ص 103
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية (1): الفاسق باعتقاده إذا كان متحفظا في دينه
فإن شهادته مقبولة وأن حكمنا بفسقه كأهل البدع والأهواء الذين لا نكفرهم كالرافضة
والخوارج والمعتزلة ونحوهم، هذا منصوص الأئمة ولم يزل السلف والخلف على قبول شهادة
هؤلاء وروايتهم وإنما منع الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله قبول رواية الداعي
المعلن ببدعته وشهادته والصلاة خلفه هجرا له وزجرا لينكف ضرر بدعته عن المسلمين ففي
قبول شهادته وروايته والصلاة خلفه واستقضائه وتنفيذ أحكامه رضى ببدعته وإقرار له
عليها وتعريض لقبولها منه ا ه (2). وقال بعده بقليل: إذا غلب على الظن صدق الفاسق
قبلت شهادته وحكم بها، والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق فلا يجوز رده مطلقا بل
يتثبت فيه حتى يتبين هل هو صادق أو كاذب، فإن كان صادقا قبل قوله وعمل به وفسقه
عليه، وإن كان كاذبا رد خبره ولم يلتفت إليه، وخبر الفاسق وشهادته لرده مأخذان
أحدهما: عدم الوثوق به إذ تحمله قلة مبالاته بدينه ونقصان وقار الله في قلبه على
تعمد للكذب، الثاني: هجره على إعلانه بفسقه ومجاهرته به فقبول شهادته إبطال لهذا
الغرض المطلوب شرعا، فإذا علم صدق لهجة الفاسق وأنه من أصدق الناس فلا وجه لرد
شهادته، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وآله هاديا يدله على طريق المدينة وهو مشرك
على دين قومه ولكن لما وثق بقوله أمنه ودفع إليه راحلته وقبل دلالته.
(هامش)
(1) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط القاهرة 1372 / 1953 تحقيق محمد حامد
الفقي. (2) الطرق الحكمية ص 173. (*)
ص 104
وقد قال أصبغ بن الفرج (1): إذا شهد الفاسق عند الحاكم وجب عليه التوقف في القضية
وقد يحتج له بقوله تعالى (إن جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا) (2)، ومدار قبول الشهادة
وردها على غلبة ظن الصدق وعدمه والصواب المقطوع به أن العدالة تتبعض فيكون الرجل
عدلا في شيء فاسقا في غيره، ومن عرف شروط العدالة وعرف ما عليه الناس تبين له
الصواب في هذه المسألة ا ه.
(فصل): وما سمعته في مطاوي فحاوي هذه النقول من الخلاف
في أصل المسألة إنما هو في لسان المخالف لا في عمله وفي مقاله لا في تصرفه فإنهم
مجمعون على توثيق المبتدعة وقبول روايتهم والاحتجاج بأخبارهم لم يخالف في ذلك أحد
منهم أصلا، فهذا مالك يتشدد في الرواية عن المبتدعة وينهى عنها، ثم يروي عن جماعة
منهم ويحتج بأحاديثهم، كثور ابن زيد الديلي (3)، وثور بن يزيد الشامي (4)، وداود بن
الحصين (5) وهم خوارج قدرية، وعدي بن ثابت (6) وهو شيعي بل قالوا فيه: رافضي،
والصلت بن زبيد (7) وهو مرجئ، وغيرهم.
(هامش)
(1) الفقيه الحافظ الأموي المتوفى 225، تذكرة الحفاظ 2: 457، مرآة الجنان 2: 86،
مختصر دول الإسلام 1: 105، الديباج 97. (2) سورة الحجرات 49. (3) ميزان الاعتدال 1:
373. (4) تهذيب التهذيب 2: 33، خلاصة تذهيب الكمال: 50. (5) ميزان الاعتدال 2: 5
أبو سليمان المدني المتوفى 135. (6) خلاصة تذهيب الكمال 123، تقريب التهذيب 2: 16.
(7) تعجيل المنفعة ص 192.
ص 105
وقد حكى البرقي في الطبقات (1): إن مالكا سئل كيف رويت عن داود بن الحصين، وثور
بن زيد، وذكر غيرهما، وكانوا يرمون بالقدر فقال: كانوا لأن يخروا من السماء إلى
الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا كذبة، كما قال الشافعي في حق إبراهيم بن يحيى (2)
القدري الشيعي وقيل فيه أيضا: رافضي لما سئل عن الرواية عنه لإن يخر إبراهيم من جبل
أحب إليه من أن يكذب وكان ثقة في الحديث، ولهذا كان يقول: حدثنا الثقة في حديثه
المتهم في دينه، كما كان ابن خزيمة يقول في عباد بن يعقوب (3) أحد رجال البخاري:
حدثنا الصادق في روايته المتهم في دينه، وهذا أحمد بن حنبل يبالغ في التنفير من
الرواية عنهم والتشديد فيها حتى كان يمنع ولده عبد الله من الكتابة عمن أجاب في
المحنة كما سبق، ثم يروي عن كثير منهم ويحتج لمذهبه بأحاديثهم حتى احتج بغلاتهم
كعمران بن حطان، وتلميذه صالح بن سرح ورشيد الهجري وجابر الجعفي وأضرابهم من أهل
الغلو وكم لهم من نظير في مسنده (4). وقد روى عن عبد الرزاق ما لعله يبلغ نصف مسنده
(5) وفي عبد الرزاق يقول ابن معين: لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه كما نقله
الذهبي عن الحاكم في ترجمة ابن رميح من طبقات الحفاظ (6) وقد سأل عبد الله بن
أحمد أباه فقال له: لم رويت عن أبي معاوية الضرير
(هامش)
(1) محمد بن عبد الرحيم البرقي المتوفى 249، الديباج الذهب 233. (2) أعيان الشيعة
5: 511. (3) ميزان الاعتدال 2: 379. (4) تهذيب التهذيب 8: 127، اللسان 2: 88، 460
وج 3: 169. (5) يعني أن أحمد الإمام روى نصف مسنده عن عبد الرزاق الصنعاني. (6)
تذكرة الحفاظ 3: 930، أحمد بن محمد بن رميح النسوي النخعي المتوفى 357. (*)
ص 106
وكان مرجئا ولم ترو عن شبابة بن سوار وكان قدريا؟ فقال: لأن أبا معاوية لم يكن يدعو
إلى الارجاء وشبابة كان يدعو إلى القدر، وهذا من الإمام أحمد رحمه الله عذر غير
مقبول فإنه أكثر من الاحتجاج بأحاديث الدعاة الغلاة كمن سمينا وغيرهم، وهكذا حال
الباقين ممن نقل عنه كلام في منع الرواية عن المبتدعة كشريك فإنا وجدناه يروي عن
كثير منهم كالصلت بن بهرام (1) وغيره، على أنه هو متهم أيضا بالقدر فهذا صنيع
المتقدمين، وأما المتأخرون فقد أجمعوا على صحة أحاديث الصحيحين وتلقيها بالقبول مع
إخراج صاحبيها للمبتدعة والاكثار من الرواية عنهم، وقد ذكر الذهبي في ترجمة أبي
أحمد الحاكم من الطبقات (2) أنه قال: سمعت أبا الحسن الغازي يقول: سألت البخاري
عن أبي غسان فقال: عما تسأل عنه؟ قلت: شأنه في التشيع، فقال: هو على مذهب أئمة أهل
بلده الكوفيين، ولو رأيتم عبيد الله بن موسى وأبا نعيم وجميع مشايخنا الكوفيين لما
سألتمونا عن أبي غسان يعني لشدتهم في التشيع، وقد جمع الحافظ أسماء من روى لهم
البخاري منهم فسمى نحو السبعين وما أراه استوعب. وأما صحيح مسلم ففيه أكثر من ذلك
بكثير حتى قال الحاكم: إن كتابه ملآن من الشيعة، فهذا كما ترى إجماع على قبول رواية
المبتدعة كما قال الحافظ في مقدمة الفتح: إن جمهور الأئمة أطبقوا على تسمية
الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيحين فهو بمثابة
إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما ا ه (3). *
(هامش)
*(1) تهذيب التهذيب 4: 432. (2) تذكرة الحفاظ 3: 976، محمد بن محمد بن أحمد المتوفى
378. (3) مقدمة الفتح الباري 1: 20 - 25. (*)
ص 107
وسبقه إلى ذلك ابن دقيق العيد فقال في مختصره: إن اتفاق الناس على تسمية كتابيهما
بالصحيحين يلزم منه تعديل رواتهما ا ه. ويلزم منه أيضا قبول رواية المبتدعة لكنهم
خالفوا هذا الفعل بألسنتهم كما قال ابن القيم في (الطرق الحكيمة) عند تقرير رواية
المبتدعة وشهادتهم: هذا هو الصواب الذي عليه العمل وإن أنكره كثير من الفقهاء
بألسنتهم ا ه. وقال الأمير الصنعاني في (إرشاد النقاد): قد يصعب على من يريد درك
الحقائق وتجنب المهاوي والمزالق معرفة الحق من أقوال أئمة الجرح والتعديل، بعد
ابتداع هذه المذاهب التي طال فيها القال والقيل وفرقت كلمة المسلمين وأنشأت بينهم
العداوة والبغضاء وقدح بعضهم في بعض وانتهى الأمر إلى الطامة الكبرى من التفسيق
والتكفير، فترى عالما يقدح في راوية كان يقول بخلق القرآن أو بقدم القرآن والقول
بالقدر والإرجاء والنصب والتشيع، ثم تراهم يصححون أحاديث جماعة من الرواة قد رموهم
بتلك الفوادح، ألا ترى أن البخاري أخرج لجماعة رموهم بالقدر وكذلك مالك ومسلم، وهذا
من صنع أئمة الدين قد يعده الواقف عليه تناقضا ويراه لما قرروه معارضا وليس الأمر
كذلك، فإنه إذا حقق صنيع القوم وتتبع طرائقهم وقواعدهم علم أنهم لا يعتمدون بعد
إيمان الراوي إلا على صدق لهجته وضبط روايته ا ه.
(فصل): وكذلك ما اشترطوه في قبول
رواية المبتدع من أن يكون غير داعية فإنه باطل في نفسه

مخالف لما هم مجمعون في
تصرفهم عليه، وإن أغرب ابن حبان فحكى إجماعهم على اشتراطه فقال: إن الداعية إلى
البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا ا ه.
ص 108
ووافقه الحاكم فيما نقله ابن أمير الحاج (1) وإن تقدم عليه ما يخالفه فإن هذا ناشئ
عن تهور وعدم تأمل، ويكفي في إبطاله ما تقدم عن جماعة من الأئمة كالثوري وأبي حنيفة
وأبي يوسف وابن أبي ليلى وآخرين، من قبول رواية المبتدع مطلقا سواء كان داعية أو
غير داعية، وعن جماعة من أهل الحديث والكلام من قبول روايته ولو كان كافرا ببدعته،
فكيف وقد احتج الشيخان والجمهور الذين منهم ابن حبان والحاكم الحاكيان لهذا الإجماع
بأحاديث الدعاة كحريز بن عثمان وعمران بن حطان وشبابة ابن سوار وعبد المجيد الحماني
وأضرابهم، بل قد فسروا الدعاية بالاعلان والأظهار وإن لم تحصل دعوة بالفعل لأنه متى
أعلن مذهبه ونشره بين الناس كان الغرض من ذلك الدعاية إليه بتحسينه وترويجه، وحينئذ
فكل مبتدع داعية إلا القليل النادر فما فائدة هذا الاشتراط، ثم هو أيضا باطل من جهة
النظر والدليل، فإن الداعية لا يخلو أن يكون دينا ورعا أو فاسقا فاجرا، فإن كان
الأول فدينه وورعه يمنعانه من الإقدام على الكذب، وإن كان الثاني فخبره مردود لفسقه
وفجوره لا لدعوته، فبطل هذا الشرط من أصله.
(فصل): وأما اشتراط كونه روى ما لا يؤيد
بدعته فهو من دسائس النواصب التي دسوها بين أهل الحديث

ليتوصلوا بها إلى إبطال كل
ما ورد في فضل علي عليه السلام، وذلك أنهم جعلوا آية تشيع الراوي وعلامة بدعته هو
روايته فضائل على عليه السلام، كما ستعرفه، ثم قرروا أن كل ما يرويه المبتدع مما
فيه تأييد لبدعته فهو مردود ولو كان من الثقات، والذي فيه تأييد التشيع في نظرهم هو
فضل علي وتفضيله
(هامش)
(1) محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان شمس الدين الحنفي المتوفى 879،
الضوء اللامع 9: 210، شذرات 7: 328. (*)
ص 109
فينتج من هذا أن لا يصح في فضله حديث كما صرح به بعض من رفع جلباب الحياء عن وجهه
من غلاة النواصب كابن تيمية وأضرابه، ولذلك تراهم عندما يضيق بهم هذا المخرج ولا
يجدون توصلا منه إلى الطعن في حديث لتواتره أو وجود في الصحيحين يميلون به إلى مسلك
آخر وهو التأويل وصرف اللفظ عن ظاهره، كما فعل حريز بن عثمان (1) في حديث أنت مني
بمنزلة هارون من موسى، وكما فعل ابن تيمية في أكثر ما صح من فضائله بالنسبة إلى
اعترافه. وقد حكى ابن قتيبة وهو من المتهمين بالنصب لهذا المذهب عن قبله من
المتقدمين، كما أنهم يفعلون ضد ذلك بالنسبة لأعدائه، فيقول الذهبي في حديث: اللهم
اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما في النار دعا أنه من فضائل معاوية، لقول النبي صلى
الله عليه وآله وسلم: اللهم من سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة، وقد راجت
هذه الدسيسة على أكثر النقاد فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل ويجرحون راويها
بفسق التشيع ثم يردون من حديثه ما كان في الفضائل ويقبلون منه ما سوى ذلك، ولعمري
إنها لدسيسة إبليسية ومكيدة شيطانية كاد ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية
لولا حكم الله النافذ والله غالب على أمره يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (2)، وأول من علمته صرح بهذا الشرط
وإن كان معمولا به في عصره إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (3) المعروف بين أهل الجرح
والتعديل بالسعدي وهو أحد شيوخ الترمذي وأبي داود والنسائي وكان من غلاة
(هامش)
(1) الرحبي الحمصي المتوفى 163، تهذيب التهذيب 2: 237. (2) سورة التوبة 39. (3)
المتوفى 256 / 259 تذكرة الحفاظ 2: 549. (*)
ص 110
النواصب بل قالوا: إنه حريزي المذهب على رأي حريز بن عثمان (1) وطريقته في النصب،
وكان حريز المذكور يلعن عليا سبعين مرة في الصباح وسبعين مرة بالعشي فقيل له في
ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي، ذكره ابن حبان (2). وقال إسماعيل بن عياش
(3): عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه (4)، وقيل ليحيى بن
صالح (5): لم لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان
لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة (6)، وأخباره في هذا كثيرة. وقد ذكر
الخطيب في ترجمته من تاريخ بغداد، والحافظ في ترجمة محمد بن حريز من اللسان: أن
الحافظ يزيد بن هارون قال: رأيت رب العزة في المنام فقال: يا يزيد لا تكتب عنه فإنه
يسب عليا (7)، فالجوزجاني كان على مذهب هذا الخبيث وطريقته في النصب وزاد عليه
بالتعصب في الجرح والتعديل، فكان لا يمر به رجل ممن فيه تشيع إلا جرحه وطعن في دينه
وعبر عنه بأنه زائغ عن الحق متنكب عن الطريق مائل عن السبيل، كما نبه عليه الحافظ
في مقدمة اللسان فقال: ومما ينبغي أن يتوقف في قبول
(هامش)
(1) تهذيب التهذيب 1: 182. (2) تهذيب التهذيب 2: 240، ميزان الاعتدال 1: 475. (3)
أبو عتبة العنسي الحمصي المتوفى 181، ميزان الاعتدال 1: 240. (4) تهذيب التهذيب 2:
239. (5) المتوفى 177، لسان الميزان 6: 262. (6) تهذيب التهذيب 2: 240. (7) تاريخ
بغداد 14: 337. (*)
ص 111
قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد فإن
الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدة انحرافه
في النصب وشهرة أهلها بالتشيع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة
وعبارة طلقة حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين
الحديث وأركان الرواية ا ه (1). ولما نقل عنه في مقدمة الفتح أنه قال في إسماعيل
بن أبان الوراق: مائلا عن الحق، قال ابن عدي يعني ما عليه الكوفيون من التشيع تعقب
ذلك بقوله: كان الجوزجاني ناصبيا منحرفا عن علي فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان
والصواب موالاتهما جميعا ولا ينبغي أن يسمع قول مبتدع في مبتدع ا ه (2). ونص على
ذلك في غير ترجمة منها: ترجمة المنهال بن عمرو فهذا الناصبي هو أول من نص على هذه
القاعدة فقال في مقدمة كتابه في (الجرح والتعديل) كما نقله عنه الحافظ في مقدمة
اللسان: ومنهم زائغ عن الحق صدوق اللهجة قد جرى في الناس من حديثه لكنه مخذول في
بدعته مأمون في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ من حديثهم ما يعرف إلا ما
يقوى به بدعتهم فيتهم بذلك (3) ا ه. فانظر كيف اعترف بأنه صدوق اللهجة مأمون
الرواية ثم اتهمه مع ذلك بالكذب والخيانة مما هو تناقض محض وتضارب صريح، ليؤسس بذلك
قاعدة التحكم في مرويات المبتدع الذي يقصد به المتشيع من قبول ما كان
(هامش)
(1) لسان الميزان 1: 11 - خطبة الكتاب. (2) مقدمة فتح الباري 2: 151، الكامل 1:
ورقة 108. (3) لسان الميزان 1: 11. (*)
ص 112
منها في الأحكام وشبهها، ورد ما كان منها في الفضائل حتى لا يقبل في فضل علي حديث
وهذا الشرط لو اعتبر لأفضى إلى رد جميع السنة إذ ما من راو إلا وله في الأصول
والفروع مذهب يختاره ورأي يستصوبه ويميل إليه مما غالبه ليس متفقا عليه، فإذا روى
ما فيه تأييد لمذهبه وجب أن يرد ولو كان ثقة مأمونا لأنه لا يؤمن عليه حينئذ غلبة
الهوى في نصرة مذهبه كما لا يؤمن المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته، فكما لا
يقبل من الشيعي شيء في فضل علي كذلك لا يقبل من غيره شيء في فضل أبي بكر، ثم لا
يقبل من الأشعري ما فيه دليل التأويل ولا من السلفي ما فيه دليل التفويض، ثم لا
يقبل من الشافعي ما فيه تأييد مذهبه، ولا من الحنفي كذلك، وهكذا بقية أصحاب الأئمة
الذين لم يخرج مجموع الرواة بعدهم عن التعلق بمذهب واحد منهم أو موافقته، خصوصا وقد
وجدنا في أهل كل مذهب من يضع الأحاديث ويفتريها لنصرة مذهبه. وحينئذ فلا يقبل في
باب من الأبواب حديث إلا إذا بلغ رواته حد التواتر أو كان متفقا على العمل به وذلك
بالنسبة لخبر الآحاد وما هو مختلف فيه قليل، وبذلك ترد أكثر السنة أو ينعدم المقبول
منها وهذا في غاية الفساد فالمبني عليه كذلك إذ الكل يعتقد أن مذهبه حق ورأيه صواب،
وكونه باطلا وبدعة في نفسه أمر خارج عن معتقد الراوي، ولهذا لم يعتبروا هذا الشرط
ولا عرجوا عليه في تصرفاتهم أيضا بل احتجوا بما رواه الشيعة الثقات مما فيه تأييد
مذهبهم، وأخرج الشيخان فضائل علي عليه السلام من رواية الشيعة كحديث أنت مني وأنا
منك أخرجه البخاري (1) من رواية عبيد الله بن موسى العبسي الذي أخبر البخاري
(هامش)
(1) صحيح البخاري 2: 208 ط مصر 1304. (*)
ص 113
عنه أنه كان شديد التشيع (1)، وحديث: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، أخرجه
مسلم من رواية عدي بن ثابت وهو شيعي غال داعية (2)، وهكذا فعل بقية الأئمة أصحاب
الصحاح والسنن والمصنفات الذين لا يخرجون من الحديث إلا ما هو محتج به وصرحوا بصحة
كثير منها، وذلك كثير لمتتبعه دال على بطلان هذا الشرط وغيره مما سبق وأنه لا يعتبر
في صحة الخبر وقبوله إلا ضبط الراوي وصدقه كما هو حال عبد السلام بن صالح راوي حديث
الباب وكثير من متابعيه كما أوضحناه والله المستعان. (الوجه الثاني): أنهم جرحوه
بالكذب ونكارة الحديث، وهذا الجرح بالنسبة له باطل مردود، فإن عبد السلام ما كان
كذابا ولا منكر الحديث، بل كان ثقة صالحا مأمونا صادقا كما قال: من خالطه وعرفه
وعاشره وخبره، وذلك أن الاعتماد في معرفة صدق الراوي وضبطه إنما هو على اعتبار
أحاديثه وتتبع مروياته، فإذا كانت موافقة لمرويات الثقات غير مخالفة للمعقول ولا
للشائع المعروف من المنقول عرف أنه صادق في حديثه ضابط لمروياته، وإن انفرد وأغرب
وخالف الثقات وأتى بالمنكرات عرف أنه ضعيف غير صادق في خبره ولا ضابط لما يرويه،
كما قال ابن الصلاح: يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات
(هامش)
(1) راجع التاريخ الكبير للبخاري ترجمة عبيد الله العبسي. (2) هذا الحديث غير موجود
في صحيح مسلم على اختلاف طبعاته ولماذا..؟ أنا لست أدري.. وأخرجه بهذا الإسناد جمع
حافل من أئمة الحديث والحفاظ الفطاحل كما في مسند الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
من الغدير وهو الحديث الأول من المسند المذكور. (*)
ص 114
المعروفين بالضبط والاتقان فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم
أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا كونه ضابطا ثبتا وإن وجدنا كثير
المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه ا ه. وكما قال مسلم في مقدمة
صحيحه: وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من
أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإن كان الأغلب من حديثه
كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله (1) ا ه. ولهذا تجد أهل الجرح والتعديل
يجرحون الراوي أو يعدلونه وبينهم وبينه قرون عديدة كما قال يحيى بن معين: إنا لنطعن
على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ مائتي سنة ذكره الذهبي في ترجمة ابن
أبي حاتم من طبقات الحفاظ (2) وذلك أنهم يتتبعون مروياته ويعتبرون أحاديثه فإن
وجدوها نقية ليس فيها ما يستنكر مع عدم انفراده بها أو بأكثرها علموا صدقه وضبطه،
وإن وجدوه يأتي بالمنكرات والغرائب نظروا فإن تابعه عليها مثله أو أقوى منه حكموا
ببراءته وصدقه أيضا، وإن لم يتابعه أحد نظروا في الرواة فوقه ودونه فإن كان فيهم
ضعيف أو مجهول احتمل أن تكون النكارة من أحدهم، كما قال الحافظ في اللسان في ترجمة
محمد بن نوح الإصبهاني الذي روى عن الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف
عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: طعام البخيل داء وطعام السخي شفاء، ورواه عنه أبو
العباس العدوي فقال القاضي عياض: الحمل فيه على العدوي أو على المقدام فتعقبه
الحافظ بقوله
(هامش)
(1) صحيح مسلم 1: 7. (2) تذكرة الحفاظ 3: 831. (*) /
ص 115
ولا يلصق الوهم بسبب إلا بعد معرفة محمد بن نوح ا ه (1). وإن كانوا ثقات معروفين
انحصرت التهمة وحكموا بأن الغرابة والنكارة منه فإن كان ذلك منه على سبيل القلة
والندرة احتملوه وعرفوا أنه قليل الضبط، وإن تكرر ذلك منه حكموا بضعفه لسوء حفظه
فردوا من حديثه ما انفرد به، لاحتمال أن يكون قد وهم فيه أو انقلب منه السند أو
المتن عليه وقبلوا ما تابعه عليه غيره لبعد احتمال الوهم والخطأ من الاثنين
والثلاثة، هذا إذا كان الحديث مما يحتمل أما إذا كان ظاهر الوضع واضح البطلان
وانفرد به عن الثقات فإنهم يحكمون عليه حينئذ بأنه كذاب وضاع، كقول ابن عدي في
إبراهيم بن البراء: ضعيف جدا حدث بالبواطيل وأحاديثه كلها مناكير موضوعة (2) ومن
اعتبر حديثه علم أنه ضعيف جدا متروك الحديث. وقول ابن حبان في إبراهيم بن أبي حية
(3): روى عن جعفر وهشام مناكير وأوابد يسبق إلى القلب انه المتعمد لها، وقول ابن
أبي حاتم (4) في إبراهيم بن عكاشة: روى عن الثوري خبرا منكرا دل على أنه ليس بصدوق
(5)، وقول النباتي صاحب الحافل في أحمد بن
(هامش)
(1) لسان الميزان 5: 408. (2) ميزان الاعتدال 1: 21، الكامل 1: ورقة 88. (3) المصدر
السابق 1: 29. (4) الحافظ عبد الرحمان بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي
الحنظلي الرازي المتوفى 327، طبقات الشافعية 2: 237، تذكرة الحفاظ 3: 46، مرآة
الجنان 2: 289، طبقات المفسرين 17، البداية والنهاية 11: 191، وطبع كتابه الجرح
والتعديل في حيدر آباد سنة 1371 / 1952. (5) لسان الميزان 1: 83، الجرح والتعديل 1
ق 1: 117. (*)
ص 116
الحسن الكوفي وقد روى حديثا منكرا: حق لمن يروي مثل هذا الحديث أن لا يكتب حديثه
(1)، وقول ابن حبان في أحمد بن محمد الحماني: راودني أصحابنا على أن أذهب إليه
فأسمع منه فأخذت جزءا لأنتخب فيه فرأيته حدث عن يحيى بن سليمان بن نضلة عن مالك عن
نافع عن ابن عمر مرفوعا: رد دانق من حرام أفضل عند الله من سبعين حجة مبرورة،
ورأيته حدث عن هناد عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: لرد دانق من
حرام أفضل من مائة ألف تنفق في سبيل الله، فعلمت أنه يضع الحديث فلم أذهب إليه،
وقول مسلمة بن قاسم في بكر بن سهل الدمياطي: تكلم الناس فيه ووضعوه من أجل الحديث
الذي حدث به عن يحيى بن سعيد بن كثير عن يحيى بن أيوب عن مجمع بن كعب عن مسلمة بن
خالد رفعه: أعروا النساء يلزمن الخجال (2). وقول الذهبي في جعفر بن حميد الأنصاري
وقد أسند حديثا من طريقه عن جده عمر بن أبان ما نصه: عمر بن أبان لا يدرى من هو
والحديث إنما دلنا على ضعفه (3)، وقول ابن أبي حاتم في الحسن بن رشيد: حديثه يدل
على الإنكار، وذلك أنه روى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: من جلس في حر مكة ساعة
باعد الله عنه جهنم سبعين خريفا (4). وقول ابن حبان في حميد بن على القيسي: أتيناه
بالبصرة فإذا شيخ مظهر للصلاح والخير فأملا علينا عن عبد الواحد بن غياث عن حفص
(هامش)
(1) لسان الميزان 1: 151. (2) لسان الميزان 2: 51، و1: 270، تاريخ ابن عساكر 2: 56.
(3) ميزان الاعتدال 1: 405. (4) ميزان الاعتدال 1: 490، الجرح والتعديل ق 2 ج 1:
14. (*)
ص 117
ابن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: الأذان والإقامة مثنى مثنى
اللهم فارشد الأئمة واغفر للمؤذنين فقلت: زدنا، قال: ثنا يحيى بن حبيب، ثنا خالد بن
الحارث، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا: أنه كان يصلي حتى
ترم قدماه، حدثنا هدبة، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس مرفوعا: إذا كان يوم القيامة بعث
الله على قوم ثيابا خضرا بأجنحة خضر فيسقطون على حيطان الجنة، فيقول لهم خزنة
الجنة: ما أنتم أما شهدتم الحساب أما شهدتم الموقف؟ قالوا: لا نحن عبدنا الله سرا
فأحب أن يدخلنا الجنه سرا، قال: فقمنا وتركناه وعلمنا أنه لم يتعمد فإنه لا يدري ما
يقول (1). قال الذهبي: يعني ابن حبان أنه ما أتى بهذه الأحاديث بين يدي الطلبة
الحفاظ إلا وهو لا يعي ما يخرج من رأسه (2)، وقول الخطيب: في الرواة عن مالك في
ترجمة الهيتم بن خالد الخشاب قال مطين: كان عبد الرحمن بن نمير قال: اذهب فاكتب عن
هيتم الخشاب فذهبت إليه ثم جئت فألقيت عليه هذا الحديث فقال: هذا قد كفانا مؤنته.
قال الخطيب: يعني أن رواية مثل هذا الحديث تبين حال راويه لأنه باطل لا أصل له (3).
وذكر الذهبي في كتاب (العلو) له حديثا في فضل علي والعباس بإسناد رجاله ثقات ثم
قال: هذا موضوع في نقدي فلا أدري من آفته وسفيان بن بشر ثقة مشهور ما رأيت فيه جرحا
فليضعف بمثل هذا ا ه (4).
(هامش)
(1) لسان الميزان 2: 365 نقلا عن ابن حبان. (2) لسان الميزان 2: 366. (3) ميزان
الاعتدال 4: 322، تاريخ بغداد 14: 62. (4) لم أجد لهذا الكتاب إشارة في ضمن مؤلفات
الذهبي. (*) /
ص 118
إلى غير ذلك. لكنهم قد يتهمون الراوي ويضعفونه بحديث يكون في الواقع بريئا منه
لوجود المتابعين له أو وجود المجاهيل في السند فوقه أو دونه، وكثيرا ما يقع هذا
لابن حبان من المتقدمين، ولابن الجوزي من المتأخرين، وربما وقع ذلك للذهبي أيضا حتى
قال الحافظ في ترجمة علي بن صالح الأنماطي من اللسان وقد اتهمه الذهبي بحديث هو برئ
منه ما نصه: ينبغي التثبت في الدين يضعفهم الذهبي من قبله ا ه (1).
(فصل): وأما ما يترتب عليه هذا الحكم وهو معرفة كون الحديث منكرا لا أصل له
فذلك بأمور

منها: ما
هو واضح جلى يشترك في معرفته كل من له دراية بالحديث كركاكة اللفظ والمعنى واشتماله
على المجازفات والافراط في الوعيد الشديد على الأمر اليسير، أو الوعد العظيم على
الفعل اليسير، وغير ذلك مما هو مذكور في كتب الموضوعات وأصول الحديث، ومنها: ما هو
خفي لا يدركه إلا البزل في هذا الشأن وأهمها أمران: (الأمر الأول): التفرد من
الراوي المجهول أو المستور أو من لم يبلغ من الحفظ والشهرة ما يحتمل معه تفرد ما
يجب أن يشاركه غيره فيه، أو في أصله تفردا بإطلاق أو بالنسبة إلى شيخ من الحفاظ
المشاهير كما قال مسلم في مقدمة صحيحه: إن حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في
قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في
بعض ما رووا ولو أمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا
ليس عند أصحابه قبلت زيادته، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه
الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما عند *
(هامش)
*(1) لسان الميزان 4: 235. (*)
ص 119
أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره
فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن
قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس ا ه (1).
ولهذا تجدهم يضعفون الراوي بقولهم: أتى بأحاديث لا يتابع عليها أو ينفرد ويغرب عن
الثقات ونحو هذا من العبارات، حتى أنهم يحكمون بضعفه وكذبه في أحاديث صحيحة أو
متواترة لا غرابة في أسنادها وانفراده بروايتها عن شيوخ ليست معروفة من روايتهم،
كقول الدارقطني في غرائب مالك عقب ما رواه من طريق أبي داود وإبراهيم بن فهد عن
القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، هذا
باطل (2). وقوله فيه أيضا عقب ما رواه أحمد بن عمر بن زنجويه عن هشام ابن عمار عن
مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه: البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته: هذا باطل بهذا
الإسناد (3). وقوله عقب ما رواه من طريق أحمد بن محمد بن عمران عن عبد الله ابن
نافع الصائغ عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف
صلاة: الحديث لا يثبت بهذا الإسناد وأحمد بن محمد مجهول (4). وقوله فيه أيضا عقب ما
رواه من طريق الحسن بن يوسف عن
(هامش)
(1) صحيح مسلم 1: 7 ط القاهرة 1374. (2) الموطأ ص 386 ط حيدر آباد. (3) سنن
الدارقطني 1: 34. (4) صحيح البخاري 7: 13. (*)
ص 120
بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه: اتقوا النار ولو بشق تمرة
(1): هذا منكر بهذا الإسناد لا يصح، ولما نقله الحافظ العراقي في ذيل الميزان عقبه
بقوله: رواته ثقات غيره فهو المتهم به عمدا أو وهما ا ه. مع أن هذه الأحاديث كلها
صحيحة مخرجة في الصحيحين ما عدا حديث البحر فإنه في الموطأ (2)، وله طرق متعددة
صححه بعض الحفاظ من أجلها. ونقل الذهبي في ترجمة إبراهيم بن موسى المروزي عن الإمام
أحمد أنه قال فيما رواه إبراهيم المذكور عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: طلب
العلم فريضة على كل مسلم: هذا كذب، قال الذهبي يعني بهذا الإسناد وإلا فالمتن له
طرق ضعيفة (3). وقال في ترجمة إسحاق بن محمد البيروتي من مناكيره روايته عن مالك عن
نافع عن ابن عمر قلت: يا رسول الله أرسل وأتو كل؟ قال: بل قيد وتوكل: هذا بهذا
الإسناد باطل، ويروى هذا بإسناد آخر فيه ضعف (4). وقال الحافظ في ترجمة أحمد بن
محمد بن الصلت من اللسان: ومن مناكيره روايته عن بشر الحافي عن إسماعيل بن أبي أويس
عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: ازهد في الدنيا يحبك الله، الحديث رواه ابن
عساكر في تاريخه (5)، وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل وإنما يعرف من حديث
(هامش)
(1) سنن الدارقطني 2: 125. (2) الموطأ ص 286 ط حيدر آباد. (3) ميزان الاعتدال 1:
69. (4) ميزان الاعتدال 1: 199. (5) لسان الميزان 1: 277، تاريخ ابن عساكر 2: 56.
(*)
ص 121
سهل بن سعد الساعدي بإسناد ضعيف (1). ونقل أيضا في ترجمة إسحاق بن مالك الحضرمي عن
الأزدي أنه قال: فيما رواه إسحاق المذكور عن يحيى بن الحارث الدماري عن القاسم عن
أبي أمامة رفعه: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب: لا يصح، قال الحافظ: يعني بهذا
الإسناد (2). وقال الذهبي في ترجمة موسى بن إبراهيم الدمياطي خبره باطل عن مالك عن
نافع عن ابن عمر: من بدل دينه فاقتلوه، فكتب عليه الحافظ وليس المتن باطلا وإنما
أطلق المصنف ذلك بالنسبة لهذا الإسناد (3). وقال الحافظ في (تعجيل المنفعة) في
ترجمة الربيع بن مالك قال البخاري: لم يثبت حديثه، وتبعه ابن أبي حاتم وهو في القول
إذا نزل المسافر منزلا وهو حديث صحيح مخرج في الصحيح لكن من طريق سعد بن أبي وقاص
عن خولة، وإنما نفى البخاري ثبوته من جهة هذا الإسناد الخاص ا ه (4). ولما نقل
الذهبي في ترجمة رزق الله بن الأسود عن العقيلي (5) أنه قال: حديثه منكر، وتعقبه
بأن المتن صحيح تعقبه الحافظ في اللسان بقوله: استدراك الذهبي المذكور يلزمه في
أحاديث لا تحصى في كتابه هذا فإنهم يضعفون الرجل برواية تتعلق بالإسناد دون المتن
إما أن يكون مقلوبا أو مركبا أو نحو ذلك مما يدل على ضعف الراوي وسوء حفظه ا ه
(6).
(هامش)
(1) لسان الميزان 1: 272. (2) المصدر السابق 1: 370. (3) المصدر السابق 6: 112. (4)
تعجيل المنفعة ص 125، الجرح والتعديل 1 ق 2: 468. (5) ميزان الاعتدال 1: 337. (6)
لسان الميزان 2: 458. (*)
ص 122
وقال الحافظ السيوطي في كتاب المبتدأ من اللآلئ المصنوعة (1) إعلم أنه قد جرت
عادة الحفاظ كالحاكم وابن حبان والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون على حديث بالبطلان من
حيثية سند مخصوص لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفا من
وجه آخر ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به فيغتر ابن الجوزي بذلك ويحكم
على المتن بالوضع مطلقا ا ه، إلى غير هذا مما قد ذكرت الكثير منه في حصول التفريج
بأصول التخريج (2). (الأمر الثاني): مخالفته للأصول والثابت المعروف من المنقول،
كما نقل ابن الجوزي عن بعضهم أنه قال: إذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف
المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع ا ه. فإذا وجدوا الحديث كذلك حكموا بوضعه
ولو كان رجاله ثقات، أو مخرجا في الصحيح كالحديث الذي رواه مسلم من طريق عكرمة بن
عمار عن أبي زميل عن عبد الله بن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان
ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وآله: ثلاث خلال أعطيهن قال: نعم، قال: عندي
أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم. الحديث (3)، فهذا
مخالف لما ثبت بالتواتر أن أم حبيبة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل إظهار
أبي سفيان للاسلام، زوجها إياه النجاشي وهي في الحبشة ثم قدمت على رسول الله صلى
الله عليه وآله قبل أن يظهر أبوها الإسلام، لا خلاف بين أهل
(هامش)
(1) في الأحاديث الموضوعة ط القاهرة 1317 في جز أين. (2) اللآلي المصنوعة 1: 54.
(3) صحيح مسلم 4: 1945. (*)
ص 123
السير والأخبار في ذلك (1)، ولهذا صرح ابن حزم وجماعة بأنه موضوع وقد أجاب عنه
جماعة بأجوبة متعددة ليس فيها ما يساوي سماعه أورد جميعها ابن القيم في جلاء
الأفهام (2) وبين بطلانها، والحق أنه موضوع حصل عن سهو وغلط لا عن قصد وتعمد،
والموضوع الذي هو من هذا القبيل موجود في الصحيحين كما نقل الحافظ شمس الدين ابن
الجزري في المصعد الأحمد (3) عن ابن تيمية أنه قال: إن الموضوع يراد به ما يعلم
انتفاء مخبره وإن كان صاحبه لم يتعمد الكذب بل أخطأ فيه وهذا الضرب في المسند منه
بل وفي سنن أبي داود والنسائي، وفي صحيح مسلم والبخاري أيضا ألفاظ في بعض الأحاديث
من هذا الباب ا ه. وكحديث الإسراء الذي رواه البخاري ومسلم (4) من رواية شريك فإن
فيه زيادات باطلة مخالفة لما رواه الجمهور وهم فيها شريك إلا أن مسلما ساق إسناده
ولم يسق لفظه، وكالحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا: يلقى إبراهيم
أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة الحديث، وفيه: فيقول إبراهيم: يا رب
إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي، إلا بعد الحديث فقد طعنوا
فيه بأنه مخالف لقوله تعالى: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها
إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه (5).
(هامش)
(1) صحيح مسلم - الهامش -) 4: 1945. (2) جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على
خير الأنام - كشف الظنون 1: 592. (3) المصعد الأحمد في ختم مسند أحمد ط القاهرة
1347 / 1929. (4) مفتاح كنوز السنة 42، صحيح مسلم 2: 217، شريك بن عبد الله بن أبي
نمر. (5) سورة التوبة 114. (*)
ص 124
وقال الإسماعيلي: هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف
الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك ا ه. وإن كان الحافظ قد أجاب عن
هذا بما يطلب من تفسير سورة الشعراء من الفتح له (1)، وكذلك طعن يعقوب بن سفيان في
حديث زيد بن خالد الجهني أن عمر قال: يا حذيفة بالله أنا من المنافقين، وقال: هذا
محال ا ه (2). ولكن هذا غير وأرد لأنه صدر من عمر رضي الله عنه، عند غلبة الخوف
وعدم أمن المكر أو على سبيل التواضع كما أجاب عنه الحافظ في مقدمة الفتح (3)،
وكالحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: خلق الله التربة يوم السبت، وذكر باقي
الأيام (4) فقد حكموا بوضعه لمخالفته نص القرآن في أن الخلق كان في ستة أيام لا في
سبعة، ولإجماع أهل الأخبار على أن السبت لم يخلق فيه شيء، وقد بين علته البيهقي في
الأسماء والصفات (5)، وأشار إلى بعضها ابن كثير في سورة البقرة (6) وأنه مما
غلط فيه بعض الرواة فرفعه، وإنما سمعه أبو هريرة من كعب الأحبار إلى غير ذلك من
أحرف وقعت في الصحيحين من هذا القبيل ترى الكثير منها في كلام ابن حزم على
الأحاديث، وأما ما هو خارج الصحيحين فكثير جدا، من ذلك استدلال الذهبي على بطلان
حديث المتعبد خمسمائة سنة على رأس جبل وفيه قول الحق سبحانه وتعالى:
(هامش)
(1) الفتح الباري 8: 404 - 405. (2) تهذيب التهذيب 3: 410. (3) مقدمة الفتح الباري
2: 129. (4) صحيح مسلم 8: 127. (5) ص 384 ط القاهرة 1358. (6) تفسير ابن كثير 1:
68، 69. (*) /
ص 125
/ قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فيجدوا نعمة البصر قد أحاطت بخمسمائة سنة وبقيت
نعمة الجسد له فيقول: ادخلوا عبدي النار.. الحديث، بأنه مخالف لقوله تعالى:
ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (1)، ذكر ذلك في ترجمة سليمان بن هرم من الميزان
(2). واستدلاله على بطلان حديث ميسرة: أن عليا عليه السلام نزل مسكنا فأمر بنبيذ
فنبذ في الخوابى فشرب وسقى أصحابه فأخذ رجلا قد سكر ليحده، فقال: يا أمير المؤمنين
تحدني على شراب قد سقيتنيه؟ فقال: ليس أحدك على الشراب إنما أحدك على السكر، بأن
هذا من صور التكليف بما لا يطاق، ذكر ذلك في ترجمة طالب بن عبد الله (3). واستدلاله
أيضا على بطلان حديث: من علق في مسجد قنديلا صلى عليه سبعون ألف ملك ومن بسط فيه
حصيرا فله من الأجر كذا وكذا، بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يوقد في
حياته في مسجده قنديل ولا بسط فيه حصير، ولو كان قال لأصحابه هذا لبادروا إلى هذه
الفضيلة، وسبقه إلى ذلك ابن حبان ذكره في ترجمة عاصم بن سليمان (4). واستدلاله أيضا
على بطلان حديث: أن الله أحيا لي أمي فآمنت بأنه مخالف لما صح أنه عليه الصلاة
والسلام استأذن ربه في الاستغفار لها فلم يؤذن له، ذكره في ترجمة عبد الوهاب بن
موسى (5). واستدلال
(هامش)
(1) سورة النحل 32. (2) ميزان الاعتدال 2: 227. (3) ميزان الاعتدال 2: 333 أن
الوقعة هذه كانت مع سيدنا عمر.. كما في الغدير 6: 251 - 261. (4) ميزان الاعتدال 2:
351، الثقات 1 ورقة 175. (5) المصدر السابق 2: 684. (*)
ص 126
بعض الحفاظ على كذب حديث: ما أنا وأمة سوداء سفعاء الخدين عملت بطاعة الله إلا سواء
بأن الله لم يجعل لنبيه عدلا من أمته، نقله الحافظ في ترجمة شداد بن عبيد الله من
اللسان (1). وقال الحافظ أبو موسى المديني في خصائص المسند (2): ومن الدليل على
أن ما أودعه الإمام أحمد رحمه الله تعالى مسنده قد احتاط فيه إسنادا ومتنا ولم يورد
فيه إلا ما صح عنده على ما أخبرنا أبو علي قال: ثنا أبو نعيم ح، وأنا ابن الحصين
قال: أنا ابن المذهب قال: أنا القطيعي، ثني عبد الله، ثنى أبي، ثنا محمد بن جعفر
قال: ثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أنه قال: يهلك أمتي هذا الحي من قريش، قالوا: فما تأمرنا يا
رسول الله قال: لو أن الناس اعتزلوهم. قال عبد الله: قال أبي في مرضه الذي مات فيه:
اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني
قوله: اسمعوا وأطيعوا، قال أبو موسى: وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذ لفظه عن
الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه (3). واستدلال الحافظ على كذب ابن بطة الحنبلي
الفقيه المشهور، وعلى وضع زيادة زادها في حديث كلم الله موسى، وهي قوله: من ذا
العبراني الذي يكلمني من الشجرة بأن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين، وسبقه
(هامش)
(1) لسان الميزان 3: 140. (2) محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الإصبهاني المتوفى 581
تذكرة الحفاظ 4: 1334، شذرات الذهب 4: 272، وفيات الأعيان 2: 615، طبقات الشافعية
4: 90، الروضتين 2: 68، طبقات القراء 2: 215. (3) مسند أحمد 2: 301 ط الأولى وج 15:
161 ط الثانية. (*)
ص 127
إلى ذلك ابن الجوزي واستدل هو والذهبي على بطلان حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه عن
ابن عمر، كان خاتم النبوة مثل البندقة من لحم مكتوب عليه محمد رسول الله، بمخالفته
الأحاديث الصحيحة في صفة ختم النبوة. واستدل الحافظ السيوطي على بطلان حديث من قال:
أنا عالم فهو جاهل بورود ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وأفرد لذلك جزأ سماه
أعذب المناهل (1) وأورد شواهده في الصواعق على النواعق (2) إلى غير ذلك. وقد أكثر
ابن الجوزي في موضوعاته من الحكم على الأحاديث بالوضع من هذا الطريق، وسبقه إلى ذلك
الجوزقاني في موضوعاته (3) فإنه بين فيه كما قال الذهبي: أحاديث واهية بمعارضة
أحاديث صحاح لها وهذا موضوع كتابه لأنه سماه (الأباطيل والمناكير والصحاح
والمشاهير) يذكر الحديث الواهي ويبين علته ثم يقول: باب في خلاف ذلك، ثم يذكر حديثا
صحيحا ظاهره يعارض الذي قبله، قال الذهبي: وعليه في كثير منه مناقشات ا ه. وكذلك
بين صنيعه هذا الحافظ السيوطي في أول كتاب الإيمان من اللآلي المصنوعة (4).
(فصل):
إذا تقرر هذا وعلمت أن جرح الراوي يكون بسبب
روايته للمنكرات والموضوعات

(هامش)
(1) أعذب المناهل في حديث من قال: أنا عالم فهو جاهل، كشف الظنون 1: 121. (2) ميزان
الاعتدال 1: 2 - المقدمة -. (3) أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني
المتوفى 259 / 256 تذكرة الحفاظ 2: 117، البداية 11: 31، تهذيب التهذيب 1: 181،
شذرات 2: 139. (4) اللآلي المصنوعة 1: 18 - 19. (*)
ص 128
وأن النكارة والوضع يعرفان بالتفرد ومخالفة الأصول،
فاعلم أن عبد السلام بن صالح لم يتفرد بشيء من مروياته ولا وقع فيها ما هو منكر
مخالف للأصول حتى يجرح ويحكم بكونه منكر الحديث، فإنهم حكموا عليه بذلك من أجل
روايته لحديث الباب، وحديث الإيمان إقرار بالقول، فقد قال الخطيب في ترجمته من
تاريخ بغداد: قد ضعف جماعة من الأئمة أبا الصلت وتكلموا فيه بغير هذا الحديث، ثم
نقل عن الدار قطني أنه قال: روى عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: الإيمان إقرار بالقول وعمل بالجوارح الحديث وهو متهم بوضعه لم يحدث
به إلا من سرقه منه ا ه (1). وكذلك فعل ابن الجوزي فإنه لم يورد له في الموضوعات
سوى هذين الحديثين وهو منهم تحامل لا دليل عليه ولا موجب له سوى موالاته لأهل البيت
كعادتهم مع غيره فإنه لم ينفرد بهذين الحديثين حتى يتهم بهما ويتحامل عليه من
أجلهما. أما حديث الباب فقد عرفت ما فيه، وأما حديث الإيمان فقد تابعه عليه جماعة
منهم: أحمد بن عامر بن سليمان الطائي (2) وعلي بن غراب وهو ثقة، وثقة ابن معين
والدار قطني، وقال أحمد: ما رأيته إلا صدوقا واحتج به النسائي (3)، وكذلك تابعه
محمد بن سهل البجلي (4) أخرج هذه المتابعات الثلاث الخطيب في التاريخ وتابعه أيضا
داود بن سليمان بن وهب الغازي، أخرجه أبو زكريا البخاري ففوائده.
(هامش)
(1) تاريخ بغداد 11: 47. (2) لسان الميزان 1: 190. (3) المتوفى 184 تهذيب التهذيب
7: 372. (4) تهذيب التهذيب 9: 207. (*)
ص 129
وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في التهذيب (1): تابع أبا الصلت على هذا الحديث
الحسن بن علي التميمي الطبرستاني عن محمد صدق العنبري، عن موسى بن جعفر، وتابعه
أحمد بن عيسى بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي، عن عباد بن صهيب عن
جعفر ا ه. قال الحافظ السيوطي: ومتابعتهما في فوائد تمام، وتابعه أيضا أحمد بن
محمد بن إبراهيم البلاذري الحافظ (2)، أخرجه الحافظ الشيرازي في الألقاب (3)،
وتابعه أيضا محمد بن زياد السهمي أخرجه الصابوني في المائتين، وتابعه أيضا محمد بن
أسلم أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4)، وتابعه أيضا عبد الله بن موسى بن جعفر
أخرجه ابن السني (5) في كتاب الأخوة والأخوات فهؤلاء تسعة متابعون، وله مع هذا
شواهد من حديث أبي قتادة وعائشة وأنس بن مالك وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله
وآخرين. وقد قرأت في ترجمة محمد بن عبد الله بن طاهر أبي العباس الخزاعي من تاريخ
الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن عبد الله
(هامش)
(1) تهذيب الكمال في أسماء الرجال لجمال الدين يوسف بن عبد الرحمان المزي الدمشقي
المتوفى 742، فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية 1: 185. (2) تذكرة الحفاظ 3: 892. (3)
ألقاب الرواة لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمان الشيرازي المتوفى 407 كشف الظنون 1:
157. (4) الجامع المصنف - خ - في شعب الإيمان: للبيهقي المتوفى 458، كشف الظنون 1:
574. (5) الحافظ أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المتوفى 364، تذكرة الحفاظ 3. 142،
طبقات الشافعية 2: 96، شذرات الذهب 3: 47. (*)
ص 130
ابن حمدويه النيسابوري، حدثني علي بن محمد المذكر، حدثنا محمد بن علي بن الحسين
الفقيه الرازي، حدثنا أبي، عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال: كنت واقفا على رأس أبي
وعنده أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو الصلت الهروي، فقال أبي: ليحدثني كل رجل
منكم بحديث فقال أبو الصلت: حدثني علي بن موسى الرضا وكان والله رضي كما سمي، عن
أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن
الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: الإيمان قول وعمل، فقال بعضهم: ما هذا الإسناد؟ فقال له أبي: هذا سعوط
المجانين، إذا سعط به المجنون برأ، فأقره أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على ذلك
ولم ينكراه (1). وقد ذكر السخاوي في المقاصد الحسنة ، والحافظ السيوطي في
التعقبات المفردة: أن الديلمي ذكر في مسند الفردوس أن علي ابن موسى الرضا عليه
السلام لما دخل نيسابور خرج علماء البلد في طلبه، يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه،
وأحمد بن حرب، ومحمد بن رافع، فتعلقوا بلجامه فقال له إسحاق: بحق آبائك الطاهرين
حدثنا بحديث سمعته من أبيك، فقال: ثنا العبد الصالح أبي موسى بن جعفر وذكر الحديث،
فأفاد هذا أن الحديث مشهور عن الرضا عليه السلام وأن عبد السلام بن صالح لم ينفرد
به (2)، ومن قلة حياء ابن حبان وابن طاهر المقدسي وعدم تعظيمهما لحرمة رسول الله
صلى الله عليه وآله أنهما تكلما في علي بن موسى الرضا عليه السلام، وعلى من لا
يحترم
(هامش)
(1) تاريخ بغداد 5: 418. (2) مسند الفردوس ص 7. (*)
ص 131
العترة الطاهرة من الله ما يستحقه، مع أن كلا منهما متهم مجروح، بل رمي ثانيهما
بالعظائم (1)، نسأل الله ستره ومعافاته آمين. ومع عدم تفرده به فالحديث موافق لما
جاء به القرآن، ونطقت به السنة المتواترة وأطبق عليه السلف الصالح من أن الإيمان
معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، فأي شيء ينكر في هذين الحديثين حتى يكذب
راويهما، ويحكم عليه بكونه منكر الحديث، وقد اعتبرنا من حديثه غير ما ضعفوه به فما
وقفنا له على حديث منكر ولا وجدنا له حديثا تفرد به، ولولا خوف الإطالة لأوردت من
ذلك ما حضرني الآن مع بيان متابعاته وشواهده. فإن قيل: إذا كان الأمر على هذا فما
الحامل لمن جرحه على جرحه مع أنه لم ينفرد ولم يأت بمنكر مخالف للأصول حتى يسوغ لهم
ذلك. قلنا: الحامل لهم أمور: (الأمر الأول): أنه قد يحصل منهم أو من بعضهم تشديد
وتغال في بعض الأحيان فيعدون كل تفرد منكرا، أو يضعفون كل من حصل منه ذلك وقد يبالغ
بعضهم فيكذب وذلك باطل مردود، فقد ضعفوا بهذا من هو أشهر وأحفظ من عبد السلام بن
صالح، كالحسن بن علي ابن شبيب المعمري الحافظ (2) صاحب التصانيف، كذبه فضلك الرازي
وجعفر بن الجنيد وموسى بن هارون لنفرده بأحاديث بين هو سبب تفرده بها لما كثر عليه
الإنكار (3)، وقال في حقه البرديجي (4): ليس بعجب
(هامش)
(1) لسان الميزان 5: 112 - 115. (2) المتوفى 295، تذكرة الحفاظ 2: 667. (3) لسان
الميزان 2: 222. (4) أبو بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي البغدادي المتوفى 301 /
303. تاريخ بغداد 5: 194، تذكرة الحفاظ 2: 746. (*)
ص 132
أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب، وقال الحافظ في اللسان:
قد استقر الحال على توثيقه وغاية ما قبل فيه: أنه حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وقد
قال الدارقطني: إنه رجع عنها، فإن كان قد أخطأ فيها كما قال خصمه فقد رجع عنها وإن
كان مصيبا فيها كما كان يدعي فذاك أرفع له ا ه (1). وكذلك الطبراني تكلم فيه ابن
مردويه وبعض معاصريه، وأجاب عنه الذهبي بقوله: لا ينكر له التفرد في سعة ما روى ا
ه. وكذلك عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأجاب عنه الذهبي بقوله: لا ينكر له
إذا انفرد بحديث بل وبعشرة يقال: كانت غلته في العام أربعين ألفا ينفقها على أصحاب
الحديث (2). وكذلك عبد الله بن صالح كاتب الليث تكلموا فيه لانفراده بأحاديث عن
الليث، وقد ذكر الحافظ في مقدمة الفتح: أن ابن عبد الحكم قال: سمعت أبي وقيل له: إن
يحيى بن بكير يقول في أبي صالح فقال: قل له: هل جئنا الليث قط إلا وأبو صالح عنده
رجل كان يخرج معه إلى الأسفار وإلى الريف وهو كاتبه، فينكر على هذا أن يكون عنده ما
ليس عند غيره ا ه (3). بل تكلموا فيمن هو أشهر وأوثق وأحفظ من جميع هؤلاء، كعلي
ابن المديني الذي قال فيه البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني
(4) والذي يقول عنه الحفاظ: إنه كان أعرف بعلل
(هامش)
(1) لسان الميزان 2: 221. (2) ميزان الاعتدال 2: 680 - 681. (3) مقدمة فتح الباري
2: 178. (4) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المديني البصري المتوفى 234
تذكرة الحفاظ 2: 428. (*)
ص 133
الحديث وأحفظ له من أحمد وابن معين، ومع ذلك فقد ضعفه العقيلي وتكلم فيه بسبب لفظة
تفرد بها في أثر عن عمر بن الخطاب، وتنزل الذهبي للرد عليه فقال يخاطبه: أما لك عقل
يا عقيلي أتدري فيمن تتكلم (1). فإننا لو تركنا حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد
الرزاق، وعثمان ابن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل،
وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد، لغلقنا الأبواب،
وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار واستولت الزنادقة ولخرج الدجال، وكأنك لا تدري أن كل
واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا
مما لا يرتاب فيه محدث وإنما أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا
انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل
لرتبته وأدل على اعتنائه بعلم الأثر، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا
أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيعرف بذلك، فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة فيقال له هذا
الحديث لا يتابع عليه، وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم وما
الغرض هذا فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث، وإن تفرد الثقة المتقن يعد
صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا، وإن إكثار الراوي من الأحاديث
التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يصيره متروك الحديث، ثم ما كل أحد فيه بدعة أو
له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ا ه. فلو فرضنا أن عبد السلام بن صالح
انفرد بحديث أو حديثين فهو
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 3: 140. (*)
ص 134
مثل هؤلاء خصوصا وقد تقدم في ترجمته (1): أنه كان كثير المال وكان يكرم المشايخ
ويتطلب ما عندهم من غريب الحديث في فضل أهل البيت، فكانوا يخصونه بها كما كان يفعل
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي (2) فكيف وهو لم ينفرد بها. (الأمر الثاني): إنهم
قد يجرحون الراوي لكونه روى حديثا منكرا وهو توسع باطل مردود أيضا، فقد نفل الذهبي
عن أحمد بن سعيد ابن سعدان أنه قال في أحمد بن عتاب المروزي: شيخ صالح روى الفضائل
والمناكير، ثم تعقبه بقوله: ما كل من روى المناكير ضعيف (3)، ثم إن الذهبي غفل عن
هذا فذكر في الميزان الحسين بن الفضل البجلي وقال: لم أر فيه كلاما لكن ساق الحاكم
في ترجمته مناكير عدة ا ه (4). فتعقبه الحافظ في اللسان وقال: ما كان لذكر هذا
الرجل في هذا الكتاب معنى فإنه من كبار أهل العلم والفضل، ثم ساق ترجمته إلى أن
قال: فلو كان كل من روى شيئا منكرا استحق أن يذكر في الضعفاء لما سلم من المحدثين
أحد لا سيما المكثر منهم، فكان الأولى أن لا يذكر هذا الرجل لجلالته ا ه (5). ثم
إن الحافظ غفل عن هذا أيضا فاستدرك في اللسان أئمة أجلاء لا موجب لذكرهم إلا الشره،
* وحب الاستكثار والكمال لله وحده، وفي ترجمة ثابت بن عجلان من مقدمة فتح الباري
قال العقيلي: لا يتابع *
(هامش)
*(1) فتح الملك العلي ص 28. (2) لسان الميزان 4: 88، تاريخ بغداد 11: 18. (3) ميزان
الاعتدال 1: 118. (4) لسان الميزان 2: 307. (5) لسان الميزان 2: 308. (*)
ص 135
على حديثه (1)، وتعقب ذلك أبو الحسن بن القطان بأن ذلك لا يضره إلا إذا كثر منه
رواية المناكير، ومخالفة الثقات قال الحافظ: وهو كما قال ا ه. وقال ابن دقيق
العيد: قولهم روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته،
وقد قال أحمد بن حنبل في محمد ابن إبراهيم التيمي: روى أحاديث منكرة وهو ممن اتفق
عليه الشيخان وإليه المرجع في حديث إنما الأعمال بالنيات ا ه (2). وقد تكلموا في
الطبراني وأبي نعيم وابن مندة والحاكم وجماعة من الحفاظ لأجل روايتهم المناكير
أيضا، وأجيب عنهم بجواب آخر ذكرته في غير هذا الموضع، فلو فرضنا أن عبد السلام بن
صالح وقع في حديثه بعض المناكير فذلك لا يصيره منكر الحديث كما عرفت. (الأمر
الثالث): إنهم قد يظنون تفرد الراوي بالحديث فيعدونه في منكراته ويتكلمون فيه من
أجله، ويكون هو في الواقع بريئا منه لوجود متابعين له عليه لم يطلع عليهم المجرحون
بحيث لو اطلعوا عليهم لما جرحوه، وهذا موجود بكثرة يطول معها استيعاب أمثلته أو
مقاربته وقد قال أبو حاتم في بيان بن عمرو: أنه مجهول والحديث الذي رواه باطل (3)،
فتعقبه الحافظ في المقدمة بأنه ليس بمجهول وأن العهدة في الحديث ليست عليه لأنه لم
ينفرد به كما قال الدارقطني في المؤتلف والمختلف ا ه (4)
(هامش)
(6) مقدمة الفتح الباري 2: 155. (2) تهذيب التهذيب 9: 7، لسان الميزان 5: 20. (3)
الجرح والتعديل 1 ق 1: 425، تهذيب التهذيب 1: 507. (4) مقدمة فتح الباري 2: 155.
(*)
ص 136
وضعف ابن طاهر فتح بن سلمويه بن حمران بحديث فتعقبه الحافظ بأنه لم ينفرد به وأن
ابن حبان ذكره في الثقات، واتهم الحاكم أبا بكر الباغندي الحافظ بحديث، وقال: لم
يتابعه عليه أحد في الإسلام، وكان يظن ذلك إلى أن أخبره ابن المظفر الحافظ بأن
البزار تابعه عليه (1)، وكذلك تكلموا في مهنا بن يحيى السامي صاحب الإمام أحمد
لظنهم أنه انفرد بحديث في الجمعة وليس كذلك بل توبع عليه كما ذكره ابن عبد البر
(2)، وقد يجرح أحدهم الراوي بناء على التفرد ثم يقف بعد ذلك على المتابع فيعرف
براءة الذي جرحه ثم يوثقه كقول الحاكم في (المستدرك) في حديث قتل الحسين كنت أحسب
دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي، ثنا
عبد الله بن محمد بن ناجية، ثنا حميد بن الربيع، ثنا أبو نعيم به (3). وقول ابن
حبان في إسحاق بن يحيى: أدخلناه في الضعفاء لما كان فيه من الابهام ثم سبرت أخباره
فإذا الاجتهاد أدى إلى أن يترك ما لم يتابع عليه ويحتج بما وافق الثقات (4): وقول
الخطيب: في حديث كنت أظن الحمل فيه على الفقاعي، حتى ذكر عبد الغفار بن عبد الواحد
الأرموي أن محمد بن جعفر مشهور عندهم ثقة، ثم بين علة الحديث إلى غير ذلك (5)،
وهكذا وقع منهم بالنسبة لعبد السلام بن صالح فإنهم ظنوا انفراده بحديث الباب، وحديث
الإيمان، كما صرحوا به والواقع خلاف ذلك كما رأيت
(هامش)
(1) لسان الميزان 4: 425. (2) لسان الميزان 6: 108، ميزان الاعتدال 4: 197. (3)
لسان الميزان 4: 93. (4) كشف الظنون 1: 3، إيضاح المكنون 1: 11. (5) ميزان الاعتدال
1: 471، لسان الميزان 2: 185. (*)
ص 137
وبهذا رد يحيى بن معين علي من اتهمه بحديث الباب فقال: ما تريدون منه فقد حدث به
الفيدي وهو ثقة (1). (الأمر الرابع): إنهم قد يفعلون ذلك بناء على أن حديث الراوي
منكر مخالف للأصول وهو على خلاف ذلك في الواقع، والسبب فيه عدم اهتدائهم إلى طريق
الجمع بين المتعارضين والحكم يوضع الحديث المعارض لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع،
كما هو منصوص عليه في الأصول، أو لظنهم المعارضة مع انتفائها في نفس الأمر ووقوع
هذا أيضا منهم كثير جدا ومن أمثلته حكم ابن حبان بوضع حديث عبد الله بن عبد الله بن
أبي: أنه أصيبت ثنيته يوم أخذ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باتخاذ ثنية من
(2)، وحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نهى أن يصلي إلى نائم أو
محدث، فقال: هذان موضوعان وكيف يأمر المصطفى صلى الله عليه وآله باتخاذ الثنية من
ذهب؟ وقد قال: الذهب والحرير محرمان على ذكور أمتي، وكيف ينهى عن الصلاة إلى النائم
وقد كان يصلي وعائشة بينه وبين القبلة، وتعقبه الذهبي بقوله: حكمك عليهما بالوضع
بمجرد ما أبديته حكم فيه نظر لا سيما خبر الثنيتين ذكر ذلك في ترجمة أبان بن سفيان
المقدسي (3)، وحكم الذهبي بوضع حديث ابن عمر: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ذات يوم وفي يده كتابان تسمية أهل الجنة وتسمية أهل النار بأسمائهم وأسماء
آبائهم وقبائلهم، بأنه يقتضي أن يكون زنة الكتابين عدة قناطر، وتعقبه الحافظ في
اللسان بقوله: وليس ما قاله من زنة الكتابين بلازم بل هو *
(هامش)
*(1) حديث سد الأبواب جاء بأسانيد ثابتة أخرجها الحفاظ وأئمة الحديث من طرق تربو
على التواتر جمع شتاتها الغدير 3: 202 - 215. (2) الثقات 1: ورقة 103. (3) ميزان
الاعتدال 1: 7. (*)
ص 138
معجزة عظيمة، وقد أخرج الترمذي لهذا المتن شاهدا ا ه، ذكر ذلك في ترجمة عبد الوهاب
بن همام الصنعاني (1). قلت: والحديث تكلم عليه صاحب الابريز بما أزال إشكاله (2).
وأحسن منه وأقرب ما يستفاد من كلام ابن العربي في العارضة فإن من وقف عليه وتدبره
علم أن الحديث من قبيل العاديات، وأنه ليس فيه إشكال أصلا. وحكم الذهبي أيضا ببطلان
حديث: من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف، بأن المصاحف إنما اتخذت بعد
النبي صلى الله عليه وآله، وتعقبه الحافظ بقوله: هذا التعليل ضعيف ففي الصحيحين نهى
أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو، وما المانع أن يكون الله
أطلع نبيه على أن أصحابه سيتخذون المصاحف، ذكره في ترجمة الحر بن مالك (3) بل حكم
في كتابه (العلو للعلى الغفار) بنكارة حديث: لو دلي أحد كم بحبل لهبط على الله، مع
الاعتراف بصحة إسناده لكونه لم يعرف وجهه، وقال فيه أيضا في حديث تعدد الأنبياء في
كل أرض بعد تصحيح سنده: وهذه بلية تحير السامع كتبتها استطرادا للتعجب، قال: وهو من
قبيل اسمع واسكت ا ه. وحكم ابن الجوزي بوضع حديث: سدوا كل باب في المسجد إلا باب
على (4)، بأنه مقابل لحديث أبي بكر عملته الرافضة، وتعقبه الحافظ
(هامش)
(1) المستدرك 3: 178. (2) لسان الميزان 1: 380، الثقات 2: ورقة 96. (3) تاريخ بغداد
11: 117. (4) المستدرك 3: 127. (*) /
ص 139
/ في (القول المسدد) بقوله: هذه دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في
الصحيحين، وهذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم ولا ينبغي الإقدام على
الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أنه لا
يمكن بعد ذلك لأن فوق كل ذي علم عليم، وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على
الحديث بالبطلان بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له وهذا الحديث من هذا
الباب ا ه (1). وحكمه أيضا تقليدا للعقيلي، بوضع حديث: من جمع بين صلاتين من غير
عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر (2). بأنه معارض بحديث ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء (3)، وحكمه أيضا بوضع حديث:
من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه (4)، بأن فيه وعيدا
مشتملا على البراءة ممن فعل ذلك وهو لا يكفر، وتعقبه الحافظ في القول المسدد بأن
هذا من الأحاديث الواردة في معرض الزجر والتنفير وظاهره غير مراد (5). وقد وردت عدة
أحاديث في الصحيح تشتمل على البراءة وعلى نفي الإيمان وغير ذلك من الوعيد الشديد في
حق من ارتكب أمورا ليس فيها ما يخرج عن السلام، كحديث أبي موسى في الصحيح في
البراءة ممن حلق وسلق، وحديث أبي هريرة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، إلى *
(هامش)
*(1) القول المسدد: 18. (2) سنن الدارقطني 1: 395، وقال بعد ذكره الحديث: إنه
متروك. (3) صحيح مسلم ج 5: 217، سنن الدارقطني 1: 388. (4) المستدرك 2: 12. (5)
القول المسدد: 22. (*)
ص 140
غير ذلك فما كان الجواب عنها كان هو الجواب عن هذا الحديث، ولا يجوز الإقدام على
الحكم بالوضع قبل التأمل والتدبر ا ه. وحكمه أيضا بوضع حديث من تزوج امرأة لعزها
لم يزده الله تعالى إلا ذلا، ومن تزوج امرأة لما لها لم يزده الله تعالى إلا فقرا،
الحديث بأنه مخالف لما في الصحيح تنكح المرأة لما لها ولحسبها وجمالها (1)، وتعقبه
الحافظ السيوطي بأن الحديث ليس مخالفا لما في الصحيح لأنه ليس المراد الأمر بذلك بل
الأخبار بما يفعله الناس، ولهذا قال في آخر الحديث: فاظفر بذات الدين تربت يداك
(2). وحكمه أيضا بوضع حديث: ولد الزنى لا يدخل الجنة، بأنه مخالف للأصول وأعظمها
قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وتعقبه الحافظ السيوطي بما نقله الرافعي في
تاريخ قزوين (3) عن بعض الأئمة من أن معناه: أنه لا يدخل الجنة بعمل أصله بخلاف
ولد الرشدة فإنه إذا مات طفلا وأبواه مؤمنان لحق بهما، وبلغ درجتهما بصلاحهما على
ما قال تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم (4)، وولد
الزنى لا يدخل الجنة بعمل أصله، أما الزاني فنسبه منقطع، وأما الزانية فشؤم زناها
وإن صلحت يمنع من وصول بركة صلاحها إليه ا ه إلى غير ذلك. وحديث الباب أيضا من هذا
القبيل فإنهم توهموا منه أن فيه تفضيلا لعلي على أبي بكر وذلك مخالف لأصول أهل
السنة كما صرح به كثير
(هامش)
(1) تيسير الوصول 4: 226. (2) المنتقى من أخبار المصطفى 2: 3423. (3) التدوين في
أخبار قزوين لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني المتوفى 622. مخطوطة
في مكتبة آية الله السيد الحكيم العامة. (4) سورة الطور 21. (*)
ص 141
منهم فبادروا إلى تكذيب رواته والأمر بخلاف ذلك كما سأذكره. (الأمر الخامس): كون
الحديث في فضل علي وراويه متهم بالتشيع بل مجرد كون الحديث في الفضائل من أكبر
أسباب الطعن عندهم في الرواة، ولو لم يتهموا بتشيع فإن من روى ذلك لا يتوقفون في
طعنه ولا يتورعون عن جرحه ولو كان أوثق الثقات وأعدل العدول، وقد تقدم عن أبي زرعة
أنه قال: كم من خلق افتضحوا بهذا الحديث يعني أن كل من حدث به يحكمون عليه بالضعف
ولو كان معروفا عندهم أنه ثقة، فدليل الضعف هو التحديث بفضل على عليه السلام، حتى
أنهم ضعفوا به جماعة من الحفاظ المشاهير ورموهم بالرفض والتشيع كمحمد بن جرير
الطبري، تكلموا فيه لتصحيحه حديث الموالاة، والحاكم صاحب المستدرك لتصحيحه فيه حديث
الطير وحديث الموالاة (1) والحافظ ابن السفا (2) لإملائه حديث الطير، ووثبوا إليه
ساعة الاملاء وأقاموه وغسلوا موضعه (3)، والحافظ الحسكاني لتصحيحه حديث رد الشمس
(4)، والحافظ ابن المظفر لتأليفه في فضائل العباس، وإبراهيم بن عبد العزيز بن
الضحاك لكونه أملى مجالس في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما فرغ قال: نبدأ
بعلي أو بعثمان فتفرقوا عنه وضعفوه، مع أن المسألة خلافية لا تستوجب ذلك كما قال
الذهبي، بل نسبوا الدارقطني إلى التشيع وما أبعده منه لحفظه ديوان السيد *
(هامش)
*(1) المستدرك 3: 130 - 132. (2) الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان
الواسطي المتوفى 371، شذرات الذهب 3: 81. (3) تذكرة الحفاظ 3: 966، وفيه: فمضى ولزم
بيته فكان لا يحدث أحدا من الواسطيين. (4) الغدير 3: 127. (*)
ص 142
الحميري (1)، بل تكلموا في الشافعي ونسبوه إلى التشيع لموافقته الشيعة في مسائل
فرعية أصابوا فيها ولم يبدعوا، كالجهر بالبسملة، والقنوت في الصبح، والتختم في
اليمين، وموالاته لأهل البيت وقد أشار هو رضي الله عنه إلى ذلك في أبياته المشهورة،
وضعفوا المسعودي (2) وحكموا بتشيعه لقوله في مروج الذهب: والأشياء التي استحق بها
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الفضل هي السبق إلى الإيمان والهجرة والنصرة
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والقربى منه والقناعة وبذل النفس له، والعلم
بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله، والورع والزهد والقضاء والحكم والعفة
والعلم، وكل ذلك لعلي عليه السلام منه النصيب الأوفر والحظ الأكبر إلى ما ينفرد به
من المؤاخاة والموالاة والمنزلة (3) الخ. مع أن كل ما قاله: حق لا شك فيه. وضعفوا
برواية حديث الطير خلائق، منهم: إبراهيم بن باب البصري (4)، وأحمد بن سعيد بن فرقد
الجدي (5)، وحماد بن يحيى ابن المختار (6)، وإبراهيم بن ثابت القصار (7)، وإسماعيل
بن سليمان الرازي (8). والحسن بن عبد الله الثقفي (9)، وحمزة بن خراش (10)،
(هامش)
(1) تذكرة الحفاظ 3: 991، تاريخ بغداد 12: 34، أخبار السيد الحميري 12. (2) علي بن
الحسين بن علي المسعودي المتوفى 333. (3) مروج الذهب 2: 39 ط بولاق. (4) ميزان
الاعتدال 1: 21. (5) ميزان الاعتدال 1: 100. (6) ميزان الاعتدال 1: 602. (7) ميزان
الاعتدال 1: 25. (8) ميزان الاعتدال 1: 232. (9) ميزان الاعتدال 1: 501. (10) ميزان
الاعتدال 1: 607.
ص 143
ودينار أبو مكيس (1)، وسليمان بن حجاج (2)، وعبد الله بن زياد أبو العلاء (3)،
وعمران بن وهب الطائي (4)، ومحمد بن أحمد بن عياض (5)، ومحمد بن سليم (6)، ومحمد بن
شعيب (7)، وميمون بن جابر أبو خلف (8) وغيرهم، وقد أورد هؤلاء الذهبي وضعفهم تبعا
واستقلالا بحديث الطير مع اعترافه بثبوته في التذكرة، وضعفوا بحديث الباب جماعة
أيضا، منهم: أحمد بن عمران بن سلمة، وأحمد بن سلمة الكوفي، وأحمد بن عبد الله بن
يزيد، وإسماعيل بن محمد بن يوسف، وسعيد بن عقبة، وجعفر بن محمد الفقيه، وعثمان بن
عبد الله الأموي، وعمر بن إسماعيل بن مجالد، ومحفوظ بن بحر الأنطاكي، ويحيى بن بشار
الكندي، في آخرين، وضعفوا بحديث الشمس وغيره أمما لا تحصى كالحسن بن محمد بن يحيى،
وإسماعيل بن إياس بن عفيف، وصالح بن أبي الأسود الكوفي، ومالك بن مالك، ومحمد بن
سليم الوراق، ومحمد ابن الحسن الأزدي، ومحمد بن الخطيب الأنطاكي، وجعفر بن محمد
العوسجي، ومحمد بن المظفر، ومسعر بن يحيى، ويحيى بن إبراهيم
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 2: 30. (2) ميزان الاعتدال 2: 198. (3) ميزان الاعتدال 2: 424.
(4) ميزان الاعتدال 3: 244. (5) ميزان الاعتدال 3: 465. (6) ميزان الاعتدال 3: 573.
(7) ميزان الاعتدال 3: 580. (8) ميزان الاعتدال 4: 232. (*)
ص 144
السلماسي، ومحمد بن علي بن النعمان (1) وهو الذي وقعت له مناظرة مع أبي حنيفة إذ
قال له كالمنكر عليه: عمن رويت حديث رد الشمس لعلي فقال: عمن رويت أنت عنه يا سارية
الجبل، فأفحمه. وإبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ضعفه الذهبي لروايته
حديث الشمس ولم يتنبه الحافظ لذلك فقال في تعجيل المنفعة ذكره الذهبي في المغني ولم
يذكر لذكره فيه مستند (2)، وتكلم يحيى بن معين في الحافظ أبي الأزهر النيسابوري
الثقة لروايته حديثا في الفضائل عن عبد الرزاق، كما سبق إلى غير هؤلاء ممن ضعفوهم،
وليس لهم على أكثرهم دليل سوى رواية الفضائل، والسبب في ذلك: أن الرفض كان شائعا في
عصورهم فكانوا يتوهمون أن قبول مثل هذه الأحاديث فيه ترويج لبدعة الرفض فيبالغون في
الإنكار على من أتى بشيء من ذلك سدا لهذا الباب مع أن الكثير منهم كان فيه أيضا
بدعة النصب فكان ينتقم لنحلته وهواه من حيث لا يشعر غيره ممن يظن به أنه من أهل
السنة فيقلده في ذلك والكلام في عبد السلام ابن صالح من هذا القبيل، فما أجيب به عن
الحافظ ابن الأزهر وابن جرير والحاكم وابن المظفر وابن السفا والحسكاني وابن عقدة
وأمثالهم فهو الجواب عنه أيضا. (الوجه الثالث): أن هذا الجرح على ما عرفته من بطلان
أساسه صدر مبهما لم يفسره أصحابه ولا بينوا مستندهم فيه، والجرح المبهم إذا عارضه
تعديل كان مردودا باطلا والعمل على التعديل بالاجماع من فعلهم وإن خالفه فريق في
مقالهم نظير ما سبق في التضعيف بالبدعة، وذلك لاختلاف أنظار الناس في أسباب الجرح
مع غلبة الهوى والعصبية على النفوس. فقد تحمله العداوة
(هامش)
(1) تجد الإشارة إلى تراجمهم في ميزان الاعتدال 1 - 4. (2) تعجيل المنفعة ص 14. (*)
ص 145
والمنافسة على الجرح في عدوه وقرينه بلا موجب كما وجد ذلك بكثرة بين الأقران وبين
المختلفين في النحل والعقائد. وقد يبنى جرحه على كون الراوي تفرد بالحديث المنكر
وعلى أن حديثه مخالف للأصول ويكون الواقع خلاف ذلك كما رأيت، وقد يبنيه على أمور
ليست هي من باب الجرح أصلا كجماعة ضعفوا رواة فلما سئلوا عن ذلك أبدوا من الأسباب
ما لا دخل له في الجرح، كشعبة بن الحجاج (1) ضعف راويا فسئل عن السبب فقال: رأيته
يركض على برذون، وضعف المنهال بن عمرو أيضا لسماعه من داره صوت القراءات بالتطريب،
وضعف الحكم بن زاذان، فسأله شعبة عن السبب فقال: كان كثير الكلام، وضعف جرير ابن
عبد الحميد سماك بن حرب لأنه رآه يبول قائما، وضعف بعضهم إسماعيل بن عبد الملك
لكونه كان يبيع الزئبق، وصف العجلي إسحاق ابن إسماعيل والد إسماعيل القاضي لأنه كان
أمينا علي أموال الأيتام، وضعف ابن أبي حاتم راويا سمعه يقرأ بالتلحين، وضعف وكيع
ويحيى بن سعيد إبراهيم بن سعد لتجويزه سماع الملاهي، ورده الذهبي بأنه كان لا يجد
دليلا ناهضا على التحريم فأداه اجتهاده إلى الرخصة فكان ماذا، وضعفوا الزهري لكونه
لبس زي الجند وخدم هشام بن عبد الملك، وفي حقه يقول الذهبي: إذا بلغ الماء قلتين لم
يحمل الخبث. وضعفوا بأخذ الأجرة على السماع جماعة يطول عدهم، كابن الأعرابي والحسن
بن سفيان، وعلي بن عبد العزيز البغوي، والحارث بن أبي أسامة، وأبي القاسم عبد الله
بن محمد البغوي، وأبي شعيب عبد الله بن الحسن الحرابي في آخرين مع أن كثيرا من
الأئمة صرحوا بجواز ذلك عند
(هامش)
(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي المتوفى 160، تهذيب التهذيب 4: 338 -
346. (*)
ص 146
الضرورة، وضعفوا أبا ثور لأنه كان يتكلم في الرأي، وقال الفريابي في إبراهيم
الجرجاني كان شيخ أصحاب الرأي وأنا لا أكتب عن أصحاب الرأي، وتكلم الكثير منهم في
أكثر أصحاب أبي حنيفة لأجل الرأي أيضا، وضعف أحمد بن حنبل الحارث المحاسبي لاشتغاله
بعلم الكلام، وضعف غيره الكثير من علماء الكلام بذلك بل جعلوا الاشتغال بعلم الكلام
من البدعة الموجبة لضعف كل من وجدت فيه كما نص عليه الحافظ السلفي في معجم السفر
(1)، والحافظ ابن رشيد في الرحلة (2)، وعلى هذا فرأس المبتدعة الضعفاء هو أبو
حسن الأشعري، وضعف أبو داود الحافظ أحمد بن منصور الرمادي صاحب المسند (3)، لكونه
صحب الواقفة، وتكلم يحيى بن معين في الشافعي لمجرد تعصبه لمذهب الحنفية الذي كان
غالبا فيه، وضعفوا زكريا بن منظور لزعم بعضهم أنه كان طفيليا، وقد جمع الذهبي في
الثقات المجروحين بمثل هذا جزأ لكنه ما استوعب ولا قارب بحيث يستدرك عليه إضعافه،
وقال في أوله: قد كتبت في مصنفي الميزان عددا كثيرا من الثقات الذين احتج بهم
البخاري أو مسل م أو غيرهما لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما
أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك، وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال لا
يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة
(هامش)
(1) أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلعة السلفي الإصبهاني المتوفى 576. إيضاح
المكنون 2: 508. (2) محمد بن عمر بن رشيد الفهري المتوفى 721 في ست مجلدات. كشف
الظنون 1: 836. (3) مسند بغداد المتوفى 265، تذكرة الحفاظ 2: 564، تاريخ بغداد 5:
151. (*)
ص 147
من الصحابة والتابعين والأئمة (1). فبغض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما والله يرضى عن
الكل ويغفر لهم فما هم بمعصومين، وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا أصلا
وبتكفير الخوارج لهم انحطت رواياتهم، بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحا في
الطاعنين، فانظر إلى حكمة ربك نسأل الله السلامة. وهكذا كثير من كلام الأقران بعضهم
في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى ويطرح ولا يجعل طعنا ويعامل الرجل بالعدل والقسط ا
ه، ومعاملته بالعدل والقسط لا تعرف من الجرح المبهم وإنما تعرف من الجرح المفسر
فيقبل من الجارح ما هو جرح حقيقة كقوله فلان كذاب لأنه حدث عن فلان وادعى السماع
منه وقد مات قبل ولادته أو قبل دخوله لبلده أو سئل الشيخ عن الحديث فأنكره وأبدى
دليلا على عدم سماعه له أو أقر على نفسه بالكذب، أو زاد في النسخة، أو أدخل نفسه في
الطباق، أو كان يترك الصلاة، ويقيم الدليل على ذلك كما فعل بعضهم مع بعض الحفاظ،
حيث لم يروه يصلي وهم يسمعون عليه فوضعوا في أطراف رجله حبرا ثم رجعوا إليه بعد
ثلاثة أيام والحبر في رجله، أو رؤيتهم إياه سكران أو نحو ذلك، ويطرح له ما ليس بجرح
كالأشياء التي ذكرناها وأما على الإبهام المحتمل لهذا فلا يقبل خصوصا مع معارضه
التعديل، وعلى هذا استقر صنيع جميعهم وصرح به أكثرهم في أصول الفقه والحديث كما هو
معروف. وقد قال النووي في الجواب عن إخراج مسلم لجماعة ضعفاء في أو ل شرحه ما نصه:
ولا يقال: الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب
وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذا، وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن
ثابت الخطيب البغدادي
(هامش)
(1) لسان الميزان 1: 6 - 8. (*)
ص 148
وغيره ما احتج به البخاري ومسلم وأبو داود من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول
على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب (1) ا ه. وقال الحافظ في الجواب عن إخراج
البخاري لجماعة ضعفوا أيضا في مقدمة الفتح ما نصه: ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج
صاحب الصحيح لأي راوي كان مفتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته فإذا وجدنا لغيره
في أحد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل بتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب
مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على
الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح ا ه (2). ولما نقل عن الدار قطني أنه
قال في سعيد بن سليمان الواسطي (3) يتكلمون فيه تعقبه بقوله: هذا تليين مبهم لا
يقبل، وكذلك تعقب ابن سعد على قوله في عبد إلا علي بن عبد الأعلى: لم يكن بالقوي
فقال: هذا مجروح مردود غير مقبول، وتعقب الخليلي على قوله في عبد الملك ابن الصباح:
كان متهما بسرقة الحديث، فقال: هذا جرح مبهم، وتعقب الدارقطني على قوله في يزيد بن
أبي مريم: ليس بذاك فقال: هذا جرح غير مفسر فهو مردود، وقال في ترجمة محمد بن بشار
البصري: ضعفه عمرو بن علي الفلاس ولم يذكر سبب ذلك فما عرجوا على تجريحه، وقال
الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد في الكلام على حديث في ترجمة معاوية فيه شيخ
الطبراني لم يوثقه إلا الذهبي وليس فيه جرح مفسر ا ه (4).
(هامش)
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1: 25. (2) مقدمة الفتح الباري 2: 144. (3) تهذيب
التهذيب 4: 43. (4) مجمع الزوائد 9: 355. (*)
ص 149
وقال ابن دقيق العيد في شرح الالمام (1): مقتضى قواعد الأصول عند أهله أنه لا
يقبل الجرح إ مفسرا ا ه. وقال الكمال الأدفوي في الامتاع (2): ومن ذلك قولهم
فلان ضعيف ولا يبينون وجه الضعف فهو جرح مطلق وفيه خلاف وتفصيل والأولى أن لا يقبل
من متأخري المحدثين لأنهم يجرحون بما لا يكون جرحا ا ه. وقال الحاكم في المستدرك:
هؤلاء الذين ذكرتهم في هذا الكتاب ثبت عندي صدقهم لأنني لا أستحل الجرح إلا مبينا
ولا أجيزه تقليدا، والذي أختاره لطالب العلم أن لا يكتب حديث هؤلاء أصلا ا ه (3).
وذكر الذهبي في الميزان أن البخاري ذكر أرقم بن شرحبيل في الضعفاء، ثم تعقبه الذهبي
بقوله: لم يذكر أبو عبد الله مستندا لذكره في كتاب الضعفاء وقد وثقه أبو زرعة وغير
واحد (4) ا ه. وقال اللكنوي في الرفع والتكميل (5): قد زل قدم كثير من علماء
عصرنا في مسألة كون الجرح مقدما على التعديل لغفلتهم عن التقييد والتفضيل توهما
منهم أن الجرح مطلقا مقدم على التعديل، وليس الأمر كما ظنوا بل ذلك مقيد بأن يكون
الجرح مفسرا فإن الجرح المبهم غير مقبول مطلقا على المذهب الصحيح فلا يمكن أن يعارض
(هامش)
(1) تذكرة الحفاظ 4: 1481، كشف الظنون 1: 158. (2) كمال الدين جعفر بن تغلب الأدفوي
الشافعي المتوفي 749، كشف الظنون 1: 167، شذرات الذهب 6: 153، حسن المحاضرة 1: 320،
البدر الطالع 1: 182، الدرر الكامنة 1: 535. (3) المستدرك 4: 74. (4) ميزان
الاعتدال 1: 171. (5) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل تأليف محمد بن عبد الحي
الهندي اللكنوي المتوفى 1304، إيضاح المكنون 1: 581. (*) /
ص 150
التعديل وإن كان مبهما ا ه. ونصوصهم في هذا كثيرة ذكرت بعضها في إبراز الوهم
المكنون من كلام ابن خلدون (1) وبسطتها أيضا في غيره، وإذا عرفت هذا فالجرح في عبد
السلام بن صالح كله من هذا القبيل، لم يذكر أحد من الجارحين له سببا لجرحه حتى ينظر
فيه هل هو مقبول أو مردود، على أن قرائن أحوالهم دلت على سبب جرحهم إياه وقد
أبطلناه بما لا مزيد عليه إن شاء الله، ومن هذه الوجوه تعرف صحة حكم الحافظ في
التقريب حيث اعتمد أنه صدوق (2) وطرح كل ما قيل فيه فالحمد لله رب العالمين.
[فصل] وهنا أمور يجب التنبيه عليها
(الأول): زعم الدار قطني أن عبد السلام بن صالح كان
رافضيا خبيثا، وهذا منه غلو وإسراف فإن الرافضي هو من كان يحط على الشيخين كما ذكره
الذهبي في الميزان، والحافظ في التهذيب (3) وغيرهما، ولم يكن عبد السلام بن صالح
كذلك فقد تقدم عنه أنه كان يقدم أبا بكر وعمر ويترحم على علي وعثمان ولا يذكر أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله إلا بالجميل، وصرح بأن هذا مذهبه الذي يدين الله به، فكيف
يكون هذا رافضيا وقد نقل الحافظ في اللسان عن ياقوت أنه قال في أحمد بن طارق
الكركي: كان رافضيا، ثم تعقبه بقوله: وياقوت متهم بالنصب فالشيعي عنده رافضي ا ه
(4). (الثاني): قال العقيلي: إنه كذاب، وهذا القول لم يسبقه إليه
(هامش)
(1) من كتب المؤلف غير المطبوعة. (2) تقريب التهذيب 1: 506. (3) ميزان الاعتدال 1:
6، تهذيب التهذيب 1: 94. (4) لسان الميزان 1: 188. (*)
ص 151
أحد ممن عاصر عبد السلام، وقد تقدم عن الحافظ أنه قال: هذا إفراط من العقيلي، وتقدم
أيضا كلام الذهبي فيه ومجازفته في حق علي بن المديني، وقد اعترض الحافظ أبو زرعة
العراقي على من جرح راويا لم يعاصره كما نقله عنه تلميذه الثعالبي في غنيمة
الوافد وبغية الطالب الماجد (1). (الثالث): أنه قال: لا يجور الاحتجاج به إذا
انفرد وعبد السلام ابن صالح لم يتفرد، ثم هو تهافت من العقيلي فإن الكذاب لا يجوز
الاحتجاج به مطلقا. (الرابع): زعموا أنه كان يروي أحاديث في المثالب، وهذا ليس بجرح
فقد جرحوا به أيضا الفضيل بن عياض وذكروا أنه روى أحاديث تزري على عثمان وأجاب عنه
الذهبي في الجزء الذي جمعه في الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم فقال: إنه روى
ما سمع ولم يقصد غضا ولا أزرى على عثمان ففعل ما يسوغ ا ه (2). وبمثل هذا أجاب
إسحاق بن راهويه عن عبد السلام بن صالح أيضا كما سبق، ولو كان هذا جرحا لجرح جميع
الأئمة والحفاظ فما منهم إلا وقد روى من ذلك ما بلغه أو صح عنده، وهذا أحمد بن حنبل
أورعهم قد خرج كثيرا من ذلك في مسنده كحديث: اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما
في النار دعا، لكنه أبهم اسم عمرو بن العاص معاوية و فقال: فلانا وفلانا، وكخبر شرب
معاوية للخمر في إمارته وغير ذلك يطول ذكره، وخرج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض
الذي حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ
(هامش)
(1) لم أجد ذكرا لهذا الكتاب ولا لمؤلفه في المعاجم. (2) ميزان الاعتدال 3: 361.
(*)
ص 152
إلا هذا الحديث (1)، وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثا فيه إزراء
على الصحابة إلا حديث الحوض ووددنا انه لم يذكره، وكذلك في الصحيحين حديث الرؤيا
وما شابهه وشاكله فلو كانت روايتها تجرح لثبت جرح جميع الرواة، وأغرب من هذا ما
ذكره الذهبي في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد من الميزان فقال ما
نصه: نقم على عبد المجيد أنه أفتى الرشيد بقتل وكيع لكونه روى عن إسماعيل بن أبي
خالد عن عبد الله البهي إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات لم يدفن حتى
ربا بطنه وأنتنت خضراه، قال قتيبة: حدث وكيع بمكة وكان سنة حج فيها الرشيد فقدموه
إليه، فدعا الرشيد سفيان بن عينية وعبد المجيد، فأما عبد المجيد فقال: يجب أن يقتل
فإنه لم يرو هذا إلا وفي قلبه غش للنبي صلى الله عليه وآله، فسأل الرشيد سفيان
فقال: لا يجب عليه القتل رجل سمع حديثا فرواه، والمدينة شديدة الحر وتوفي النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين فترك إلى ليلة الأربعاء فمن ذلك تغير، قال الذهبي:
قلت: النبي صلى الله عليه وآله سيد البشر وهو بشر يأكل ويشرب وينام ويقضى حاجته
ويمرض ويتداوى ويتسوك ويتطيب فهو في هذا كسائر المؤمنين، ولما مات بأبي هو وأمي صلى
الله عليه وآله عمل به كما يعمل بالبشر من الغسل والتنظيف والكفن واللحد والدفن لكن
ما زال طيبا مطيبا حيا وميتا وارتخاء أصابعه المقدسة وانثناؤها وربو بطنه ليس معنى
نص على انتفائه والحي قد يحصل له ريح وينتفخ منه جوفه فلا يعد هذا إن كان قد وقع
عيبا (2)، ثم اندفع الذهبي في تقرير كلام يدل كسابقة على جهله
(هامش)
(1) الموطأ 1: 40 ط مصر 1369. (2) ميزان الاعتدال 2: 649. (*)
ص 153
بمنصب النبوة وانصباغه بصبغة تيمية وما الغرض هذا فإن بطلانه ضروري عند كل مؤمن
ولكن الغرض تبريتهم ساحة من رواه من الجرح (الخامس): نقلوا عن عبد السلام بن صالح
أنه قال: كلب للعلوية خير من بني أمية (1)، قيل له: فيهم عثمان، قال: فيهم عثمان،
وهذا إن صح عنه فهو مبالغة لا تدل على ضعف حديثه، وربما استخرجها بعضهم منه في حال
الجدال والمناظرة والغضب قد يستفز المناظر لأكثر من هذا، وعلى كل حال فأين هو من
حريز بن عثمان الذي كان يلعن عليا عليه السلام سبعين مرة في الصباح، وسبعين مرة في
المساء (2)، وعرفوا منه هذا وتحققوه ثم قالوا عنه: أنه من أوثق الثقات، فما أجيب به
عن حريز فهو الجواب عن عبد السلام والله الموفق.
(فصل): وأما الذين طعنوا في الحديث فالكلام معهم على قسمين قسم إجمالي وقسم
تفصيلي

أما الاجمالي فإنهم بنوه على أصول
باطلة: (الأصل الأول): كون عبد السلام بن صالح شيعيا ضعيفا منكر الحديث (3). وقد
علمت بطلان هذا بما لا مزيد عليه. (الأصل الثاني): إبطال كل ما ورد في فضل علي عليه
السلام أو أكثره والحكم على من روى شيئا من بالتشيع والضعف والنكارة ولو بلغ الحديث
مبلغ التواتر بحيث من تتبع صنيعهم في ذلك رأى العجب العجاب، والسبب فيه: ما ذكره
ابن قتيبة في كتابه في الرد على الجهمية (4) فقال:
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 2: 166. (2) تهذيب التهذيب 2: 240. (3) ميزان الاعتدال 2: 616.
(4) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة لأبي محمد عبد الله بن مسلم ابن
قتيبة المتوفى 276 ط مطبعة السعادة بمصر سنة 1349. (*)
ص 154
وقد رأيت هؤلاء أيضا حين رأوا غلو الرافضة في حق علي وتقديمه وادعائهم له شركة
النبي صلى الله عليه وآله في نبوته وعلم الغيب للأئمة من ولده وتلك الأقاويل
والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار
السلف وبغضهم وتبرأهم منهم قابلوا ذلك أيضا بالغلو في تأخير على كرم الله وجهه
وبخسه حقه ولحنوا في القول، وإن لم يصرحوا إلى ظلمه واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير
حق ونسبوه إلى الممالاة على قتل عثمان وأخرجوه بجهلهم من أئمة الهدى إلى جملة أئمة
الفتن، ولم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه وأوجبوها ليزيد بن معاوية
لإجماع الناس عليه، واتهموا من ذكره بغير خير، وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا
بفضائله كرم الله وجهه أو يظهروا ما يجب له وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح وجعلوا
ابنه الحسين عليه السلام خارجيا شاقا لعصا المسلمين حلال الدم، وسووا بينه وبين أهل
الشورى، لأن عمر لو تبين له فضله لقدمه عليهم ولم يجعل الأمر شورى بينهم، وأهملوا
من ذكره أو روى حديثا في فضله حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها وعنوا
بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية يعني الموضوعة، كأنهم لا يريدونها بذلك وإنما
يريدونه، فإن قال قائل: أخو رسول الله صلى الله عليه وآله علي وأبو سبطيه الحسن
والحسين، وأصحاب الكساء، علي وفاطمة والحسن والحسين، تمعرت الوجوه وتنكرت العيون
وطرت حسايك الصدور، وإن ذكر ذاكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه
فعلي مولاه (1)، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى (2)*، وأشباه هذا التمسوا لتلك
(هامش)
(1) الغدير 1: 294. (2) 3: 199. (*)
ص 155
الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقه بغضا منهم للرافضة وإلزاما لعلي عليه السلام
بسببهم ما لا يلزمه وهذا هو الجهل بعينه ا ه (3). فهذا أهم الأسباب الحاملة
للمتقدمين الذين كانوا في عصر ابن قتيبة وقبله على الطعن في فضائل علي عليه السلام،
وقد أشار الإمام أحمد إلى نحو هذا إذ سأله ابنه عبد الله عن علي ومعاوية فقال: إعلم
أن عليا كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه فجاؤا إلى رجل قد حاربه
وقاتله فأطروه كيدا منهم له، رواه السلفي في (الطيوريات)، فمن كان بهذه الصفة كيف
يقبل فضائل علي أو يصححها وقد انطوت بواطن كثير من الحفاظ خصوصا البصريين والشاميين
على البغض لعلي وذويه، وأشار ابن القيم في (أعلام الموقعين) إلى قريب من هذا أيضا
لما تلكم على المفتين من الصحابة فقال: وأما علي بن أبي طالب عليه السلام فانتشرت
أحكامه وفتاويه ولكن قاتل الله الشيعة فإنهم أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه
ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلا ما كان من
طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله بن مسعود، وكان رضي الله عنه وكرم وجهه يشكو عدم
حملة العلم الذي أودعه كما قال: إن ها هنا علما لو أصبت له حملة ا ه (2). فهذا
يشير إلى أنهم تركوا من علمه كما تركوا من فضله معارضة للشيعة وإخمادا لهم والله
المستعان. (الأصل الثالث): أنهم ظنوا أنه مخالف للأصول الدالة على أفضلية أبي بكر
وعمر رضي الله عنهما، وأن فيه ما يدل على أفضلية علي عليه السلام ولهذا زاد فيه بعض
الكذابين ذكر أبي بكر وعمر وعثمان فذكر الحافظ
(هامش)
(1) الاختلاف في اللفظ ص 47 - 48. (2) أعلام الموقعين 1: 21. (*)
ص 156
في اللسان في ترجمة إسماعيل بن علي بن المثنى الاسترآبادي الواعظ الكذاب أنه كان
مرة يعظ بدمشق فقام إليه رجل فسأله عن حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها فقال: هذا
مختصر وإنما هو: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي
بابها، قال: فسألوه إن يخرج لهم إسناده، فوعدهم به (1). وفي هذا الرجل يقول ابن
السمعاني في الأنساب: كان يقال له كذاب ابن كذاب، ويقول النخشبي: كان يقص ويكذب ولم
يكن على وجهه سيما المتقين دخلت علي أبي نصر السجزى بمكة فسألته فقال: هذا كذاب ابن
كذاب لا يكتب عنه ولا كرامة، وذكر هذه القصة ابن عساكر في التاريخ فقال: أنبأنا أبو
الفرج غيث بن علي الخطيب حدثني أبو الفرج الاسفرايني قال: كان أبو سعد الاسترآبادي
يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال: أيها الشيخ ما القول في قول النبي صلى الله عليه
وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ قال: فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال: نعم لا يعرف
هذا الحديث على التمام إلا من كان صدرا في الإسلام إنما قال النبي صلى الله عليه
وآله وذكره، قال: فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردده، ثم سألوه أن يخرج لهم إسناده
فأنعم ولم يخرجه لهم (2). فانظر كيف أنكروه عند الانفراد واستحسنوه لما ذكر فيه أبو
بكر وعمر وعثمان، وافتراه بعض الوضاعين أيضا فرواه من حديث أنس بلفظ أنا مدينة
العلم وأبو بكر وعمر وعثمان سورها وعلي بابها. فزاد في الحديث ما يؤيد مذهب أهل
السنة من تفضيل الثلاثة على علي لظنه أن في الحديث ما يفضله عليهم بل ما رضى
النواصب بهذا حتى أدخلوا فيه معاوية، فذكره الديلمي من حديث أنس بلفظه: * أنا مدينة
العلم وعلي بابها ومعاوية
(هامش)
(1) لسان الميزان 1: 422. (2) تاريخ ابن عساكر 3: 34. (*) /
ص 157
حلقتها، وسلك بعضهم فيه مسلكا آخر فقال: ليس المراد به علي بن أبي طالب بل هو من
العلو كأن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنا مدينة العلم وأنا بابها العلي، وليس
في الحديث شيء مما توهموه بل هو كقول النبي صلى الله عليه وآله: أعلم أمتي بالحلال
والحرام معاذ، وقوله: أقرؤكم أبي، وقوله: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق
لهجة من أبي ذر (2)، فقد نصوا على أنه ليس فيها ما يدل على أفضلية معاذ وأبي ذر على
غيرهم من الخلفاء الراشدين. ولهذا قال السخاوي في المقاصد الحسنة (2) بعد
الكلام على بعض طرق حديث الباب: وليس في هذا كله ما يقدح في إجماع أهل السنة من
الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله على
الإطلاق أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما، وقال الحافظ العلائي أثناء كلامه عليه
أيضا: ليس هو من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو كحديث: أرحم أمتي بأمتي
يعني المذكور فيه، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ا ه. وبهذا أيضا رد ابن حجر
الهيتمي على من حكم عليه بالوضع فقال: وليس هو مقتضيا لأفضليته على أبي بكر وعمر
وعثمان رضي الله عنهم فهو حديث حسن بل قال الحاكم صحيح ا ه (3)، فهذا يدل على أنهم
إنما حكموا بوضعه لتوهمهم مخالفته للأصول، ووهموا في ذلك كما وهموا في غيره من
الأحاديث التي ظنوها مخالفة للأصول وحكموا بوضعها بناء على ذلك، ورد عليهم غيرهم
ممن عرف أنها غير مخالفة واهتدى لطرق
(هامش)
(1) الغدير 8 ص 312 ط ايران. (2) المقاصد الحسنة ص 98. (3) المستدرك 3: 272. (*)
ص 158
الجمع بينها كما قدمنا كثيرا من أمثلته، وقد قال بعض شراح الطريقة المحمدية الأولى
ف تفضيل الخلفاء الأربعة: أن كل واحد منهم أفضل من الآخر باعتبار الوصف الذي اشتهر
به لأن فضيلة الانسان ليست من حيث ذاته بل باعتبار أوصافه فنقول: إن أبا بكر أفضل
من الصحابة باعتبار كثرة صدقه واشتهاره فيما بينهم، وعمر أفضلهم من جهة العدل،
وعثمان أفضلهم من جهة الحياة، وعلي أفضلهم من جهة العلم واشتهاره به ا ه، ونحوه
لبعض الأئمة الأفراد في القرن العاشر وغيره.
[فصل ]: وأما الكلام التفصيلي فهو مع
الأفراد الذين طعنوا في الحديث أو نقل عنهم ذلك

فنقول: أما يحيى بن معين فإنه تكلم
في أبي الصلت وفي حديثه قبل أن يعرف حال أبي الصلت، وقبل أن يصله حديثه من غير
طريقه كما قال الخطيب، فإنه لما نقل كلامه فيه وفي حديثه من رواية عبد الخالق بن
منصور وغيره تعقب ذلك بقوله: أحسب عبد الخالق سأل يحيى بن معين عن حال أبي الصلت
قديما ولم يكن يحيى إذ ذاك يعرفه ثم عرفه بعد فأجاب إبراهيم بن الجنيد عن حاله قال:
وأما حديث الأعمش فإن أبا الصلت كان يرويه عن أبي معاوية عنه فأنكره أحمد بن حنبل،
ويحيى بن معين عنه فوجد غير أبي الصلت قد رواه عن أبي معاوية فقال: إنه صحيح ومراده
أنه صحيح من حديث أبي معاوية، وليس بباطل إذ قد رواه غير واحد عنه، وقد سأله العباس
ابن محمد الدوري عنه فوثقه ثم سأله عن الحديث فقال: ما تريدون من هذا المسكين أليس
قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي (1). وكذلك سأله ابن محرز عن الحديث فقال: هو من
حديث أبي معاوية
(هامش)
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3: 127. (*)
ص 159
وكذلك روى عنه صالح بن محمد جزره غيرهم وهكذا وقع لأحمد بن حنبل فإنه ما كان يعرف
أبا الصلت ثم عرفه بعد ذلك وأمر ولده بالرواية عنه وهو لا يأذنه بالرواية إلا عن
ثقة كما سبق (1). ثم إن الإمام أحمد كثيرا ما ينكر أحاديث ويحكم ببطلانها لكونها لم
تصله كما نص عليه الحافظ. وأما أبو حاتم وأبو زرعة فمعلوم تشديد هما في الحديث
وحكمهما عليه بالبطلان بأدنى شبهة كما نص عليه الحافظ (2)، وكم من حديث في الصحيح
صرحا بأنه موضوع لا أصل له، ومن رجع إلى (علل) ابن أبي حاتم و(التلخيص الحبير)
للحافظ و(نصب الراية للزيلمي) (3)، وتخريج أحاديث الكشاف له علم ذلك وتحققه على
أنهما كانا يسرقان الجرح والكلام على الأحاديث من البخاري بل ظلماه في كتابه الكبير
في الرجال ونسباه لأنفسهما، فأمرا عبد الرحمن بن أبي حاتم أن يأخذ نسخة من كتاب
البخاري ويسألهما عن الرجال المذكورين فيه، وهما يجيبانه بجواب البخاري حتى أتيا
على جميع الكتاب وتشديد البخاري رحمه الله معلوم معروف. وأما ابن عدي والدار قطني
فكلامهما دعوى مجردة لا دليل عليها وكل كلام لا دليل عليه فهو باطل، فلكل واحد أن
يأتي إلى حديث له طرق متعددة لا يوافق هواه ويطعن فيه بأن أحد رجاله وضعه وسرقه منه
الباقون كما يقول ابن عدي دفعا بالصدر وادعاء بغير دليل، ولهذا قرر علماء الأصول أن
من شرط صحة التواتر عند السامع أن لا يكون
(هامش)
(1) تعجيل المنفعة 16. (2) تعجيل المنفعة ص 6، 4. (3) نصب الراية لأحاديث الهداية
لعبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي المتوفى 762 ط الأولى 1357. (*)
ص 160
متشبعا بضد الخبر المتواتر فإنه إذا كان كذلك لا يقع منه موقع التواتر ولا يوجب
عنده العلم، فهؤلاء لما تعلق بذهنهم بطلان كل ما ورد في فضل علي عليه السلام، وأنه
من وضع الرافضة صاروا يردون من ذلك ما بلغ حد التواتر بادعاء السرقة التي لا يقبلها
العقل السليم. وأما ابن الجوزي فهو مقلد لمن سبقه فلا ينبغي أن يمد في الحاكمين على
الحديث بالوضع لأنه لم يقل ذلك عن اجتهاد، فهو بمنزلة العدم كحال كل مقلد، ولو
فرضنا أنه حكم بذلك اجتهادا فتساهله وتهوره معلوم حتى قال الحافظ فيه (1): إنه حاطب
ليل لا يدري ما يخرج من رأسه وقد كثر اعتراض الناس عليه، وتعقبه فيما حكم عليه من
الأحاديث بالوضع والتحذير من الاغترار بكلامه كما بسطته في غير هذا الموضوع، وقد
تعقبوه على هذا الحديث كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى. (وأما الذهبي): فلا
ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل علي عليه السلام فإنه سامحه الله كان
إذا وقع نظره عليها اعترته حدة أتلفت شعوره وغضب أذهب وجدانه حتى لا يدري ما يقول
وربما سب ولعن من روى فضائل علي عليه السلام كما وقع منه في غير موضع من الميزان
وطبقات الحفاظ تحت ستارة أن الحديث موضوع، ولكنه لا يفعل ذلك فيمن يروي الأحاديث
الموضوعة في مناقب أعدائه، ولو بسطت المقام في هذا لذكرت لك ما تقضي منه بالعجب من
الذهبي رحمه الله تعالى وسترنا عنه آمين. ويكفي في رد كلامه أنه قال في الميزان:
عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي الرجل الصالح إلا أنه شيعي جلد ا ه (2). فما
وصفه بضعف ولا رماه بكذب، تم عند ذكر الحديث في المستدرك أقسم بالله *
(هامش)
*(1) اللآلئ المصنوعة 1: 334. (2) ميزان الاعتدال 2: 129. (*)
ص 161
أن عبد السلام بن صالح ما هو ثقة ولا هو مأمون، فكيف الجمع بين هذا وذاك. وقد تعقبه
الحافظ في حكمه على هذا الحديث بالوضع في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه فإنه أورد له
هذا الحديث وقال: موضوع (1)، فتعقبه الحافظ في اللسان بقوله: وهذا الحديث له طرق
كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق عليه
القول بالوضع (2) ا ه، وصرح الذهبي ببطلان حديث الطير في نحو عشرين موضعا من
الميزان، وضعف به خلائق ليس له على ضعفهم دليل سوى روايته ثم لم يجد بدا من اعترافه
به لكثرة طرقه التي تغلبت على نصبه سامحه الله فصرح بثبوته في تذكرة الحفاظ (3).
وأما النووي رضي الله عنه: فإنه قال ذلك عن تقليد لمن سبقه من الحفاظ، ولو نظر في
طرق الحديث وحكم باجتهاده لما أمكن أن يصدر عنه القول بوضعه فإنه حكم بصحة أحاديث
لا تبلغ رتبة هذا ولا تقاربه، وكم أوقعه التقليد في مزالق الأوهام التي كثر بها
تعقب المتأخرين عليه فيما حكم به على الأحاديث ردا وقبولا وتصحيحا وتضعيفا (4).
وأما صاحب أسنى المطالب فليس هنالك حتى ينتصب في مصاف الرجال وينتظم في سلك
هؤلاء الأبطال، وإنما ذكرته لأنبه على سقوط كتابه المتداول بين العامة فإنه أكثر
الكتب خطأ وأقلها فائدة ونفعا، وما أدري ما الذي دفع صاحبه لتأليفه مع بعده عن
معرفة الحديث وصناعته، والعجب
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 1: 415. (2) لسان الميزان 2: 122. (3) مرت الإشارة إلى هؤلاء
الخلائق ص 11 - المقدمة -. (4) شرح النووي على مسلم 1: 22 - 23. (*)
ص 162
منه إذ يقول في خطبة كتابه: إن عمدته فيه على الشيخ عبد الرؤف المناوي، مع أن
المناوي كتب في التيسير على هذا الحديث ما نصه: وهو حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا
ضعيف فضلا عن كونه موضوعا ووهم ابن الجوزي ا ه. ويزعم أنه رأى كتاب الحافظ ابن حجر
في الأحاديث المشتهرة على الألسنة (1)، ويجعل في المحدثين سخاويين سخاويا كبيرا،
اختصر كتاب شيخه الحافظ ابن حجر، وسخاويا صغيرا اقتصر منه على مجرد الموضوع وكل هذا
لا أصل له، ويقول في حديث: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه: له طرق كلها ضعيفة، وحكم
عليه ابن حجر والعراقي بالوضع ا ه (2). مع أن أصله الذي هو تمييز الطيب من الخبيث
يقول: له طرق ضعيفة، وقد انتقد الحافظ ابن حجر وشيخه العراقي الحكم عليه بالوضع ا
ه. فعكس هو القضية، ويقول في حديث: بني الإسلام على النظافة: ذكره في الإحياء بلا
سند قال مخرجه العسقلاني: لم أجده (3)، ويقول في حديث: الحبة السوداء شفاء من كل
داء: رواه أبو نعيم والطبراني، وقول الأصل رواه البخاري لعله تعليق ا ه (4). مع أن
الحديث مسند في صحيح البخاري في باب الحبة السوداء من كتاب الطب (5)، ويقول: قد
صنفت كتب في الحديث وجميع ما احتوت عليه موضوع منها موضوعات
(هامش)
(1) أسنى المطالب ص 8 - 9. (2) أسنى المطالب ص 26. (3) المصدر السابق ص 79. (4)
المصدر السابق ص 94. (5) صحيح البخاري 7: 13 ط القاهرة 1357. (*) /
ص 163
القضاعي (1) ا ه. وهذا بالهذيان أشبه منه بالكلام، إلى غير هذا مما لعل نصف كتابه
من قبيله، مع أنه مجرد ناقل لكنه يتصرف فيخطئ بل يخطئ في النقل بدون تصرف كما مضى،
والمقصود، أن الرجل وكتابه ساقطان عن درجة الاعتبار والله المستعان.
(هامش)
(1) أسنى المطالب ص 266 للشيخ محمد بن درويس الحوت المتوفى 1276 ط بيروت 1319. (*)
ص 164
خاتمة [في ذكر بعض نصوص المتأخرين في هذا الحديث] قد سبق قول الحافظ السيوطي في
الجامع الكبير : كنت أجيب دهرا عن هذا الحديث بأنه حسن إلى أن وقفت على تصحيح ابن
جرير لحديث علي في (تهذيب الآثار) مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس فاستخرت الله
تعالى وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحيح ا ه. ونقل في (اللآلئ
المصنوعة) عن الحافظ العلائي أنه قال في أجوبته عن الأحاديث التي تعقبها السراج
القزويني على (مصابيح البغوي) وادعى أنها موضوعة ما نصه: حديث أنا مدينة العلم وعلي
بابها قد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات، من طرق عدة وجزم ببطلان الكل،
وكذلك قال بعده جماعة منهم الذهبي في الميزان وغيره، والمشهور به رواية أبي الصلت
عبد السلام بن صالح الهروي عن أبي معاوية عن الأعمش عن ابن عباس، وأبو الصلت مختلف
فيه لكنه توبع فبرئ من عهدته، وأبو معاوية ثقة مأمون من كبار الشيوخ وحفاظهم المتفق
عليهم، وقد تفرد به عن الأعمش فكان ماذا وأي استحالة في أن يقول النبي صلى الله
عليه وآله مثل هذا في حق علي رضي الله عنه، ولم يأت كل من تكلم في هذا الحديث وجزم
بوضعه بجواب عن الروايات الصحيحة عن ابن معين في توثيقه وتصحيح حديثه، ومع ذلك فله
شاهد رواه الترمذي في جامعه وسنده حسن فكيف إذا انضم إلى حديث
ص 165
أبي معاوية ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر ا ه
باختصار (1). وسئل الحافظ عن هذا الحديث فأجاب بقوله: هذا الحديث أخرجه الحاكم في
المستدرك وقال: صحيح (2)، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات، وقال:
إنه كذب والصواب خلاف قولهما معا (3)، وأن الحديث من قسم لا يرتقي إلى الصحة ولا
ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولا ولكن هذا هو المعتمد في ذلك ا ه. قلت: لا
أشك أن الحافظ لم يستحضر ساعة كتابة هذا الجواب إلا الطرق الموجودة في الحاكم، ولو
استحضر غيرها لجزم بارتقائه إلى درجة الصحة، فإنه جزم بصحة أحاديث في (القول
المسدد) لا تبلغ هذا ولا تقاربه (4)، ثم إنه بنى حكمه بالحسن على قاعدة ذكرها في
اللسان ولكنها غير مطردة ولا لازمة، كما بينته في أصول التخريج. وقال الحافظ
السخاوي في المقاصد الحسنة (5) بعد إيراد كلام الحفاظ فيه وبعض طرقه الواهية
وألفاظه الموضوعة التي فيها ذكر أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ما نصه: وبالجملة
فطرقه كلها ضعيفة وأحسنها حديث ابن عباس بل هو حديث حسن ا ه (6).
(هامش)
(1) اللآلئ المصنوعة 1: 329 - 334 ط الأولى. (2) المستدرك 3: 127. (3) اللآلئ
المصنوعة 1: 332. (4) القول المسدد 16. (5) في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على
الألسنة ط القاهرة 1375 / 1956. (6) المقاصد الحسنة ص 98. (*)
ص 166
وعلى هذا درج جميع من جاء بعدهم من المقلدين الذين لا أستجيز الاستدلال بكلامهم فإن
كلام المقلد بمنزلة العدم، وقد ذكرت نصوصهم في جزء جمعته قبل هذا وسميته سبل
السعادة وأبوابها بصحة حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها (1)، ولنا عودة إلى
الكلام عليه في جزء ثالث إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
*
(هامش)
*(1) من كتب المؤلف. (*)