ص53
ولو كان إمامكم منهم لذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عداد من ذكر،
وحاشاه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن يبخس أحدا من صحابته أو غيرهم حقه. هذا ما
نعتقده نحن في نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم). نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)
كان ينهى عن سب إمامنا (عليه السلام) وكان يفرح إذا ما سمع أحدا يسب إمامكم كان
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب إمامنا عليا (عليه السلام) حبا جما، فكان
يتظاهر به، ويعلنه بين خاصة الناس وعامتهم، وقد سئل (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما
أي الرجال أحب إليك؟ فقال: علي. روى المحب الطبري عن معاذة الغفارية قالت: دخلت على
النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيت عائشة، وعلي خارج من عنده، فسمعته يقول: يا
عائشة إن هذا أحب الرجال إلي، وأكرمهم علي، فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه(1). الرضوي :
وقد عملت عائشة بهذه الوصية في إمام زمانها ونفذتها في حرب الجمل معه فهل من مدكر؟
وقد أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بحبه، ونهاهم عن سبه وبغضه، وجعل حبه
علامة الإيمان، وبغضه علامة الكفر والنفاق، فقال: حب علي إيمان، وبغضه كفر (2) حب
علي إيمان وبغضه نفاق (3) حب علي برائة من النفاق (4) حب علي عبادة (2) حب علي يأكل
الذنوب كما تأكل النار الحطب (5).
(هامش)
(1) ذخائر العقبى في مودة ذوي القربى
ص62
ط مصر عام 1356. (2) ينابيع المودة
ص55
ط اسلامبول عام 1302. (3) سجع الحمام في حكم الإمام
ص7
ط مصر عام 1967. (4) مناقب سيدنا علي
ص33
ط الهند. (5) الفتوحات الإسلامية ج 2
ص516
ط مصر عام 1354 مطبعة مصطفى محمد، مناقب سيدنا عليص33. (*)
ص54
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله تعالى(1).
وعن ابن عباس أنه قال: أشهد بالله لسمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول،
من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله... (2). وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أم
سلمة قالت: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: من سب عليا فقد سبني (3). قال
الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقال الذهبي في تلخيص
المستدرك: صحيح. إلى غير ذلك من الأحاديث التي رواها السنة في مسانيدهم عنه (صلى
الله عليه وآله وسلم) حث فيها المسلمين على حب إمامنا، ونهاهم عن سبه وبغضه، فكان
(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ما سمع أحد المنافقين سبه، أو انتقصه غضب غضبا شديدا
حتى يرى أثر ذلك عليه. هذا إمامنا، أما إمامكم أبو بكر فكان (صلى الله عليه وآله
وسلم) يبدي فرحا وسرورا إذا ما سمع أحدا يسبه، فشتان ما بينهما. فهل من مدكر؟ روى
أحمد بن حنبل في مسنده (4) عن أبي هريرة أن رجلا شتم أبا بكر والنبي (صلى الله عليه
وسلم)
(هامش)
(1) حلية الأولياء ج 1
ص68
ط بيروت عام 1407، منتخب كنز العمال
ص34
على هامش مسند أحمد ج 5. (2) كنز العمال ج 11
ص602
نظم درر السمطينص105، منتخب كنز العمال
ص30
على هامش مسند أحمد ج 5، ذخائر العقبى
ص66
ط مصر،. (3) تاريخ الخلفاءص162، نور الأبصار
ص72
ط مصر عام 1312، إسعاف الراغبين
ص157
على هامش نور الأبصار، المستدرك على الصحيحين ج 3ص121، تلخيص المستدرك ج 3
ص121
على هامش المستدرك. (4) قال حاجي خليفة في (كشف الظنون) ج 2ص1680: كتاب جليل من
جملة أصول الإسلام... ذكر أن أحمد بن حنبل شرط فيه أن لا يخرج إلا حديثا صحيحا
عنده. قاله أبو موسى المديني. وقال أحمد بن الصديق في (إبراز الوهم المكنون)
ص455
طبع دمشق عام 1347 مطبعة الترقي: وأما مسند الإمام أحمد فقد ذكروا أنه انتقاه من
أكثر من سبعمأة ألف وخمسين ألف حديث، ولم يدخل فيه إلا ما يحتج به عنده. وروى أبو
موسى المديني أنه سئل عن حديث فقال: انظروه فإن كان في المسند، وإلا فليس بحجة.
وأضاف: وقد بالغ بعضهم بإطلاق الصحة على جميع ما فيه... (*)
ص55
جالس، فجعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يعجب ويتبسم. فلما أكثر رد عليه بعض قوله،
فغضب النبي (صلى الله عليه وسلم) وقام. فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله كان
يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت(1). ولعل القارئ النبيل يدرك
جيدا ما في اعتراض أبي بكر هنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما قام
غاضبا عليه، لرده على سابه، بعدما رأى آثار الفرح والسرور ظاهرة في وجهه (صلى الله
عليه وآله وسلم)، من إيذاء له (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجاسر على شخصه الكريم،
وقد قال تعالى (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (2) فهل من مدكر؟ جاء في
كتاب (الخطوط الطويلة للأسس المبني عليها دين السنة)
ص33
طبع سپر آرت پريس كراجي، الباكستان ما نصه: ولو كان أبو بكر مسلما لرد الرسول (ص)
على ذلك الساب، لعدم جواز سب المسلم، فإما أن نقول بأن النبي (ص) فعل الحرام إذ ترك
النهي عن المنكر (والعياذ بالله من هذا القول) وإما أن نقول بأن أبا بكر يجوز سبه،
وابتسام النبي (ص) خير دليل على الثاني، لأنه نوع تقرير من النبي (ص) لذلك. (انتهى)
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قال: لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله،
ويحبه الله ورسوله، أراد به إمامنا (عليه السلام) ولم يرد به إمامكم روى الزرندي
الحنفي: عن ابن عمر. قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال:
إن اليهود قتلوا أخي. فقال: لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله
(هامش)
(1) المسند ج 2
ص436
ط مصر عام 1313، حياة الصحابة ج 2ص451. (2) سورة التوبة آية 61 (*)
ص56
ورسوله، يفتح الله على يديه، فيمكنك من قاتل أخيك. فاستشرف لها أبو بكر وعمر، أصحاب
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فبعث إلى علي (رضي الله عنه)، فعقد له اللواء(1)
فمضى علي لذلك الوجه... فأخذ علي قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله. وروى أبو
جعفر الطبري عن بريدة الأسلمي قال: فقال: رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لأعطين
اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فلما كان من الغد تطاول لها
أبو بكر وعمر. فدعا عليا (عليه السلام) وهو أرمد فتفل في عينيه، وأعطاه اللواء،
ونهض معه من الناس من نهض... (2) (ثم ذكر فتح الله على يد الإمام). وقال ابن حجر
الهيتمي: أخرج الشيخان عن سهل بن سعد، والطبراني عن ابن عمر، وابن أبي ليلى، وعمران
بن حصين، والبزار عن ابن عباس، إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: يوم خيبر:
لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.
فبات الناس يذكرون - أي يخوضون ويتحدثون ليلتهم - أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس
غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن
أبي طالب؟ فقيل: يشتكي عينيه. قال: فارسلوا إليه، فأتي به فبصق رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) في عينيه ودعى له، فبرء، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية (3). قال
الأستاذ خالد محمد خالد وهو يشيد ببطولة إمامنا (عليه السلام) في فتح خيبر: أصبح
الصباح، وأقبل المسلمون إلى حيث يلتقون برسولهم، وكلهم شوق إلى معرفة الرجل الذي
سيعطيه الرسول الراية، والذي سيتم على يديه فتح ذلك الحصن الرهيب، واكتملت أعدادهم،
واستوت صفوفهم، واشرأبت الأعناق متمنية راجية وشق السكوت صوت رسول الله (صلى الله
عليه وسلم): أين علي بن أبي طالب؟
(هامش)
(1) نظم درر السمطينص99. (2) تاريخ الأمم والملوك ج 3
ص93
ط مصر المطبعة الحسينية، الطبعة الأولى. (3) الصواعق المحرقة
ص119
ط مصر عام 1375. (*)
ص57
كان علي هناك وسط الزحام، لم يخطر بباله يومئذ أن يكون هو الرجل الذي وعد الرسول
أصحابه وجعله بشرى الفتح القريب. لم يخطر هذا الاختيار بباله لسبب يسير، هو أنه في
ذلك اليوم كان يشكو رمدا في عينيه، لا يمكنه من العمل الصعب الذي تتطلبه مهمة ذلك
اليوم المشهود ولكنه لبى نداء الرسول من فوره: ها أنا ذا يا رسول الله. وأشار إليه
الرسول بيمينه ليتقدم منه، فتقدم البطل، ورأى الرسول ما بعينه من وجع واهتياج، فبلل
أنامله المضيئة بريقه الطهور، ومس بها عين البطل... ثم دعى بالراية فأمسكها، ورفعها
إلى أعلى، وهزها ثلاثا، ثم غرسها في يمين علي، وقال: خذ هذه الراية فامض بها حتى
يفتح الله عليك. دقائق لعلها لا تجاوز خمسا... ولكنها تمثل حياة كاملة لا منتهى
لأبعادها، ولا غاية لأمجادها. حمل البطل الراية، وتقدم كتيبته يهرول هرولة... وهجمت
كتيبة الإسلام تحت قيادة بطلها علي. وفي وقت وجيز كانت القوة المنتصرة تردد من
شرفات الحصن الذي سقط بكل ما فيه هتاف النصر.. الله أكبر.. خربت خيبر، وصدقت نبوءة
الرسول التي قالها لابن عمه: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك، أجل.. لقد
فتح الله عليه ومنحه النصر المرتجى(1). الرضوي : أمن العدل والدين، أم من الإنصاف
والشرف، أن يقدم في الخلافة على إمامنا هذا حبيب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) من لا نصيب له في مشهد من المشاهد المشرفة والمواقف والمقامات المرموقة في
الدين والسياسة والاجتماع؟ ما لكم لا تشعرون؟
(هامش)
(1) في رحاب علي
ص73
ط مصر المطبعة الفنية الحديثة. (*)
ص58
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قال: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله، أراد به إمامنا (عليه السلام)، ولم يرد به إمامكم روى الحاكم(1)
مسندا عن أبي سعيد قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانقطعت نعله،
فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلا ثم قال: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت
على تنزيله. فاستشرف لها القوم، وفيهم أبو بكر وعمر (رض) فقال أبو بكر: أنا هو؟
قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل (2) يعني عليا. قال الحاكم:
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (2). وفي منتخب كنز العمال (3) فقال أبو
بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل في الحجرة. فخرج علينا علي
ومعه نعل رسول الله يصلحها. روى هذا الحديث جماعة من السنة غير الحاكم في مسانيدهم،
منهم: الهيثمي (4) والزرندي الحنفي (5) والتباني الجزائري (6) والدكتور محمد عبده
يماني (7). الرضوي : عجيب حقا، وما عشت أراك الدهر عجبا أن يقول كل من أبي بكر وعمر
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا هو؟ لما سمعاه وهو يقول: إن منكم من
يقاتل على تأويل القرآن... وهما يعلمان، بل والكل يعلمون أنهما ليسا من فرسان هذا
الميدان، فما معنى قولهما ذلك؟ نعم شاء الله أن يقولا ذلك. ليقول الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) في جوابهما: لا. يعني إنكما لستما أهلا لذلك، فهل من مدكر؟
(هامش)
(1) قال اليافعي في ترجمته: الإمام الكبير، الحافظ الشهير، أبو عبد الله محمد بن
عبد الله المعروف بالحاكم ابن البيع النيسابوري، إمام أهل الحديث في وقته (مرآة
الجنان) ج 3ص14. (2) المستدرك على الصحيحين ج 3
ص123
ط بيروت. (3) صفحة 37 على هامش مسند أحمد ج 5. (4) جمع الفوائدص556. (5) نظم درر
السمطينص115. (6) تحذير العبقري من محاضرات الخضري ج 2ص9. (7) علموا أولادكم محبة
آل بيت النبي
ص110
الطبعة الثانية. (*)
ص59
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أجاز إمامنا (عليه السلام) في تسمية ابنه باسمه
(صلى الله عليه وآله وسلم) وتكنيته بكنيته، ولم يجز ذلك لأحد غيره. روى أحمد بن
حنبل عن علي أنه قال: يا رسول الله أرأيت أن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك، وأكنيه
بكنيتك؟ قال: نعم. قال أحمد: فكانت رخصة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
لعلي(1). الرضوي : فتضاف هذه الرخصة منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى فضائل إمامنا
(عليه السلام) وخصائصه فهل من مدكر؟ نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) يفتخر يوم
القيامة بإمامنا، لا بإمامكم روى الجويني مسندا عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وسلم): يفتخر يوم القيامة آدم بابنه شيث، وافتخر أنا بعلي بن أبي
طالب (2). الرضوي : ونفتخر نحن الشيعة الإمامية في الدنيا والآخر بنبينا (صلى الله
عليه وآله وسلم) وبالعترة الطاهرة من أهل بيته (عليهم السلام)، ونسئله تعالى أن
يوفقنا للاقتداء بهم، ويحشرنا يوم القيامة معهم إنه أكرم المسئولين.
(هامش)
(1) المسند ج 1
ص95
ط مصر عام 1313. (2) فرائد السمطين ج 1
ص232
ط بيروت عام 1398 مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر. (*)
ص60
- 3 - إمامنا (عليه السلام) ينتمي إلى بني هاشم

أعز بيت في قريش وأمنعه، وإمامكم
ينتمي إلى بني تيم بن مرة أذل بيت في قريش وأوضعه روى ابن حجر الهيتمي عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل أنه قال: قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد
بني أب أفضل من بني هاشم(1). وروى عمر بن شبة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أنه قال: إن بني هاشم فضلوا على الناس بست خصال، هم أعلم الناس، وأشجع الناس، وهم
أسمح الناس، وهم أحلم الناس، وهم أصفح الناس، وأحب الناس إلى نساءهم (2). فمن
استبدل بهم غيرهم، فقد استبدل الأدنى بالذي هو خير، وضاهى بذلك اليهود الذين قال
الله تعالى لهم (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) (3). فهل من مدكر؟ وقال أحمد
بن زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة سابقا: بنو هاشم أهل النجدة، والشجاعة، والأنفة
(4). الرضوي : إن إمامنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي شيخ البطحاء، ونبينا
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي شيخ البطحاء،
فهما ابنا عم، فعبد المطلب هو جد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وجد إمامنا (عليه
السلام) على حد سواء، والبيت الهاشمي أعز بيت في قريش وأمنعه، وإمامنا مضافا إلى
مشاركته الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في النسب وطهارته، وطيبه وأصالته، فهو
يشاركه في سائر فضائله، وكمالاته، وجميع ما اختص به (صلى الله عليه وآله وسلم) من
صفاته، عدى النبوة والوحي، ولذلك آخا (صلى الله عليه وآله وسلم) بينه وبين نفسه
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة
ص187
ط مصر عام 1375. (2) تاريخ المدينة ج 2ص639. (3) سورة البقرة آية 61. (4) الفتوحات
الإسلامية ج 2ص386. (*)
ص61
المقدسة، لما آخا بين صحابته، وقال له: أنت أخي في الدنيا والآخرة(1) ولقد ضل والله
عن الحق، ونكب عن الصراط المستقيم، من اختار لنفسه إماما غير من اختاره الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) له أخا وخليفة، فهل من مدكر؟ قال الأساتذة مؤلفوا (سجع الحمام
في حكم الإمام) في إمامنا (عليه السلام): اجتمع لعلي شرف الأبوة والأمومة، فآباؤه
آباء الرسول، وأمهاته أمهاته، وأبناؤه أبناؤه، وهو ممتزج بلحمه ودمه (2). وقد روى
جماعة من الصحابة والتابعين أحاديث كثيرة تعرب عن مزيد فضل إمامنا على غيره من
الصحابة، وتشيد بشخصيته الكبيرة، ومكانته المقدسة في الإسلام، ذكرنا شطرا منها، في
كتابنا (المثل الأعلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)). وكذا
من أقوال جمة لبعض الشخصيات البارزة عند السنة في إطراءه (عليه السلام) وتبجيله. ما
فيه كفاية في الدلالة على استحقاقه الخلافة دون إمامكم. هذا هو إمامنا، وقد عرفنا
أصله ونسبه ومكانته البارزة في الإسلام، والكريمة عند الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) خاصة، فلم تكد تخفى على أحد، إلا على من أعمى الله قلبه، ونشأ على تقليد
السلف فأضاع دربه. أما إمامكم أبو بكر فقد روى ابن حجر الهيتمي في صواعقه (3)
والكاندهلوي في حياة الصحابة (4) ما نصه: لما بايع الناس أبا بكر نادى أبو سفيان بن
حرب بأعلى صوته: يا علي غلبكم على هذا الأمر أذل بيت (وفي الاستيعاب (5) أرذل بيت
في قريش أما
(هامش)
(1) ذكرنا مصادر كثيرة لهذا الحديث من كتب السنة تربو على أربعين مصدرا في كتابنا
(هذه أحاديثنا أم أحاديثكم)؟ وقد أنكر العدو الناصب أحمد بن تيمية الحراني مؤاخاة
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامنا فقال مع بالغ الوقاحة: فإن النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) لم يؤاخ بينه وبين واحد. وقد رددناه بكتابنا (من أقطاب الكذابين
أحمد بن تيمية الحراني). (2) سجع الحمام
ص2
ط مصر. (3) الصواعق المحرقة
ص60
ط مصر عام 1375. (4) ج 2
ص19
ط مصر. (5) على هامش الإصابة ج 2ص254. (*)
ص62
والله لأملئنها عليه خيلا ورجالا إن شئت(1). وروى الإسحاقي أن أبا سفيان قال:
أرضيتم يا بني عبد مناف أن تليكم تيم، وأن يلي أمركم ابن أبي قحافة؟ والله لأملئنها
عليه خيلا ورجالا (2). وروى الحاكم أنه قال: ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة،
وأذلها ذلة يعني أبا بكر، والله لأن شئت لأملئنها عليه خيلا ورجالا (3). وفي (حياة
الصحابة) (4) و(الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) ج 4 أنه قال: ما بال هذا الأمر
في أذل قبيلة في قريش وأقلها - يعني قبيلة أبي بكر - والله لو شئت لأملئنها عليه
خيلا ورجالا، وآخذنها عليه من أقطارها. ونحوه روى السيوطي (5). وذكر ابن أبي الحديد
أنه لما ولي أبو بكر قال أبو سفيان: وليتم هذا الأمر أذل بيت في قريش، أما والله
لأن شئت لأملئنها على أبي فصيل (6) خيلا ورجلا (7). قال الشيخ محمد العربي التباني
الجزائري: والناس كنوا أبا بكر بأبي الفصيل احتقارا له (8). وقالت قبيلة أسد
وفزارة: لا والله لا نبايع أبا الفصيل أبدا، فتقول لهم خيل طئ: اشهد ليقاتلنكم حتى
تكنوه أبا الفحل الأكبر (9). وقال هارون الرشيد العباسي لأبي بكر بن عياش: كيف
استخلف الناس أبا بكر؟ فأجابه: يا أمير المؤمنين، سكت الله. وسكت رسوله، وسكت
المؤمنون. فقال: والله
(هامش)
(1) لفظة (إن شئت) زيادة في حياة الصحابة. (2) أخبار الأول
ص24
ط مصر. (3) المستدرك على الصحيحين ج 3ص78. (4) ج 2ص19. (5) تاريخ الخلفاء
ص56
ط الهند و62 ط بيروت. (6) الفصيل: ولد الناقة، أو البقرة إذا فصل عن أمه. (7) شرح
نهج البلاغة ج 1
ص130
ط مصر. (8) تحذير العبقري من محاضرات الخضري ج 2ص140. (9) تاريخ الأمم والملوك ج
3ص229. (*)
ص63
ما زدتني إلا عماء(1). وذكر المحب الطبري أن غلاما من بني شيبان سئل أبا بكر: فمن
الرجل؟ قال أبو بكر: من قريش. قال الفتى: بخ بخ أهل الشرف والرياسة فمن أي القرشيين
أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، قال الفتى: أمكنت والله من سواء الثغرة. أمنكم قصي
الذي جمع القبائل من فهر، وكان يدعى مجمعا؟ قال: لا، قال فمنكم هاشم الذي قال فيه
الشاعر: عمرو العلا هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف قال: لا، قال: فمنكم
شيبة الحمد عبد المطلب، مطعم طير السماء، الذي كان وجهه كالقمر يضئ في الليلة
الداجية الظلماء؟ قال: لا. قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل
الحجابة أنت؟ قال: لا. قال: فمن أهل السقاية أنت؟ قال: لا. قال: فمن أهل الندوة
أنت؟ قال: لا. قال: فمن أهل الوفادة أنت؟ قال: لا. فاجتذب أبو بكر زمام الناقة
راجعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال الغلام: صادف درء الستر درءا يرفعه
* يهيضه حينا وحينا يرفعه أما والله لو ثبت لأخبرتك من أي قريش أنت. قال: فتبسم
رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فقال علي: يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على
باقعة (2). قال ابن الجوزي: قال علماء السير: وكان أبو بكر يحلب للحي أغنامهم، فلما
بويع قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منائح (3) دارنا. فسمعها أبو بكر فقال:
بلى
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة
ص22
ط مصر عام 1375. (2) الرياض النظرة ج 1
ص53
ط بيروت عام 1405. والباقعة: الداهية، وبقع الرجل إذا رمي بكلام قبيح قاله المحب
الطبري (3): الغنم ذوات اللبن، مفردها منيحة. (*)
ص64
لأحلبنها لكم... فكان يحلب لهم(1). وروى السيوطي عن أنيسة قالت: نزل فينا أبو بكر
ثلاث سنين قبل أن يستخلف، وسنة بعدما استخلف، فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن
فيحلبهن لهن (2). قال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا
بقدر؟ قال: نعم قال: إن الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال: نعم يا ابن اللخناء (3) أما
والله لو كان عندي إنسان أمرت أن يجأ أنفك (4). وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: جاء
أبو بكر بضيف له، أو بأضياف له، فأمسى عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فلما جاء
قالت أمي: احتبست عن ضيفك، أو أضيافك الليلة. قال: ما عشيتهم؟ فقالت: عرضنا عليه،
أو عليهم فأبوا، أو فأبى. فغضب أبو بكر، فسب وجدع، وحلف لا يطعمه... (5). قال:
المقدام: كان أبو بكر سبابا (6). قال ابن حجر: إن الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر (8).
الرضوي: فهذا إمامكم، وذاك إمامنا. يروي ابن أبي الحدي المعتزلي أن رجلا اعترض على
إمامكم لما بلغه توليه الخلافة، فقال: ألست أمرتني أن لا أتأمر على اثنين؟ قال:
بلى، قال: فما بالك؟ فقال أبو بكر: لم أجد لها أحدا غيري أحق مني (7).
(هامش)
(1) صفوة الصفوة ج 1ص258، طبقات ابن سعد ج 3 ق 1ص132. (2) تاريخ الخلفاء
ص66
ط الهند و75 ط بيروت. (3) اللخناء: التي لم تختن. (4) تاريخ الخلفاء
ص77
ط الهند وص 89 ط بيروت. (5) صحيح البخاري ج 4
ص72
ط مصر بحاشية السندي. (6) الصواعق المحرقة
ص12
ط مصر عام 1375. (7) شرح نهج البلاغة ج 2
ص17
ط مصر عام 1329. (*)
ص65
الرضوي: بماذا صرت يا أبا بكر أحق بالإمرة من الصحابة كافة، حتى من أهل بيت الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الطاهرة وخاصته، وفي مقدمتهم أخوه (صلى الله عليه
وآله وسلم) وصهره وابن عمه ووصيه ووارثه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟
أبنسبك؟ أم ببيتك؟ أم بأخلاقك وسيرتك؟ أم بعلمك وفضلك؟ أم بشخصيتك في مجتمعك؟
بأيها؟ قال إمامنا علي (عليه السلام): سبحان الله لقد ادعى ما ليس له(1). وقال
(عليه السلام) له: استبددت علينا بالأمر، وكنا نحن نرى لنا حقا لقرابتنا من رسول
الله (2). الرضوي : فإن قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته وخاصته
هم أطهر الناس حسبا، وأعلمهم بسنته وشريعته فهم أحقهم بخلافته من الأجانب والأغيار،
فهل من مدكر؟ وقال (عليه السلام): والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لو عهد إلي رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهدا لجاهدت عليه، ولو لم أجد إلا ردائي، ولم أترك
ابن أبي قحافة يصعد درجة واحدة من منبره (صلى الله عليه وسلم) (3). الرضوي : لم يعهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ابن عمه الإمام بالثورة والقيام ضد
المتآمرين عليه والطامعين في الخلافة، لعلمه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم وجود
قوة مؤمنة كافية يستعين بها عليهم لإقعادهم في أماكنهم (وما آمن معه إلا قليل) (وما
أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) لذلك أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر، فصبر
على عدوانهم عليه، وغصبهم حقه من الخلافة، عملا بوصية الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم)، وها هو يصف حالته، وما ناله من عدوان من المتآمرين على أهل البيت (عليهم
السلام) من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول في خطبته الشقشقية
المعروفة: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة (4) وإنه ليعلم أن محلي منها محل
القطب من
(هامش)
(1) الإمامة والسياسة ج 1ص13. (2) صحيح مسلم ج 2
ص72
ط مصر مطبعة دار الكتب العربية الكبرى. (3) الصواعق المحرقة
ص60
ط مصر عام 1375. (4) أي جعل الخلافة كالقميص مشتملة عليه. (*)
ص66
الرحى(1) ينحدر عني السيل (2) ولا يرقى إلي الطير (3) فسدلت دونها (4) ثوبا، وطويت
عنها كشحا (5) وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء (6) أو أصبر على طخية عمياء (7)
يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن
الصبر على هاتا (8) أحجى (9) فصبرت وفي العين قذى(10) وفي الحلق شجا(11) أرى تراثي
نهبا(12) حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده (ثم تمثل عليه
السلام بقول الأعشى): شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر فيا عجبا بينا
هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا
(هامش)
(1) يدل على ذلك ما رواه أبو بكر نفسه من أحاديث سمعها من رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) في الإمام، تأتي تحت عنوان (أحاديث رواها إمامكم في فضائل إمامنا). (2)
قال ابن أبي الحديد: يعني رفعة منزلته (عليه السلام) كأنه في ذروة جبل أو يفاع مشرف
ينحدر السيل عنه إلى الوهادة والغيظان. (3) قال ابن أبي الحديد في شرحه لهذه الجملة
من خطبة الإمام الشقشقية: هذه أعظم في الرفعة والعلو من التي قبلها، لأن السيل
ينحدر عن الرابية والهضبة، وأما تعذر رقي الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جدا، بل
ما هو أعلى من قلال الجبال، كأنه يقول إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل
أن يرقى الطير إليها. (4) أي أرخيت، تقول: ضربت يعني بيني وبينها حجابا فعل الزاهد
فيها الراغب عنها، قاله ابن أبي الحديد. (5) أي قطعتها وصرمتها، وملت عنها. (6):
مقطوعة، كناية عن عدم الوصول إلى الهدف، مع قلة الناصر، كما أن اليد المقطوعة لا
ينال بها المطلوب. (7) الطخية: قطعة من الغيم والسحاب، وعمياء تأكيد لظلام الحال
واسودادها. (8) أي هذه. (9) أي أليق بالحجى وهو العقل.(10) أي صبرت على مضض كما
يصبر الأرمد.(11) هو ما يعترض في الحلق، كما يصبر من غص بأمر فهو يكابد الخنق.(12)
قال ابن أبي الحديد: كنى عن الخلافة بالتراث، وهو الموروث من المال. الرضوي : وذاك
لأنه ورثها من نص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه فيها فلذلك عبر عنها
بالتراث. (*)
ص67
ضرعيها(1). قال أبو جعفر النقيب: وعلا عليه من هو دونه، وحكم فيه وفي بيته ورهطه من
لم يكن ما ناله من الإمرة والسلطان في حسابه، ولا دائرا في خلده، خاطرا في باله،
ولا كان أحد من الناس يرتقب ذلك له، ثم كان في آخر الأمر إن قتل هذا الرجل الجليل
في محرابه. يقول السيد الحميري مخاطبا المهدي العباسي: قل لابن عباس سمي محمد * لا
تعطين بني عدي درهما احرم بني تيم بن مرة إنهم * شر البرية آخرا ومقدما منعوا تراث
محمد أعمامه * وبنيه وابنته عديلة مريما وتأمروا من غير أن يستخلفوا * وكفى بما
فعلوا هنالك مأثما لم يشكروا لمحمد إنعامه * أفيشكرون لغيره إن أنعما والله من
عليهم بمحمد * وهداهم وكسى الجنوب وأطعما ثم انبروا لوصيه ووليه * بالمنكرات فجرعوه
العلقما (2) إمامنا ولد في الكعبة المقدسة قبلة المسلمين في بيت الله الحرام،
وإمامكم ولد في بيت يعبد أهله فيه الأصنام قال سبط ابن الجوزي: وروي أن فاطمة بنت
أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعلي (عليه السلام)، فضربها الطلق، ففتح لها باب
الكعبة فدخلت، فوضعته فيها (3). وقال الشبلنجي: سيدنا علي بن أبي طالب ابن عم
الرسول، وسيف الله المسلول،
(هامش)
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1
ص50
ط مصر عام 1329. (2) دعوة التقريب للشيخ محمد المدني
ص434
ط القاهرة. (3) تذكرة خواص الأمة
ص13
ط النجف عام 1369 المطبعة العلمية. (*)
ص68
ولد (رضي الله عنه) بمكة داخل البيت الحرام... ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد
سواه. قاله ابن الصباغ(1). وقال أبو هريرة الصفوري: رأيت في الفصول المهمة في معرفة
الأئمة لبعض المالكية إن عليا (رضي الله عنه) ولدته أمه فاطمة بجوف الكعبة، وهي
فضيلة خصه الله تعالى بها... (2). الرضوي : وكم لإمامنا (عليه السلام) من فضائل
جسيمة ومناقب عظيمة خصه الله بها فلم يشركه فيها أحد من المسلمين، تتعرف عليها في
هذا الكتاب، فهي حجة قاطعة لذوي الألباب في أنه (عليه السلام) هو المتعين للخلافة
عن ابن عمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سواه، فمن حاد عنه، وآثر عليه
غيره، فقد حاد عن الحق والصواب، قال الله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى
تصرفون) (3). وقال الأستاذ عباس محمود العقاد: ولد علي في داخل الكعبة، وكرم الله
وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنما كان ميلاده ثمة إيذانا بعهد جديد للكعبة، وللعبادة
فيها... (4). وقال الأستاذ توفيق أبو علم: ولد الإمام داخل الكعبة، وكرم الله وجهه
عن السجود لأصنامها... (5). وقال محمد بن الحسن بن عيش القرشي في قصيدته البالغة
1411 بيتا منوها فيها بذكر ميلاد إمامنا في بيت الله الحرام: ولدت في البيت والأيام
مظلمة * والجو منكدر الآفاق من ضلل فكنت كالشمس في إبان مطلعها * بقائم اليوم زاد
الشمس في طفل (6)
(هامش)
(1) نور الأبصار
ص69
ط مصر عام 1312 المطبعة الميمنية. (2) مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء
الأربعة
ص156
ط بيروت عام 1409 الطبعة الثانية. (3) سورة يونس آية 32. (4) عبقرية الإمام علي
ص43
ط بيروت عام 1967. (5) الإمام علي بن أبي طالب
ص278
ط مصر عام 1973 دار المعارف. (6) عن النفحة القدسية. (*)
ص69
وقال الأديب عبد الباقي العمري مخاطبا إمامنا (عليه السلام): أنت العلي الذي فوق
العلا رفعا * ببطن مكة وسط البيت قد وضعا(1) وقالت الدكتورة سعاد ماهر محمد:
والإمام غني عن الترجمة والتعريف، وحسبنا أنه ولد داخل الكعبة، وربي في منزل الوحي،
وتتلمذ القرآن الكريم، واستوحاه فأوتي الحكمة وفصل الخطاب (2). إمامنا (عليه
السلام) نشأ في بيت الوحي والرسالة، وتربى على يدي صاحب الدعوة الإسلامية، وإمامكم
نشأ في بيت الشرك والوثنية، وتربى في أحضان عبدة الأصنام من أبناء الجاهلية ذكر
أحمد بن يحيى البلاذري، وعلي بن الحسين الأصفهاني: إن قريشا أصابتها أزمة قحط، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعميه حمزة والعباس: ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا
المحل؟ فجاؤوا إليه، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم، فقال: دعوا لي عقيلا،
وخذوا من شئتم، وكان شديد الحب لعقيل. فأخذ العباس طالبا، وأخذ حمزة جعفرا وأخذ
محمد (صلى الله عليه وسلم) عليا، وقال لهم: قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليا
(3). قالوا: فكان علي (عليه السلام) في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منذ كان
عمره ست سنين، وكان ما يسدي إليه صلوات الله عليه من إحسانه وشفقته وبره وحسن
تربيته كالمكافأة والمعاوضة لصنيع أبي طالب به، حيث مات عبد المطلب وجعله في حجره،
وهذا
(هامش)
(1) الترياق الفاروقي
ص97
ط مصر. (2) مشهد الإمام علي في النجف
ص6
ط مصر. (3) الرضوي : ونحن الشيعة الإمامية قد اخترنا من اختاره الله لنبينا (صلى
الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) فارتضيناه لنا إماما بعد نبينا (صلى الله
عليه وآله وسلم)، نسئل الله تعالى أن يميتنا على ولايته وعلى البراءة من أعداءه،
ويحشرنا معه (يوم يدعى كل أناس بإمامهم). (*)
ص70
يطابق قوله (صلى الله عليه وسلم): لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع
سنين. وقوله: كنت أسمع الصوت، وأبصر الضوء سنين سبعا، ورسول الله (صلى الله عليه
وسلم) حينئذ صامت ما أذن له في الانذار والتبليغ(1). وقال الأستاذ العقاد: قد تربى
في البيت الذي خرجت منه الدعوة الإسلامية، وعرف العبادة من صلاة النبي، وزوجه
الطاهرة (2) قبل أن يعرفها من صلاة أبيه وأمه (3) وجمعت بينه وبين صاحب الدعوة
قرابة مضاعفة، ومحبة أوثق من محبة القرابة، فكان ابن عم محمد عليه الصلاة والسلام،
وربيبه الذي نشأ في بيته، ونعم بعطفه وبره (4). وقال الدكتور محمد عبده يماني: وهو
الفتى الذي لم يفارق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منذ نشأ في حجره (صلى الله
عليه وسلم) إلى أن توفاه الله، وهو يعرف هذا الشرف ويعتز به. حيث يقول: تعلمون
موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة،
وضعني في حجره (صلى الله عليه وسلم) وأنا وليد، يضمني إلى صده، ويكنفني فراشه،
ويمسني جسمه، ويشمني عرقه، وما وجد لي من كذبة في قول، ولا خطلا في فعل، وكنت أتبعه
اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من صفاته علما، ويأمرني بهذا الاقتداء
(5)... وفي الحق أنه شهد منذ صباه نزول القرآن الكريم منذ كان في حجر النبوة، وتفقه
في أسباب النزول والتفسير، وعايش أغلب السنة الشريفة عملا وقولا، فتفقه فيها
(هامش)
(1) شرح نهج البلاغة ج 1
ص5
ط مصر عام 1329. (2) إن نظر الإمام (عليه السلام) كان شاخصا إلى مربيه وكافله ابن
عمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع حالاته، لا إلى سواه، فلم يتعلم
الصلاة إلا منه، ولم يقتد فيها إلا به. (3) يظهر من قول الأستاذ العقاد (من أبيه
وأمه) أنه مؤمن بإيمان أبي طالب والد الإمام (عليه السلام) فلم يذهب ما يذهب إليه
من أعمى التعصب للباطل قلبه فلم يهتد للحق سبيلا، فقال: إنه مات مشركا، عداء منه
لابنه الإمام وكراهية له (كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذبا). (4)
عبقرية الإمام علي
ص43
ط بيروت عام 1967. (5) علموا أولادكم محبة آل بيت النبي
ص101
الطبعة الثانية عام 1412. (*)
ص71
جميعا(1). وقصارى ما يقال في فضائل علي كرم الله وجهه أنه تعلمها من الرسول منذ
نشأ في حجره، وترعرع في أحضان النبوة (2). الرضوي : فهل أنت يا دكتور مع اعترافك
الصريح هذا بامتياز إمامنا علي (عليه السلام) بهذه الخصايص والفضائل التي لم ينلها
أحد من المسلمين سواه تؤثر من هو دونه عليه، فتستبدل الأدنى بالذي هو خير، مشيا على
الخط المنحرف الذي سار عليه المسلمون بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)، لست أدري. قال ابن إسحاق: وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب (عليه
السلام) إنه كان في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبل الإسلام (3). وقال
الشبلنجي: وتربى علي (رضي الله عنه) عند النبي (صلى الله عليه وسلم)... فلم يزل علي
(رضي الله عنه) مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى بعث النبي (صلى الله عليه
وسلم) فاتبعه علي (رضي الله عنه)، وآمن به، وصدقه... (4). وقال الأساتذة علي الجند،
ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ومحمد يوسف المحجوب: تربى علي في حجر الرسول (صلى الله
عليه وسلم)، وأسلم على يديه صبيا. فتلقى عنه ميراث العلم والحكمة... (5). وقالت
الدكتورة سعاد ماهر: والإمام علي غني عن الترجمة والتعريف، وحسبنا أنه ولد داخل
الكعبة، وتربى في منزل الوحي، وتتلمذ للقرآن الكريم واستوحاه. فأوتي الحكمة وفصل
الكتاب (6). ولقد كان لنشأته في بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام
(هامش)
(1) علموا أولادكم محبة آل بيت النبيص106. (2) علموا أولادكم محبة آل بيت
النبيص116. (3) تاريخ الأمم والملوك ج 2ص213. (4) نور الأبصار
ص69
ط مصر عام 1312. (5) سجع الحمام في حكم الإمام
ص17
ط مصر عام 1967. (6) كما آتاها الله تعالى داود (عليه السلام) فقال: (وآتيناه
الحكمة وفصل الخطاب) سورةصآية 20. (*)
ص72
أثرها الواضح في مناقبه. ومآثره، وجليل صفاته وأفعاله، وتأدب بآدابه، وتخلق
بأخلاقه، واهتدى بهديه، واقتدى به، في أقواله وأفعاله. فكان أول من آمن به بعد
السيدة خديجة رضي الله عنها، واتبعه وصدقه، وتلقى عنه ميراث العلم والحكمة، فكان
كلامه - كما قال الشريف الرضي - عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام
النبوي(1). الرضوي : هذه التصريحات لهؤلاء الأدباء تعرب لنا عن دراسة لهم مستوعبة
لحياة إمامنا (عليه السلام)، فإن كان الأمر كما نعلمه ويعلمه غيرنا منها استحال
عقلا أن يفضلوا على إمامنا من هو دونه في كل مراتب الفضل، فضلا عن أن يقدموه عليه
في الخلافة ويدينون الله بطاعته. فما أدري بماذا يجيبون الله تعالى غدا إذا سئلهم
عن ذلك. إمامنا (عليه السلام) كرم الله وجهه فلم يسجد لصنم في حياته كلها طرفة عين،
وإمامكم قضى أكثر عمره في عبادة الأصنام وهذه فضيلة وأية فضيلة، وميزة وأية ميزة،
امتاز بها إمامنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا على إمامكم أبي بكر فحسب، بل
على المسلمين أجمعين دون استثناء، فقد كرم الله وجهه عن أن يسجد لصنم، أو يخضع أمام
وثن، في حياته المقدسة كلها طرفة عين، ولم يكرم وجه إمامكم ولا غيره من الناس من
ذلك، فيها لها من فضيلة شهد له بها حتى أعداؤه ومناوؤه، فلا تكاد تسمع واحدا منهم
يذكره إلا وهو يقول (كرم الله وجهه) أي من أن يسجد للأصنام. قال الشيخ محمد الصبان:
أخرج ابن سعد عن الحسن بن زيد بن الحسن قال: لم يعبد علي الأوثان قط، لصغره، أي ومن
ثم يقال فيه: (كرم الله وجهه) (2).
(هامش)
(1) مشهد الإمام علي في النجف
ص6
و19 ط مصر. (2) إسعاف الراغبين
ص148
على هامش نور الأبصار. (*)
ص73
وقال الشبلنجي: نقل عن فاطمة بنت أسد إنها كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعلي (رضي
الله عنه) في بطنها لم يمكنها، يضع رجله على بطنها، ويلصق ظهره بظهرها، ويمنعها من
ذلك، ولذلك يقال عند ذكره (كرم الله وجهه) أي عن أن يسجد لصنم(1). وقال الحسن بن
زيد: لم يعبد الأوثان قط لصغره، ومن ثم يقال فيه (كرم الله وجهه) (2). وقال الأستاذ
أحمد حسن الباقوري وزير أوقاف مصر: اختصاص الإمام من بين الصحابة بكلمة (كرم الله
وجهه) حتى أنك لو سمعت هذه الكلمة مترددة في حديث مجلس، أو مستعلنة في صحائف كتاب،
لانصرف ذهنك إلى الإمام علي بن أبي طالب، دون سواه من عباد الله أجمعين. ذلك لأن
الإمام بحكم نشأته في بيت النبوة لم يسجد لصنم قط، ومن حق الوجه المصون من ذل
السجود للأصنام أن يقترن اسمه بتكريم وجهه، إما إخبارا عنه، وإما دعاء له. وربما
زكى هذا المعنى في نفسك أن تتمثل شخصه الكريم وقد اعتنق الإسلام وسنه لم يتجاوز
عشرة أعوام، ثم صلى مع رسول الله في بيته، وفي غير بيته (3). وقال الأستاذ العقاد:
لقد ولد مسلما على التحقيق، إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح، لأنه فتح
عينيه على الإسلام، ولم يعرف قط عبادة الأصنام (4). وقال الدكتور محمد يماني: هذا
علي بن أبي طالب زوج فاطمة ذات المجد واليقين، بنت خير المرسلين. كرم الله وجهه لم
ينحن لصنم أبدا (5). وقال الدكتور محمد بيومي مهران (6): ظل علي في كفالة النبي
(صلى الله عليه وسلم) كأحد أولاده إلى
(هامش)
(1) نور الأبصار
ص69
ط مصر عام 1312 المطبعة الميمنية. (2) الصواعق المحرقة
ص118
ط مصر عام 1375. (3) علي إمام الأئمة.
ص9
ط مصر. (4) عبقرية الإمام علي
ص43
ط بيروت عام 1967. (5) علموا أولادكم محبة آل بيت النبي
ص101
الطبعة الثانية. (6) أستاذ بكلية الشريعة جامعة أم القرى بمكة المكرمة. (*)
ص74
أن جاءت النبوة: فكان تابعا للنبي (صلى الله عليه وسلم) في كل أعماله. ولم يتدنس
بدنس الجاهلية من عبادة الأصنام واتباع الهوى، فكان أول من آمن به بعد خديجة(1).
وقالت الدكتورة سعاد ماهر إنه (كرم الله وجهه) لم يسجد لصنم من الأصنام ولم يول
وجهه شطرها، وقد تربى في بيت النبوة فنشأ مسلما، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام
يتعبد في بيته قبل الدعوة عبادة الإسلام، فأخذ عنه، واهتدى بهديه، وعبد الله تعالى
كما ورد عنه في قوله: لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع سنين.
وقوله: وكنت أسمع الصوت، وأبصر الضوء، سنين سبعا (2). يقول الأستاذ صالح الورداني
في كتابه (الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة) في فصل منه ذكر فيه أسباب رفضه لمذهبه
السابق، واختياره مذهب الشيعة الإمامية، عنوانه (عوامل الجذب): ثم إن القوم بعد هذا
لا يذكرون الإمام إلا ويقولون (كرم الله وجهه) وعندما سألت عن معنى هذه الكلمة؟
قالوا: لم يسجد لصنم. بينما جميع الصحابة قد وقعوا في هذا، فقلت في نفسي: إن هذه
الخاصية التي جاءت على لسان القوم إنما تؤكد مكانة الإمام، وموقعه الشرعي، كما
أكدته رواية ادعاء ألوهيته، ونعتهم له بالإمام. الرضوي : قال الله تعالى: (فمن يرد
الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - يستمع القول فيتبع أحسنه - ومن يرد أن يضله يجعل
صدره ضيقا حرجا) (3) فلست تراه يعقل كلاما، أو يقبل من أحد نصحا، والأستاذ الورداني
هو من مصاديق قوله تعالى (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (4)
فقد شملته عناية الله تعالى وأدركته رحمته حيث استعمل عقله، فاهتدى إلى الصراط
المستقيم. علم أن من كرم
(هامش)
(1) علي بن أبي طالب
ص50
الطبعة الثانية عام 1419. (2) مشهد الإمام علي في النجف
ص36
ط مصر. (3) سورة الأنعام آية 125. (4) سورة البقرة آية 257. (*)
ص75
الله وجهه فلم يسجد لصنم، ولم يعبد وثنا لحظة واحدة من حياته هو أفضل ممن شاب رأسه،
وقضى أكثر عمره في عبادة الأصنام والخضوع للأوثان، فاختاره له إماما، وترك المفضول
للذين لا يعقلون، ولا يفقهون حديثا. ولم يتبع اليهود، ويقلدهم في استبدالهم الأدنى
بالذي هو خير، فيتناوله الخطاب الذي خاطبهم الله به، وأنبهم عليه، لما اختاروا
المفضول على الأفضل، وعدلوا عن الأعلى إلى الأدنى والأسفل، فقال لهم (أتستبدلون
الذي هو أدنى بالذي هو خير)(1) (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو
شهيد) (2). إمامنا (عليه السلام) سبق إمامكم إلى الإيمان بالله والتصديق برسوله
(صلى الله عليه وآله وسلم) للسابق إلى الإيمان بالله تعالى، والتصديق برسوله (صلى
الله عليه وآله وسلم) منزلة عند الله تعالى سامية، يغبطه عليها ملائكة الله
المقربون، قال الله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم)
(3). وقد نال إمامنا هذه المنزلة الشامخة، والمقام السامي الكريم عند الله تعالى
بسبقه المسلمين إلى الإيمان بالله، والتصديق بنبوة رسوله الصادق الأمين (صلى الله
عليه وآله وسلم) في كل ما جاء به من عند الله تعالى، فكان أول من أجاب الدعوة،
وثاني من عبد الله وحده، والناس بعد على عبادة الأصنام عاكفين. ولم تكن هذه أول
مزاياه وفضائله، ومناقبه وخصائصه، فقد سبق المسلمين بغيرها، واختص بفضائل ومزايا
سواها، لم يشركه فيها أحد من المسلمين، فكانت ولادته في الكعبة المقدسة قبلة
المسلمين، ونشأته في بيت الوحي والرسالة، فتأدب بآداب صاحب الدعوة الإسلامية، وكان
باب مدينة علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزوج فاطمة الزهراء الطهر البتول
سيدة النساء، واختصاصه بعدم السجود للأصنام ولا لحظة واحدة من حياته كلها، وغير ذلك
من خصائصه وفضائله ومناقبه، مما ستتعرف على
(هامش)
(1) سورة البقرة آية 61. (2) سورة ق آية 37. (3) سورة الواقعة آية 10. (*)
ص76
كثير منها في هذا الكتاب. ومن أمعن نظره في كل واحدة منها، وكان متحريا للحق،
مجانبا لتقليد السلف، ولم يكن من الذين حكى الله عنهم في كتابه، وذمهم فيه، فقال:
(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا، أو لو
كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)(1) علم أن إمامنا عليا (عليه السلام) هو
الجدير بالاختيار للخلافة، لا عتيق (أبي بكر بن أبي قحافة) ولا غيره، هذا إذا ما
أغضينا الطرف عما ورد في خلافته (عليه السلام)، وإمامته، وولايته، من نصوص نبوية،
صريحة في ذلك، حفلت بها صحاح السنة ومسانيدهم وتفاسيرهم وتواريخهم، وغيرها (2).
وإليك مما قاله علماء السنة ورجالاتهم من صحابة وغيرهم، في أن إمامنا علي (عليه
السلام) أول من آمن بالله وصدق رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما جاء به من عنده
ربه. قال أنس بن مالك: أول من أسلم علي بن أبي طالب (3) بعث النبي (صلى الله عليه
وسلم) يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء (4) وفي رواية عنه عن النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) أنه قال من حديث: وذلك أنه لم ترفع شهادة أن لا إله إلا الله إلى
السماء إلا مني ومن علي (5). وقال زيد بن أرقم: أول من أسلم مع رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) (6). وقال أبو عمرو: وممن ذهب إلى أن
عليا أول من أسلم من الرجال، سلمان وأبو ذر والمقداد، وخباب، وجابر، وأبو سعيد
الخدري، وزيد بن الأرقم، وهو قول ابن شهاب، وعبد الله بن محمد، ومحمد بن كعب،
وقتادة (7). وقال أبو جعفر الإسكافي: وإذا تأملنا الروايات الصحيحة، والأسانيد
القوية الوثيقة
(هامش)
(1) سورة البقرة آية 170. (2) ذكرت طائفة كبيرة منها في كتاب (هذه أحاديثنا أم
أحاديثكم)؟ (3) الصواعق المحرقة
ص118
ط مصر عام 1375. (4) أسد الغابة ج 4ص17. (5) ينابيع المودة
ص61
ط اسلامبول. (6) تاريخ الأمم والملوك ج 2ص212، طبقات ابن سعد ج 3 ق 1ص13. (7)
الرياض النضرة ج 1
ص88
طبع بيروت عام 1405. (*)
ص77
وجدناها كلها ناطقة بأن عليا (عليه السلام) أول من أسلم(1). وقال الذهبي: ثبت عن
ابن عباس قال: أول من أسلم علي (2). وقال المسعودي: وتنوزع في أول من آمن به من
الذكور بعد إجماعهم على أن أول من آمن به من الإناث خديجة، فقال فريق منهم: أول ذكر
آمن به علي بن أبي طالب، هذا قول أهل البيت وشيعتهم، وروى ذلك عبد الله بن عباس بن
عبد المطلب، وجابر ابن عبد الله الأنصاري، وزيد بن أرقم في آخرين (3). وقال المحب
الطبري: بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم الاثنين، وأسلم علي (رضي الله عنه) يوم
الثلاثاء وهو صبي (4). وقال ابن عبد ربه: قال أبو الحسن: أسلم علي وهو ابن خمس عشرة
سنة، وهو أول من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وقال الشيخ محمد
الخضري: ولما أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان علي مراهقا وكان مقيما مع
الرسول في بيته تخفيفا على أبيه، فكان أول من أجاب إلى الإسلام (5). وقال الشيخ
محمد الصبان: أما علي فقد أسلم وهو ابن ثمان سنين، وقيل غير ذلك قديما، بل قال ابن
عباس، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي وجماعة آخرون أنه أول من أسلم، ونقل بعضهم
الاجماع عليه (6). وقال الدكتور محمد عبده يماني: وهو أول من أسلم من الفتيان، وأول
من صلى
(هامش)
(1) مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة. (2) تاريخ الإسلام عهد
الخلفاء الراشدين
ص624
ط بيروت عام 1407. (3) التنبيه والإشراف
ص198
ط مصر عام 1357. (4) مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة
ص157
الطبعة الثانية. (5) تاريخ الأمم الإسلامية ج 1ص400، مشهد الإمام علي النجفص35. (6)
إسعاف الراغبين
ص148
على هامش نور الأبصار. (*)
ص78
خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(1). وقال الزرندي الحنفي: أمير المؤمنين، وإمام
المتقين علي بن أبي طالب، أول من آمن به وصدقه من المؤمنين (2). وقال ابن إسحاق:
كان أول ذكر آمن برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصلى معه، وصدقه بما جاء به من
عند الله علي بن أبي طالب، وهو يومئذ ابن عشر سنين، وكان مما أنعم الله على علي بن
أبي طالب (عليه السلام) إنه كان في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبل الإسلام
(3). وروى ابن حجر الهيتمي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثا جاء فيه:
والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب (4) وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:
سباق الأمم ثلاثة، لم يشركوا بالله طرفة عين، علي بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن
آل فرعون، فهم الصديقون... وعلي ابن أبي طالب أفضلهم (5). وقال الشيخ عبد الحميد بن
أبي الحديد المعتزلي: وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى، آمن بالله وعبده، وكل
من في الأرض يعبد الحجر، ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد إلى التوحيد، إلا السابق إلى
كل خير محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (6). وقد روي عن الشعبي من حديث
أبي بكر الهذلي، وداود بن أبي هند الشعبي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
لعلي: هذا أول من آمن بي وصدقني، وصلى معي... (7).
(هامش)
(1) علموا أولادكم محبة آل بيت النبي الطبعة الثانيةص101. (2) نظم درر السمطين
ص17
ط النجف. (3) تاريخ الأمم والملوك ج 2ص213، مشهد الإمام علي في النجف
ص34
ط مصر عن سيرة ابن هشام على هامش زاد المعاد لابن القيم ج 1ص132. (4) الصواعق
المحرقة
ص123
ط مصر عام 1375. (5) كفاية الطالب
ص123
طبع النجف عام 1390. (6) مشهد الإمام علي في النجفص36. (7) شرح نهج البلاغة ج 3
ص260
ط مصر عام 1329. (*)
ص79
وروى العيني عن علي (عليه السلام) أنه قال: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن
أبو بكر، وأسلمت قبله. وقال: رواه النسائي، والعقيلي، وابن قتيبة عن سيدنا علي(1).
وروى الجويني عن أبي ذر عن النبي (ص) أنه قال: علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني
يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل (2). وقال
سعد بن العاص: ألم يكن أول من أسلم (3) يعني عليا... سئل محمد بن كعب عن أول من
أسلم علي أو أبو بكر؟ فقال: سبحان الله علي أولهما إسلاما (4). وقال سالم بن أبي
الجعد: قلت لمحمد بن الحنفية هل كان أبو بكر أول القوم إسلاما؟ قال: لا (5) وقال
محمد بن سعد بن أبي وقاص لأبيه سعد: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاما؟ قال: لا
ولكنه أسلم قبله أكثر من خمسة. وقال ابن كثير: والظاهر أن أهل بيته (صلى الله عليه
وسلم) آمنوا به قبل كل أحد. الرضوي : وعلي (عليه السلام) سيد أهل بيته وإمامهم. وقال
الأساتذة علي الجندي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ومحمد يوسف المحجوب: وقد ذهب أكثر
أهل الحديث إلى أنه - علي - أول الناس اتباعا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)،
وإيمانا به، ولم يخالف في ذلك إلا الأقلون، ومن وقف على كتب أصحاب الحديث تحقق ذلك،
وإليه ذهب الواقدي، والطبري. وهو القول الذي رجحه ونصره صاحب كتاب الإستيعاب (لابن
عبد البر ج 2ص457) (6).
(هامش)
(1) مناقب سيدنا علي
ص27
طبع حيدرآباد الدكن عام 1352. (2) فرائد السمطين ج 1ص39. (3) حياة الصحابة ج 2ص514.
(4) الرياض النضرة ج 1
ص91
طبع بيروت عام 1405. (5) تاريخ الخلفاء
ص32
ط بيروت. (6) سجع الحمام في حكم الإمام
ص5
ط مصر عام 1967 مكتبة الإنجلو المصرية. (*)
ص80
وقالت الدكتورة سعاد ماهر: قال المسعودي: قد نتورع في علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه وإسلامه، فذهب كثير من الناس إلى أنه لم يشرك بالله شيئا فيستأنف الإسلام، بل
كان تبعا للنبي (صلى الله عليه وسلم) في جميع أفعاله، مقتديا به، وبلغ وهو على ذلك،
وإن الله عصمه وسدده، ووفقه لتبعيته لنبيه عليه الصلاة والسلام، لأنهما كانا غير
مضطرين، ولا مجبورين على فعل الطاعات، بل مختارين قادرين، فاختارا طاعة الرب
وموافقة أمره، واجتناب منهياته. ومنهم من رأى أنه أول من آمن، وأن الرسول دعاه وهو
موضع التكليف بظاهر قوله عز وجل (وأنذر عشيرتك الأقربين)(1). وكان بدؤه بعلي، إذ
كان أقرب الناس إليه. واتبعهم له (2). الرضوي : علمت مما تقدم من تصريحات القوم أن
إمامنا (عليه السلام) هو أول من آمن بالله وصدق رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)
بما جاء به من عند الله تعالى ودعا إليه، ويعضدها الدليل العقلي، وهو أنه بعد نزول
آية (وأنذر عشيرتك الأقربين) توجه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدعوة أولا إلى أقرب
الناس إليه. فبدأ لا محالة بابن عمه الذي نشأ في بيته وتربى على يديه، فأجابه إلى
دعوته وصدقه في رسالته. إمامنا (عليه السلام) أول من صلى مع رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)، لا إمامكم ولما كان إمامنا (عليه السلام) أول من آمن برسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وصدقه بما جاء به من عند الله تعالى، كان لا محالة أن
يكون هو أول من صلى معه، فقد صلى معه والناس بعد على عبادة الأصنام عاكفين. روى ابن
سعد مسندا عن عفيف الكندي قال: جئت في الجاهلية إلى مكة، وأنا أريد
(هامش)
(1) سورة الشعراء آية 214. (2) مشهد الإمام علي في النجف
ص35
ط مصر. (*)
ص81
أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فنزلت على العباس بن عبد المطلب، قال: فأنا عنده،
وأنا أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس، فارتفعت، إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة فرفع
رأسه إلى السماء، فنظر ثم استقبل القبلة قائما مستقبلها، إذ جاء غلام حتى قام عن
يمينه، ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، ثم ركع الشاب، فركع
الغلام، وركعت المرأة، ثم رفع الشاب رأسه، ورفع الغلام رأسه، ورفعت المرأة رأسها،
ثم خر الشاب ساجدا، وخر الغلام ساجدا، وخرت المرأة. قال: فقلت: يا عباس إني أرى
أمرا عظيما. فقال العباس: أمر عظيم، هل تدري من هذا الشاب؟ قلت: لا، ما أدري، قال:
هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. هل تدري من هذا الغلام؟ قلت: لا، ما
أدري، قال: علي بن أبي طالب ابن أخي، هل تدري من هذه المرأة؟ قلت: لا، ما أدري.
قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي هذا. إن ابن أخي الذي ترى حدثنا أن ربه رب
السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، فهو عليه، ولا والله ما علمت على
ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. قال عفيف: فتمنيت بعد أني كنت
رابعهم(1). قالت الدكتورة سعاد ماهر: وقد كان يخرج مع رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) إلى شعاب مكة للصلاة. فعن ابن إسحاق قال: ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي
طالب مستخفيا عن عمه أبي طالب وجميع أعمامه، وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها،
فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا... (2). روى الجويني مسندا عن
أبي أيوب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لقد صلت الملائكة
(هامش)
(1) طبقات ابن سعد ج 8
ص10
ط ليدن، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج 1ص86. طبع بيروت عام 1393 باختلاف بسيط،
تاريخ الأمم والملوك ج 2ص212، وذكره باختصار الصفوري في مختصر المحاسن المجتمعة
ص158
ط بيروت الطبعة الثانية. (2) مشهد الإمام علي في النجف ط مصر. (*)
ص82
علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا(1). وروى ابن عباس
عن النبي (صلى الله عليه وسلم): أول من صلى معي علي بن أبي طالب (2) وروى الحاكم
مسندا عن علي (رضي الله عنه) قال: عبدت الله مع رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) سبع سنين، قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة (3). وروى أحمد بن حنبل عن سيدنا
علي: أنا أول رجل صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (4). وروى الطبري عن عباد
بن عبد الله قال: سمعت عليا يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا
يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صليت مع رسول الله قبل الناس بسبع سنين (5). وروى أيضا
عن ابن عباس قال: أول من صلى علي. وعن جابر قال: بعث النبي (صلى الله عليه وسلم)
يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء (6). وروى ابن سعد عن حبة العرني قال: سمعت
عليا يقول: أنا أول من صلى (6). وروى النسائي، والحاكم عن سيدنا علي: أنا أول من
صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (5). وقال ابن الأثير: قال ابن عباس: أول من
صلى علي (7). وعن زيد بن أرقم قال: أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
علي (8). وعن مجاهد: أول من صلى علي وهو ابن عشر سنين (9).
(هامش)
(1) فرائد السمطين ج 1
ص242
ط بيروت عام 1398. (2) ينابيع المودة
ص62
ط اسلامبول عام 1302، كنز العمال ج 11ص616، فرائد السمطين ج 1ص245. (3) المستدرك
على الصحيحين ج 3ص112. (4) مناقب سيدنا علي
ص26
ط حيدر آباد الدكن عام 1352. (5) تاريخ الأمم والملوك ج 2ص212. (6) طبقات ابن سعد ج
3 ق 1
ص13
ط ليدن. (7) الكامل ج 2ص37، طبع بيروت الطبعة السادسة، جامع الأصول من أحاديث
الرسول ج 9ص468. (8) علموا أولادكم محبة آل بيت النبيص108. (9) طبقات ابن سعد ج 3 ق
1
ص13
ط ليدن. (*)
ص83
وقال الكاندهلوي: قال سعد بن العاص: ألم يكن أول من صلى مع رسول الله (صلى الله
عليه وسلم)(1). وقال المحب الطبري: أول من صلى إلى القبلة علي بن أبي طالب (2).
وقال الدكتور محمد عبده يماني: وهو أول من صلى خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
(3). وقال ابن عبد البر: وقد أجمعوا أنه أول من صلى القبلتين (4). وروى سعيد بن
جبير عن ابن عباس: أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علي (عليه السلام)
وفيه نزلت هذه الآية (والسابقون السابقون، أولئك المقربون في جنات النعيم) (5) (6).
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: أول من ركع مع النبي (صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي
طالب فنزلت فيه هذه الآية (وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، واركعوا مع الراكعين) (7)
(8). وقال أبو العباس: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره، وهو أول عربي وأعجمي صلى مع
رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقال العباس بن عبد المطلب يمدح عليا حين بويع
لأبي بكر: ما كنت أحسب أن الأمر منحرف * عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن أليس أول من
صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالآثار والسنن وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون
له في الغسل والكفن من فيه ما في جميع الناس كلهم * وليس في الناس ما فيه من الحسن
ماذا الذي ردكم عنه فنعرفه * ها إن بيعتكم من أول الفتن (9)
(هامش)
(1) حياة الصحابة ج 2ص514. (2) الرياض النضرة ج 1
ص85
ط بيروت عام 1405. (3) علموا أولادكم محبة آل بيت النبي
ص101
الطبعة الثانية. (4) تهذيب التهذيب ج 7ص296. (5) سورة الواقعة آية 10. (6) تذكرة
خواص الأمةص21. (7) سورة البقرة آية 43. (8) تذكرة خواص الأمةص17. (9) فرائد
السمطين ج 2ص82. (*)
ص84
وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب: وكان ولي الأمر بعد محمد * علي وفي كل
المواطن صاحبه وصي رسول الله حقا وصهره * وأول من صلى وما ذم جانبه(1) إمامنا (عليه
السلام) كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) منه، وليس كذلك إمامكم وهذا القرب الروحي والاتصال المعنوي لإمامنا
(عليه السلام) بنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) يفرض علينا احترام إمامنا على
مستوى ما يفرضه العقل والدين علينا من احترام وتقديس لنبينا (صلى الله عليه وآله
وسلم)، ويفرض علينا أيضا الاعتقاد بإمامته، كما يفرض علينا الاعتقاد بنبوة نبينا
(صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته. ولولا اعتقادنا بانقطاع الوحي السماوي، واختتام
النبوة والرسالة بنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لقطعنا بنبوة إمامنا علي بن
أبي طالب (عليه السلام) وصدقناه فيها لو ادعاها لنفسه دون ترديد، لأن الله تعالى
جعله بمنزلة نفس رسوله ومصطفاه من خلقه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) في آية
المباهلة، وعناه فيها بقوله: (وأنفسنا وأنفسكم) (2) وقال الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) فيه غير مرة: علي مني وأنا منه (3). يقول إمامنا (عليه السلام): كانت لي
منزلة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم تكن لأحد من الخلائق، آتيه بأعلا سحر
فأقول: السلام عليك يا رسول الله. فإن تنحنح انصرفت، إلى أهلي، وإلا دخلت عليه (4).
(هامش)
(1) كفاية الطالب
ص127
طبع النجف عام 1390. (2) سورة آل عمران آية 61. (3) راجع كتابنا (هذه أحاديثنا أم
أحاديثكم؟) ففيه جملة من الأحاديث الواردة بهذا اللفظ، وبغيره في معناه، واعتمدنا
في نقلها على مصادر سنية إلزاما لخصومنا بها لو كانوا يعقلون. (4) جامع الأصول في
أحاديث الرسول ج 9ص475. (*)
ص85
إمامنا (عليه السلام) كان أحب الخلق إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وليس كذلك إمامكم

روى ابن كثير عن إسماعيل السدي عن النبي (صلى الله عليه
وسلم) أنه كان عنده طائر فقال اللهم إئتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير.
فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر فرده، ثم جاء عثمان فرده، ثم جاء علي فأذن له(1).
الرضوي: إنما رد (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامكم وصاحبيه لعلمه بعدم تحقق إجابة
دعاءه فيهم عند حضور كل واحد منهم، حيث لم يكن واحد منهم مصداقا لدعاءه، ولو كان
لما رده قطعا، فهل من مدكر؟ وروى حديث الطير ابن الأثير، وجاء في روايته: فجاء أبو
بكر فرده، ثم جاء عثمان فرده، فجاء علي فأذن له (2) فأسقط اسم عمر من الحديث. ورواه
الهيثمي وجاء في روايته: فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر فرده، ثم جاء علي فأذن له
(3) فأسقط هذا اسم عثمان من الحديث. قال الذهبي: وأما حديث الطير فله طرق كثيرة
جدا، وقد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل (4). وقال الحاكم:
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (5). قال محمد بن طلحة الشافعي معلقا على
حديث الطير (فجاء علي فأكل معه). جعل
(هامش)
(1) البداية والنهاية ج 7
ص364
ط بيروت عام 1409 دار الكتب العلمية. (2) أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 4
ص30
ط مصر عام 1380 المطبعة الوهبية. (3) مجمع الزوائد ج 9
ص125
ط بيروت عام 1967 الطبعة الثانية دار نشر الكتاب. (4) تذكرة الحفاظ ج 3ص1042. ذكرت
مصادر هذا الحديث من كتب السنة في كتاب (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم). (5) المستدرك
على الصحيحين ج 3
ص130
وفيه (يأكل معي من هذا الطير). (*)
ص86
إتيانه وأكله معه وهو أمر محسوس، مرئي، مثبت عند كل أحد، من علمه أن عليا (عليه
السلام) متصف بهذه الصفة العظيمة، وزيادة الأحبية على أصل المحبة، وفي ذلك دلالة
واضحة على علو مكانة علي (عليه السلام) وارتفاع درجته، وسمو منزلته، واتصافه بكون
الله تعالى يحبه، وأنه (عليه السلام) أحب خلقه إليه، وكانت حقيقة هذه المحبة قد
ظهرت عليه آثارها، وانتشرت لديه أنوارها، فإنه كان قد أزلفه الله تعالى من مقر
التقديس، فإنه نقل الترمذي في صحيحه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا
عليا يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد أطال نجواه مع ابن عمه. فقال رسول الله
(صلى الله عليه وسلم): ما انتجيته، ولكن الله انتجاه...(1). وقال الشيخ منصور علي
ناصف من علماء الأزهر معلقا على حديث الطير: فيه أن عليا (رضي الله عنه) أحب الخلق
إلى الله تعالى (2). الرضوي : يعني بعد رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن كان
كذلك كان أحب الخلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا، فإنه (صلى الله
عليه وآله وسلم) يحب من يحبه الله، ويبغض من يبغضه الله تعالى، وكل من آمن بالرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) حقا وأحبه فإنه يقتدى به في ذلك فيحب من يحبه الله
ورسوله، ويبغض من يبغضه الله ورسوله، قال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (3). ونحن الشيعة الإمامية لما كنا صادقين
في محبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحببنا عليا (عليه السلام) وتوليناه،
وأبغضنا من أبغضه وآذاه، اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مضافا إلى
ذلك ما له (عليه السلام) من مكارم أخلاقية، وفضائل إنسانية، وخصائص نفسية تفرد بها
عن جميع المسلمين وامتاز بها عليهم أجمعين، أوجبت علينا له المحبة والموالاة،
والتقديم له على من سواه ممن هو دونه في جميع الصفات. قال الأستاذ أحمد حسن
الباقوري: لو أن سائلا سألك عن السبب في حب الناس عليا؟ لكان لك أن تجيبه جوابا
يستمد الصدق من الحديث النبوي الشريف، فنقول
(هامش)
(1) مطالب السؤل
ص52
ط الهند عام 1302 الطبعة الأولى. (2) غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 3
ص336
ط بيروت. (3) سورة آل عمران آية 31. (*)
ص87
في جوابك: إن الناس أحبوا عليا من أجل حب الله إياه، إذ كان حب الناس آية ودليلا
على حب الله، وفي هذه الحال لا يملك سائلك إلا أن يلوذ بالصمت، قانعا أعظم القناعة
بما وقفته عليه، وقدته إليه، مما قرره أوضح تقرير الحديث النبوي الشريف، على أنك
مستطيع أن تجد سببا يجعل حب الناس لعلي مستمدا من حبهم رسول الله (صلى الله عليه
وسلم). ذلك أن بين سيرته وسيرة رسول الله تشابها يوحي بأن الله تعالى آثر للإمام أن
يكون أقرب الناس إلى رسول الله قرابة لحم ودم، وقرابة نفس وروح، وقرابة سيرة
وتاريخ(1). الرضوي : ونحن نحمد الله تعالى على أن منحنا عقلا هدانا إلى اختيار هذا
الإمام الذي هو أحب الخلق إلى الله تعالى، وإلى رسوله (ص) ورفضنا غيره ومن هو دونه
من البعداء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعداء في اللحم والدم، بعداء
في النفس والروح، بعداء في السيرة والعمل، بعداء في البيت والنشأة والأخلاق، حمدا
لا حد له ولا منتهى. إمامنا (عليه السلام) له منزلة عند نبينا (صلى الله عليه وآله
وسلم) ليست لإمامكم تلك المنزلة عنده روى مسلم مسندا عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن
أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي. قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعدا فلقيت سعدا فحدثته بما
حدثني عامر، فقال: أنا سمعته، فقلت: أنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على أذنيه فقال: نعم،
وإلا فاستكتا (2). وقال ابن حجر العسقلاني وروى قوله (صلى الله عليه وسلم) لعلي أنت
مني بمنزلة هارون من موسى
(هامش)
(1) علي إمام الأئمة
ص107
ط مصر. (2) صحيح مسلم ج 2
ص323
ط مصر عام 1327 المطبعة الميمنية، ذكرنا في كتابنا (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم)؟
مصادر كثيرة لهذا الحديث. (*)
ص88
جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحها(1). وفي الإصابة: أي لا ينبغي أن أذهب
إلا وأنت خليفتي (2). الرضوي : فقد أثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا
الحديث خلافة إمامنا وما كان ثابتا لهارون من أخيه موسى من منزلة خلا النبوة، لقوم
يعقلون. قال ابن أبي الحديد: فأبان نفسه منه بالنبوة، وأثبت له ما عداها من جميع
الفضائل والخصائص مشتركا بينهما (3). وقال الأستاذ أحمد حسن الباقوري: قال أبو جعفر
(رحمه الله) (4): إن من حق التربية أن تجعل محمدا وعليا شيمة واحدة، وطينة مشتركة،
وأن لا يكون بين الرجلين فرق، لولا أن الله اختص محمدا برسالته، واصطفاه لوحيه، لما
يعلمه من مصالح البرية في ذلك، والله أعلم حيث يجعل رسالته، ولذلك إمتاز رسول الله
عمن سواه، وبقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد، ولذلك قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) للإمام علي كرم الله وجهه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي، فقد أبان نفسه (صلى الله عليه وسلم) من علي بالنبوة، وأثبت له ما عداها من
الفضائل والخصائص (5). الرضوي : فمن كانت له من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
هذه المنزلة القريبة أفلا يحكم العقل بوجوب الرجوع إليه بعد رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) واختياره إماما للمسلمين؟ ما لكم لا تعقلون؟
(هامش)
(1) الإستيعاب على هامش الإصابة ج 3ص34. (2) الإصابة في معرفة الصحابة ج 2ص509. (3)
شرح نهج البلاغة ط مصر عام 1329. (4) قال الباقوري: وقد كان النقيب أبو جعفر (رحمه
الله) غزير العلم، صحيح العقل، منصفا في الجدال، غير متعصب لمذهب الشيعة... وقال في
ص117
من (علي إمام الأئمة): السيد النقيب على فضله، وصدق إيمانه، وسلامة مذهبه في
احترامه أصحاب رسول الله، وحبه إياهم، واعتقاده الخير فيهم... (5) علي إمام
الأئمةص113. (*)
ص89
إمامنا (عليه السلام) كان موضع ثقة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه اعتماده،
وليس كذلك إمامكم

عنده الأمانة والحفاظ على أموال الناس ونواميسهم من الصفات التي
جبل عليها إمامنا وعرف بها كابن عمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كان ابن
عمه (صلى الله عليه وآله وسلم) موضع ثقة عند الناس أجمعين، فكانوا يودعونه أموالهم
وودايعهم حتى اشتهر بينهم بمحمد الأمين، فكانت منزلة إمامنا عند نبينا (صلى الله
عليه وآله وسلم) منزلته (صلى الله عليه وآله وسلم) عند الناس في ذلك. ولما اضطر
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مغادرة وطنه مكة المكرمة فهاجر منها إلى
المدينة، خلف ابن عمه الإمام فيها، ليؤدي عنه الودايع التي كانت للناس عنده إلى
أصحابها عملا بقوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)(1) ثم
يلتحق به إلى المدينة، ويأتيه بأهله. قال السيوطي: ولما هاجر عليه الصلاة والسلام
إلى المدينة أمره أن يقيم بعده بمكة أياما حتى يؤدي عنه أمانة الودائع والوصايا
التي كانت عند النبي عليه الصلاة والسلام ثم يلحقه بأهله، ففعل ذلك (2). وقال
الدميري: ولما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أقام بعده ثلاث ليال وأيامها
حتى أدى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الودائع ثم لحق به (3). وذكر الدكتور
محمد عبده يماني في عداد مناقب إمامنا ما نصه: (المنقبة الثانية) إنه المتخلف على
الودايع من قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وقت الهجرة، وبقي بمكة ثلاث ليال
بأيامها حتى رد ما كان عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ودائع لأصحابها (4).
(هامش)
(1) سورة النساء آية 58. (2) تاريخ الخلفاء
ص156
ط بيروت عام 1389 نشر دار التراث العربي. (3) حياة الحيوان ج 1
ص48
ط مصر عام 1306. (4) علموا أولادكم محبة آل بيت النبيص109. (*)
ص90
وروى ابن سعد مسندا عن علي قال: لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى
المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس ولذا كان
يسمى الأمين، فأقمت ثلاثا...(1). وقال الأستاذ عبد الكريم الخطيب: في كل أمر كان
يعني الرسول في شخصه وفي خاصة نفسه كان علي هو الذي يندب لهذا الأمر ليحل محل
الرسول فيه، وليأخذ المكان الذي تركه ورائه (2). الرضوي : والمتآمرون على الإمام بعد
وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حالوا بينه وبين أن يحل محل الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) فشغلوا المكان الذي تركه له، ومنعوه من الوصول إليه،
واستأثروا به عليه، فالله هو الحاكم غدا بينه وبينهم، وهو لهم بالمرصاد. قال
الأستاذ أحمد حسن الباقوري: وأمير المؤمنين علي لا يرتاب أحد في أنه أقدر الأمة على
أداء الأمانة... (3). الرضوي : وإبقاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام في
مكة لأداء هذه المهمة شاهد صدق على صحة قول الأستاذ الباقوري إنه أقدر الأمة على
أداء الأمانة، لكن الأمة خانت الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم
ترع له حرمته، ولا حقه، ولا من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) موضعه وقرابته،
ولم تنظر إليه بالعين التي كان ينظر بها إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فعدلوا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه، واستبدلوا به غيره، ممن لا
يقاس به في شيء من صفاته، فسوف يلقون غيا (يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني
اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. لقد أضلني عن الذكر
بعد إذ جاءني...) (4).
(هامش)
(1) الطبقات ج 3 ق 1
ص13
طبع ليدن. (2) علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافةص126. (3) علي إمام
الأئمةص90. (4) سورة الفرقان آية 27. (*)
ص91
إمامنا (عليه السلام) كان يحل له في المسجد ما لا يحل فيه لإمامكم

روى الترمذي أن
النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري
وغيرك(1). وروى عمر بن شبة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أخرج رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) أناسا من المسجد وقال: لا ترقدوا في مسجدي هذا. قال: فخرج
الناس، وخرج علي (رضي الله عنه)، فقال لعلي (رضي الله عنه): إرجع فقد أحل لك فيه ما
أحل لي... (2). الرضوي : وفي إلحاق إمامنا (عليه السلام) بالرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم) في هذا الحكم دليل على مساواته (عليه السلام) له (صلى الله عليه وآله
وسلم) في الفضل والكمال وفيه دلالة على عظيم شأنه ومقامه عند الله تعالى لقوم
يعقلون. إمامنا (عليه السلام) أعلم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
بكتاب الله وسنة رسوله، لا إمامكم اعلم أن العلم فضيلة دونها كل فضيلة، وصفة هي فوق
كل صفة نبيلة، وحلة هي أغلى من كل حلة جميلة، وقد رفع الله قدر العلماء العاملين
على جميع العالمين، وفضل مدادهم على دماء الشهداء الخالدين، فقال سيد الأنبياء
والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم): مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء، فلم
يساويهم في فضلهم أحد، ولا يقاس بهم من الناس بشر، ولا يلتحق بهم إلا من شاركهم في
علومهم، وارتوى من نميرهم. قال الله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (3)
وقال تعالى (قل هل يستوي الذين
(هامش)
(1) الجامع الصحيح ج 5
ص640
تحقيق إبراهيم عطوة عوض. وتجد في كتابنا (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم؟) مصادر سنية
أخرى روت هذا الحديث الشريف. (2) تاريخ المدينة المنورة ج 1ص38. (3) سورة فاطر آية
28. (*)
ص92
يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولو الألباب)(1). وقد فاق إمامنا أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هذه الفضيلة جميع المسلمين على اختلاف
طبقاتهم ومقاماتهم من العلم والدين، كما فاقهم في جميع صفات الفضل والكمال دون
إستثناء. وقد تفرد بصفات لم تكن واحدة منها في واحد من صحابة رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) أوقفناك على جملة منها في هذا الكتاب، وذكرنا طرفا منها في كتابنا
(علي لا سواه خليفة رسول الله، بنص من الله) ولأجل ذلك إختاره النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) أخا له يوم آخا بين صحابته فقال له: أنت أخي في الدنيا والآخرة (2). وقد
شهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له بتفوقه في العلم على جميع صحابته، ولذلك
جعله باب مدينة علمه، وأمر المسلمين بالرجوع إليه من بعده فقال: أنا مدينة العلم
وعلي بابها، قال الله تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) (3) فمن أراد العلم فعليه
بالباب. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا مدينة العلم وعلي بابها، ولا يؤتى
البيوت إلا من أبوابها. قال الشيخ منصور علي ناصف معلقا عليه: فهذه منقبة لعلي لم
يشاركه فيها غيره (رضي الله عنه) (4)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا مدينة
العلم وعلي بابها فمن أراد بابها فليأت عليا. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا
مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه. وقال (صلى الله عليه وآله
وسلم): أنا دار الحكمة وعلي بابها. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أعلم أمتي من
بعدي علي بن أبي طالب. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أعلم الناس بالله علي. وقال
(صلى الله عليه وآله وسلم): أعلمهم بما أنزل الله علي بن أبي طالب. وقال (صلى الله
عليه وآله وسلم): علي باب علمي، ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي.
(هامش)
(1) سورة الزمر آية 9. (2) مصادر هذا الحديث وما يأتي بعده من أحاديث تجدها في
كتابنا (هذا أحاديثنا أم أحاديثكم؟) وقد اعتمدنا في نقلها على كتب السنة خاصة. (3)
سورة البقرة آية 189. (4) غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 3ص337. (*)
ص93
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): علي عيبة علمي.

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
أقضى أمتي علي بن أبي طالب. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): قسمت الحكمة عشرة
أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزء واحدا، وهو أعلمهم بالعشر الباقي. وقال
(صلى الله عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة (عليها السلام): إن زوجك أقدمهم إسلاما،
وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما. إلى غير ذلك من الأحاديث الصريحة في تفوق إمامنا في
العلم على جميع الصحابة، واستحقاقه دون غيره الخلافة عن ابن عمه الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم). روى ابن حجر العسقلاني عن أبي الطفيل: كان علي يقول: سلوني،
سلوني، وسلوني عن كتاب الله تعالى، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو
نهار(1) أم في سهل أم في جبل (2) وفيم أنزلت، وأين نزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا،
ولسانا سؤولا (3). وروى أحمد بن زيني دحلان عن أبي الطفيل أيضا قال: شهدت عليا يخطب
وهو يقول: سلوني من كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم
بنهار، أم في سهل أم في جبل، ولو شئت أوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب (4).
وعن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي ابن أبي طالب (5)
وكان عمر بن الخطاب يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن، يعني
(هامش)
(1) الإصابة ج 2
ص509
الطبعة الأولى. (2) الصواعق المحرقة
ص126
ط مصر عام 1375، وفيه (سلوني) مرة واحدة، الإتقان في علوم القرآن ج 2
ص187
ط مصر، ونحوه في إسعاف الراغبين
ص161
على هامش نور الأبصار، تهذيب التهذيب ج 7ص297. (3) الإتقان ج 2ص187، تاريخ الإسلام
عهد الخلفاء الراشدين
ص637
وفيه (ولسانا ناطقا) وفي (تاريخ الخلفاء)
ص173
ط بيروت ولسانا صادقا ناطقا. (4) الفتوحات الإسلامية ج 2
ص510
ط مصر عام 1354. (5) منتخب كنز العمال
ص48
على هامش مسند أحمد ج 5 ط مصر عام 1313. (*)
ص94
عليا(1). وقال سعيد أيضا: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلا علي (2). سئل
عطاء: أكان في أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) أحد أعلم من علي؟ قال: لا والله ما
أعلمه(1). وقال أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة المكرمة: وكان علي قد
أعطاه الله علما كثيرا، وكشفا غزيرا(1). وروى المتقي الهندي عن أبي المعتمر مسلم بن
أوس، وجارية بن قدامة السعدي أنهما حضرا علي بن أبي طالب يخطب وهو يقول: سلوني قبل
أن تفقدوني فإني لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أخبرت عنه (3). وروي عنه قال: علمني
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألف باب، كل باب يفتح ألف باب. وعنه في قوله تعالى
(وتعيها أذن واعية) (4) قال: قال لي رسول الله سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي.
فما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئا فنسيته. وقيل له: ما لك أكثر
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حديثا؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا
سكت ابتدأني (5). وروى أبو نعيم، والجويني عن عبد الله بن مسعود: إن القرآن أنزل
على سبعة أحرف، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وإن عليا بن أبي طالب عنده علم
الظاهر والباطن (6). وعنه: أفرض أهل المدينة وأقضاها علي (7). وروى الجويني عن ابن
عباس: العلم ستة أسداس، ولعلي بن أبي طالب من ذلك
(هامش)
(1) إسعاف الراغبين
ص160
على هامش نور الأبصار. (2) تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدينص638. (3) منتخب كنز
العمال
ص48
على هامش مسند أحمد ج 5 ط مصر عام 1313. (4) سورة الحاقة آية 12. (5) منتخب كنز
العمال
ص46
على هامش مسند أحمد ج 5. (6) حلية الأولياء ج 1
ص65
ط بيروت، فيض القدير ج 3ص46. (7) نور الأبصار
ص73
ط مصر عام 1312، إسعاف الراغبين
ص160
على هامش نور الأبصار. (*)
ص95
خمسة أسداس، وللناس سدس، ولقد شاركنا في السدس حتى لهو به أعلم منا(1). وعنه: علم
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من علم الله تبارك وتعالى، وعلم علي من علم النبي
(صلى الله عليه وسلم)، وعلمي من علم علي، وما علمي وعلم أصحاب محمد (صلى الله عليه
وسلم) في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر (2). وعنه أيضا: علمه ألف ألف كلمة، كل
كلمة تفتح ألف ألف كلمة (3). وعنه أيضا: لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار
العلم، وأيم الله لقد شارك الناس في العشر العاشر (4). وقال ضرار الكنائي: كان
يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه (4). وقال البدر العيني في شرح
البخاري: وأما علمه فكان من العلم بالمحل الأعلى... (5). وقال الأستاذ عباس العقاد:
أما القضاء والفقه فالمشهور عنه أنه كان أقضى أهل زمانه، وأعلمهم بالفقه والشريعة،
أو لم يكن بينهم من هو أقضى منه وأفقه، وأقدر على إخراج الأحكام من القرآن والحديث
والعرف المأثور، وكان عمر بن الخطاب يقول كلما استعظم مسألة من مسائل القضاء
العويصة: قضية ولا أبا حسن لها... (6). فقد إمتاز علي بالفقه الذي يراد به الفكر
المحض والدراسة الخالصة وأمعن فيه ليغوص في أعماقه على الحقيقة العلمية، أو الحقيقة
الفلسفية كما نسميها في هذه الأيام (7). وقال الأساتذة علي الجندي، ومحمد أبو الفضل
إبراهيم، ومحمد يوسف المحجوب: وقد قيل لابن عباس: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال:
كنسبة قطرة المطر إلى البحر المحيط. وقد صرح ابن عباس وهو يعد ترجمان القرآن بأن كل
علمه في التفسير أخذه من
(هامش)
(1) فرائد السمطين ج 1ص369. (2) الفتوحات الإسلامية ج 2ص510. (3) منتخب كنز العمال
ص43
على هامش مسند أحمد ج 5. (4) مشهد الإمام علي في النجفص6. (5) مشهد الإمام علي في
النجفص15. (6) عبقرية الإمام علي
ص195
ط بيروت عام 1967. (7) عبقرية الإمام عليص47. (*)
ص96
علي(1). قالوا: وأشرف العلوم الإلهية وهو علم التوحيد، من كلامه اقتبس، وعنه نقل،
ومنه ابتدأ، وأئمته من أشعرية، ومعتزلة، وإمامية، وزيدية، هو معلمهم وأستاذهم،
وإليه ينتهون. وعلم الفقه هو أصله وأساسه، وكل فقيه عيال عليه، ومن يقرأ تاريخ
الأئمة الأربعة وشيوخهم يجد أن علمهم قد استقي من نبعه، واقتبس من جذوته، وفقهاء
الصحابة كانوا يرجعون إليه فيما يشكل عليهم. هذا مع ما ظهر من إعظام كافة الصحابة
له، وإطباقهم على علمه وفضله وثاقب فهمه ورأيه، وفقه نفسه، وكثرة مطابقتهم له في
الأحكام، وسماع قوله في الحلال والحرام كما يقول الباقلاني، وهو الذي أفتى في
المرأة التي وضعت لستة أشهر، والمرأة الحامل من الزنا، إلى غير ذلك من المسائل التي
توقف فيها الصحابة (2) وأساطين علم الطريقة والحقيقة والتصوف عنه أخذوا، وعنده
وقفوا، كما صرح بذلك الشبلي والجنيد، والكرخي، والسقطي، والبسطامي، وغيرهم، وهم
يسندون إليه شعارهم بإسناد متصل. وعلم النحو كما عرف الناس كافة، هو الذي ابتدعه،
وأملى على أبي الأسود جوامعه وأصوله. وعلم القراءات هو المنظور إليه فيه، وإذا
رجعنا إلى كتب القراءات وجدنا أن أعلام القراء كلهم كأبي عمرو بن العلاء، وعاصم بن
أبي النجود، وغيرهما يرجعون إليه، لأنهم يأخذون عن أبي عبد الرحمن السلمي، وقد كان
من تلامذة الإمام، وعنه لقن وأخذ (3). وقال الشيخ محمد عبد المطلب أستاذ في مدرسة
دار العلوم المصرية في قصيدته (علوية عبد المطلب): حوى علم النبوة في فؤاد * طما
بالعلم زخارا فطاما
(هامش)
(1) سجع الحمام في حكم الإمام
ص17
ط مصر عام 1967. (2) الرضوي : لجهلهم بها. (3) سجع الحمام في حكم الإمامص17. (*)
ص97
سقاه الحق أفواق المعاني * وهيمه به حبا فهاما وزوده اليقين به فكانت * أفاويق
اليقين له قواما(1) وقال الشيخ منصور علي ناصف: فكان أعلم الناس بعد النبي (صلى
الله عليه وسلم)، وأقدرهم على حل المعضلات، حتى ضرب المثل به (قضية ولا أبا حسن
لها) وكتاب (نهج البلاغة) (2) أكبر دليل على ذلك (3). وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن
العاص: قلت: لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: لم كان صغو الناس إلى علي بن أبي
طالب؟ فقال: يا بن أخي إن عليا كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم... (4). وقالت
الدكتورة سعاد ماهر: فكان إمام الفقهاء، وعلماء الشريعة وأقدرهم على استنباط
الأحكام الدينية، وإليه رجع الخلفاء من قبله في مشكلات الحكم والقضاء (5). هذا بعض
ما وقفت عليه مما قاله البكريون أولياء أبي بكر وأتباعه في تفوق إمامنا علي بن أبي
طالب (عليه السلام) في العلم على صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كافة،
ومنهم إمامهم أبو بكر. وإلى القارئ الحر النبيل نماذج من قضاياه وحكمه ما يدل منها
على غزارة علمه وتبحره في العلوم.
(هامش)
(1) علي إمام الأئمة
ص5
ط مصر. (2) إذا أردت أن تقف على قيمة هذا الكتاب الفذ وثروته العلمية في مختلف
العلوم، والأدب البارع، وما قاله علماء الشيعة والسنة وغيرهم فيه مما يعرب لك عن
عظمة هذا الكتاب المقدس فاقرأ كتابنا (إقرأ هذه الكتب). (3) غاية المأمول في شرح
التاج الجامع للأصول ج 3ص337. (4) تهذيب التهذيب ج 7ص297. (5) مشهد الإمام علي في
النجف
ص6
ط مصر. (*)
ص98
روى الشبلنجي أن رجلا أتى عمر بن الخطاب (رض) وكان صدر منه أنه قال لجماعة من
الناس، وقد سألوه كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، وأصدق اليهود
والنصارى، وأومن بما لم أره، وأقر بما لم يخلق، فأرسل عمر إلى علي (رضي الله عنه)،
فلما جائه أخبره بمقالة الرجل. فقال: صدق، يحب الفتنة قال الله تعالى (إنما أموالكم
وأولادكم فتنة)(1). ويكره الحق، يعني الموت، قال الله تعالى (وجاءت سكرة الموت
بالحق) (2). ويصدق اليهود والنصارى، قال الله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى
على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) (3) ويؤمن بما لم يره، يؤمن بالله عز
وجل، ويقر بما لم يخلق، يعني الساعة. فقال عمر (رض): أعوذ بالله من معضلة لا علي
بها (4). وذكر تحت عنوان (نادرة) أن رجلا تزوج بخنثى لها فرج كفرج النساء، وفرج
كفرج الرجال، وأصدقها جارية كانت له، ودخل بالخنثى وأصابها فحملت منه، وجاءت بولد،
ثم إن الخنثى وطئت الجارية التي أصدقها لها الرجل فحملت منه الجارية بولد، فاشتهرت
قصتهما، ورفع أمرهما إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فسأل عن
حال الخنثى فأخبر أنها تحيض، وتطأ وتوطأ، وتمني من الجانبين، وقد حبلت وأحبلت. فصار
الناس متحيري الأفهام في جوابها، وكيف الطريق إلى حكم قضاءها وفصل خطابها. فاستدعى
علي (رضي الله عنه) غلاميه، وأمرهما أن يذهبا إلى هذه الخنثى، ويعدا أضلاعها من
الجانبين إن كانت متساوية فهي امرأة، وإن كان الجانب الأيسر أنقص من الجانب الأيمن
بضلع واحد فهو رجل.
(هامش)
(1) سورة الأنفال آية 28. (2) سورة ق آية 19. (3) سورة البقرة آية 113. (4) نور
الأبصار
ص72
ط مصر عام 1312. (*)
ص99
فذهبا إلى الخنثى كما أمرهما، وعدا أضلاعها من الجانبين، فوجدا أضلاع الجانب الأيسر
أنقص من أضلاع الجانب الأيمن بضلع، فجائا وأخبراه بذلك، وشهدا عنده، فحكم على
الخنثى بأنها رجل، وفرق بينها وبين زوجها(1). وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم)
كان جالسا مع جماعة من الصحابة فجائه خصمان، فقال أحدهما يا رسول الله إن لي حمارا،
وإن لهذا بقرة، وإن بقرته قتلت حماري. فبدأ رجل من الحاضرين فقال: لا ضمان على
البهائم (2) فقال (صلى الله عليه وسلم): إقض بينهما يا علي. فقال علي لهما: كانا
مرسلين أم مشدودين؟ أم أحدهما مشدودا والآخر مرسلا؟ فقالا: كان الحمار مشدودا،
والبقرة مرسلة، وصاحبها معها. فقال: على صاحب البقرة ضمان الحمار، فأقر (صلى الله
عليه وسلم) حكمه، وأمضى قضائه (3). وروى ابن حجر أنه جلس رجلان يتغذيان مع أحدهما
خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فمر بهم ثالث فأجلساه، فأكلوا الأرغفة:
الثمانية على السواء، ثم طرح لهما الثالث ثمانية دراهم عوضا عما أكله من طعامهما،
فتنازعا، فصاحب الخمسة أرغفة يقول: إن له خمسة دراهم، ولصاحب الثلاثة ثلاثة. وصاحب
الثلاثة يدعي أن له أربعة ونصفا، فاختصما إلى علي، فقال لصاحب الثلاثة: خذ ما رضي
به صاحبك وهو الثلاثة، فإن ذلك خير لك. فقال: لا رضيت إلا بمر الحق. فقال علي: ليس
لك في مر الحق إلا درهم واحد. فسأله عن بيان وجه ذلك؟
(هامش)
(1) نور الأبصار
ص72
ط مصر عام 1312. (2) الرضوي : نرى اليوم في مجتمعنا كثيرا من أمثال هذا الجاهل
المتطفل الفاقد للأدب ممن يتسرعون في الفتوى، فيبدون آرائهم دون أن يراهم أحد أهلا
للاستفتاء فيستفتيهم. حقا ما أقل حيائهم وأصلف وجوههم، فلا الله تعالى يخافون، ولا
من الناس يستحيون، ما أشد خطرهم على الدين، وأضلهم للمؤمنين. (3) نور الأبصار
ص71
ط مصر عام 1312. (*)
ص100
فقال علي: أليست الثمانية أرغفة أربعة وعشرين ثلثا، أكلتموها وأنتم ثلاثة، ولا يعلم
أكثركم أكلا، فتحملون على السواء. فأكلت أنت ثمانية أثلاث، والذي لك تسعة أثلاث،
وأكل صاحبك ثمانية أثلاث، والذي له خمسة عشر ثلثا، فبقي له سبعة، ولك واحد، فله
سبعة بسبعته، ولك واحد بواحدك. فقال: رضيت الآن(1). وسرد أمثال هذه القضايا،
والأحاديث، والأقوال في ذلك يطول، وفيما ذكرته منها كفاية للدلالة على إثبات تفوق
إمامنا على إمامكم في العلم حسب رواياتكم وأقوال علماءكم لو كنتم تتفكرون. وأما ما
رويتموه مما يثبت جهل إمامكم بالكتاب والسنة، وعدم كفائته ولياقته لمقام الخلافة عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقيام مقامه في زعامة المسلمين فكثير منه:
ما رواه السيوطي: إن أبا بكر سئل عن قوله تعالى (وفاكهة وأبا) (2) فقال: أي سماء
تظلني، أو أي أرض تقلني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم (3). وفي رواية أخرى:
إذا قلت في كتاب الله ما لم يرد الله (4). قال: وسئل عن الكلالة (5) فقال: إني
سأقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله منه
برئ (6) أخرجه البيهقي وغيره. ومنه ما رواه ابن سعد في الطبقات، والسيوطي في تاريخ
الخلفاء عن محمد بن
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة
ص127
ط مصر عام 1375، الفتوحات الإسلامية ج 2
ص512
والنقل من الأول. (2) سورة عبس آية 31. (3) الإتقان في علوم القرآن ج 1
ص113
ط مصر، تاريخ الخلفاء
ص76
ط الهند، تفسير لباب التأويل للخازن ج 1
ص5
ط مصر وفيه: إذا قلت في كتاب الله بغير علم، تفسير السراج المنير للخطيب الشربيني ج
1
ص3
ط مصر، فيهما وفي مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد 59، السنة 15 عام
1403 (إذا قلت) بدل (إن قلت) وكذا في الفتوحات الإسلامية ج 2
ص395
ط مصر، وفيه: وأي أرض بدل (أو أي أرض) إذا قلت. (4) تاريخ الخلفاء
ص76
ط الهند و88 طبع بيروت. (5): من ليس بولد ولا والد. (6) الدر المنثور في التفسير
بالمأثور ج 2
ص250
ط مصر عام 1314. (*)
ص101
سيرين: إن أبا بكر نزلت به قضية، لم يجد لها في كتاب الله أصلا، ولا في السنة أثرا،
فقال: اجتهد رأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله(1).
الرضوي: روى السيوطي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: من قال في القرآن
برأيه فأصاب فقد أخطأ (2). وقال (صلى الله عليه وسلم): من قال في القرآن بغير علم
فليتبوء مقعده من النار (3). ومنه ما رواه ابن الأثير والسيوطي عن القاسم بن محمد:
إن جدتين أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما، أم أم، وأم أب، فأعطى الميراث لأم الأم
(دون أم الأب) (4) فقال له عبد الرحمن بن سهل الأنصاري - وكان ممن شهد بدرا، وهو
أخو بني حارثة - يا خليفة رسول الله، أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها. فقسمه
بينهما (5). وفي أسد الغابة قال له: يا خليفة رسول الله أعطيته التي لو ماتت لم
يرثها، وتركت التي لو ماتت لورثها. فجعله أبو بكر بينهما. الرضوي : وفي قسمته بينهما
منحة منه لمن لا ترث دون استحقاق، وبخس لحق الوارث الشرعي، ومخالفة للسنة فهل من
مدكر؟ وهذا ابن حجر يعد ذلك فضيلة لأبي بكر فيقول بعد نقل ذلك، عنه في صواعقه:
فتأمل رجوعه مع كماله إلى الحق لما رآه مع أصغر منه (6) وأين ذاك الكمال؟ لست أدري
فما عشت أراك الدهر عجبا. ومنه: ما رواه السيوطي عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة
إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها. قال: ما لك في كتاب الله، وما علمت لك في سنة
نبي الله شيئا، فارجعي حتى أسأل
(هامش)
(1) الطبقات ج 3 ق 1ص126، تاريخ الخلفاءص84. (2) الجامع الصغير ج 2ص629، السراج
المنير ج 1ص3. (3) السراج المنير ج 1ص3، الجامع الصغير ج 2
ص628
وفيه: حديث صحيح. (4) ما بين القوسين زيادة في (أسد الغابة) ج 3ص299. (5) تاريخ
الخلفاء
ص80
ط الهند و92 ط بيروت. (6) الصواعق المحرقة
ص34
ط مصر عام 1375. (*)
ص102
الناس. فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
فأعطاها السدس. فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال
المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر(1). قال الشيخ منصور علي ناصف: فالجدة أم الأب جاءت
لأبي بكر تسأله حقها من إرث ولد ولدها فسأل، فعلم بأن حقها السدس، فأعطاها (2).
ففضيلة الشيخ يعترف بجهل إمامه بما للجدة أم الأب من حق لها في ميراث ابن ابنها
فيقول: فسأل، أي سأل الناس عما تستحقه هذه المرأة من ميراث ابن ابنها في كتاب الله
أو في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره العالم منهم بأن حقها منه
السدس، فأعطاها أبو بكر السدس. الرضوي : ضل والله عن الحق، وحاد عن الصراط المستقيم
من عدل عن باب مدينة علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يقول (سلوني قبل أن
تفقدوني) إلى من يجهل حكما شرعيا عاما فيقول في جواب من تسأله عنه: ارجعي حتى أسأل
الناس. فهل من مدكر؟ ومنه ما رواه السيوطي أن أعرابيا أتى أبا بكر فقال: قتلت صيدا
وأنا محرم فما ترى علي من الجزاء؟ فقال لأبي بن كعب وهو جالس عنده: فما ترى فيها؟
فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسألك، فإذا أنت
تسأل غيرك (3)؟ وقال الدكتور محمد بيومي مهران أستاذ بكلية الشريعة جامعة أم القرى
بمكة المكرمة: حين قاد خالد بن الوليد جيوش الفتح المظفرة كتب إلى الخليفة أبي بكر:
وجدت في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فما عقابه؟ ولم يجد
(هامش)
(1) التاج الجامع للأصول ج 2
ص259
و263، تذكرة الحفاظ ج 1
ص2
ط بيروت دار إحياء التراث العربي، تاريخ الخلفاء
ص80
ط الهند و92 ط بيروت، الصواعق المحرقة
ص33
ط مصر عام 1375. (2) التاج الجامع للأصول ج 2
ص260
ط بيروت. (3) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 2
ص329
ط مصر عام 1314. (*)
|