علي إمامنا

الصفحة السابقة الصفحة التالية

علي إمامنا

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 1

علي إمامنا وإمامكم أبو بكر

 أيها المسلم: إذا كنت واعيا، تفهم ما تسمع، وتفقه ما تقرأ، وكنت أيضا حرا في تفكيرك، حرا في عقيدتك، ولآراء غيرك لا تخضع، إذا ما رأيتها تصطدم مع دينك وعقلك، فاقرأ هذا الكتاب بإمعان، ثم اختر عليا (عليه السلام) إماما لك، أو أبا بكر، أيهما شئت، لتحشر معه يوم القيامة، يوم يدعى كل أناس بإمامهم (لا إكراه في الدين). وإذا كنت بخلاف ذلك فدع قرائته (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون). محمد الرضي الرضوي

ص1

(يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) القرآن الكريم علي إمامنا وإمامكم أبو بكر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز. أبو بكر بن أبي قحافة

 محمد الرضي الرضوي

ص2

(والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا). (والسابقون السابقون، أولئك المقربون، في جنات النعيم). (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). (إنما يخشى الله من عباده العلماء). (هل يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولو الألباب). (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة). (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير). (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد). القرآن الكريم

ص3

الإهداء

 إلى: من له عقل يمنعه من إيثار الباطل على الحق، ودين يردعه من اختيار الضلالة على الهدى، ومن التقليد الذميم للسلف الرميم. إلى: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه من أتباع المذاهب الأربعة، ومن لف لفهم، ودان باعتقادهم في أبي بكر وخلافته كتبت هذا الكتاب.

الرضوي

ص4

(فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب). بيديك أيها القارئ الحر اللبيب أحاديث من أحاديث السنة أصحاب المذاهب الأربعة، وأقوال هي لثلة من رجالاتهم، سجلوها في كتبهم وأسفارهم تعرب لك عن واقع شخصيتين، وتعرفك بحقيقة رجلين، كل واحد منهما هو قدوة وإمام لفرقة كبيرة تنتحل الإسلام وتعتقد أنها على حق وهدى، ومن خالفها في اعتقادها على ضلالة وردى. الشخصية الأولى: شخصية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الهاشمي (عليه السلام) ابن عم رسول الله وزوج ابنته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين. فالشيعة الإمامية تعتقد أنه (عليه السلام) هو الإمام بالحق، والخليفة الشرعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لنص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه بالخلافة بأمر من الله تعالى، وفي خلافته وإمامته نزلت هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)(1) فلا خليفة، ولا إمام عندهم بعد ابن عمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سواه، ولهم على ذلك أدلة كثيرة من القرآن والسنة والعقل، يستندون إليها في دعم عقيدتهم هذه، وقد روى الكثير منها السنة أصحاب المذاهب الأربعة عن الصحابة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحاحهم

(هامش)

(1) ذكرنا في كتابنا (علي في القرآن فأين تذهبون)؟ أسماء الكتب السنية التي روت نزول هذه الآية في إمامنا (عليه السلام) في أحاديث رواها السنة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتبهم. (*)

ص5

ومسانيدهم(1) وستقف على البعض منها في هذا الكتاب. والغريب أن أصحاب المذاهب الأربعة مع رواياتهم للنصوص الصريحة على إمامنا (عليه السلام) بالخلافة، والإمامة، والولاية بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحاحهم ومسانيدهم يقولون: مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينص على أحد بالخلافة من بعده (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) (2). فأبو بكر بن أبي قحافة التيمي عندهم هو خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأفضل المسلمين إطلاقا من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث اختاره الناس للخلافة، وارتضوه للإمامة، هكذا يقولون. وأنت أيها القارئ الحر النبيل إذا ما قارنت بين ما رووه هم أنفسهم في إمامنا (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحاديث، وما قاله علماؤهم فيه (عليه السلام) من إطراء بالغ، بما رووه هم أنفسهم أيضا في إمامهم أبي بكر، وقالوه فيه، مما ستقف عليه في هذا الكتاب، وحكمت عقلك وعلمك في ذلك كله بعد تركك التعصب الذميم جانبا ورفضك سيرة السلف الماضين وصرت عنها راغبا، عرفت أن السنة أصحاب المذاهب الأربعة ومن لف لفهم خاطئون في اختيارهم أبا بكر، وناكبون في ذلك على الصراط المستقيم، وأن الحق في ذلك مع الشيعة الإمامية، أتباع العترة الطاهرة النبوية، فإن كثيرا مما رووه في إمامهم أبي بكر، أو قالوه فيه مما ستقف عليه في هذا الكتاب لا يؤهله للمقام الذي يدعونه له، بل هو مما ينفيه عنه ويقصيه إلى أبعد حد، وما رووه في إمامنا (عليه السلام) يدعم صحة اعتقادنا فيه، وأنه الإمام بالحق، والخليفة الأول للمسلمين. والجدير بمقام الخلافة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). قال الدكتور محمد التيجاني: ومن الأسباب التي دعتني للاستبصار، وترك سنة الآباء

(هامش)

(1) ذكرنا طائفة كبيرة منها في كتابنا (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم؟). (2) سورة النمل آية 14. (*)

ص6

والأجداد هي الموازنة العقلية والنقلية، بين علي بن أبي طالب وأبي بكر(1). وبعد هذا كله فأنت حر أيها المسلم الواعي في اختيار أيهما شئت إماما لك، تدين الله باتباعه، وتبرء إلى الله من أعداءه (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) (2). ولا تنس قوله تعالى (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) (3) فإنك سوف تحشر في الآخرة مع الذي اخترته لك إماما في الدنيا لا محالة، فتكون معه أينما يكون، وذلك بعد أن يحكم الله تعالى بين عباده يوم الفصل والقضاء، هداك الله إلى الصراط المستقيم.

محمد الرضي الرضوي مؤلف كتاب

 (لماذا نحن شيعة؟)

(هامش)

(1) ثم اهتديت. (2) سورة البقرة آية 256. (3) سورة الإسراء آية 71. (*)

ص7

- 1 - فرض الله تعالى في القرآن الكريم ولاية إمامنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) على جميع المسلمين

كما فرض ولايته وولاية رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم. وهل فرض فيه ولاية إمامكم؟ أنزل الله تعالى في ولاية إمامنا (عليه السلام) على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية الكريمة (إنما وليكم صواعق المحرقة

ص173

طبع مصر عام 1375 دار الطباعة المحمدية (*)

ص13

ومن عناية الله تعالى بإمامنا أن قيض قوما من اتباع إمامكم أبي بكر يروون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الفضل الكبير لإمامنا على إمامكم ومن سميتموه خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ذلك من الحجة الدامغة لكم لو كنتم تشعرون. ألا يدل عدولكم عن إمامنا واختياركم أبا بكر إماما لكم، وتقديمكم إياه على من فرض الله مودته ومودة أهل بيته عليه وعلى جميع المسلمين في كتابه الكريم على انحرافكم عن الحق، واستبدالكم الأدنى بالذي هو خير فلا تتفكرون؟ أمر الله تعالى المؤمنين في القرآن الكريم بالكون مع إمامنا (عليه السلام)، لا مع إمامكم فقال عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(1). روى محمد بن يوسف الكنجي الشافعي مسندا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال: مع علي بن أبي طالب. قال الكنجي: قلت: هكذا رواه محدث الشام في تاريخه في ترجمة علي (عليه السلام) وذكر طرقه (2). وروى الحاكم الحسكاني عن ابن عباس في قوله (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال: نزلت في علي بن أبي طالب خاصة (3). وروى إبراهيم بن محمد الجويني (4) مسندا عن ابن عباس (رضي الله عنه) في هذه الآية (يا أيها

(هامش)

(1) سورة التوبة آية 119. (2) كفاية الطالب

ص236

ط النجف عام 1390 المطبعة الحيدرية. (3) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج 1

ص260

ط بيروت عام 1393. (4) ترجمه اليافعي في (مرآة الجنان) ج 3

ص24

فقال: إمام الحرمين فحل الفروع والأصلين أبو المعالي عبد الملك ابن شيخ الإسلام أبي محمد الجويني وفي

ص123

منه قال الإمام الحفيل، السيد الجليل، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته، وتفننه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك الإمام الناقد المحقق البارع النجيب المدقق، أستاذ الفقهاء المتكلمين، وفحل النجباء والمناظرين... إمام الحرمين، حامل راية المفاخر، وعلم الأعلام الأكابر، أبو المعالي عبد الملك. (*)

ص14

الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، قال: مع علي بن أبي طالب وأصحابه(1). وقال سبط بن الجوزي: قال علماء السير: معناه كونوا مع علي (عليه السلام) وأهل بيته (2). وأخرج أبو نعيم، وصاحب المناقب، عن الباقر والرضا رضي الله عنهما قالا: الصادقون هم الأئمة من أهل البيت (3) وعن ابن عباس: علي سيد الصادقين (2).

الرضوي:

 فإذا أوجب الله على المؤمنين كافة الكون مع إمامنا علي (سيد الصادقين) بحكم هذه الآية الكريمة دل على أنه أفضل منهم أجمعين، ومنهم إمامكم أبو بكر. فوجب عليه أن يكون مع إمامنا، إن رأى نفسه داخلا في عموم الخطاب في هذه الآية الكريمة. طهر الله تعالى في القرآن الكريم إمامنا (عليه السلام) من الرجس ولم يطهر إمامكم منه روى مسلم (4) مسندا عن عائشة بنت أبي بكر قالت: خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غداة وعليه

(هامش)

(1) فرائد السمطين ج 1

ص370

ط بيروت عام 1398، نظم درر السمطين

ص91

ط النجف عام 1377 مطبعة القضاء. (2) تذكرة خواص الأمة

ص20

ط النجف عام 1369 المطبعة العلمية. (3) ينابيع المودة

ص119

ط اسلامبول عام 1302. (4) نقل اليافعي (في مرآة الجنان) ج 2 صفحة 174 طبع حيد آباد الدكن عام 1338 عن أبي عبد الله النيسابوري أنه قال: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث. (*)

ص15

مرط(1) مرحل (2) من شعر أسود. فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3) (4). وفي جواهر العقدين أخرج أحمد في المناقب، وابن جرير، والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية في خمسة، النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم (5). قال الشريف السمهودي: كلمة إنما للحصر، تدل على أن إرادته تعالى منحصرة على تطهيرهم، وتأكيده بالمفعول المطلق دليل على أن طهارتهم طهارة كاملة، في أعلى مراتب الطهارة (6). وقال الصبان: روي من طرق عديدة صحيحة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جاء ومعه علي وفاطمة وحسن وحسين، قد أخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذ، ثم لف عليهم كساء ثم تلى هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا... وفي رواية أم سلمة قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ فقال: إنك من أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) على خير (7).

الرضوي:

 يعني إنك لست من أهل بيتي، وهذا الحديث رد على من يزعم أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) داخلات في عداد أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم).

(هامش)

(1): كساء من صوف. (2) مرحل: عليه صورة رحال. (3) سورة الأحزاب آية 33. (4) صحيح مسلم ج 2

ص331

ط مصر عام 1237. (5) ينابيع المودة

ص108

ط اسلامبول عام 1302. (6) ينابيع المودةص109. (7) إسعاف الراغبين

ص109

على هامش نور الأبصار. (*)

ص16

وروى الحكام الحسكاني مسندا عن جابر قال: نزلت هذه الآية على النبي وليس في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين وعلي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فقال النبي (ص) اللهم هؤلاء أهلي(1). وقال النبهاني: واختلف المفسرون في أهل البيت في هذه الآية، فذهبت طائفة منهم أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين، منهم مجاهد، وقتادة، وغيرهم، كما نقله الإمام البغوي، وابن الخازن، وكثير من المفسرين إلى أنهم هنا أهل العباء، وهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين رضي الله عنهم (2). وقال ابن حجر الهيتمي قال الله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين، لتذكير ضمير عنكم وما بعده (3). وخلاصة الكلام أنه ليس لإمامكم أبي بكر في هذه الآية الكريمة من نصيب. فمن طهره الله من الرجس تطهيرا ونص على ذلك في كتابه الكريم كان أجدر بالاختيار للخلافة عن الرسول وأحق بها ممن لم يطهره منه ما لكم لا تشعرون؟ أفلا تعقلون؟ آية في كتاب الله تعالى عمل بها إمامنا (عليه السلام) ولم يعمل بها إمامكم هي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، ذلك خير لكم وأطهر، فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) (4).

(هامش)

(1) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج 2

ص17

ط بيروت عام 1393. (2) الشرف المؤبد لآل محمد

ص6

ط بيروت عام 1309 المطبعة الأدبية. (3) الصواعق المحرقة

ص141

ط مصر عام 1375 مكتبة القاهرة. (4) سورة المجادلة آية 12. (*)

ص17

قال مجاهد: نهوا عن مناجاة النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب، قدم دينارا صدقة تصدق به، ثم ناجى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فسأله عن عشر خصال، ثم أنزلت الرخصة(1). وقال الزرندي الحنفي: قال المفسرون: نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا، فلم يناجه أحد إلا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) تصدق بدينار (2). وروى القندوزي البلخي عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لعلي (عليه السلام) دينار، فباعه بعشرة دراهم، فكان كلما ناجاه قدم درهما، حتى ناجاه عشر مرات، ثم نسخت، فلم يعمل بها أحد غيره (3). ونقل الواحدي بسنده إلى مجاهد: عن علي (رضي الله عنه) قال: آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى. كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكلما أردت أن أناجي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قدمت درهما، فنسختها الآية (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) (2). ونقله الصابوني في مختصر تفسير ابن كثير ج 3 الصفحة 465 عنه (عليه السلام). ورواه الخازن في تفسيره (لباب التأويل) (4). وفي المناقب عن مكحول عن علي (عليه السلام) قال: والله ما عمل بهذه الآية أحد غيري، فنزلت هذه الآية (أأشفقتم أن تقدموا بين نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) الآية، فلا تكون التوبة إلا من ذنب كان (5). قال مقاتل: كان الأمر بذلك عشر ليال (6).

(هامش)

(1) مختصر تفسير ابن كثير ج 3ص465. (2) نظم درر السمطينص90. (3) ينابيع المودة

ص101

ط اسلامبول عام 1302. (4) ج 4

ص242

ط مصر عام 1306 المطبعة الميمنية عن مجاهد. (5) ينابيع المودة

ص100

طبع اسلامبول عام 1302. (6) مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة

ص165

ط بيروت عام 1409 الطبعة الثانية. (*)

ص18

ولم يتصدق إمامكم بدرهم واحد على فقير واحد من فقراء المسلمين، ثم يتقدم لمناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليكتسب منه علما وأدبا وكمالا، لماذا؟ الفقرة وحاجته؟ فهذا ابن الأثير يقول: وكانت له قطعة غنم تروح عليه(1) وقالت ابنته عائشة: فخرجت بمال أبي وكان ألف ألف أوقية (2). وقال أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية: وكان أبو بكر أجود الصحابة (3). أم لزهده في مناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لست أدري. قال الآلوسي: وفي هذا الأمر تعظيم لمقام الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ونفع للفقراء، وتمييز بين المخلص والمنافق، وبين محب الدنيا، ومحب الآخرة (4). وقد زهد في هذا الفضل من زهد من الأصحاب، فتميز المخلص منهم من المرتاب، ومحب الدنيا من محب الآخرة، فلم تسمح لذوي الثروة منهم نفسه في التصدق ولو بدرهم واحد على فقير من فقراء المسلمين، بما في ذلك من نفع للفقراء، وتعظيم لمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الأنبياء، فكانت آية النجوى خير امتحان لهم، وآية على عدم إخلاصهم، وعلى إيثارهم حب المال. على اكتساب الفضل والكمال. فهل من مدكر؟ وقد نال إمامنا (عليه السلام) الشرف المخلد في ذلك، فاعترف جماعة من غير شيعته باختصاصه (عليه السلام) بهذا الفضل، منهم الخازن، وهو من أولياء أبي بكر وأتباعه، فقال في تفسيره: فإن قلت في هذه الآية منقبة عظيمة لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، إذ لم يعمل بها أحد غيره، قلت: هو كذلك. ثم ذكر كلاما سخيفا حاول فيه إثبات فضيلة لأحد أئمته، رددناه عليه في كتابنا (من سخيف الكلام وساقطه) وأثبتنا فيه فشله في محاولته

(هامش)

(1) الفتوحات الإسلامية ج 2ص357. (2) تهذيب التهذيب ج 8ص291. (3) الفتوحات الإسلامية ج 2ص358. (4) صفوة التفاسير القسم الثامن عشر

ص13

عن (تفسير الآلوسي 28 / 237). (*)

ص19

تلك، حشره الله مع إمامه أبي بكر، ونسأله تعالى أن يحشرنا مع إمامنا أمير المؤمنين، وابن عم نبينا صلى الله عليه وآله الطاهرين (يوم يعض الظالم على يديه يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي، ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني)(1). باهى الله تعالى ملائكته بإمامنا (عليه السلام)، ولم يباههم بإمامكم وهذه فضيلة عظمى لإمامنا (عليه السلام)، لا على إمامكم فحسب، بل على جميع المسلمين، لو كنتم تتفكرون. قال القندوزي البلخي الحنفي: روى الثعلبي في تفسيره، وابن عقبة في ملحمته، وأبو السعادات في فضائل العترة الطاهرة، والغزالي (2) في الإحياء (3) بأسانيدهم عن ابن

(هامش)

(1) سورة الفرقان آية 27. (2) ترجمه عبد القادر العيدروس في كتابه (تعريف الأحياء بفضائل الإحياء) المطبوع على هامش (إحياء علوم الدين) للغزالي، الطبعة الثانية عام 1316 مصر فقال: الإمام الغزالي (رضي الله عنه) عالم العلماء، وارث الأنبياء، حجة الإسلام، حسنة الدهور والأعوام، تاج المجتهدين، سراج المتهجدين، مقتدى الأئمة، مبين الحل والحرمة، زين الملة والدين، الذي باهى به سيد المرسلين... إنه في العلوم صاحب القدح المعلى. إذ كان (رضي الله عنه) من أسرار العلوم بمحل لا يدرك، وأين مثله، وأصله أصله، وفضله فضله هيهات أن يأتي الزمان بمثله * إن الزمان بمثله لشحيح وقال ابن خلكان في (وفيات الأعيان) ج 4ص216: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الملقب حجة الإسلام، زين الدين الطوسي، الفقيه الشافعي. لم يكن للطايفة الشافعية في آخر عصره مثله. (3) هو إحياء علوم الدين للغزالي، وقد أطرى هذا الكتاب جماعة منهم، وأثنوا عليه ثناء بليغا، لا تكاد تسمع مثله من ثناء على كتاب. وقد ألف الشيخ عبد القادر العيدروس منهم كتابا في إطراء هذا الكتاب أسماه (تعريف الأحياء بفضائل الإحياء) طبع على هامش أصل الكتاب، المطبوع في مصر عام 1316 في المطبعة الأزهرية المصرية، قال في مقدمة الكتاب: الكتاب العظيم المسمى بإحياء علوم الدين، المشهور بالجمع والبركة، والنفع بين العلماء العاملين، وأهل طريق الله السالكين، المشايخ العارفين، المنسوب إلى الإمام الغزالي (رضي الله عنه)... عظيم الوقع، كثير النفع، جليل المقدار، ليس له نظير في بابه، ولم ينسج على منواله، ولا سمحت قريحة بمثاله، مشتملا على الشريعة والطريقة والحقيقة، كاشفا عن الغوامض الخفية، مبينا للأسرار الدقيقة... (*)

ص20

عباس، وعن أبي رافع، وعن هند بن أبي هالة، ربيب النبي (صلى الله عليه وسلم) أمه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها. أنهم قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، فأيكما يؤثر أخاه عمره؟ فكلاهما كرها الموت. فأوحى الله إليهما: إني آخيت بين علي ولي، وبين محمد نبي، فآثر علي حياته النبي، فرقد على فراش النبي، يقيه بمهجته، اهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه. فهبطا فجلس جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرائيل يقول: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب والله عز وجل يباهي بك الملائكة، فأنزل الله (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)(1). وروى الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري قال: لما أسري بالنبي (صلى الله عليه وسلم) يريد الغار، بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة، فكلاهما اختاراها وأحبا الحياة، فأوحى الله إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب، الله عز وجل يباهي بك الملائكة، فأنزل الله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله

(هامش)

(1) ينابيع المودة

ص92

ط اسلامبول عام 1302. (*)

ص21

رؤوف بالعباد)(1) (2). وقال الشبلنجي: أورد الإمام الغزالي في كتابه (إحياء العلوم) إن ليلة بات علي (رضي الله عنه) على فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة وأحباها. فأوحى الله إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد، فبات على فراشه، يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فكان جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه ينادي ويقول: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة؟ فأنزل الله عز وجل (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤف بالعباد) وفي تلك الليلة أنشأ علي (رضي الله عنه): وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى * واكرم خلق طاف بالبيت والحجر وبت أراعي منهم ما يسوئني * وقد صبرت نفسي على القتل والأسر وبات رسول الله في الغار آمنا * وما زال في حفظ الإله وفي الستر (3)

 الرضوي:

 ونحن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، أتباع العترة الطاهرة النبوية، نرى من السفاهة والبلادة، بل ومن الجهالة والضلالة، العدول عن إنسان له عند الله تعالى هذه المنزلة السامية، والمقام الشامخ الكريم، يباهي به ملائكته المقربين، إلى غيره من سواد الناس وعوامهم، وتقديمه في الخلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم أنبياء الله ورسله على ابن عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب هذه المنزلة الكريمة عند الله تعالى. هذا ما لا تجيزه لنا عقولنا، ولا يسمح لنا به الإسلام ديننا، كيف وكتاب الله تعالى

(هامش)

(1) سورة البقرة آية 207. (2) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج 1

ص96

ط عام 1393. (3) نور الأبصار

ص78

ط مصر عام 1312 المطبعة الميمنية. (*)

ص22

يقول موبخا لليهود لما اختاروا الأدنى على الأفضل (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)(1) وفي ذلك ذكرى لمن يتذكر. أمر الله تعالى نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بحب أربعة، أحدهم إمامنا (عليه السلام) وليس منهم إمامكم روى بريدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم. قيل: يا رسول الله سمهم لنا. قال: علي منهم. (يقول ذلك ثلاثا) وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، وسلمان (2). قال الشيخ منصور علي ناصف معلقا على هذا الحديث: فالله تعالى يحبهم أي أكثر ممن دونهم، وذكر علي ثلاثا تنويه بمزيد فضله، وعلو قدره (رضي الله عنه) (3).

 الرضوي:

 يعني على هؤلاء الثلاثة، أبو ذر، والمقداد، وسلمان رضي الله عنهم، فهم بعد إمامنا أفضل صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإمامنا أفضل منهم للحديث المتقدم الذي حكم الحاكم بصحته، وقال السيوطي أيضا: حديث صحيح. فادعاؤكم أن إمامكم أبا بكر أفضل الصحابة ادعاء فاشل، لا دليل عليه. وقد اخترنا نحن الشيعة الإمامية عليا (عليه السلام) ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إماما لنا لأنه أفضل صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأعظم جاها، وأعلى مقاما عند الله وعند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (هذا مع غض النظر عن النصوص النبوية الصريحة في خلافته وإمامته) ولأجل ذلك جعله الله

(هامش)

(1) سورة البقرة آية 61. (2) التاج الجامع للأصول ج 3ص335، تاريخ الخلفاء

ص159

ط بيروت، نور الأبصار

ص71

ط مصر عام 1312، إسعاف الراغبين

ص154

على هامش نور الأبصار، فيض القدير ج 2ص214، الجامع الصغير ج 1

ص258

وفيه: حديث صحيح. (3) غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 3ص335. (*)

ص23

تعالى بمنزلة نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في آية المباهلة وهي قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم، ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(1). قال القندوزي البلخي: وعنى بقوله: (وأنفسنا) نفس علي، ومما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم): لتنتهين بنو وليعة، أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي، يعني علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر (2). وقال محمد بن طلحة الشافعي: والمراد بقوله تعالى (وأنفسنا) هو نفس علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويمتنع أن يكون نفس علي هي نفس النبي بعينها، فيكون المراد من الآية المساواة بين نفسيهما... (3). واستمع الآن إلى ما يقوله الفيلسوف الملحد شبلي الشميل وغيره ممن ليسوا هم على ديننا، ولا يشاركوننا في شيء من عقائدنا، فيمن اخترناه إماما لنا بعد نبينا، يقول: الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء، نسخة مفردة، لم ير الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديما ولا حديثا (4). ويقول شكيب أرسلان: وإلا فقل إن وجد في التاريخ البشري مثل علي بن أبي طالب في كمال صفاته، وعلو مزاياه، وكثرة فضائله، ومن كان يقدر أن يقول في علي شيئا (5). ويقول ميخائيل نعيمة: رأيي في الإمام كرم الله وجهه إنه من بعد النبي سيد العرب على الاطلاق بلاغة، وحكمة، وتفهما للدين، وتحمسا للحق، وتساميا عن الدنايا... ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي...

(هامش)

(1) سورة آل عمران آية 61. (2) ينابيع المودةص44. (3) مطالب السئول في مناقب آل الرسول

ص72

ط الهند عام 1302. (4) الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ج 1ص37. (5) في طريقي إلى التشيع لعلي صالح فتاح

ص80

طبع بغداد عام 1374. (*)

ص24

إن عليا لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان... أنه ليستحيل على أي مؤرخ، أو كاتب مهما بلغ من الفطنة والعبقرية أن يأتيك حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي، ولحقبة حافلة بالأحداث التي عاشها(1).

الرضوي:

نحن نعتقد أن إمامنا عليا (عليه السلام) كالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل الفضائل والكمالات الإنسانية، ولا يمتاز عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا في النبوة والوحي، فإمامنا ليس بنبي، ولا يوحى إليه. فقد جعله الله تعالى بمنزلة نفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في آية المباهلة كما علمت. ولو أننا عدلنا عنه بعد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) واخترنا غيره لخالفنا أوامر نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤكدة، أولا ولتوجه اللوم والتوبيخ الذي وجهه الله تعالى إلى اليهود إذ قال لهم (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) (2) إلينا ثانيا، ولخالفنا عقولنا ثالثا، ولنظر إلينا عقلاء البشر بعين الذل والاستخفاف، فهل من مدكر؟ الجنة تشتاق إلى ثلاثة أحدهم إمامنا (عليه السلام)، وليس منها إمامكم روى الترمذي، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة، علي، وعمار، وسلمان (3). ولو كانت في إمامكم صفة تضاهي ما في هؤلاء الصفوة من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من صفات الفضل والكمال، وأهل الورع والدين لاشتاقت الجنة إليه كما اشتاقت إليهم، ولذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدادهم، فهل من مدكر؟

(هامش)

(1) الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ج 5. (2) سورة البقرة آية 61. (3) التاج الجامع للأصول من أحاديث الرسول ج 3

ص405

ط بيروت، نور الأبصار

ص73

ط مصر عام 1312 المطبعة الميمنية، إسعاف الراغبين

ص159

على هامش نور الأبصار. (*)

ص25

فالحديث يثبت لإمامنا فضيلة لا يثبتها لإمامكم، لو كنتم تتفكرون؟ عاتب الله تعالى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن غير مرة، ولم يعاتب إمامنا (عليه السلام) فيه ولا مرة وذلك لكمال عقله ودينه، وعلمه وفضله، وسداد رأيه، وحكمته وعصمته. فلم يصدر منه عمل يستحق اللوم عليه والعتاب، ولذلك فاق جميع الأصحاب دون استثناء. روى الشبلنجي(1) والصبان (2) وابن حجر الهيتمي (3) عن الطبراني، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: ما أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي أميرها وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان، وما ذكر عليا إلا بخير.

 الرضوي:

 ولذلك وغيره اخترناه نحن الشيعة الإمامية إماما لنا، وارتضيناه خليفة لنبينا (كما ارتضاه الله لنا إماما ولرسوله خليفة) فإن من لم يصدر منه عمل يستحق عليه العتاب خير، أم من عاتبه الله سبحانه على أعماله غير مرة، فهل من مدكر؟

(هامش)

(1) نور الأبصارص73. (2) إسعاف الراغبينص160. على هامش نور الأبصار. (3) الصواعق المحرقة

ص125

ط مصر عام 1375 مكتبة القاهرة. (*)

ص26

- 2 - نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلى إمامنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) سبعين عهد

 لم يعهد إلى إمامكم أبي بكر عهدا واحدا منها روى الحافظ أبو نعيم عن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عهد إلى علي سبعين عهدا، لم يعهد إلى غيره(1). وذكره الجويني في (فرائد السمطين) (2) والمناوي في (فيض القدير) (3) وقال: والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى (4). وهذا دليل على ثقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التامة بإمامنا، واعتماده الكامل عليه فلذلك عهد إليه دون سواه ولذلك وغيره قدمناه نحن في الخلافة على إمامكم ابن أبي قحافة. روى أحمد عن زر بن حبيش قال: قال علي (رضي الله عنه): والله إنه مما عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يبغضني إلا منافق، ولا يحبني إلا مؤمن (5). وروى أبو جعفر الإسكافي عنه (عليه السلام) أنه قال: إنه لعهد النبي (صلى الله عليه وسلم) إلي أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (6). قالت الدكتورة سعاد ماهر: ومن المهام التي عهد بها إليه النبي الكريم أن يرد عنه الودائع، ويؤدي الأمانات إلى ذويها من أهل مكة وغيرها، وأن يخرج بأهله ويلحق به بعد ذلك وقد أدى الأمانات كلها إلى أهلها جهارا، وعلى مرء ومسمع من قريش... وقد أمضى ثلاثة أيام في أداء هذه المهمة، ثم تهيأ للرحيل ليلحق برسول الله (صلى الله عليه وسلم)،

(هامش)

(1) حلية الأولياء ج 1

ص68

ط بيروت عام 1407. (2) ج 1

ص361

ط بيروت عام 1398. (3) ج 3

ص46

وج 4ص375. (4) فيض القدير ج 3ص46. (5) مسند أحمد ج 1

ص84

ط مصر عام 1313. (6) المعيار والموازنة

ص54

ط بيروت عام 1402. (*)

ص27

فخرج بالفواطم. فاطمة بنت النبي، وفاطمة بنت أسد، (أم علي)، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب...(1). نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بينه وبين إمامنا (عليه السلام) ولم يواخ بينه وبين إمامكم وهذه من أعظم فضائل إمامنا (عليه السلام) وأرقاها، وأفضل مناقبه وأسناها، فلو لم ير نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اصطفاه الله من خلقه، وفضله على كافة بريته، في إمامنا من صفات اختص بها، لم تكن واحدة منها في واحد من المسلمين، وصفات شاركه فيها غيره، إلا أنها كانت فيه أكمل وأفضل مما هي فيهم، لما اختاره أخا له، وقال: قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليا (2) فهل من مدكر؟ روى الحاكم عن ابن عمر، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخا بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف. فقال علي: يا رسول الله، إنك قد آخيت بين أصحابك، فمن أخي؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضى يا علي أن أكون أخاك؟ فقال علي: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت أخي في الدنيا والآخرة (3) وروى المتقي الهندي عن علي: آخى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين عمر وأبي بكر وبين حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وبين عبد الله بن مسعود وسعد بن مالك، وبيني وبين نفسه (4). وقال محمد بن طلحة الشافعي: وأما مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إياه وامتزاجه به، وتنزيله إياه منزلة نفسه، وميله إليه، وإيثاره إياه فهذا بيانه، فإنه روى الإمام الترمذي في صحيحه عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه) أنه قال: لما آخى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه، فجاء

(هامش)

(1) مشهد الإمام علي في النجف

ص24

ط مصر. (2) شرح نهج البلاغة ج 1

ص5

ط مصر عام 1329. (3) المستدرك على الصحيحين ج 3ص14، تلخيص المستدرك ج 3ص14. (4) منتخب كنز العمال

ص45

على هامش مسند أحمد ج 5. (*)

ص28

علي بن أبي طالب تدمع عيناه، فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أنت أخي في الدنيا والآخرة(1) وقال معلقا على هذا الحديث: وفي ذلك ما يؤذن بعظم قدر علي، وشرف محله والمآل، ولهذا كان يفتخر بها ويقول في كثير من الأوقات: أنا عبد الله وأخو رسوله (2). وقال الشيخ منصور علي ناصف: هذه المؤاخاة وقعت بعد الهجرة، فقد آخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بين المهاجرين والأنصار لزيادة الرابطة، والمودة بينهما. وأضاف: وبهذا الحديث امتاز علي عن بقية الأصحاب (رض) (3).

 الرضوي:

ولذلك اخترناه إماما لنا. وقال الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) هذا حديث حسن، عال، صحيح، أخرجه الترمذي في جامعه، فإذا أردت أن تعلم قرب منزلته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تأمل صنعه في المؤاخاة بين الصحابة، جعل يضم الشكل إلى الشكل، والمثل إلى المثل فيؤلف بينهم، إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر، وادخر عليا لنفسه، واختصه بأخوته، وناهيك بها من فضيلة وشرف. وقال ابن الأثير: وآخاه رسول الله مرتين، فإن رسول الله آخى بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعلي في كل واحدة منهما: أنت أخي في الدنيا والآخرة (4). وقال الأستاذ محمد حسين هيكل: دعا المسلمين ليتآخوا في الله أخوين أخوين، فكان هو وعلي بن أبي طالب أخوين (5).

(هامش)

(1) مطالب السئول

ص54

طبع الهند عام 1302. (2) مطالب السئولص64. (3) غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول على هامش التاج ج 3ص335. (4) أسد الغابة ج 4ص16، الإمام علي كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين

ص6

ط مصر عام 1358 مطبعة رستم مصطفى الحلبي. (5) حياة محمد

ص188

ط مصر عام 1354 مطبعة مصر القاهرة. (*)

ص29

وقال الدميري: آخى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين الصحابة رضي الله عنهم واتخذ علي بين أبي طالب (رضي الله عنه) أخا(1). وقال الأستاذ توفيق أبو علم الوكيل الأول لوزارة العدل في مصر: وفي ذلك من إبانة فضله على الكافة، والدلالة على أنه لا كفؤ لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) سواه. وفي ذلك يقول الشاعر: تخيرك الهادي النبي لنفسه * أخا حين آخى بينهم فلك الفخر فهل كان مذ آخاك مثلك فيهم * وأخطى انتقاء المصطفى إنه الهذر (2) وقال الأستاذ خالد محمد خالد: والآن ما بالكم برجل اختاره الرسول من بين أصحابه جميعا ليكون في يوم المؤاخاة أخاه، كيف كانت أبعاد إيمانه وأعماقه حتى آثره الرسول بهذه المكرمة والمزية... (3). وقال الأستاذ عبد الكريم الخطيب: وهذه الأخوة للنبي التي جعلها الرسول لعلي وحده، واختصه بها تدعونا إلى أن نتحقق منها أولا، ونستوثق من الأخبار التي تحدثنا بها وذلك قبل أن ننظر في دلالتها، وما في هذه الدلالات من شواهد الفضل والإحسان لمن اختصه النبي بأخوته، لا عن محاباة، وإنما عن أمر من أمر الله، وفضل من فضله الذي يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم (4). وقال الشيخ منصور علي ناصف: وكان علي (رضي الله عنه) غائبا وقت هذه المؤاخاة (التي أوقعها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه المهاجرين والأنصار) فلما حضر بكى وقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال: أنت أخي في الدنيا

(هامش)

(1) حياة الحيوان ج 1

ص103

ط مصر عام 1306 المطبعة الشرفية. (2) الإمام علي بن أبي طالب

ص43

ط مصر. (3) في رحاب علي

ص43

ط مصر المطبعة الفنية الحديثة نشر مكتبة الإنجلو المصرية. (4) علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة

ص110

ط مصر عام 1386 مطبعة السنة المحمدية. (*)

ص30

والآخرة(1).

الرضوي:

 ذكرت أكثر من أربعين مصدرا لهذا الحديث الوارد بهذا اللفظ خاصة من كتب السنة في كتاب (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم)؟ قال الشيخ منصور علي ناصف معلقا على هذا الحديث: فما أربحه، وما أرفعه بهذه المؤاخاة، رضي الله عنه وأرضاه (2) وقال في موضع آخر معلقا عليه أيضا: امتاز علي على بقية الأصحاب رضي الله عنهم (3).

 الرضوي:

 فنحن الشيعة الإمامية نحمد الله تعالى ونشكره أن نور بصائرنا وطهر من الرين قلوبنا، وفقهنا في الدين فاخترنا إماما لنا من اختاره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أخا له، فاهتدينا بذلك والحمد لله إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، ونسئل الله تعالى الثبات على التمسك بسنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالأئمة الطاهرين من عترته، إنه تعالى ولي التوفيق. قال الجويني: فلله در قائله، فما أحسن قوله، وهو جدير بأن يفيض الله سبحانه عليه من خزائن جوده ورحمته ونوله وهي: ما بعد قول نبي الله (أنت أخي)* من مطلب دونه مطل ولا علل أثنى عليك لدن شافهت حضرته * وبانت الكتب لما بانت الرسل مجددا فيك أمرا لا يخص به * سؤال كل جدير عنده سمل لقد أحلك إذ آخاك منزلة * لا المشتري طامع فيها ولا زحل جلت صفاتك عن قول يحيط بها * حتى استوى شاعر فيها ومنتحل مناقب في أقاصي الأرض قد شهرت * فما اعترى مطنبا في وصفها خجل (4)

(هامش)

(1) غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 3ص402. (2) غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 3ص402. (3) غاية المأمول ج 3ص335. (4) فرائد السمطين ج 1ص121. (*)

ص31

نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) سمى إمامنا صديقا، وأنتم سميتم إمامكم صديقا روى جماعة من علماءكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الصديقون ثلاثة، حبيب النجار، مؤمن آل ياسين الذي قال: (يا قوم اتبعوا المرسلين)(1). وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) (2). وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم (3). قال المحب الطبري في إمامنا: وسماه رسول الله صديقا (4).

 الرضوي:

 ونص على أنه أفضل الصديقين. وقال عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري في إمامكم: وقد خصه أهل السنة بهذا اللقب (5). الرضوي

:

 وفي تخصيصكم إمامكم بهذا اللقب الذي خص به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن عمه عليا إمامنا (عليه السلام) وقال فيه: أفضل الصديقين مخالفة صريحة منكم لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل وإبداع منكم في الدين لو كنتم تشعرون. والغريب أنكم مع مخالفاتكم المتكررة لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقولون بكل وقاحة وصلافة: نحن أهل السنة، أية سنة أنتم أهلها أيها البكريون؟ ما لكم لا تشعرون؟ قال الصفوري: قال قوم من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم: الصديق اسم لمن عادته الصدق. وقيل: الصديق من سبق إلى تصديق النبي (صلى الله عليه وسلم). فلو كان من عادة إمامكم الصدق لما كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) والقرآن الكريم يقول: (وورث

(هامش)

(1) سورة يس آية 20. (2) سورة غافر آية 28. (3) كنز العمال ج 11

ص601

ط بيروت عام 1399، منتخب كنز العمال

ص31

على هامش مسند أحمد ج 5 ط مصر عام 1313. ذخائر العقبى

ص56

ط مصر عام 1356، الصواعق المحرقة

ص123

ط مصر عام 1375 مكتبة القاهرة، كفاية الطالب

ص124

طبع النجف عام 1390 المطبعة الحيدرية. (4) ذخائر العقبى في مودة ذوي القربىص56. (5) مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة

ص41

ط بيروت عام 1409. (

ص32

سليمان داود)(1). ولم يكن إمامكم أيضا أول من سبق إلى تصديق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى منحتموه هذا اللقب لما سنذكره في هذا الكتاب من تصريحات علماءكم بأن إمامنا هو أول من سبق إلى تصديق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فتخصيصكم إمامكم بلقب (الصديق) ليس إلا تحد منكم لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما لا يخفى ذلك على من له أدنى مسكة من عقل. وروى المحب الطبري عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لعلي أنت الصديق الأكبر (2) وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل... (3). الرضوي

: وكما سرقتم من إمامنا لقب (الصديق) الذي منحه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) به وسميتم به إمامكم أبا بكر، كذلك سرقتم منه لقب (الفاروق) وقد منحه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا وسميتم به خليفة إمامكم عمر بن الخطاب. وهذا ما يؤكد كذبكم في انتحالتكم سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو كنتم تشعرون. قال ابن أبي الحديد المعتزلي: وقد روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن العلاء ابن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها غيري إلا كذاب، ولقد صليت قبل الناس سبع سنين (4). ولو لم تكن غايتكم من تسميتكم أبا بكر (الصديق) إلا مخالفتكم لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما سميتموه بهذا الاسم، وأنتم تروون عنه أحاديث كذب فيها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

(هامش)

(1) سورة النمل آية 16. (2) ورواه العيني في مناقب سيدنا علي

ص28

ط حيدر آباد الدكن. (3) ذخائر العقبى في مودة ذوي القربىص56. (4) شرح نهج البلاغة ج 3

ص261

ط مصر عام 1329. (*)

ص33

منها: ما رواه عمر بن شبة مسندا عن أبي سلمة قال: إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتت أبا بكر (رض) فذكرت له ما أفاء الله على رسوله بفدك. فقال أبو بكر (رض): إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: أن النبي لا يورث.. قالت: يا أبا بكر أترثك بناتك، ولا ترث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بناته؟ قال: هو ذاك(1) يعني أن الأمر كما أقول. فدعي احتجاجك،، وانتهي إلى قولي. قال السيوطي: النبي لا يورث حديث ضعيف (2). وروى الشيخ منصور علي ناصف عن عائشة بنت أبي بكر قالت: إن فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي (صلى الله عليه وسلم) مما أفاء الله عليه. فقال أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة (3). وقال الأستاذ العقاد: وجاء في شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة: أن أبا بكر قال: يا ابنة رسول الله، والله ما ورث أبوك دينارا ولا درهما (4). وأنه قال: إن الأنبياء لا يورثون. فقالت: إن فدك وهبها لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم). قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فجاء علي بن أبي طالب فشهد، وجاءت أم أيمن فشهدت أيضا. فجاء عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف فشهدا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يقسمها (5). فأبطل أبو بكر دعوى فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورد شهادة الإمام علي ابن أبي طالب ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أفضل الصديقين كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهما من أهل بيت قال الله تعالى فيه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (6) كما تقدم في الصفحة 14 من هذا الكتاب وقبل شهادة عمر بن

(هامش)

(1) تاريخ المدينة المنورة ج 1ص198. (2) الجامع الصغير ج 2

ص679

ط بيروت عام 1401. (3) التاج الجامع للأصول من أحاديث الرسول ج 3ص355. (4) هذا يمين، وما أعظمه من يمين، افترى به على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أعظمها من جرأة على الله، وفرية منه على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم مع هذا يلقبونه (الصديق) فاعتبروا يا أولي الألباب. (5) فاطمة الزهراء والفاطميونص327. (6) سورة الأحزاب آية 33. (*)

ص34

الخطاب صديقه الحميم وابن عوف ناصره، فما أعظمها من جرأة على الله، وانتهاك لحرمة أولياء الله، من أهل بيت رسول الله. فهل من مدكر؟ ونقل الأستاذ العقاد عن كتاب (بلاغات النساء) قال: لما أجمع أبو بكر (رضي الله عنه) على منع فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - فدك - وبلغ فاطمة، لاثت خمارها على رأسها(1) وأقبلت في لمة من حفدتها (2) تطأ ذيولها. ما تخرم من مشية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئا (3)، حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فنيطت دونها ملاءة (4)، ثم أنت أنة (5) أجهش القوم لها بالبكاء (6)، وارتج المجلس، فأمهلت حتى سكن نشيج القوم (7) وهدأت فورتهم، فافتتحت الكلام بحمد الله، والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعاد القوم في بكاءهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها (فكان مما قالت): وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا (أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (8). أيها المسلمة المهاجرة أأبتز إرث أبي؟ أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا إرث أبي؟ (لقد جئت شيئا فريا) (9) فدونكها مخطومة، مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون، و(لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون)(10).

(هامش)

(1): التفت به واحتجبت. (2) أي في جماعة من نساءها. (3) أي ما تعدل عن مشيته (صلى الله عليه وآله وسلم). (4) ناط الشيء إذا علقه، والملاءة: كل ثوب لين رقيق، والمراد وضع حاجب بينها وبين الناس لمجيئها لمحاجة أبي بكر. (5) الأنة: صوت من ألم. (6) الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيأ للبكاء (مجمع البحرين). (7) النشيج: الصوت مع ترجيع وبكاء كما يردد الصبي بكائه في صدره (مجمع البحرين). (8) سورة المائدة آية 50 وفيها (يبغون) وحيث إنها (عليها السلام) وجهت الخطاب إلى حاضرين قالت (تبغون). (9): منكرا عظيما.(10) سورة الأنعام آية 67. (*)

ص35

ثم انحرفت إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تقول: قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وإبلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(1) وقال: لا مراء أن الزهراء أجل من أن تطلب ما ليس لها بحق (2).

الرضوي:

 ولا مراء أيضا أن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) أجل من أن يشهد على باطل، قال الله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) (3). وأضاف العقاد: ويقال إن الزهراء احتجت عليه بقوله تعالى عن نبي من أنبياءه (زكريا) (يرثني ويرث من آل يعقوب) (4) وقوله تعالى: (وورث سليمان داوود) (5) (6). الرضوي

: فلم يؤثر كلام الله تعالى فيه شيئا، وبقي مصرا على منعها ميراثها من أبيها، وما كانت تملكه في حياته. فهل من مدكر؟ وذكر ابن قتيبة أن فاطمة قالت لأبي بكر: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها (7). وقال الأستاذ خالد محمد خالد الكاتب المصري المعاصر في كتابه (وجاء أبو بكر) بعد أن ذكر مجئ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي بكر تطالبه بفدك، أجابها: سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة... ولم تكد السيدة فاطمة رضي الله عنها تسمع جواب أبي بكر على مسألتها حتى اكتسى وجهها بالأسى والألم (8).

(هامش)

(1) فاطمة الزهراء والفاطميون

ص318

ط بيروت عام 1974 دار الكتاب اللبناني. (2) فاطمة الزهراء والفاطميونص329. (3) سورة يونس آية 32. (4) سورة مريم آية 6. (5) سورة النمل آية 16. (6) فاطمة الزهراء والفاطميونص327. (7) الإمامة والسياسة ج 1

ص14

ط مصر عام 1388. (8) وجاء أبو بكر

ص133

ط مصر عام 1382. (*)

ص36

وقال ابن أبي الحديد: وهذا علي وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) ويقولن إنها مختلقة(1). قالوا: وكيف كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعرف هذا الحكم غيرنا، ويكتمه عنا ونحن الورثة، ونحن أولى الناس بأن يؤدى هذا الحكم إليه (2).

 الرضوي:

 هذا منطق معقول يتقبله ذوو العقول السليمة، ويرفضه أصحاب القلوب المريضة والخبيثة. فإن (أهل البيت أدرى بما في البيت) من الأجانب والأغيار وهذا ما لا يرتاب فيه أحد. وقال المسعودي في ذكر وفاة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وقيل إنها توفيت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بثلاثة أشهر، وقيل بستة... وتولى غسلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ودفنها ليلا بالبقيع، وقيل غيره، ولم يؤذن بها أبا بكر، وكانت مهاجرة له منذ طالبته بإرثها من أبيها (صلى الله عليه وسلم) من فدك وغيرها، وما كان بينهما من النزاع في ذلك إلى أن ماتت، ولم يبايع علي (عليه السلام) أبا بكر (رض) إلى أن توفيت (3). روى القرماني عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك (4). وروى السيوطي حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. وقال: حديث صحيح (5). وقال المناوي معلقا عليه: أي جزء مني، كقطعة لحم مني (فمن أغضبها) بفعل ما لا يرضيها فقد (أغضبني). استدل السهيلي على أن من سبها كفر، لأنه يغضبه، وإنها أفضل من الشيخين... (6).

(هامش)

(1) أي مفتراة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). (2) شرح نهج البلاغة ج 4

ص457

ط مصر عام 1329. (3) التنبيه والإشراف

ص250

ط مصر عام 1357 دار الصاوي للطبع والنشر والتأليف. (4) أخبار الدولص78. (5) الجامع الصغير ج 2ص208. (6) فيض القدير ج 4ص421. (*)

ص37

الرضوي:

 إذا كان مناط الحكم بالكفر على من سب فاطمة (عليه السلام) هو غضب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فغضبه (صلى الله عليه وآله وسلم) يحصل بدون سبها أيضا كما حصل غضبها على أبي بكر لما منعها حقها، فقالت له: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها. قال ابن حجر: وفيه تحريم أذى من يتأذى المصطفى بتأذيه، فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتأذى بشهادة هذا الخبر، ولا شيء أعظم من إدخال الأذى عليها... (2). قال الله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)(1). فذلكة ما تقدم في هذا الفصل الشيعة الإمامية إنما يسمون إمامهم عليا (عليه السلام) صديقا لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سماه صديقا، فهم أهل السنة حقا، وأنتم سميتم إمامكم أبا بكر صديقا، خلافا لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) فلستم بأهل السنة. ولا دليل لكم على ما تدعون. وكذبتم في تسميتكم أبا بكر (الصديق) فإن الصديق على ما نقله الصفوري منكم، اسم لمن عادته الصدق، ولم تكن من عادة إمامكم الصدق، ولذلك كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسب إليه قولا لم يقله، وقد تقدم، والدليل على كذبه على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقدم من روايته تلك التي تخالف صريح القرآن، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندنا لا يخالف القرآن قطعا، وبكذبه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استهان بعلي، وفاطمة (عليهما السلام)، وهما من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وفرض مودتهم على المسلمين في كتابه الكريم، حيث طلب من فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهدا يشهد لها على صحة ادعاءها فيما طالبته به، ولما أتت بالإمام (عليه السلام) وشهد لها رد

(هامش)

(1) سورة الأحزاب آية 57 و58. (*)

ص38

شهادته، استنادا إلى قول خليله عمر بن الخطاب وصديقه أبي عبيدة بن الجراح خلافا لقول الإمام (عليه السلام) وردا لشهادته. وبذلك آذى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإيذاؤها إيذاء للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإيذاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) كفر كما قاله السهيلي منكم وقد مر آنفا. والقرآن الكريم لعن من آذى المؤمنين والمؤمنات صريحا، وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة المؤمنات. هذا هو منطق الشيعة وهذه عقيدتهم، وأحاديث السنة وأقوالهم تدعمه، فهل من مدكر؟ نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عزل إمامكم عن إبلاغ براءة إلى أهل مكة بأمر من الله تعالى، وبعث إمامنا عليا (عليه السلام) ليبلغها عنه بأمره تعالى روى المحب الطبري: عن أبي سعيد، أو أبي هريرة (رض) قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر على الحج، فلما بلغ ضجنان(1) سمع بغام ناقة علي (2) فعرفه فأتاه، فقال: ما شأنك؟ فقال: خيرا، إن رسول الله بعثني ببراءة. فلما رجعنا انطلق أبو بكر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله ما لي؟ قال: خيرا، أنت صاحبي في الغار، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني (3). وفي رواية أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال له: جبريل جائني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك (3) وأضاف الطبري: يعني عليا. وقال: أخرجه أبو حاتم.

 الرضوي:

والمفهوم من كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر إنك لست مني، أنك لست بتابع لي قال الله تعالى (فمن تبعني فإنه مني) (4) ولذلك نهى الله تعالى أن تبلغ أنت عني. وجملة (أنت صاحبي في الغار) في الحديث المتقدم هي من وضع أولياء أبي بكر

(هامش)

(1) واد بين مكة والمدينة. (2) بغام الناقة صوت لا تفصح به. (3) ذخائر العقبى

ص69

ط مصر عام 1356 مكتبة القدسي. (4) سورة إبراهيم آية 36. (*)

ص39

ومواليه، زادوها فيه ليثبتوا فضلا لأبي بكر بزعمهم لما لحقه في عزله عن التبليغ عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذل وهوان، ونحن لا نرى لصحبته الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار فضلا له، حيث إن مجرد الصحبة بما أنها صحبة لا شأن لها، ولا هي بذات بال عند العقلاء حتى يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر (أنت صاحبي في الغار) كي يهون عليه ما لحقه من ذل وهوان، في هذا العزل الإلهي، فقد يصحب المؤمن الكافر، وقد يصحبه مؤمن مثله، والمؤمن على إيمانه، والكافر على كفره، قال الله تعالى (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم سواك رجلا)(1). فإذا عرفت هذا علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأت بلغو من القول فيقول لأبي بكر أنت صاحبي في الغار. وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الحكماء وإمام العقلاء أجمعين. ومن المهازل المضحكة أن البكريين يرون لأبي بكر فضلا في آية الغار دونه كل الفضائل، وهو كما سترى فضيحة له وعارا عليه لو كانوا يعقلون. قال ابن حجر العسقلاني: ومن أعظم مناقبه - أبي بكر - قول الله تعالى (ألا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (2) فالمراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع... وأضاف: وثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لأبي بكر وهما في الغار: ما ظنك باثنين الله ثالثهما. والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة، شهيرة، ولم يشركه في هذه المنقبة غيره (3). (رؤيا قلبت هذه المنقبة إلى مثلبة) قال الشيخ المفيد طاب ثراه: رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذه حلقة فيها

(هامش)

(1) سورة الكهف آية 37. (2) سورة التوبة آية 40. (3) الإصابة ج 2ص343. (*)

ص40

رجل يقص. فقلت: من هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب. ففرقت الناس ودخلت الحلقة، فإذا أنا برجل يتكلم بشيء لم أحصله(1) فقطعت عليه الكلام، وقلت: أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى (ثاني اثنين إذ هما في الغار)؟. فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع: الأول: إن الله تعالى ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) وذكر أبا بكر فجعله ثانية، فقال: (ثاني اثنين إذ هما في الغار). والثاني: إنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال (إذ هما في الغار). والثالث: إنه قد أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما بما يقتضي الرتبة فقال (إذ يقول لصاحبه). والرابع: إنه أخبر عن شفقة النبي (صلى الله عليه وسلم) عليه ورفقه به، لموضعه عنده، فقال: (لا تحزن). والخامس: إنه أخبر عن كون الله معهما على حد سواء، ناصرا لهما، ودافعا عنهما فقال: (إن الله معنا). والسادس: إنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم تفارقه السكينة قط، فقال: (فأنزل الله سكينة عليه). فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها. فقلت له: حبرت بكلامك (2) في الاحتجاج لصاحبك عنه، وإني بعون الله سأجعل

(هامش)

(1) أي لم أجد حاصلا لكلامه. (2): حسنته وزينته. (*)

ص41

جميع ما آتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. أما قولك: إن الله تعالى ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر أبا بكر فجعله ثانيه، فهو إخبار عن العدد. لعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل؟ ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا، أو مؤمنا وكافرا اثنان، فما أرى لك في ذلك العدد طائلا تعتمده. وأما قولك إنه وصفهما بالاجتماع في المكان فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر، كما يجمع العدد المؤمنين والكفار، وأيضا فإن مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قوله عز وجل (فما للذين كفروا قبلك مهطعين، عن اليمين وعن الشمال عزين)(1). وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان، والبهيمة والكلب. والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة فبطل فضلان. وأما قولك إنه أضافه إليه بذكر الصحبة فهو أضعف من الفضلين الأولين لأن اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة، ثم سواك رجلا) (2). وأيضا فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل والبهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم فقال الله عز وجل (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (3) إنهم سموا الحمار صاحبا فقالوا: إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب وأيضا قد سموا الجماد مع الحي صاحبا قالوا ذلك في السيف شعرا: زرت هندا وذاك بعد اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان يعني السيف، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل والبهيمة.

(هامش)

(1) سورة المعارج آية 36. (2) سورة الكهف آية 37. (3) سورة إبراهيم آية 4. (*)

ص42

وبين الحيوان والجماد. فأي حجة لصاحبك فيه؟ وأما قولك أنه قال: (لا تحزن) فإنه وبال عليه، ومنقصة له، ودليل على خطأه، لأن قوله: (لا تحزن) نهي وصورة النهي قول القائل لا تفعل، ولا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينهى عن الطاعات، بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان معصية فقد نهاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه، بدليل أنه نهاه. وأما قولك أنه قال (إن الله معنا) فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع كقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(1). وقيل أيضا في هذا إن أبا بكر قال: يا رسول الله حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تحزن إن الله معنا) أي معي ومع أخي علي ابن أبي طالب. وأما قولك: إن السكينة نزلت على أبي بكر، فإنه ترك للظاهر، لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (2). فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا إخراج للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من النبوة، على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيرا، لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها، فقال في أحد الموضعين (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) (3) وقال في الموضع الآخر (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (4) ولما كان في هذا الموضع وحده خصه قال (فأنزل الله سكينته

(هامش)

(1) سورة الحجر آية 9. (2) سورة التوبة آية 40. (3) سورة الفتح آية 26. (4) سورة التوبة آية 40. (*)

ص43

عليه) فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة، كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين، فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان. فلم يحر جوابا، وتفرق الناس، واستيقظت من نومي(1). وروى أحمد بن حنبل مسندا عن زيد بن يتيع عن أبي بكر، إن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعثه ببراءة لأهل مكة، لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مدة فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسوله. قال: فسار بها ثلاثا، ثم قال لعلي رضي الله تعالى عنه: الحقه فرد علي أبا بكر، وبلغها أنت. قال: ففعل. فلما قدم على النبي (صلى الله عليه وسلم) أبو بكر بكى، قال: يا رسول الله حدث في شيء؟ قال: ما حدث فيك إلا خير، ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني (2).

 الرضوي:

 يعني (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأتني الأمر من ربي بعز لك يا أبا بكر عن تبليغ براءة عني إلى أهل مكة إلا لأنك لست مني، وقد قال تعالى (فمن تبعني فإنه مني) (3) ولما لم تكن مني فلا يحل لي أن أوليك أمرا تؤده عني. فأين الخير الذي حصل لإمامكم في هذه الواقعة التي أحزنته وفضحته، وأبكته، حيث أفصحت عن عدم لياقته للنيابة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر من أمور الدين أيها البكريون؟ ولما أدرك أولياء أبي بكر ما لحق إمامهم في هذه الواقعة من ذل وعار، وأسفرت عن عدم أهليته لذلك المقام، وعرف الجميع إنه ليس من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شيء، ولذلك أمر الله بعزله، زادوا في الحديث جملة (ما حدث فيك إلا خير) تطييبا لنفوس أولياء

(هامش)

(1) الإحتجاج على أهل اللجاج ج 2

ص325

ط بيروت لبنان مؤسسة النعمان للطباعة والنشر. (2) مسند أحمد ج 1

ص3

ط مصر عام 1313. (3) سورة إبراهيم آية 36 (*)

ص44

أبي بكر، وتمويها على المسلمين حقيقة الأمر. وبهذه الواقعة تجلى للمسلمين كافة ما لإمامنا من مقام ومنزلة عند الله تعالى وعند رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه لا يليق للقيام مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأدية رسالته إلى الناس غير ابن عمه الإمام، حيا كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أم ميتا، وقد صرح (صلى الله عليه وسلم) بذلك على ملأ من المسلمين ومسمع فقال: (علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي). قال المناوي معلقا على هذا الحديث: أي هو متصل بي، وأنا متصل به في الاختصاص والمحبة، وغيرهما. و(من) هذه تسمى اتصالية من قولهم فلان كأنه بعضه، متحد به، لاختلاطهما. وقال في (ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي): كان الظاهر أن يقال: لا يؤدي عني إلا علي، فأدخل أنا تأكيدا لمعنى الاتصال في قوله (علي مني وأنا من علي)(1). مصادر هذا الحديث الشريف 1 - التاج الجامع للأصول من أحاديث الرسول ج 3

ص335

(2). 2 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين

ص155

على هامش نور الأبصار طبع مصر عام 1312 (3) 3 - تذكرة الحفاظ ج 2

ص455

فيه: إلا أنا أو هو بدل (علي). 4 - الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين

ص21

(4). 5 - الإمام علي نبراس ومتراس

ص71

فيه (علي مني وأنا من علي) فحسب.

(هامش)

(1) فيض القدير ج 4ص357. (2) فيه: إلا أنا أو علي. (3) وفيه: ولا يؤدي عني إلا علي. (4) فيه علي مني وأنا من علي فحسب. (*)

ص45

6 - تاريخ الخلفاء

ص159

ط بيروت فيه (علي مني وأنا من علي) فحسب. 7 - تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين

ص630

فيه: إلا أنا أو هو بدل (علي). 8 - الجامع الصحيح للترمذي ج 5

ص636

فيه: إلا أنا أو علي. 9 - جامع الأصول في أحاديث الرسول ج 9

ص471

الطبعة الرابعة فيه: إلا أنا أو علي. 10 - ذكر أخبار أصبهان ج 1

ص253

ط ليدن عام 1934 بريل فيه: وأنا منه بدل (وأنا من علي). 11 - السنن لابن ماجة ج 1

ص44

ط عام 1395. 12 - الصواعق المحرقة

ص120

ط مصر عام 1375 فيه: إلا أنا أو علي. 13 - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ج 4

ص357

فيه: إلا أنا أو علي. 14 - كنز العمال ج 11

ص603

ط بيروت عام 1399 فيه: إلا أنا أو علي. 15 - مسند أحمد بن حنبل ج 4

ص164

و165(1). 16 - مناقب سيدنا علي

ص39

ط حيدر آباد الدكن عام 1352 (2). 17 - منتخب كنز العمال

ص30

على هامش مسند أحمد ج 5 ط مصر عام 1313 فيه: إلا أنا أو علي. 18 - مطالب السئول

ص118

ط الهند عام 1302 (3). 19 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار

ص71

ط مصر عام 1312.

(هامش)

(1) فيه: وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي. (2) فيه: وأنا منه ولا يؤدي عني إلا علي. (3) فيه: علي مني وأنا من علي. فحسب. (*)

ص46

20 - ينابيع المودة

ص54

و55 ط اسلامبول عام 1302 فيه: إلا أنا أو علي. وورد بلفظ آخر، وهو: علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. مصادر هذا الحديث 1 - ذكر أخبار أصبهان ج 1

ص253

ط ليدن عام 1394 مطبعة بريل(1). 2 - علي بن أبي طالب سيف الحق

ص43

ط مصر، مطبعة الاعتماد فيه (علي مني وأنا منه) فحسب. 3 - علموا أولادكم محبة آل بيت النبي

ص114

الطبعة الثانية فيه: علي مني وأنا منه، فحسب. 4 - عبقرية الإمام علي

ص177

ط بيروت عام 1967. 5 - كنز العمال ج 11

ص608

وفيه: وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي. عن عمران بن حصين. صحيح. 6 - مناقب سيدنا علي

ص36

ط حيدرآباد الدكن فيه: علي مني وأنا منه، فحسب. 7 - نظم درر السمطين

ص98

فيه: وأنا منه بدل (وأنا من علي) وزيادة: قالها في حجة الوداع. 8 - ينابيع المودة

ص55

ط اسلامبول عام 1302 فيه: علي مني وأنا منه، فحسب. وروى أحمد في مسنده مسندا: عن علي (رضي الله عنه)، قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي (صلى الله عليه وسلم) دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر (رض) فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال لي: أدرك أبا بكر، فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب به إلى أهل

(هامش)

(1) فيه وأنا منه ولا يبلغ عني إلا أنا أو علي. (*)

ص47

مكة، فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر (رض) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله نزل في شيء؟ قال: لا(1)، ولكن جبريل جائني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك (2).

الرضوي:

 فلم ير الله أبا بكر أهلا لإبلاغ رسالة واحدة إلى المشركين من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يأتمنه على ذلك، حيث لم يكن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبعث جبرئيل الأمين إلى نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمره بعزله عما فوض إليه من إبلاغ براءة إلى أهل مكة، فيمتثل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الرب تعالى شأنه، فيبعث ابن عمه الإمام عليا (عليه السلام) فورا خلفه ويقول له: فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، فيسرع الإمام، ويجد في السير فيلحقه وهو بالجحفة، فيأخذ منه الآيات الكريمة، ويؤديها هو بنفسه إلى أهل مكة نيابة عن ابن عمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). ألا تدلنا هذه الواقعة على عدم لياقة أبي بكر للنيابة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) . وقيامه مقامه من بعده؟ ما لكم لا تتفكرون؟ وقد ورد الحديث في ذلك في عدة من كتب السنة منها (فرائد السمطين) ج 1

ص61

طبع بيروت عام 1398 و(جامع الأصول من أحاديث الرسول) ج 9

ص475

ط بيروت عام 1404 و(المستدرك على الصحيحين) ج 3

ص52

وقال الحاكم معلقا عليه: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. قال الشيخ محمد العربي التباني الجزائري: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر عليا على تبليغه عنه أوامر شرعه إلى جميع العرب، وتلاوته عليهم سورة برائة، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي (3).

(هامش)

(1) خلو هذا الحديث من جملة (أنت صاحبي في الغار) الواردة في ذخائر العقبى في رواية أبي سعيد أو أبي هريرة، ومن جملة (ما حدث فيك إلا خير) الواردة في رواية أحمد عن أبي بكر نفسه يؤكد لنا وضعهما في ذينك الحديثين للغاية التي أشرنا إليها هناك. (2) مسند أحمد ج 1

ص151

ط مصر عام 1313. (3) تحذير العبقري من محاضرات الخضري ج 2ص17. (*)

ص48

وقد أفصح لنا عزل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر عن إبلاغ برائة إلى أهل مكة إنه ليس منه، والله تعالى يقول (فمن تبعني فإنه مني)(1) فمن لم يكن من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يليق لما فوض إليه من الابلاغ عنه. في حياته كيف يليق للخلافة عنه بعد وفاته ما لكم لا تتفكرون؟ ومن إرساله (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامنا عليا (عليه السلام) عوضا عن أبي بكر علمنا لياقته (عليه السلام) للنيابة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في إبلاغ أحكام الشريعة الإسلامية المقدسة فهل من مدكر؟ فكان على كل مسلم صادق في انتحالته الإسلام، غير مقلد لليهود في اختيارهم الأدنى على الأفضل، أن يأخذ بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيعرف لإمامنا حقه عند الله ومنزلته عند رسوله، فلا يقدم عليه من هو دونه، تقليدا لليهود، فيخالف كتاب الله وسنة رسوله، والعقل السليم، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قال الأستاذ أحمد حسن الباقوري المصري: وأمير المؤمنين علي لا يرتاب أحد في أنه أقدر الأمة على أداء الأمانة، والنهوض بأعباء الإمارة، بما توافر له من خصائص لم يشركه فيها أحد من قبل، ولن تتوافر في مبلغ ما نعلم لأحد من بعد، حتى يرث الله الأرض ومن عليها... (2). وأضاف: إن بين سيرته وسيرة رسول الله تشابها يوحي بأن الله تعالى آثر للإمام أن يكون أقرب الناس إلى رسول الله، قرابة لحم ودم، وقرابة نفس وروح، وقرابة سيرة وتاريخ. ولكي تزداد ثقة بهذه الكلمة حاول أن توازن بين السيرتين، سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسيرة الإمام علي كرم الله وجهه، وسوف ترى أن بين السيرتين تقاربا شديدا لا تخفى معالمه على من يفتح للحق قلبه، ويفسح للفكر مجاله... (3).

(هامش)

(1) سورة إبراهيم آية 36. (2) علي إمام الأئمةص90. (3) علي إمام الأئمةص107. (*)

ص49

الرضوي:

 فإذا كان الأستاذ الباقوري قال هذا عن عقيدة اكتسبها على أثر تعمقه في أبحاثه الإسلامية كان لا محاله قد اتقى إخوانه السنة في تسننه حيث جهر بما تعتقده الشيعة الإمامية في إمامها (عليه السلام) وإنما لم يعلن تشيعه لآل البيت وانضمامه إلى جانب شيعتهم (كما أعلن غيره ممن ستتعرف عليهم في هذا الكتاب) لمصلحة رآها، وهي خوفه على حياته، أو على ذهاب مقامه من وزارته ومكانته في مجتمعه. فإن من يرى للإمام (عليه السلام) هذه المنزلة القريبة من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (ويعتقد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أفضل خلق الله إطلاقا) استحال أن يقدم عليه من هو دونه في الخلافة، اللهم إلا أن يكون يهوديا نسبا، أو مقلدا لليهود عملا، وفي غير هذين الفرضين يستحيل ذلك. نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بسد باب إمامكم الشارعة إلى مسجده، بأمر من الله تعالى وترك باب إمامنا (عليه السلام) مفتوحة إليه بأمر من الله تعالى بهذا جاءت الأخبار، ورواها حملة الآثار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، من طرقكم وبأسانيد رواتكم، وسجلها المحدثون منكم في مسانيدهم، ونقلها عنهم علماؤكم في كتبهم. روى الحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي عن عبد الله بن الرقيم الكناني، قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها، فقال: أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد، وترك باب علي. قال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني في الأوسط. وزاد: قالوا يا رسول الله سددت أبوابنا كلها إلا باب علي(1). قال: ما أنا سددت أبوابكم، ولكن الله سدها. وعن علي بن أبي طالب قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيدي فقال: إن موسى سأل ربه أن

(هامش)

(1)

الرضوي
: فأضمروا لعلي الحقد والحسد في قلوبهم من ذلك اليوم، وأظهروه له بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة. (*)

ص50

يظهر مسجده بهارون، وإني سألت ربي أن يظهر مسجدي بك وبذريتك. ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك. فاسترجع(1) ثم قال: سمعا وطاعة فسد بابه. ثم أرسل إلى عمر، ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي وسد أبوابكم (2). وروى أحمد بن حنبل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي (3). قال الحاكم في المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (4). وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح (5) ورواه المتقي الهندي (6) والهيثمي (7) والكنجي الشافعي (8) وابن أبي الحديد المعتزلي (9) واللفظ فيه: سدوا كل باب في المسجد إلا باب علي. وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن زيد بن أرقم قال: كانت لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبواب شارعة في المسجد، فقال يوما: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي(10).

(هامش)

(1) في استرجاعه إيماء في أن في نفسه شيء من عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينطق عن الهوى. فهل من مدكر؟ (2) مجمع الزوائد ج 9

ص114

ط بيروت عام 1967 الطبعة الثانية، منتخب كنز العمال

ص55

على هامش مسند أحمد ج 5 وفيه (يطهر) مسجدي بدل (يظهر). (3) مسند أحمد ج 4

ص369

ط مصر. (4) المستدرك ج 3ص125. (5) تلخيص المستدرك ج 3ص125. (6) كنز العمال ج 11ص618. (7) مجمع الزوائد ج 9

ص120

الطبعة الثانية عام 1967. (8) كفاية الطالب

ص201

طبع النجف عام 1390 المطبعة الحيدرية. (9) شرح نهج البلاغة ج 2

ص431

ط مصر عام 1329.(10) المستدرك ج 3ص125. (*)

ص51

فتكلم في ذلك الناس، فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته. ومثله ذكر المحب الطبري في (ذخائر العقبى) والكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) وفي (المستدرك على الصحيحين ج 3

ص134

قال ابن عباس: وسد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره... قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. وقال الحافظ علي بن حسن الشافعي في أماليه: وبالإسناد عن ميمون الكردي قال: كنا عند ابن عباس (رضي الله عنه) فقال له رجل: حدثنا عن علي (عليه السلام)، فقال: أما لأحدثنك حقا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد، فسدت إلا باب علي، فكأنهم وجدوا في ذلك، فأرسل إليهم أنه بلغني أنكم وجدتم من سدي أبوابكم وتركي باب علي، فإني والله ما سددته من قبل نفسي، إن أنا إلا عبد مأمور، أمرت بشيء ففعلت إن أتبع إلا ما يوحى إلي.

 الرضوي:

 وحديث ميمون هذا، وكذا حديث زيد بن أرقم قبله يؤكد أن وجود منافقين وضعفاء في الإيمان في صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لذلك نرى من يسترجع منهم عندما أمر الرسول بسد الأبواب إلا باب علي (عليه السلام)، ومنهم من تكلم في ذلك، ومنهم من وجد من ذلك، ولو كانوا مؤمنين به حقا لما فاه واحد منهم بشيء من ذلك لعلمه بأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)(1). قال الله تعالى وهو يصف المؤمنين الصادقين في إيمانهم بقوله (فلا وربك لا يؤمنون) لا يدخل الإيمان في قلوبهم (حتى يحكموك) يجعلوك حكما (فيما شجر بينهم) فيما اختصموا فيه (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا) ضيقا (مما

(هامش)

(1) سورة النجم آية 3. (*)

ص52

قضيت) وحكمت به (ويسلموا تسليما)(1) خضوعا لأمرك. وما صدر من هؤلاء من كلام (عندما أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بسد أبوابهم واستثنى باب الإمام) يدل على نفاق كامن في قلوبهم، ولولا ذلك لسلموا لأمره تسليما، ولم يفه واحد منهم بشيء، فهل من مدكر؟ ولأجل ذلك نحن الشيعة الإمامية لا نزكي الصحابة إطلاقا، ولا نحكم بعدالتهم أجمعين، ولا نترضى عليهم كذلك كما يفعل ذلك أولياء أبي بكر وعمر، لأن الله تعالى أخبر أن فيهم منافقين فقال عز من قائل (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون) (2) والمنافقون هم في الدرك الأسفل من النار كما قال الله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) (3). فنحن لا ننتصر لهم، ولا نترضى إلا على المؤمنين منهم، ونبرأ من الذين ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة رسول الله، وانقلبوا على اعقابهم، وقد حكى الله تعالى عنهم في كتابه الكريم فقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم) (4). نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عد إمامنا (عليه السلام) من سادات أهل الجنة، ولم يعد إمامكم منهم روى ابن حجر الهيتمي عن ابن السدي، والديلمي في مسنده عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة، أنا وحمزة وعلي وجعفر ابنا أبي طالب، والحسن والحسين والمهدي (5).

(هامش)

(1) سورة النساء آية 64. (2) أول سورة المنافقين ج 28. (3) سورة النساء آية 145. (4) سورة آل عمران آية 144. (5) الصواعق المحرقة

ص233

ط عام 1375. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

علي إمامنا

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب