الصفحة 261

فلما كان الظهر خرج شيخ ذو هيبة لم أر أحسن منه وجها، ولا أعظم منه هيبة، ولا أجل قدرا حتى كنا لا نشبع من نظره لهيبته، فصلى بهم الظهر مسبلا كصلاتكم يا أهل العراق، فلما سلم سلم عليه والدي، وحكى له قصتنا، فأقمنا أياما ولم نر مثلهم ناسا: لم يسمع عندهم هجر ولا لغو، ثم طلبنا منه المسير فبعث معنا شخصا فسار بنا ضحوة فإذا نحن بالموضع الذي نريده، فسأله والدي عن الرجل من هو؟ فقال: هو المهدي، والموضع الذي هو فيه يقال له: كرعة، مما يلي بلاد الحبشة من بلاد اليمن مسيرة عشرة أيام مفازة بغير ماء قال الشيخ السعيد علي بن طاووس: هذه القرية وجدنا ذكرها في أخبار المخالف والمؤالف، وأن المهدي يخرج منها، وقد ذكره أبو نعيم الحافظ مع عظم شأنه وتدينه وقد مدحه ابن النجار في تذييله بما يضيق هذا الكتاب من تفصيله.

ذكر أبو نعيم المذكور في كتابه الذي سماه نعوت المهدي فأسند فيه حديثا إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يخرج المهدي من قرية يقال لها:

كرعة، على رأسه غمامة، فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه.

ثم ذكر أول لواء يعقد له، وما يكون من عدله، وطرفا من أخباره.

وفي كتاب البطائني: رايات ولد فاطمة صوف نسجت نسجا، لها أجنحة تطير كطيران الطير، فيها الحق والعدل، فائتوها ولو حبوا على الثلج.

وفيه عن أبي جعفر عليه السلام: إذا رأيتم الرايات السود من قبل المشرق من أطراف الأسنة إلى زج القناة صوف أحمر فتلك رايات الحسني التي لا تكذب.

وفي كتاب الربيع مسندا إلى أبي جعفر عليه السلام كأني بصاحبكم وقد علا نجف كوفان في عدد أهل بدر ينصر بالرعب والملائكة.

وفيه عن علي بن الحسين عليه السلام: إذا قام قائمنا أذهب الله عنهم العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد، قوة كل رجل [ قوة ] أربعين رجلا وفي كتاب الملاحم: يذبح المهدي إبليس، ويموت كل شيطان، ثم تلا:

(إن الأرض يرثها عبادي الصالحون وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات

الصفحة 262
ليستخلفنهم في الأرض(1)) ومن كتاب الفتن لأبي نعيم: يظهر المهدي بمكة ومعه سلاح النبي ورايته وقميصه، وعلامات، ونور، يأتيه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا رهبان بالليل أسود بالنهار.

ومن كتاب الشفا والجلا مسندا إلى الصادق عليه السلام: إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنوره واستغني عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل حتى يولد له ألف ذكر، وقد سلف نحو ذلك في الفصل التاسع.

وعن الصادق عليه السلام: يمد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين قائمهم حجاب، يريد يكلمهم فيسمعونه وينظرون إليه في مكانه.

وفي كتاب الروضة عن الصادق عليه السلام إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية، فإن الله بعث محمدا رحمة وبعثه نقمة وفي الجزء الخامس من تفسير النقاش عن الصادق عليه السلام (العذاب الأدنى(2)) غلاء السعر (والأكبر) خروج المهدي بالسيف.

(14)
فصل


وقد كانت الأئمة صلوات الله عليهم تتألف قلوب الشيعة بتقريب خروج المهدي عليه السلام وقد أسند الكليني في كتاب الروضة إلى الباقر عليه السلام أن عبد الحميد الواسطي قال له: قد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الأمر حتى يوشك أن الرجل يسأل في يده، فقال عليه السلام: أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل له فرجا؟ بلى والله، فرحم الله من حبس نفسه علينا قال: فإن مت قبل إدراكه؟ فقال: إذا قال القائل منكم إذا أدركته نصرته كان كالمقارع معه بسيفه والشهادة معه شهادتان.

____________

(1) النور: 55.

(2) السجدة: 21.


الصفحة 263
ومن عجيب رواية ابن قتيبة في الجزء الأول من كتاب عيون الأخبار: كتب مسيلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: والله ما أنت صاحب هذا الأمر، إن صاحب هذا الأمر مغمور موتور، وأنت مشهور موثور.

وأسند محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة إلى الصادق عليه السلام ثلاث عشر مدينة وطائفة تحارب المهدي عليه السلام.

وذكر أبو بشر في كتابه: يغيب الإمام طويلا حتى ييأس المؤمنون، ويشك المرتابون، ويكذب الضالون، وهو مع ذلك يطالع أمرهم، ويعرف وحشتهم، و يتجاوز عن قبيحهم، ويدعو بالصيانة والصلاح لهم، وإنه ليخترق من وراء قاف إلى حضور الحج كل سنة، فيغفر الله بدعائه للخاطئين من شيعته، ويحضر المشاهد والزيارات.

قال مؤلف هذا الكتاب علي بن محمد بن يونس: خرجت مع جماعة نزيد على أربعين رجلا إلى زيارة القاسم بن موسى الكاظم، فكنا عن حضرته نحو ميل من الأرض، فرأينا فارسا معترضا فظنناه يريد أخذ ما معنا، فخبينا ما خفنا عليه، فلما وصلنا رأينا آثار فرسه ولم نره فنظرنا ما حول القبة فلم نر أحدا فتعجبنا من ذلك مع استواء الأرض، وحضور الشمس، وعدم المانع، فلا يمتنع أن يكون هو الإمام أو أحد الأبدال، فلا ينكر حضور شخص لا يرى لسر أودعه الله فيه.

إن قيل: فهذا يبطل أصل وجوب الرؤية عند حصول شرائطها قلنا: فإن من شرائطها عدم المانع، والمانع هو السر المذكور، وقد وجد في أبواب السحر و الشعبذة إخفاء الأعيان، واشتباه الشئ بغيره، وقد ذكر عن أهل السيميا إخفاء الأشخاص.

وقد ذكر الإمام الطبرسي في تفسير (تبت) أن النبي صلى الله عليه وآله تحرس بقرآن من أم جميل زوجة أبي لهب، فلم تره فيجوز أن يكون الله تعالى قد عكس الشعاع أو فرقه قبل وصوله إليه، أو ضلب المهدي فلم ينفذ فيه الشعاع وفي كتاب علي بن حسان الواسطي: يملك القائم ثلاثمائة وتسع سنين، و

الصفحة 264
من كتاب الغيبة للطوسي: يدخل المهدي الكوفة فيخطب، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله:

كأني بالحسني وقد قادها فيسلمها الحسيني فيبايعوه، ثم يأمر بعمارة جامع له ألف باب.

وفي كتاب الحضرمي عن الباقر عليه السلام أيام الله ثلاثة: يوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة، ومثله في كتاب الشفا عن الصادق عليه السلام.

ووجد كتاب بخط الكمال العلوي النيشابوري في خزانة أمير المؤمنين فيه وصية لابنه محمد بن الحنفية:


بني إذا ما جاشت الترك فانتظرولاية مهدي يقوم فيعدل
وذكر ملوك الظلم من آل هاشموبويع منهم من يلد ويهزل
صبي من الصبيان لا رأي عندهولا هو ذو جد ولا هو يعقل
فثم يقوم القائم الحق فيكموبالحق يأتيكم وبالحق يفعل
سمي نبي الله نفسي فداؤهفلا تخذلوه يا بني وعجلوا

وحدث علي بن الفتح عن عبد الوهاب ابن أبي الفوارس أن صاحب الأمر مساكنه بيوت أديم كبار، يدخل فيها الفارس برمحه، وأن التي يسكنها يكون فيها الماء والكلاء، فإذا رحل عنها زال ذلك، ووجدت آثار الاعلاف بها، وقد روي عن الإمام الهادي عليه السلام نحو ذلك.

(15)
فصل


حدث كمال الدين الأنباري قال: أمسينا عند عون الدين الوزير، فرأينا يقرب شخصا لا نعرفه، ونستمع كلامه، فتجارينا المذاهب، فقال الوزير، أقل طائفة الشيعة. فقال الرجل:

خرجت مع والدي في البحر من مدينتنا الزاهية، فأوغل بنا المركب، فجئنا جزيرة واسعة فسألنا أهلها عن اسمها واسم سلطانها، فقالوا: المباركة، واسم السلطان

الصفحة 265
الطاهر، قلنا: فأين سرير ملكه؟ قالوا: بالمدينة الزاهرة فدخلنا عليه، فإذا رجل عليه عباءة وتحته عباءة فأخذ منا الجزية وكان معنا مسلمون، فناظرهم فقال:

أنتم خوارج ولستم مسلمين وتحل أموالكم، فسألوه الحمل إلى سلطانه، فأجابهم فأخذوا دليلا عارفا، قال: وخرجنا معهم في البحر ثلاثة عشر يوما بلياليها، فأقبلنا على جزيرة ومدينة مليحة كثيرة الماء، طيبة الهواء، ترعى النعاج مع السباع و أهلها على أحسن قاعدة في ديانتهم وأمانتهم، ليس فيهم لغو ولا تساب ولا نميمة، ولا اغتياب.

فدخلنا على سلطانهم فإذا هو في قبة من قصب فلما أذن المؤذن اجتمعوا إليه في أسرع وقت فصلى بهم وانصرف، فما رأت عيني أخضع لله منه، ولا ألين جانبا للرعية، ثم التفت إلينا وخاطبنا، وكان معنا رجل يعرف بالمقري الشافعي فقال له: أنت تقول بالقياس؟ قال: نعم، قال: هل تلوت آية المباهلة؟ قال: نعم قال: وآية التطهير؟ قال: نعم، قال: فهل بلغك أن غير علي وزوجته وولديه خرج إلى المباهلة؟ ونزلت آية التطهير فيه، ولف النبي صلى الله عليه وآله الكساء عليه؟ أفمن طهره الله يقدر أحد ينجسه؟

ثم بسط لسانا أمضى من السهام، وأقطع من الحسام، فقام الشافعي قائلا عفوا عفوا انسب لي نفسك فقال: أنا الطاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي أنزل الله فيه (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين(1)) وأنزل في حقنا (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(2)) فبكى الشافعي وآمن به، وحمد الله على انتقاله من التقليد إلى اليقين وكان معنا رجل مالكي فآمن أيضا.

وأقمنا في تلك المدينة سنة كاملة، وتحققنا أن ملك تلك مسيرة شهرين برا وبحرا، وأن بعدها مدينة اسمها الرائقة، سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر، و

____________

(1) يس: 12.

(2) آل عمران: 34.


الصفحة 266
بعدها مدينة اسمها طلوم، سلطانها عبد الرحمن بن صاحب الأمر، رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدينة اسمها عاطن سلطانها هاشم بن صاحب الأمر، هي أعظم المدن مسيرة ملكها أربعة أشهر، فهذه المدن على كبرها لم يوجد فيها سوى الشيعة الذين لو اجتمع أهل الدنيا لكانوا أكثر منهم، فأقمنا سنة نتوقع ورود صاحب الأمر فلم يوفق لنا.

قال كمال الدين: فلما سمعه الوزير شدد علينا في كتمان ذلك.

تذنيب:

إن قيل: إذا كان في هذه الكثرة، فلم لا يخرج وينتصر بهم؟ قلنا: إن علام الغيوب قد يعلم عدم نصرتهم وإن كثروا، وقد أخر الله إغراق فرعون وقوم نوح مع إمكان تقديمه، ونصر نبيه بالملائكة في بدر مع إمكان تقديمه، ولعل نصرته بهم كانت مشروطة باجتماع الأنصار من الناس، وتكون نصرة المهدي موقوفة على اجتماع ثلاثمائة وثلاثة عشر من غيرهم، لاشتمالهم على صفات تختص بهم، فلا اعتراض للفجار الأشرار، على الحكيم المختار، العالم بالأسرار.

(16)
فصل


نذكر فيه شيئا مما اختلف الناس فيه من تعيين الأئمة بعد أمير المؤمنين عليه السلام.

فأول فرقة شذت من الإمامية الكيسانية قالت: بإمامة محمد بن الحنفية فذهب شذاذ منهم إلى أنه الإمام بعد أبيه، وأنه حي لم يمت، وأنه المهدي، و آخرون منهم قالوا بموته، وسيعود وهو المهدي، وأن الحسن والحسين إنما كانا يدعوان إليه. والأكثرون قالوا: إنه الإمام بعدهما، واحتجوا لإمامته بأنه كان صاحب رايته بالبصرة، كما كان علي صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله.

قلنا: معلوم أن النبي صلى الله عليه وآله أعطى الراية لمن ليست له إمامة.


الصفحة 267
قالوا: قال له: أنت ابني حقا قلنا: حقية بنوته لا تدل على إمامته إذ لا خلاف في أن الحسن والحسين ابناه، وله أولاد غيرهم، ولا إمامة لهم، وإنما أراد الإبانة عن شجاعته ونجدته، ولو دلت البنوة على الإمامة دلت بنوة الحسن والحسين على النبوة لقول النبي صلى الله عليه وآله: هذان ابناي، وقال لهما: أبوهما في ذلك اليوم بعينه، لما رأى فيهما انكسارا عند مدحه لأخيهما: أنتما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: وقال له:


أطعن بها طعن أبيك تحمدلا خير في الحرب إذا لم توقد

ولا يطعن طعن الإمام إلا الإمام قلنا: إن سلم فلا شك أن المراد المشابهة وقد علم أصحابه كيفيات الحروب بقوله: غضوا الأبصار، وغضوا على النواجذ ولا إمامة لهم.

واحتجوا لمهديته بقول النبي صلى الله عليه وآله: لن تنقضي الأيام حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأها قسطا كما ملئت جورا ومن أسماء علي عبد الله لقوله: أنا عبد الله وأخو رسول الله قلنا: قد أجبنا عن هذا في باب مهدية محمد بن الحسن فليراجع منه، وقول أبيه: (أنا عبد الله) لا يدل على التسمية، بل هو صفة، ويلزم من ذكرها التخصيص بها كما حقق في الأصول.

واعلم أنه لا بقية للكيسانية إلا ما يحكى شاذا لا نعلم صحته من بقية شاذة لا يعلم وجودها، وفي انقراضها بطلان قولها، ولا يخرج الحق عن الأمة بأجمعها وإن علم وجودها فقلتها تمنع القطع بقولها.

على أنه لا عصمة لابن الحنفية، ولا نص عليه، ولا ادعى ذلك، ولا أخرج معجزا على يديه، وما تلوناه من النصوص على الأئمة المنقولة عن المؤالف والمخالف يدل على بطلان قول هذه وغيرها من الطوائف.

قالوا: بعث المختار يدعو إليه ويأخذ بثأر أخيه قلنا: بل المشهور في السير أنه لما بلغه ذلك أنكره، وقد كان كثير عزة كيسانيا ومات عليها وله أشعار فيها منها:


الصفحة 268

ألا إن الأئمة من قريشلدى التحقيق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيههم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبروسبط غيبته كربلاء
وسبط يملأ الأرضين عدلاإمام الجيش يقدمه اللواء
يغيب لا يرى فيهم زمانابرضوى عنده عسل وماء

وكان السيد الحميري كذلك وله فيه:


ألا حي المقيم بشعب رضويوأهد له بمنزله السلاما
أضر بمعشر والوك مناوسموك الخليفة والإماما
وما ذاق ابن خولة طعم موتولا وارت له أرض عظاما

فلما دعاه الصادق عليه السلام إلى إمامته استجاب له، ورجع عن ضلالته، وقد شهر ذلك في قصيدته:


تجعفرت باسم الله والله أكبروأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين غير ما كنت داينابه ونهاني سيد الناس جعفر
فقلت له هبني تهودت برهةوإلا فديني دين من يتنصر
فلست بقال ما حييت وراجعاإلى ما عليه كنت أخفي وأضمر
ولا قائلا قولا لكيسان بعدهاوإن عاب جهال علي وأكثروا
ولكنه ممن مضى لسبيلهعلى أحسن الحالات يعفى ويؤثر

وقال:


أيا راكبا نحو المدينة جسرةغذافرة يطوى بها كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفرافقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا ولي الله وابن وليهأتوب إلى الرحمن ثم تأوب
أتوب من الذنب الذي كنت مطنباأجاهد فيه دائبا كل معرب
وما كان قولي في ابن خولة دائبامعاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمدوما كان فيما قال بالمتكذب


الصفحة 269

بأن ولي الأمر يفقد لا يرىسنين كفعل الخائف المترقب
إذا قلت لا فالحق قولك والذيتقول فحتم غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجةعلى الخلق طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذيتطلع نفسي نحوه وتطرب
له غيبة لا بد أن يستغيبهافصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر أمرهفيملأ عدلا كل شرق ومغرب
بذاك أدين الله سرا وجهرةولست وإن عوتبت فيه بمعتب

وهؤلاء بعد محمد بن الحنفية اختلفوا في وصيته بها على أقوال ليس هذا موضعها وأكثر الإمامية ساقوها من علي عليه السلام إلى ولده الحسن وبعد موته منهم شذاذ قالوا: هي لابنه الحسن الملقب بالرضا، ومنهم من نقلها إلى غيره أيضا، والأكثر قالوا: هي لأخيه الحسين، واختلفوا بعد قتله فمنهم من قال: هي لابن الحنفية ومنهم من قال: هي لزيد والأكثر قالوا: هي لزين العابدين عليه السلام.

(17)
فصل


افترقت الزيدية ثلاثا: السليمانية، والصالحية، وهما قائلان بإمامة الشيخين لرضا علي بهما، ولو لم يرض لهلكا، والمطاعن الواردة على الجمهور كافية في إبطال هاتين.

وأما الجارودية وهي الفرقة الثالثة فتبرؤا من الثلاثة وطعنوا عليهم، وهؤلاء لم يشترطوا العصمة، والنص الجلي، ونحن قد بينا اشتراطهما، وفي أئمتنا حصولهما، واكتفوا في تعيين الإمام، بالدعوة والقيام.

قلنا: الإمامة أعم من [ القيام ] إذ كم من قائم كاذب، ولو كان القيام شرطا مع أنه لم يجز إيقاعه إلا من الإمام، لزم الدور، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله الإمامة في الحسنين سواء قاما أو قعدا، فليس القيام شرطا.


الصفحة 270
ولأنه عندهم يجوز تعدد القائمين، فيبايع كلا قوم، فيقع الحرب الموجب لعدم النوع، وذلك يناقض فائدة الإمام، ولأن تعيين الإمام إما من نفسه، أو من الرعية، ويبطل هذين ما أبطل الاختيار، وإما من الله وذلك هو النص منه، أو من رسوله، أو إمام حكم بصدقه، فبطل اشتراط القيام.

إن قيل: لم لا يجوز أن يكون بإيجاد الشرائط فيه، وهي الولادة من الحسن أو الحسين والعلم والشجاعة والزهد والقيام وعلائم تجري مجرى النص عليه.

قلنا: أولا فأنتم لا تقولون بالنص الفعلي، وأما ثانيا فالصفات إن كانت من عند غير الله، لم تكن نصا من الله، وإن كانت منه فمن أين علمتم أن إيجادها فيه دليل الإمامة؟ وبهذا يبطل القسم الثالث وهو كون بعضها من الله، وبعضها من غيره هذا.

وقد روى ابن بابويه عن الرضا عليه السلام لما قيل له: إن زيدا ادعى الإمامة وقد جاء في ذلك ما جاء فقال: إن زيدا كان أتقى لله من ذلك، وإنما دعا إلينا.

تنبيه:

قال سليمان بن جرير شيخهم: وضعت الرافضية مقالتين لا يظهر معهما لأئمتهم على خطأ لتتم لهم العصمة، أولاهما البداء، فإذا أخبروهم بأنهم تملكوا فلم يكن قالوا: بدا لله فيه، وثانيهما كلما تكلموا بشئ فظهر بطلانه قالوا: خرج على التقية.

قلنا: لا يرتاب في كون ذلك عنادا وبغضا، وقد جاء عن الصادق عليه السلام النواصب أعداؤنا والزيدية أعداؤنا وأعداء شيعتنا، فأما البداء فلم يقل به أحد منا(1) نعم يجوز النسخ وقد عرف في الأصول الفرق بينهما وأما التقية فلم ينفك أحد منها ولا يمكن عاقل إنكارها لدفع الضرر بها، لمجيئها في آيات القرآن (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان(2)) (إلا أن تتقوا منهم تقاة(3)) (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة(4)).

____________

(1) يعني بالمعنى الذي يستلزم الجهل.

(2) النحل: 106.

(3) آل عمران: 28.

(4) البقرة: 195.


الصفحة 271
على أن الزيدية في دولة العباسيين نقلوا مذهبهم من اليقاطين إلى الجرار تحت الأرض، حتى سمي مذهبهم مذهب الجرة، وكم عدت إساءات لقوم وهي إحسان.

(18)
فصل


القائلون بإمامة زين العابدين عليه السلام اختلفوا بعد موته، فمنهم من خرج بها عن ابنه محمد الباقر، والأكثرون أثبتوها له، والمثبتون منهم من قال بعدم موته والأكثرون أثبتوه، واختلفوا فمنهم من قال: هي لعبد الله بن الحسن، ومنهم من قال: هي لأبي منصور العجلي، والأكثرون قالوا إنه ابنه جعفر الصادق عليه السلام.

وهؤلاء اختلفوا فقالت الناووسية: إنه لم يمت بل غاب، ورووا عنه أنه قال: لو رأيتم رأسي يدهده عليكم من الجبل لا تصدقوا فإني صاحبكم صاحب السيف ومن أخبركم أنه غسلني وكفنني ودفنني فلا تصدقوه، فإني صاحبكم، و هؤلاء انقرضوا.

وقال آخرون بعدم غيبته: بل يراه أولياؤه، وقال الأكثر بموته، ثم اختلفوا فقالت فرقة إنه يرجع وهو القائم، وقالت طائفة: الإمام ابنه الأفطح وأخرى إسماعيل، وأخرى محمد، وقال الأكثرون أنه موسى، وقالت الفضيلية كانت الإمامة في الأربعة بالاشتراك، وقيل: أوصى بها إلى موسى الطبري وقيل:

إنه بزيع.

وقالت الأقمصية أنه معاذ، والجعدية أنه أبو جعدة، والتميمية أنه عبد الله ابن سعيد التميمي والقائلون بإمامة الكاظم عليه السلام اختلفوا فالممطورة شكت في موته والأكثرون قالوا هو ابنه علي الرضا عليه السلام.


الصفحة 272
واختلفوا بعده فمنهم من لم يقل بإمامة محمد ابنه لصغره، والأكثرون قالوا به، ولا يضر صغره كما في نبوة عيسى، واختلفوا بعده فمنهم من قال بابنه موسى والأكثرون قالوا: ابنه علي الهادي، ومن هؤلاء شذاذ زعموا أنه لم يمت، و الأكثرون قطعوا به.

واختلفوا من بعده، فمنهم من قال بابنه جعفر، والأكثرون قالوا بأنه الحسن العسكري، ثم اختلفوا فيه فقال قوم: لم يمت، وقال آخرون: مات و سيجئ، وقيل: بل أوصى إلى أخيه جعفر، وقيل: إلى أخيه محمد، وقال الأكثرون:

أوصى إلى ولده محمد وهو القائم المهدي الذي لا يحتمل المرا، ممن انصرف من الورا ولا يشك فيه من قراودرا.

وقد أوردنا في كتابنا هذا في الأئمة الاثني عشر طرفا من النصوص، وذكرنا فيه ما جاء عن كل واحد من المعاجز بالخصوص، وهذه الاختلافات لا اعتداد بها لشذوذها، بل أكثرها لا وجود لها، وفي انقراضها بطلان قولها.

إن قلت: فذا لا يتم في الإسماعيلية، قلت: سنبين أنهم خارجون عن الملة الحنيفية بالاعتقادات الرديئة، وذلك أنهم قالوا: كل ظاهر فله باطن، وأن الله بتوسط كلمة (كن) [ أوجد ] عالمي الخلق والأمر، فجعلوه محتاجا في فعله إلى الواسطة والآلة.

وقالوا: إن العالمين ينزلان من الكمال إلى النقصان، ويعودان من النقصان إلى الكمال، وهكذا دائما وهذا يقتضي قدم (كن) ويلزمه قدم العالم وأبديته لأن (كن) إن كانت حادثة فقد سبقها مثلها، ويتسلسل أو يدور، ولأن المخاطب بها إما موجود فعبث، أو معدوم فقبيح.

وقالوا: العلم بالله لا يحصل بدون الإمام، وفي هذا دور ظاهر، وقد اعتذر لهم عن هذا بأنهم يقولون: بمساعدته لكمال عقله.

وقالوا: الإمام؟ مظهر العقل، وهو الحاكم في العالم الباطن، والنبي مظهر النفس، وهو الحاكم في العالم الظاهر ففضلوا الإمامة على النبوة حيث جعلوا

الصفحة 273
الإمامة مظهرا للأشرف وهو العقل، وحاكمة في الباطن، فظهر من هذا الكلام خروجهم عن الاسلام.

احتجوا بأن إسماعيل هو الأكبر ويجب النص على الأكبر، قلنا: الأكبرية لا توجب الإمامة كما لا توجب النبوة ولو سلم فإنما ذلك لو بقي الأكبر بعد أبيه، و إسماعيل مات في حياة أبيه، فالنص عليه من الله أو من أبيه عبث وسفه وكذب، ولم يرو؟ أحد عن أبيه نصا فيه وأما ادعوه منه فكذب عليه.

إن قيل: إمامته لا يبطلها موته قبل أبيه، كما أن خلافة هارون عندكم لم يبطلها موته قبل أخيه قلنا: الكلام في خليفته الذي أوصى إليه القيام بعد موته، فلو كان لا خليفة له في البرية، دخل في الموتة الجاهلية، ولهذا أوصى موسى إلى يوشع بعد موت أخيه.

احتجوا بقول أبيه: ما بدا لله في شئ كما بدا في إسماعيل قلنا: فلا يقع منه البداء في الإمامة، وقد روي عنهم عليهم السلام مهما بدا لله فلا يبدو في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته، ولا مؤمن قد أخذ الله عهده بالإيمان عن إيمانه.

والبداء الذي ذكره عليه السلام في ابنه هو القتل فقد روي عنه أنه قال: إن الله كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين فسألته فيه فعفى عنه، فما بدا له في شئ كما بدا له في إسماعيل. وإذا بطلت إمامته بطلت إمامة ابنه محمد كما قيل فيه، فإن المتفرع على الفاسد فاسد.

ومنهم من زعم أن الصادق عليه السلام بعد موت إسماعيل نص على ابنه محمد بن إسماعيل، بناء على أن القياس يقتضي نقلها من إسماعيل إلى ابنه إذ هو أحق الناس به قلنا: قد أبطلنا النص على إسماعيل ولو سلم فالإمامة ليست بالمواريث، وإلا لاشترك وراث الإمام جميعهم فيها، وإنما هي تابعة لصفات مخصوصة، ومصلحة معلومة.

وأما القائلون بإمامة محمد بن جعفر الصادق عليه السلام فشذاذ جدا، وقد انقرضوا احتجوا بأن أباه مسح التراب عن وجهه، وضمه إلى صدره، وحكى عن أبيه الباقر أنه سيولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي فإنه على سنة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله.


الصفحة 274
قلنا: لا نسلم ورود ذلك، ولو سلم فهو خبر واحد لا يوجب علما، ولو سلم فليس فيه دليل النص عرفا، ولا فحوى، ولا عادة، على أن محمدا ظهر بالسيف ودعا إلى نفسه، وتسمى بأمير المؤمنين، وذلك منكر. إلا علي عليه السلام حيث سماه به النبي صلى الله عليه وآله.

وأما الفطحية فلم يدعوا على عبد الله نصا من أبيه، بل عملوا على ما رووه من أن الإمامة لا تكون إلا في الأكبر، وهذا الحديث لم يذكر إلا مقيدا بعدم العاهة، وهو أن الإمامة في الأكبر ما لم يكن به عاهة، ومن المتواتر أنه كان من المرجئة، ولم يرو عنه شئ من الحلال والحرام، وامتحن بمسائل صغار، لما ادعى الإمامة، فلم يجب فيها بشئ من الأحكام، ولا علة في الدين آكد من هذه الأشياء ولولاها لم يجز من الله صرف النص عنه، وإلا لنقل وظهر، وعلم ما قد قال فيه أخوه الكاظم عليه السلام.

(19)
فصل


القائلون بإمامة الكاظم عليه السلام منهم شذاذ أنكروا موته، وقالوا: هو المهدي، و آخرون أقروا بموته، وقالوا: سيبعث وهو المهدي.

احتجوا بما رووا أن الصادق عليه السلام دخل على أم موسى وقت ولادته، وقال لها: بخ بخ حل الملك في بيتك، قلنا: إذا سلم الخبر لم يدل حلول الملك على الإمامة إذ هو أعم من الإمامة، ولو سلم أنه الإمام فمن أين لهم أنه القائم بالسيف إذ من الجائز أن يكون هو القائم بأمر أبيه فلا مهدوية له.

ثم إنهم يعارضون بالواقفة قبلهم فأنكرت المحمدية موت النبي صلى الله عليه وآله و السبائية موت علي، والكيسانية موت محمد بن الحنفية، والمفوضة قتل الحسين والناووسية موت الصادق، فبما يكسرون هذه المذاهب ينكسر مذهبهم.


الصفحة 275
وأما القائلون بإمامة الرضا عليه السلام فاختلفوا، فشذوذ منهم رجعوا عن إمامته إلى الوقف على موسى، فشاركوا الواقفية في الإبطال السالف، وآخرون مثلهم قالوا: إن الرضا أوصى بها إلى أحمد بن موسى، واعتل الفريقان بصغر الجواد عليه السلام ولم يتفطنوا أن الله خص الأنبياء والأولياء(1) بالأحلام قبل الاحتلام فقال عيسى في مهده: (وجعلني نبيا(2)) وقال الله في يحيى: (وآتيناه الحكم صبيا(3)) ودعا النبي إلى الاسلام عليا ولم يدع غيره صبيا، وأتى بالسبطين إلى لبهال، ولم يباهل بغيرهما من الأطفال.

وآخرون منهم قالوا: أوصى إلى ابنه محمد، وقد كان مات في حياة أبيه، فأنكروا موته، وقالوا: هو المهدي.

وأما القائلون بإمامة الجواد فشذت منهم فرقة إلى القول بعده بمحمد ابنه ثم رجعوا إلى الحق وانضموا إلى الباقين، وقالوا بإمامة الهادي، وزعمت فرقة أن الإمام بعد الجواد أخوه جعفر، وهؤلاء لا دليل عندهم، ولا تواتر لهم لشذوذهم وقلتهم.

وأما القائلون بإمامة الهادي فافترقوا، منهم من قال: إنه حي، والأكثرون قطعوا بموته، واختلفوا فشذت منهم طائفة بالقول بإمامة ابنه جعفر، وآخرة قالت:

بإمامة ابنه محمد، وأنه بعث بعد موته بمواثيق الإمامة مع غلام له يقال له: نفيس إلى أخيه جعفر، فدفعها إليه وكان جعفر الإمام بعد أخيه، ويبطل ذلك موت محمد في حياة أبيه، وعدم نصه عليه، وعدم حصول العلم والعلائم فيه، والجمهور قالوا:

بإمامة ابنه العسكري.

وأما القائلون بإمامة العسكري فاختلفوا فيه، فقالت فرقة: إنه لم يمت بل غاب، وسيعود، وهو القائم المنتظر، فإذا قلنا ما الفصل بينهم وبين الفرقة الواقفة

____________

(1) الأوصياء خ ل.

(2) مريم: 32.

(3) مريم: 14.