الصفحة 73

غيره: علا المجد فانخزلت دونهنقائص لا ترتقى مجده
وحنت إليه مزايا العلىفنجم السماء غدا عنده
فكل كمال له صاحبيدافع عن مجده ضده

وتعجب الجاحظ كيف اختلف في رجلين أحدهما خير أهل الأرض، والآخر شر أهل الأرض، ولا موضع لتعجبه، وقد أنكر القوم البديهيات والمحسوسات وادعي في قوم الإلهية مع دلائل الحدوث الواضحات، وأنكرت الأشاعرة فعل العباد مع أنه من الضروريات.

(13)
فصل


في كونه عليه السلام الشاهد، والنور، والهدى، والجنب، والحجة، ومثال الكعبة وعنده علم الكتاب فهذه سبع.

1 -: أسند الطبري إلى زين العابدين والباقر والصادق والرضا قول علي عليهم السلام (أفمن كان على بينة من ربه(1)) محمد (ويتلوه شاهد منه) أنا، ونحوه أسند ابن جبر في نخبه إلى أنس، وزاد أنه كان والله لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر نحوه النظنزي في الخصائص والحافظ وأبو نعيم من طرق ثلاثة، وأسنده الثعلبي إلى ابن عباس ورواه القاضي أبو عمرو عثمان ابن أحمد وأبو نصر ورواه الفلكي المفسر عن مجاهد وعن عبد الله بن شداد وفي صبح الخطيب سأله ابن الكوا ما أنزل فيك فتلا الآية، وفي كونه شاهدا ثبوت عدالته، وفي كونه تاليا ثبوت تقديمه، وفي كونه منه لزوم مجانسته، ولم يقل النبي صلى الله عليه وآله لأحد سواه: أنت مني وأنا منك.

قال جامع الكتاب:


من أنزل الله فيه الذكر متضحابكونه تاليا لا يمترى فيه

____________

(1) هود: 17.


الصفحة 74

وأنه من رسول الله متصلاوشاهد معلنا من ذا يدانيه؟

2 - أسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه السلام (ليخرجكم من الظلمات(1)) يعني الكفر (إلى النور) يعني إلى ولاية علي.

وأسند إلى الباقر عليه السلام (والذين كفروا (بولاية علي) أولياؤهم الطاغوت) أعداؤه وأتباعهم أخرجوا الناس (من النور) وولاية علي (إلى الظلمات) ولاية أعدائه.

وفي سبط الواحدي وأسباب النزول عن عطا (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه(2)) نزلت في علي وحمزة عن مالك بن أنس عن أبي شهاب عن أبي صالح عن ابن عباس (وما يستوي الأعمى(3)) أبو جهل (والبصير) أمير - المؤمنين (ولا الظلمات) أبو جهل (ولا النور) أمير المؤمنين.

قال ابن رزيك:


هو النور نور الله في الأرض مشرقعلينا ونور الله ليس يزول
سما بين أفلاك السماوات ذكرهنبيه فما أن يعتريه خمول

3 - الهدى: أسند ابن جبر في نخبه إلى أبي الحسن عليه السلام في تفسير (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق(4)) قال: أمر رسول الله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق (ليظهره على الدين كله) عند قيام القائم (والله متم نوره(5)) بولاية القائم (ولو كره الكافرون) بولاية علي.

وأسند أيضا في تفسير (إنا لما سمعنا الهدى آمنا به(6) قالوا: الهدى

____________

(1) الحديد: 9.

(2) الزمر: 22.

(3) فاطر: 19.

(4) الصف: 9، براءة: 33، الفتح 28.

(5) الصف: 8.

(6) الجن: 13.


الصفحة 75
الولاية وأسند إلى أبي جعفر عليه السلام في تفسير (وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى(1)) في أمر علي.

قال مؤلف الكتاب:


موالاة الوصي هدى ونورودين الحق جاء به الكتاب
فيا من ضل عنه إلى التعاميلك الخزي المؤبد والعذاب

4 - الجنب: أسند الحافظ إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله: رأيت ليلة المعراج لا إله إلا الله، أنت محمد رسول الله، علي جنب الله، الحسن والحسين صفوة الله فاطمة أمة الله، على محبيهم رحمة الله، وعلى مبغضيهم لعنة الله.

5 - الحجة: في تاريخ الخطيب وفي الإحن والمحن عن أنس قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي فقال: أنا وهذا حجة الله على خلقه، ونحوه في فردوس الديلمي ورواه الشافعي ابن المغازلي إلا أنه قال: حجة الله على أمتي يوم القيامة، وفي كونه حجة على جميع أمته لأجل عمومه، وجوب تقديمه بلا فصل على غيره، فلو كان رابعا خرجت الثلاثة، ومن مات في زمانهم، عن العموم بغير دليل.

6 - الكعبة أسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه السلام: نحن كعبة الله، ونحن قبلة الله، وفي هذا وجوب استقبالهم فمن أخرهم فقد استدبرهم.

وأسند ابن المغازلي إلى أبي ذر قول النبي صلى الله عليه وآله: علي فيكم كمثل الكعبة النظر إليها فريضة. والنبي لا ينطق عن الهوى، فلا يشبه شيئا بغير نظيره، فكما فرض حج الخلق إليها، فرض ولاية علي عليها، وكما أن وجوب الحج غير مخصوص بسنة، فوجوب الولاية غير مخصوص بوقت، فمن جعله رابعا، كان لظواهر النصوص دافعا.

7 - علم الكتاب: روت الفرقة المحقة والثعلبي في تفسيره من طريقين أن قوله تعالى: (ومن عنده علم الكتاب(2)) هو علي بن أبي طالب، وإذا كان المعول

____________

(1) القتال: 32.

(2) الرعد: 43.


الصفحة 76
في علم الكتاب عليه، رجعت حاجة الخلق إليه، إذ كان هو المبين لما فيه من الحلال والحرام، وبقية الأحكام، ولما وجب سلوك طريق النجاة بعمل الكتاب، وجب التمسك بمن عنده علم الكتاب.

إن قلت: التخصيص بالذكر لا يدل على التخصيص بالحكم، وقد عرف في الأصول قلت: بلى وقد ظهر في الأصول.

إن قلت: فلو دل خرج النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من علم الكتاب قلت: لم يخرجوا لدليل خارج أما النبي فظاهر أنه المعلم لعلي وأما الأئمة فلما تواتر من النصوص، علمنا انتقال علوم أبيهم إليهم.

قال ابن حماد:


فهم أولئك لا تحاط علومهموليس لهم في الخلق شبه ولا مثل
هم أمناء الله في الأرض والسماءوهم عينه والأذن والجنب والحبل
وهم أنجم الدين الذي صال ضوؤهاعلى ظلم الاشراك فهو لها يجلو
وفي كتب الله القديمة نعتهم(1)وقد نطقت عن عظم فضلهم الرسل
هم القبلة الوسطى بدا الوفد حولهالها حرم الله المهيمن والحل
وآيته الكبرى وحجته التيأقيمت على من كان منا له عقل

(14)
فصل
* (في ذكر الدرجات) *


قال الله تعالى: (نرفع درجات من نشاء(2)) وهي تسع لم تجتمع في أحد من الصحابة سوى علي عليه السلام:

1 - السبق إلى الاسلام والهجرة: (والسابقون السابقون أولئك المقربون(3)).

____________

(1) في بعض النسخ: (وفي كتب الأمم القديمة نعتهم).

(2) يوسف: 76.

(3) الواقعة: 10.


الصفحة 77
2 - القرابة (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى(1)).

3 - العلم بالكتاب (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(2)).

4 - العلم بالسنة (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(3)).

5 - معرفة الحكم (يحكم به النبيون(4)).

6 - المجاهدة (وفضل الله المجاهدين على القاعدين(5)).

7 - الإنفاق (وأنفقوا مما رزقناكم * من ذا الذي يقرض الله(6)).

8 - الورع (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله * قد أفلح المؤمنون الآية(7) 9 - الزهد (فلا تغرنكم الحياة الدنيا(8)).

ونحوها قال الشيخ المرشد أبو عبد الله الحسين بن علي البصري في كتاب الايضاح اجتمع أصحاب الحديث ومن ينتحل السنة وقالوا: اجتمعت هذه الصفات في علي لأن السبق له ولزيد بن حارثة، وأبي بكر، وعثمان، وطلحة، و الزبير، وعبد الرحمن، والمقداد، وابن مسعود، وعمار، والسعدين، وأبي ذر وسلمان.

والقرابة له ولولديه ولعميه وأخويه، ولابني الحارث: عبيدة، وأخيه أبي سفيان، والفضل بن العباس فهؤلاء أقرب الناس.

والعلم بالكتاب له ولأبي، وعثمان، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، و جابر.

____________

(1) الشورى: 33.

(2) النحل: 43 والأنبياء: 7.

(3) الزمر: 9.

(4) المائدة: 44.

(5) النساء: 95.

(6) المنافقون: 10، البقرة: 245.

(7) النور: 37، المؤمنون: 1.

(8) فاطر: 5.


الصفحة 78
والعلم بالسنة له ولابن مسعود، وعمر بن الخطاب، ومعاذ، وجابر، و سلمان، وحذيفة بن اليمان.

ومعرفة الحكم له، وللعمر [ و ] ين، وابن مسعود، وابن حنبل، وأبي - موسى الأشعري.

والجهاد له ولحمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحارث، وطلحة، والزبير، و البراء، وأبي دجانة، ومحمد بن مسلمة، والسعدين.

والإنفاق له ولأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن.

والورع له ولأبي بكر، وعمر، وابنه، وابن مسعود، وأبي ذر، وسلمان والمقداد، وعمار.

فنقول: إذا كانت هذه اجتمعت في علي عليه السلام وتفرقت فيهم استحق بذلك التقدم عليهم، بل نقول: وإن شاركوه في بعض هذه المراتب لم يلحقوه في كل واحدة إلى الغاية التي كان عليها، ولم يدانوه في النهاية التي استوى إليها، وناهيك ما تواتر من شجاعته، وزهده، ووفور علمه، وأسبقية إسلامه، وأقربيته، و صدقته، وخصوصا في آية النجوى حيث نوهت بكرمه وبخل غيره، ومن يتتبع تفاصيل هذه ونحوها من المطولات عثر منها على عدم مداناة أحد له في هذه الدرجات وأبو بكر احتج لاستحقاق الخلافة بالقرابة وهي بعض درجة لعلي عليه السلام.

قال السيد المرتضى رضي الله عنه:


وإذا الأمور تشابهت واستبهمتفجلاؤها وشفاؤها أحكامه
وإذا التفت إلى التقى صادفتهمن كل بر وافر أقسامه
فالليل فيه قيامه متهجدايتلو الكتاب وفي النهار صيامه
يعفي الثلاث تعففا وتكرماحتى يصادف زاده معتامه(1)

ولجامع الكتاب:


على حوى الدرجات العلىوكل الصحابة منها خلا
له السبق والقرب والمعرفةوعلم الكتاب له قد حلا

____________

(1) اعتام الرجل: اختار وأخذ العيمة، فالمعتام هو المختار.


الصفحة 79

وجاهد في الله حق الجهاد(1)ولا يستطب ما لديهم حلا
وأنفق سرا وجهرا كماله الذكر فينا علينا تلا

(15)
فصل
* (في ذكر الشهادة) *


قال الله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله(2)) وقال رسول الله صلى الله عليه و آله: الشهود كعام الظالمين وروي عن الصادق عليه السلام إن أحدكم يأخذ حقه بشاهدين وجدي أمير المؤمنين عليه السلام شهد له بحقه يوم الغدير سبعون ألفا ولم يقدر على أخذه وفي رواية ستة وثمانون ألفا.

ولا خفاء ولا تناكر بين الشيعة أن اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار أنكروا على أبي بكر مجلسه، وقد أسنده الحسين بن جبر في كتابه إبطال الاختيار إلى أبان بن عثمان قال: قلت للصادق عليه السلام: هل كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من أنكر على أبي بكر جلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم وعد منهم: خالد ابن سعيد بن العاص، وسلمان، وأبا ذر، والمقداد، وعمار، وبريدة الأسلمي وقيس بن سعد بن عبادة، وأبا الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وخزيمة ابن ثابت ذا الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبا أيوب الأنصاري.

فاستشاروا عليا في مكالمته وإسقاطه عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لو فعلتم لما كنتم إلا حزبا، وكالملح في الزاد، والكحل في العين، ولو أتيتموني شاهري سيوفكم لما ألجأوني إلى البيعة وهددوني بالقتل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوعز إلى أن الأمة تغدر بي قلت: فما أصنع؟ قال: إن وجدت أعوانا فجاهد، وإلا كف يدك، وأحقن دمك، حتى تلحق بي مظلوما، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله و جهزته وجمعت القرآن أخذت بيد فاطمة وولديها، وناشدتهم حقي، ودعوتهم

____________

(1) في بعض النسخ: وجاهد في الله لا يرعوى.

(2) الطلاق: 2.


الصفحة 80
إلى نصرتي، فما أجابني إلا أربعة: المقداد، وسلمان، وأبو ذر، وعمار، وأبى على أهل بيتي إلا السكوت لما علموا من وغارة في صدور القوم، وبغضهم لله ورسوله وأهل بيته.

فانطلقوا إلى الرجل وعرفوه ما سمعتم من رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون أوكد للحجة، وأبلغ للعقوبة، فمضوا وأحدقوا بالمنبر.

فلما صعد قام خالد بن سعيد فحمد الله وأثنى عليه وقال: معاشر الأنصار قد علمتم أن رسول الله قال: ونحن محتوشوه في بني قريظة وقد قتل علي رجالهم: يا معشر قريش إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمرا فلا تضيعوه، ألا وإن عليا إمامكم، وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني جبرائيل عن ربي، ألا وإن أهل بيتي الوارثون لأمري، القائمون بأمر أمتي، اللهم من حفظ فيهم وصيتي فاحشره في زمرتي، ومن ضيع فيهم وصيتي، فأحرمه الجنة.

قال جامع الكتاب: ودعاء النبي صلى الله عليه وآله مستجاب لأنه بأمر شديد القوى حيث قال: (وما ينطق عن الهوى(1)).

وقام سلمان وقال: إذا نزل بك الأمر ماذا تصنع؟ وإذا سئلت عما لا تعلم إلى من تفزع؟ وفي القوم من هو أعلم منك، وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله قدمه في حياته وأوعز إلينا قبل وفاته، فتركتم قوله، وتناسيتم وصيته، فلو رددت الأمر إلى أهله كان لك النجاة، وقد سمعت، كما سمعنا، ورأيت كما رأينا، وقد منحت لك نصحي، وبذلت لك ما عندي، فإن قبلت أرشدت.

وقام أبو ذر وقال: يا معشر قريش قد علمتم قول النبي صلى الله عليه وآله لنا: إن الأمر من بعدي لعلي، ثم الأئمة من ولد الحسين، فتركتم قوله، وابتعتم دنيا فانية، ولذلك الأمم كفرت بعد إيمانها، فعما قليل يذوقون وبال أمرهم.

وقام المقداد وقال: أربع على ظلعك(2) والزم بيتك، وابك على خطيئتك

____________

(1) النجم: 3.

(2) أي إنك ضعيف فانته عما لا تطيقه.


الصفحة 81
فعما قليل تضمحل عنك دنياك وقد علمت أن عليا صاحب الأمر، فأعطه ما جعله الله له ورسوله.

وقام عمار وقال: يا معاشر قريش قد علمتم أن أهل بيت نبيكم أقدم سابقة منكم، فأعطوهم ما جعله الله ورسوله لهم، ولا ترتدوا فتنقلبوا خاسرين.

وقام بريدة وقال: يا أبا بكر نسيت أم تناسيت، أم خادعت نفسك أما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالسلام على علي سبع سنين في حياته بإمرة المؤمنين، وكان يتهلل وجهه، لما يراه من طاعتنا لابن عمه، فلو أعطيتموه الأمر لكان لكم النجاة، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: بينا أنا على الحوض أسقي إذ يزجر بطائفة من أصحابي، فيقول جبرائيل: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فتنوا أمتك وظلموا أهل بيتك، فأقول: بعدا وسحقا.

وزاد ابن بابويه في حديث بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أيها الناس هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي، وخير من أخلفه فوازروه وانصروه، ولا تتخلفوا عنه، فإنه لا يدخلكم في ضلالة ولا يخرجكم من هدى.

وقام قيس بن سعد وقال: يا أبا بكر اتق الله ولا تكن أول من ظلم محمدا في أهله، ورد هذا الأمر إلى من هو أحق به منك، تلقى رسول الله وهو راض عنك.

وقام خزيمة وقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقبل شهادتي وحدي؟

قال أبو بكر مغضبا: اشهد بما تشهد، فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:

هذا علي إمامكم بعدي، وخليفتي فيكم، فقدموه يسلك بكم طريق الهدى ولا تتقدموه يسلك بكم طريق الردى، مثله فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها هوى.

وقام الهيثم وقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه خرج علينا آخذا بيد علي ببطني؟؟

وهو يقول: أيها الناس هذا علي أخي وابن عمي، وكاشف الكرب عن وجهي، و من اختاره الله بعلا لابنتي، الشاك فيه كالشاك في الله، والتابع له كالتابع لسنة رسول الله فاتبعوه يهدكم إلى الذي تختلفون فيه من الحق.


الصفحة 82
وقام سهل وقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: هذا علي إمامكم بعدي ووصيي في حياتي، وبعد وفاتي، قاضي ديني، ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، وويل لمن تخلف عنه وخذله.

وقام أبي وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أقام عليا للناس علما وإماما فقالت طائفة: إنما أقامه ليعلم من كان عدوه ومواليه أن عليا مولاه فبلغه ذلك فخرج كالمغضب فأخذ بيد علي عليه السلام ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإمامه وحجة الله عليه إن الله تعالى خلق للسماوات سكانا وحرسا هي النجوم، فإذا هلكت هلك من في السماء، وخلق لأهل الأرض حرسا هم أهل بيتي فإذا هلكوا هلك من في الأرض.

وقام أبو أيوب وقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار أما سمعتم الله يقول:

(إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا(1)، وقال: إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها(2)) أفتريدون أن تظلموا أيتاما أقرب من أيتام رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمس مات جدهم، واليوم غصبتموهم ثم خنقته العبرة.

وأفحم أبو بكر على المنبر فأنزله عمر، وقال له: يا لكع إذا كنت لا تقوم بحجة فلم أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى حذيفة، وانطلقا فلم يدخلا مسجد رسول الله عليه السلام إلا بعد ثلاثة أيام فجاءهم خالد وقال قد طمعت فيه بنو هاشم، وجاء سالم بألف رجل، ومعاذ بألف رجل، فخرجوا إلى المسجد شاهرين سيوفهم، وعلي عليه السلام جالس في نفر من أصحابه فقال عمر: إن تكلم أحدكم بما تكلم به أمس أخذت الذي فيه عيناه، فكان بينه وبين خالد بن سعيد كلام فأجلسه علي، وكبر سلمان وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: هذا أخي وابن عمي جالس في مسجدي في نفر من أصحابه إذ يثب إليه جماعة من كلاب

____________

(1) النساء: 10.

(2) الكهف: 29.


الصفحة 83
أهل النار، يريدون قتلهم، فلا نشك أنكم هم، فهم به عمر فجلد علي به الأرض فقال له علي عليه السلام: يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق، وعهد من رسول الله تقدم لأريتك أينا أقل ناصرا وأضعف جندا ثم قال عليه السلام لأصحابه: انصرفوا وحلف أن لا يدخل المسجد إلا لزيارة أو حكومة.

هذا ما قاله الصادق عليه السلام حذفت منه شيئا من ألفاظه حذرا من طول الكلام، و هؤلاء لا يتهمون ولا يكذبون لعلو منزلتهم، وشرف سابقتهم، وصحبتهم، ولشهادة النبي الذي لا ينطق عن الهوى، فيهم، وسلمان منا أهل البيت أراد المجانسة. وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر، والمقداد قدمني قدا.

وعمار جلدة بين عيني، وكان يقبل شهادة خزيمة وحده، فسمي ذا الشهادتين لقيامه مقام عدلين، وشرف أبي بن كعب لا ينكره رشيد، لغزارة علمه بالكتاب المجيد.

وناهيك من أبي أيوب فإن النبي صلى الله عليه وآله نزل عنده بأمر ربه لما قدم المدينة طلب كل منهم التشرف بنزوله، فقال: ناقتي مأمورة أنزل حيث نزلت، فنزلت على باب أبي أيوب الأنصاري.

فشهادة هؤلاء توجب تسليم الأمر إليه عليه السلام دون غيره، ولو أمكن الطعن فيها لم تسلم شهادة بعدها، بل لو شهد مع جماعة رجل منهم انتفت به التهمة عنهم، فما ظنك بشهادة كل واحد منهم، وعلى القول بصحة الاختيار من أنه متى اجتمع خمسة من صلحاء الأمة، وأهل الرأي والعدالة، على رجل من أهل الأمة، وعقد له واحد برضى الأربعة صار إماما فثبتت الإمامة لعلي عليه السلام بشهادة هؤلاء، لما علمت من أوصافهم.

هذا إذا صدر الكلام عن أنفسهم، فكيف إذا كان صادرا عن نبيهم عن جبرائيل عن ربهم.

إن قلت: اللازم من تلك الشهادات استحقاق الإمامة لا ثبوتها إلا ببيعة هؤلاء

الصفحة 84
ولم ينقل عنهم ذلك. ولأنه لما انعقدت البيعة لأبي بكر لزم بطلان البيعة لعلي لإجماع الأنام على إيجاب الإمام.

قلت: قد أسلفنا بطلان الاختيار في أصله ولئن سلمنا صحة أصله أبطلنا اختيار أبي بكر، حيث إنه ليس من أهله، لما ستعلم من باب المطاعن من جهله، و قبيح فعله.

قال مؤلف الكتاب في هذا الباب:


شهد الثقات على النبيأن الخلافة في علي
وأتوا أبا بكر بهذاالقول والفعل الزري
مذ أفحموه مضى إلىأهل العداوة للولي
وأتى بهم متنكبينعن الصراط المستوي
متسلحين لدفعهمعما أبانوا في الوصي
وكذا جرى للأنبياءبكل شيطان غوي
لما أتوا بالمعجزاتوكل برهان قوي
للعجز عن إبطالهمالوا إلى الفعل الدني
من حرقهم وقتالهموالرجم والطرد الشني
وعلى سبيلهم اقتفىالسني ذو القول الغوي
إذ قال عند جدالهسيفي جواب الرافضي
فالعدل يفصل بينهمفي الحشر بالحكم السوي


الصفحة 85

(16)
فصل


أسند ابن قرطة في مراصد العرفان إلى زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وآله بايعنا على أن نحفظه في نفسه وفي علي بن أبي طالب، وقال: أعطى الله تعالى العصا لموسى، والكلمات لإبراهيم، وأعطاني هذا يعني عليا. ولكل نبي آية، وهذا آيتي والأئمة الطاهرين من بعده آيات الله، لم تخل الأرض من الإيمان ما بقي أحد من ذريته، وعليهم تقوم الساعة.


إليك مصير الفضل والوحي ناطقوأنت ولي الأمر والله شاهد
مشاهد من فعل الرسول شواهدعليها من الوحي العزيز شواهد

آخر:


أنت الذي نطق الكتاب بفضلهبشواهد في الذكر غير خوافي
لما رآك الله أهلا للثنانطق الكتاب بكل خاف شافي

وهذا الحق اليقين قد قامت بالقول اليسير دعائمه، وحامت بالصول الحقير عزائمه، وقد طولت أصنافه الحسنى باع أوليائه، وحولت مزاياه العليا محبيه في جزيل نعمائه، تنطق لسان الباقل البليد، وتطلق بنان الخامل الوليد، وتخرس بيان سبحان العتيد.


مولى متى ظل فكري في مدائحهأمست تعلمنا أوصافه المدحا
فضل يكاد يعيد الخرس ناطقةتتلو الثناء ولفظ يخرس الفصحا

ولا يضر مجده الرفيع، وسناؤه المنيع، ما يورده الوضيع، من القول الشنيع فقد قيل في النبي صلى الله عليه وآله: ساحر وشاعر، ووصف الرب الجليل بأوصاف منافية لكماله وعدله، وأقيم له نظير من الأوثان، وفضلت عبادتها على عبادة الرحمن، ومن أحسن ما قيل في المتعصبين على مولانا ومولاهم أمير المؤمنين:


ولا يضر على الأفلاك عائبةوالنقص إذ ذاك قول المبغض الشاني


الصفحة 86

سيان إن جهل المهذار منقبهاأو عاند المجد قصد الحائف الجاني
مفاخر لأبي السبطين تعرفهاقلب البسيطة جهرا أي عرفان
روح المعالي العوالي الزهر مقلتهايمينها حل منها أي جثمان
سهم من الله لا تنمى رميته(1)سهم تقاصر عنه مجد كيوان
إذا تجاذبت الأبناء فخرهمبمن مناقبه فخر لعدنان
أقام للدين رجلا طال ما سقطتبسيفه لا بأوتار وخرصان
فكل من حوت الغبراء مقتبسمن نوره نازح الأوطان أو داني

قال جامع الكتاب:

ولما نصرنا الإمام عليه السلام بكمال مساعيه، وبصرنا الله بما أودع من الجمال فيه، بنينا على ما استبنته(2) ونصرناه بألسنتنا، فالفضل له علينا، حيث جعل خصل السبق إلينا، فقلنا في سيدنا وأبي موالينا:


نصرنا فتى أنصاره في حياطةمن الزيغ قول المرسل الحق شاهد
فتى قلد الاسلام سمط فخارهولولاه أضحى ركنه وهو مائد
فلا مهتد إلا عليه معاجه(3)ولا راشد إلا لمسعاه حامد

ولنعم ما قال بعض الفضلاء فيه، وأثنى على كمال مساعيه:


من كان قد عرفته مدية دهرهوجرت له أخلاف سم منقع
فليعتصم بعرى الدعاء ويبتهلبإمامة الهادي البطين الأنزع
نزعت عن الآثام طرا نفسهودعا فمن كالأنزع المتطوع
وحوى العلوم عن النبي وراثةفهو البطين لكل علم مودع
وهو الوسيلة في النجاة إذا الورىرجفت قلوبهم لهول المرجع

____________

(1) لا تنهى خ.

(2) في بعض النسخ: أسسه.

(3) المعاج - بالفتح - المكان الذي يعاج إليه أي يعطف إليه ويقام به ومنه قولهم (فكرهت انعياجه إلى معاجى).