إن قالوا: فالبيعة صارت حقا بموافقته. قلنا: أما عندنا فإنه لم يوافق عليها أبدا والسكوت لا يدل على الرضا باطنا. على أنها لو كانت إنما صارت حقا ببيعته عليه السلام لزم الدور لأن البيعة لا تجوز لغير مستحقها فلو توقف استحقاق الخلافة عليها دار.
إن قالوا: يلزم مثله في النص إذ يقال: لا يجوز النص بالخلافة لغير مستحقها ثم إنه لا يستحقها إلا بالنص فدار. قلنا: لا نقول إنما يستحقها بالنص بل النص كاشف عن سبق استحقاقها لأجل الصفات والمزايا الموجبة لها، التي علم الله في علي حصولها، وليس لهم جعل البيعة كاشفة لأنهم قالوا صارت حقا بالبيعة، فكانت باطلا قبلها، ولا إجماع للرعية على الخواص الموجبة لها من أن البيعة لم تصر حقا ببعض الأمة لعدم الاجماع فيها وعلي عندكم ليس بمعصوم حتى يلزم صحتها بدخوله فيها.
إن قالوا: هو عندكم معصوم فيلزمكم صحتها بدخوله فيها، قلنا عندنا أنه لم يدخل فيها فلم نحكم بصحتها فلا إلزام لكم علينا فيها، وأما كل الأمة فلم تجتمع عليها لاشتهار بني هاشم وغيرهم على خلافها وإنشاء أشعارهم بتهجينها، قال بريدة الأسلمي:
يا بيعة هدموا بها | أسا وحيث دعائم |
أتكون بيعتهم هدى | وتغيب عنها هاشم |
ويكون رائدها إذا | مولى حذيفة سالم |
فليصبحن وكلهم | أسف عليها نادم |
أمر النبي معاشر | هم أسوة ولهاذم |
أن يدخلوا ويسلموا | تسليم من هو عالم |
إن الوصي له الإمامة | بعده بالناس فيها قائم |
والعهد لا مخلولق | منه ولا متقادم |
ونحو هذا كثير نكتفي عنه بعنوانه، من أراده طلبه من مكانه.
فلا عيب فيهم غير أن سيوفهم | بهن فلول من قراع الكتائب |
أراد المبالغة في مدحهم والقرابة نسبا في علي أصدق وبه ألصق، فإنه أول من ولد بين هاشميين وقال عليه السلام:
محمد النبي أخي وصنوي | وحمزة سيد الشهداء عمي |
وبنت محمد سكني وعرسي | وممتزج بها لحمي ودمي |
وسبطا أحمد ولداي منها | فمن منكم له سهم كسهمي |
وأما القرابة حكما فليس لأحد سواه ما حواه [ من ] الجوار، والأخوة، و المصاهرة، والنفوسية، والغدير، والوصية، وبراءة، والعشيرة، وتبوك، والراية والوراثة للعلوم والسلاح والبغلة والمتاع والعمامة.
وأبو بكر احتج في السقيفة لخلافته بالقرابة فإن كان له القليل منها فلعلي مجموعها فإن كانت الحجة فيها فعلي أولى بها ولأنه أنقذهم من النار بسيفه دون غيره كما أنقذهم النبي صلى الله عليه وآله بهداه فإرادة الله تعالى بمودتهم وجعلها أجر سفارة نبيهم دليل على أن مودتهم أوجب من غيرهم، ولهذا فهموا أنها واجبة حيث سألوا عن قرابته صلى الله عليه وآله فقالوا: من قرابتك الذين أوجبت علينا مودتهم؟ وإذا كانت أوجب فالخلافة فيهم إذ لو كانت في غيرهم كانت مودته أولى منهم.
إن قالوا: ففاطمة تلك المودة تتناولها ولا خلافة لها. قلنا: خرجت من الخلافة بالنصوص المتواترة على غيرها فلا ينتقض حكم الآية بها.
____________
(1) الشورى: 23.
فرض الولاية للوصي | أهم من كل الفروض |
لا عذر فيه مستفـ | ـيض للمسافر والمريض |
وأسند في نخبه إلى النبي صلى الله عليه وآله: من سره أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن منزلتي، فليتول علي بن أبي طالب وليأتم بالأوصياء من ولده ونحو ذلك ذكر في حلية الأولياء وفضائل أحمد وخصائص النطنزي.
وأسند في نخبه أن رجلين تشاجرا في الإمامة فأتيا شريكا فأسند إلى النبي صلى الله عليه وآله أن الله تعالى خلق عليا قضيبا من الجنة فمن تمسك به كان من أهل الجنة فاستعظم الرجل ذلك، فأتيا دراجا فأخبراه بذلك فقال: أتعجبان من ذلك ثم أسند حديثا إلى النبي صلى الله عليه وآله أن الله خلق قضيبا من نور فعلقه ببطنان عرشه لا يناله إلا علي ومن تولاه من شيعته، فقال الرجل: هذه أخت تلك فأتيا وكيعا فأخبراه فقال: أتعجبان من هذا ثم أسند إلى النبي صلى الله عليه وآله: أن أركان العرش لا ينالها أحد إلا علي ومن تولاه من شيعته، فاعترف الرجل المنازع بولايته.
وفي أسباب النزول عن الواحدي (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) يعني بهم عليا وفي الكافي: ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء لم يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد ووصية علي.
ويعضده ما رواه جماعة أهل البيت، وابن إسحق، والشعبي، والأعمش، و الإصفهاني، وابن جبر في نخبه، والحسكاني، وابن عباس، والنطنزي أن قوله
____________
(1) المائدة: 59.
وفي تفسير الثعلبي لما صلى محمد بالأنبياء ليلة الإسراء بعث الله إليه ميكائيل أن يقول للأنبياء: على ما أرسلتم؟ فقالوا: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب ونحوه روى أبو نعيم المحدث، وروى صاحب النخب أنهم كانوا تسعين نبيا منهم موسى وعيسى.
وأسند الشافعي ابن المغازلي من طرق عدة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يمر على الصراط إلا من معه كتاب بولاية علي بن أبي طالب ونحوه روى جماعة من الأصحاب وفي كتاب الكليني في قوله تعالى (ومن يطع الله ورسوله - في ولاية علي بن أبي طالب - فقد فاز(3) وفيه أن اسم علي مذكور في عشرة مواضع من القرآن قال ابن شهرآشوب رأيته في مصحف ابن مسعود في ثمانية مواضع.
وأسند الشيرازي في تفسيره إلى السدي قال صخر بن حرب للنبي صلى الله عليه وآله:
يا رسول الله هذا الأمر من بعدك لنا أم لغيرنا؟ فقال صلى الله عليه وآله: لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى، فأنزل الله تعالى: (عم يتساءلون - عن خلافة علي - عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون - أن خلافته حقا تكون - ثم كلا سيعلمون(4)) حين عن ولايته يسألون في قبورهم فلا يبقى ميت إلا ويسئل عن ربه ودينه ونبيه وإمامه.
وأسنده ابن جبر في نخبه إلى علي عليه السلام وفي رواية الأصبغ: أنا النبأ العظيم أقف بين الجنة والنار وأقول: هذا لي وهذا لك، وذكر نحوه في نخبه أيضا من طريقين آخرين وفي السؤال عن ولايته أدل دليل على وجوبها على كل شخص في
____________
(1) الصافات: 24.
(2) آل عمران: 102.
(3) الأحزاب: 71.
(4) النبأ: 4.
وأسند الشيرازي إلى ابن عباس أن الله تعالى يأمر مالكا يوم القيامة بإسعار النيران، ورضوان بزخرف الجنان، وميكائيل بمد الصراط على جهنم، وجبرائيل بنصب ميزان العدل تحت العرش، وينادي: يا محمد! قرب أمتك للحساب ثم يقعد على الصراط سبعة قناطر طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ، على كل قنطرة سبعون ألف ملك قيام يسألون نساء هذه الأمة ورجالها على القنطرة الأولى عن ولاية أمير المؤمنين وحب أهل بيت محمد فمن أنى بها دخلها كالبرق الخاطف، ومن لا [ يأت بها ] سقط على أم رأسه في قعر جهنم ولو كان معه من أعمال الثقلين عمل سبعين صديقا.
وأما كون حزب علي هم الغالبون فأسند المفيد في إرشاده قول النبي صلى الله عليه وآله أن عليا وشيعته هم الغالبون ألا إن شيعة علي هم الفائزون وأسند أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، ثم التفت إلى علي فقال: هم شيعتك وأنت إمامهم.
وروى هو أيضا أن عليا اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وآله حسد الناس له، فقال صلى الله عليه وآله:
أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسنان وذريتهما خلف ظهورهما وأحباؤنا خلف ذريتنا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا.
وفي مسند ابن حنبل: يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني، وفي مسنده أيضا من أحبك فقد أحبني وحبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله، فالويل الويل لمن أبغضك بعدي.
وقد روى الفريقان كون الحق لا يفارقه، فهو أمير حزب الله ورسوله، و ليس بعد حزب الله الغالب الفاخر إلا حزب إبليس الناكب الفاجر وقد سلف منا أن الله تعالى بعث الأنبياء على ولايته، وأن الناس لا يجوزون الصراط إلا بإجازته وذلك يوجب حتم اعتقاد إمامته بغير فصل لإطلاق لفظ النبي وإشارته، ولم يوجد لمن تأمر عليه قطرة من هذه المدائح ولا ذرة من هذه المنائح، وقد ارتجل مؤلف
نزل الكتاب مبينا | فرض الوصي على العموم |
وأتى الحديث مؤكدا | ومنافيا جحد الخصوم |
يا للرجال لأمة | مالت إلى رجل ظلوم |
وتناكبت في تركها | وجه الصراط المستقيم |
ميلا إلى دنيا دنية | فعل شيطان رجيم |
فغدا الذي كتم النصوص | يكب في نار الجحيم |
ومنها قوله تعالى (والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون(1)) أسند ابن جبر في نخبه إلى ابن عباس قال: صديق هذه الأمة علي بن أبي طالب والشهداء علي وحمزة وجعفر.
وأسند أيضا في روايات من كتابه إلى الباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام وزيد بن علي أن قوله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به(2)) هو علي بن أبي طالب.
وأسند أيضا إلى ابن عباس قوله تعالى (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين(3)) يعني محمدا (والصديقين) يعني عليا (والشهداء) يعني عليا وجعفر وحمزة والحسنين عليهم السلام.
وفي شرف النبي صلى الله عليه وآله عن الخركوشي والكشف والبيان عن الثعلبي قال:
قال أبو جعفر عليه السلام (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه(4)) حمزة و علي وجعفر ونحوه أسند الشيرازي وزاد أن عليا هو الصديق الأكبر.
____________
(1) الحديد: 19.
(2) الزمر: 33.
(3) النساء: 68.
(4) الأحزاب: 23.
وفي أربعين الخطيب وفضائل أحمد وكشف الثعلبي قال النبي صلى الله عليه وآله: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين ثم ذكر الثلاثة وقال: وعلي أفضلهم ورواه ابن حنبل مسندا إلى ابن أبي ليلى بطريقين ورواه الشافعي ابن المغازلي عن ابن حنبل وقد قال عليه السلام: أنا الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم ورواه المفيد في إرشاده ونحوه أسند الثعلبي في تفسيره وزاد: أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر، ومثله روى ابن حنبل في مسنده.
وأسند الخوارزمي في الأربعين إلى النبي صلى الله عليه وآله أن عليا عليه السلام ينادى يوم القيامة بسبعة أسماء: يا صديق، يا دال، يا عابد، يا هادي، يا مهدي، يا فتى، يا علي، مر أنت وشيعتك بغير حساب.
وفي الخبر قال ابن سلام للنبي صلى الله عليه وآله: ما اسم علي فيكم؟ قال: الصديق الأكبر قال: الله أكبر، ثم أسلم، فقال: إنا نجد في التورية محمد نبي الرحمة، علي مقيم الحجة، قال العبدي:
أبوكم هو الصديق آمن واتقى | وأعطى وما أكدى وصدق بالحسنى |
وأنشأ المؤلف مضاهيا لهذا المولى:
علي هو الصديق جاء به الذكر | وأخبار أقوام به لهم خبر |
فمن ينكر النص الجلي مبادرا | إليه فلا يعدوه في حشره خسر |
لما أنه أبدا عداوة ربه | فقد لزم التعذيب إذ لزم الكفر |
إذا عرفت هذا فقد نص الجوهري والفارسي على أن الصديق هو الملازم للصدق الدائم عليه، الذي صدق فعله قوله، والصديقون نبيون وغيرهم، و
ونعني بعدم العكس عدم الشمول لا ما اصطلح عليه المنطقيون فإن العكس هنا صادق عندهم إذ الموجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية فكل نبي صديق ينعكس في المنطق إلى بعض الصديق نبي وهو حق. وقد علم من ذلك أن مرتبة الصديق متوسطة بين مرتبة النبي ومطلق الصالح فالصديق ينقسم إلى ثلاثة: نبي (يوسف أيها الصديق) إمام: (كونوا مع الصادقين) وقد مضى ذلك قريبا ومن ليس بأحدهما كحبيب وحزقيل ونحوهما. وقد أفرده اللفظ النبوي بأنه أفضلهما فدل على اختصاصه بالإمامة.
إن قلت: لا يلزم من الأفضلية الانتهاء إلى الإمامة إذ التفاضل واقع في الأشياء مع عدم الإمامة. قلت: فيلزم ذلك في قوله عليه السلام: أنا الصديق الأكبر فلو لم يكن هو الإمام لم يكن الأكبر لأنه انطلق له لفظ الأكبر.
إن قلت: فيلزم كونه أكبر من النبي. قلت: قد أخرجه الدليل، فيختص به دون غيره، هذا وقد أقسم عليه السلام مع كونه للصدق ملازما وللمين مجانبا على ما صح في اللغة بقول ذينك الإمامين ونقل في الأحاديث من الفريقين في خطبته الشقشقية وغيرها قال عليه السلام: وأيم الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير. وسيأتي جانب من ذلك في شئ من تظلماته عليه السلام.
إن قلت: فالقطب لا يستقل بنفسه في منفعة الرحا، فيكون المتقدم عليه مكملا لمنفعة الرحا قلت: هذا وهم لا يغني من الحق شيئا لأن القطب يستقل في الحركة الدورية بنفسه وحركة الرحا لا تكون إلا به وكلامه عليه السلام يدل على أن فلانا وضع نفسه في محل القطب وليس أهلا لها ولا يخفى ذلك على من له أدنى بصيرة إلا أن ترده نفسه الشريرة الأمارة بخبث السريرة.
ومنها قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل
وأسند الشيرازي من أعيانهم إلى قتادة عن الحسن البصري في قوله (هذا صراطي مستقيما) قال: يقول: هذا طريق علي بن أبي طالب وذريته طريق مستقيم ودين مستقيم فاتبعوه، تمسكوا به فإنه واضح لا عوج فيه.
وفي تفسير وكيع عن السدي ومجاهد عن ابن عباس في قوله (اهدنا الصراط المستقيم) معناه أرشدنا إلى حب النبي وأهل بيته.
وفي تفسير الثعلبي وكتاب ابن شاهين: الصراط محمد وآله وأسند ابن جبر في نخبه إلى ابن عباس في قوله تعالى (وستعلمون من أصحاب الصراط السوي و من اهتدى(2)) الصراط السوي هو والله محمد وأهل بيته.
وأسند أيضا عن حمزة بن عطا عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل(3)) قال: هو علي بن أبي طالب يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم.
وأسند أيضا إلى ابن عباس وزيد بن علي في قوله: (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم(4)). يعني ولاية علي بن أبي طالب.
وأسند إلى جابر الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله أشار إلى علي وقال: هذا صراط مستقيم فاتبعوه، وأسند أيضا إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحكم وعلي بين يديه ورجل عن يمينه وآخر عن يساره فقال: اليمين والشمال مضلة والطريق المستوي الجادة، هذا - وأشار إلى علي بيده - فاتبعوه.
وأسند عن الحسن أن ابن مسعود وعظ فسئل عن الصراط المستقيم فقال:
طرفه في الجنة وناحيته عند محمد وعلي وأسند إلى أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى
____________
(1) الأنعام: 153.
(2) طه: 135.
(3) النحل: 76.
(4) يونس: 25.
وفي الخصائص عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون(2)) قال: عن ولايتنا. وأسند محمد بن جعفر المشهدي إلى عبد الله بن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: أنت صاحب حوضي ولوائي، وزوج ابنتي، ووارث علمي، ومستودع مواريث الأنبياء، وأمين الله في أرضه، وحجته على خلقه، وركن الإيمان، ومصباح الدجى، ومنار الهدى، والعلم المرفوع لأهل الدنيا، من تبعك نجا، ومن تخلف عنك هلك، وأنت الطريق الواضح و الصراط المستقيم.
وأسند أيضا إلى عبد الله ابن عمر أنه قال: قال لي أبي: اتبع هذا الأصلع فإنه أول الناس إسلاما والحق معه فإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول في قوله تعالى: (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم(3)) علي صراط مستقيم فالناس مكبون على الوجوه غيره، لأنهم يحتاجون إلى هداه وفقهه، فإذا كان هو الصراط المستقيم إلى الله وأهل البيت هو أعلاهم كان أولى بالاتباع والتقديم وأحرى من غيره بالتحكيم، عند كل ذي عقل سليم، و هذه غاية لا مزيد عليها، ولا يمكن المحيد عنها، والطعن فيها، قال أبو الفتح الواسطي:
هذا علي النبأ العظيم تفهموا | وهو الصراط المستقيم إلى الهدى |
هذا علي دنيا وديني فاعلموا | فليستحيد لجيده المستنقدا |
تذنيب:
ذكر صاحب المصالت عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: إنهم عن الصراط لناكبون. قال عليه السلام: الأول والثاني والثالث عن الولاية معرضون.
____________
(1) الزخرف: 43.
(2) المؤمنون: 75.
(3) الملك: 22.
العروة الوثقى ولاية علي بن أبي طالب.
إن قلت: إن الله تعالى جعلها الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، ولم يذكر عليا؟ قلت: رد ذلك إلى الرسول أوجب حيث يقول: (ولو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم(2)) ولو كان من كفر بالطاغوت وآمن بالله حسب حصل بالعروة الوثقى، لم يبق بالاقرار بالنبوة فائدة وهو باطل بالاجماع، وحيث وجب التمسك بالنبي وجب بمن عينه النبي. قال ابن حماد:
علي المعلى القدر عند مليكه | وإن أكثرت فيه الغواة ملامها |
وعروته الوثقى التي من تمسكت | يداه بها لم يخش قط انفصامها |
ومنها قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا(3)) أسند ابن جبر في نخبه إلى العبدي أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وآله عن هذه الآية فأخذ بيد علي وقال:
هذا حبل الله فاعتصموا به، وأسند مثله إلى الباقر عليه السلام.
وأسند أيضا إلى الباقر عليه السلام في قوله تعالى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس(4)). قال عليه السلام: حبل من الله كتابه، وحبل من الناس علي ابن أبي طالب.
وأسند الثعلبي في تفسيره إلى الصادق عليه السلام: نحن حبل الله الذي قال فيه (واعتصموا بحبل الله) وإذا أمر الله ورسوله بالاعتصام به فقد هلك من لم يعتصم به، ومن تأمر عليه لم يعتصم به، فهلك من تأمر عليه، قال الحميري:
إنا وجدنا له فيما نخبره | بعروة العرش موصولا بها سببا |
حبلا متينا بكفيه له طرف | شد العراق إليه العقد والكربا |
____________
(1) البقرة: 256.
(2) النساء: 82.
(3) آل عمران: 103.
(4) آل عمران: 122.
من يعتصم بالعرى من حبله فله | أن لا يكون غدا في الحال منعطبا |
ومنها قوله تعالى: (وصالح المؤمنين(1)) أسند ابن جبر في نخبه إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله: علي باب الهدى بعدي، والداعي إلى ربي، وصالح المؤمنين.
وأسند إلى زيد بن علي أن الناصر للحق وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب، وروى نحوه السدي عن ابن عباس والخضرمي عن أبي جعفر والثعلبي عن أبي جعفر وعن الباقر عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وذكره الثعلبي في تفسيره.
إن قيل: فصالح لا يدل على الأصلح، قلنا: بل العرف يوجب ذلك لأن قولنا فلان عالم قومه وزاهد بلده، يراد به أعلم وأزهد، ولأنه أخبر أنه ناصر نبيه، وجبرائيل عند وقوع التظاهر ذكر [ مع ] صالح المؤمنين ولا يذكر في النصر إلا من كان في الدفاع أمنعهم وفي الذب عنه أنفعهم إذ لا يليق ذكر ضعيف ولا متوسط في النصرة فإن الملك لا يهدد من يروم سلطانه بمثلها بل بمن هو الأعلى في مرتبة النصرة، ولهذا إن عليا هدد معاوية بمالك الأشتر حيث إنه معروف بالشجاعة مشهور بالبراعة، وإذا كان علي أصلح، فتقديمه أنجح، لأنه الأرجح، فالقول بإمامته الأربح.
ومنها (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم(2)) روت الفرقة المحقة أنها في علي عليه السلام ورواه الثعلبي في تفسيره.
قالوا: الآية في أبي بكر وأصحابه لأنهم الذين قاتلوا المرتدين. قلنا:
تنزيل الآية على اليقين المستقيم أولى من تنزيلها عن الظن والترخيم، والمحبة(3)
____________
(1) التحريم: 4.
(2) المائدة: 57.
(3) والحجة، خ ل.
والمشهور في اللسان أن [ زمان ] سوف أنفس من زمان السين، وزمان حرب علي بعد أبي بكر أنفس من زمان أبي بكر، وقد روي عن عمار وحذيفة وغيرهما قوله عليه السلام في البصرة: والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم وتلا (ومن يرتد منكم عن دينه) الآية.
ومنها: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحمل الانسان(1)) روى محمد بن الحسن برجاله إلى الصادق عليه السلام أن الأمانة في الآية هي الولاية لعلي ابن أبي طالب عليه السلام.
ومنها: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم(2)) أسند محمد بن يحيى إلى الصادق عليه السلام قال: (آمنوا) بما جاء به محمد من الولاية (ولم يلبسوا أيمانهم بظلم) لم يخلطوه بولاية فلان وفلان.
ومنها: (يا أيها الذين أتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا(3)) أسند علي بن إبراهيم إلى الصادق عليه السلام أنها كانت آمنوا بما نزلناه في علي.
ومنها: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به - في علي - لكان خيرا لهم(4) هكذا أسندها علي بن إبراهيم إلي أبي جعفر عليه السلام.
ومنها: (هذان خصمان اختصموا في ربهم(5) أسند البخاري في آخر كراس
____________
(1) الأحزاب: 72.
(2) الأنعام: 82.
(3) النساء: 47.
(4) النساء: 65.
(5) الحج: 19.
ومنها: (بل تؤثرون الحياة الدنيا(1)) يعني ولايتهم (والآخرة خير وأبقى) ولاية علي، هكذا أسنده معلى إلى الصادق عليه السلام.
ومنها: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم(2)) ولاية علي (استكبرتم ففريقا كذبتم) من آل محمد (وفريقا تقتلون) أسنده إلى أبي جعفر عليه السلام.
ومنها: (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه(3)) من ولاية علي هكذا أسنده الحسين بن محمد إلى الرضا عليه السلام.
ومنها: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض(4)) قال الشيرازي في كتابه المستخرج من التفاسير الاثني عشر عن ابن مسعود: الخلافة من الله لثلاثة: آدم (إني جاعل في الأرض خليفة(5)) داود: (إنا جعلناك خليفة(6)) علي عليه السلام (ليستخلفنهم في الأرض(7)).
ومنها: (وربك يخلق ما يشاء ويختار(8)) وسيأتي أيضا قال في الكتاب المذكور قال النبي صلى الله عليه وآله اختارني وأهل بيتي فجعلني الرسول وجعل عليا الوصي.
ومنها: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا(9) أسند أحمد بن مهران إلى أبي جعفر عليه السلام الطريقة هي ولاية علي والأوصياء.
ومنها: (إنما أعظكم بواحدة(10)) أسند الحسين بن محمد إلى أبي جعفر عليه السلام أنها ولاية علي عليه السلام.
ومنها: (الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا(11))
____________
(1) الأعلى: 16.
(2) البقرة: 87.
(3) الشورى: 13.
(4) النور: 55.
(5) البقرة: 30.
(6) ص: 26.
(7) النور: 55.
(8) القصص: 68.
(9) الجن: 16.
(10) السبأ: 46.
(11) النساء: 137.