تذنيب:
أسند صدر الأئمة عندهم أخطب خوارزم موفق بن أحمد المكي قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي يوم الغدير: أنت مولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال:
أنت مني وأنا منك، وقال: تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، وقال:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقال: أنا سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت وقال: أنت تبين لهم ما اشتبه عليهم بعدي، وقال: أنت العروة الوثقى، وقال:
أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة، وقال: أنت الذي أنزل الله فيه (وأذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر(1)).
وقال: أنت الآخذ بسنتي، والذاب عن ملتي، وقال: أنا أول من تنشق عنه الأرض وأنت معي، وقال: أنا عند الحوض وأنت معي، وقال: أنا أول من يدخل الجنة وأنت معي، وبعدي ولدي الحسن والحسين وفاطمة، وقال أوحى الله إلي أن أقوم بفضل(2) فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه، وقال:
اتق الضغائن التي هي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
ثم بكى عليه السلام وقال: أخبرني جبرائيل عليه السلام أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده، وأخبرني أن ذلك يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة على محبتهم، وكان الشانئ لهم قليلا، والكاره لهم ذليلا وذلك حين تغير البلاد، وضعف العباد، واليأس من الفرج، فعند ذلك يظهر القائم فيهم، اسمه اسمي، فهو من ولد ابنتي.
وهذا الحديث قد جمع أطرافا تفرقت في كتابنا هذا مفصلة لكن لنسقه مواقع من القلوب مفضلة(3).
____________
(1) براءة: 3.
(2) بفضلك ظ.
(3) متصلة خ.
(17)
فصل
نذكر فيه شيئا مما نقله ابن طاوس من الطرف، كما وعدنا به فيما سلف، وقد أسلفنا طرفا من وصاياه عليه السلام، وفي هذه الطرف تأكيد لذلك المرام، وأي عجب أبلغ ممن شهد على نبيه باللسان، أنه أفضل أهل الزمان، وترك أمته في ضلال الاهمال، وحيرة الاغفال، ووكلها إلى اختياراتها المتفرقة، وآرائها المتمزقة مع اتفاقها على قوله: إنها تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة محقة، بل الحق أنه ما انتقل إلى دار كرامته، حتى نصب عليا عليه السلام خليفة على أمته، و نص على أعلام الهداية من ذريته:
فمما في الطرف:
1 - أسند ابن عبد القاهر برجاله إلى الصادق عليه السلام أن عليا عليه السلام وخديجة لما دعا هما النبي صلى الله عليه وآله إلى الاسلام قال: جبرائيل عندي يقول لكما: إن للاسلام شروطا: الاقرار بالتوحيد، والرسالة، والمعاد، والعمل بأصول الشريعة، و طاعة ولي الأمر بعده، والأئمة واحدا بعد واحد، والبراءة من الشيطان، ومن الأحزاب، تيم وعدي، فرضيت خديجة بدلك فقال علي عليه السلام وأنا على ذلك فبايعهما النبي صلى الله عليه وآله ثم أمرها أن تبايع عليا، وقال: هو مولاكي ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي فبايعت له عليه السلام.
2 - روى الكاظم عليه السلام عن أبيه عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله لما خرج إلى بدر بايع الناس، وكان يخبر عليا بمن يفي منهم ومن لا يفي، ويأمره بالكتمان، فلما طلب حمزة للبيعة، قال: أليس قد بايعناه، قال: بايع بالوفاء والاستقامة لابن أخيك إذا تستكمل الإيمان فبايع، ثم قال لهم: ويد الله فوق أيديكم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، الآية(1) وفي طرفة أخرى ليرجعن أكثرهم كفارا يضرب
____________
(1) الفتح: 10.
3 - ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب الوصية إلى الكاظم إلى الصادق عليهما السلام أنه لما كانت الليلة التي أصيب حمزة في صبيحتها قال له النبي صلى الله عليه وآله : يا عم يوشك أن تغيب غيبة بعيدة، فما تقول إذا وردت على ربك وسألك عن شرائع الاسلام، وشرائط الإيمان؟ فبكى، وقال: أرشدني! فقال صلى الله عليه وآله: تشهد لله بالوحدانية ولي بالرسالة، وتقر بالمعاد، وما فيه، وأن عليا أمير المؤمنين، والأئمة من ولده الحسن والحسين، وفي ذريته، تؤمن بسرهم وعلانيتهم، توالي من والاهم وتعادي من عاداهم، فقال: نعم آمنت بذلك كله ورضيت به.
4 - بالإسناد المذكور قال النبي صلى الله عليه وآله لسلمان وأبي ذر والمقداد: تعرفون شرائع الاسلام وشروطه؟ قالوا: نعرف ما عرفنا الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وآله: تشهدون لله بالوحدانية والعدالة، ولي بالعبودية والرسالة، ولعلي بالوصية والولاية المفروضة من الله والأئمة من ولده، ومحبة أهل بيتي وشيعتهم، والبغض لأعدائهم والبراءة منهم، ومن عمي عليه شئ فعليه بعلي بن أبي طالب، فإنه قد علم كما علمته، اعلموا أني لا أقدم على علي أحدا فمن تقدمه فهو ظالم لنفسه، والبيعة بعدي لغيره ضلالة: الأول ثم الثاني ثم الثالث، وويل للرابع، والويل له ولابنه ومن كان معه وقبله.
5 - بالإسناد السالف أنه عرض وصيته على العباس عند موته فاعتذر منها فقبلها علي فختمه بخاتمه، ودفع إليه الدرع، والمغفر، والراية، و [ ذا ] الفقار، و العمامة، والبردة، والابرقة، وكانت من الجنة تخطف الأبصار، وأمر جبرائيل النبي صلى الله عليه وآله أن يجعلها في الدرع مكان المنطقة، والنعلين والقميص الذي أسري فيه به والذي خرج فيه يوم أحد، والقلانس الثلاث: قلنسية السفر، وقلنسية العيدين
6 - بالإسناد المتقدم قال النبي صلى الله عليه وآله لعمه العباس بمحضر من الناس: من احتجاج ربي علي تبليغي الناس عامة وأهل بيتي خاصة ولاية علي بن أبي طالب يا عم جدد له عقدا وميثاقا، وسلم لولي الأمر إمرته ولا تكون ممن يعطي بلسانه ويكفر بقلبه، إن ربي عهد إلي أن أبلغ الشاهد، وآمر الشاهد أن يبلغ الغائب من وازر عليا ونصره، وأدى الفرائض، فقد بلغ حقيقة الإيمان، فقال العباس:
آمنت وسلمت له فاشهد علي.
7 - وبالإسناد السالف دعا النبي صلى الله عليه وآله الأنصار عند وفاته وأثنى عليهم بالنصرة والمعونة وقال: بقي لكم واحدة وهي تمام ذلك لا أرى بينهما فرقا لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، فمن أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحدا للأولى ولم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا: كتاب الله وأهل بيتي احفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي، ألا سلم سقف تحته دعامة لا يقوم إلا بها وهي قوله: (والعمل الصالح يرفعه(1)) فالعمل الصالح طاعة الإمام عليه السلام الله الله في أهل بيتي، فإنهم مصابيح الظلم، ومعادن الحكم، منهم وصيي وأميني ووارثي.
8 - بالإسناد المتقدم أن النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته جمع المهاجرين والأنصار وقال: قد أوصيت ولم أهملكم إهمال البهائم، فقام عمر وقال: أوصيت بأمر الله أو بأمرك؟ فقال: اجلس يا عمر أوصيت بأمر الله، وأمري أمر الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى وصيي هذا - وأشار إلى علي عليه السلام - فقد عصى الله وعصاني و من أطاعه فقد أطاع الله وأطاعني، ما تريد يا عمر أنت وصاحبك؟ ثم التفت صلى الله عليه وآله إلى الناس وهو مغضب، وقال: من صدق أني رسول الله فأوصيه بولاية علي و
____________
(1) فاطر: 10.
9 - قال علي أمير المؤمنين عليه السلام: دعاني النبي صلى الله عليه وآله عند موته وأخرج من في البيت غيري، وفيه جبرائيل والملائكة أسمع الحس ولا أرى شيئا، فدفع إلي وصية مختومة، وقال لي: أتاني بها جبرائيل الساعة ففضها وأقرأها ففعلت، فإذا فيها كل ما كان النبي صلى الله عليه وآله يوصيه لا تغادر حرفا.
وكان في أول الوصية: هذا ما عهد محمد بن عبد الله وأوصى به، وأسنده إلى وصيه علي بن أبي طالب، وشهد جبرائيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى وقبضه وصيه وضمانه على ما ضمن يوشع لموسى، ووصى عيسى والأوصياء من قبلهم، على أن محمدا أفضل النبيين، وعليا أفضل الوصيين، وقبض على الوصية على ما أوصت الأنبياء وسلمه إليه، وهذا أمر الله وطاعته على أن لا نبوة لعلي ولا لغيره بعد محمد، وكفى بالله شهيدا.
ثم كان فيما شرط عليه النبي صلى الله عليه وآله بأمر جبرائيل بأمر الرب الجليل، موالاة أولياء الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله، و الصبر، وكظم الغيظ على انتهاك الحرمة والقتل، فقبل ذلك فدعا النبي صلى الله عليه وآله بفاطمة والحسن والحسين وأعلمهم بذلك فقبلوا كذلك، وختم الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار، ودفعت إلى علي عليه السلام.
وقد روى هذا الحديث محمد بن يعقوب في المجلد الثاني من الكافي بأتم مما هنا وفيه أن الأئمة لم يفعلوا شيئا إلا بعهد الله وأمر منه لا يتجاوزونه.
10 - بالإسناد المتقدم حين دفع النبي صلى الله عليه وآله الوصية إلى علي عليه السلام قال له:
اتخذ لها جوابا غدا بين يدي الله، فإني محاجك يوم القيمة بكتاب الله عما فيه من الحدود والأحكام فما أنت قائل؟ قال: أرجو بكرامة الله لك أن يعينني ويثبتني حتى ألقاك غير مقصر ولا مفرط، ثم الأول فالأول من ولدي غير مقصرين ولا مفرطين.
وأسند ذلك ابن طاوس أيضا عن كتاب الخصائص المقدم ذكره.
11 - بالإسناد السالف قال علي عليه السلام: كنت مسندا للنبي صلى الله عليه وآله إلى صدري فقال لي: تحول أمامي فتحولت وأسنده جبرائيل فقال لي: ضم كفيك بعضها إلى بعض، ففعلت فقال: قد عهدت إليك وأخذت العهد من أمين ربي جبرائيل وميكائيل فبحقهما عليك إلا أنفذت وصيتي، وعليك بالصبر والورع، ومنهاجي لا طريق فلان وفلان، وخذ ما آتاك الله بقوة، وأدخل يديه مضمومتين فيما بين كفي فكأنه أفرغ بينهما شيئا وقال: قد أفرغت بين يديك الحكمة، فلا يعزب عنك من أمري شئ، فإذا حضرتك الوفاة أوص إلى وصيك من بعدك على ما أوصيتك، واصنع هكذا لا كتاب ولا صحيفة.
وبالإسناد إلى أبي الحسن عليه السلام قلت: ألا تذكر ما في الوصية؟ قال: ذلك سر الله ورسوله، قلت: أكان فيها خلاف القوم على علي؟ قال: نعم، حرفا حرفا والله والله لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي وفاطمة: فهمتما ما شرط ربكما وكتب لكما؟
قالا: قبلنا وصبرنا على ما ساءنا.
12 - بالإسناد المتقدم لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله وخيف عليه الموت، دعا بعلي وفاطمة والحسنين، وأخرج من في البيت، واستدنا عليا(1) وأخذ بيد فاطمة عليها السلام بعد بكاء الجميع ووضعها في يد علي، وقال: هذه وديعة الله ووديعة رسوله عندك فاحفظني فيها فإنك الفاعل، هذه والله سيدة نساء العالمين هذه مريم الكبرى، والله
____________
(1) واستند بعلي، خ.
واعلم أني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي والملائكة، و ويل لمن ظلمها وابتزها حقها، اللهم إني منهم برئ.
ثم سماهم، ثم ضم الأربعة إليه، وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم وزعيم يدخلون الجنة، وحرب لمن عاداهم ولمن شايعهم زعيم أن يدخلوا النار يا فاطمة لا أرضى حتى ترضى، ثم والله والله لا أرضى حتى ترضى، ثم والله والله لا أرضى حتى ترضى.
وفي موضع آخر بالإسناد السالف لما كانت الليلة التي قبض في صبيحتها دعا عليا وفاطمة والحسنين وأغلق عليهم الباب ثم خرج علي والحسنان فقالت عائشة:
لأمر ما أخرجك وخلى بابنته دونك، فقال: عرفت الذي خلا بها له، وهو بعض الذي كنت فيه وأبوك وصاحباه، فوجمت أن ترد عليه كلمة فما لبثت أن نادته فاطمة فدخل والنبي صلى الله عليه وآله يبكي ويقول: بكائي وغمي عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي، فقد أجمع القوم على ظلمكم.
13 - وبالإسناد المتقدم طلب النبي صلى الله عليه وآله: عليا قبل وفاته بقليل وقال:
أتاني جبرائيل برسالة وأمرني أن أبعثك بها إلى الناس، فاخرج وناد فيهم، وقل:
أيها الناس يقول لكم رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرائيل برسالة من الله وأمرني أن أبعث بها إليكم مع أميني علي بن أبي طالب، ألا من دعي إلى غير أبيه فقد برئ الله منه، ألا من توالي غير وليه فقد برئ الله منه، ألا من تقدم إمامه أو قدم إماما فقد ضاد الله في ملكه والله برئ منه.
وأسند نحو ذلك محمد بن جرير الطبري برجاله في كتاب المناقب وفيه: اخرج فناد: ألا من ظلم أجيرا أجرته فعليه لعنة الله، ألا من تولى غير مواليه فعليه لعنة الله ألا من سب أبويه فعليه لعنة الله، فنادى بذلك. فدخل عمر وجماعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: هل من تفسير لما نادى به؟ قال: نعم، إن الله يقول: (قل لا أسألكم
فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد ما أكد النبي عليكم الولاية لعلي بغدير خم ولا غيره بأشد من تأكيده في يومنا هذا.
قال خباب بن الأرت: كان ذلك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بسبعة عشر يوما.
14 - بالإسناد السالف قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: أنت تغسلني لا غيرك، فإن جبرائيل أخبرني عن ربي أن من رأى عورتي غيرك عمي، قال: فكيف أقوى عليك وحدي فقال صلى الله عليه وآله: يعينك جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، وملك الموت، وإسماعيل صاحب السماء الدنيا قال عليه السلام: فمن يناولني الماء؟ قال: الفضل بن العباس من غير أن ينظر إلي فإذا فرغت فضعني على لوح، وأفرغ علي من بئري بئر غرس أربعين دلوا مفتحة الأفواه أو قال: أربعين قربة، ثم ضع يدك على صدري واحضر معك فاطمة والحسنين من غير أن ينظروا إلى شئ من عورتي، ثم تفهم عند ذلك تفهم ما كان وما يكون إن شاء الله.
ثم قال: يا علي ما أنت صانع إذا قام القوم عليك وتقدموك، وبعثوا طاغيتهم إليك يدعوك إلى البيعة ثم لببت بثوبك تنقاد كما يقاد الشارد من الإبل، مخذولا مذموما، محزونا مهموما؟ فقال علي عليه السلام: أنقاد لهم وأصبر على ما أصابني من غير بيعة لهم.
وفي موضع آخر قال جبرائيل لمحمد صلى الله عليه وآله: قل لعلي: إن ربك يأمرك أن تغسل ابن عمك فإنها السنة، لا يغسل الأنبياء غير الأوصياء، وهي حجة الله لمحمد على أمته، فيما أجمعوا عليه من قطيعة ما أمرهم به ثم دفع جبرائيل الصحيفة التي كتبها القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فدفعها النبي صلى الله عليه وآله إلى علي وقال: أمسكها
____________
(1) الشورى: 23.
وفي موضع آخر بالإسناد المتقدم كنت كلما أردت أن أقلب منه عضوا قلب لي، فلما فرغت منه، خرجت عنه كما أمرت، فصلت الملائكة عليه، فلما واريته في قبره سمعت صارخا من خلفي: يا آل تيم يا آل عدي يا آل أمية (وجعلناهم(1) أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون)(2) اصبروا آل محمد تؤجروا (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب(3)).
15 - بالإسناد السالف مكث النبي صلى الله عليه وآله وهو مسجى بملاءة خفيفة ما شاء الله أن يمكث، ثم تكلم فقال: ابيضت وجوه واسودت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون، سعد أصحاب الكساء الخمسة أنا سيدهم، ولا فخر، عترتي عترتي أهل بيتي السابقون السابقون أولئك المقربون، وأسعد من اتبعهم وشايعهم على ديني ودين آبائي أنجزت موعدك يا رب إلى يوم القيامة في أهل بيتي اسودت وجوه أقوام و يردوا ظماء إلى نار جهنم أجمعين، مرق النغل(4) الأول الأعظم، والآخر النغل الأصغر حسابهم على الله (كل امرئ بما كسب رهين(5)) وثالث ورابع، غلقت الرهون، واسودت الوجوه، أصحاب الأموال هلكت قادت الأمة بعضها بعضا إلى النار، كتاب دارس، وباب مهجور، وحكم بغير علم مبغض علي وآل علي في النار، محب علي وآل علي في الجنة، ثم سكت صلى الله عليه وآله وهذا الفصل بأجمعه منقول من الطرف المذكورة.
____________
(1) في النسخ: وخلافتهم أئمة يدعون إلى النار.
(2) القصص: 41.
(3) الشورى: 20.
(4) النغل: ولد الزنية لفساد نسبه، وفاسد القلب من الحقد والضغن.
(5) الطور: 21.
إن قلت: لو جاز من هذا الجم الغفير، جحد النص على البشير النذير، وجحد أكثر المسلمين النص على أمير المؤمنين جاز منهم جحد آل محمد خاتم النبيين.
قلت: جحد أهل الذمة جائز قد وقع وإن كان جحد المسلمين جائزا لم يقع ولن يقع لتواتره بينهم في كتاب ربهم، وسنة نبيهم فافترقا.
ثم نرجع فنقول: روى أهل الاسلام قول النبي صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار، فهذه شهادة صريحة من النبي المختار على وصف أكثرهم بالضلال والبوار، ولا بد أن يكون الله ورسوله أوضحا لهم وجوه الضلال، لئلا يكون لهم الحجة عليهما يوم الحساب والسؤال، وبهذا يتضح وجه إمساك علي وعترته عن الجهاد، إذ كيف تقوى فرقة على أضعافها من أهل العناد، ومن فر عن أكثر من اثنين، قد عذره القرآن، فكيف لا يعذر من أمسك عن أضعافه من أهل الطغيان.
ثم نرجع أيضا ونقول: قد ملأ الله الأنفس والآفاق، بوضع الدليل على الإله الخلاق، ونصب في العقول نصوصا دالة على وجود فاعل هذه الأكوان وجود غير عاطل مدبر لها في كل آن، ومع ذلك كله فقد وقعت المكابرة من أهل الضلال من آخرين، وعدل أكثر المكلفين عن صانع العاملين، وما عرفه باليقين
____________
(1) الطور: 21.
فلله الحمد على الاعتراف بولايته، والاغتراف من بحار وصيته، والإشراف بمحبة أولاده، والاغراق في عداوة أضداده، ونسأل الرب الكريم أن يحشرنا معهم في جنات النعيم، ويقينا عذاب الجحيم، فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم، و ها أنا قد أنشأت في سادات الأزمان، ما سنح لي في هذا الأوان:
قبلت النصوص على رغمكم | ولم أتخذ لي فلانا خليلا |
ولا صاحبيه وأتباعهم | معاوية ويزيدا بديلا |
من الطاهرين علي الولي | وأولاده خير قوم قبيلا |
فمن حاد يوما إلى غيرهم | سيلقى عقابا مقيما نكيلا |
ومن كان في ودهم صادقا | سيسقى بجاههم سلسبيلا |
وصلى عليهم إله الورى | وأصلي عداهم عذابا وبيلا |
(10)
باب
* (فيما جاء من النصوص المتظافرة على أولاده عليهم السلام) *
إعلم: أن غالب هذه الأقطاب المستقبلة رواية الشيخ أحمد بن محمد بن عياش الجوهري والشيخ أبي جعفر الطوسي عن الحسين بن عبيد الله الغضائري والشيخ محمد ابن عبد الله الشيباني والشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي.
قال محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري في كتابه بصائر الأنس بحضائر القدس: أجاز لي الشيخ الإمام محمد بن سعيد بن هبة الله الراوندي رواية كتب الأصحاب عن والده عن الشيخ أبي جعفر الطوسي وعنه: عن السيد الإمام أبي الرضا الحسني عن السيد بن معبد الحسيني عن الطوسي، وعنه: عن أبي الفتوح الخزاعي عن عمه المفيد عبد الرحمن النيشابوري، وعنه: عن أبي الفضل الحلبي عن علي بن أبي جعفر الطوسي رواياته عن الشيخ أبي الفتوح الرازي، وعن الشيخ أمين الدين الطبرسي كلاهما عن المفيد عبد الجبار الرازي.
قال: وإنما اخترنا هذا الإسناد مع كثرة أسانيد أصحابنا لأنه ليس في رجاله إلا من تفرد على أقرانه، والشيخ الطوسي أخذ عن السيد الأجل علم الهدى أبي القاسم علي بن الحسين وعن الشيخ أبي عبد الله المفيد وأخذ المفيد عن أبي الجيش المظفر بن محمد البلخي وهو أخذ عن شيخ المتكلمين أبي سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي خال الحسن بن موسى، وهو لقي البحر الزخار أبا محمد الحسن العسكري عليه السلام.
وأخذ الشيخ الطوسي أيضا عن الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد عن أحمد بن محمد بن يحيى القطان عن سعد بن عبد الله القمي عن أحمد بن إسحاق القمي شيخ القميين وكان من خواص العسكري ورأى صاحب الزمان المهدي عليه السلام.
قلت: لما علمت وسنعلم من نصر الله ورسوله عليهم وإظهار الأعلام الباهرة على يديهم، ووصف جدهم الثابت صدقه الكمالات فيهم، ولم ينقل أحد بحمد الله نقيصة لهم من أعدائهم، مع حرصهم على إطفاء نورهم، وتزهد الأتباع في اتباعهم بل كل واحد منهم علم الوجود في زمانه، وكعبة التقى والوجود في آياته، ترجع أماثل العلماء إلى أقواله، وتقتدي أكابر الفضلاء بأفعاله، وتضرب لهم الأمثال بمحاسن الحال، وتشد الرحال لجلب الكمال، وسلب المحال، ومنازلهم بعد موتهم أعلام شيعتهم على رغم حسدتهم معمورة بخلفاء الدين، مغمورة بحلفاء النبيين، تخر الأعداء سجودا لأبوابهم، وتجر بالذلة والخشوع لتقبيل أعتابهم.
وقد روي أن بعض المتولين أراد زيارة أمير المؤمنين فهم أن يترجل فقال له بعض الشقيين: لا تترجل لأن إماما حيا خير من إمام ميت، فألهمه الله أن رمى رأسه بالسيف وأنشأ يقول:
تزاحم تيجان الملوك ببابه | ويكثر في يوم السلام ازدحامها |
إذا ما رأته من بعيد ترجلت | فإن هي لم تفعل ترجل هامها |
وكيف لا تتوجه الهمم إلى قوم إذا انتسبوا، والمصطفى والمرتضى إذا انتدبوا أدت إليهم الأملاك والأفلاك الرضا، إن جادوا بخلوا السحاب، واضمحلوا العباب وإن قالوا نطقوا بالصواب، وسبقوا بالحكم وفصل الخطاب.
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا | تمسك في أخراه بالسبب الأقوى |
ولاؤهم فرض وحبهم هدى | وطاعتهم قربى وودهم تقوى |
فلله الحمد على ما ألهمنا من كلمة التقوى، وشيد لأئمتنا ربوعا لا تقوى
ولو تقعد فوق الشمس من كرم | قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا |
محسدون على ما كان من نعم | لا ينزع الله منهم ماله حسدوا |
إذا تقرر هذا ففي هذا الباب أقطاب:
الأول: في العدد المجرد عن ذكر مجموع الأسماء إلا نادرا.
والثاني: في العدد المصاحب للأسماء والترتيب.
والثالث: في نص كل واحد على المتعين من بعده، بعد ثبوت إمامته.
والرابع: في شئ من المعاجز التي خرجت عليهم مع دعواهم الإمامة أما -
الأول
* (ففيه فصول وفيها نصوص) *
منها: ما أخرجوه في المصابيح وغيرها من قول النبي صلى الله عليه وآله: الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش.
وقوله صلى الله عليه وآله: لا يزال الاسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، وقوله: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان، وأسنده البخاري في الجزء الأول من أجزاء ثمانية من صحيحه عن جابر بن سمرة، وفي موضع آخر عن عيينة: وعن ابن عمر أيضا.
وأسنده مسلم في مواضع أخر من صحيحه بطرق مختلفة، وأبو داود في سننه والثعلبي في تفسيره، والحميدي في مواضع من الجمع بين الصحيحين، وفي الجمع بين الصحاح الستة في موضعين.
وفي تفسير السدي: أمر الله خليله بالنزول بإسماعيل وأمه في بيته التهامي وقال: إني ناشر به ذريته، وجاعل منه نبيا عظيما، ومن ذريته اثني عشر عظيما.
وقد صنف محمد بن عبد الله بن عياش كتاب مقتضب الأثر في إمامة الاثني عشر.
قالوا: قد مضى منهم أربعة، وتمام الاثني عشر يأتي قبل قيام الساعة، إذ
قلنا: لا يتم لكم ذلك، وقد رويتم قول النبي: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا، والنصوص الواردة بتعيينهم وأسمائهم تدل على كونهم من أولاد علي، وعلى تواليهم، ولأن كل من قال بوجوب هذا العدد، قال: بأنهم المشهورون من ولد الحسين عليه السلام دون كل أحد، ومما يجري مجرى النص ما نقله الفريقان من قول النبي صلى الله عليه وآله: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح إلى آخره.
أسند الحسين بن جبر في كتاب الاعتبار في إبطال الاختيار إلى ذي الشهادتين قول النبي صلى الله عليه وآله في علي: أنه باب حطة المبتلى به، مثله فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى وأسند نحوه ابن المغازلي الشافعي عن ابن عباس إلا أن فيه مثل أهل بيتي وفي رواية ابن الأكوع عن أمية مثل أهل بيتي وفي روايتي ابن عباس وأبي ذر مثل أهل بيتي، وفي آخرهما ومن تخلف عنها غرق.
وفي رواية أخرى عن أبي ذر من قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال وكان ذلك بيانا للفرقة المحقة، حيث قال النبي صلى الله عليه وآله في رواية المنقري: ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا واحدة، وتفترق الواحدة إلى اثني عشر فرقة كلها هالكة إلا واحدة، قال البختري:
مخالف أمركم لله عاصي | ومنكر حقكم يلقى أثاما |
وليس بمسلم من لم يقدم | ولايتكم وإن صلى وصاما |
وقال شاعر آخر:
إذا فاض طوفان المعاد فنوحه | علي وإخلاص الولاء له فلك |
وقال عمرو بن العاص:
هو النبأ العظيم وفلك نوح | وباب الله وانقطع الخطاب |
تذنيب:
اشتهر بين المسلمين قوله صلى الله عليه وآله: إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي
[ قالوا: ] وقد قال أبو بكر: أنا من العترة قلنا: خبر شاذ، مع إمكان حمله على المجاز فإن الانسان يقول للأجنبي: هذا أبي، هذا ابني.
قالوا: الحمل على الحقيقة واجب قلنا: يمنع منها قوله صلى الله عليه وآله (أهل بيتي) فإنه ليس من أهل البيت قطعا، ولو أطلق على البعيد أنه من العترة، لأطلق على جميع بني آدم أنهم من العترة إذ لا بد من وصلة.
إن قالوا: نفى النبي الضلال عن من تمسك بهما، ولا يلزم نفيه عن من تمسك بالعترة خاصة منهما قلنا: كان يلزم العتب على النبي صلى الله عليه وآله حيث ضم إلى الكتاب ما لا فائدة فيه، ولا وجه لتخصيصهم بالضم دون غيرهم، وقد تواتر النقل فيهم، فيجب القطع بإمامتهم، وإن نيطت صحة الاجماع بقولهم لأن النبي صلى الله عليه وآله أراد بالتمسك بقولهم إزاحة العلة، فلا بد في كل واحد من وصفه بالعصمة، ولله النعمة.
تذنيب آخر:
ذكر ابن مردويه في كتاب المناقب من مائة وثلاثين طريقا أن العترة علي وفاطمة والحسنان.
وأسند عباد ابن يعقوب في كتاب المعرفة قول النبي صلى الله عليه وآله: ترد أمتي الحوض على خمس رايات: راية العجل، وراية فرعون أمتي، وراية فلان، وراية المخزج وآخذ بيد كل واحد فيسود وجهه، وترجف قدماه، وتخفق أحشاؤه، وكذلك أتباعه، فأقول: ما أخلفتموني في الثقلين؟ فيقولون: كذبنا الأكبر، واضطهدنا الأصغر، فأقول: اسلكوا ذات الشمال، فينصرفوا ظامئين مسودين، لا يذوقون منه قطرة، ثم يرد أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، فآخذ بيده فيبيض وجهه ووجه أتباعه، فأقول: ما أخلفتموني في الثقلين؟ فيقولون: تبعنا الأكبر، ونصرنا الأصغر، فيشربون وينصرفون، ووجه إمامهم كالشمس ووجوههم كالبدر.