ص252
ذلك تكرر منه.
إبراهيم (أبو رافع) يقول لأبي بكر
أ - كنت نهيتني عن الإمارة ثم
ركبت أعظم من ذلك أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)(1). قال ابن أبي الحديد المعتزلي:
اعترض عليه رجل لما بلغه تولية الخلافة.
ب - ألست أمرتني أن لا أتأمر على اثنين؟
قال: بلى. قال: فما بالك؟ فقال أبو بكر: لم أجد لها أحدا غيري أحق مني (2).
الرضوي:
ألست القائل يا أبا بكر في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): ما أنا بالذي
يتقدم على رجل قال في حقه رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أعطيت خير النساء لخير
الرجال (3) فإذا كنت صادقا في قولك هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومصدقا
له في قوله هذا فما معنى قولك: لم أجد لها أحدا غيري أحق مني؟ أليس الإمام (عليه
السلام) أحق بها منك؟ أبو بكر بن حفص يقول: بلغني أن أبا بكر كان يصوم الصيف ويفطر
الشتاء (4).
الرضوي: قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا أو
على سفر فعدة من أيام أخر) (5) فيجب على كل مكلف صيام شهر رمضان صيفا كان أم شتاء،
فمن أخره عن وقته لغير عذر شرعي فقد خالف كتاب الله، وعصى أمر الله تعالى. أبو سلمة
يقول: إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتت أبا بكر (رض) فذكرت له ما
أفاء الله على رسوله بفدك. فقال أبو بكر (رض): إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) يقول: إن
(هامش)
(1) حياة الصحابة ج 2ص60. (2) شرح نهج البلاغة ج 2
ص17
ط مصر عام 1329. (3) نور الأبصار
ص5
ط مصر عام 1312 المطبعة الميمنية. (4) تاريخ الخلفاء
ص100
ط بيروت. (5) سورة البقرة آية 184. (*)
ص253
النبي لا يورث...(1). قالت: يا أبا بكر، أترثك بناتك، ولا ترث رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) بناته؟ قال: هو ذاك (2). يعني أن الأمر كما أقول، لا كما تقولين فكفي
عني احتجاجك. أبو السفر يقول: كان أبو بكر الصديق يقول: اجيفوا الباب (3) حتى نتسحر
(4).
أبو صالح يقول
لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر وسمعوا القرآن جعلوا يبكون
فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب (5). قال الله تعالى: (فويل للقاسية قلوبهم
من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) (6). أبو قلابة يقول: كان أبو بكر الصديق يقول:
اجيفوا الباب حتى نتسحر (3). أبو مليكة يقول: قال رجل لأبي بكر: يا خليفة الله.
فقال: لست بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله... (7).
الرضوي: متى استخلفك رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ادعيت خلافته، أترى جماعة من المتآمرين على أهل
بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سموك خليفة فصرت بذلك خليفة رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) كلا، يا ابن أبي قحافة، ليس الأمر كما زعمت وزعموا، فإن
الخليفة من نص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه بالخلافة بأمر من الله
تعالى.
أبو هريرة الدوسي يقول
(8)جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت من يرثك؟ قال:
(هامش)
(1) قال السيوطي في الجامع الصغير ج 2
ص679
ط بيروت عام 1401: النبي لا يورث حديث ضعيف. (2) تاريخ المدينة ج 1ص198. (3) أجاف
الباب: ردها. (4) تاريخ الخلفاء
ص89
ط بيروت عام 1389 نشر دار التراث العربي. (5) تاريخ الخلفاء
ص92
طبع بيروت. (6) سورة الزمر آية 22. (7) طبقات ابن سعد ج 3 ق 1ص130. (8) قال الدومي
في ترجمة: أسلم عام خيبر سنة تسع من الهجرة، وكان أحفظ الصحابة، روي له خمسة آلاف
حديث وثلاثمأة وأربعة وسبعون حديثا، وله في البخاري وحده أربعمأة وستة وأربعون
حديثا، وروى عنه أكثر من ثمانمأة رجل صحابي وتابعي. (الاتحافات الربانية)
ص45
ط مصر عام 1381. (*)
ص254
أهلي وولدي. قالت: فما لي لا أرث أبي؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) يقول: لا نورث... قال السيوطي: حديث النبي لا يورث: حديث ضعيف(1). الرضوي :
تقدم الكلام حول حديث النبي لا يورث، وإنه مفترى على رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) لمخالفته صريح كتاب الله، فراجع. أحمد بن حنبل (2) (إمام المذهب الحنبلي)
السني يقول: إن أبا بكر (رضي الله عنه) بعد شهر من خلافته نادى في الناس الصلاة
جامعة، ثم خطب فقال: أيها الناس وددت أن هذا الأمر كفانيه غيري. وفي رواية: أني
وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني
أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم أقم به، كان رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) عبدا أكرمه الله بالوحي، وعصمه به، إنما أنا بشر، ولست بخير
من أحدكم، فراقبوني، فإن رأيتموني زغت فقوموني (3). الرضوي : إذا كنت يا أبا بكر
تعترف بعجزك عن القيام في المقام الذي شغلته والمنصب الذي توليته لما في أداء حقه
من أمر هو خارج عن قدرتك وطاقتك، وكنت أيضا كارها له حسب زعمك، كان عليك بحكم العقل
والدين اعتزاله، وتركه إلى من هو أهل له، وهو من رويت أنت عن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) أنه قال فيه: أعطيت خير
(هامش)
(1) الجامع الصغير ج 2ص679. (2) قال ابن العماد الحنبلي في ترجمة شيخ الأمة، وعالم
أهل العصر، أبو عبد الله أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي. ثم البغدادي، أحد
الأعلام ببغداد (شذرات الذهب) ج 2ص96. وقال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب النجدي أحمد
بن حنبل أحد أئمة الإسلام الذي أجمعت الأمة على إمامته (الصواعق الإلهية في الرد
على الوهابية)
ص33
طبع تركية عام 1407 ملحقا بفتنة الوهابية. (3) الفتوحات الإسلامية ج 2
ص360
ط مصر عام 1354 مطبعة مصطفى محمد. (*)
ص255
النساء لخير الرجال(1). يعني (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) لعلي
(عليه السلام). أحمد بن الحسين البيهقي الشافعي (2) يقول: وقد ثبت أن أبا بكر لم
يعلم بوفاة فاطمة، لما في الصحيح أن عليا دفنها ليلا ولم يعلم أبا بكر (3). الرضوي :
ذلك لأنها توفيت وهي غاضبة عليه، لما نالها منه ومن عمر من ظلم ) أن يدفنها ليلا،
لئلا يحضر أبو بكر وعمر تشييع جنازتها، وليعلم المسلمون كافة أنها ماتت وهي غاضبة
عليهما، وكانت قد قالت لأبي بكر: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها (4).
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة (5) على أبي بكر
وعمر وأنها أوصت أن لا يصليا عليها... (6). أحمد بن تيمية الحراني (7): صاحب كتاب
(منهاج السنة النبوية) يقول: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا
قلت في كتاب الله ما لا أعلم (8). الرضوي : فمن لا علم له بكتاب الله لا يليق
للخلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل من
(هامش)
(1) نور الأبصار
ص5
ط مصر عام 1312 المطبعة الميمنية. (2) قال اليافعي في ترجمته، الإمام الحافظ الحبر
المحقق الماهر، والبحر الخضم الطامي الزاخر، المشتمل على نفيس الدرر وعوالي
الجواهر، الجامع بين المعقول والمنقول والفروع والأصول، الصافي من سائر البدع النقي
أحمد بن الحسين المكنى بأبي بكر البيهقي (مرآة الجنان) ج 2ص306. (3) تاريخ المدينة
المنورة ج 1ص109. (4) الإمامة والسياسة ج 1ص14. (5): غاضبة. (6) شرح نهج البلاغة ج
2
ص20
ط مصر عام 1329. (7) قال الشيخ محمد الغزالي الحنبلي فيه: الإمام شيخ الإسلام، تقي
الدين. ثم وصفه بالتجرد لله، وبالإخلاص للحق، وبالنصح لجمهور المسلمين (دفاع عن
العقيدة والشريعة)
ص209
الطبعة الرابعة. وقال ابن العماد الحنبلي: وكان الشيخ العارف بالله أبو عبد الله بن
قوام يقول: ما أسلمت معارفنا إلا على يدي ابن تيمية (شذرات الذهب) ج 6ص84. (8) مجلة
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد 59 السنة 15 عام 1403. (*)
ص256
مدكر؟ أحمد بن زيني دحلان الشافعي(1):
صاحب كتاب (الفتوحات الإسلامية) يقول

أ -
وكان أبو بكر قبل أن يبايعوه أخذ بيد أبي عبيدة وعمر بن الخطاب وقال للناس: بايعوا
أحد هذين الرجلين (2). الرضوي : إذا كان تعيين الخليفة بالنص (وهو بالنص) فقد نص
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الخليفة من بعده وعينه، وهو الإمام علي بن أبي
طالب (عليه السلام) (3) وإن كان باختيار الناس (وليس هو باختيارهم) فليس من حق أبي
بكر أن يفرض على أحد منهم البيعة لمن ارتضاه هو للخلافة، ولا يلزم المسلمين قبول
قوله ومتابعته ما لم تجتمع الآراء عليه. ب - كان رضي الله عنه يقول ليتني كنت شجرة
تعضد، ثم تؤكل (3). ج - وكان (رضي الله عنه) يقول للصحابة (رض): قد وليت أمركم ولست
بخيركم فأعينوني، وإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني (4). د
- أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخير منكم (3). ه ويروى أن أبا بكر (رضي الله
عنه) مر على طائر واقع على شجرة فقال: طوبى لك يا طائر، تطير فتقع على الشجرة،
وتأكل من الثمر، وليس عليك حساب، ولا عقاب يا ليتني كنت مثلك. والله لوددت أني شجرة
إلى جنب طريق فمر علي بعير فأخذني فلاكني
(هامش)
(1) ذكر عمر رضا كحالة في (معجم المؤلفين) ج 6ص270: إن لعثمان شطا الشافعي (نفحة
الرحمن في مناقب السيد أحمد زيني دحلان). (2) الفتوحات الإسلامية ج 2
ص360
ط مصر عام 1354. (3) وتجد في كتابنا (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم) كثيرا من النصوص
على الإمام في الخلافة، اعتمدنا في نقلها على كتب السنة. فراجع. (4) الفتوحات
الإسلامية ج 2
ص358
ط مصر عام 1354. (*)
ص257
ثم ازدردني، ثم أخرجني بعرا، ولم أك بشرا(1). الرضوي : يقول الله تعالى (ولقد كرمنا
بني آدم) (2) وأبو بكر يتمنى أن يكون شجرة يأكلها بعير يمر بها فيستحيل بعرا، ولم
يكن من بني آدم الذين كرمهم الله تعالى وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا. فاعتبروا
يا أولي الألباب. و- أطيعوني ما أطعت الله تعالى ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا
طاعة لي عليكم (3). ز - وقال قائل له: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر
وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: اجلسوني، أبالله تخوفني... أقول استعملت عليهم أفضلهم
وأقواهم وفي رواية قال: أبالله تخوفني؟ أقول: استعملت عليهم خيرهم وأشدهم حبا لله
تعالى (4). الرضوي : فإذا كان عمر خير الناس، وأشدهم حبا لله حسب زعمك، ولأجل ذلك
اخترته للخلافة، ونصت عليه فيها من بعدك، فكيف لما أشار عليك بعزل أسامة ابن زيد
قمت وأخذت بلحيته وقلت له: ثكلتك أمك يا بن الخطاب، استعمل رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) أسامة وأمره، وتأمرني أن أنزعه؟ (5) وكيف قلت له: جئتني بخذلانك جبارا
في الجاهلية، خوارا (6) في الإسلام (7) وفي رواية أخرى: إجبار في الجاهلية، وخوار
في الإسلام يا عمر (8). أهكذا إنسان هو خير الناس، وأشدهم حبا لله في منطقك يا أبا
بكر؟ فبئسما اخترت
(هامش)
(1) الفتوحات الإسلامية ج 2ص359. (2) سورة الإسراء آية 70. (3) الفتوحات الإسلامية
ج 2ص360. (4) الفتوحات الإسلامية ج 2ص397. (5) نور الأبصار
ص51
ط مصر عام 1312. (6): ضعيفا. (7) الصواعق المحرقة
ص29
ط مصر عام 1375. (8) حياة الحيوان الكبرى ج 1
ص43
ط مصر عام 1306 المطبعة الشرفية. (*)
ص258
لنفسك من الجواب غدا أمام الله تعالى. أحمد بن حجر الهيتمي(1) صاحب كتاب (الصواعق
المحرقة) يقول: إن الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر (2). . الرضوي : وهناك كثيرون كرهوا
بيعة أبي بكر وطعنوا فيها ستتعرف على البعض منهم فيما يأتي في هذا الفصل. وفي مقدمة
الطاعنين فيها عمر بن الخطاب فإنه قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، فمن
عاد إلى مثلها فاقتلوه (3).
أحمد بن عبد ربه الأندلسي صاحب كتاب (العقد الفريد) يقول

أ - الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر، علي، والعباس، والزبير، وسعد بن عبادة،
فأما علي والعباس فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم
من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم... (4). الرضوي : علام استند أبو بكر في أمره
عمر بن الخطاب بقتال من تخلف عن البيعة له والقرآن الكريم يقول (لا إكراه في الدين)
(5) فكيف يأمر عمر بقتالهم ويخالف بصراحة كتاب الله، وهو يزعم أنه خليفة رسول الله؟
فهل من مدكر؟ ب - قال رجل لأبي بكر (رضي الله عنه): والله لأسبنك سبا يدخل معك
قبرك. قال معك والله
(هامش)
(1) قال عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته لكتاب (الصواعق المحرقة) لابن حجر
ص13
ط مصر عام 1375: نضج العلامة ابن حجر في علوم كثيرة، في الفقه والأصول، والحديث
والتفسير، والكلام والتصوف، والفرائض والنحو، والصرف والمعاني والمنطق والحساب...
وكان كعبة العلماء يقصدونه للاغتراف من بحره الزخار الصافي والاقتطاف من روضه
الناظر.... الرضوي : ومن أمعن نظره حقا في كتابه هذا بعيدا عن التعصب المقيت اعتقد
بلا ريب حماقة ابن حجر وسخافة عقله. لما أورد فيه ما هو حجة عليه حيث لا يشعر. (2)
الصواعق المحرقةص12. (3) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 4
ص457
ط مصر عام 1329. (4) العقد الفريد ج 4
ص259
ط مصر عام 1403. (5) سورة البقرة آية 256. (*)
ص259
يدخل لا معي(1). الأستاذ أحمد الشهاوي سعد شرف الدين يقول: ولم تكد فاطمة تفرغ من
محنة الحزن على أبيها حتى فوجئت بمحنة ميراثها الشرعي... كما ووجهت بمحنة ثالثة هي
حرمان زوجها من حقه في الخلافة، وكان لا بد لها أن تطالب الخليفة الأول بهذين
الحقين معا. فقال لها سيدنا أبو بكر: أما إرثك من رسول الله فإني سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة... إن
السيدة فاطمة ما زالت تبكي على هذا الحق، وما زالت تتألم، وتتوجع لموقف الخليفة
الأول والمسلمين معه منها، بعد انتقال أبيها إلى الرفيق الأعلى، حتى نزلت منيتها،
ووافاها أجلها بمدة لم تزد على ستة شهور، فلحقت برسول الله (2). روى القرماني عن
النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (3).
وروى السيوطي حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): فاطمة بضعة مني فمن أغضبها
أغضبني. وقال: حديث صحيح (4) وقال: النبي لا يورث حديث ضعيف (5). أسلم مولى عمر بن
الخطاب يقول: إن عمر اطلع على أبي بكر وهو آخذ بلسانه فقال: هذا الذي أوردني في
المهالك (6). أسماء بنت عميس تقول: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف، كان أخذها
من
(هامش)
(1) العقد الفريد ج 2
ص275
ط مصر 1375، المستطرف ج 1ص194. (2) البطلة المجاهدة السيدة زينب بنت الإمام علي كرم
الله وجهه
ص37
ط مصر. (3) أخبار الدولص78. (4) الجامع الصغير ج 2ص208. (5) الجامع الصغير ج 2ص679.
(6) تاريخ الخلفاء
ص81
ط الهند وص 93 ط بيروت: أوردني الموارد. (*)
ص260
بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف
درهم(1). أنيسة بنت خبيب تقول: نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف، وسنة
بعدما استخلف، فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن (2). جبير بين مطعم يقول:
كان أبو بكر (رضي الله عنه) يقسم الخمس نحو قسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غير
أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما كان (صلى الله عليه وسلم)
يعطيهم (3). الرضوي : يعني أنه كان يخالف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
في حق ذوي القربى الذين أوصى الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم فقال:
(وآت ذا القربى حقه) (4) لما يكنه لهم في قلبه من عداء أظهره بعد وفاة رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)، ألا تراه بعد أن بويع له بالخلافة أمر عمر بن الخطاب
بالذهاب إلى بيت الإمام علي (عليه السلام) وفيه فاطمة زوجته (عليها السلام) بنت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإخراج من فيه منه لأخذ البيعة له، وقال له:
إن أبوا فقاتلهم (5). ومنع فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إرثها من
أبيها بحديث نسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو (نحن معاشر الأنبياء
لا نورث) الذي يكذبه صريح كتاب الله. وقد تقدم الكلام حوله. الحسن بن محمد بن علي
يقول: إن أبا بكر (رضي الله عنه) جعل سهم ذوي القربى في سبيل الله في الكراع
والسلاح (6). الرضوي : يعني أنه خالف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في
سهم ذوي القربى. وقد تقدم الكلام فيه في (جبير بن مطعم) فراجع.
(هامش)
(1) تاريخ الأمم والملوك ج 4
ص54
ط مصر الطبعة الأولى. (2) تاريخ الخلفاء
ص66
ط الهند و75 ط بيروت. (3) تاريخ المدينة المنورة ج 2ص645. (4) سورة الإسراء آية 26.
(5) العقد الفريد ج 4
ص259
طبع عام 1381. (6) تاريخ المدينة المنورة ج 1ص217. (*)
ص261
الحسن البصري يقول: لما بويع أبو بكر قام خطيبا فقال: أما بعد فإني وليت هذا الأمر
وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه. ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم
بمثل عمل النبي لم أقم به، كان النبي عبدا أكرمه الله بالوحي، وعصمه به. ألا وإنما
أنا بشر، ولست بخير من أحدكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا
رأيتموني زغت فقوموني. واعلموا أن لي شيطانا يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت
فاجتنبوني...(1). الرضوي : لا يسيغ الدين الإسلامي، ولا العقل السليم لمن يرى في
نفسه ضعفا وعجزا وعدم كفائة في تحمل مسئولية القيام بإدارة شئون جمعية، أو جماعة
فضلا عن القيام بزعامة أمة، وأعظم من ذلك القيام مقام رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم)، وادعاء الخلافة عنه، وهو لا يأمن على نفسه من الزيغ عن الحق. فالميل
إلى الباطل والضلال عندما يأتيه شيطانه. وقول أبي بكر: ووالله لوددت أن بعضكم
كفانيه يتنافى مع عمله، فإنه لم يقله عن صدق واعتقاد لعلمه أن عليا (عليه السلام)
ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحرى منه وأولى بهذا الأمر، وأقدر على
إدارة شئون الأمة، وأعرف بمصالحها، ومقوماتها من شتى الجهات، علمية كانت أم إدارية،
سياسية كانت أم اجتماعية، منه ومن غيره إطلاقا، فلماذا تقدم عليه ولم يرجع الأمر
إليه؟ ولماذا حضر السقيفة إن لم تكن له رغبة في الأمر؟ ولقد قال له الإمام (عليه
السلام) استبددت علينا، وكنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا (2) فلو كان صادقا في
قوله لما حضر السقيفة والرسول بعد لم يدفن. ولأرجع الأمر إلى أهله، وهم أهل البيت
النبوي (عليهم السلام). لكنها سياسة. ولعن الله السياسة، أم الحيل
(هامش)
(1) تاريخ الخلفاء
ص66
ط بيروت، طبقات ابن سعد ج 3 ق 1
ص150
ط ليدن. (2) في (لسان العرب): وفي حديث علي رضوان الله عليه (كنا نرى أن لنا في هذا
الأمر حقا فاستبددتم علينا) يقال: استبد بالأمر يستبد استبدادا، إذا انفرد به دون
غيره، واستبد برأيه: إذا انفرد به. (*)
ص262
ووليدة الكذب والخداع، فما أبعدها عن الدين والحق والعدل. خالد بن سعيد بن العاص
يقول: والله ما سرتنا ولايتكم، ولا سائنا عزلكم، وإن المليم لغيرك(1). قال ذلك له
لما عزله عن قيادة الجيش إلى الشام بسعاية عمر ضده. الخفشيش يقول: أطعنا رسول الله
ما كان بيننا * فيا لعباد الله ما لأبي بكر؟ أيملكنا بكر إذا كان بعده * فذاك وبيت
الله قاصمة الظهر (2) ربيعة الأسلمي يقول: جرى بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي
كلمة كرهتها. رجل من المسلمين: دخل على أبي بكر في وجعه الذي توفي فيه فقال: يا أبا
بكر، أذكرك بالله واليوم الآخر، فإنك قد استخلفت على الناس رجلا فظا غليظا، وقد قرع
الناس، ولا سلطان لهم، فإن الله مسائلك... (3). الرضوي : قال ذلك له بعد أن بلغه إنه
استخلف على المسلمين من بعده عمر بن الخطاب ولم يكن هذا الرجل المسلم وحده أنكر على
أبي بكر استخلافه عمر، فقد أنكر عليه ذلك طلحة بن عبيد الله أيضا، وهو عندهم من
العشرة المبشرة بالجنة، وسيأتي إنكاره عليه، وهناك جماعة آخرون أنكروا عليه ذلك
ذكرهم الأستاذ عبد الكريم الخطيب في كتابه (علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم
الخلافة). سعد بن عبادة الخزرجي (سيد الأنصار) يقول: لما طلبوا منه البيعة لأبي بكر
أبي وقال: أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب سنان رمحي، وأضربكم
بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل وأيم
(هامش)
(1) طبقات ابن سعد ج 4
ص70
طبع ليدن. (2) تاريخ المدينة المنورة ج 2
ص548
ط بيروت عام 1410. (3) مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة
ص105
ط بيروت عام 1409 الطبعة الثانية. (*)
ص263
الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما
حسابي(1). سعد بن مالك (أبو سعيد الخدري) (2) يقول: لما بويع أبو بكر رأى من الناس
بعض الانقباض فقال: أيها الناس ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر؟ ألست أول من
أسلم؟ ألست؟ ألست؟ (3). الرضوي : إن من أسباب انقباض الناس عن البيعة لك يا أبا بكر
هوما جبلت عليه من خلق ينفر منه الناس ويتعافونه، فهذا المقدام يحدثنا عنك فيقول:
كان أبو بكر سبابا. وعمل كنت تزاوله ذكرته أنيسة بنت خبيب في حديثها عنك أنك كنت
تحلب للحي أغنامهم، مضافا إلى ذلك أن في الأمة الإسلامية من لا يقاس بك بيتا وشرفا
علما وعملا وخلقا ونبلا ومنزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل وفي كل
شيء، وهذا مما أدى بهم إلى الانقباض عن البيعة لك. وأما قولك ألست أحق بهذا الأمر؟
ألست أول من أسلم؟ ألست؟ ألست؟ كلا يا أبا بكر، إنك لست أحق بهذا الأمر. إن أحق
الناس بهذا الأمر منك ومن غيرك هو من قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وابغض
من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله (4).
(هامش)
(1) تاريخ الأمم والملوك ج 3
ص210
الإمامة والسياسة ج 1
ص10
وفيه: وأخضب منكم سناني ورمحي. (2) قال حنظلة بن أبي سفيان عن أشياخه: لم يكن أحد
من أحداث أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أفقه من أبي سعيد. (تهذيب التهذيب)
ج 3ص417. (3) تاريخ الخلفاء
ص65
ط بيروت عام 1389. (4) ذكرنا أكثر من خمسين مصدرا لهذا الحديث من كتب السنة في
كتابنا (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم؟) فليرجع إليه من أراد الاطلاع عليها. وعلى مصادر
الأحاديث الآتية بعده. (*)
ص264
وقال فيه: إن عليا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني. وقال: إن عليا وليكم
بعدي، فأحب عليا، فإنه يفعل ما يؤمر. وقال: إن عليا مع الحق، والحق معه، لن يزولا
حتى يردا علي الحوض. وقال: إن عليا مدينة هدى، فمن دخلها نجى، ومن تخلف عنها هلك.
وقال: إن عليا مني، وأنا منه، فمن حاده فقد حادني، ومن حادني أسخط الله. وقال: إن
عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي فلا تخالفوه. وقال: إن هذا أخي ووصي
وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. وقال: إن أخي ووزيري، ووصيي، وخير من أخلف بعدي
علي بن أبي طالب. وقال: وصيي ووارثي، يقضي ديني، وينجز موعدي علي بن أبي طالب. إلى
غير هذه الأقوال المأثورة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحاح السنة ومسانيدهم
وغيرها، وقد تضمن كتابنا (هذه أحاديثنا أم أحاديثكم؟) الكثير منها، وقد اعتمدنا في
نقلها فيه على كتب السنة خاصة، وهم أولياؤك يا أبا بكر. ولست أول من أسلم كما زعمت،
فإن أول من أسلم هو من نشأ في بيت النبوة، وتربى على يدي صاحب الرسالة (صلى الله
عليه وآله وسلم). هو ابن عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصهره، الإمام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد روى السنة أولياؤك في كتبهم عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: أول من أسلم علي. أول من صلى معي علي بن أبي
طالب. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: أنت أول المسلمين إسلاما، وأنت أول
المؤمنين بالله إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأعظمهم منزلة عند الله يوم القيامة،
وأنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة. إلى غيرها من الأحاديث الواردة
عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المعنى مما رواه عنه (صلى الله عليه وآله
وسلم) في صحاحهم ومسانيدهم أولياؤك يا أبا بكر، فليس فيما ادعيت لنفسك ما يثبت لك
فضيلة ترفعك على غيرك، فدع عنك قول ألست؟ ألست؟ يا عتيق.
ص265
سليمان بن الأشعث (أبو داود السجستاني) صاحب (السنن) أحد الصحاح الستة للسنة. يقول:
إن أبا بكر خطب فاطمة من النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأعرض عنه (صلى الله عليه
وسلم)(1). الرضوي : لما كانت الكفائة شرطا في الزواج والمصاهرة في الإسلام، وقد ورد
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إذا جائكم من ترضون خلقه ودينه
فزوجوه. فلما جاء أبو بكر إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خاطبا منه ابنته
فاطمة (عليها السلام) أعرض عنه، دل ذلك على أنه لم يرتض دينه ولا خلقه. فهل من
مدكر؟
صخر بن حرب (أبو سفيان الأموي) يقول

أ - يا علي غلبكم على هذا الأمر أذل بيت
في قريش، أما والله لأملئنها عليه خيلا ورجالا إن شئت (2). قال ابن حجر: لما بايع
الناس أبا بكر (رضي الله عنه) نادى أبو سفيان بن حرب بأعلى صوته: يا علي غلبكم على
هذا الأمر أذل بيت في قريش (2). ب - ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلة
- يعني أبا بكر - أما والله لئن شئت (3). والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم.
يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم؟ (4) د - ما لنا ولأبي فصيل (5) إنما هي بنو
عبد مناف (6). قال التباني الجزائري: والناس كنوا أبا بكر بأبي الفصيل احتقارا له
(7).
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة
ص161
طبع مصر عام 1375. (2) الصواعق المحرقةص60، حياة الصحابة ج 2
ص19
وفيه (أقل) بدل (أذل). (3) المستدرك على الصحيحين ج 3
ص78
تاريخ الخلفاء
ص62
ط بيروت. (4) تاريخ الأمم والملوك ج 3
ص202
الطبعة الأولى، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1
ص74
ط مصر عام 1329. (5) الفصيل: ولد الناقة إذا فصل من أمه. (6) تاريخ الأمم والملوك ج
3ص202. (7) تحذير العبقري من محاضرات الخضري ج 2ص140. (*)
ص266
ه: أرضيتم يا بني عبد مناف أن تليكم تيم، وأن يلي أمركم ابن أبي قحافة؟(1). طلحة
بن عبيد الله التيمي يقول له: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه
وأنت معه فكيف به إذا خلا بهم، وأنت لاق ربك، فسائلك عن رعيتك؟ فقال أبو بكر وكان
مضطجعا: اجلسوني، فأجلسوه. فقال لطلحة: أبالله تفرقني؟ (2) أو أبالله تخوفني إذا
لقيت الله ربي فسائلني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك (3). الرضوي : فإذا كان يا
أبا بكر عمر بن الخطاب كما زعمت فكيف طعن طلحة به والطاعن والمطعون به كلاهما من
أهل الجنة عندكم؟ وإذا كان عمر كما زعمت فلماذا قمت وأخذت بلحيته، وقلت له: ثكلتك
أمك يا ابن الخطاب، استعمل رسول الله أسامة وأمره وتأمرني أن أنزعه (4).
ظالم بن عمرو (أبو الأسود الدؤلي) يقول

أ - غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير
مشورة، وغضب علي والزبير... (5). ب - قام أبو بكر، فخطب الناس واعتذر إليهم وقال:
إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها (8). الرضوي : إذا كنت يا أبا بكر تعترف بأن بيعتك
كانت فلتة، كما اعترف بذلك خليفتك عمر أيضا، وقد فوجئ المسلمون بها دون علم منهم،
ولا دراسة وإمعان نظر فيها، وإنها كانت ذات شر على المسلمين، فلماذا كنت تجبرهم على
أخذ البيعة منهم لك، كما فعلت مع الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عم رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
(هامش)
(1) أخبار الأول للإسحاقي
ص24
ط مصر. (2): تخوفني. (3) تاريخ الأمم والملوك ج 4
ص54
ط مصر الطبعة الأولى. (4) نور الأبصار
ص51
ط مصر عام 1312. (5) شرح نهج البلاغة ج 1
ص132
وج 2
ص19
ط مصر عام 1329. (*)
ص267
وغيره ممن تخلف عنها والتجأ إلى أهل البيت (عليهم السلام) في دارهم، فأمرت عمر
بقتالهم إن امتنعوا من ذلك(1).
عائشة بنت أبي بكر تقول

(2)أ - أقبل أبو بكر
فلكزني لكزة شديدة، وقال: حبست الناس في قلادة؟ وفي حديث آخر: وجعل يطعن بيده في
خاصرتي (3)؟ ب - إن فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي
(صلى الله عليه وسلم) فيما أفاء الله على رسوله (صلى الله عليه وسلم)، تطلب صدقة
النبي (صلى الله عليه وسلم) التي بالمدينة، وفدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر
إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لا نورث ما تركنا فهو صدقة... (4). فأبى
أبو بكر (رضي الله عنه) أن يدفع إلى فاطمة رضي الله عنها منها شيئا، فوجدت (5)
فاطمة على أبي بكر (رضي الله عنه) في ذلك فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ستة أشهر (6) فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا. ولم
يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي (رضي الله عنه) (7). وذكر الأستاذ خالد محمد خالد
مجئ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي بكر ومطالبتها إياه
فدكا، وإنه أجابها بقوله الذي نسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو
(نحن
(هامش)
(1) مر الحديث في ذلك في
ص135
فراجع. (2) قال الدومي في ترجمتها: هي الصديقة بنت الصديق وهي أم المؤمنين... وكانت
مرجع كبار الصحابة، وجملة ما روي لها في البخاري مأتان واثنان وأربعون حديثا...
(الاتحافات الربانية)
ص65
وقال المناوي: هي الصديقة بنت الصديق المبرأة من كل عيب، الفقيهة العالمة العاملة،
حبيبة المصطفى (فيض القدير) ج 1ص55. (3) صحيح البخاري ج 4
ص183
ط مصر بحاشية السندي. (4) صحيح البخاري ج 2
ص301
وج 3
ص55
ط مصر بحاشية السندي، التاج الجامع للأصول ج 3
ص355
وج 4ص381. قال السيوطي في حديث النبي لا يورث. حديث ضعيف (الجامع الصغير ج 2ص679.
(5): غضبت. (6) الإمامة والسياسة ج 1ص14. (7) تاريخ المدينة المنورة ج 1
ص196
تحقيق فهيم محمود شلتوت. (*)
ص268
معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) قال: ولم تكد السيدة فاطمة رضي الله عنها
تسمع جواب أبي بكر على مسألتها حتى اكتسى وجهها بالأسى والألم(1). الرضوي : فكانت
مدة حياتها قالية له، غاضبة عليه، وقالت له يوما: والله لأدعون الله عليك في كل
صلاة أصليها (2).
عامر بن شراحيل الشعبي يقول

(3) أ - سئل أبو بكر عن الكلالة (4)
فقال: إني سأقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأ
فمني ومن الشيطان... (5). ب - قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو
هذا قال: فانطلقا إليهما، يعني عليا والزبير، فأتياني بهما. فانطلقا، فدخل عمر (6)
ووقف خالد على الباب من خارج (7) فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته
لأبايع عليا. قال: وكان في البيت ناس كثير، منهم المقداد بن الأسود، وجمهور
الهاشميين. فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير
فأقامه، ثم دفعه فأخرجه. وقال: يا خالد دونك هذا فمسكه خالد، وكان في خارج البيت مع
خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردء لهما. ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع
فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبى أن
(هامش)
(1) وجاء أبو بكر
ص135
عام 1382. (2) الإمامة والسياسة ج 1ص14. (3) قال ابن خلكان: هو كوفي تابعي جليل
القدر، وافر العلم (وفيات الأعيان) ج 3ص12. (4) كل من مات ولا ولد له ولا والد فهو
كلالة ورثته، وكل وارث ليس بولد للميت ولا والد فهو كلالة مورثه، فالكلالة اسم يقع
على الوارث والموروث إذا كانا بهذه الصفة (المصباح المنير). (5) الدر المنثور في
التفسير بالمأثور ج 2
ص250
ط مصر عام 1314. (6) يعني دخل بيت الإمام علي (عليه السلام) دون استئذان، والله
تعالى يقول (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير
لكم لعلكم تذكرون) سورة النور آية 27. (7) ينتظر ما يأمره به عمر. (*)
ص269
يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير حتى أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا
عنيفا. واجتمع ناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر
فصرخت، وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها
ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلم عمر حتى
ألقى الله(1). عبد الله بن عباس الهاشمي (2) يقول لعائشة بنت أبي بكر: أما والله ما
كان أبوك إلا قصير المدة، عظيم المشقة، قليل المنفعة، ظاهر الشؤم، بين النكد...
(3). عبد الله بن عمر بن الخطاب (4) يقول: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا
بقدر؟ قال: نعم. قال: فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال: نعم يا ابن اللخناء (5)
أما والله لو كان عندي إنسان أمرت أن يجأ أنفك (6). الرضوي جواب أبي بكر هذا يسخط
الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويستقبحه كل إنسان شريف. عبد الله بن
مسلم (ابن قتيبة) الدينوري صاحب كتاب (الإمامة والسياسة) يقول: دخل
(هامش)
(1) شرح نهج البلاغة ج 2
ص19
ط مصر عام 1329. (2) قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة،
ولا أجلد رأيا، ولا أثقب نظرا حين ينظر من ابن عباس. (شذرات الذهب) ج 1ص75. (3) شرح
نهج البلاغة ج 2
ص82
ط مصر عام 1329. (4) قال اليافعي في ترجمته: السيد الجليل الفقيه، المحدث، القدوة،
ذو الأوصاف الملاح، الذي شهد له النبي (ص) بالصلاح، أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر
بن الخطاب العدوي (مرآة الجنان) ج 1
ص154
وقال الأستاذ خالد محمد: كان إماما في الورع والزهد والتقى... (5) اللخناء: التي لم
تختن. (6) تاريخ الخلفاء
ص77
ط الهند، و89 ط بيروت. (*)
ص270
عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنه استخلف عمر، فقالوا: نراك استخلفت علينا
عمر، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا(1) وأنت بين أظهرنا، فكيف إذا وليت عنا، وأنت لاق
الله عز وجل فسائلك فما أنت قائل؟ فقال أبو بكر: لأن سألني الله لأقولن استخلفت
عليهم خيرهم في نفسي (2). الرضوي : ذكروا أن عمر هو أول من بايع أبا بكر على الخلافة
في سقيفة بني ساعدة، وهو الذي أبرم الأمر له وأحكمه. وشدد في أخذ البيعة له من
المسلمين بالقوة والإكراه، وهدد المتخلف عنها بالقتل، وبإحراق بيته عليه، وإن كان
من أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما تقدم الحديث في ذلك. فطبيعة الحال
تفرض على أبي بكر أن ينص على عمر بالخلافة من بعده، وإن استلزم ذلك مخالفة سنة رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب زعمه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مضى
ولم ينص على أحد بالخلافة من بعده، واستلزم كراهية المسلمين أيضا. فيقول في رد
اعتراض المهاجرين والأنصار عليه في ذلك: (خيرهم في نفسي). عبد الرحمن بن أبي بكر
يقول: جاء أبو بكر بضيف له، أو بأضياف له، فأمسى عند النبي (صلى الله عليه وسلم)
فلما جاء قالت أمي: احتبست عن ضيفك، أو أضيافك الليلة. فقال: ما عشيتهم؟ فقالت:
عرضنا عليه، أو عليهم فأبوا، أو فأبى. فغضب أبو بكر، فسب وجدع (3) وحلف لا يطعمه
(4) وسيأتي عن المقدام إنه كان سبابا. عبد الرحمن بن علي (ابن الجوزي الحنبلي) (5)
يقول: قال علماء السير: وكان أبو بكر
(هامش)
(1) جمع بائقة: وهي الداهية والشر الشديد. (2) الإمامة والسياسة ج 1ص19. (3) جدع
الرجل عياله: حبس عنهم الخير. (4) صحيح البخاري ج 4
ص72
ط مصر بحاشية السندي. (5) قال اليافعي في ترجمته: الإمام العلامة، الحافظ، أبو
الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي البغدادي التيمي البكري، كان علامة
عصره، وإمام وقته في أنواع العلوم من التفسير والحديث والفقه والوعظ، والسير،
والتواريخ والطب وغير ذلك... (مرآة الجنان) ج 3ص489. (*)
ص271
يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منائح دارنا(1)
فسمعها فقال: بلى لأحلبنها لكم، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت
فيه. فكان يحلب لهم (2).
عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي صاحب (الدر المنثور في التفسير بالمأثور)
يقول

(3) (4) أ - إن أعرابيا أتى أبا بكر فقال: قتلت
صيدا وأنا محرم، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر لأبي بن كعب وهو جالس عنده:
ما ترى فيها؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
أسئلك فإذا أنت تسأل غيرك؟ قال أبو بكر: فما تنكر، يقول الله (يحكم به ذوا عدل
منكم) فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به (5). الرضوي : السائل والمسئول
كلاهما في الجهل بالحكم الشرعي سواء، وجهل أبي بكر به أقبح من جهل الأعرابي، فما هي
ميزته عليه لست أدري. ولو لم يكن أبي بن كعب عند أبي بكر حاضرا آنذاك فلست أدري
أكان يفتي الرجل برأيه، أم كان يرجأه إلى أن يسئل الناس ثم يخبره، كما اتفق له ذلك
من قبل. ب - وقد سئل عن قوله تعالى (وفاكهة وأبا) (6) فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض
(هامش)
(1) المنيحة: منحة اللبن، كالناقة أو الشاة تعطيها غيرك يحتلبها، ثم يردها إليك، ج
منائح وامنحت الناقة: دنا نتاجها فهي ممنح (أقرب الموارد). (2) صفوة الصفوة ج
1ص258. (3) تقدمت ترجمتهص10. (4) طبع في مصر عام 1314. (5) الدر المنثور ج 2ص329.
(6) سورة عبس آية 31. (*)
ص272
تقلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم. وفي رواية أخرى: إذا قلت في كتاب الله ما لم
يرد الله(1). ج - وأخرج البيهقي وغيره أن أبا بكر سئل عن معنى الكلالة في القرآن
(2). فقال: سأقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن
الشيطان(1). الرضوي : القول بالرأي في كتاب الله وفي سائر أحكام الدين والشريعة حرام
في الإسلام، قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسئولا) (3). روى أحمد مسندا عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار (4). الرضوي :
كيف كان يجرأ أبو بكر على القول في القرآن بالرأي مع الزجر البليغ عنه كتابا وسنة؟
لست أدري. وكيف أقر المسلمون خلافته وهم يرونه يفتي في كتاب الله برأيه جهلا منه
بتفسيره لست أدري. عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي (5) شارح (نهج البلاغة) يقول:
هكذا كانت بيعة أبي بكر - فلتة - لأن الأمر لم يكن فيها شورى بين المسلمين، وإنما
وقعت بغتة، لم
(هامش)
(1) تاريخ الخلفاء
ص76
ط الهند و88 ط بيروت. (2) ورد ذكر الكلالة في كتاب الله في سورة النساء في آية 12
وآية 176 وتقدم في
ص100
معناها. (3) سورة الإسراء آية 36. (4) السراج المنير ج 1ص3. (5) قال القوطي في
ترجمته: كان من أعيان العلماء الأفاضل، والأكابر الصدور والأماثل، حكيما فاضلا،
كاتبا كاملا، عارفا بأصول الكلام، يذهب مذهب المعتزلة (معجم الآداب في معجم
الألقاب) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4
ص575
ط مصر عام 329. وقال الدكتور حامد حفني داود الحنفي المصري المعاصر في كلمة له حول
(نهج البلاغة): إن ابن أبي الحديد... هو عالم معتزلي فكرا، حنفي فقها.. وفي ملحقات
وفيات الأعيان ج 7
ص342
ذكر في ترجمته إنه اشتغل بفقه الإمام الشافعي. (*)
ص273
تمحض فيها الآراء، ولم يتناظر فيها الرجال، وكانت كالشئ المستلب، المنتهب(1).
الرضوي: ما أعمى قلوب قوم ضلوا عن الحق، تراهم يعترفون بأن بيعة إمامهم أبي بكر
كانت فلتة، وأن الرسول (ص) لم ينص عليه فيها ولم يختاره المسلمون كافة للخلافة، ومع
ذلك يسمونه خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرون طاعته مفترضة على
المسلمين. حقا ما قال الله تعالى، وكل كلامه حق (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى
القلوب التي في الصدور) (2).
الأستاذ عبد الكريم الخطيب صاحب كتاب (علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم
الخلافة)يقول

(3) أ - إن جماعة من الصحابة دخلوا على أبي بكر
حين عزم على استخلاف عمر، فقال له قائل منهم: ماذا أنت قائل لربك إذا سئلك عن
استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: اجلسوني، أبالله تخوفونني؟...
(4). ب - لقد اختار أبو بكر عمر من بعده والعهد بالنبوة قريب، فلما سلم الناس له
بهذا من أول الأمر، بل راجعوه وعتبوا عليه... (5). الرضوي : فلم يكترث أبو بكر بسخط
الناس وعتابهم عليه، ولم يصرفه ذلك عن عزمه وإرادته في استخلافه عمر بلغ الأمر ما
بلغ، ما دام الحكم بيده، وبالفعل فقد لاقى الناس من عمر أيام حكومته من الشدة والذل
والصغار ما كانوا يتوقعونه منه من قبل. وقد ذكرنا نماذج من ذلك في كتابنا (قالوا في
أئمتنا وقالوا في أئمتهم) في الجزء الثاني منه.
(هامش)
(1) شرح نهج البلاغة ج 1ص127. (2) سورة الحج آية 46. (3) طبع هذا الكتاب في مصر عام
1386 مطبعة السنة المحمدية. (4) عمر بن الخطابص74. طبع مصر عام 1961 دار الجيل
للطباعة. (5) علي بن أبي طالب بقية النبوةص159. (*)
ص274
الدكتور عبد اللطيف الطيباوي يقول: طلب من المسلمين أن يعينوا له راتبا، فعينوا له
الفين، فقال بعد مدة: زيدوني فإن لي عيالا، وقد شغلتموني عن التجارة. فزادوه
خمسمأة(1). الرضوي : سيأتي أن ميمونا روى ذلك أيضا عنه، غير أنه لم يذكر أنه طلب
منهم الزيادة بعد مدة، بل إنه طلبها منهم بالفعل، ولعل الدكتور الطيباوي أدرك ما في
طلبها منهم بالفعل من الدلالة على حرصه وطمعه، وعدم قناعته، فزاد كلمة (فقال بعد
مدة) من عند نفسه دفعا لتوهم ذلك حفاظا على كرامة إمامه أبي بكر. ولم نعهد لأبي بكر
تجارة كان يزاولها، غير أنه كان يحلب للحي أغنامهم. كما نقل ذلك ابن الجوزي الحنبلي
عن علماء السير، وقد تقدم نعم قال الدميري كان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بزازا
(2) ولم يأت بشاهد على ذلك، ولعله آنف من عمله ذلك الذي ذكره علماء السير عنه ونقله
ابن الجوزي عنهم فقال ذلك. عثمان (أبو قحافة) والد أبي بكر يقول له: يا عتيق هؤلاء
الملأ فأحسن صحبتهم (3). عروة بن الزبير يقول: إن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه
وسلم) أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله إن يقسم لها
ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: إن رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فغضبت فاطمة، وعاشت بعد وفاة
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ستة أشهر (4). علي بن أبي الكرم (ابن الأثير) (5)
صاحب (الكامل) في التاريخ يقول:
(هامش)
(1) محاضرات في تاريخ العرب والإسلام ج 1
ص131
ط بيروت (2) حياة الحيوان ج 1ص169. (3) طبقات ابن سعد ج 3 ق 1ص133. (4) طبقات ابن
سعد ج 8
ص18
ط ليدن. (5) قال ابن خلكان في ترجمته: كان إماما في حفظ الحديث ومعرفته، وما يتعلق
به، وحافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيرا بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم
ووقايعهم، صنف التاريخ الكبير، سماه (الكامل) (وفيات الأعيان) ج 3ص348. وقال ابن
العماد الحنبلي : كان إماما نسابة مؤرخا، أديبا نبيلا، محتشما. (شذرات الذهب) ج
5ص137. (*)
ص275
كان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع بالخلافة قالت جارية منهم: الآن لا يحلب لنا
منايح دارنا فسمعها، قال: بلى لعمري لأحلبنها لكم(1).
عمر بن الخطاب يقول

(2) أ -
إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقى الله شرها (3)
فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه (4). قال الشعبي لقد كان في صدر عمر ضب (5) على أبي بكر
فكيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها؟ أترى عدوا يقول في عدو يريد أن يهدم ما بنى
لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر (6). وقال أيضا: شاع واشتهر من قول عمر:
كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. وهذا طعن في
العقد، وقدح في البيعة الأصلية (7). ب - كان والله أبو بكر أعق، كان والله أحسد
قريش كلها... (2)، والهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة، لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي
منها آثما... إن الرجل ماكرني فماكرته.. ولم آمن من غائلته ولو بعد حين (8).
(هامش)
(1) الفتوحات الإسلامية ج 2ص357. (2) قال الدميري: وكان عمر (رضي الله عنه) دلالا،
يسعى بين البائع والمشتري (حياة الحيوان) ج 1ص169. (3) صحيح البخاري ج 4
ص180
ط مصر بحاشية السندي. (4) الصواعق المحرقةص34، الملل والنحل ج 1
ص24
ط بيروت عام 1402، شرح نهج البلاغة ج 1
ص124
ط مصر عام 1329، وفي مسند أحمد ج 1
ص55
ط مصر عام 313، وتاريخ الخلفاء
ص62
ط بيروت هكذا: فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وتمت ألا وإنها قد
كانت كذلك، إلا إن الله وقى شرها. (5): غيظ وحقد خفي. (6) شرح نهج البلاغة ج 1
ص124
و125 ط مصر عام 1329. (7) شرح نهج البلاغة ج 4ص457. (8) شرح نهج البلاغة ج 1ص126.
(*)
ص276
ج - أحيمق بني تيم(1) د - كنت قد زورت في نفسي مقالة (2) أقولها (في السقيفة) بين
يدي أبي بكر فلما ذهبت أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فقام فحمد الله، وأثنى عليه،
فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي إلا جاء به، أو بأحسن منه (3). ه - تألف الناس
وأرفق بهم (4) فإنهم بمنزلة الوحش (5). و- إن عليك أن تقيد خالد بمالك (6). قال عمر
لأبي بكر ذلك لما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة المسلم الشهيد، المصلي بشهادة
أبي قتادة. على ما ذكره ابن الأثير (7) والطبري. ز - والله لا أرى الذي رأى أبو بكر
(8). ح - يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله
ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله (9). عمر بن شبة النميري صاحب (تاريخ المدينة
المنورة) يقول: وسمع بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) (نص أبي بكر على عمر من
بعده) فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم
(هامش)
(1) قال عمر لولده عبد الله وهو يتذمر من أبي بكر: أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عما
كان من تقدم أحيمق بني تيم علي وظلمه لي (شرح نهج البلاغة ج 1ص124). (2) الزور
والتزوير: الكذب، وزور فلان: زين الكذب (أقرب الموارد). (3) شرح نهج البلاغة ج 1
ص123
ط مصر عام 1329. (4) حياة الحيوان ج 1
ص43
ط مصر عام 1306. (5) الفتوحات الإسلامية ج 1ص6. (6) شرح نهج البلاغة ج 1
ص60
ط مصر عام 1239. (7) الكامل ج 2ص137. (8) ساعات حرجة من حياة الرسول
ص95
ط مصر. (9) صحيح البخاري ج 4
ص196
ط مصر بحاشية السندي، تاريخ الخلفاء
ص69
طبع بيروت و62 طبع الهند والنقل من الأول. (*)
ص277
: ماذا أنت قائل لربك...؟(1). قال السيوطي (2) وابن حجر (3) وأحمد زيني دحلان (4)
قال له بعض الصحابة: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى
غلظته؟ القاسم بن محمد يقول: إن جدتين أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما، أم أم، وأم
أب، فأعطى الميراث لأم الأم (دون أم الأب) (5). فقال له عبد الرحمن بن سهل الأنصاري
- وكان ممن شهد بدرا، وهو أخو بني حارثة - يا خليفة رسول الله، أعطيت التي لو أنها
ماتت لم يرثها. فقسمه بينهما (6). الرضوي : لا سامحك الله يا ابن سهل، ترى الرجل
يورث من لا يرث في الإسلام، ويحرم من الإرث من يرث في الإسلام فيخالف بذلك كتاب
الله تعالى عالما، أو جاهلا، وبعد أن نبهته على خطأه، قسم الميراث بينهما، فأعطى من
لا نصيب له في الميراث، وبخس حق من يرث، وأنت تخاطبه بيا خليفة رسول الله؟ قبيصة بن
ذئيب (7) يقول: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها. فقال: ما لك في كتاب
الله شيئ، وما علمت لك في سنة نبي الله (عليه الصلاة والسلام) شيئا فارجعي حتى أسئل
الناس. فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
أعطاها السدس. فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام بن محمد مسلمة فقال مثل ما قال
المغيرة. فأنفذ لها
(هامش)
(1) تاريخ المدينة ج 2ص668. (2) تاريخ الخلفاء
ص68
ط الهند و77 ط بيروت. (3) الصواعق المحرقة
ص87
ط مصر عام 1375 وفيه: إذا أسألك عن تولية عمر علينا. (4) الفتوحات الإسلامية ج
2ص397. (5) ما بين القوسين في أسد الغابة ج 3
ص299
ط مصر عام 1280 المطبعة الوهبية. (6) تاريخ الخلفاء
ص80
ط الهند و92 ط بيروت عام 1389 نشر دار التراث العربي. (7) قال ابن سعد كان ثقة
مأمونا كثير الحديث (الطبقات ج 5 ق 1ص131) وقال الذهبي: الفقيه... كان من علماء هذه
الأمة، قال مكحول: ما رأيت أعلم منه (تذكرة الحفاظ ج 1ص60). (*)
ص278
أبو بكر(1). الرضوي : هذا إمامكم أبو بكر ترونه يبدي جهله وعجزه عن الجواب على سؤال
شرعي سألته عنه امرأة فيقول لها: ارجعي حتى أسئل الناس، فتعسا لقوم زهدوا في أهل
البيت النبوي، معدن الوحي والرسالة ومحل مختلف الملائكة، زهدوا في الإمام علي بن
أبي طالب (عليه السلام) ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن عمه وصهره
ومن قال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد
العلم فليأته من بابه. أنا دار الحكمة وعلي بابها. وقال له: أنت تؤدي عني، وتسمعهم
صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي، وقال: أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب.
أقضى أمتي علي بن أبي طالب. أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأصحهم دينا... علي وهو
الإمام على أمتي (2). وآثروا أبا بكر بن أبي قحافة هذا عليه واتخذوه إماما لهم، حقا
لقد ضلوا والله وأضلوا عباد الله، فسوف يلقون غيا (يوم يعض الظالم على يديه يقول يا
ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. لقد أضلني عن
الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للإنسان خذولا) (3) قتادة بن دعامة السدوسي (4)
يقول:
(هامش)
(1) تاريخ الخلفاء
ص80
ط الهند و92 ط بيروت، التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ج 2
ص259
الطبعة الثالثة عام 1381 (2) ذكرنا مصادر هذه الأحاديث وما جاء بمعناها مما رواه
السنة في صحاحهم ومسانيدهم وسائر كتبهم في إمامنا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين
(عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في كتابنا (هذه أحاديثنا أم
أحاديثكم؟). (3) سورة الفرقان آية 27 (4) قال الدومي: قتادة بن دعامة أبي الخطاب
البصري، ثقة، ثبت، ولد أكمه، أجمعوا على زهده وعلمه (الاتحافات الربانية)ص66. (*)
ص279
بلغني أن أبا بكر قال: وددت أني خضرة تأكلني الدواب(1) الرضوي : يتمنى أبو بكر أن لا
يكون خلقه الله إنسانا من بني آدم عليه السلام الذين قال الله تعالى فيهم (ولقد
كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات وفضلنا هم على كثير
ممن خلقنا تفضيلا) (2) فاعتبروا يا أولي الألباب قبيلة أسد تقول: والله لا نبايع
أبا الفصيل أبدا (3) فقالت لهم خيل طئ: اشهد ليقاتلكم حتى تكنوه أبا الفحل الأكبر
(5). الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمة. قال الشيخ محمد العربي التباني الجزائري:
والناس كنوا أبا بكر بأبي الفصيل احتقارا له (4). الرضوي : وذلك لانتماءه إلى أرذل
بيت في قريش كما روى ابن عبد البر في الإستيعاب (5) والكاندهلوي في حياة الصحابة
(6) وفي الصواعق المحرقة (7) عن أبي سفيان والد معاوية أن بيت أبي بكر أذل بيت في
قريش. وتقدم أن عمر قال فيه: أحيمق بني تيم. وقال: كان والله أبو بكر أعق، كان
والله أحسد قريش كلها، ثم طعن فيه بالظلم والمكر والتزوير وقال: كانت بيعة أبي بكر
فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه (8). ونعته ابن عباس بالشؤم والنكد،
وطعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيه بالاستبداد. وكان يحلب للحي
أغنامهم، وإنه كان إذا أراد أن يأكل ليلا أمر برد الباب، وسيأتي عن المقدام إنه كان
سبابا. فلهذه الصفات التي عرف بها امتنعت القبائل والناس من البيعة له اختيارا إلا
من أكره على ذلك.
(هامش)
(1) تاريخ الخلفاء
ص84
ط الهند و97 ط بيروت. (2) سورة الإسراء آية 70. (3) تاريخ الأمم والملوك ج 3ص229.
(4) تحذير العبقري من محاضرات الخضري ج 2ص140. (5) على هامش الإصابة ج 2ص254. (6) ج
2
ص19
وفيه (أقل) بدل (أرذل). (7)
ص60
ط مصر عام 1375. (8) شرح نهج البلاغة ج 4ص457. (*)
ص280
قبيلة طيئ تقول: لا نبايع أبا الفصيل أبدا(1) قبيلة فزارة تقول: والله لا نبايع أبا
الفصيل أبدا (2) فقالت لهم خيل طيئ: اشهد ليقاتلكم حتى تكنوه أبا الفحل الأكبر (3)
قبيلة هوازن قالت: لا نبايع ذا الخلال - تعني أبا بكر (3) قال ابن أبي الحديد
المعتزلي: كان له كساء فدكي يخله عليه إذا ركب، ويلبسه إذا نزل، وهو الذي عيرته به
هوازن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (4) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (4) لم
يبايع على، ولا أحد من بني هاشم أبا بكر ستة أشهر (5). الرضوي وذلك: إعلانا منهم
سخطهم عليه لتآمره على أهل البيت عليهم السلام، وغصبه حق الإمام ابن عم الرسول
ووصيه من الخلافة، قال عليه السلام وهو يصف حاله آنذاك: فصبرت وفي العين قذى، وفي
الحلق شجا، أرى تراثي نهبا... (6) وإلى الله المشتكى. محمد بن سيرين (7) يقول: إن
أبا بكر نزلت فيه قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلا، ولا في السنة أثرا، فقال:
اجتهد رأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ
(هامش)
(1) تاريخ الأمم والملوك ج 3
ص228
(2) تاريخ الأمم والملوك ج 3ص229. (3) شرح نهج البلاغة ج 2
ص17
ط مصر عام 1329. (4) قال اليافعي في ترجمته: أحد الفقهاء والمحدثين والأعلام
التابعين. حفظ علم الفقهاء السبعة ورأى عشرة من الصحابة... قال ابن المديني: له نحو
ألفي حديث... وقال عمر بن عبد العزيز: لم يبق أعلم بسنة ماضية من الزهري وكذا قال
مكحول (مرآة الجنان) ج 1ص260. (5) تاريخ الأمم والملوك ج 3ص202. (6) راجع خطبته
(عليه السلام) الشقشقية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج 1
ص50
لتقف على مدى توجعه وتألمه وتظلمه من أبي بكر وممن تلياه. (7) قال الدومي في
ترجمته: من كبار التابعين، وهو بصري ثقة، ثبت، عابد كبير القدر (الإتحافات
الربانية)ص147. (*)
ص281
فمني وأستغفر الله(1) الرضوي : أترى عذرك هذا يبرر لك موقفك أمام الله تعالى يوم
القيامة في إفتاءك برأيك في دين الله يا أبا بكر؟ ألم تقرأ قوله تعالى (ولا تقف ما
ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) (2) محمد بن جرير
الطبري (3) صاحب (تاريخ الأمم والملوك) يقول: فقالت الأنصار، أو بعض الأنصار لا
نبايع إلا عليا (4). الرضوي : وكان سبب امتناعهم من البيعة لأبي بكر سماعهم المتكرر
من الرسول (صلى الله عليه وسلم) نصوصه المتكررة على الإمام (عليه السلام) في
الخلافة والإمامة والولاية من بعده، في غدير خم، وقبله وبعده، هذه جهة، والأخرى هي
نظرتهم إلى شخصه بالذات وبيته ومقامه في المجتمع. وليس شيء من ذلك يؤهله لمقام
الخلافة. الشيخ محمد عبده يقول في (شرح نهج البلاغة): وقد كان بين بني هاشم مواجد،
لمكان الخلافة في أبي بكر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري (5) صاحب (تحذير
العبقري من محاضرات
(هامش)
(1) تاريخ الخلفاء
ص84
طبع الهند و98 ط بيروت، طبقات ابن سعد ج 3 ق 1
ص126
ط ليدن. (2) سورة الإسراء آية 36. (3) قال ابن العماد الحنبلي في ترجمته: قال إمام
الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير... وقال الخطيب. كانت
الأئمة تحكم بقوله، وترجع إلى رأيه. لمعرفته وفضله. جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه
أحد من أهل عصره، مات سنة 310. (شذرات الذهب) ج 2ص260. (4) تاريخ الأمم والملوك ج 3
ص198
(5) قال الشيخ سيد إسحاق عزوز عضو مجلس الشورى، ومدير مدرسة الفلاح بمكة المكرمة:
شيخنا العلامة الشيخ محمد العربي التباني الجزائري ثم المكي، جمع الله له طرافة
الحديث، وغزارة العلم، وسعة المعارف، والجمع بين الرواية والفهم، أصولي، مفسر، محدث
له قدم أعلى في التاريخ العربي والإسلامي، قد شغل أوقاته منذ نشأته بمذاكرة العلم.
وتدريسه، والتأليف فيه، وتصانيفه ممتعة، وقد جرد نفسه في تآليفه للدفاع عن الدين
ورجاله (تحذير العبقري) ج 1ص95. (*)
ص282
الخضري) يقول: والناس كنوا أبا بكر بأبي الفصيل احتقارا له(1) والفصيل: ولد الناقة
إذا فصل عن أمه. والقارئ النبيل إذا ما سبر ما في هذا الكتاب من أقوال قالوها في
أبي بكر يدرك جيدا سبب احتقارهم إياه.
الأستاذ عباس محمود العقاد يقول

أ - روي أن
الصديق (رضي الله عنه) قام على المنبر يخطب الناس، فما هو إلا أن حمد الله وأخذ في
خطبته حتى سمع وسمع الحاضرون معه صوتا نحيلا يهتف به: ليس هذا منبر أبيك، انزل عن
منبر أبي... والتفتوا وإذا بالصائح هو الحسن بن علي... فأجابه أبو بكر: صدقت
والله... ما كان لأبي منبر، وإنه لمنبر أبيك. ب - عمر الحاد، الشديد يحاذر من بوادر
أبي بكر... (2). ج - فلما قضى عليه السلام أرسلت فاطمة إلى أبي بكر تسأله ميراثها
فيها (فدك) وفيما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) كان يقول: إننا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة... ويقال إن الزهراء
احتجت عليه بقوله تعالى عن نبي من أنبياءه - زكريا - (يرثني ويرث من آل يعقوب) (3).
وقوله تعالى (وورث سليمان داوود) (4) (5). الرضوي : هاتان الآيتان صريحتان في أن
الأنبياء يورثون وكفى بهما من حجة عليه،
(هامش)
(1) تحذير العبقري. طبع في بيروت عام 1404 ج 2ص140. (2) عبقرية عمر
ص15
طبع مصر عام 1339 دار المعارف. (3) سورة مريم آية 6. (4) سورة النمل آية 16. (5)
فاطمة الزهراء والفاطميون
ص327
ط بيروت عام 1974 دار الكتاب اللبناني. (*)
ص283
فما نسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان تقولا منه عليه، فهل من
مدكر؟ د - إن فاطمة والعباس رضي الله عنهما طلبا ميراثهما في أرض فدك، وسهم خيبر،
فذكر لهما الصديق حديث النبي عن إرث الأنبياء، ونصه في روايته (نحن معاشر الأنبياء
لا نورث ما تركناه فهو صدقة...) فغضبت فاطمة، ولم تكلمه حتى ماتت، ودفنها علي ليلا،
ولم يؤذن بها أبا بكر...(1). الشيخ مؤمن الشبلنجي صاحب (نور الأبصار في مناقب آل
بيت البني المختار) يقول: كان أبو بكر يأخذ بطرف لسانه ويقول: هذا الذي أوردني
الموارد (2) معاذ بن جبل (3) يقول: دخل أبو بكر حائطا (4) وإذا بدبسي (5) في ظل
شجرة، فتنفس الصعداء (6) ثم قال: طوبى لك يا طير، تأكل من الشجر، وتستظل بالشجر،
وتصير إلى غير حساب، يا ليت أبا بكر مثلك (7) قال الله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم،
وحملناهم في البر والبحر، ورزقنا هم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا
تفضيلا) (8) وورد في الحديث الشريف ما مضمونه، إن الله تعالى منح الملائكة العقل
دون الشهوة، والحيوان الشهوة دون العقل، والإنسان كليهما، فمن غلب عقله شهوته كان
أفضل من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله كان دون الحيوانات، فقد كرم الله تعالى
الإنسان فجعله محل لطفه وعنايته أكثر من سائر مخلوقاته وأبو بكر يتمنى أن يكون خلقه
الله حيوانا، فهل من مدكر؟
(هامش)
(1) عبقرية الإمام علي
ص129
ط بيروت عام 1967 دار الكتاب اللبناني. (2) نور الأبصار
ص51
طبع مصر عام 1312 المطبعة الميمنية. (3) روى ابن سعد أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية
فقال: من كان يريد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل (طبقات ابن سعد ج 2 ق
2ص108). (4): بستانا. (5) الدبسي طائر ادكن يقرقر. (6) الصعداء: نوع من التنفس
يصعده المتلهف الحزين (7) تاريخ الخلفاء
ص84
ط الهند و97 ط بيروت (8) سورة الإسراء آية 70 (*)
ص284
المقدام يقول: كان أبو بكر سبابا(1) الرضوي : ولعل لهذه الصفة وغيرها من الصفات التي
فيه امتنع سعد بن عبادة من البيعة له أشد امتناع، وتابعه الأنصار، وقالوا لا نبايع
إلا عليا، وقد مر عليك قولهم، وكذلك امتنعت قبائل من العرب من البيعة له، مرت عليك
أسماؤها، وكذلك غير هؤلاء من الناس، فإن صاحب هذا الخلق الذميم غير مرغوب فيه لدى
العقلاء وذوي الدين والأخلاق الفاضلة. الشيخ منصور علي ناصف صاحب (التاج الجامع مع
للأصول من أحاديث الرسول) يقول: الجدة أم الأب جاءت لأبي بكر تسأله حقها من إرث ولد
ولدها، فسئل، فعلم بأن حقها السدس، فأعطاها (2) الرضوي : قوله: فسئل، صريح في جهله
بالحكم الشرعي في هذه المسألة، ولو كان عالما به لما سئل غيره عنه، وأبو بكر لا
يعلم أن الرجل الذي استفتاه أصاب في جوابه أم أخطأ فقد أجاب الرجل بما سمعه ممن سئل
منه، حقا كان أم باطلا. ظنا منه بصدقه وإنه بهذا الجواب تبرأ ذمته. نعمان بن ثابت
(أبو حنيفة) (3) أحد أئمة المذاهب السنية الأربعة، وإمامهم الأعظم. يقول: إيمان أبي
بكر الصديق، وإيمان إبليس واحد (4) الرضوي : قرن أبو حنيفة إمامكم الأعظم إيمان أبي
بكر أفضل خلفاءكم بإيمان إبليس
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة
ص70
ط مصر عام 1375 (2) التاج ج 2
ص260
(3) قال ابن خلكان في ترجمته: كان عالما عاملا، زاهدا عابدا، ورعا تقيا. كثير
الخشوع، دائم التضرع إلى الله تعالى... (وفيات الأعيان) ج 5
ص406
وقال أسد بن عمرو: صلى أبو حنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء
أربعين سنة، وكان عامة ليله يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة، وكان يسمع في الليل
حتى يرحمه جيرانه، وحفظ أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة...
(وفيات الأعيان) ج 5
ص413
مات سنة 150. (4) تاريخ بغداد ج 13
ص373
ط مصر عام 1349. (*)
ص285
اللعين شر خلق الله، لماذا؟ لست أدري، وهل كان على علم من قوله تعالى (فبئس
القرين)(1) لما قرن إيمانه به لست أدري. والد ميمون (أبو عمرو) يقول: لما استخلف
أبو بكر جعلوا له الفين فقال: زيدوني فإن لي عيالا، وقد شغلتموني عن التجارة،
فزادوه خمسمأة (2). هذا ما رواه ميمون عن أبيه في تعيين راتب أبي بكر، وأما ما قاله
أحمد زيني دحلان في ذلك، قال: إن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب تذاكرا، فعين له
(أي لأبي بكر) ألف وخمسمأة درهم. فذكر ابن دحلان أن أبا بكر قال بعد ذلك: إنما
أنتما رجلان من المهاجرين، لا أدري أرضي بذلك بقية المهاجرين أم لا. قال: فانطلق
أبو بكر فصعد المنبر، فاجتمع الناس فخطبهم، وذكر لهم ذلك، فقال الناس: رضينا (3)
الرضوي: ولما استقللت يا أبا بكر الألفين على ما في رواية والد ميمون وطمعت في
الزيادة عليها بحجة أن لك عيالا، فعطفوا عليك، وزادوك خمسمأة. فلم يذكر والد ميمون
إنك ذهبت وصعدت المنبر، وأخبرت الناس بهذه الزيادة لتعلم رضاهم بها وعدمه لماذا؟
لست أدري. وزعمت أنك شغلت عن التجارة بعدما استخلفت، وهذا ابن الجوزي الحنبلي يروي
عن علماء السير قولهم: كان أبو بكر يحلب للحي أغنامهم (4) أتراهم جهلوا تجارتك التي
كنت تزاولها، وأرادوا الحط من مقامك في المجتمع فقالوا: كان يحلب للحي أغنامهم. لست
أدري. هارون الرشيد العباسي يقول: كيف استخلف الناس أبا بكر؟
(هامش)
(1) سورة الزخرف آية 38. (2) الصواعق المحرقة
ص85
ط مصر عام 1375، تاريخ الخلفاء
ص65
ط الهند، و73 ط بيروت، طبقات ابن سعد ج 3 ق 1
ص131
ط ليدن. (3) الفتوحات الإسلامية ج 2ص355. (4) صفوة الصفوة ج 1ص258. (*)
ص286
وجه هارون هذا السؤال الملفت للأنظار إلى أبي بكر بن عياش فأجابه أبو بكر: يا أمير
المؤمنين، سكت الله، وسكت رسوله، وسكت المؤمنون. قال: والله ما زدتني الاعماء(1)
الرضوي: ونحن نستغرب من رجال السياسة مثل هذا السؤال من ابن عياش وأضرابه. هذا ما
تيسر لي ذكره هنا مما قيل في أبي بكر بن أبي قحافة، أفضل الناس بعد رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) حسب عقيدة أولياءه السنة أصحاب المذاهب الأربعة، الحائدين عن
أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعد وفاته، والعادلين عنهم إليه.
ونحن نؤكد على رواد الحقائق إمعان نظرهم فيما ذكرناه في هذا الكتاب ليكونوا على
بصيرة في دينهم، ولئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. (فمن يرد الله أن
يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في
السماء، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) (2). آخر حديثي مع أولياء أبي
بكر كلما ذكرته في هذا الكتاب مما قيل في إمامنا وإمامكم إنما اعتمدت فيه على
كتبكم، وأحاديثكم، وأقوال علماءكم ورجالكم خاصة، فإذا كنتم قرأتموه بتدبر وإمعان،
وكنتم في نشدان الحق في استماع القول واتباع أحسنه، ظهر لكم الحق جليا، ولم يبق
عندكم أي ترديد في استحقاق أحدهما الخلافة والقيام مقام رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) من بعده، وعدم استحقاق الآخر لها. فتمسكوا بما دلكم العقل عليه، ودعاكم
إليه، فاهتدوا بهديه، وسيروا بدربه (فإن
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة
ص22
ط مصر عام 1375. (2) سورة الأنعام آية 125. (*)
ص287
الحق أحق أن يتبع) قال الله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون(1)) وقال
تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله
فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها (2)) هداكم الله إلى الصراط المستقيم،
وثبتنا وإياكم عليه، إنه ولي التوفيق. محمد الرضي الرضوي مؤلف كتاب (لماذا نحن
شيعة؟)
(هامش)
(1) سورة يونس آية 32. (2) سورة البقرة آية 256. (*)
|