الصفحة 32
1 - أحمد بن حنبل 2 - ابن ماجة 3 - النسائي 4 - الشيباني 5 - أبو يعلى
6 - الطبري 7 - الترمذي 8 - الطحاوي 9 - ابن عقدة 10 - العنبري
11 - أبو حاتم 12 - الطبراني 13 - القطيعي 14 - ابن بطة 15 - الدار قطني
16 - الذهبي 17 - الحاكم 18 - الثعلبي 19 - أبو نعيم 20 - ابن السمان
21 - البيهقي 22 - الخطيب 23 - السجستاني 24 - ابن المغازلي 25 - الحسكاني
26 - العاصمي 27 - الخلعي 28 - السمعاني 29 - الخوارزمي 30 - البيضاوي
31 - الملا 32 - ابن عساكر 33 - أبو موسى 34 - أبو الفرج 35 - ابن الأثير
36 - ضياء الدين 37 - قزأوغلي 38 - الكنجي 39 - التفتازاني 40 - محب الدين
41 - الوصابي 42 - الحمويني 43 - الأيجي 44 - ولي الدين 45 - الزرندي
46 - ابن كثير 47 - الشريف 48 - شهاب الدين 49 - الجزري 50 - المقريزي
51 - ابن الصباغ 52 - الهيثمي 53 - الميبدي 54 - ابن حجر 55 - أصيل الدين
56 - السمهودي 57 - كمال الدين 58 - البدخشي 59 - الشيخاني 60 - السيوطي
61 - الحلبي 62 - ابن باكثير 63 - السهارنپوري 64 - ابن حجر المكي.    
وقد ألمعنا إلى موارد ذكر المقدمة بتعيين الجزء والصفحات من كتب هؤلاء الأعلام فيما أسلفناه عند بيان طرق الحديث عن الصحابة والتابعين، وهناك جمع آخرون من رواتها لا يستهان بعدتهم لا نطيل بذكرهم المقال، أضف إلى ذلك من رواها من علماء الشيعة الذين لا يحصى عددهم.

فهذه المقدمة من الصحيح الثابت الذي لا محيد عن الاعتراف به كما صرح بذلك غير واحد من الأعلام المذكورين (1) فلو كان صلى الله عليه وآله يريد في كلامه غير المعنى الذي صرح به في المقدمة لعاد لفظه (ونجله عن كل سقطة) محلول العرى، مختزلا بعضه عن بعض، وكان في معزل عن البلاغة وهو أفصح البلغاء، وأبلغ من نطق بالضاد، فلا مساغ في الاذعان بارتباط أجزاء كلامه، وهو الحق في كل قول يلفظه عن وحي يوحى، إلا أن نقول باتحاد المعنى في المقدمة وذيها.

ويزيدك وضوحا وبيانا ما في " التذكرة " لسبط ابن الجوزي الحنفي ص 20 فإنه

____________

(1) راجع رواة الحديث من الصحابة والكلمات حول سند الحديث.

الصفحة 33
بعد عد معان عشرة للمولى وجعل عاشرها الأولى قال: والمراد من الحديث: الطاعة المخصوصة، فتعين الوجه العاشر وهو الأولى ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه:

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه.

فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر، ودل عليه أيضا قوله عليه السلام:

ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته.

ا هـ. ونص ابن طلحة الشافعي في " مطالب السئول " ص 16 على ذهاب طايفة إلى حمل اللفظ في الحديث على الأولى. وسيوافيك نظير هذه الجمل في محله إنشاء الله تعالى.

* (القرينة الثانية) *:

ذيل الحديث وهو قوله صلى الله عليه وآله: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. في جملة من طرقه بزيادة قوله: وانصر من نصره، واخذل من خذله. أو ما يؤدي مؤداه، وقد أسلفنا ذكر الجماهير الراوين له فلا موجب إلى التطويل بإعادة ذكرهم، ومر عليك في ذكر الكلمات المأثورة حول سند الحديث ص 266 - 281 بأن تصحيح كثير من العلماء له مصبه الحديث مع ذيله، وفي وسع الباحث أن يقرب كونه قرينة للمدعى بوجوه لا تلتأم إلا مع معنى الأولوية الملازمة للإمامة.

((أحدها)):

أنه صلى الله عليه وآله لما صدع بما خول الله سبحانه وصيه من المقام المشامخ بالرياسة العامة على الأمة جمعاء، والإمامة المطلقة من بعده، كان يعلم بطبع الحال أن تمام هذا الأمر بتوفر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمال مع علمه بأن في الملأ من يحسده كما ورد في الكتاب العزيز (1) وفيهم من يحقده، وفي زمر المنافقين من يضمر له العداء لأوتار جاهلية، وستكون من بعده هناة تجلبها النهمة والشره من أرباب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء، ولا يدع الحق

____________

(1) في قوله: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. أخرج ابن المغازلي في المناقب، وابن أبي الحديد في سرحه 2 ص 236، والحضرمي الشافعي في الرشفة ص 27: إنها نزلت في علي وما خص به من العلم.

الصفحة 34
عليا عليه السلام أن يسعفهم بمبتغاهم لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلبون عليه ظهر المجن، وقد أخبر صلى الله عليه وآله مجمل الحال بقوله: إن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا. وفي لفظ إن تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا راجع ص 12، 13 من هذا الكتاب.

فطفق صلى الله عليه وآله يدعو لمن والاه ونصره، وعلى من عاداه وخذله ليتم له أمر الخلافة، وليعلم الناس أن موالاته مجلبة لموالاة الله سبحانه، وأن عداؤه وخذلانه مدعاة لغضب الله وسخطه، فيزدلف إلى الحق وأهله، ومثل هذا الدعاء بلفظ العام لا يكون إلا فيمن هذا شأنه، ولذلك إن أفراد المؤمنين الذين أوجب الله محبة بعضهم لبعض لم يؤثر فيهم هذا القول، فإن منافرة بعضهم لبعض جزؤيات لا يبلغ هذا المبلغ، وإنما يحصل مثله فيما إذا كان المدعو له دعامة الدين، وعلم الاسلام، وإمام الأمة، وبالتثبط عنه يكون فت في عضد الحق وانحلال لعرى الاسلام.

((ثانيها)):

إن هذا الدعاء بعمومه الأفرادي بالموصول، والأزماني، والأحوالي بحذف المتعلق تدل على عصمة الإمام عليه السلام لإفادته وجوب موالاته ونصرته.

الانحياز عن العداء له وخذلانه على كل أحد في كل حين وعلى كل حال، وذلك يوجب أن يكون عليه السلام في كل تلك الأحوال على صفة لا تصدر منه معصية، ولا يقول إلا الحق، ولا يعمل إلا به، ولا يكون إلا معه، لأنه لو صدر منه شئ من المعصية لوجب الانكار عليه ونصب العداء له لعمله المنكر والتخذيل عنه، فحيث لم يستثن صلى الله عليه وآله من لفظ العام شيئا من أطواره وأزمانه علمنا أنه لم يكن عليه السلام في كل تلك المدد والأطوار إلا على الصفة التي ذكرناها، وصاحب هذه الصفة يجب أن يكون إماما لقبح أن يأمه من هو دونه على ما هو المقرر في محله، وإذا كان إماما فهو أولى الناس منهم بأنفسهم.

((ثالثها)):

إن الأنسب بهذا الدعاء الذي ذيل صلى الله عليه وآله به كلامه، و لا بد أنه مرتبط بما قبله أن يكون غرضه صلى الله عليه وآله بيان تكليف على الحاضرين من فرض الطاعة ووجوب الموالاة، فيكون في الدعاء ترغيب لهم على الطاعة والخضوع له، وتحذير عن المترد والجموح تجاه أمره، وذلك لا يكون إلا إذا نزلنا المولى

الصفحة 35
بمعنى الأولى، بخلاف ما إذا كان المراد به المحب أو الناصر فإنه حينئذ لم يعلم إلا أن عليا عليه السلام محب من يحبه رسول الله صلى الله عليه وآله أو ينصر من ينصره، فيناسب إذن أن يكون الدعاء له إن قام بالمحبة أو النصرة لا للناس عامة إن نهضوا بموالاته، وعليهم إن تظاهروا بنصب العداء له، إلا أن يكون الغرض بذلك تؤكيد الصلاة الودية بينه وبين الأمة إذا علموا أنه يحب وينصر كل فرد منهم في كل حال وفي كل زمان كما أن النبي صلى الله عليه وآله كذلك فهو يخلفه عليهما، وبذلك يكون لهم منجاة من كل هلكة، ومأوى من كل خوف، وملجأ من كل ضعة، شأن الملوك ورعاياهم، والأمراء والسوقة، فإنهما في النبي صلى الله عليه وآله على هذه الصفة، فلا بد أن يكونا فيمن يحذو حذوه أيضا كذلك وإلا لاختل سياق الكلام، فالمعنى على ما وصفناه بعد المماشات مع القوم متحد مع معنى الإمامة، و مؤد مفاد الأولى.

وللحديث ألفاظ أثبتها حفاظ الحديث متصلة به في مختلف تخريجاتهم لا تلتئم إلا مع المعنى الذي حاولنا من المولى.

* (القرينة الثالثة) *:

قوله صلى الله عليه وآله، يا أيها الناس؟ بم تشهدون؟

قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، قال: ثم مه؟ قالوا: وأن محمدا عبده ورسوله، قال:

فمن وليكم؟ قالوا: الله ورسوله مولانا. ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه فقال: من يكن الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه. الحديث.

هذا لفظ جرير وقريب منه لفظ أمير المؤمنين عليه السلام ولفظ زين بن أرقم وعامر بن ليلى، وفي لفظ حذيفة بن أسيد بسند صحيح: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟ (إلى أن قال): قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: أللهم؟

اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه. يعني عليا. (1) فإن وقوع الولاية في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة وسردها عقيب المولوية المطلقة لله سبحانه ولرسوله من بعده لا يمكن إلا أن يراد بها معنى الإمامة الملازمة

____________

(1) راجع ص 22 و 26 و 27 و 33 و 36 و 47 و 55.

الصفحة 36
للأولوية على الناس منهم بأنفسهم.

* (القرينة الرابعة) *:

قوله صلى الله عليه وآله عقيب لفظ الحديث: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بن أبي طالب. وفي لفظ شيخ الاسلام الحمويني: الله أكبر تمام نبوتي، وتمام دين الله بولاية علي بعدي. (1) فأي معنى تراه يكمل به الدين، ويتم النعمة، ويرضي الرب في عداد الرسالة غير الإمامة التي بها تمام أمرها وكمال نشرها وتوطيد دعايمها؟ إذن فالناهض بذلك العبء المقدس أولى الناس منهم بأنفسهم.

* (القرينة الخامسة) *:

قوله صلى الله عليه وآله قبل بيان الولاية: كأني دعيت فأجبت. أو: أنه يوشك أن أدعى فأجيب. أو: ألا وإني أوشك أن أفارقكم. أو:

يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وقد تكرر ذكره عند حفاظ الحديث كما مر (2).

وهو يعطينا علما بأنه صلى الله عليه وآله كان قد بقي من من تبليغه مهمة يحاذر أن يدركه الأجل قبل الإشادة بها، ولولا الهتاف بها بقي ما بلغه مخدجا، ولم يذكر صلى الله عليه وآله بعد هذا الاهتمام إلا ولاية أمير المؤمنين وولاية عترته الطاهرة الذين يقدمهم هو صلوات الله عليه كما في نقل مسلم، فهل من الجايز أن تكون تلك المهمة المنطبقة على هذه الولاية إلا معنى الإمامة المصرح بها في غير واحد من الصحاح؟ وهل صاحبها إلا أولى الناس بأنفسهم؟

* (القرينة السادسة) *:

قوله صلى الله عليه وآله بعد بيان الولاية لعلي عليه السلام:

هنئوني هنئوني إن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالإمامة كما مر ص 274. فصريح العبارة هو الإمامة المخصوصة بأهل بيته الذين سيدهم والمقدم فيهم هو أمير المؤمنين عليه السلام وكان هو المراد في الوقت الحاضر.

ثم نفس التهنئة والبيعة المصافقة والاحتفال بها واتصالها ثلثة أيام كما مرت هذه كلها ص 269 - 283 لا تلائم غير معنى الخلافة والأولوية، ولذلك ترى الشيخين

____________

(1) راجع ص 43 و 165 و 231 و 232 و 233 و 235.

(2) راجع ص 26 و 27 و 30 و 32 و 33 و 34 و 36 و 47 و 176.

الصفحة 37
أبي بكر وعمر لقيا أمير المؤمنين فهنئاه بالولاية. وفيها بيان لمعنى المولى الذي لهج به صلى الله عليه وآله، فلا يكون المتحلى به إلا أولى الناس منهم بأنفسهم.

* (القرينة السابعة) *:

قوله صلى الله عليه وآله بعد بيان الولاية: فليبلغ الشاهد الغايب. كما مر ص 33 و 160 و 198. أو تحسب أنه صلى الله عليه وآله يؤكد هذا التأكيد في تبليغ الغائبين أمرا علمه كل فرد منهم بالكتاب والسنة من الموالاة والمحبة والنصرة بين أفراد المسلمين مشفوعا بذلك الاهتمام والحرص على بيانه؟ لا أحسب أن ضئولة الرأي يسف بك إلى هذه الخطة، لكنك ولا شك تقول : إنه صلى الله عليه وآله لم يرد إلا مهمة لم تتح الفرص لتبليغها ولا عرفته الجماهير ممن لم يشهدوا ذلك المجتمع، وما هي إلا مهمة الإمامة التي بها كمال الدين، وتمام النعمة، ورضى الرب، وما فهم الملأ الحضور من لفظه صلى الله عليه وآله إلا تلك، ولم يؤثر له صلى الله عليه وآله لفظ آخر في ذلك المشهد يليق أن يكون أمره بالتبليغ له، وتلك المهمة لا تساوق إلا معنى الأولى من معاني المولى.

* (القرينة الثامنة) *:

قوله صلى الله عليه وآله بعد بيان الولاية في لفظ أبي سعيد وجابر المذكور ص 43 و 232 و 233 و 234 و 237: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بن بعدي. وفي لفظ وهب المذكور ص 60: إنه وليكم بعدي. وفي لفظ علي الذي أسلفناه ص 165:

ولي كل مؤمن بعدي.

وكذلك ما أخرجه الترمذي، وأحمد، والحاكم، والنسائي، وابن أبي شيبة والطبري، وكثيرون آخرون من الحفاظ بطرق صحيحة من قوله صلى الله عليه وآله إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي، وفي آخر: هو وليكم بعدي.

وما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1 ص 86 وآخرون بإسناد صحيح من قوله صلى الله عليه وآله: من سره أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي. الحديث.

وما أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 ص 86 بإسناد صحيح رجاله ثقات عن حذيفة

الصفحة 38
وزيد وابن عباس عنه صلى الله عليه وآله: من سره أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها: كوني. فكانت، فليتول علي ابن أبي طالب من بعدي.

فإن هذه التعابير تعطينا خبرا بأن الولاية الثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام مرتبة تساوق ما ثبت لصاحب الرسالة مع حفظ التفاوت بين المرتبتين بالأولية والأولوية سواء أريد من لفظ (بعدي) البعدية الزمانية أو البعدية في الرتبة، فلا يمكن أن يراه؟

إذن من المولى إلا الأولوية على الناس في جميع شؤونهم، إذ في إرادة معنى النصرة والمحبة من المولى بهذا القيد ينقلب الحديث ويعد منقصة دون مفخرة كما لا يخفى.

* (القرينة التاسعة) *:

قوله صلى الله عليه وآله بعد إبلاغ الولاية: أللهم أنت شهيد عليهم إني قد بلغت ونصحت. فالإشهاد على الأمة بالبلاغ والنصح يستدعي أن يكون ما بلغه صلى الله عليه وآله ذلك اليوم أمرا جديدا لم يكن قد بلغه قبل. مضافا إلى أن بقية معاني المولى العامة بين أفراد المسلمين من الحب والنصرة لا تتصور فيها أي حاجة إلى الإشهاد على الأمة في علي خاصة، إلا أن تكون فيه على الحد الذي بيناه.

* (القرينة العاشرة) *:

قوله صلى الله عليه وآله قبل بيان الحديث وقد مر ص 165 و 196: إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أن الناس مكذبي فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني. ومر في ص 221 بلفظ: أن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني. وص 166 بلفظ:

إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق ومكذبيهم فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني.

ومر ص 51: لما أمر النبي أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به فانطلق النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر بجاهلية ومتى أفعل هذا به يقولوا: صنع هذا بابن عمه ثم مضى حتى قضى حجة الوداع. الحديث.

ومر ص 219: إن الله أمر محمدا أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولايته فتخوف النبي صلى الله عليه وآله أن يقولوا: حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه. الحديث. ومر ص 217:


الصفحة 39
لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال فقال: يا رب إن قومي حديث عهد بجاهلية (كذا في النسخ) ثم مضى بحجه فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم. الحديث.

ومر ص 217: لما جاء جبرئيل بأمر الولاية ضاق النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ذرعا وقال: قومي حديثو عهد بالجاهلية فنزلت: يا أيها الرسول. الآية.

هذه كلها تنم عن نبأ عظيم كان يخشى في بثه بوادر أهل النفاق وتكذيبهم، فالذي كان يحاذره صلى الله عليه وسلم ويتحقق به القول بأنه حابى ابن عمه يستدعي أن يكون أمرا يخص أمير المؤمنين لا شيئا يشاركه فيه المسلمون أجمع من النصرة والمحبة وما هو إلا الأولوية بالأمر وما جرى مجراها من المعاني.

11 - جاء في أسانيد متكثرة:

التعبير عن موقوف يوم الغدير بلفظ النصب فمر ص 57 عن عمر بن الخطاب: نصب رسول الله عليا علما. و 165 عن علي عليه السلام أمر الله نبيه - ينصبني للناس. وفي قوله الآخر في رواية العاصمي كما تأتي: نصبني علما. ومر ص 199 عن الإمام الحسن السبط: أتعلمون أن رسول الله نصبه يوم غدير خم. وص 200 عن عبد الله بن جعفر: ونبينا قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم. وص 208 عن قيس بن سعد: نصبه رسول الله بغدير خم. وص 219 عن ابن عباس وجابر: أمر الله محمدا أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولايته. وص 231 عن أبي سعيد الخدري: لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية.

فإن هذا اللفظ يعطينا خبرا بإيجاد مرتبة للإمام عليه السلام في ذلك اليوم لم تكن تعرف له من قبل غير المحبة والنصرة المعلومتين لكل أحد والثابتتين لأي فرد من أفراد المسلمين، على ما ثبت من إطراد استعماله في جعل الحكومات، وتقرير الولايات، فيقال: نصب السلطان زيدا واليا على القارة الفلانية، ولا يقال: نصبه رعية له أو محبا أو ناصرا أو محبوبا أو منصورا به على زنة ما يتساوى به أفراد المجتمع الذين هم تحت سيطرة ذلك السلطان.

مضافا إلى مجيئ هذا اللفظ في غير واحد من الطرق مقرونا بلفظ الولاية أو متلوا بكونه للناس أو للأمة. وبذلك كله تعرف أن المرتبة المثبتة له هي الحاكمية المطلقة على الأمة جمعاء، وهي معنى الإمامة الملازمة للأولوية المدعاة في معنى المولى، و

الصفحة 40
يستفاد هذا المعنى من لفظ ابن عباس الآخر الذي مر ص 51 و 217: قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم بعلي المقام الذي قام به.

ويصرح بالمعنى المراد ما مر ص 165 من قوله صلى الله عليه وآله: إن الله أمر أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته فقرب بطاعته طاعتي وأمركم بولايته. وقوله المذكور ص 215: فإن الله قد نصبه لكم وليا وإماما، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جايز قوله.

12 - ما مر ص 52 و 217 من قول ابن عباس بعد ذكره الحديث:

فوجبت والله في رقاب القوم. في لفظ، وفي أعناق القوم. في آخر، فهو يعطي ثبوت معنى جديد مستفاد من الحديث غير ما عرفه المسلمون قبل ذلك وثبت لكل فرد منهم، وأكد ذلك باليمين وهو معنى عظيم يلزم الرقاب، ويأخذ بالأعناق لدة الإقرار بالرسالة لم يساو الإمام عليه السلام فيه غيره، وليس هو إلا الخلافة التي امتاز بها من بين المجتمع الاسلامي، ولا يبارحه معنى الأولوية.

13 - ما أخرجه شيخ الاسلام الحمويني في ((فرايد السمطين)) عن أبي هريرة قال:

لما رجع رسول الله عن حجة الوداع نزلت آية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك.

الآية. ولما سمع قوله تعالى: والله يعصمك من الناس اطمئن قلبه (إلى أن قال بعد ذكر الحديث): وهذه آخر فريضة أوجب الله عباده، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت قوله: اليوم أكملت لكم دينكم. الآية.

يعطينا هذا اللفظ خبرا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله صدع في كلمته هذه بفريضة لم يسبقها التبليغ، ولا يجوز أن يكون ذلك معنى المحبة والنصرة لسبق التعريف بهما منذ دهر كتابا وسنة، فلم يبق إلا أن يكون معنى الإمامة الذي أخر أمره حتى تكتسح عنه العراقيل، وتمرن النفوس بالخضوع لكل وحي يوحى، فلا تتمرد عن مثلها من عظيمة تجفل عنها النفوس الجامحة، وهي الملائمة لمعنى الأولى.

14 - تقدم ص 29 و 36 في حديث زيد بن أرقم بطرقه الكثيرة:

إن ختنا له سأله عن حديث غدير خم فقال له: أنتم أهل العراق فيكم ما فيكم. فقلت له: ليس عليك

الصفحة 41
مني بأس. فقال: نعم: كنا بالجحفة فخرج رسول الله. الحديث. ومر ص 24 عن عبد الله ابن العلا أنه قال للزهري لما حدثه بحديث الغدير: لا تحدث بهذا بالشام. وأسلفناك ص 273 عن سعيد بن المسيب أنه قال: قلت لسعد بن أبي وقاص: إني أريد أن أسألك عن شيئ وإني أتقيك. قال: سل عما بدا لك فإنما أنا عمك.

فإن الظاهر من هذه كلها أنه كان بين الناس للحديث معنى لا يأتمن معه راويه من أن يصيبه سوء أولدته العداوة للوصي صلوات الله عليه في العراق وفي الشام، و لذلك إن زيدا اتقى ختنه العراقي وهو يعلم ما في العراقيين من النفاق والشقاق يوم ذاك، فلم يبد بسره حتى أمن من بوادره فحدثه بالحديث، وليس من الجايز أن يكون المعنى حينئذ هو ذلك المبتذل بكل مسلم، وإنما هو معنى ينوء بعبأه الإمام عليه السلام بمفرده، فيفضل بذلك على من سواه، وهو معنى الخلافة المتحدة مع الأولوية المرادة.

15 - احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بالحديث يوم الرحبة:

احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بالحديث يوم الرحبة بعد أن آلت إليه الخلافة ردا على من نازعه فيها كما مر ص 344 وإفحام القوم به لما شهدوا، فأي حجة له في المنازعة بالخلافة في المعنى الذي لا يلازم الأولوية على الناس من الحب والنصرة؟.

16 - مر في حديث الركبان ص 187 - 191:

أن قوما منهم أبو أيوب الأنصاري سلموا على أمير المؤمنين عليه السلام بقولهم: السلام عليك يا مولانا؟ فقال عليه السلام كيف أكون مولاكم وأنتم رهط من العرب؟ فقالوا: إنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.

فأنت جد عليم بأن أمير المؤمنين لم يتعجب أو لم يرد كشف الحقيقة للملأ الحضور لمعنى مبذول هو شرع سواء بين أفراد المسلمين، وهو أن يكون معنى قولهم السلام عليك يا محبنا أو ناصرنا. لا سيما بعد تعليل ذلك بقوله: وأنتم رهط من العرب.

فما كانت النفوس العربية تستنكف من معنى المحبة والنصرة بين أفراد جامعتها، و إنما كانت تستكبر أن يخص واحد منهم بالمولوية عليهم بالمعنى الذي نحاوله، فلا ترضخ له إلا بقوة قاهرة عامتهم، أو نص إلهي يلزم المسلمين منهم، وما ذلك

الصفحة 42
إلا معنى الأولى المرادف للإمامة والولاية المطلقة التي استحفى عليه السلام خبرها منهم فأجابوه باستنادهم في ذلك إلى حديث الغدير.

17 - قد سلفت في ص 191:

إصابة دعوة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أناسا كتموا شهادتهم بحديث الغدير في يومي مناشدة الرحبة والركبان، فأصابهم العمى والبرص، والتعرب بعد الهجرة، أو آفة أخرى، وكانوا من الملأ الحضور في مشهد يوم الغدير.

فهل يجد الباحث مساغا لاحتمال وقوع هاتيك النقم على القوم، وتشديد الإمام عليه السلام بالدعاء عليهم لمحض كتمانهم معنى النصرة والحب العامين بين أفراد المجتمع الديني، فكان من الواجب إذن أن تصيب كثيرا من المسلمين الذين تشاحنوا، وتلاكموا، وقاتلوا، فقموا جذوم تينك الصفتين، وقلعوا جذورهما، فضلا عن كتمان ثبوتهما بينهم، لكن المنقب لا يرى إلا أنهم وسموا بشية العار، وأصابتهم الدعوة بكتمانهم نبئا عظيما يختص به هذا المولى العظيم صلوات الله عليه، وما هو إلا ما أصفقت عليه النصوص، وتراكمت القراين من إمامته وأولويته على الناس منهم بأنفسهم.

ثم إن نفس كتمانهم للشهادة لا تكون لأمر عادي هو شرع سواء بينه وبين غيره، وإنما الواجب أن تكون فيه فضيلة يختص بها، فكأنهم لم يرقهم أن يتبجح الإمام بها فكتموها لكن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحق، وأبقت عليهم مثلبة لايحة على جبهاتهم وجنوبهم وعيونهم ما داموا أحياءا، ثم تضمنتها طيات الكتب فعادت تلوكها الأشداق، وتتناقلها الألسن حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

18 - مر بإسناد صحيح ص 174 و 175:

في حديث مناشدة الرحبة من طريق أحمد والنسائي والهيثمي ومحب الدين الطبري: إن أمير المؤمنين عليه السلام لما ناشد القوم بحديث الغدير في الرحبة شهد نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم سمعوه منه قال أبو الطفيل: فخرجت وكأن في نفسي شيئا (1) فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت عليا رضي الله عنه يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول

____________

(1) كذا في لفظ أحمد، وفي لفظ النسائي: وفي نفسي منه شئ. وفي لفظ محب الدين:

وفي نفسي من ريبة شئ.

الصفحة 43
الله صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك.

فما الذي تراه يستكبره أو يستنكره أبو الطفيل من ذلك؟ أهو صدور الحديث؟

ولا يكون ذلك لأن الرجل شيعي متفان في حب أمير المؤمنين عليه السلام ومن ثقاته، فلا يشك في حديث رواه مولاه، لا، بل هو معناه الطافح بالعظمة فكان عجبه من نكوس القوم عنه وهم عرب أقحاح يعرفون اللفظ وحقيقته، وهم أتباع الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه فاحتمل أنه لم يسمعه جلهم، أو حجزت العراقيل بينهم وبين ذلك، فطمنه زيد بن أرقم بالسماع، فعلم أن الشهوات حالت بينهم وبين البخوع له، وما ذلك المعنى المستعظم إلا الخلافة المساوقة للأولوية دون غيرها من الحب والنصرة، وكل منهما منبسط على أي فرد من أفراد الجامعة الإسلامية.

19 - سبق أيضا ص 239 - 246:

حديث إنكار الحارث الفهري معنى قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث الغدير، وشرحنا ص 343 تأكد عدم التئامه مع غير الأولى من معاني المولى.

20 - أخرج الحافظ ابن السمان كما في الرياض النضرة 2 ص 170:

وذخاير العقبى للمحب الطبري ص 68، ووسيلة المآل للشيخ أحمد بن باكثير المكي، ومناقب الخوارزمي ص 97، والصواعق ص 107 عن الحافظ الدارقطني عن عمر وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلي: إقض بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.

وعنه وقد نازعه رجل في مسألة فقال: بيني وبينك هذا الجالس، وأشار إلى علي بن أبي طالب فقال الرجل: هذا الأبطن؟ فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتى شاله من الأرض ثم قال: أتدري من صغرت؟ هذا مولاي ومولى كل مسلم.

وفي الفتوحات الإسلامية 2 ص 307 حكم علي مرة على أعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلببه عمر بن الخطاب وقال: له ويلك إنه مولاك ومولى كل مؤمن و مؤمنة. وأخرج الطبراني إنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي - أي من التعظيم - شيئا