الصفحة 192
على وجوب معرفتهم، وهو حجة لدخول المعصوم فيهم، بل ويمكن الاستدلال بإجماع الأمة على وجوب معرفتهم، فإن أكثر الشافعية يوجبون في التشهد الأخير الصلاة عليهم، فوجبت معرفتهم، والباقون استحبوها، فعلى الحالين هي من العبادة، وهذه فضيلة لم تحصل لغيرهم بعد جدهم، وقد غرس في القلوب مع اختلاف أديانهم عظم شأنهم، فيهتمون مع تباعد البلاد لزيارة مشاهدهم، ليستفتحون بها الاغلاق، ويسألون عندها الأرزاق.

قيل: هذا التعظيم لهم إنما هو لأجل جدهم. قلنا: كم من قرابة لجدهم ولا تعظيم لهم يقارب تعظيمهم، مع زهادة لهم وعلم وغيره فيهم.

إن قيل: لم لا تكون الأئمة على غير مذهب الإمامية. قلنا: فشيوخ الإمامية كانوا أهل بطانتهم، ومظهرين أن كلما ينتحلونه ويصححونه فعنهم أخذوه، فلو لم يكونوا عليهم السلام مع شدة صلاحهم بذلك راضين، وعليه مقرين، لأبوا عليهم نسبة المذهب إليهم.

إن قيل: قد لا يمكنهم إظهار ذلك لهم لأجل تقيتهم. قلنا: فالتقية إنما هي للإمامية لا منهم.

(الفصل الثاني عشر)


في الطائر المشوي فضيلة لعلي بدعوة النبي لا ينكرها إلا الغوي أخرج الفراء في مصابيحه، وصاحب جامع الأصول، وصاحب الوسيلة، وابن حنبل في في مسنده، وابن المغازلي في مناقبه، ورزين في الجزء الثالث من الجمع بين الصحاح الستة، وأبو داود في سننه، والترمذي في جامعه، وأبو نعيم في حليته، والبلادري في تاريخه، وابن البيع، والخركوشي، ومسعود، والنطنزي، وداود، وأبو حاتم، والسمعاني، وابن إسحاق، والأزدي، وشعبة، والمازني، وابن شاهين والبيهقي، ومالك، والطبري.


الصفحة 193
وقال ابن المغازلي: رواه عن أنس يوسف بن إبراهيم الواسطي وإسماعيل ابن سليمان الأزهري؟ وإسماعيل السدي، وإسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة وثمامة بن عبد الله بن أنس، وسعيد بن زر؟ ي، ورواه من الصحابة عن أنس خمسة و ثلاثون رجلا، وذكره الخطيب في تاريخ بغداد، وصنف فيه أحمد بن سعيد كتابا وصححه القاصي عبد الجبار.

وقال أبو عبد الله البصري إن طريقة أبي علي الجبائي في تصحيح الأخبار تقتضي تصحيحه، حيث ذكره علي عليه السلام يوم الشورى، فلم ينكروا.

وفي تكرير الدعاء زيادة مرتبة لعلي في محبة الله ورسوله لا يقاربه أحد فيها فسقط ما يهولون به من أن الله يحب المتقين لأن المحبة تتفاوت بتفاوت التقوى.

وفي مسند أحمد ابن حنبل: أهدت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وآله طيرين فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي، فدخل علي و أكل معه، وزاد ابن المغازلي أنه أتى مرتين ويرده أنس وفي الثالث سمعه النبي فقال صلى الله عليه وآله: ادخل ما أبطأك عني، قال هذه ثالثة ويردني أنس، قال: ما حملك؟

قال: سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجلا من قومي وفي موضع آخر من المناقب أنه قال: أحب خلقك إليك وإلي. وفي موضع منها: يا أنس أو في الأنصار خير من علي؟ أو في الأنصار أفضل من علي؟ وقد رواه ابن المغازلي قريبا من ثلاثين طريقا؟.

وفي المحاسن للمفيد أنه لما دخل قال له: قد كنت سألت الله أن يأتيني بك مرتين ولو أبطأت لأقسمت عليه أن يأتيني بك ونحو ذلك في كتب القوم كثير حذفناه وحذفنا بعض الألفاظ اختصارا، فهل يسوغ لمسلم أن يدعي أنه حديث مكذوب بعد هذه الشهرة وقد جعل القوم أساس دينهم قول عائشة وحدها: مروا أبا بكر فليصل.

قالوا: قلتم: كذب أنس ثلاث مرات أن رسول الله صلى الله عليه وآله على الحاجة، فكيف قبلتم روايته، قلنا: ذكرناه إلزاما وقد أجمع على جواز الأخذ عن الراوي قبل

الصفحة 194
فسقه كما ذكره ابن الصلاح في كتابه.


هذا روى أنس بن مالك لم يكنما قد رواه مصحفا ومبدلا
وشهادة الخصم الألد فضيلةللخصم فاتبع الطريق الأسهلا

قالوا: خبر واحد. قلنا: تلقته الأمة بالقبول، فلحق بالمجمع عليه، ولأنه موافق للقرآن في قوله تعالى (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)(1) الآية، و للسنة فذكر ابن جبر في نخبه قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: من زعم أنه آمن بما جئت به وهو مبغضك فهو كاذب، وفي كتاب الثقفي قال عليه السلام: لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق، وفي إبانة العكبري وكتاب ابن عقدة، وفضائل أحمد عن جابر و الخدري: كنا نعرف المنافقين على عهد النبي ببغض علي وفي شرح الآلكاني عن زيد بن أرقم: كنا نعرفهم ببغض علي وولده.

قالوا: معنى أحب خلقك أي الذي كتبته رزقا له لا أنه أحب الخلق إلى الله وإلا لكان أحب من النبي. قلنا: خرج النبي بقوله (ائتني) فإنه ليس بمن يأتي إلى نفسه وقد رويتم ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر، فيلزم على قولكم أنه أصدق من نبيكم، ولو كان القصد بالمحبة ما ذكروه من كتب الرزق، فلم يبق لقوله إلي أو إلى رسولك فايدة، وكان الواجب على العلماء على هذا التأويل أن لا يخرجوا ذلك في مناقب علي عليه السلام.

إن قالوا: فلفظة أحب قد لا توجب [ أفعل ] التفضيل لقوله تعالى: (أصحاب الجنة خير مقاما(2)) وقال الشاعر:


تمنت سليمى أن أموت وإن أمتفتلك سبيل لست فيه بأوحد

أي بواحد. قلنا: لا شك أن ذلك من المجاز، فلا يعدل عن الحقيقة إليه فإن الانسان إذا قال: فلأن أحب الناس إلي. تبادر إلى الذهن أن غيره لم يبلغ في المحبة منزلته، وأيضا فلولا قصد التفضيل حتى صار المعنى ائتني بالمحبوبين

____________

(1) المائدة: 54.

(2) الآية في الفرقان هكذا: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا).


الصفحة 195
لم يكن قد أجيب دعاء النبي صلى الله عليه وآله لعدم إتيان كل المحبوبين، ولكان إفراد علي من بينهم ترجيحا بلا مرجح، ولأن في قول النبي صلى الله عليه وآله له: ما أبطأك عني؟

دليل على أنه كان ينتظره بعينه دون غيره، ولولا ذلك لم يحب أنس أن يكون رجلا من قوله لما فهم الفضل والشرف بذلك.

قالوا: لا يدل الفضل في الحال على الفضل في الاستقبال. قلنا: لولا ذلك لم يخصم به علي في الشورى معانديه من الرجال، وفي عدم رد ذلك منهم دليل ثبوت الفضل في الاستقبال كالحال، وقد أنشأ الفضلاء في ذلك أشعارهم فمن أبيات للحميري:


وفي طائر جاءت به أم أيمنبيان لمن بالحق يرضى ويقنع
فقال إلهي آت عبدك بالذيتحب وحب الله أعلى وأرفع

وقال الصاحب:


علي له في الطير ما طار ذكرهوقامت به أعداؤه وهي تشهد

وقال ابن رزيك:


وفي الطائر المشوي أوفى دلالةلو استيقظوا من غفلة وسبات

وفي رواية أن كلا من عائشة وحفصة قالت: اللهم اجعله أبي وفي بعضها لم يبق في البيت أحد إلا أرسلته إلى أبيها وفي رواية لما قال: أحببت أن يكون رجلا من قومي، قال النبي صلى الله عليه وآله أبى الله إلا أن يكون علي ابن أبي طالب.

قال الطبرسي في احتجاجه: أسند الصادق عليه السلام إلى آبائه عليهم السلام أن عليا قال: جاع النبي فطلب من الله فجاءه جبرائيل عليه السلام بطير قال النبي فقلت: اللهم يسر عبدا يحبك ويحبني يأكل معي، فلم يأت أحد فقلت: ثانية اللهم يسر عبدا يحبك ويحبني وأحبه، فلم يأت أحد، فقلت ثالثة: اللهم يسر عبدا يحبك و تحبه ويحبني وأحبه، فسمعت صوتك، فقلت لعائشة أدخليه أخبرني ما أبطأك عني فقلت: طرقت الباب مرة فقالت عائشة نائم، فانصرفت، وطرقته ثانية فقالت:

على الحاجة، فرجعت وجئت وطرقته ثالثا عنيفا فسمعني النبي فأدخلني وقال:

ما أبطأك عني فقلت هذه ثالثة وتردني عائشة فكلمها فقالت: اشتهيت أن يكون أبي

الصفحة 196
فقال صلى الله عليه وآله: ما هذا بأول ضغن بينك وبينه لتقاتليه، وإنه لك خير منك له ولينذرنك بما يكون الفراق بيني وبينك في الآخرة، وكذا كل من فرق بيني وبينه بعد وفاتي.

(الفصل الثالث عشر)


روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يا علي حبك حسنة لا تضر معها سيئة، و بغضك سيئة لا تنفع معها حسنة.

قالوا: أحبه أبوه وقد روي أن في رجليه نعلان يغلى منهما دماغه. قلنا:

هذا الحديث افتراء من علماء السوء الذين رضوا بسب علي جهارا وستعلم إيمان أبهى، ولو سلم عدمه إنما لم تنفعه محبة ابنه لأنها طبيعية والمحبة المرغب فيها إنما هي في الله، فهي ربانية.

قالوا: الخبر مكذوب. قلنا: رواه الخوارزمي في الأربعين والديلمي في الفردوس، وقد أجمع المسلمون على قوله عليه السلام: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. ولا شك أنه الإمام، فلا تنفع الجاهلية حسناتهم.

قالوا: لو صح ذلك لزم إحباط أكثر أعمال الناس لأنكم تزعمون أن الأكثر يبغضه، وقد كذب القرآن ذلك بمدحه للصحابة: (ومن يعمل صالحا. ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره(1)) ونحوها، ولم يشترط فيه حب علي ولا بغضه.

قلنا: لا، فإن أعاظم الصحابة كانت في جانب علي كما قاله شارح الطوالع وغيره، إلا أنهم الأقل عددا، وكذلك أتباع كل نبي ووصي، وقد أخرج صاحب المصابيح وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله مات ساخطا على ثلاثة أحياء من العرب و عد منهم أمية، وقال ابن الجوزي في زاد المسير: ورد أن الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية، وقال في المصابيح وغيرها: قال النبي صلى الله عليه وآله: هلاك أمتي على يد أغلمة من قريش، وظاهر في بني العباس شرب الخمور، وركوب الفجور، و

____________

(1) التغابن: 9. الزلزال: 7.


الصفحة 197
قتلهم أولاد علي وتشريدهم، حتى أنشئت الأشعار، في القتل والطرد لبني المختار منها قول دعبل:


لا أضحك الله سن الدهر إذ ضحكتيوما وآل رسول الله قد قهروا
مشتتون نفوا عن عقر دارهمكأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

وقال أبو نواس:


ما نال منهم بنو حرب وإن عظمتتلك الجرائم إلا دون نيلكم
أأنتم آله فيما ترون وفيأظفاركم من بنيه الطاهرين دم

وقال الشهرستاني:


بمحمد سلوا سيوف محمدضربوا بها هامات آل محمد
فكأن آل محمد أعداؤهوكأنما الأعداء عترة أحمد

وقال العلوي:


أهل النبي الذي لولا هدايتهملم يهد خلق إلى فرض ولا سنن
مشتتين حيارى لا نصير لهممشردين عن الأهلين والوطن

وقال السروجي
لأصبح دين الله من بعد قوةعلى جرف هار بغير دعائم
وآل علي الطهر شرقا ومغربايطاف بهم في عربها والأعاجم
كأنهم كانوا على الدين سوقةتطل دماها بالقنا والصوارم
وأوصى رسول الله قبل وفاتهبقتل بنيه دون أولاد آدم

ونحو هذا كثير يخرج عن قانون الكتاب، فكيف يقال إنهم غير مبغضين وفي أي موضع مدح القرآن الصحابة، بل ذمهم وذم كثيرا منهم في آية النجوى (فتاب عليكم(1)) وفي سورة الفتح (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه. لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة(2)). وقد كانت البيعة على عدم الفرار وقد

____________

(1) وتاب عليكم: المجادلة 23.

(2) الفتح: 10 و 18.


الصفحة 198
فر كثير بأحد وخيبر وحنين، ولهذا قال: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه(1)) ولم يقل كل المؤمنين وقال تعالى: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا(2)).

وقد جاء في السنة ذم بعضهم كحديث الحوض، وحديث الدبادب أخرج مسلم في صحيحه والجامع بين الصحيحين ونحوه ذكر ابن كيسان والثعلبي في تفسيره وفي تفسيره لبراءة في قوله (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم(3)) قال الحسن: كانت هذه السورة تسمى الخفارة خفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته وقد قال النبي: (لتركبن سنن من كان قبلكم).

وآية مثقال الذرة من الخير مخصوص بغبر المشركين إجماعا مع أنه قد يرى في الدنيا أو في الآخرة بتخفيف العقاب.

قوله: ولم يشترط حب علي ولا بغضه. قلنا: بل حيث قال تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة(4)) الآية وقوله: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى(5)) نقل ابن المرتضى والكواشي وغيرهما أن الاهتداء إلى محبة أهل البيت، وقد أجمع المسلمون على قوله: (حب علي يأكل الذنوب، كما تأكل النار الحطب) قال صاحب الوسيلة: إنه من خصائصه وأخرج أيضا من خصائصه قوله عليه السلام: (من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله). و حديث ابن عمر: (من فارق عليا فقد فارقني) وقوله: (يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك) وقوله: (علي أقضى أمتي بكتاب الله، فمن أحبني فليحبه، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحب علي) وقال: (لا يقبل الله فريضة إلا بحب علي) وقال: (حب علي فرض، وبغضه كفر) وقد

____________

(1) الأحزاب: 23.

(2) الأحزاب: 15.

(3) براءة: 65.

(4) المائدة: 55.

(5) طه: 82.


الصفحة 199
أخرج ذلك كله صاحب الوسيلة فيما خص به علي دون غيره.

قالوا: لو كان حبه حسنة لا تضر معها سيئة، لم يضر ترك العبادات، ولا فعل المنهيات، وبطلت الحدود والتوعدات. قلنا: قد جاء عن النبي: (المرء مع من أحب، ومن قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ونحو ذلك كثير فالطعن فيه و فيما سلف نحوه طعن على ملة الاسلام، وتأويل ذلك أن من أحب عليا لا يخرج من الدنيا إلا بتوبة تكفر سيئاته، فتكون ولايته خاتمة عمله، ومن لم يوفق للتوبة ابتلي بغم في نفسه، أو حزن على ماله، أو تعسير في خروج روحه، حتى يخرج من الدنيا ولا ذنب له يؤاخذ به قالوا: فقد ضر ذلك. قلنا: متناه محتقر بالقياس إلى الخلوص من طبقات الجحيم، والخلود في جنات النعيم، فصح إطلاق اللفظ من النبي كما أطلقت اللغة الأسود على الزنجي، وقالوا: لا ضرر على من نجت من المهلكة نفسه وإن تلف ماله، ولو لم يكن لنا إلا الحديث المجمع عليه: (لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) لكفى ولقد علمت ما جاء في المنافق، ولا يشك عاقل أن حبه حسنة وقد قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات(1)) وكيف تقولون لا يضر ترك العبادات، وفعل المنهيات، وعندكم لا طاعة للعبد ولا معصية، وأن الله لا يفعل لغرض فله إثابة العاصي، ومؤاخذة الطائع، وناهيك بقول المضلين فسادا في الدين أعاذنا الله منه وسائر المؤمنين.

إن قالوا: إنما ذكرنا ذلك إلزاما لكم لأنكم ترون للعبد فعلا، وتعتقدون في أفعال الله غرضا، قلنا: نرجع إلى جوابنا الأول من أن ضرر اليسير ينغمر في جنب الحاصل بمحبته من الخير الكثير.

____________

(1) هود: 115.


الصفحة 200

(الفصل الرابع عشر)


أخرج صاحب الوسيلة في المجلد الخامس قول النبي لعلي: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى لقلت مقالا لا تمر على ملأ إلا أخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنتي، وإنك في الآخرة معي، وعلى الحوض خليفتي، وأول من يدخل الجنة معي، وإن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم، أشفع لهم ويكونون جيراني وإن حربك حربي، وسلمك سلمي، وسرك سري، وعلانيتك علانيتي، وإن الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك، وإن الإيمان يخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، ولن يرد الحوض مبغض لك، ولن يغيب عنه محب لك. وقد أخرج صاحب المناقب صدر هذا الحديث بأسانيده، وأخرج ابن المغازلي الشافعي في موضعين من مناقبه قول النبي صلى الله عليه وآله: علي يوم القيامة على الحوض، لا يدخل الجنة إلا من جاء بجواز منه.

قالوا: جاء القرآن بأن الكوثر للنبي لا لعلي. قلنا: قد ذكرنا كون علي خليفة فيه للنبي وسيأتي في ذلك شئ مما روي.

قالوا: لو تولى علي سقي أهل الأرض، لم يفرغ من سقي الأقل إلا وقد مات الأكثر عطشا. قلنا: هذا تعجيز لله فإنه إذا أراد أمرا بلغه وأيضا فقد أورد الكنجي الشافعي أن هذا منصب النبي فيرد عليه ما أوردتم على علي وقد جاء في ملك الموت وملك الرزق مثل ما قلنا في علي، وقد أخرج البخاري سعة الحوض وأن آنيته كعدد النجوم، والسقي عبارة عن التخلية بينهم، وعدمه عبارة عن الذود عنه.

قالوا: كيف يليق لعلي الرفيع جعله خادما ويسقي الرفيع والوضيع؟


الصفحة 201
قلنا: لا بل هو منصب شريف لا ينكره إلا ذو عقل سخيف، وهل يشرب من الحوض وضيع كذوي المحال الشنيع، وناهيك بشناعته جرأته على النبي كما ذكرنا عن الكنجي.

قال ابن الأطيس:


من قال فيه المصطفى معلناأنت لدى الحوض لدى الحشر
أنت أخي أنت وصيي كماهارون من موساه في الأمر

قال ابن أبي الحديد في مدحه عليه السلام:


والمترع الحوض المدعدع حيث لاواد يفيض ولا قليب ينزع

وقال آخر:


صفات أمير المؤمنين من اقتفىيدارجها أقنته ثوب ثوابه
صفات جلال ما اغتذى بلبانهاسواه ولا حلت بغير جنابه
تفوقها طفلا وكهلا ويافعامعاني المغالي فهي ملء إهابه
مناقب من قامت به شهدت لهبإزلافه من ربه واقترابه
مناقب لطف الله أنزلها بهوشرف ذكراه بها في كتابه

(الفصل الخامس عشر)


أخرج أبو بكر ابن فورك في كتاب الفصول عن أسماء بنت عميس حديث رد الشمس على أمير المؤمنين عليه السلام، وأسند محمد بن عثمان المزني، وأخرج ابن المغازلي من طريقي فاطمة بنت حبش ورافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخرجه القاضي أبو يعلى في المعتمد، وصاحب كتاب الشافي في بشائر المصطفى، وقال فيه إمام المعتزلة ابن أبي الحديد:


إمام هدى بالفرض آثر فاقتضىله القرص رد القرص أبيض أزهرا

وأخرج ابن مردويه، والنطنزي، وابن منده، والجرجاني، وابن إسحاق

الصفحة 202
والشيرازي، والوراق، والحسكاني، وصنف أبو عبد الله الجعل فيه كتابا، و ابن شاذان كتابا، وقد ذكر ابن شهرآشوب أنه روي أنها ردت له في مواضع كثيرة منها بالصهباء في غزوة خيبر، قال ابن حماد:


والشمس قد ردت عليه بخيبروقد انبدت زهر الكواكب تطلع
وببابل ردت عليه ولم يكنوالله خير من علي يوشع

وقال العوني:


ولا تنس يوم الشمس إذ رجعت لهبمنتشر وار من النور مقنع
كذلك بالصهباء وقد رجعت لهببابل أيضا رجعة المتطوع

وروى الكليني في الكافي ردها بمسجد الفضيخ، والمشهور مرتان: مرة بكراع الغميم روتها أم سلمة وأسماء بنت عميس، وجابر، وابن عباس، والخدري وأبو هريرة، والباقر والصادق عليهما السلام أن الوحي تغشى النبي صلى الله عليه وآله فأسنده علي فلما تم قال صليت؟ قال: لا، قال: ادعوا الله يرد عليك الشمس، فدعا فردت، وقد ذكره ابن جمهور في كتاب الواحدة وقد روي أنه صلى إيماء فلما ردت الشمس أعاد فأمر النبي صلى الله عليه وآله حسانا أن ينشد شعرا فقال:


لا تقبل التوبة من تائبإلا بحب ابن أبي طالب
أخي رسول الله بل صهرهوالصهر لا يعدل بالصاحب
يا قوم من مثل علي وقدردت عليه الشمس بالغائب

ومرة ببابل، رواها جويرية ابن مسهر، وأبو رافع، وزين العابدين، و الباقر عليهما السلام أنه لما عبر الفرات لم يفرغوا من العبور حتى غابت فلم يصل الجمهور فتكلم الناس في ذلك فسأل الله فردت فصلوا فقال قدامة السعدي:


رد الوصي لنا الشمس التي غربتحتى قضينا صلاة العصر في مهل
لم أنسه حين يدعوها فتتبعهطوعا تلبيه مهلاها بلا عجل
وتلك آياته فينا وحجتهفهل له في جميع الناس من مثل
أقسمت لا أبتغي يوما به بدلاوهل يكون لنور الله من بدل


الصفحة 203

حسبي أبي حسن مولا أدين بهومن به دان رسل الله في الأول

وبالجملة فهذان الموضعان، أمران شايعان، قال السيد المرتضى:


ردت عليه الشمس يجذب ضوءهاصبحا على بعد من الإصباح
من قاس ذا شرف به فكأنماوزن الجبال السود بالأشباح

وقال الحميري:


ردت عليه الشمس لما فاتهوقت الصلاة وقد دنت للمغرب
وعليه قد ردت ببابل مرةأخرى وما ردت لخلق مغرب

وقال الصاحب بن عباد الرازي:


كان النبي مدينة العلم التيحوت الكمال وكنت أفضل باب
ردت عليك الشمس وهي مضيئةظهرت ولم تستر بكف نقاب

وقال آخر:

جاد بالقرص والطوى بين جنبيه وعاف الطعام وهو سغوب
فأعاد القرص المنير عليهالفرض والمقرص الكريم كسوب

وقد أنشد فيه ابن حماد، والمفجع المصري، وكشاجم، والعوني، و الرضي، والسروجي، وابن الحجاج، والصنوبري، وابن رزيك، وابن الرومي والجماني، والإسكافي، والإصفهاني.

اعترض ابن فورك في كتاب الفصول أنه لو كان صحيحا لرآه جميع الأبشار في ساير الأقطار، أجبنا بانشقاق القمر للنبي المختار، ولم تعترف به طوائف الكفار وقد اختلف الناس فيما هو أظهر من ذلك: البسملة والوضوء وغيره مما كان النبي يكرره، وقد عرفت برواية الفريقين بطلان ما قالوه من أن تلك الروايات ليست حجة علينا لأنها من طرقكم.

قالوا: لو ردت الشمس لعلي لزم أن يكون أفضل من النبي لأن العصر فاتته يوم الخندق، ولم ترد له. قلنا: هذا من رواياتكم الكاذبة، لتسقطوا بها فضيلة علي كيف ذلك وقد ذكر خطيب دمشق عن صاحب كتاب الفتوح أن عليا عليه السلام

الصفحة 204
ليلة الهرير بسط له نطع فصلى نافلته والسهام تمر عليه، فلم ترعه، وتريع النبي يوم الخندق فلم يصل، والهرير أشد من الخندق لأنها انكشفت عن ستة وثلاثين ألف قتيل، فكان يلزم كون علي أشجع من النبي وبطلانه إجماعي.

قالوا: نام النبي عن صلاة الغداة ولم ترجع الشمس إلى الليل: قلنا: قد أخرج البخاري في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وآله: تنام عيني ولا ينام قلبي، وهو ؟ كذب ذلك.

قالوا: ترك علي للصلاة إن كان عمدا أو نسيانا بطل ما تدعونه من عصمته، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (ليس بين الإيمان والكفر إلا ترك الصلاة). قلنا: قد جاء أن عليا صلى جالسا ليجمع بين طاعة ربه في صلاته، وما فيه تكميل الوحي إلى نبيه فلما أفاق النبي ورأى غمه على تكميل صلاته، سأل ربه أن يردها كرامة له وله وفي رواية أن الله تعالى ألقى على علي النعاس ليفرد نبيه بإسماع الوحي، فلم ينتبه فنزلت عن موضع الفضيلة، ورجعت إليه، وببابل اشتغل الناس بالعبور وصلى وحده فتكلموا في ذلك فأراد جمعهم على الصلاة، وليريهم كرامته، وقيل لم يصل فيها لأنها أرض خسف، وقد أمر النبي أصحابه أن لا يبيتوا في واد خوف الشياطين ففعلوا ففاتهم الصبح، وقيل صلى علي منفردا وأعادها بهم لا ذهاب إرجاف أعدائهم، و ليزيل بكرامته شك أصحابه في أمره.

تذنيب:

روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام عن جابر أن الشمس كلمت عليا سبع مرات:

الأول: قالت يا أمير المؤمنين اشفع لي عند ربي لا يعذبني. الثاني: أمرني أن أحرق مبغضيك. الثالث: لما قال لها ببابل: ارجعي قالت: لبيك. الرابع:

قال لها: هل تعرفين لي خطيئة؟ قالت: وعزة ربي لو خلق الله الخلق مثلك لم يخلق النار. الخامس: لما اختلفوا في الصلاة في عهد أبي بكر فخالفوا عليا فقالت:

الحق له وبيده ومعه، وسمعها قريش ومن حضر. السادس: لما جاءته بالسطل