20 - قال العمري: أنفذ إلي رجل مالا فرده، وقال: أخرج حق ولد عمك منه، وهو أربعمائة فتعجب الرجل، وحسب فوجد ذلك فيه، ثم قبله عليه السلام.
21 - دفع المهدي إلى الأودي حصاة فكشف عنها وإذا هي سبيكة ذهب فقال: قد ثبتت عليك الحجة أتعرفني؟ قلت: لا، قال: أنا المهدي أملاها عدلا كما ملئت ظلما، وهذه أمانة في رقبتك تحدث بها إخوانك.
وسيأتي له عليه السلام كرامات أخر في الباب التالي لهذا الباب.
فهذه قطرة من بحر معاجزهم، وشذرة من عقد جواهرهم، أخذتها من كتاب الخرائج والجرائح للإمام سعيد بن هبة الله الراوندي وغيره، فمن أراد الزيادة على ذلك فعليه بكتابه المذكور، على أنه ذكر فيه أنه أضرب من تعداد معاجز ونوادر خوفا من إضراب الناظر.
تذنيب:
اشتملت الأئمة المذكورون على الأعلام الخلقية، وبلغوا فيها غاية لم تكن لأحد من البرية، في زهد، وعلم، ورأفة، وتواضع وحكم، ووفاء، ونجدة وصدق، وكرم، وصمت، ونطق، ومنشاء، وعفو، وحسن سيرة، لم يكن فيهم فض، ولا غليظ القلب، ولا فحاش، ولا مهذار، ولا صخاب، ولا كذاب، ولم يوجد أحد منهم فارغا بل في عبادة، واجتهاد، وهداية، وسداد، ومعونة أرملة وإصلاح ذات بين، وخصف نعل مسكين، يمدحهم المنافق والحاسد، ويثني عليهم المارق والجاحد، قد تسربلوا على الفضائل، وتغربلوا من أدنى الرذائل.
ليس على الله بمستنكر | أن يجمع العالم في واحد |
ولما من الله علي بهدايتهم حسن مني أن أتمثل بقول بعضهم في ولايتهم:
يلومني في هوى أبناء فاطمة | قوم وما عدلوا في الله إذ عذلوا |
واليت قوما تميد الأرض إن ركبوا | وتطمئن وتهدأ إذ هم نزلوا |
إن يغضبوا صفحوا أو يوهبوا سمحوا | أو يوزنوا رجحوا أو تحكموا عدلوا |
يوفون إن نذروا يعفون إن قدروا | وإن يقولوا مقالا يرتضى فعلوا |
إن خفت في هذه الدنيا بحبهم | فما علي غدا خوف ولا وجل |
وأمتثل بقول دعبل الخزاعي الساعي في مدائحهم بأفضل المساعي.
فيا وارثي علم النبي محمد | عليكم سلام دائم النفحات |
لقد أمنت نفسي بكم في حياتها | وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي |
* (تتمة:) *
لما انتهت بي الحال إلى هذا المقال، أحببت أن أنور كتابي بتواريخ هذه الأقيال(1) ومناصع مواليدهم، ومواضع قبورهم، فاخترت ما ارتجزه السيد الحسيب النسيب، ذو المجد السديد، حسين بن شمس الحسيني أيد الله فضله وأبد نبله:
قال أبو هاشم في بيانه | ولفظه يخبر عن جنانه |
الحمد لله على الإيمان | بالمصطفى والآل والقرآن |
عليهم الصلاة والسلام | ما غردت بأيكة حمام |
وبعد فاسمع ثم سد الخللا | فجل من لا عيب فيه وعلا |
لقد حداني من له أطيع | لنظم تاريخ له أذيع |
فهاك تاريخ النبي المصطفى | وآله المطهرين الخلفا |
فمولد النبي عام الفيل | بمكة والحرم الجليل |
وفاته حادي عشر هجرته | بطيبة وهي محل تربته |
ومولد الوصي أيضا في الحرم | بكعبة الله العلي ذي الكرم |
من بعد عام الفيل في الحساب | عشر وعشرين بلا ارتياب |
وفاته بالهجرة المعروفة | عام أربعين قبره بالكوفة |
ومولد الزكي نجل الزهرة | بطيبة ثاني عام الهجرة |
وقبره بها على يقين | نعم وفيها مولد الحسين |
وعمره ثمان أربعونا | وصح أن الموت في الخمسينا |
ومولد الحسين في ربيع | لثالث من هجرة الشفيع |
____________
(1) الأقيال هو السيد المالك لأمور رعيته.
حادي وستين قضى الشهيد | بكربلا تزوره الوفود |
ومولد السجاد في شعبان | ثامن ثلاثين لذي البيان |
ميلاده مدينة الرسول | حبيب رب ملك جليل |
وفاته في الخمس والتسعينا | وفي البقيع قبره يقينا |
وباقر العلم ولد بطيبة | وقبره بها بغير ريبة |
وسابع الخمسين من شهر صفر | مولده، وفاته الرابع عشر |
بعد تمام مائة هجرية | وهذه رواية قوية |
وطيبة مولد نجل الباقر | ثالث ثمانين سني الهاجر |
وفاته ثامن وأربعينا | ومائة معدودة سنينا |
وقبره بجانب البقيع | مجاورا لجده الشفيع |
ومولد الكاظم بالأبواء | ثامن وعشرين على استواء |
ومائة من قبلها هجرية | ثالث ثمانين بها المنية |
وقبره بجانب الزوراء | من أرض بغداد بلا مراء |
ومولد الرضا سليل الزهرة | مدينة الرسول دار الهجرة |
مولده ثمان وأربعينا | ثالث وميتين الوفا يقينا |
وقبره في سناباد طوسا | حل بها مقدسا تقديسا |
ومولد الجواد بعد المائة | لخامس التسعين في الرواية |
ميلاده بأفضل البقاع | مدينة الرسول خير داع |
والقبض عشرين ومائتين | والقبر في الزورا بغير مين |
ثم علي هادي الأنام | ميلاده مدينة التهامي |
ثاني عشر مائتي سنينا | وفاته في رابع الخمسينا |
والعسكري ميلاده المدينة | مدينة المصحوب بالسكينة |
ثاني ثلاثين ومائتين | والقبض ستين ومائتين |
وسر من رأى مكان القبر | كذاك والده عظيم الفخر |
ومولد المهدي في شعبان | خمس وخمسين ومائتان |
في سر من رأى بدار العسكري | ونرجس الأم بقول الأكثر |
تمت تواريخ الهداة الطاهرة | مشفوعة بالصلوات الفاخرة |
نظم الفقير المذنب الحسيني | راجي عفو الله في الدارين |
ثم شفاعة النبي الهادي | وآله خلاصة العباد |
(11)
(باب)
* (فيما جاء في خاتمهم وتملكه وبقائه عليه السلام) *
وفيه فصول:
(1)
فصل
إنه قد مضى في النصوص المتواترة على آبائه عليهم السلام أخبار جمة في خروجه و بقائه وسنورد إن شاء الله في هذا الباب أخبارا من طرق العامة والخاصة توجب القطع بوجوده، والانكار على جاحده، وقد أسلفنا في كتابنا هذا بيان أن الإمامة ركن عظيم من أركان الاسلام، وأن الدين يكون متلاشيا بفقد الإمام، وقد أنزل الله على نبيه عند نصبه عليا علما لدينه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي(1)).
والمخالف يقول بهواه المزين: إن الإمامة ليست من أركان الدين فقد اتبع ما تتلو الشياطين، حيث عدل عن الكتاب المبين، وقد جعلوا من أركان الدين أصول العبادات، وإنما هو حاصل بجحد المعبود الأعظم، والنبي الأكرم والإمام الأقدم، ونحو ذلك مما علم ضرورة من الدين القويم، وتلقته الأمة بالقبول و التسليم.
إن قلت: فإذا كان كمال الدين قد حل بأمير المؤمنين فلا حاجة في كماله إلى الباقين قلت: الأئمة كلهم في حكم والدهم، وسنورد من ذلك طرفا في اتحادهم في التقدم، والفضل، والخلق، والعقل، والعدل، والجد، والأصل، والمجد
____________
(1) المائدة: 6.
ولأن كل من قال بإمامته لعصمته ونص الله ورسوله، قال بإمامتهم لوجود العلة فيهم، فمن قال بغيرهم فقد خرج عن إجماعهم.
ولأن الإمامة لطف عقلي في التكليف، واجب في الحكمة على الخبير اللطيف وقد علم موت آباء المهدي عليهم السلام، فلولا وجوده لخلا الزمان عن اللطف الذي هو الإمام، وقد جرت عادة الملك الديان، بنصب الأنبياء والأوصياء في جميع الأزمان.
وقد أسند أبو داود ذلك في صحيحه إلى علي عليه السلام وإلى أم سلمة أيضا والبغوي في شرح السنة، ومسلم والبخاري إلى أبي هريرة والترمذي إلى ابن مسعود والثعلبي إلى أنس وسيأتي.
وأسند الثعلبي في تفسير (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم(1)) قول النبي صلى الله عليه وآله: كل قوم يدعون بإمام زمانهم.
قالوا: فابن قانع وعبد الرزاق وابن الجوزي ومحمد بن إسحاق أجمعوا على أن العسكري مات لا عن عقب، قلنا: ذلك باطل، أول ما فيه أنهم خصوم هذه المسألة، والثاني شهادتهم على نفي فهي مردودة، والثالث أنه منقوص؟ بما جاء من طريق المخالفين فضلا عما تواتر من أحاديث المؤمنين.
فقد ذكر الكنجي الشافعي في كتاب المناقب قريبة من آخره من أعقب من أولاد أمير المؤمنين وذكر أن العسكري خلف ابنه وهو الإمام المنتظر، ونختم الكتاب بذكره مفردا. هذا آخر كلامه.
وقال أبو المظفر سبط الجوزي في الخصائص: وقد ذكرنا وفاة الحسن بن علي وأنها سنة ستين ومائتين وذكر أولاده منهم محمد الإمام ومثله رواه محمد بن طلحة الشافعي خطيب دمشق وقال فخر المحققين رحمه الله في كتابه: تحصيل النجاة:
الصحيح أن العسكري توفي بعد أن بلغ ولده الخلف الصالح عشر سنين.
____________
(1) الإسراء: 71.
إنما بعثت وزيرا ولم أبعث أميرا، ولا شك أن الأمير فوق الوزير.
ومن الكتاب أيضا عن محمد بن سيرين وذكر فتنة تكون فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر، قيل: خير من أبي بكر وعمر؟ قال: قد كان يفضل [ علي ] على بعض الأنبياء.
ومن الكتاب المذكور أيضا سئل ابن سيرين: المهدي خير أم أبو بكر و عمر؟ قال: هو خير منهما.
وقد روى أبو نعيم في كتاب نعوت المهدي وخروجه، وما يكون في زمانه ومدته ونحو ذلك، مائة وستة وخمسين حديثا بأسانيدها وروى الجعب المنادي في كتابه الذي سماه (الفيض على محدثي الأعوام بنباء ملاحم غابر الأيام) في خروج المهدي ثمانية عشر حديثا بأسانيدها أيضا وسيأتي في الفصل الخامس والثاني عشر أحاديث من ذلك من ثقاتهم فلتلحظ منها.
قالوا: يبعد بقاؤه هذه المدة الطويلة قلنا: وهل يستبعد ذلك إلا من سلب الله قدرته، وقد مضى في السوالف نحوه، فقد بعث الله شعيب إلى خمس أمم، ولبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وروي أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة، وعاش لقمان النسوري ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، وقيل: عاش عمر سبعة أنسر، وسمي آخرها لبد، وقال: طال الأبد على لبد. وقيل فيه:
يا نسر كم تعمري تعيش وكم | تسحب ذيل الحياة يا لبد |
____________
(1) مريم: 12.
بنفسك أن تحيى لسبعة أنسر | إذا ما فنى نسر خلوت إلى نسر |
فعمر حتى خال أن نسوره | خلود وهل تبقى النفوس على الدهر |
وقال لأدناهن أدخل ريشه | هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري |
وسببه أنه سأل نبيا أن يسأل الله أن يطيل عمره، فأوحى الله إليه: خيره في أن عمره عمر سبع بعراة في ظل جبل لا يصل إليها ريح ولا مطر إذ يقال: البعر إذا لم تصبه شمس ولا مطر [ أو سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر ](1).
بقي دهرا وعمر عمر سبعة أنسر، وسمى آخرها لبد تفاؤلا بالأبد، فلما كبر النسر ضعف لقمان وكان يدخل القصب تحت جناحه ويقول: انهض لبد فإن هلكت أهلكتني وعاشت الأنسر ثمان مائة سنة.
وقد روى المنكر لبقاء المهدي عن نافع عن ابن عمر خبر الدجال وغيبته، وبقاءه المدة الطويلة، وظهوره آخر الزمان، وقال النبي صلى الله عليه وآله: ما بعث الله نبيا إلا أنذر قومه فتنة الدجال، وإن الله أخره إلى يومكم هذا.
قالوا: إنما أجرى الله عادته بالتطويل في غير هذه الأمة قلنا: لا يضرنا ذلك بحال، مع اتفاق الأكثر على بقاء الخضر والدجال، على أن ذلك وإن لم يقع لغيره لم يدل على نفيه عنه ويكون معجزة له، فإن كل المعجزات خوارق للعادات.
قالوا: نمنع حياة الخضر لقول النبي صلى الله عليه وآله: لو كان الخضر حيا لزارني قلنا: أخرج مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله في الدجال أنه محرم عليه أن يدخل المدينة فينتهي إلى بعض السباخ فيخرج إليه رجل هو خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا النبي بحديثه. فيقول الدجال: إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في أمري؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول: ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن فيريد الدجال قتله ثانيا فلا يسلط عليه، فقال إبراهيم بن سعد:
يقال: هذا الرجل الخضر.
____________
(1) الزيادة من مجمع الأمثال ج 1 ص 429.
تذنيب:
ذكر الصدوق في رواية أن اسمه خضرون ابن قابيل ابن آدم ويقال: جعليا وإنه إنما سمي الخضر لأنه جلس على روضة بيضاء فاهتزت خضرا، قال: و الصحيح أن اسمه تاليا بن ملكان ابن عامر بن ارفخشد بن سام بن نوح وقد أخرجت الخبر فيه مسندا في كتاب العلل.
ثم نرجع ونقول: عيسى أيضا حي إلى الآن، قال الضحاك وجماعة أيضا من مفسري المخالف في قوله تعالى: (إني متوفيك ورافعك إلي)(1) أي بعد إنزالك من السماء، وقال الكلبي والحسن وابن جريج: رافعك من الدنيا إلي من غير موت.
ويؤكد ذلك ما رواه الفرا في كتابه شرح السنة وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قول النبي صلى الله عليه وآله: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ وفي تفسير (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)(2) قال ابن المرتضى: قال قوم: الهاء في (موته) كناية عن عيسى أي قبل موت عيسى عند نزوله من السماء في آخر الزمان، فلا يبقى أحد إلا آمن به حتى يكون به الملة واحدة ملة الاسلام ويقع الأمنة في الناس حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان بالحيات.
ولا شك أن هذه المقالة معها ظاهر الآية، إذ لم يؤمن بها منهم منذ نزولها إلى الآن، فلا بد من كون ذلك في آخر الزمان، وفي الحديث ينزل عيسى في ثوبين مهرودين أي مصبوغين بالهرد وهو الزعفران.
قالوا: في الحديث يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، ومحمد بن الحسن ليس كذلك قلنا: هذه الزيادة من طريقكم فليس حجة علينا، وقد طعن الأصوليون في ناقل الزيادة قال الكنجي وقد ذكر الترمذي الحديث في جامعه وليس فيه
____________
(1) آل عمران: 55.
(2) النساء: 159.
ولو سلمت الزيادة فقد قال خطيب دمشق: المراد بالأب الحسين الذي هو الجد الأعلى وقد شاع في لسان العرب إطلاق الأب عليه، وفي الكتاب (ملة أبيكم إبراهيم)(2) (واتبعت ملة آبائي إبراهيم)(3) والمراد باسم الأب الذي هو الحسين كنيته وهو أبو عبد الله، وقد استعمل الفصحاء الاسم في الكناية وقد أسند البخاري ومسلم إلى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله سمى عليا أبا تراب ولم يكن له اسم أحب إليه منه، فأطلق النبي على الجد اسم الأب، وعلى الكنية لفظة الاسم، لتكون الألفاظ مختصرة جامعة لتعريف صفات الإمام، وأنه من ولد الحسين عليه السلام وهذا بيان شاف كاف في إزالة ذلك الإشكال، فافهمه انتهى كلام الخطيب الشافعي.
قالوا: قلتم أنصاره ثلاثمائة وثلاثة عشر، فلم لا يخرج اليوم وأنصاره أكثر؟
قلنا: علمنا ذلك بالخبر، على أن الكثرة؟ لا تعتبر، فإن النبي حارب في بدر بذلك العدد، ولم يكن فيهم إلا سبعة أسياف، والباقي بجريد النخل، ولم يحارب في الحديبية ومعه ألف وسبعمائة بحسب المصلحة، وصالح الحسن معاوية في آلاف وحارب الحسين في قوم قليلين.
قالوا: كيف يمكن الغاصب التوبة وهي بتسليم حقه إليه مع غيبته، قلنا:
يكفيه خروج الغصب من يده والوصاءة لكل أحد به، وشهرة أمره.
قالوا: ظهوره مشروط بزوال خوفه، ولا علم له بما في قلوب الناس له، فلا يزول خوفه، قلنا: عندنا أن آباءه أعلموه بمدة غيبته وبعلامات وقت ظهوره بما نقلوه عن جده عن جبرائيل عن ربه، على أن خروجه يجب إذا غلب السلامة في ظنه، كما يجب النهي عند أمارة إنجاعه، وغير ممتنع أن يعلمه الله بآياته وبإلهامه أنه متى غلب على ظنه زوال خوفه، وجب خروجه تبعا لظنه الذي هو طريق إلى علمه بزوال خوفه.
____________
(1) والعجب أن ذلك موجود في نسخة سننه ج 2 ص 422.
(2) الحج: 78.
(3) يوسف: 37.
قالوا: قد ادعيت المهدية لإسماعيل بن جعفر، ولمحمد ابنه، ولأبي جعفر ولموسى بن جعفر، ولابن الحنفية، ولا يمكن الجمع بين هذه الأقوال، وإذا تناقضت تساقطت قلنا: إذ قامت الأدلة على ما ذهبنا إليه من قول النبي صلى الله عليه وآله:
لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ونحو ذلك من النصوص الواضحة، بطل ما عارضتم به.
على أن المناقضة لا توجب التساقط لامتناع كذب لنقيضين، ولو أوجبت التساقط بطل وجود الرب لقول المعطلة بعدمه، وبطل دين الاسلام لقول الكفار بكذبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة منها واحدة ناجية، فعلى التساقط لا ناجية، والمذاهب الأربعة ساقطة لرد بعضها بعضا، ولعنة بعضها بعضا، يظهر ذلك لمن تأمل المنتظم والبخاري وتعرضه بأبي حنيفة.
قالوا: ليس فيما ذكرتم بطلان مهدية ابن الحنفية لقولهم ببقائه إلى آخر الزمان قلنا: يبطله ما أسنده أبو داود في صحيحه إلى أم سلمة من قول النبي عليه السلام:
المهدي من عترتي من ولد فاطمة. ومن كتاب الفتن مرفوعا إلى الزهري قال:
المهدي من ولد فاطمة.
ومنه عن علي عليه السلام: سمى النبي صلى الله عليه وآله الحسين سيدا وسيخرج الله من صلبه رجلا اسمه اسم نبيكم يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وعن عبد الله ابن عمر يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلها الجبال لهدها وأخذ منها طرقا.
فهذه الأحاديث، والأحاديث بأن الأئمة اثنى عشر، واشتراط العصمة المنفية عن غيره تبطل أقوال من خالفنا فيه.
قالوا: ما كفاكم ما تدعون من الهذيان، حتى سميتموه صاحب الزمان
(وأولوا الأمر منكم)(2) ولم ينف ذلك قوله: (ألا له الخلق والأمر)(3) لأنه المالك لما ملكهم والمالك لما عليه أقدرهم.
قالوا: من ضحكاتكم تدخرون له سيوفا، وتجعلون له من أموالكم أقساطا وتدعون لأئمتكم الإحاطة بالغيب علما، وقد قال الإمام الأعظم ابن تيمية الحنبلي:
مهدي الرافضة لا خير فيه إذ لا نفع ديني ولا دنيوي لغيبته قلنا: وأي عاقل ينكر ادخار السيوف لإمام وقع الاتفاق على خروجه و جهاده، فقد أخرج أبو نعيم في كتاب الفتن قول أبي جعفر: ويظهر المهدي بمكة عند العشاء، ومعه راية رسول الله، وقميصه، وسيفه، وعلامات، ونور، وبيان وينادي من السماء: إن الحق في آل محمد وآخر من الأرض إن الحق في آل عيسى.
قال أبو عبد الله: إذا سمعتم ذلك فاعلموا أن كلمة الله هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى فهذه كتبهم تشهد بأن قول من يقول: المهدي هو المسيح قول الشيطان.
وأما السهم من الأموال فمنطوق الكتاب حيث قال: (واعلموا أنما غنمتم من شئ) الآية(4) وهذا القسط يصرف إلى الذرية، وقولكم ندعي لهم علم الغيب فليس بصحيح، بل ما اطلع الله عليه نبيه منه بقوله: (إلا من ارتضى من رسول(5)) أوصله إليهم.
وقد ذكر في كتاب الفتن أن عمر وهو بالمدينة - قال لسارية - وهو بنهاوند - (الجبل الجبل) وقد ذكر في ذلك الكتاب أنه عليه السلام خير من أبي بكر وعمر.
وقد جاء في كتبهم قول علي عند الامتناع من البيعة لعمر: احلب حلبا لك شطره، أسدده له اليوم يرده عليك غدا وقال للجعشمي: كأني بك وقد نعرت في
____________
(1) آل عمران: 26.
(2) النساء: 59.
(3) الأعراف: 53.
(4) الأنفال: 43.
(5) الجن: 28.
لله در أبي حسن ما حرك شفتيه بشئ قط إلا كان كما قال، وإذا جاز أن الله يحصي كل شئ في جسم جامد، وهو اللوح المحفوظ، فإحصاؤه في جسم ناطق هو الإمام أجوز.
وقد صنفتم في فضائل سيدي أحمد كتابا مملوءا من الحكايات والسخريات منها أنه جر سفينة على الأرض فراسخ فينسب ذلك ونحوه إلى جاهل فتسلموه، ولو نسب مثله إلى أمير المؤمنين لأنكرتموه، وقولكم في ابن تيمية الإمام الأعظم فلله الحمد حيث أجمعتم على قتله لكفره بإنكار نص الكتاب، حيث أباح شحم الخنزير وقال: إن الله إنما حرم لحم الخنزير، وكذا مضى في سالف الأزمان، فعل الصحابة والتابعين بعثمان، لأحداثه الخبيثة في دين الله.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله من يفعل مثل ذلك فقال صاحب كتاب الشفا منكم:
قال النبي صلى الله عليه وآله: من أحدث في المدينة حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله، وأسنده مسلم والبخاري والحميدي وسيأتي في أحداث عثمان.
ولا نسلم عدم انتفاعنا بالإمام، بل هو كالشمس المحجوبة بالغمام، ولو سلم فعدم الانتفاع به لا يبطل حقية إمامته، كما لم يبطل نبوة النبي بغيبة، مع جواز أن يعرض لعالم يزيل ما يشكل عليه ولا يعرفه.
قالوا: إذا كان الإمام لطفا واجبا عليه تعالى وجب أن يخلق له أنصارا ولما لم يخلق بطلت لطفيته قلنا: لا يتم لكم ذلك، وعندكم لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قالوا: لم لا يخلق له خلقا يطيعونه ويسقط عنهم التكليف وينفعهم بالأعواض قلنا: يلزم الالجاء فيستغنى عن الإمام، إذ لم يبق من يكون الإمام لطفا لهم.
قالوا: قلتم: يظهر في سن الشباب على طول عمره وذلك متناقض قلنا: لا ينكر ذلك إلا من رفع قدرة ربه، وألحق العجز به، وقد عاش ضبيعة السهمي مائتين وخمسين سنة ومات شابا فقالت أخته:
من يأمن الحدثان بعد | ضبيعة السهمي ماتا |
سبقت منيته المشيب | وكان ميتته انفلاتا |
وقد ذكر أبو سعيد أن السمندل إذا انقطع نسله وهرم، ألقي في النار فعاد شبابه.
قالوا: مضت الآباء والأعصار، وأنتم في هذا الانتظار قلنا: ليس في ذلك شناعة مع قوله تعالى: (اقتربت الساعة(1)).
قالوا: كم من واحد ادعى أنه المهدي أو نائبه قد تبين بموته كذبه قلنا:
لو كان ذلك يبطل إمامته لبطلت نبوة محمد بمن ادعى النبوة بعده.
(2)
فصل
أسند الشيخ أبو جعفر محمد بن علي، إلى سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبان بن تغلب على الصادق عليه السلام فقال: إن الله تعالى إذا آن لقائمنا قدر ثلاثة لثلاثة: قدر مولده بمولد موسى، وغيبته بغيبة عيسى، وإبطاءه بإبطاء نوح، وجعل له بعد ذلك عمر العبد الصالح يعني الخضر دليلا على عمره.
ثم قال بعد ذلك: وأما غيبة عيسى، فإن الكتابيين اتفقوا على قتله فكذبهم الله بقوله: (وما قتلوه)(2) وغيبة القائم تنكرها الأمة لطولها، فمن قائل لم يولد، وقائل ولد ومات، وقائل إن حادي عشرنا(3) كان عقيما، وقائل يتعدى الأمر عن اثني عشر وقائل: إن روح القائم تنطق في هيكل غيره.
وأسند علي بن أحمد إلى أبي بصير قول الصادق عليه السلام: إن سنن الأنبياء من الغيبات لجارية في القائم منا، وهو الخامس من ولد ابني موسى، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهر ويفتح مشارق الأرض ومغاربها، حتى لا يبقى بقعة يعبد فيها غير الله.
____________
(1) القمر: 1.
(2) النساء: 156.
(3) يعني الإمام العسكري عليه السلام.
قال زرارة: ولم ذلك؟ قال: يخاف، وهو الذي يشك الناس في ولادته، و نحوه أسند الحسن بن إدريس إلى الصادق عليه السلام ومحمد بن الحسن ومحمد بن أحمد وأسند بعضه محمد بن إسحاق برجاله من طرق ثلاثة.
وأسند محمد بن العطار إلى عبيد بن زرارة قول الصادق عليه السلام: يفقد الناس إمامهم، ويشهد الموسم فيراهم ولا يرونه، سيكون بعد الحسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، سيصيبكم شبهة وتبقون بلا علم ولا إمام هدى ظاهر، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق: يا الله رحمن يا رحيم، يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلبي على دينك.
وأسند علي بن موسى الدقاق قول المفضل بن عمر للصادق عليه السلام: لو عهدت إلينا من الخلف بعدك؟ فقال موسى، والخلف المنتظر م ح م د ابن الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى.
وأسند علي بن محمد إلى الكرخي قال: دخل موسى وهو غلام على الصادق عليه السلام فقبله فقال يا إبراهيم: إنه لصاحبك من بعدي: فلعن الله قاتله، يخرج الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه تكملة اثني عشر إماما اختصهم الله بكرامته المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: ودخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام فعدت إليه إحدى عشر مرة أريد تمامه فما قدرت فدخلت عليه في السنة القابلة فقال: هو المفرج لكرب شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل، حسبك يا إبراهيم فما رجعت بشئ أسر من هذا
____________
(1) البقرة: 2.