وأسند ابن مردويه إلى ابن عباس في قوله تعالى: (اركعوا مع الراكعين(1)) قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وعلي وإنهما أول من صلى وركع.
قال الجاحظ: لو كان إسلامه ذلك معتبرا لاحتج به في السقيفة. قلنا: قد كانت الصحابة تناظر النبي وترد عليه في غير أسباب الإمامة فكيف بأمير المؤمنين في ذلك، وهم في مقام طرده وصرفه.
قال: ولقي أبو بكر من الأزدي ما يفوق سبق علي ولم يلق مثله علي. قلنا:
المشهور خلاف ذلك كيف والنبي صلى الله عليه وآله وعلي أصل القاعدة في تغيير الشرك، و إسقاط كل غوى، ولو سلم فلا يدل ذلك على شرف إسلامه إلا بعد علمه أو ظنه أنه يؤذى، وعلم علي أو ظنه أنه لا يؤذى.
قال: إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه إد لا ظهر لهما كأبي طالب قلنا:
هذا كله واه لأن هاشما كلها لم يكن فيها مقاومة قريش كيف ذلك وقد طردوا إلى الشعب ونالهم ألم السغب.
إن قيل: هذا رجوع منكم من أن أبا طالب كان يحمي النبي صلى الله عليه وآله. قلنا:
جاز أن يحميه من الواحد والاثنين ونحو ذلك أما إذا اجتمعت قريش فظاهر عدم قدرته على منعها.
وأسند سبق إسلامه جماعة من أهل المذاهب ستأتي، وبها تسقط رواية الشعبي النادرة أن أول من أسلم أبو بكر مع أنه منحرف عن علي وضعفه الشافعي. وأي عاقل يقبل إسلام البعيد عنه في حال كبره، على من رباه النبي صلى الله عليه وآله في حجره وكيف لا يبدء في هذا الأمر المهم بالمختصين، مع قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين(2)).
____________
(1) البقرة: 43.
(2) الشعراء: 214.
2 - المنهال قال علي عليه السلام: لقد أسلمت قبل الناس بسبع سنين.
3 - جابر الحضرمي قال علي عليه السلام: لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث سنين لم يصل فيها أحد غيري.
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: المراد أنه عليه السلام صلى سبع سنين بعد بلوغه إلى ثمان سنين ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله دعوى رسالة بل كان يتعبد في الاسلام بدين إبراهيم عليه السلام وكان إسلام علي صغيرا كإسلام إبراهيم فقد ذكر أهل العلم أن أمة حملته وهو صغير في سرب لئلا يطلع عليه فلما نشأ قال لأمه:
من ربي؟ قالت: أبوك، فقال: ومن رب أبي، فزبرته فتطلع من شق السرب فرأى كوكبا الآية.
4 - بعادة العدوية، قال [ علي ] عليه السلام على منبر البصرة: أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
5 - البختري، قال [ علي ] عليه السلام صليت قبل الناس بسبع سنين.
6 - خالد الخفاف: قال عثمان بن عفان: أبو بكر وعمر خير منك، فقال علي عليه السلام: كذبت والله لأنا خير منك ومنهما، عبدت الله تعالى قبلهما وبعدهما.
7 - الحارث الأعور قال علي عليه السلام: لا أعرف عبدا من عبادك عبدك قبلي وقال عليه السلام حين بلغه أنه يكذب: على من أكذب؟ أعلى الله فأنا أول من عبده أم على رسول الله فأنا أول من صدقه.
8 - أبو أيوب قال النبي صلى الله عليه وآله: صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يصل معي رجل غيره. ومثله عن ابن عباس من طريقين، وعن مجاهد وعن أنس وفي آخره: لم ترفع الشهادتان إلى السماء إلا مني ومنه.
9 - سلمان قال النبي صلى الله عليه وآله: أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما:
علي ابن أبي طالب.
11 - حذيفة: علي أقدم الناس سلما وأرجحهم علما.
12 - جابر الأنصاري: بعث النبي يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء.
13 - زيد بن أرقم: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله علي ابن أبي طالب.
14 - أم سلمة: والله لقد أسلم علي ابن أبي طالب أول الناس وما كان كافرا وقد نقل ذلك عن جماعة منهم الأشتر، وسعيد بن قيس، وعمرو بن الحمق، و هاشم بن عبيد، ومحمد بن كعب، ومالك بن الحارث، وأبو بكر، وعمر، وأبو مخلد، وأنس، وابن العاص، والأشعري، والحسن بن أبي الحسن البصري، و قتادة، ومالك بن الحارث، ومحمد بن إسحاق، والحسن بن زيد، وأسند ذلك ابن جنبل من عدة طرق وابن المغازلي من عدة طرق والثعلبي في تفسيره قال: وهو قول ابن عباس وجابر وزيد بن أرقم وابن المنكدر وربيعة الرأي وابن حبان و المزني وذكره ابن عبد ربه في الجزء التاسع والعشرين من كتاب العقد.
وروى ابن مردويه وهو من أعيانهم قول أبي ذر: دخلنا على النبي صلى الله عليه وآله و قلنا: يا رسول الله من أحب إليك فإن كان أميرا كنا معه؟ قال صلى الله عليه وآله: هذا علي أقدمكم سلما وإسلاما وقد أنشد في ذلك من الأشعار، ما يغني عن الاكثار، قال خزيمة في أبيات له:
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا | أبو حسن مما نخاف من الفتن |
إلى قوله:
وأول من صلى مع الناس كلهم | سوى خيرة النسوان والله ذو منن |
وقال كعب بن زهير:
صهر النبي وخير الناس كلهم | فكل من رامه بالفخر مفخور |
صلى الصلاة مع الأمي أولهم | قبل العباد ورب الناس مكفور |
وقال ربيعة بن الحارث عند البيعة:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف | عن هاشم ثم منها عن أبي حسن |
أليس أول من صلى لقبلتهم | وأعلم الناس بالآثار والسنن |
وآخر الناس عهدا بالنبي ومن | جبريل عاونه في الغسل والكفن |
من فيه ما فيهم لا يمترون به | وليس في القوم ما فيه من الحسن |
ما ذا الذي ردكم عنه فنعلمه | ها إن بيعتكم من أول الفتن |
وقال مالك بن عبادة:
رأيت عليا لا يلبث قرنه | إذا ما دعاه حاسرا أو مزملا |
فهذا وفي الاسلام أول مسلم | وأول من صلى وصام وهللا |
وقال زفر بن زيد:
فحوطوا عليا واحفظوه فإنه | وصي وفي الاسلام أول مسلم |
وقال قيس بن عبادة:
هذا علي وابن عم المصطفى | أول من أجابه حين دعى |
وقال في ذلك: الفضل، وعبد الله بن أبي سفيان، والنجاشي، وابن الحارث وجرير بن عبد الله، وعبد الله بن حكيم، وعبد الرحمن بن حنبل، وأبو الأسود الدؤلي، وهاشم بن عتبة تركنا أشعارهم خوف الإطالة، وقد روى المنحرفون روايات شاذة ضعيفة في تقدم إسلام أبي بكر سنذكرها في باب الروايات المختلقة و نجيب عنها ونبين ندورها.
تذنيب:
قالت البكرية: إسلام علي لا على النظر والمعرفة، بل على وجه التلقين، فليس كإسلام البالغين، فإنه كان ابن سبع سنين. قلنا: من المعلوم أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله ثلاثا وعشرين منها عشرا بعد الهجرة، ومات سنة أربعين فعلم أن عمره عند المبعث يزيد على سبع سنين وقد اشتهرت الأخبار بأن عمره ثلاث و ستين وخمس وستين وأما ما سواهما فشاذ مطروح بعيد، لا يؤثره من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وقد قال بصفين لما بلغه قول أعدائه أنه شجاع لكن لا بصيرة له بالحروب: (لله أبوهم وهل أحد أبصر بها مني؟ لقد قمت فيها وما بلغت
فممن روى الثالث والستين محمد بن الحنفية وأبو نعيم عن شريك عن إسحاق ويحيى ابن أبي بكر عن مسلمة عن الخدري وأحمد بن زكريا عن عائشة وممن روى الخمس والستين الكواسجي عن الوليد بن هاشم وروى قتادة عن الحسن وغيره أنه أول من آمن وهو ابن خمس عشر سنة وقال خباب بن الأرت:
أسلم وهو ابن خمس عشر سنة، ولقد رأيته يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وهو يومئذ بالغ مستحكم البلوغ، وروى الحسن بن زيد أنه أول من أسلم وهو ابن خمس عشر سنة، وذكره محمد بن عبد البر منهم وقال ابن عمر: قال إبراهيم: هذا أصح ما قيل وعلى هذا قال عبد الله بن أبي سفيان بن عبد المطلب:
وصلى علي مخلصا بصلاته | لخمس وعشر من سنيه كوامل |
وخلى أناسا بعده يتبعونه | له عمل أمصل به صنع عامل(2) |
قال الجاحظ: لو كان بالغا كان إسلام زيد وخباب أفضل منه حيث تركا المألوف من عبادة الأصنام، قلنا: بل إسلامه طفلا أشرف وقد كان يخالط الكفار وينفر عن أفعالهم ثم ما يدريه أنهما أظهرا الاسلام. وأن إظهاره جازا لمجاورتهما رؤساء كفارا تمنع
____________
(1) أما كلامه هذا فهو نص على أن إسلامه كان في السادسة أو السابعة من عمره الشريف فإنه أول ما قام بالحرب كان في بدر السنة الخامسة عشر من المبعث وأما حديث صلاته مع النبي صلى الله عليه وآله قبل الناس سبعا فلأنه كان يصلي معه جماعة في المسجد الحرام وأصحابه المسلمون لا يقدرون على ذلك خوفا من المشركين بل يصلون فرادى خفية في دورهم حتى إذا حوصروا في الشعب للسنة السابعة من المبعث وحرم النبي صلى الله عليه وآله من الصلاة في المسجد صلى معه بنو هاشم وسائر أصحابه هناك جماعة مع النبي، فصح أنه كان يصلي قبل الناس معه سبعا ولا يصلي معهما أحد من الرجال.
(2) كذا، وقد صحح في إحدى النسختين (أفضل به)، يقال: مصل ماله: أفسده وصرفه في ما لا خير فيه، وامصل به صيغة تعجب. كأفضل به.
ولعلهم يقولون: ما ذكرتم في الطفل بمعجزة ليوسف، ويحيى وعيسى معجزة لهما أيضا فإسلام علي صبيا خارقا للعادة لا يجوز أن يكون معجزا له، وإلا لكان نبيا، ولا للنبي لأنه لم يعد في معاجزه، ولا نقله المسلمون في دلائله.
قلنا: بل إسلامه صغيرا كرامة له، ولا يلزم منها نبوة، وأنتم تجوزون الكرامات لمشايخ الطريقة وليس لهم نبوة، بل وربما لا عدالة لهم مع جواز كونه معجزة للنبي، وإن لم يشع ذلك في العوام، إذ ليس كل معاجزه عليه السلام أعلام ولو استشهد على حال صغره بتصديق النبي صلى الله عليه وآله لشهد كما شهد ليوسف الطفل ببراءته، ونطق عيسى ببراءة أمه، ويحيى بتقرير نبوة أبيه، والمعاجز التي هي أعلام تدل على نبوته بظواهرها، فاستغني به عن غيرها، ولما تقررت نبوته أخبر بإسلامه صغيرا فكان معجزا لكنه غير مقرون بالدعوة، ومن الجايز أن يكون الله تعالى أعلم نبيه الكف عن ذكر إسلامه لعلمه بما في ذلك من مصلحة خلقه.
ثم نرجع ونقول: كيف يكون إسلامه علي على وجه التلقين، وقد تمدح به بين أعدائه، وجعله من أعظم فضائله، وذلك كله في معنى الشهادة بصدق نبيه ولم يرد أحد من خصومه ما تمدح به من سبق إسلامه، ولا ذكروا أن ذلك لا فضيلة له فيه، لأنه حال صغره، وقد اشتهر ذلك في شعره عليه السلام:
سبقتكم إلى الاسلام طرا | على ما كان من فهمي وعلمي |
وكذا وجدناه في العيون والمحاسن للشيخ المفيد رحمه الله وقد قال
وصليت الصلاة وكنت طفلا | صغيرا ما بلغت أوان حلمي |
____________
(1) مريم: 11.
(2) مريم: 30.
قالوا: لو سلم سبق إسلامه فإسلام أبي بكر أفضل منه، لحصول الشوكة و القوة للاسلام به دونه، لأنه كان شيخا من الشيوخ محترما، ودعى الناس إلى الاسلام. قلنا: نمنع احترامه، ودعاءه إلى الاسلام، وحصول الشوكة، ففي إسلام علي صغيرا فضيلة لا تعادل إذ الميل إلى الأبوين في طباع الصبيان، وكثير اللعب مع الأخدان، فالعدول عن ذلك بصحيح النظر، لم يكن لغيره من البشر، فكانت التقوى المستلزمة للكرامة، ثابتة له لسبق إسلامه، لا لمن مضى على الكفر أكثر أعوامه، وكيف لا يكون إسلامه بالاستدلال، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله في مناقبه حيث قال لفاطمة: أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما، وقال في حديث سلمان: أول هذه الأمة ورودا على الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب ونحو ذلك قد سلف.
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وآله لم يستكتمه على سره و [ لا ] يثق بعقله وأمانته إلا وهو عالم بصدق سريرته، وعلمه وحكمته، وحصول عصمته، وإلا لكان مضيعا لحرمته ومفرطا بوضع الشئ في غير موضعه، ومتشاغلا عما يجب عليه من المهم بغيره ولأن حاله بعد الاسلام ليس كما كان من قبله، وإلا لم يصدق الاسلام عليه.
إن قيل: قد يصدق الاسم بمجازه دون حقيقته كإسلام الطفل تبعا لأبيه وسابيه(1) قلنا: الأصل في الاطلاق الحقيقة وعندكم لا إسلام لأبيه، ومن المعلوم نفي سابيه ولو صدق بمجازه لصدق السلب فيه، ويلزم صدق الكفر حقيقة عليه، وذلك قول فنيد، لم يذهب إليه رشيد، والحمد لله القوي الحميد.
____________
(1) أي الذي سباه في دار الحرب.
(الفصل الثالث والعشرون)
في كونه عليه السلام بمنزلة: (قل هو الله أحد)، والبئر المعطلة، والحسنة، و أبو الأمة.
[ روى ذلك ] وأسند بن جبر في نخبه قول النبي صلى الله عليه وآله: مثل علي في هذه الأمة مثل (قل هو الله أحد) وأسنده الشافعي ابن المغازلي إلى النعمان بن بشير وإذا كان علي مماثلا لنسبة الرب تعالى إلا ما أخرجه العقل، فمن يطمع في مساواته أو مداناته.
وأسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه السلام: البئر المعطلة والقصر المشيد علي بن أبي طالب.
وأسند إلى الكاظم عليه السلام: البئر المعطلة: الإمام الصامت، والقصر المشيد:
الإمام الناطق.
قال العوني:
هو القصر والبئر المعطلة التي | متى فتحت تروي الأنام عن السغب |
فمن دخل القصر المشيد بناءه | فلا ظمأ يلقا هناك ولا نصب |
وقال آخر:
علي هو البئر المعطلة التي | مياها شفاء للغليل من الظما |
إذا كشفت للخلق فاضت علومها | كفيض مياه البحر في البر إذ طما |
وأما الحسنة، فأسند صاحب النخب إلى الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (و من يقترف حسنة(1)) قال عليه السلام: هي المودة لعلي بن أبي طالب، وروى زادان عن السبيعي، عن الجدلي أن عليا عليه السلام قال: في قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها(2)) الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا.
____________
(1) الشورى: 23.
(2) الأنعام: 160.
الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا.
وأما الأبوة فأسند ابن جبر في نخبه إلى النبي صلى الله عليه وآله: أنا وعلي أبوا هذه الأمة. وروى الثعلبي في ربيع المذكرين، والخركوشي في شرف النبي، والديلمي في الفردوس، والطوسي في الأمالي قول النبي صلى الله عليه وآله: حق علي على هذه الأمة كحق الوالد على الولد، وفي الخصائص عن أنس: حق علي على المسلمين كحق الوالد على الولد، وفي مفردات الراغب قال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة. ومن حقوق الآباء على المسلمين أن يترحم عليهم في أوقات الإجابات.
والمراد بالأبوة وجوب شكر نعمتها كما وجب للوالدين على ولدهما وقد روى أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام أن قوله تعالى (أن اشكر لي ولوالديك(1)) نزلت فيه، وروى هو أيضا عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا(2)) الوالدين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين. وروي عن الرضا عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنا وعلي الوالدان.
وذكر ميثم في شرح نهج البلاغة ما يقرب من هذا المعنى حيث روى قول النبي صلى الله عليه وآله: كل نبي هو آدم وقته فصدقت الأبوة عليه وعلى علي عليه السلام بالمجاز ولم يخص النبي صلى الله عليه وآله غير علي عليه السلام بمثل ذلك الاعزاز.
قلت: لما كانت الرحمة توجب السرور، فأي ترحم ممن قتلوا ذريتهم وصرفوا بنت نبيهم عن حقها بغصبهم وسبوا إمامهم على رؤس منابرهم.
وقد روينا عن شيخنا زين الدين علي بن محمد التوليني أن الأصبغ بن نباته دخل على علي عليه السلام حين ضربه ابن ملجم اللعين فأخذ علي عليه السلام بأصبعه وقال:
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ بأصبعي هكذا وقال: اخرج فناد: ألا من عق
____________
(1) لقمان: 14.
(2) البقرة: 83.
(الفصل الرابع والعشرون)
أسند الخطيب في الأربعين إلى محمد بن الحنفية قول النبي صلى الله عليه وآله: لما عرج بي رأيت في السماء ملكا مكتوب على جبهته: أيد الله محمدا بعلي. فتعجبت فقال الملك: إنه مكتوب قبل الدنيا بألفي عام، وفي الكتاب المذكور أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: مكتوب على جناح جبرائيل: (لا إله إلا الله محمد النبي) وعلى الآخر:
(لا إله إلا الله علي الوصي).
وأسند ابن جبر في نخبه إلى ابن عباس وابن مسعود قول النبي صلى الله عليه وآله:
مكتوب على وجه القمر الذي يلي السماء: الله نور السماوات، وعلى الوجه الذي يلي الأرض محمد وعلي نور الأرضين.
وأسند الفحام وهو علمي إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله وقد ركب إلى موضع كذا: خذ البغلة وأت عليا في موضع كذا تجده يسبح بالحصى فاحمله عليها إلي فلما جاء قال له: اجلس هنا فقد جلس في هذا الموضع سبعون مرسلا ما جلس فيه نبي إلا وأنا أكرم على الله منه، وجلس موضع كل نبي أخ له ما جلس منهم أكرم على الله منك ثم أظلتنا غمامة فأكلنا منها عنبا ثم قال: يا أنس والذي يخلق ما يشاء، لقد أكل منها ثلاث مائة وثلاثة عشر نبيا ما فيهم أكرم على الله مني و أوصياؤهم ما فيهم أكرم على الله من علي.
وفي أمالي النيسابوري: دخل الكاظم على الصادق، والصادق على الباقر والباقر
من الغالب الطالب لعلي بن أبي طالب.
وأسند الخوارزمي إلى ابن عباس أن جبرائيل أتى النبي بأترنجة وقال:
هذه هدية لعلي بن أبي طالب فدفعها إليه فسقطت فإذا فيها: هذه هدية من الطالب الغالب لعلي بن أبي طالب ويقال: إن ذلك كان لما قتل علي عمرو بن عبد ود.
وفي أحاديث ابن الجعد أن النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج رأى تحت العرش ملكا على صورة علي يسبح فقال: يا جبرائيل من هذا الملك؟ فقال جبرائيل:
اشتاق العرش إلى علي لإكثار الله تعالى الثناء والصلاة عليه، فخلق هذا على صورته يسبح وثوابه لأهل بيتك.
وأسند ابن جبر في نخبه إلى ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله رأى صورة علي في السماء فقال: سبقتني يا أبا الحسن؟ قال جبرائيل: هذا ملك على صورته لأن الملائكة اشتاقت إلى صورته فسألت ربها فخلقه ليزورونه قال العبدي:
يا من شكت شوقه الأملاك إذ شغفت | بحبه وهواه غاية الشغف |
فصاغ شبهك رب العالمين فما | تنفك من زائر منها ومعتكف |
(الفصل الخامس والعشرون)
في قوله تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا(2)) قال ابن عبد البر: أخرج أبو نعيم الحافظ من كبار الجمهور قول النبي صلى الله عليه وآله: لما أسري بي [ إلى ] السماء جمع الله تعالى بيني وبين الأنبياء وقال: سلهم على ما بعثتم فسألتهم فقالوا: على شهادة أن لا إله إلا الله والاقرار بنبوتك والولاية لعلي ابن أبي طالب.
دل هذا الحديث على أن من لم يواله في جميع الأزمان كان عاريا عند الله تعالى من
____________
(1) على، خ ل.
(2) الزخرف: 45.
وأسند ابن قرطة في كتابه مراصد العرفان إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله: الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي قال أنس: فهممت أن أسأله عنهم فجئت إلى أبي بكر ثم إلى عمر ثم إلى عثمان فأخبرتهم وطلبت منهم سؤاله فكل يقول: أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فيعيرني قومي فأخبرت عليا عليه السلام فقال: والله لأسأله فإن كنت منهم حمدت الله إذ جعلني منهم، وإن لم أكن منهم سألت الله أن يجعلني منهم، فأتيت معه إلى النبي صلى الله عليه وآله فوجدت رأسه في حجر دحية الكلبي فقام وسلم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين خذ رأس ابن عمك فأنت أولى به مني فلما انتبه النبي صلى الله عليه وآله أعلمه أنه كان جبرائيل فقال: يا رسول الله أعلمني أنس أنك قلت: الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي فمن هم؟ فأومى إليه بيده وقال: والله أنت أولهم - ثلاثا - قلت:
فمن الباقي؟ قال صلى الله عليه وآله: المقداد وسلمان وأبو ذر.
وفي هذا الحديث نص النبي صلى الله عليه وآله باشتياق الجنة إليه ونص جبرائيل أنه أولى بالنبي منه وبأنه أمير المؤمنين، ومتى كان أولى بالنبي من جبرائيل، كان أولى من الثلاثة وغيرهم بالتقدم للتفضيل.
وأسند إلى جابر من طرق عديدة أن النبي صلى الله عليه وآله ناجى عليا بالطائف فأطال فرأى في وجوده بعض الصحابة تغيرا - وقيل: هما أبو بكر وعمر - فقال صلى الله عليه وآله:
ما أنا ناجيته ولكن الله انتجاه.
وأسند إلى أبي ذر قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: أنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكفار.
وأسند إلى عمرو بن الحمق قول النبي صلى الله عليه وآله له: هل أريك آية الجنة؟
قلت: بلى، قال: هذا وقومه وأشار إلى علي ابن أبي طالب. هل أريك آية من
وأسند إلى علي عليه السلام من طرق عديدة قول النبي صلى الله عليه وآله له: إذا اجتمع الناس في صعيد وقطع العطش أمعاءهم كان أول من يدعى إبراهيم فيكسى ويقام عن يمين العرش ثم ينفجر لي شعب من الجنة إلى حوض أعرض مما بين بصرى و صنعاء فأشرب أنا والوصي وأكسى وأقام عن يمين العرش، ثم تدعى وتشرب وتتوضأ وتكسى وتقوم معي، فلا أدعى لخير إلا وأنت معي تدعى له.
وأسند إلى الصادق عليه السلام إلى جابر قول النبي صلى الله عليه وآله: ما اعتصم أهل ملة من المشركين علي إلا رميتهم بسهم الله علي ابن أبي طالب وما بعثته إلى سرية إلا و رأيت جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت أمامه وسحابة تظله حتى يعطي الله حبيبي النصر.
وأسند إلى علي قول النبي صلى الله عليه وآله: يؤتى بك ويدفع إليك قضيبا من الدر ويقول لك: غرست هذا لك في جنة عدن فخذه بيدك، وقف عند الحوض، واسق من شئت بإذني ورد من شئت بعلمي.
وأسند النيسابوري إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي بعد فتح مكة:
قم فانظر كرامتك على الله وكلم الشمس، فقام وسلم عليها فقالت: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه وحجة الله على خلقه.
(الفصل السادس والعشرون)
أسند الطبري إلى الخدري قول النبي المختار: أعطاني الله مفاتيح الجنة والنار، وقال تعالى: سلمها لعلي ابن أبي طالب ليدخل من شاء ويخرج من شاء.
وأسند جلاد بن هيثم إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله له: عليك بعلي ابن أبي طالب فإن الحق ينطق على لسانه وإن النفاق في مجانبته وإن هذا قفل الجنة ومفاتيحها وقفل النار ومفاتيحها، بيده، يدخل من شاء، ويعذب من شاء.
وهذا خبر قسيم الجنة والنار ذكره الشافعي ابن المغازلي في كتابه وذكر فيه أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله لم يجز عن الصراط إلا من كان معه كتاب بولاية علي بن أبي طالب وفيه حدث الأعمش عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله تعالى يقول لي ولعلي يوم القيامة: أدخلا الجنة من أحبكما والنار من أبغضكما فيجلس علي على شفير جهنم فيقول: هذا لي وهذا لك.
قلت: فكيف يقاس به من لا يقطع بنجاة نفسه، ويدعو بالويل والثبور عند موته، وما ذلك إلا لما عاين من سوء عاقبته.
إن قلت إن عليا عند خالقه | خير غدا من أبي بكر ومن زفر |
عجبت عصايب من قولي وساءهم | ولست منهم وإن عجبوا بمعتذر |
وقال آخر:
تراءت لأحداق العيون شهوده | فأكرم بها من شاهد لا يكذب |
فلو أن أفواه الرجال عواطل | من القول قال المجد هاأنا معرب |
وأسند ابن حنبل عن زادان قول النبي صلى الله عليه وآله: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلقه قسم النور جزئين فجزء أنا و جزء علي وروى نحوه الديلمي في فردوسه، وابن المغازلي الشافعي في مناقبه من هذا الطريق، ومن طريق جابر الأنصاري وفي آخره: فلم نزل شيئا واحدا حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففي النبوة، وفي علي الخلافة، وفي حديث آخر:
فأخرجني نبيا وعليا وصيا.