وأما الفرضيون فقد روي في فضايل أحمد أن أعلم أهل المدينة بالفرايض علي ابن أبي طالب. قال الشعبي: ما رأيت أفرض منه، ولا أجيب منه، سئل على المنبر وهو يخطب عمن مات وترك امرأة وأبوين وبنتين كم نصيب المرأة؟ فقال عليه السلام صار ثمنها تسعا. وذلك إما استفهام أو بيان حكم على رأي من يقول بالعول، فلقبت المسألة بالمنبر، وروت العامة أنه سئل عمن خلف ست مأة دينار فاستحقت امرأة من الورثة دينارا واحدا، كم كانوا؟ فقال: بنتان وأم وزوجة واثنا عشر أخا و أختا فسميت المسألة الدينارية فأين هذا من عمر حيث أتى إليه زوج وأم وأخوان لأم وأخوان لأبوين فجعل للزوج نصفا وللأم سدسا ولأخوي لأم ثلثا فقال:
أخوا الأبوين: هب أن أبانا كان حمارا فأشركنا بأمنا فسميت الحمارية.
وأما النحاة فظاهر وصفه لأبي الأسود الدؤلي فإنه دخل عليه فرآه متفكرا فقال له: فيما أنت متفكر؟ قال: سمعت في بلدكم لحنا وأردت أن أصنع في اللغة كتابا، قال: فأتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها: الكلام كله ثلاثة: اسم وفعل، وحرف، والأشياء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وغيرهما، فانح هذا النحو.
فجمع حروف النصب ولم يذكر (لكن) منها، فقال له: هي منها فزدها فيها، وبخل أبو الأسود به زمانا حتى سمع قارئا يقرء: (أن الله برئ من المشركين ورسوله(1)) بكسر اللام فقال: لا يحل أن أترك الناس بعد هذا، فوضع أدوات الإعراب الثلاث والوصل والتسكين، والتشديد، والتمديد، ثم أخذه عنه، عتبة، ثم ابن أبي إسحق وهو أول من فتح النحو وشرح العلل وصنف، ثم عيسى، ثم الخليل ثم سيبويه، ثم الأخفش، ثم المازني، ثم المبرد، ثم ابن السراج، ثم أبو علي الفارسي، ثم علي بن عيسى، ثم الحسن بن حمدان، ثم أحمد بن يعقوب، كل واحد من المذكورين أخذ عمن تقدمه. قاله الزجاج في أماليه.
____________
(1) براءة: 3.
قال: من حفظي لألف خطبة لأصلع بني هاشم.
وقد دهش الجاحظ الذي هو علامة الدهر في مفردات كلماته الحكمية، و اعترف بأنها حوت متفرق المعاني، واشتملت على أحسن المباني، ومن رزق الهداية رآى كلامه منضودا في عقد الألفاظ الرائقة، والأساليب الفائقة، لا بالمستعمل الخلق، ولا بالمشكل الغلق، بل أشهى إلى النفوس من الخرد الحسان، وأعلق بالقلوب من تعلق الجزع بالأمان، فإن وجدت شاردا منسوبا إلى غيره فبتفضيله وإن رأيت واردا مضافا إلى سواه فلا تعرض عن تبجيله، ومن بلغ في الهداية إلى هذا المرتبع، كان أحق بقوله (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع)(2) فوجب اتباعه بعد النبي بلا فصل، لاختصاصه بعظيم الخصل، شعر رواه ابن جبر في نخبه عن الصادق عليه السلام:
محال وجود النار في بيت ظلمة | وأن يهتدي حيران في ظل حاير |
فلا تطمعوا في العدل من غير أهله | ولا في هدى من غير أهل البصاير |
قال السيد الرضي: كان عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة و مولدها، ومنه ظهر مكنونها، وعنه أخذ قانونها، وأنشد بعضهم في المعنى:
وخوطب بالوزارة من إليه | تناهي الفضل واجتمع الفخار |
منيع لا يطاوله زمان | وفي لا يضام له جوار |
خطيب لا يعثره خطاب | بليغ لا يجاوزه اختصار |
____________
(1) اسمها، خ 1.
(2) يونس: 35.
قال قطب الدين الراوندي: سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول: رأيت بمصر مجموعا من كلام علي في نيف وعشرين مجلدا. وأسند صاحب النخب إلى الكلبي إلى أبي صالح أن الصحابة اجتمعت وقالت: الألف أكثر دخولا في الكلام، فارتجل خطبته المونقة أولها: حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وسبقت رحمته غضبه، إلى آخرها لم يوجد فيها ألف، ثم ارتجل أخرى خالية من النقط.
وأما الوعاظ فليس لأحد من الرجال ماله من العبر والأمثال، مثل: من زرع العدوان حصد الخسران، من ذكر المنية نسي الأمنية، من قعد به العقل قام به الجهل، من عدل في سلطانه استغنى عن عدوانه، من طال عدوانه زال سلطانه، من ساءت سيرته سارت منيته، من مال إلى الحق مال إليه الخلق، من ساء اختياره قبحت آثاره، من قل اعتباره قل استظهاره، من جار في سلطانه صغره، ومن من بإحسانه كدره، العدل أقوى جيش، والأمن أهنى عيش، كل دولة يحوطها الدين لا تغلب، وكل نعمة يحرسها الشكر لا تسلب.
وله مائة كلمة مشهورة قد تضوع المحققون بنشرها، واعتنى المدققون بكشف سرها، اشتملت من العلوم على أعذاق جانية، وأقطاف دانية.
وأما الفلاسفة فهو أرجحهم، قال عليه السلام: أنا النقطة أنا الخط، أنا الخط أنا النقطة، أنا النقطة والخط. وقال جماعة: القدرة هي الأصل، والجسم حجابه، و الصورة حجاب الجسم، لأن النقطة هي الأصل والخط حجابه ومقامه، والحجاب غير الجسم الناسوتي.
وقال صاحب النخب: سئل عليه السلام عن العالم العلوي فقال: صور عارية عن المواد. عالية عن القوة والاستعداد، تجلى لها فأشرقت، وطالعها فتلألأت، و
وأما المهندسون فقد روي أن رجلين مرا بعبد مقيد فقال أحدهما: إن كان وزن قيده كذا فامرأته طالق، وقال الآخر بخلافه، فسألا سيده أن يحله فأبى حله، فارتفعا إلى عمر فأمرهما باعتزال نسائهما، وبعث إلى علي فوضع رجليه بالقيد في إجانة وصب الماء عليه، ثم رفع ووضع الحديد مكانه، ثم أخرج الحديد ووزنه، ثم أخرج القيد ووزنه فتعادلا، فتعجب منه عمر.
وفي المصالت: جاء رجل بآخر وقال: هذا احتلم بأمي، فقال: أوقفه في الشمس واضرب ظله، وفي التهذيب قال له رجل: حلفت أن أزن الفيل، فأدخل الفيل قرقورا(1) وعلم الماء ثم أخرجه ووضع القصب، فلما وصل الماء إلى العلامة أخرجه ووزن القصب، وقال: هذا وزن الفيل.
وأما الحساب فذكر الشيخ في النهاية وغيره مسألة الأرغفة وهي مشهورة ووجدنا أن انسانا سأله من الكسور التسعة فقال: هي مضروب أيام أسبوعك في أيام سنتك.
وأما أصحاب الكيمياء فسئل في أثناء الخطبة: هل لها كون؟ فقال: لها كون وهي كائنة، قالوا: مم هي؟ قال: في الزيبق الرجراج، والأسرب والزاج، و الحديد المزعفر، وزنجار النحاس الأخضر، قيل: زدنا. قال: اجعلوا البعض أرضا والبعض ماء، وافلجوا الأرض بالماء، وقد تم، قيل: زدنا. فقال: لا زيادة إن القدماء الحكماء ما زادوا لئلا يتلاعب الناس به: وفي كلام آخر له: إن الكيمياء أخت النبوة، وعصمة المروة، ما في الأرض من شئ إلا وفيه منه أصل وفرع إني لأعلم به من العالمين، إنه في الزيبق الرجراج، والذهب والزاج، والحديد المزعفر، وزنجار النحاس الأخضر، تكون إصباغ لا يؤتى على عابرها، يصلح بعضه ببعض، فتفتر عن ذهب كاين، وصبغ غير متباين.
____________
(1) القرقور: السفينة الطويلة أو العظيمة.
وأما الأطباء فروي عن الصادق عليه السلام أن عليا عليه السلام قال: إذا كان الغلام ملتاث؟ الأزر، صغير الذكر، ساكن النظر، فهو ممن يرجى خيره، ويؤمن شره وإن كان شديد الأزر، كبير الذكر، حاد النظر، فهو ممن لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره.
وروي عنه أنه قال: يعيش الولد لستة أشهر ولسبعة ولتسعة لا ثمانية، و قال: لبن الجارية من المثانة، والغلام من العضدين والمنكبين، وقال يشب الصبي كل سنة أربع أصابع بأصابع نفسه، وقد روى المخالف وفير علمه، وغزير حكمه، فأسند ابن حنبل إلى ابن المسيب أن عمر كان يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن، فإذا ثبت أنه الأعلم بقول الفريقين، والأحكم باتفاق الخصمين كان بالإمامة أولى ممن سئل عن الله أين هو؟ فقال: في السماء.
روى المفيد في إرشاده أن حبرا قال لأبي بكر: أنت خليفة نبي هذه الأمة؟
قال: نعم. قال: فإنا نجد في توراتنا أن خلفاء الأنبياء أعلم أمتهم فأخبرني أين الله؟ قال: في السماء. قال فأرى الأرض خالية منه، ثم ولى مستهزئا بالاسلام فلقيه علي عليه السلام فقال له: قد عرفت سؤالك وإنا نقول: إن الله أين الأين فلا أين له، جل أن يحويه مكان، وهو في كل مكان بغير مماسة، يحيط علما بما فيها ولا يخلو من تدبير شئ منها.
أليس في كتبكم أن موسى جاءه ملك فقال له: من أين أقبلت؟ فقال: من المشرق من عند الله، ثم آخر من المغرب وآخر من السماء وآخر من الأرض كل يقول: جئت من عند الله، فقال اليهودي: هذا هو الحق وأنت أحق بمقام نبيك ممن استولى عليه.
ولقد سألت جمعا من أهل الذمة قرأوا التوراة وكتاب يوشع وكتبا تسمى
وقد روى أنس وغيره قول النبي صلى الله عليه وآله لسلمان: إنما أوصى موسى ليوشع لأنه كان أعلم أمته، وإذا ثبت في الكتب السالفة، والأخبار الخالفة، أن الأولى هو الأعلم، وظهر مما ذكرنا وغيره أن عليا هو الأعلم، اتضح أنه أحق ممن تقدم، وقد روي أن أبا بكر حفظ البقرة في سبع عشرة سنة، ونحر جزورا وليمة عند فراغه من حفظها، وقد حكمت ضرورة العقل بقبح تقديم المفضول، و عضدها قول الرب والرسول (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع(1)) (زوجتك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما، وأعلمهم علما. وفي علوم علي الولي، قال السيد الحميري:
علي أمير المؤمنين أخو الهدى | وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا |
أسر إليه أحمد العلم جملة | وكان له دون البرية واعيا |
ودونه في مجلس منه واحد | بألف حديث كلها كان هاديا |
وكل حديث من أولئك فاتح | له ألف باب فاحتواها كماهيا |
وقال ابن الفودي:
ومن ذا يساميه بمجد ولم يزل | يقول اسألوني ما يحل ويحرم |
سلوني ففي جنبي علم ورثته | عن المصطفى ما فاه مني به الفم |
سلوني عن طرق السماء فإنني | بها من سلوك الطرق في الأرض أعلم |
ولو كشف الله الغطا لم أزد به | يقينا على ما كنت أدري وأفهم |
وقال الصاحب:
من كالوصي علي عند مشكلة | وعلمه البحر قد فاضت نواحيه |
____________
(1) يونس: 35.
من كالوصي علي عند مخمصة | قد جاد بالقوت إيثارا لعافيه |
يا يوم بدر تجشم ذكر موقفه | فاللوح يحفظه والوحي يمليه |
وأنت يا أحد قل ما في الورى أحد | يطيق جحدا لما قد قلته فيه |
براءة استرسلي في القول وانبسطي | فقد لبست جمالا من توليه |
ومما ارتجله جامع الكتاب في هذا الباب:
علي علا فوق السماوات قدره | وسار مع الركبان في الأرض أمره |
بعلم وزهد وافر وشجاعة | وأنواع إفضال بها شيد ذكره |
رواها الموالي والمولى فإن يكن | لها منكر يوما فقد فاه نكره |
فباء بحوب لا يعد عذابه | وأصروهتك لا يؤمل ستره |
(الفصل العشرون)
من تكميل ما سبق، أنواع الفضائل خمسة: الأول: العلم وقد سبق جانب منه، ويزيده وضوحا ما أسنده أبو نعيم في حلية الأولياء إلى علقمة عن عبد الله أنه سأل النبي عن علي فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة والناس كلهم جزاءا. ونحوه ذكر ابن جبر في نخبه عن ابن عباس، قال: إنه لأعلمهم بالعشر الباقي.
وفي أربعين الخطيب قسم عمر العلم ستة وقال: لعلي خمسة، وللناس واحد ولقد شركنا في السدس الآخر حتى لهو أعلم منا به.
وعن الصادق عليه السلام: أهدي إلى النبي خوفا فسأل أبا بكر وعمر وعثمان اسمه فلم يعرفوه فسأل عليا فقال تسميه أهل فارس خوخا فقال عمر: من أين علم علي تسمية أهل فارس، فقال النبي صلى الله عليه وآله علمه الله الأسماء التي علمها لآدم.
وفي تفسير النقاش عن ابن عباس: ما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر وفي كتاب الحسن البصري: رأى الخضر عصفورا وضع نقطة
وفي المناقب مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي الناس يوم القيامة بالأعمال فلا تنفعهم إلا ما قبلت أنا وعلي بعد قبول الله تعالى إن الله تعالى جعلني ميزان قسط وجعل عليا كلمة عدل، وهذا يدل على زيادة علمه بأفعالهم الموجبة للدارين ولا يخفى ذلك إلا على ذي رين.
الثاني: العمل وقد اشتهر زهده وعبادته وملاك العمل الخشية وملاكها العلم (إنما يخشى الله من عباده العلماء(1)) وقد بان أنه أعلم، فهو أخشى، فهو أعمل، ومن العمل الجهاد، وهذا الباب غني عن الايراد، فإنه لا خفاء على أحد من أن سيفه أقام الاسلام قال:
يا من به للدين فخر والهدى | نور وفي كتب العلوم تمائم |
ومن الذي لولا ثباة حسامه | ما قام للاسلام قط دعائم |
يا من له فصل الخطاب وعنده | علم الكتاب ومن بنيه القائم |
الثالث: المال وعلي استغنى فيه بالله عن غيره، حيث نزلت المائدة عليه عند سغبه، والماء لطهوره، وأسند ابن المغازلي إلى أنس قول النبي لأبي بكر وعمر:
امضيا إلى علي يحدثكما بما كان منه في ليلته وأنا على أثركما، فمضيا وقالا:
بعثنا النبي لتحدثنا فجاء النبي صلى الله عليه وآله وقال: حدثهما. فقال: أردت الطهور و خفت أن تفوتني الصلاة فانشق السقف ونزل سطل مغطى فتطهرت منه ثم ارتفع و التأم السقف، فقال النبي صلى الله عليه وآله: السطل والمنديل من الجنة، من مثلك؟ جبريل يخدمك. ونحوه ذكر أخطب خوارزم إلا أنه قال: كان الطهور لصلاة العصر، قال النبي صلى الله عليه وآله: ما زال إسرافيل قابض على ركبتي حتى لحقت معي الصلاة، أفيلومني الناس على حبك، والله وملائكته يحبونك؟ والمفهوم من هذين الحديثين نزول السطل عليه مرتين.
____________
(1) فاطر: 28.
تنبيه:
الظاهر أنه إنما أرسل الشيخين إليه ليعلمهما بنقصهما عنه، فلا - يستوجبان التقدم عليه وفي ذلك يقول ابن حماد:
أعطيت بالفضل ما لم يعطه أحد | كذا روى خلف منا عن السلف |
كالجام والسطل والمنديل يحمله | جبريل ما أحد فيه بمختلف |
وقال العوني:
وهل يقاس حيدر بحبتر | وهل تقاس الأرض جهلا بالسما |
هل يستوي المؤمن والمشرك والمعصوم عن معصية ومن عصا
هل يستوي من كسر الأصنام والساجد للأصنام كلا لا سوى
هل يستوي الفاضل والمفضول أم | هل يستوي شمس النهار والدجى |
الرابع: الجاه ولا ريب في بسط قدرته وقيام الاسلام بسيفه وقوته، ونزول (إنما وليكم الله ورسوله) في ولايته.
الخامس: النسب ولا نسب أعلى من بني هاشم، في الجاهلية بأجداده الكرام وفي الاسلام فناهيك بالنبي وابنته وابنيه عليهم السلام، وعلي أول من ولد من هاشميين(1) وقد ذكر الخركوشي والثعلبي عن جابر قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي:
الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، وبنحوه ذكر ابن عقدة وعطاء والخراساني وابن شريح الفلكي والطوسي في الأربعين وفي الفردوس وفي بعضها: أنا الشجرة وعلي فرعها والأئمة من ولده أغصانها والأئمة ثمرها وشيعتهم ورقها ونحو هذا كثير.
فضيحة:
لما عد دغفل النسابة للأول مقابح رهطه هرب منها وتبسم النبي صلى الله عليه وآله لها، ذكر ذلك سلمة في الفاخر، وابن عبد ربه في العقد، والخطيب في التاريخ، وقد قيل للفرزدق: وصفت كل قبيلة إلا تيما فقال: لم أجد حسبا فأصفه ولا بناء فأهدمه.
قال الجاحظ: النسب لا تأثير له في الخلافة بل الدين (وأن ليس للانسان
____________
(1) بل الصحيح ما ذكره المؤرخون بقولهم: وأمه أول هاشمية ولدت لهاشمي.
قال: (يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا(2) قلنا: هذا مختص بالكفار للاجماع بإثبات الشفاعة.
قال: (لا يغني مولى عن مولى(3)) قلنا: في آخرها (إلا من رحم الله) وقرابة النبي مرحومة.
قال: روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا.
قلنا: رواية ساقطة من الكتب والرجال، فلا يعتمد فيها على حال، ويردها ما أسنده الثعلبي برجاله من قوله عليه السلام: من صنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها في القيامة، وقد أورد المرزباني في كتابه: " كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي " وقد ألح عمر في التزويج عند أمير المؤمنين لهذه العلة.
قال شيعي لناصبي: لو بعث النبي أين كان يحط رحله قال: في أهله وولده قال: فقد حططت هواي حيث يحط النبي صلى الله عليه وآله رحله وثقله، قال الحسن من بني العباس:
وقالت قريش لنا مفخر | رفيع على الناس لا ينكر |
فقد صدقوا فلهم فضلهم | وبينهم رتب تقصر |
فأدناهما رحما بالنبي | إذا فخروا فبه المفخر |
بنا الفخر فيكم على غيركم | وأما علينا فلا تفخروا |
ففضل النبي عليكم لنا | أقروا به بعد أن أنكروا |
فإن طرتم بسوى مجدنا | فإن جناحكم الأقصر |
____________
(1) النجم: 39.
(2) البقرة: 48 وفيه: واتقوا يوما لا تجزى الآية.
(3) الدخان: 41.
(ليطمئن قلبي(2)) وعلي قال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، موسى خرج خائفا وعلي ليلة المبيت لم ير خائفا، وداود حكم في الغنم وكان الصواب في حكم سليمان كما نطق به القرآن وقال النبي: أعلمكم علي أقضاكم علي، وسليمان طلب ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلي يا دنيا اعزبي عني لا حاجة لي فيك وقال الله لعيسى: (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله(3)) فاعتذر بقوله: (إن تعذبهم فإنهم عبادك) وعلي لم يعتذر بقتل الخوارج وغيرهم، فتخلى غضبه وأمر لها بألف دينار وجعلها رسما لها في كل سنة.
وفي قضاء العقول: من كان أفضل من رعيته، امتنع أن يستحق أحدهم عظم رتبته، فما ظنك بمن فضل على الأنبياء هل يكون غيره أولى منه بمنازل الأولياء ولما أنكر قوم طالوت ملكه بقولهم: (أنى يكون له الملك علينا(4)) رد الله عليهم بقوله: (إن الله فضله عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) قال ابن الرومي:
رأيتك عند الله أعظم زلفة | من الأنبياء المصطفين ذوي الرشد |
وجدت هذا البيت مفردا فأحببت أن أنسج على منواله، وأقتدي به في إفضاله بمقاله، فقلت:
فآدم لما أن عصى زال فضله | وفي هل أتى شكر الإمام على الرفد |
وامرأتا نوح ولوط فخانتا | ونور الورى عن طهر فاطمة يبدي |
____________
(1) طه: 121.
(2) البقرة: 260.
(3) المائدة: 119.
(4) البقرة: 247.
وقد سأل إبراهيم إحياء ميت | ليطمئن منه القلب بالواحد الفرد |
ولو كشف المستور مولاي لم يزد | يقينا على ما كان في سالف العهد |
وقد خاف موسى حين ولى مبادرا | وبات علي لم يخف سطوة الضد |
ولم يخف ما في حكم داود سابقا | وحكم علي إذ تجل عن الرد |
سليمان جاء الذكر فيه بقوله | هب الملك لا تحبيه من أحد بعدي |
ودنيا أتت مولاي زي بنية | فقال اعزبي عني ولا تمكثي عندي |
وقد عاتب الرحمن عيسى بقوله | أأنت أمرت الناس أن يعبدوا عبدي |
فأبدى اعتذارا إن تعذبهم على | جرائمهم أو تعف لا زلت ذا مجد |
ومولاي لم يبد اعتذارا بقتله البـ | ـغاة ولكن فاز بالشكر والحمد |
فقد عرف التفضيل حقا لطالب | لحق ولم يحتج إلى متعب الكد |
فقد ضل من قاس العتيق بحيدر | ولا ملحة فيه لمنفعة تجدي |
(الفصل الحادي والعشرون)
* (في سد الأبواب دون باب علي عليه السلام) *
هذا الفصل يتضمن معنى النص من الله ورسوله لكونه بأمر الله وفعل رسوله وفي رواية أبي رافع: لما سد الأبواب تكلموا فيه فصعد المنبر وقال: ما فعلت إلا عن أمر ربي إن الله تعالى أوحى إلى موسى وهارون: (أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة(1)) ثم أمره أن يسكن مسجده فلا يدخله جنب غيره وغير هارون وذريته، واعلموا أن عليا مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهذا أمر مستفيض رواه الفريقان، واتفق عليه الخصمان، فرواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن ابن عمر، وعن عمر، وعن زيد بن أرقم: ولما تكلموا فيه صعد المنبر وقال: أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، وقال فيه قائلكم
____________
(1) يونس: 87.
وأسنده الحافظ الإصفهاني إلى ابن عباس وفيه أن موسى سأل الله أن يطهر مسجده ولا يسكن فيه إلا هو وهارون وأولاد هارون، وإني سألت الله لك و لذريتك ذلك، وفيه ما أنا سددت ولا فتحت ولكن الله سد أبوابكم وفتح باب علي، ورواه ابن المغازلي الشافعي من طرق ثمانية: عدي بن ثابت وسعد بن أبي وقاص بسندين، والبراء بن عازب وابن عباس بسندين، ونافع مولى عمر وحذيفة ابن أسيد.
وفيه انقض كوكب فقال النبي صلى الله عليه وآله: من انقض في داره فهو الوصي من بعدي، فنظر فتية من بني هاشم فإذا هو في دار علي فقالوا: غوى في حب علي.
فنزل: (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى(1)).
وفيه أنه بعث معاذ بن جبل إلى أبي بكر وعمر وعثمان وحمزة بسد أبوابهم فقالوا: سمعا وطاعة، وقال لعلي عليه السلام: اسكن طاهرا مطهرا فبلغ حمزة قول النبي فقال: تخرجنا وتسكن غلمان بني عبد المطلب؟ فقال: لو كان الأمر لي ما جعلت من دونكم أحدا، والله ما أعطاه إياه إلا الله ورواه أحمد في فضائله وأبو يعلى في مسنده والسمعاني وذكره في الخصائص وحلية الأولياء والخطيب في تاريخ بغداد وصاحب الإبانة في مسند العشرة، وشرف المصطفى، والزمخشري في الفائق، وأبو صالح في الأربعين والعطار الهمداني والترمذي في جامعه والخطيب أيضا في الحدائق.
وفيه: لا يحل أن يدخل مسجدي جنبا غيره وغير ذريته فمن شاء فهنا و أشار بيده نحو الشام، فقال المنافقون: لقد ضل وغوى في أمر ختنه، فنزل: (ما ضل صاحبكم وما غوى) ورواه ابن جبر في نخبه عن الباقر والرضا عليهما السلام وعن نحو ثلاثين رجلا من الصحابة منهم ابن عباس وعن أم سلمة أيضا.
هداية: إذا كان الله هو المطلع على البواطن سد أبوابهم وفتح بابه، فعلمه
____________
(1) النجم: 2.
وخص رجالا من قريش بأنني | لهم حجرا فيه وكان مسددا |
فقيل له أسدد كل باب فتحته | سوى باب ذي التقوى علي فسددا |
لهم كل باب أشرعوا دون بابه | وقد كان منفوسا عليه محسدا |
وقال أيضا:
وأسكنه في مسجد الطهر وحده | وزوجته والله من شاء يرفع |
فجاوره فيه الوصي وغيره | وأبوابهم في مسجد الطهر شرع |
فقال لهم: سدوا عن الله صادقا | فضنوا بها عن سده وتمنعوا |
(الفصل الثاني والعشرون)
* (في السبق إلى الاسلام) *
قال الثعلبي: قال الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي: نزلت: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله(1)) حين افتخر طلحة بن أبي شيبة بالمفاتيح، والعباس بالسقاية، فقال علي: ما أدري ما تقولان؟ لقد صليت ستة أشهر قبل الناس: وأنا صاحب الجهاد، فنزلت الآية، وذكره في الجمع بين الصحاح رزين العكبري(2) في الجزء الثاني من صحيح النسائي مسندا إلى القرظي وأسند نحو ذلك الشافعي ابن المغازلي من طريقين فلا سبيل إلى مشابهته لأن الله تعالى نوه بعظيم ذكره ونبه على علو قدره، مضافا إلى ما آتاه الله من وجوب ولايته، كولاية نفسه ورسوله.
وأسند ابن جرير الطبري في كتاب المناقب إلى النبي صلى الله عليه وآله: امتحن الله قلب أبي بكر بالصبر فلم يجده صابرا وبالشجاعة فوجده خوارا(3) وبالسبق إلى
____________
(1) براءة: 20.
(2) العبدري خ.
(3) أي جبانا.