الصفحة 58

وفي صريح وصف النبي صلى الله عليه وآله له وكلامه دليل ظاهر على أنه أحق بمقامه إذ تخصيصه بهذا القول دون غيره من أمته، دليل فضيلته الموجب لاستحقاق رتبته وسيأتي شئ من ذلك في باب المطاعن، وسنورد ذلك أيضا في هذا الكتاب من طريق الخصم، ليكون أدعى إلى التسليم.

ففي الجزء الرابع من أجزاء ثمانية في صحيح البخاري قال عمر: توفي النبي صلى الله عليه وآله وهو راض عن علي، وقال له: أنت مني وأنا منك، ونحوه في الجزء الخامس في رابع كراس من أوله.

وفي الجزء الثاني من الجمع بين الصحيحين من عدة طرق عن أبي جنادة قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا وعلي، و مثله في سنن أبي داود وصحيح الترمذي ورواه ابن حنبل أيضا.

ورواه ابن المغازلي الشافعي من عدة طرق وفي بعضها: (علي مني وهو ولي كل مؤمن بعدي) ومثله في فردوس الديلمي ونحوه عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ونحوه في رواية الخدري وفيها (علي مني كخاتمي من ظهري، من جحدر ما بين ظهري من النبوة فقد كفر) وروى نحوه الواعظ في شرب النبي صلى الله عليه وآله ورواه التميمي في الجزء الثالث من جواهر الكلام، ورواه ابن سيرين أيضا وفي تاريخ الخطيب وفضائل السمعاني وفردوس الديلمي زيادة: علي مني مثل رأسي من بدني.

وأسند ابن حنبل إلى عبد الله بن أخطب قول النبي صلى الله عليه وآله لبني ثقيف: لتسلمن أو لأبعث إليكم رجلا مني - أو قال: مثلي أو مثل نفسي - يضرب أعناقكم، ويسبي ذراريكم، ويأخذ أموالكم، قال عمر: فوالله ما اشتهيت الإمارة إلا يومئذ، فنصبت صدري رجاء أن يقول علي(1)، فأخذ بيد علي وقال: هو هذا.

وروى ابن حنبل أيضا من طريقين قول جبرائيل للنبي صلى الله عليه وآله يوم أحد وقد قتل علي أصحاب الألوية: إن هذه لهي المواساة فقال صلى الله عليه وآله: إنه مني وأنا منه.

____________

(1) عنى: خ. إلى، ظ، ويقول أي يشير.


الصفحة 59
وروي أن الشيخين هربا ورجع عمر وهو ينشف دموعه، ويسأل عليا العفو فقال له: ألست المنادي: قتل محمد ارجعوا إلى أديانكم؟ فقال: إنما قاله أبو بكر فقال عليه السلام: أنتما ومن اتبعكما حينئذ حصب جهنم، أنتم لها واردون، ثم نزلت (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان(1)).

وروى ابن حنبل أيضا أن عليا أخذ في اليمن جارية فكتب خالد مع بريدة إلى النبي صلى الله عليه وآله فأعلمه فغضب وقال: يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه.

وأورده ابن مردويه من طرق عدة وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة:

إيها عنك فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنك لتقع في رجل أولى الناس بكم بعدي، وفي بعضها إنه طلب من النبي صلى الله عليه وآله الاستغفار، فقال له: حتى يأتي علي فلما أتى علي قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: إن تستغفر له(2) فاستغفر، وفي بعضها أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر لأجل النص الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله بالولاية بعده، وفي بعضها أن بريدة بايع النبي صلى الله عليه وآله على الاسلام جديدا، ولولا أن الانكار على علي يوجب تكفيرا، لم يكن لبيعة بريدة ثانيا معنى، وهذا شئ لم يوجد لغيره من أصحابه قطعا.

فهذه كتب القوم التي هي عندهم صادقة، بولاية علي عليه السلام ناطقة، إذ في جعله من بدنه مثل الرأس، دليل تقديمه على سائر الناس.

إن قيل: فقوله: لا يؤدي عني إلا هو، فيه رفع الإمامة عن أولاده، وليس ذلك من مذهبكم قلنا: لا، فإن حكمهم واحد، وأمرهم واحد، لأن ما أداه علي أخذه أولاده منه واحد بعد واحد، فكان المؤدي إلى الناس هو وإن كان بواسطة ولأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم تغلب القوم على أمره، فنفى التأدية عنهم لا عن أولاده، كيف ذلك وقد نص عليهم في مقام بعد مقام، وسيأتي ذلك في جملة من نصوصه عليه السلام، فيجب حمل نفي التأدية على غيرهم، دفعا لتناقض الكلام.

____________

(1) آل عمران: 155.

(2) أي إن شئت أن تستغفر له.


الصفحة 60
إن قيل: لو كان أمرهم واحدا لم تختلف أقوالهم، والروايات الصادرة عنهم قلنا: الاختلاف من سهو الرواة، أو خرج على التقية، وفي الروايات ما هو موضوع عليهم ولم يكن صادرا منهم.

قال ابن البطريق في كتاب الخصائص:


علوت عن المشابه والمدانيإذا يتلى مديحك في المثاني
غدا المختار منك وأنت منهنظير[ اً ] في المناصب والمعاني

ولقد أنشأ جامع هذا الكتاب النبيه، قول النبي صلى الله عليه وآله فيه:


قول النبي أنت مني يا علي وأنتالرأس من بدني لم يخف عن أحد
وغيره لا يؤدي ما أمرت بهعني إليكم ويحددكم عن الفند
وما تشاجرتم فبه؟ يبينهلكم ويرشدكم للواحد الصمد
قل فيه واسمع له وانظر إليه تجدفضائلا جمة جلت عن العدد
هذي مزاياه دون الناس قاطبةتجري على ولده نصا إلى الأبد
وقد رواها لنا الجمهور ظاهرةوخالفوها وحلوا في عذاب غد

(9)
فصل


قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: لولا أني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك مقالا لا تمر بملا من المسلمين إلا وأخذوا تراب نعليك، و فضل وضوئك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، فقال الحارث الفهري: وما وجد لابن عمه مثلا إلا عيسى، يوشك أن يجعله نبيا بعده، والله إن آلهتنا التي نعبد خير منه، فنزل قوله تعالى: ((ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون - إلى قوله: - وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم(1)) وفي رواية أن الحارث قال: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك

____________

(1) الزخرف: 61.


الصفحة 61
فأمطر علينا حجارة(1) فأنزل الله تعالى: (ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم(2)) فقال النبي صلى الله عليه وآله للحارث: إما أن تتوب أو ترحل عنا، فرحل فرماه الله بحجر على هامته فأخرج من دبره وأنزل الله (سأل سائل بعذاب واقع الكافرين (بولاية علي) ليس له دافع(3).

قال الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير: هكذا نزلت.

وأسند ابن حنبل قول النبي صلى الله عليه وآله: يا علي إن فيك مثلا من عيسى بغضه اليهود حتى بهتوا أمه، أي: جعلوه ولد زنية، وأحبه النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له، وقال علي عليه السلام: هلك في رجلان: محب مفرط بما ليس في، ومبغض يحمله شأني على أن يبهتني.

وقد أسند ابن حنبل بطرق مختلفة في روايات ثمان في ذلك وروى نحوه الفقيه الشافعي ابن المغازلي وعبد الواحد التميمي الأموي في الجزء الثالث من جواهر الكلام، وابن عبد ربه في كتاب العقد.

ومن المعقول أنه عليه السلام أخبر بالمغيبات، وظهر في بدنه ونفسه كرامات أوجبت التباس أمره حتى اختلف كثير لقصور فكرهم فاعتقدته النصيرية إلها يعطي ويمنع، وقوم عادوه وحاربوه وكتموا النصوص عليه، وسبوه، ولا عجب من ضلال أكثر الأمة المخالفة، فإن ذلك في سنن الأمم السالفة.

اعتبر حال بني إسرائيل إذ قالوا: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة(4)) والمقتصدون رفعوه عن مهابط الناقصين، ووضعوه عن منزلة إله العالمين، فجعلوه إماما متوسطا بين الخالق والمخلوقين، فأصابوا حق اليقين، حيث نزلوا عن علو غلو الشبيه، و صعدوا عن حضيض خفيض التشبيه، فلا يرجعون في أخراهم إلى ندم، بل يرجعون

____________

(1) الأنفال: 32.

(2) الأنفال: 33.

(3) المعارج: 1 و 2.

(4) الأعراف: 138.


الصفحة 62
لبنا خالصا سائغا من بين فرث ودم، فخلاف الأمة في إمامة علي وإلهيته، وفي خلافة أبي بكر وكونه من رعيته، وهذا تباين عظيم يرفع الالتباس، ويبطل التماثل والقياس، ولله در من نظر في هذا الحال فقال:


تبا لناصبة الإمام فقدتهافتوا في الضلال بل تاهوا
قاسوا عتيقا بحيدر سخنتعيونهم بالذي به فاهوا
كم بين من شك في إمامتهوبين من قيل إنه الله

وقال عبد الحميد بن أبي الحديد:


تقيلت أفعال الربوبية التيعدرت بها من قال إنك مربوب

(10)
فصل
* (في حديث خصف النعل) *


روى البخاري ومسلم قول النبي صلى الله عليه وآله في موضع: يا معشر الناس لتنتهن عن مخالفة أمر الله أو ليبعثن عليكم من يضرب رقابكم بالسيف، الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى والمراد بالجمع هنا التعظيم، وقد جاء مثله في مواضع من الذكر الحكيم، وروى حديث خصف النعل رزين في الجزء الثالث من الجمع بين الصحاح الستة والترمذي في سننه، وزاد أنهم قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: هو خاصف النعل.

وذكر نحوه الخطيب في تاريخه والسمعاني في فضائله وأحمد بن حنبل أيضا من طرق أربعة في مسنده وابن بطة في إبانته، وفي بعضها: قالوا يا رسول الله! هو أبو بكر؟ فقال: لا، قالوا: عمر؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا ولكنه خاصف النعل بالحجرة.

وفي حلية الأولياء قال الخدري: انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وآله فتناوله علي ليصلحها فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، قال أبو بكر: هو أنا يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر:


الصفحة 63
هو أنا؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل، فابتدرنا فإذا بعلي يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفي هذا الحديث دليل ظاهر، على نص قاهر، من الله تعالى ومن رسوله على علي بالإمامة، حيث قال الرسول، الذي لا ينطق عن الهوى: أو ليبعثن الله عليكم، وفي قوله: (يضرب رقابكم) إشارة أخرى لأن ضرب الرقاب، لا يكون إلا للرئيس دون المرؤس، وفي تشبيه المقاتلة على تأويله بالمقاتلة [ على تنزيله ] إشارة أخرى لأن التشبيه بالفعل الذي لا يكون إلا من النبي، لا يكون إلا من الإمام الذي هو مشابه النبي، فإن جاحد العمل بالتأويل كجاحد العمل بالتنزيل ومرجع قتال الفريقين ليس إلا إلى النبي أو الإمام، فمراد النبي بذلك القول الإمامة لا غير.

وقد روى البخاري ومسلم قول النبي صلى الله عليه وآله: فرقتان تخرج من بينها فرقة ثالثة يلي قتلهم أولاهم بالحق، فانظر كيف سمى عليا عليه السلام أنه أولى بالحق، و حيث أطلق الأولوية من غير تقييد بزمان، عمت الأوقات وأفراد الانسان، وقد أشار الحميري في شعره، إلى ما ذكره ابن جبر في نخبه:


وفي خاصف النعل البيان وغيرهلمعتبر إذ قال والنعل يرقع
لأصحابه في مجمع إن منكموأنفسهم شوقا إليه تطلع
إماما على تأويله غير جائريقاتل بعدي لا يضل ويهلع
فقال أبو بكر أنا هو؟ قال لاوقال أبو حفص أنا هو؟ فاشفع
فقال لهم: لا لا، ولكنه أخيوخاصف نعلي فاعرفوه المرقع

وقال العبدي:


لما أتاه القوم في حجراتهوالطهر يخصف نعله ويرقع
قالوا إن كان أمر من لناخلف إليه من الحوادث نرجع
قال النبي خليفتي هو خاصفالنعل الزكي العالم المتورع


الصفحة 64

* (كلام في المناشدة) *


أسند ابن مردويه من أهل المذاهب الأربعة وأخطب خوارزم إلى عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليا عليه السلام يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق، فأطعت مخافة أن يرجع القوم كفارا ويضرب بعضهم رقاب بعض، ثم بايع أبو بكر لعمر وإني أولى بالأمر منه، فأطعته لذلك ثم تريدون أن تبايعوا عثمان إذا لا أسمع ولا أطيع.

وفي رواية أخرى لابن مردويه: إذا أسمع وأطيع، ولو أشاء أن أتكلم بما لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك، أن يرد خصلة منها ثم افتخر باختصاصه بأخوة رسول الله وعمومة حمزة، وأخوة جعفر، وزوجية فاطمة وأبوة الحسنين، وقتل المشركين، وسبقه إلى الاسلام بالتوحيد، وتغسيله لرسول الله، وأكله من الطائر بدعوة نبي الله، ورد الشمس له بأمر الله، وكشف الكرب عن وجه رسول الله، وفتح بابه إلى المسجد دون باب غيره عن أمر الله، وتطهيره في كتاب الله، وتقديمه الصدقة ستة عشر مرة في مناجاة رسول الله، وبأن له سهما في الخاص وسهما في العام، ومودة القربى، وتغميض النبي، ودفنه صلى الله عليه وآله.

وفي رواية أخرى للخوارزمي أسندها إلى أبي ذر أنه عليه السلام ألزمهم بقول جبرائيل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، وبأن جبرئيل أمر النبي صلى الله عليه وآله عن الله بمحبته ومحبة من يحبه، وقال: إن الله يحبه ويحب من يحبه، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله نودي ليلة الأسرى في السماء: نعم الأب أبوك إبراهيم، و نعم الأخ أخوك علي، فاستوص به.

قال ابن عوف: سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فصمتا ثم ذكر دخوله المسجد جنبا، وذكر قول النبي له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.


الصفحة 65
ولقد علمتم(1) موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وقربي وتخصيصي بمس جسده وشم عرفه، ولا يجد لي كذبة في قول: ولا خطلة في فعل، وكنت أتبعه اتباع الفصيل أمه، يرفع لي كل يوم علما من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي على رسول الله فقلت له: ما هذه؟ قال: رنة الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير.

ولقد كنت معه حين طلب منه الملاء مجئ الشجرة، فدعاها فجاءت فقالوا:

ارددها، فردت، فقالوا: فليأت نصفها، فجاء نصفها، فقالوا: رده فرده، فقالوا:

ساحر، فقلت: إني أول مؤمن بأن ذلك من أمر الله تصديقا لنبيه.

وحيث كان ذلك كله معلوم عند أهل الشورى وغيرهم، لم يمكنهم جحده ولو أمكن لسارعوا إليه إذ هو مقام التوصل إلى الخلافة، فدل إقرارهم على أنه حق عندهم قد عرفوا صحته وسمعوها؟، واستوضحوا قضيته ورعوها، وعلموا أنهم لو أنكروه مقامه قامت عليهم البراهين، واعترف به غيرهم من العالمين، و أبو بكر أقام الحجة يوم السقيفة بقرابته من النبي صلى الله عليه وآله وأمس منها قرابة علي عليه السلام.

فإذا حصلت له الخلافة ببعض خصلة من خصال علي، فكيف لم يكن علي المخصوص بجميعها أولى بقام النبي صلى الله عليه وآله.

وكذا بغيره مثل مساواته للنبي في نفسه، وهوي النجم في داره، وأخذه براءة من أبي بكر وعزله، والنص على ولايته حين آتى الزكاة في ركوعه، وقلع الصخرة عن القليب من غرائبه، ودحو باب خيبر من عجائبه، وكلام الثعبان و الجمجمة من آياته، ونزول الجام والمنديل من كراماته، إلى غير ذلك مما يطول الكتاب بذكره، ويعول الخطاب بنشره، وقد صرح فيما ذكر برواية أعيانهم

____________

(1) مقال له عليه السلام في خطبته المسماة بالقاصعة تراها في النهج تحت الرقم 190.


الصفحة 66
وأركان أديانهم، مع صدقه وعدله، أنه أولى ممن تأمر عليه، وسعى في هضمه و عزله.

قال بعضهم:


مساع أطيل بتفصيلهاكفى معجزا ذكرها مجملا

ولما حصل الخوارزمي من هذه المزايا في علمه، نضد شيئا منها في تأليفه و نظمه، فقال:


هل فيهم من له زوج كفاطمةقال لا وإن مات غصا كل ذي حسن
هل فيهم من له في ولده ولدمثل الحسين شهيد الطف والحسن
هل فيهم من له عم يوازرهكمثل حمزة في أعمام ذي الزمن
هل فيهم من له صنو يكانفهكجعر ذي المعالي الباسق الفتن
هل فيهم من تولى يوم خندقهمقتال عمرو، وعمرو خر للذقن
هل فيهم من رمى في حال سطوتهبباب خيبر لم يضعف ولم يهن
هل فيهم سابق في السابقين إلىحق اليقين وما صلى إلى وثن
وهل أتى هل أتى إلا إلى أسدفنى الكتائب طود الحلم في المحن
أطاع في النقض والابرام خالقهوقد عصى نفسه في السر والعلن
الناس في سفح علم الشرع كلهملكن علي أبو السبطين في القنن

(11)
فصل


في دعاء النبي صلى الله عليه وآله لعلي حين نزل قوله تعالى: (وتعيها أذن واعية(1).

أسند الكلبي إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله لما نزل (وتعيها أذن واعية):

اللهم اجعلها أذن علي، فما سمع شيئا بعدها إلا حفظه، ونحوه روى ابن جبر في نخبه من طريقين، وقريب منه في حلية الأولياء، وفي أسباب النزول للواحدي، و

____________

(1) الحاقة: 12.


الصفحة 67
في محاضرات الراغب، وهو من أهل المذاهب الأربعة، وفي كتاب الياقوت وأمالي الطوسي والكشف والبيان للثعلبي، وفي خصائص النطنزي، أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك ولا أجفوك، وحق علي أن أطيع ربي فيك، وحق عليك أن تعي.

ونحوه في تفسير أبي القاسم بن حبيب وفي تفسير الثعلبي أيضا إلا أن فيه:

وحق على الله أن تسمع وتعي، فنزلت (وتعيها أذن واعية).

أنشأ مؤلف الكتاب في هذا الباب:


دعا النبي له قولا يكررهيا رب اجعلها أذن العلي علي
وقال قد قال لي ادنيه منك ولاتقصيه يوما ولا تجعله في الهمل
فقلت حقا على الرب الكريم بأنتعي وتسمع ما ألقيه عن كمل
فما نسي بعدها مما ألقنهشيئا ولا حاد عن قول إلى خطل
فهذه آية خص الوصي بهافيا لها نعمة لم تلف عن رجل

وقد سلف كونه عليه السلام النبأ العظيم، فيما أوردناه من آيات الذكر الحكيم أعني بذلك قوله: (ومن يتول الله ورسوله(1)).

تذنيب:

روى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فنزلت: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا(2)) قال ابن عباس: الود محبة علي في قلوب المؤمنين.

قال الربيع: إذا أحب الله مؤمنا قال لجبرائيل: إني أحببت فلانا فأحبه فيحبه ثم ينادي في السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، ثم يوضع له قبول في أهل الأرض.

____________

(1) المائدة: 56.

(2) مريم: 96.


الصفحة 68
إن قلت: فعلى هذا لم يحب الله عليا إذ قد سب في الأرض ألف شهر قلت:

هذا؟ عارض بسب الكفار للنبي صلى الله عليه وآله طول الدهر، على أن (قبول) نكرة مثبتة فلا تعم.

إن قلت: فإذ لم يكن القبول عاما لم يخل أحد من مطلق القبول، قلت:

فائدة الذكر ترجيح الخاص على العام، وعلى قول ابن عباس: المراد بوضع القبول إيجاب محبة الله، ولا يلزم إيجاب الشئ عموم وقوعه، وقد ارتجل جامع الكتاب فقال:


من جعل الله له ودامجانبا للأمر والإدا
ذاك علي المرتضى في الورىلم ير في الناس له ندا

(12)
فصل
* (في كون علي بن أبي طالب خير البرية بعد) *
* (النبي صلى الله عليه وآله) *


أسند الإصفهاني من أعيانهم أن قوله تعالى: (أولئك هم خير البرية(1)) نزلت في علي عليه السلام ونحوه أبو بكر الشيرازي وابن مردويه من نيف وأربعين طريقا والخطيب الخوارزمي.

وأسند ابن جبر في نخبه إلى الزبير وعطية وخوات أنهم رأوا جابرا يدور في سكك المدينة ومجالسها، ويقول: قال لي النبي صلى الله عليه وآله: علي خير البشر ومن أبى فقد كفر، ومن رضي فقد شكر، معاشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي، فمن أبى فلينظر في شأن أمه.

وأسند نحوه الدارمي عن عائشة وابن مجاهد في الولاية والديلمي في الفردوس وأحمد في الفضائل والأعمش عن أبي وائل وعن عطية عن عائشة وابن أبي حازم

____________

(1) البينة: 7.


الصفحة 69
عن جرير. وروى ابن جبر في نخبه عن أبي وائل ومعاوية ووكيع والأعمش و شريك ويوسف أنهم أسندوا إلى جابر وحذيفة: علي خير البشر لا يشك فيه إلا كافر، قال: وروى عطاء عن عائشة مثله.

وأسنده سالم بن الجعدي بأحد عشر طريقا إلى جابر، وفي تاريخ الخطيب أخرج المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي على الناس سنة اثني عشر ومائتين.

وأسند الخطيب في تاريخه أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: إن من لم يقبل أن عليا خير البشر، فقد كفر، وأسند فيه قول النبي صلى الله عليه وآله: خير رجالكم علي وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة عليها السلام ومسند إلى عقبة قول الجهني للنبي صلى الله عليه وآله: إن قوما يقولون: خير هذه الأمة أبو بكر، وقوما عمر، وقوما عثمان، فمن خير الناس بعدك؟ قال: من اختاره الله واشتق له اسما من أسمائه و زوجه أمته، ووكل به ملائكته يقاتلون معه، فذكر ذلك لأبي ذر، فقال: و أزيدك ما سمعته من النبي صلى الله عليه وآله: فضل علي على هذه الأمة كفضل جبرائيل على سائر الملائكة.

وفي رواية الهذلي عن الشعبي أن عليا أقبل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: هذا من الذين يقول الله فيهم: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية(1)).

وأسند ابن جبر في نخبه إلى الباقر عليه السلام قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) أنت وشيعتك شباعا مرويين، و ميعادي وميعادكم الحوض، وإذا حشر الناس جئت أنت وشيعتك شباعا مرويين غرا محجلين.

وأسند في كتابه إلى جابر: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا: هذا خير البرية، وفي تاريخ البلاذري عن جابر: كان علي خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

____________

(1) البينة: 7.


الصفحة 70
وفي مسند ابن حنبل قال جابر: علي خير البشر، ما كنا نعرف المشركين والمنافقين إلا ببغضهم إياه.

وأسند الخوارزمي وابن عبدوس عن سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله: إن أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي أمير المؤمنين.

وأسند الطبراني في المناقب والولاية قول النبي صلى الله عليه وآله في الخوارج: هم شر الخلق والخليقة: يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلى الله وسيلة.

وأسند ابن جبر في نخبه أن سعد بن أبي وقاص دخل على معاوية فقال له:

مرحبا بمن لا يعرف حقا فيتبعه ولا باطلا فيجتنبه، فقال: أردت [ أن ] أعينك على علي بعد ما سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لفاطمة: أنت خير الناس أبا وبعلا؟

وأسند أيضا شهر بن حوشب أن عمر لما بدأ بالحسنين في العطاء قال له ابنه:

قدمتهما علي، ولي صحبة وهجرة دونهما؟ فقال: أسكت لا أم لك أبوهما والله خير من أبيك، وأمهما خير من أمك.

وقد أسند صاحب المراصد إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله: خلق الله [ ذا ] الفقار، وأمرني أن أعطيه خير أهل الأرض، قلت: يا رب من ذلك؟ قال: خليفتي في الأرض علي بن أبي طالب، قال: و [ ذو ] الفقار كان يحدثه حتى أنه هم يوما بكسره، فقال: يا أمير المؤمنين! إني مأمور وقد بقي في أجل المشرك تأخير.

وحدث إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم أنه قيل لشريك: ما تقول فيمن مات ولا يعرف أبا بكر؟ قال: لا شئ عليه، قال: فإن هو لا يعرف عليا؟ قال:

في النار لأن النبي صلى الله عليه وآله أقامه علما يوم الغدير.

تذنيب:

ظهر من ذلك بطلان ما عارض به الجاحظ أن النبي صلى الله عليه وآله باهى بخاله، وقد كان علي خال جعدة بن هبيرة، ولم يستثنه، قلنا: هذا غير معروف ولا مسند ويلزمه كون خال النبي صلى الله عليه وآله أشرف من أبي بكر.


الصفحة 71

تنبيه:

إذا كان علي خير البرية لعموم اللفظ، وجب ترك غيره والتعويل عليه، لعموم الحاجة إليه، وإذا كان دين الاسلام لا يحصل العمل به إلا بعد تنفيذه، الموقوف على نصرته عليه السلام ومحاماته، كان سببا للصغار والكبار في خلاصهم من عذاب النار فلذلك كان ثوابه أفضل، وفضله أكمل، إن الخير من كان للثواب أحرز، لكونه في أعمال الخير أحمز.

فلا يغرنكم قول عمر وابنه وعثمان وأبي هريرة والحسن البصري وعمرو بن عبيد والنظام والجاحظ بأفضلية أبي بكر لاستنادهم إلى هوى أنفسهم وميلهم إلى عاجلتهم إذ لم يوجد له فضل في كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وإن وجد فعلى الطريقة النادرة لا تقاوم أدنى ما لعلي من المزايا المتظاهرة، مع أن قولهم معارض بقول الزبير، والمقداد، وسلمان، وعمار، وجابر، وحذيفة، وعطا، ومجاهد، وسلمة وأبي عبد الله البصري، وسليمان بن جرير الرقي، ومن تابعه، وابن التمار، و من تابعه، وكثير النوا، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيبة، وثابت الحداد بأفضلية علي وهو اختيار البغداديين كافة، والشيعة بأجمعها، والحجة في إجماعها لدخول المعصوم فيها، وقد ذكرته الإمامية في كتبها، واعتمد المرتضى في كتاب الانتصار عليه.

وبالجملة: فالفضائل إما نفسية متعلقة بالشخص نفسه، أو في غيره، وإما بدنية متعلقة بنفسه أو غيره، فالنفسية المتعلقة به، فكعلمه، وحلمه، وزهده، و كرمه، والمتعلقة بغير فكرجوع أرباب العلوم والقضايا إليه، والبدنية المتعلقة بنفسه فكعبادته، وشجاعته، وصدقه، والمتعلقة بغيره فمتابعته في عبادته والتأسي به ولا خفاء في اختصاصه عليه السلام بهذه دون غيره، ومعيار ذلك تفاسير القبيلين، وأخبار الخصمين، وقد امتلأت نواحي الأقطار، بالانشاء في ذلك من الأشعار، ولم يأت عليها من الانكار، قال الفضل بن عتبة بن أبي لهب:


ألا إن خير الناس بعد محمدمهيمنه التاليه في العرف والنكر


الصفحة 72

فذاك علي الخير من ذا يفوقهأبو حسن خلف القرابة والصهر

وقال زهير:


صهر النبي وخير الناس كلهموكل من رامه بالفخر مفخور
صلى الصلاة مع المختار أولهمقبل العباد ورب الناس مكفور

وقال أبو الطفيل:


أشهد بالله وآلائهوآل يس وآل الزمر
إن علي بن أبي طالببعد رسول الله خير البشر

وقد أسند الواحدي والخوارزمي قول النبي صلى الله عليه وآله يوم الخندق: لمبارزة علي لعمرو أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة، ونحوه ما ورد في ليلة المبيت، لو وزن عمله تلك الليلة بأعمال الخلائق لرجح.

فكيف يقاس به من كان ضعيف الجنان، عن مبارزة الأقران، ولم ينقل أحد لفظا صريحا ولا تلويحا، له في الاسلام قتيلا ولا جريحا.

تذنيب:

أقام أبو بكر يعبد الأصنام، ونبت لحمه على ما ذبح على النصب والأزلام، وغير ذلك من شرب الخمور، وأعمال الجاهلية والفجور، لو عرضت هذه على علي وغيره من الأبرار، لتعوذ منها من النار، ولو عرضت صفات علي على أبي بكر وغيره من ذوي الأنظار، لتمناها إذ فيها رضى الجبار، فكيف يشتبه على عاقل تقاربهما وقد وضح لكل ناظر تباعدهما، وعلي يتعوذ من أفعاله، وأبو بكر يتمنى الكون على بعض خصاله:


يقولون خير الناس بعد محمدأبو بكر الصديق والضير ضيركم
أكذبتم صديقكم في مقالهوليتكم أمرا ولست بخيركم

وقال الجماني:


قالوا أبو بكر له فضلهقلنا لهم هيأه الله
نسيتم خطبة خم وهليشتبه العبد بمولاه
إن عليا كان مولى لمنكان رسول الله مولاه