الصفحة 229
لقلبي ولا أقر لعيني ونحوه روى الشيخ عن علي بن أحمد بطريقه إلى إبراهيم الكرخي.

وأسند عبد الواحد إلى السيد الحميري قال: كنت أقوال بالغلو، وأعتقد غيبة ابن الحنفية فلما صح عندي بالدلائل التي شاهدت من الصادق أنه الإمام سألته عن الغيبة فقال: ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة، لم يخرج من الدنيا حتى يطهرها، فرجعت عما كنت [ عليه ].

وأسند الشيخ أبو جعفر إلى علي بن جعفر إلى أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله من أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها، إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عنه من كان يقول به. وأسنده علي بن محمد إلى سعيد بن عبد الله أيضا.

وأسند الهمداني قول الكاظم عليه السلام ليونس بن عبد الرحمن: القائم بالحق الذي يطهر الأرض من أعداء الله هو الخامس من ولدي: له غيبة يطول أمرها خوفا على نفسه، يرتد فيها قوم، ويثبت فيها آخرون، ورواه أيضا علي بن محمد.

وأسند أحمد بن زياد سؤال محمد بن زياد الكاظم عليه السلام عن قوله تعالى: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة(1)) فقال: الظاهرة، والباطنة الإمام الغائب، قلت: وفي الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، هو الثاني عشر يبير الله به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد، ورواه أيضا أحمد بن عبد الله برجاله إلى علي بن إبراهيم بن هاشم(2).

وأسند ابن بابويه إلى الريان بن الصلت قال: قلت للرضا عليه السلام: أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم، ولكني لست بالذي أملاها عدلا كما ملئت جورا وكيف يكون ذلك على ما يرى من ضعف بدني، وإن القائم قوي في بدنه، لو مد يده إلى أعظم شجرة على الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ذلك الرابع من ولدي، يغيبه الله ثم يظهره.

وأسند علي بن محمد إلى الرضا عليه السلام: لا بد من فتنة صماء صيلم عند فقدان

____________

(1) لقمان: 21.

(2) في النسخ: هشام.


الصفحة 230
الشيعة الرابع من ولدي.

وأسند علي بن محمد قول الرضا صلوات الله عليه: لا إيمان لمن لا تقية له قيل: إلى متى؟ قال: إلى خروج قائمنا، الرابع من ولدي هو الذي يغيب و يشك الناس في ولادته، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل وتطوى الأرض، وينادي من السماء باسمه: ألا إن حجة الله ظهر عند بيت الله فاتبعوه.

وروى محمد بن زياد قال دعبل: لما أنشدت الرضا عليه السلام قصيدتي التائية قال:

فلما قلت:


خروج إمام لا محالة خارجيقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطلويجزي على النعماء والنقمات

بكا بكاء شديدا وقال: نطق روح القدس على لسانك، أتدري من هذا؟

قلت: لا، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض، فقال: الإمام بعدي محمد ابني، وبعده ابنه علي، وبعده ابنه الحسن، وبعده ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، وقد حدثني أبي عن آبائه أن النبي سئل عن وقت خروجه فقال: مثله كالساعة لا يجليها لوقتها إلا هو، وأسند ذلك علي بن محمد بن علي إلى علي بن إبراهيم.

(3)
فصل


أسند أبو جعفر محمد بن علي إلى الصقر بن [ أبي ] دلف قول الجواد عليه السلام: الإمام بعدي ابني علي أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قوله، وطاعته طاعته، وسكت، قلت: فمن بعده؟ فبكى بكاء شديدا وقال: القائم المنتظر، يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، وسمي المنتظر لانتظار المخلصين خروجه بعد غيبته، له غيبة يطول أمدها

الصفحة 231
ويكذب الوقاتون فيها، ويهلك المستعجلون بها.

وأسند أيضا إلى زيد بن الحسن بن علي عليه السلام قال: دخلت على الجواد عليه السلام وأنا أريد أسأله عن القائم أهو المهدي أم غيره؟ فابتدأني بأن القائم منا هو المهدي وهو الثالث من ولدي، إن الله يصلح له أمره في ليلة وإن أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.

وأسند الشيخ الجليل محمد بن علي وعلي بن محمد القمي قول الهادي عليه السلام:

الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ قلت: ولم؟

قال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه.

وأسند أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني إلى الصقر بن أبي دلف قول الهادي عليه السلام: الإمام بعدي الحسن ابني وبعده ابنه القائم، ورواه أيضا علي بن محمد بطريقه عن علي بن إبراهيم.

وأسند الشيخ أبو جعفر محمد بن علي أن يعقوب بن منقوش دخل على العسكري وسأله عن صاحب الأمر، فأمره برفع ستر عن بيت في الدار ففعل، فخرج غلام خماسي له نحو عشر أو ثمان، فقال: هذا صاحبكم، ثم دخل البيت فقال الإمام:

انظر في البيت فدخلت فما رأيت أحدا.

وأسند أيضا أن جارية العسكري عليه السلام لما حملت قال لها: لتحملين ذكرا واسمه محمد، وهو القائم من بعدي.

وأسند إلى العسكري عليه السلام قوله: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا، يحفظه الله في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وأسند إلى علي بن سعد الوراق إلى سعد بن عبد الله إلى أحمد بن إسحاق قال: دخلت على العسكري عليه السلام أريد أسأله عن الخلف من بعده، فابتدأني: إن الله لا يخلي الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخلها إلى أن تقوم الساعة من حجة له على خلقه قلت: ومن الخليفة بعدك؟ فأسرع ودخل البيت وخرج وعلى عاتقه

الصفحة 232
غلام وقال: لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه، مثله في هذه الأمة كالخضر وذي القرنين، ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله على القول بإمامته، ووفقه الدعاء بتعجيل فرجه، ويرجع من هذا الأمر أكثر القائلين به، هذا سر الله فخذ واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا في عليين.

فقلت: هل من علامة؟ فنطق الغلام فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه.

وأسند سعد بن عبد الله أنه خرج في توقيع العسكري: زعموا أنهم يريدون قتلي ليطفئوا هذا النسل، فقد كذب الله قولهم، والحمد لله.

وأسند أيضا قول العسكري عليه السلام: كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني إن المقر بالأئمة المنكر لولدي، كالمقر لجميع الأنبياء والمنكر لنبوة محمد صلى الله عليه وآله لأن المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا، إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله، ورواه علي بن محمد برجاله أيضا.

وأسند محمد بن عثمان العمري إلى أبيه قول العسكري عليه السلام: الأرض لا تخلو من حجة إلى يوم القيامة، ومن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض فتخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.

وأسنده أيضا علي بن محمد إلى ابن همام، وأسند إلى معاوية بن حكيم وإلى محمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري قالوا: عرض علينا العسكري ابنه ونحن أربعون رجلا وقال: هذا إمامكم بعدي، فلا تتفرقوا فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا، وقد كان له عليه السلام وكلاء يأخذون عنه ما أخذ عن آبائه منهم عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد والحسين بن روح النوبختي و علي بن محمد السمري.

وقد ذكر الجهضمي في تاريخه برواية رجال المذاهب الأربعة حالهم وأسماءهم

الصفحة 233
وأنهم كانوا وكلاء المهدي عليه السلام وأمرهم أشهر من أن يحتاج إلى الإطالة به.

وأخبر عليه السلام السمري بيوم موته، وأمره أن لا يوكل أحدا من بعده، فقد جاءت الغيبة التامة التي يمتحن الله فيها المؤمنين، والغيبة سنة الله في عباده تشهد كتب التواريخ بها، من أرادها نظر فيها، وسيأتي في حديث السمري زيادة عن هذا.

ومن الخواص به داود بن القاسم الجعفري والوصافي الأسدي.

وقد أسند المفيد أن رجلا قدم من مكة بمال صاحب الأمر فأرشد إلى جعفر فسأله عن شئ فعجز ورجع إلى الباب، وأنفذ الكتاب الذي معه إلى نفر فرجع الجواب: أجزل الله أجرك في صاحبك، فقد مات، فكان كما قال، ونحو ذلك كثير من كتاب [ محمد بن ] إبراهيم النعماني في الغيبة وغيره، وقد سلف في باب المعاجز طرق من ذلك، وهي دالة على وجوده بالضرورة، فيسقط ما تهول به الكلاب الممطورة.

وأسند أبو جعفر ابن بابويه إلى غانم الخادم أنه ولد للحسن ولد سماه محمدا وعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم بعدي، وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جورا وظلما خرج فملأها قسطا وعدلا.

وأسند أحمد بن علي الرازي إلى سهل النوبختي أنه قال: م ح م د بن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام ولد بسامراء في سنة ست وخمسين ومائتين أمه صقيل وهو الحجة المنتظر صاحب الزمان، وقال إسماعيل بن علي: دخلت على العسكري في المرض الذي مات فيه، فقال لخادمه: ادخل البيت فإنك ترى صبيا ساجدا فائتني به، فدخلت فوجدته ساجدا رافعا سبابته إلى السماء فسلمت فأوجز في صلاته، فقلت:

سيدي يأمرك بالخروج، فجاءت أمه فأخرجته إليه، فقال: أبشر أنت صاحب الزمان المهدي، حجة الله في أرضه، وأنت وصيي، وأنت م ح م د وعد آباءه إلى علي عليهم السلام ثم قال: أنت خاتم الأئمة الطاهرين.

وهذا وإن كان خليقا ذكره في باب الأسماء إلا أن الكلام انجذب إليه

الصفحة 234
فأثرنا أن نعثر عليه.

وأسند الشيخ أبو جعفر إلى محمد بن علي إلى محمد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة أسألها عن الحجة فقالت: لما حضرت نرجس الولادة قال الحسن العسكري عليه السلام: اقرئي عليها (إنا أنزلناه) فقرأت فجاوبني الجنين بمثل قراءتي، وسلم علي ففزعت، فقال أبو محمد: لا تعجبين من أمر الله إنه منطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في الأرض كبارا.

فغيبت عني نرجس فصرخت إليه فقال: ارجعي فستجدينها، فرجعت فإذا بها عليها نور غشيني فإذا الصبي ساجدا لوجهه، رافعا إلى السماء سبابته، ناطقا بتوحيد ربه، ورسالة نبيه، وإمامة آبائه، إلى أن بلغ إلى نفسه، وقال: اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، ثم سلم على أبيه فتناوله، والطير يرفرف على رأسه فصاح طيرا منها فقال: احمله واحفظه ورده إلينا بعد أربعين يوما فطار به فبكت نرجس فقال: سيعود إليك كما عاد موسى إلى أمه قالت حكيمة: فما هذا الطير؟

قال: روح القدس الموكل بالأئمة، يعلمهم فيربيهم.

فبعد الأربعين رد الغلام فدخلت عليه فتعجبت، فقال أبوه: أولاد الأنبياء و الأوصياء ينشاؤن بخلاف غيرهم وإن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، قالت: فما زلت أراه بعد كل أربعين إلى أن رأيته رجلا قبل موت أبيه فقال لي: هذا خليفتي بعدي، وعن قليل تفقدوني، فاسمعي له وأطيعي، فمضى عليه السلام وافترق الناس كما ترى، فوالله إني لأراه وأسأله فيجيبني عن مسائلي ابتداء وقد أخبرني البارحة بمجيئك، وأمرني أن أخبرك بالحق.

قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتني بما لم يطلع عليه إلا الله فحكمت على كلامها بصدقها، وعلمت أن الله اطلعهم على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.

وهذا الحديث رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي عن حكيمة بطريقين من رجاله وفيه مغايرة قليلة أحدهما منتهيا إلى حنظلة بن زكريا، والأخرى إلى مارية و نسيم خادم الحسن عليه السلام وقد أسلفنا في معاجزه طرفا منه.


الصفحة 235
قال إبراهيم: وحدثتني نسيم أنها دخلت على صاحب الزمان بعد مولده بليلة فعطست فقال: يرحمك الله ففرحت، فقال: ألا أبشرك في العاطس؟ قلت بلى:

قال: أمان من الموت إلى ثلاثة أيام.

وفي خرائج الراوندي أن علي بن مهزيار رآه بجبال الطائف وسلم عليه ورد عليه وأمره بالتقية فسأله متى الخروج؟ قال: إذا حيل بينكم وبين الكعبة.

وأسند أبو جعفر ابن بابويه أن جارية العسكري عليه السلام لما ولد الإمام قالت:

رأيت نورا ساطعا إلى السماء، وطيورا بيضا تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها برأسه ووجهه وسائر جسده وتطير، فأخبرت أبا محمد بذلك فضحك وقال: هذه الملائكة تتبرك به، وهي أنصاره عند خروجه.

وعنه قال: وجدت بخط سعد بن عبد الله توقيعا كان خرج من صاحب الزمان إلى العمري وابنه وفيه وصايا أوجبت(1) علي الثبوت على إمامته، ذكره الكيدري في بصائره تركناه خوف الإطالة.

وذكر الشيخ الموثوق به عثمان بن سعيد العمري أن ابن أبي غانم القزويني قال:

إن العسكري لا خلف له، فشاجرته الشيعة وكتبوا إلى الناحية، وكانوا يكتبون لا بسواد بل بالقلم الجاف على الكاغذ الأبيض، فتكون علما معجزا، فورد جوابا إليهم:

(بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياكم من الضلال والفتن، إنه انتهى إلينا شك جماعة منكم في الدين، وفي ولادة ولي أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، لأن الله معنا والحق معنا، فلا يوحشنا من بعد علينا، ونحن صنايع ربنا والخلق صنايعنا، ما لكم في الريب تترددون، أما علمتم ما جاءت به الآثار مما في أئمتكم يكون أفرأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليه السلام إلى أن ظهر الماضي، كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أنه أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون، حتى تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون، فاتقوا

____________

(1) وحث على الثبوت، خ.


الصفحة 236
الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم.) قال الشيخ أبو جعفر حدث أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها علي بن محمد السمري فحضرته فأخرج توقيعا فيه أعظم الله أجور إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله بعد بعد طول الأمد، و قسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، فمن ادعاها قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب، فنسخت هذا التوقيع وقضي في اليوم السادس وقد كان غيبته القصرى أربعة وستين سنة.

وذكر محمد بن أبي جعفر أن المهدي عليه السلام قام بأمر الله يوم الجمعة لأحد عشر مضت من ربيع الأول سنة ستين ومائتين سرا إلا عن ثقاته وثقات أبيه، وله أربع سنين وسبعة أشهر.

والحسن بن جعفر الصيمري: الصحيح أنه ولد يوم الجمعة طلوع الفجر لأربع عشرة خلت من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، فقد كتب بخبر مولده إلى مشايخنا محمد بن إسماعيل بن صالح وعلي بن محمد بن زياد ومحمد بن إسحاق.

وروى هذا التاريخ الشيخ الطوسي في حديث حكيمة وقال في موضع آخر:

قد ثبت بالأخبار الصحيحة أنه عليه السلام ولد سنة ست وخمسين ومائتين.

وأسند الشيخ أبو جعفر بن بابويه إلى غانم قال: كنت وأربعون رجلا نقعد حول كرسي الملك بقشمير الداخلة وقد قرأنا التوراة والإنجيل والزبور، ويفزع إلينا في العلم فتذاكرنا محمدا وأنه موجود في كتبنا، فاتفقنا على الخروج في طلبه فخرجت فقطع علي الترك وشلحوني فوقعت إلى بلخ، وأتيت أميرها فعرفته خبري فجمع العلماء المناظرين فسألتهم عن محمد فقالوا: هو نبينا قلت: فمن خليفته؟ قالوا:

أبو بكر ونسبوه إلى قريش، قلت: هذا ليس بنبي إن النبي الذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمه، وزوج ابنته، وأبو ولده، فدعا لي الأمير بالحسين بن اشكيب فخلا بي وأعلمني أن خليفته ابن عمه علي بن أبي طالب، فأسلمت، وقلت: إنا

الصفحة 237
نجد في كتبنا أنه لا يمضي خليفة إلا عن خليفة، فمن خليفته؟ قال: الحسن ثم الحسين وسمى الأئمة إلى الحسن عليهم السلام.

ثم قلت: إني محتاج إلى طلب خليفة الحسن، فخرجت في طلبه، فأتاني آت وقال: أجب مولاك، فلم يزل يخترق بي المحال حتى أدخلني دارا وبستانا فإذا مولاي قاعد، فكلمني بالهندية، وسلم علي، وذكر الأربعين رجلا بأسمائهم ثم قال: تريد الحج مع أهل قم؟ فلا تحج في هذه السنة وانصرف إلى خراسان ولا تدخل في بغداد دار أحد ولا تخبر بشئ مما رأيت، قال محمد بن شاذان: عن الكابلي رأيت الرجل فذكر أنه وجد صحة هذا الدين في الإنجيل وبه اهتدى.

وروى الشيخ أبو جعفر أن صاحب الأمر خرج على جعفر الكذاب عند منازعته في ميراث العسكري عليه السلام وقال: ما لك يا جعفر تتعرض في حقوقي؟ فتحير جعفر وبهت، ثم غاب عنه. فطلبه في الناس فلم يره، ولما ماتت الجدة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدار قال جعفر: هي داري لا تدفن فيها، فخرج عليه السلام وقال:

يا جعفر! أدارك هي؟ ثم غاب فلم ير بعد ذلك.

(4)
فصل


أسند الشيخ إلى عبد الله الفضل الهاشمي أنه سمع الصادق عليه السلام يقول: لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، لأمر لم يؤذن لنا في كشفه، ولا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف الحكم في فعل الخضر لموسى إلا عند فراقه. يرتاب فيها كل مبطل والحكمة فيها كما في غيبة من تقدم من حجج الله، ومتى علمنا أنه حكيم صدقنا بأن أفعاله حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف.

وأسند الحافظ الدارقطني من أهل السنة فيما جمعه من مسند فاطمة أن العبدي سأل الخدري عما سمع من النبي صلى الله عليه وآله في فضائل علي عليه السلام فقال: دخلت فاطمة على أبيها في مرضه فبكت، فقال: اطلع الله على الأرض اطلاعة فاختار منها

الصفحة 238
أباك فبعثه نبيا، وثانية فاختار بعلك فأوحى إلي أن اتخذه وصيا ثم قال: أعطينا خصالا لم يعطها أحد: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، وسبطا هذه الأمة ابناك، ومنا مهدي هذه الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام وقال:

من هذا مهدي هذه الأمة، وهذا الحديث قد أسلفناه آنفا فأعدناه استئناسا.

وأسند أبو جعفر بن بابويه إلى الحسن محمد بن صالح البزاز أنه سمع العسكري يقول: إن ابني هو القائم من بعدي تجري فيه سنن الأنبياء من التعمير والغيبة حتى تقسو قلوب الناس لطول الأمد، فلا يثبت على القول بها إلا من كتب الله في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه.

وأسند الشيباني إلى سعيد بن جبير قول زين العابدين عليه السلام: في القائم سنة من نوح؟ هي طول العمر، ومن إبراهيم الخفاء للولادة واعتزال الناس إياه، و من موسى الخوف والغيبة، ومن عيسى اختلاف الناس فيه، ومن أيوب الفرج بعد البلوى، ومن محمد صلى الله عليه وآله الخروج بالسيف.

وأسند صاحب المقتضب من طريق العامة قول جبرائيل للنبي صلى الله عليه وآله: إن الله يأمرك أن تزوج عليا بفاطمة، فدعاه وقال: إني مزوجك بها وكائن منكما سيدا شباب أهل الجنة، والشهداء المضرجون، المقهورون في الأرض من بعدي، عدتهم عدة أشهر السنة، آخرهم يصلي المسيح خلفه.

وأسند الشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن عياش إلى السدوسي أنه لقي في بيت المقدس عمران ابن خاقان الذي أسلم من اليهودية على يد أبي جعفر عليه السلام وكان يحاج اليهود، فلا يستطيعون جحد علامات النبي والخلفاء من بعده، فقال لي يوما: إنا نجد في التوراة محمدا واثني عشر من أهل بيته خلفاء، وليس فيهم تيمي ولا عدوي ولا أموي، قلت: فأخبرني بهم، قال: لتعطيني عهود الله أن لا تخبر به الشيعة في حياتي فيظهرونه علي، فأعطيته، فقال: شمعوعيل، شمعيشيحو، وهنى

الصفحة 239
پيراخشى، اوتو، هموتني، بمايذ، عايذ، شنيم، عوسون، نيتيتو، توليد، كفى كودل(1).

قال: إن شمعوعيل يخرج من ظهرين، مبارك صلاتي عليه وتقديسي، يلد اثني عشر ولدا يكون ذكرهم باقيا إلى القيامة، وعليهم تقوم الساعة، طوبى لمن عرفهم بحقيقتهم. وهذه الألفاظ أملاها علي بعض اليهود من حفظه، ووجد في الكتاب ألفاظ تغاير هذه وأظنها من تصحيف الكتاب.

وأسند محمد بن لاحق بن سابق من طريق العامة إلى الجارود العبدي أسلم عن النصرانية عام الحديبية، ووفد على النبي صلى الله عليه وآله في رجل من عبد القيس وأنشأ:


يا نبي الهدى أتتك رجالقطعت فدفدا والأفلالا

إلى أن قال:


أنبأ الأولون باسمك فيناثم أسماء بعده تتلألأ

فقال عليه السلام: أفيكم من يعرف قسا؟ قال الجارود: نعم كان ينتظر زمانك، و يهتف باسمك وأسماء لا أراها فيمن اتبعك، فقد شهدته خرج من ناد من أندية أياد إلى ضحضح ذي قتاد، فوقف رافعا إلى السماء وجهه وأصبعه وقال: اللهم رب هذه السبعة إلا رفعة، والأرضين الممرعة، وبمحمد والثلاثة المحاميد معه، والعليين الأربعة، وسبطيه لنبعة إلا رفعة، وسمي الكليم من الفرعة، والحسن ذي الرفعة.

أولئك النقباء الشفعة، والطريق المهيعة، درسة الإنجيل، وحفظة التنزيل وعدد نقباء بني إسرائيل، محاة الأضاليل، ونفاة الأباطيل، الصادقون القيل، عليهم تقوم الساعة، ولهم فرض الطاعة، ثم أنشأ شعره، وآب يكفكف(2) دمعه، ويرن كرنين البكرة ويقول:


أقسم قس قسماليس له مكتتما
لو عاش ألفي عمرلم يلق منها سأما
حتى يلاقي أحمداوالنقباء الحكما

____________

(1) في النسخ اختلاف في سرد الأسماء.

(2) أي يمسح دمعه مرة بعد أخرى.


الصفحة 240

هم أوصياء أحمدأكرم من تحت السماء
ذرية من فاطمةأكرم بها من فطما
يعمى الأنام عنهموهم جلاء للعمى
لست بناس ذكرهمحتى أحل الرجما

قال الجارود: فقلت: يا رسول الله أخبرني بهذه الأسماء التي لم نشهدها، و وأشهدنا قس ذكرها؟ فقال: أوصى الله إلي ليلة الأسرى أن اسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثتهم؟ فسألتهم فقالوا: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما، فأوحى الله إلي أن التفت فالتفت فإذا علي، والحسن، والحسين وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن فقال: هؤلاء أوليائي، وهذا المنتقم من أعدائي، وقد أسلفنا جانبا من ذلك.

وأسند المفيد في إرشاده برجاله إلى محمد بن إسماعيل بن موسى الكاظم عليه السلام قال: رأيت محمد بن الحسن عليه السلام بين المسجدين وهو غلام.

وأسند إلى الرازي أنه سمع أبا علي بن مطهر يذكر أنه رآه ووصف قده.

وأسند إلى خادم النيسابوري(1) وكانت من الصالحات قالت: كنت واقفة مع سيدي ومولاي على الصفا، وجاء صاحب الزمان وقبض على كتاب مناسكه وحدثه بأشياء.

وأسند إلى عبد الله بن صالح، أنه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه وهو يقول: ما بهذا أمروا.

وأسند إلى إبراهيم بن إدريس عن أبيه أنه رآه فقبل يده.

وأسند إلى العنبري أنه قال: رآه جعفر(2) مرتين.

وأسند إلى الأهوازي قال: أرانيه أبو محمد وقال: هذا صاحبك.

____________

(1) يعني خادم إبراهيم بن عبيدة النيسابوري.

(2) يعني جعفر الكذاب كما مر في ص 237.


الصفحة 241
وأسند إلى طريف الخادم أنه رآه عليه السلام.

والأخبار كثيرة في معنى ما ذكرناه والذي اختصرنا كاف في ما قصدناه.

(5)
فصل


أسند صاحب المقتضب إلى جماعة قالوا: كان علي عليه السلام إذا أقبل الحسن قال:

مرحبا با ابن رسول الله، وإذا أقبل الحسين قال: بأبي أنت وأمي يا أبا خير الأمناء قلنا: من خير الأمناء؟ قال: ذلك الفقيد الطريد الشريد، محمد بن الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين.

وأسند الخزاز إلى مسعدة قال: كنت عند الصادق عليه السلام فإذا بشيخ قد انحنى فسلم فرد عليه، فبكى فقال: ما يبكيك؟ قال: قمت على قائمكم أنتظره مائة سنة أقول: هذا الشهر، هذه السنة، وقد اقترب أجلي ولا أرى فيكم ما أحب فدمعت عينا الصادق عليه السلام وقال: إن بقيت حتى ترى قائمنا كنت في السنام الأعلى معنا، و إن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد، فقال الشيخ: لا أبالي بعد سماع هذا الخبر.

ثم قال: يا شيخ اعلم أن قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا، وأشار إلى موسى وهذا خرج من صلبي، نحن اثنى عشر كلهم معصومون مطهرون، والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت، إلا أن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناك يثبت على هداه المخلصون، اللهم أعنهم على ذلك.

وأسند الديلمي في الفردوس إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله: المهدي طاووس أهل الجنة.

وأسند إلى حذيفة قول النبي صلى الله عليه وآله: المهدي ولدي، وجهه كالقمر الدري

الصفحة 242
اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الدنيا عدلا كما ملئت ظلما يحبه أهل السماء والأرض، يملك عشرين سنة، وجمع أبو نعيم الحافظ كتابا سماه كتاب ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه.

وأسند الثعلبي في تفسير (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى(1)) إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة، وذكر نفسه وخمسة سماهم من أهل بيته، ثم قال: والمهدي، وفي تفسيره أن أهل الكهف يحييهم الله للمهدي.

وروي في الجمع بين الصحاح الستة عن الخدري قول النبي صلى الله عليه وآله: المهدي فتى أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين، وفي رواية هشام والفراء في المصابيح تسع سنين.

وفيه أيضا عن علي عليه السلام أنه نظر إلى ابنه الحسين وقال: إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا.

وأسند ابن المغازلي أخبارا كثيرة تتضمن البشارة بالمهدي وذكر فضائل دولته.

وأسند الفراء في مصابيحه قول النبي صلى الله عليه وآله: يصيب هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ من الظلم، فيبعث الله رجلا من عترتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ملائكة السماء والأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا أخرجته، حتى تتمنى الأحياء الأموات أن تعيش، يكون ذلك سبع سنين، أو تسع، حتى يقول الرجل يا مهدي أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.

وذكر ابن الخشاب الحنبلي في تاريخ أهل البيت و؟ صر بن علي الجهضمي في تاريخ أهل البيت ما يتضمن تسمية الاثني عشر عليهم السلام، وقد ذكرنا في أخبار أعدادهم وأسمائهم وكون المهدي في جملتهم، من تصفح كتابا منه عثر على الزلال البارد

____________

(1) الشورى: 31.


الصفحة 243
فينتقع صداء الصادر والوارد، ويقمع به رأس كل شيطان مارد.

قال عبد المحمود(1): وجدت كتابا لبعض الشيعة اسمه [ كشف ] المخفي في مناقب المهدي، روي فيه مائة وعشرة أحاديث من طرق المذاهب الأربعة منها في صحيح البخاري 3، ومسلم 11، والجمع بين الصحيحين 2، ومن الجمع بين الصحاح الستة 11، ومن فضائل الصحابة 9، ومن تفسير الثعلبي 5، ومن غريب الحديث للدينوري 6، ومن فردوس الديلمي 4، ومن كتاب الدارقطني 9، ومن المفتقد للسكسكاني(2) 2، ومن المصابيح 5، ومن الملاحم لأحمد بن جعفر 34، ومن كتاب الحضرمي 3، ومن الرعاية لأهل الدراية للفرغاني 3، ومن كتاب الاستيعاب للنميري 2، وخبر سطيح رواه الحميدي.

قال: ورأيت في كتاب السنن سبعة أحاديث بأسانيدها في خروج المهدي.

(6)
فصل


غاية طعن المنكرين لولادته متعلقة بنفي مشاهدته، قلنا: قد أسلفنا مشاهدة قوم من أوليائه، على أن نفي رؤيته لا يدل على نفي وجوده، ولا يقدح فيه قول المنحرف عنه بجحوده، إذ ليس طرق العلم محصورة في المشاهدة فإذا دلت البراهين على إمامته ووجوده، لم تكن غيبته عن الأبصار مانعة عن تولده، وأكثر المواليد إنما تثبت بالشيعة(3) وهي حاصلة هنا من الشيعة، وكيف ينكر وجوده لعدم مشاهدته والأبدال موجودون ولا يشاهدون.

قال [ ابن ] ميثم في شرحه للنهج: قد نقل أنهم سبعون رجلا منهم أربعون بالشام

____________

(1) هو سيد ابن طاووس، وقد أخرجه العلامة المجلسي في البحار راجع ج 51 ص 105 من طبعته الحديثة.

(2) في نسخة البحار: ومن كتاب المبتدأ للكسائي حديثان (3) يعني الشياع.


الصفحة 244
وثلاثون في سائر البلاد، وفي الحديث عن علي عليه السلام الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق، يجتمعون فيكون بينهم حرب.

وغيبته عليه السلام ليست من الله لحكمته، ولا منه لعصمته، فهي من خوفه عن رعيته.

إن قلت: لو كان سبب ستره خوفه لاستتر آباؤه، قلت: آباؤه خوطبوا بالتقية وخوطب هو بالخروج بالسيف، ومن ثم لم يخافوا كخوفه، خصوصا فيمن عرف من أعدائه أنه القائم بأمر ربه، دون آبائه، وستره لم يخرجه عن إمامته كما أن ستر النبي صلى الله عليه وآله في شعبه وغاره لم يخرجه عن نبوته.

إن قيل: إنما استتر النبي صلى الله عليه وآله بعد أداء ما وجب عليه، فلا ضرورة حينئذ إليه قلنا: ومن الذي يسوغ استغناء الأمة عن النبي حال ستره، وأكثر الأحكام إنما ظهرت بعد خروجه عن غاره قالوا: غيبة النبي قصيرة غير ضائرة، وغيبة مهديكم طويلة وهي ضائرة، قلنا:

لا فرق بين طول الغيبة وقصرها، إذا استمر سببها.

إن قيل: كلما بعد الإمام عنهم زاد فسادهم، فزاد خوفه منهم، وذلك يوجب أن لا يخرج أبدا إليهم، قلنا: ومن الذي يقطع بزيادة فسادهم، فكم من متأخر صالح، ومتقدم طالح، على إنا إذا أثبتنا عدل الله وعصمة الإمام، أحلنا سبب الغيبة على العلام، كما في خلق المؤذيات المجهول وجه حسنها.

إن قيل: لم لم يظهر لأوليائه؟ قلنا: لخوف الإشاعة، فيشهره الولي بالعدو ولأن الولي لا يعلم أنه الإمام إلا بمعجز وجائز تشكيك الولي فيه، فتمنعه هذه الوصمة من ذلك شفقة منه عليه.

إن قيل: فحال غيبته إن أمكن الوصول إلى الحق بغيره، استغني عنه، و إن امتنع كان الناس في حيرة لأجله، قلنا: النظر كاف في العقليات، والأصول المتواترة والقواعد التي ألقوها إلى الناس، كافية في السمعيات، فإذا انقطعت فإن ظهر فلا كلام، وإلا كان اللوم على من أخاف الإمام، على إنا إذا علمنا إمامته من