء(1)) وقد أخرج صاحب جامع الأصول ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم لما قيل له: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا إن المرأة تكون مع الرجل الدهر ثم يطلقها فترجع إلى قومها أهل بيته هم أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
وأسند ابن حنبل إلى واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله أجلس عليا على يساره وفاطمة على يمينه والحسنين بين يديه، ثم التفع عليهم بثوبه وتلا هذه الآية ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي هؤلاء أحق). وفي الرواية قالت أم سلمة:
أنا معكم قال: إنك على خير(2)
____________
(1) يونس: 22. الدهر: 21 و 22.
(2) قد نقل المصنف رحمه الله روايات في هذا الفصل ترى مواضعها ذيل إحقاق الحق ج 2 ص 502 و ج 3 ص 513، وأخرجها في البحار ج 35 ص 217 الطبعة الحديثة.
وفي تفسير الثعلبي عن الصادق عليه السلام معنى طه طهارة أهل البيت ثم تلا آية التطهير، وروى مثل ذلك في تفسيره عن الخدري وعن أبي الحمراء ورواه أيضا الطبراني في معجمه عن الخدري.
قال صاحب المستدرك: إنه حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه قال الترمذي! إنه حديث حسن صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه، وذكر نحو ذلك أبو داود في مواضع من سننه، وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع والستين من افراد مسلم وذكر مسلم أيضا في الجزء الرابع في ثالث كراس أن النبي لما خرج بالأربعة إلى المباهلة قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي.
وذكر الشيخ المفيد أن النبي صلى الله عليه وآله وضع الكساء عليهم ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأنزل الله آية التطهير فيهم وفي أخبار مسلم أنه قال لأم سلمة: إنما نزلت في وفي أخي وابني وتسعة من ولد الحسين ليس معنا فيها غيرنا.
ومما يدل على تخصيصهم ما أسنده الثعلبي في تفسيره إلى الخدري أن النبي قال: نزلت آية التطهير في وفي علي والحسنين وفاطمة وأسند إلى مجمع قال:
دخلت على أمي عائشة فقلت: أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت: كان قدرا من الله، قلت: فعلي؟ قالت: أحب الناس إلى رسول الله، ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله جمعه وفاطمة والحسنين وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس
ومما يدل على خروج النساء قوله (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ولو كن مقصودات لم تخرج عائشة عن الاسلام، وحاربت المجمع على إمامته عليه السلام كما عرفت من صاحب المجمل أن التطهير التنزيه عن كل قبيح، وفي الفردوس:
(قال النبي صلى الله عليه وآله إنا أهل بيت أذهب الله عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن).
وبهذا يسقط قول من زعم أنه لا يلزم من إرادة ذلك وقوعه، وقد سلف، ولأن الله مدحهم ولا يمدح بغير الواقع، ولأن وصفهم بالطهارة ليس عدميا لأنه نقيض الاتصاف العدمي فوصفهم بها ثبوتي.
وقال: انتهت دعوة إبراهيم إلي وإلى علي في قوله: (اجنبني وبني أن نعبد الأصنام(1)) وأنساب الجاهلية ليست بصحاح لما فيها من السفاح: أسند يزيد ابن هارون أن عمر بن الخطاب لما قيل له إن عليا نذر عتق رقبة من ولد إسماعيل فقال: والله ما أصبحت أثق إلا ما كان من حسن وحسين وعلي وعبد المطلب فإنهم شجرة رسول الله.
وروى الحديث عن أم سلمة الفقيه الشافعي علي بن المغازلي في كتاب المناقب، ورواه عن زادان عن الحسن عن عطاء بن يسار، ورواه ابن عبد ربه في كتاب العقد، وأسند نزولها فيهم صاحب كتاب الآيات المنتزعة، وقد وقفه المستنصر بمدرسته، وشرط أن لا يخرج من خزانته، وهو بخط ابن البواب وفيه سماع لعلي بن هلال الكاتب وخطه لا يمكن أحد أن يزوره عليه.
قال الحميري:
طبت كهلا وغلاما | ورضيعا وجنينا |
ولدى الميثاق طيبا | يوم كان الخلق طينا |
____________
(1) إبراهيم: 35.
كنت مأمونا وجيها | عند ذي العرش مكينا |
وقال:
له شهد الكتاب ألا تخروا | على آياته صما وعميا |
بتطهير أماط الرجس عنه | وسمي مؤمنا فيها زكيا |
وهذه آيات تطهيرهم قد ظهر سرها فيهم، قال الحسن: والله ما شرب الخمر قبل تحريمها، قال شاعر:
علي على الاسلام والدين قد نشا | ولا عبد الأوثان قط ولا انتشا |
وقد عبد الرحمن طفلا ويافعا | وذلك فضل الله يؤتيه من يشا |
وفي التاريخ من طرق كثيرة عن بريدة الأسلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
قال لي جبرائيل: إن حفظة علي تفتخر على الملائكة لم تكتب عليه خطيئة منذ صحباه.
قال العبدي: وإن جبرائيل الأمين قال لي عن الملائكة الكاتبين. إنهما لم تكتبا على الطهر على زلة ولا خنا.
تذنيب:
ذكر ابن قرطة في مراصد العرفان عن ابن عباس: قال شهدنا النبي تسعة عشر شهرا يأتي كل يوم عند كل صلاة إلى باب علي فيسلم عليهم ويتلو الآية ويدعوهم إلى الصلاة، ونحوه عن أنس وأبي بردة الأسلمي وعن الخدري لما دخل علي بفاطمة جاء النبي أربعين صباحا ويتلو الآية ويقول: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.
(الفصل الحادي عشر)
جعل الله أجر رسالة نبيه في مودة أهله في قوله تعالى: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى(1)).
____________
(1) الشورى: 23.
قالوا: المخاطب بذلك الكفار يعني راقبوا نسبي بكم يعني القرشية. قلنا:
الكفار لا تعتقد للنبي أجرا حتى تخاطب بذلك، على أن الأخبار المتفق عليها تنافي الوجهين ففي صحيح البخاري: قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما ومثله في صحيح مسلم، وتفسير الثعلبي ومسند ابن حنبل، ونقله ابن المرتضى والزمخشري في تفسيريهما، وقال صاحب التقريب: قد صح ذلك عن ابن عباس، وقي مناقب ابن المغازلي بالإسناد عن السدي في تفسير (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا(1)) قال: المودة في آل الرسول. قال مكي القيسي في مشكل إعراب القرآن: أصل آل أهل، وهو أعلم ممن صنف في المشكل(2).
قالوا لا ننكر تعظيم الآل والتقرب بهم إلى الله لكن لا ندخلهم في حيز المغالاة من تفضيلهم على الأنبياء، ووجوب العصمة، وعلم الغيب، وحضور المهدي في كل مكان، وعند ذاكريه في كل أوان، وهل ذلك إلا فسوق وعدوان؟
قلنا: لولا إنكاركم فضلهم ما جحدتم ما قال الله ورسوله فيهم حتى بغضتم التسمية بأسمائهم، ونادى إمامكم معاوية بالكف عن فضائلهم، وسب علي على المنابر فلم يتحام للاسلام أحدكم، أما تفضيلهم على الأنبياء ففيه كلام، وإذا قام الدليل على إمامتهم لم يكن دعوى العصمة مغالاة فيهم، وإلا لزم مثله في جدهم.
قال الرازي في مفاتح الغيب في تفسير (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل خاتم التشهد، وهذا التعظيم لم يوجد في غير الآل، وكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب، قال وقال الشافعي:
____________
(1) الشورى: 23.
(2) ترى تلك الأحاديث مشيرا إلى مواضعها في إحقاق الحق ج 3 ص 2 - 19.
يا راكبا قف بالمحصب من منى | واهتف بساكن خيفها والناهض |
سحرا إذا فاض الحجيج إلى من | فيضا كملتطم الفرات الفائض |
إن كان رفضا حب آل محمد | فليشهد الثقلان أني رافضي |
فائدة: قال القاضي النعماني: أجمل الله في كتابه قوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(1) فبينه النبي لأمته ونصب أوصياءه لذلك من بعده، وذلك معجز لهم لا يوجد إلا فيهم، ولا يعلم إلا فيهم، فقال حين سألوا عن الصلاة عليه: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
فالصلاة المأمور بها على النبي وآله ليست هي الدعاء لهم كما تزعم العامة إذ لا نعلم أحدا دعا للنبي فاستحسنه، ولا أمر أحدا بالدعاء له وإلا لكان شافعا فيه ولأنه لو كان جواب قوله تعالى (صلوا عليه) اللهم صل على محمد وآل محمد لزم أن يكون ذلك ردا لأمره تعالى كمن قال لغيره افعل كذا فقال افعل أنت، ولو كانت الصلاة الدعاء لكان قولنا اللهم صل على محمد وآل محمد بمعنى اللهم ادع له و هذا لا يجوز.
وقد كان الصحابة عند ذكره يصلون عليه وعلى آله، فلما تغلب بنو أمية قطعوا الصلاة عن آله في كتبهم وأقوالهم، وعاقبوا الناس عليها بغضا لآله الواجبة مودتهم، مع روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا يصلي عليه ولا يصلي على آله فقال: لا تصلوا علي الصلاة البترة، ثم علمه ما ذكرناه أولا فلما تغلب بنو العباس أعادوها وأمروا الناس بها وبقي منهم بقية إلى اليوم لا يصلون على آله عند ذكره.
هذا فعلهم ولم يدركوا أن معنى الصلاة عليهم سوى الدعاء لهم، وفيه شمة لهضم منزلتهم حيث إن فيه حاجة ما إلى دعاء رعيتهم، فكيف لو فهموا أن معنى الصلاة هنا المتابعة ومنه المصلي من الخيل، فأول من صلى النبي أي تبع جبريل حين علمه الصلاة ثم صلى علي [ على ] النبي إذ هو أول ذكر صلى بصلاته فبشر
____________
(1) الأحزاب: 56.
ولفظ الآل وإن عم غيرهم إلا أن المقصود، هم، لأن في الاتباع والأهل و الأولاد فاجر وكافر لا تصلح الصلاة عليه، فظهر أن الصلاة عليه هي اعتقاد وصيته والأئمة من ذريته، إذ بهم كمال دينهم، وتمام النعمة عليهم، وهم الصلاة التي قال الله إنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، لأن الصلاة الراتبة لا تنهى عن ذلك في كثير من الموارد.
فهذا وجه من البيان، وعند أولياء الله من ذلك ما لا يحصى، فقد ذكر أن الصادق عليه السلام بين في شئ ثانيا خلاف ما بين أولا فقال: إنا نجيب في الوجه الواحد سبعة أوجه، قال الرجل بسبعة؟ - مستنكرا لذلك - قال: نعم وسبعين.
وهذا معنى ما نقله، ولكن لمظته بلفيظات قليلة، روجت دخوله كل روية صقيلة، وقد أجملت فيهم تفصيل ما قيل فيهم.
هم الهداة إلى دين الإله فلا | قوم سواهم بهم يهدى إلى الباري |
قل للمعادي لهم مهلا فأنت على | سبيل غيك موقوف على النار |
تذنيب:
أسند صاحب نهج الإيمان إلى الصادق عليه السلام في تفسير (ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين) قال: لم يكونوا من أتباع الأئمة السابقين وهذا قريب مما سلف، وأسند نحوه إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام أي كنا لا نتولى وصي محمد والأوصياء من بعده، ولا نصلي عليهم.
تكميل: قال المرتضى في رسالته الباهرة في تعظيم العترة الطاهرة: دلنا الله
على أن المعرفة بهم إيمان، والشك فيهم والجهل بهم كفران، وقد أجمعت الإمامية