الصفحة 44
لا تصنع مع أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه مولاي. وذكره الزرقاني المالكي في شرح المواهب ص 13 عن الدارقطني.

فإن المولوية الثابتة لأمير المؤمنين التي اعترف بها عمر على نفسه وعلى كل مؤمن زنة ما اعترف به يوم غدير خم، وشفع ذلك بنفي الإيمان عمن لا يكون الوصي مولاه، أي لم يعترف له بالمولوية، أو لم يكن هو مولى له أي محبا أو ناصرا، ولكن على حد ينفي عنه الإيمان إن انتفى عنه ذلك الحب والنصرة، لا ترتبط إلا مع ثبوت الخلافة له، فإن الحب والنصرة العاديين المندوب إليهما بين عامة المسلمين لا ينفي بانتفائه الإيمان، ولا يمكن القول بذلك نظرا إلى ما شجر من الخلاف والتباغض بين الصحابة والتابعين حتى آل في بعض الموارد إلى التشاتم، والتلاكم، وإلى المقاتلة، والمناضلة، وكان بعضها بمشهد من النبي صلى الله عليه وآله فلم ينف عنهم الإيمان، ولا غمز القائلون بعدالة الصحابة أجمع في أحد منهم بذلك، فلم يبق إلا أن تكون الولاية التي هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولوية المقصودة سواء أوعز عمر بكلمته هذه إلى حديث الغدير كما تومي إليه رواية الحافظ محب الدين الطبري لها في ذيل أحاديث الغدير، أو أنه أرسلها حقيقة راهنة ثابتة عنده من شتى النواحي.

* (تذييل) *

عزى ابن الأثير في النهاية 4 ص 246، والحلبي في السيرة 3 ص 304 وبعض آخر إلى القيل وذكروا أن السبب في قوله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه: إن أسامة بن زيد قال لعلي: لست مولاي إنما مولاي رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه.

إن من روى هذه الرواية المجهولة أراد حطا من عظمة الحديث، وتحطيما لمنعته فصوره بصورة مصغرة لا تعدو عن أن تكون قضية شخصية، وحوارا بين اثنين من أفرد الأمة، أصلحه رسول الله بكلمته هذه، وهو يجهل أو يتجاهل عن أنه تخصمه على تلك المزعمة الأحاديث المتضافرة في سبب الإشادة بذلك الذكر الحكيم من نزول آية التبليغ إلى مقدمات ومقارنات أخرى لا يلتأم شئ منها مع هذه الأكذوبة، ومثلها الآية الكريمة الناصة بكمال الدين، وتمام النعمة، ورضى الرب بذلك الهتاف المبين،

الصفحة 45
وليست هذه لعظمة من قيمة الاصلاح بين رجلين تلاحيا، لكن ذهب على الرجل أنه لم يزد إلا تأكيدا في المعنى وحجة على الخصم على تقدير الصحة.

فهب أن السبب لذلك البيان الواضح هو ما ذكر لكنا نقول: إن ما أنكره أسامة على أمير المؤمنين عليه السلام من معنى المولى وأثبته لرسول الله خاصه دون أي أحد لا بد أن يكون شيئا فيه تفضيل لا معنى ينوء به كل أحد حتى أسامة نفسه ولا تفاضل بين المسلمين من ناحيته في الجملة، وذلك المعنى المستنكر المثبت لا يكون إلا الأولوية أو ما يجري مجراها من معاني المولى.

ونقول: إن النبي صلى الله عليه وآله لما علم أن في أمته من لا يلاحي ابن عمه ويناوئه بالقول ويخشى أن يكون له مغبة وخيمة تأول إلى مضادته، ونصب العراقيل أمام سيره الإصلاحي من بعده، عقد ذلك المحتشد العظيم فنوه بموقف وصيه من الدين، وزلفته منه، ومكانته من الجلالة، وإنه ليس لأحد من أفراد الأمة أن يقابله بشئ من القول أو العمل وإنما عليهم الطاعة له، والخضوع لأمره، والرضوخ لمقامه، وأنه يجري فيهم مجراه من بعده، فاكتسح بذلك المعاثر عن خطته، وألحب السنن إلى طاعته، وقطع المعاذير عن محادته بخطبته التي ألقاها، ونحن لم نأل جهدا في إفاضة القول في مفاده.

ويشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 5 ص 347 وآخرون عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال: يا بريدة؟ ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله؟ قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

فكأن راوي هذه القصة كراوي سابقتها أراد تصغيرا من صورة الأمر فصبها في قالب قضية شخصية، ونحن لا يهمنا ثبوت ذلك بعد ما أثبتنا حديث الغدير بطرقه المربية على التواتر، فإن غاية ما هنالك تكريره صلى الله عليه وآله اللفظ بصورة نوعية تارة وفي صورة شخصية أخرى، لتفهيم بريدة أن ما حسبه جفوة من أمير المؤمنين لا يسوغ له الوقيعة فيه على ما هو شأن الحكام المفوض إليهم أمر الرعية، فإذا جاء الحاكم

الصفحة 46
بحكم فيه الصالح العام ولم يرق ذلك لفرد من السوقة ليس له أن يتنقصه، فإن الصالح العام لا يدحضه النظر الفردي، ومرتبة الولاية حاكمة على المبتغيات الشخصية فأراد صلى الله عليه وآله أن يلزم بريدة حده فلا يتعدى طوره بما أثبته لأمير المؤمنين من الولاية العامة نظير ما ثبت له صلى الله عليه وآله بقوله صلى الله عليه وسلم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟.



هذا بيان للناس وهدى وموعظة
للمتقين

((آل عمران 138))


الصفحة 47

الأحاديث المفسرة

لمعنى المولى والولاية

وقبل هذه القرائن كلها تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه معنى لفظه وبعده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حذو القذة بالقذة.

أخرج القرشي علي بن حميد في - شمس الأخبار - ص 38 نقلا عن (سلوة العارفين) للموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني والد المرشد بالله بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما سئل عن معنى قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه.

قال: الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه.

ومر في صفحة 200 في حديث احتجاج عبد الله بن جعفر على معاوية قوله:

يا معاوية؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر وأنا بين يديه، وعمر بن أبي سلمة، وأسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، و أبو ذر، والمقداد، والزبير بن العوام، وهو يقول: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلنا:

بلى يا رسول الله؟ قال: أليس أزواجي أمهاتكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله؟ قال: من كنت مولاه فعلي مولاه أولى به من نفسه، وضرب بيده على منكب علي فقال: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ أيها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر، وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر (إلى أن قال عبد الله): ونبينا صلى الله عليه وآله قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم، وفي غير موطن، واحتج عليهم به، وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنه ولي كل مؤمن من بعده، وأنه كل من كان هو وليه فعلي وليه، و من كان أولى به من نفسه فعلي أولى به، وأنه خليفته فيهم ووصيه. الحديث.


الصفحة 48
ومر ص 165 فيما أخرجه شيخ الاسلام الحمويني في حديث احتجاج أمير - المؤمنين عليه السلام أيام عثمان قوله: ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا بلى يا رسول الله؟ قال: قم يا علي؟ فقمت فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فقام سلمان فقال: يا رسول الله؟ ولاء كماذا؟ قال: ولاء كولاي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه.

وسبق ص 196 في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين قوله: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس؟ إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين و أولى بهم من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله؟ ولاء كماذا؟ فقال: ولاء كولاي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه.

وروى الحافظ العاصمي في " زين الفتى " قال: سئل علي بن أبي طالب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال: نصبني علما إذ أنا قمت فمن خالفني فهو ضال.

يريد عليه السلام بالقيام قيامه في ذلك المشهد (يوم الغدير) لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله ليرفعه فيعرفه وينصبه علما للأمة وقد مر ذلك ص 15 و 23 و 165 و 217 وأشار إليه حسان في ذلك اليوم بقوله:

فقال له: قم يا علي؟ فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا

وفي حديث رواه السيد الهمداني في مودة القربى: فقال (رسول الله): معاشر الناس؟ أليس الله أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني مالي على الله أمر ولا نهي؟ قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من أمر ولا نهي، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، و أخذل من خذله، أللهم؟ أنت شهيد عليهم إني قد بلغت ونصحت.

وقال الإمام الحافظ الواحدي بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم

الصفحة 49
لعلي مسؤول عنها يوم القيامة، روى في قوله تعالى: وقفوهم إنهم مسؤولون. أي عن ولاية علي رضي الله عنه والمعنى: إنهم يسألون هل والوه حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ أم أضاعوها وأهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة.

وذكره وأخرج حديثه شيخ الاسلام الحمويني في " فراد السمطين " في الباب الرابع عشر، وجمال الدين الزرندي في - نظم درر السمطين -، وابن حجر في " الصواعق " ص 89، والحضرمي في " الرشفة " ص 24.

وأخرج الحمويني من طريق الحاكم أبي عبد الله ابن البيع عن محمد بن المظفر قال: ثنا عبد الله بن محمد بن غزوان: ثنا علي بن جابر: ثنا محمد بن خالد الحافظ ابن عبد الله: ثنا محمد بن فضيل: ثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني ملك فقال: يا محمد سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقالوا: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

وقال: وروي عن علي عليه السلام أنه قال: جعلت الموالاة أصلا من أصول الدين. وأخرج من طريق الحاكم ابن البيع: ثنا محمد بن علي: ثنا أحمد بن حازم: ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي عن سفيان بن إبراهيم الحرنوي عن أبيه عن أبي صادق قال: قال علي: أصول الاسلام ثلاثة لا ينفع واحد منها دون صاحبه: الصلاة. والزكاة. والموالاة.

ومر ص 382 عن عمر بن الخطاب نفي الإيمان عمن لا يكون أمير المؤمنين مولاه.

وقال الآلوسي في تفسيره 23 ص 74 في قوله تعالى: وقفوهم إنهم مسئولون. بعد عد الأقوال فيها: وأولى هذه الأقوال أن السؤال عن العقايد والأعمال ورأس ذلك لا إله إلا الله ومن أجله ولاية علي كرم الله تعالى وجهه.

ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم لم يجزها أحد إلا من كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب. وأخرجه محب الدين الطبري في الرياض 2 ص 172.

ولا يسعنا المجال لذكر ما وقفنا عليه من المصادر الكثيرة المذكور فيها ما ورد في قوله تعالى: وقفوهم إنهم مسئولون. وقوله: سل من أرسلنا قبلك من رسلنا

الصفحة 50
وما أخرجه الحفاظ عن النبي صلى الله عليه وآله من حديث البراءة والجواز. فلا أحسب أن ضميرك الحر يحكم بملائمة هذه كلها مع معنى أجنبي عن الخلافة و والأولوية على الناس من أنفسهم، ويراه مع ذلك أصلا من أصول الدين. وينفي الإيمان بانتفائه، ولا يرى صحة عمل عامل إلا به.

وهذه الأولوية المعدودة من أصول الدين والمولوية التي ينفي الإيمان بانتفائها كما مر في كلام عمر ص 382 صرح بها عمر لابن عباس في كلامه الآخر ذكره الراغب في محاضراته 7 ص 213 عن ابن عباس قال: كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب فقال: أما والله يا بني عبد المطلب؟ لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر. فقلت في نفسي لا أقالني الله إن أقلته، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما الأمر منا دون الناس، فقال: إليكم يا بني عبد المطلب؟ أما إنكم أصحاب عمر بن الخطاب، فتأخرت وتقدم هنيهة، فقال: سر، لا سرت، وقال: أعد علي كلامك. فقلت: إنما ذكرت شيئا فرددت عليه جوابه ولو سكت سكتنا. فقال: إنا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب و قريش لما قد وترها، قال: فأردت أن أقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك؟ فقال: لا جرم، فكيف ترى؟ والله ما نقطع أمرا دونه، ولا نعمل شيئا حتى نستأذنه.

وفي شرح نهج البلاغة 2 ص 20 قال " عمر ": يا بن عباس أما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا خفناه على اثنين - إلى أن قال ابن عباس -: فقلت: وما هما يا أمير المؤمنين؟ قال: خفناه على حداثة سنه، وحبه بني عبد المطلب، وفي ج 2 ص 115: كرهناه على حداثة السن وحبه بني عبد المطلب.

والشهادة بولاية أمير المؤمنين بالمعنى المقصود هي نور وحكمة مودوعة في قلوب مواليه عليه السلام، ودونها كانت تشد الرحال، ولتعيين حامل عبأها كانت تبعث الرسل، كما ورد فيما أخرجه البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 30 في حديث طويل جرى بين ابن عباس ورجل من أهل الشام من حمص ففيه: قال الشامي: يا بن عباس؟


الصفحة 51
إن قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردني بغير حاجتي فإن القوم هالكون في أمر علي ففرج عنهم فراج الله عنك. فقال ابن عباس: يا أخا أهل الشام؟

إن مثل علي في هذه الأمة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى عليه السلام - ثم ذكر حديث أم سلمة وفيه لعلي فضايل جمة - فقال الشامي يا بن عباس ملأت صدري نورا وحكمة، وفرجت عني فرج الله عنك، أشهد أن عليا رضي الله عنه مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.



هذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات
لقوم يذكرون

((الأنعام 136))


الصفحة 52

كلمات حول مفاد الحديث

للأعلام الأئمة في تآليفهم

لقد تمخضت الحقيقة من معنى المولى، وظهرت بأجلى مظاهرها، بحيث لم يبق للخصم منتدح عن الخضوع لها، إلا من يبغي لدادا، أو يرتاد انحرافا عن الطريقة المثلى، ولقد أوقفنا السير على كلمات درية لجمع من العلماء حداهم التنقيب إلى صراح الحق، فلهجوا به غير آبهين بما هنالك من جلبة ولغط، فإليك عيون ألفاظهم:

1 - قال ابن زولاق الحسن بن إبراهيم أبو محمد المصري المتوفى 387 في " تاريخ مصر ": وفي ثمانية عشر من ذي الحجة سنة 362 وهو يوم الغدير تجمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء، لأنه يوم عيد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه واستخلفه (1)

يعرب هذا الكلام عن أن ابن زولاق وهو ذلك العربي المتضلع لم يفهم من الحديث إلا المعنى الذي نرتأيه، ولم ير ذلك اليوم إلا يوم عهد إلى أمير المؤمنين واستخلاف.

2 - قال الإمام أبو الحسن الواحدي المتوفى 468 بعد ذكر حديث الغدير:

هذه الولاية التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم هي مسؤول عنها يوم القيامة. راجع تمام العبارة ص 387.

3 - قال حجة الاسلام أبو حامد الغزالي المتوفى 505 في كتابه: سر العالمين (2) ص 9: إختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنها بالنص، ودليلهم في المسألة قوله تعالى:

قل للمخلفين من الأعراب ستدعون

____________

(1) وحكاه عنه المقريزي في الخطط 2 ص 222.

(2) لا شك في نسبة الكتاب إلى الغزالي فقد نص عليه الذهبي " في ميزان الاعتدال " في ترجمة الحسن بن صباح الاسماعيلي وينقل عنه قصته، وصرح بها سبط ابن الجوزي في " التذكرة " ص 36 و شطرا من الكلام المذكور.

الصفحة 53
إلى قوم أولي بأس شديد فقاتلوهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا و إن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا شديدا. وقد دعاهم أبو بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطاعة فأجابوا، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا، قال في الحديث: إن أباك هو الخليفة من بعدي يا حميراء. وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلى من نرجع؟ فأشار إلى أبي بكر. ولأنه أم بالمسلمين على بقاء رسول الله والامامة عماد الدين.

هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص ثم تأولوا وقالوا: لو كان علي أول الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعا كما لا يقدح في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخرا، والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أن هذا وما يتعلق به فاسد وتأويل بارد جاء على زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام مثل داود، وزكريا، وسليمان، ويحيى قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة، فبهذا تعلقوا وهذا باطل إذ لو كان ميراثا لكان العباس أولى.

لكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن؟ لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فهذا تسليم، ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدهام الخيول، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون.

4 - قال شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في [ تذكرة خواص الأمة ] ص 18: إتفق علماء السير إن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. نص صلى الله عليه وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة، وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك طار في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار (ثم ذكر ما مر