امر عليّ بطلب المخدج "ذي الثدية" بين قتلى النهروان

بعد أن أتى عليّ عليه السلام على الخوارج، وهم أربعة آلاف، فيهم المخدج "ذوالثدية" إلا عشرة نفر منهم، فقال ابن مسعود: أمر عليّ عليه السلام بطلب المخدج فطلبوه، فلم يقدروا عليه، فقام عليّ عليه السلام وعليه أثر الحزن لفقد المخدج، فانتهى إلى قتلى بعضهم فوق بعض، فقال: 'افرجوا' ففرّجوا يميناً وشمالاً واستخرجوه، فقال عليّ عليه السلام: 'اللَّه أكبر، ما كَذِبْتُ على محمّد صلى الله عليه و آله، وإنّه لناقص اليد ليس فيها عظم، طرفها حلمة مثل ثدي المرأة عليها خمس شعرات أوسبع، رؤوسها معقّفة'، ثمّ قال: 'ائتوني به'، فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة عليه شعرات سود، إذا مدّت اللحمة امتدّت حتّى تحاذي بطن يده الاُخرى، ثمّ تُترك فتعود إلى منكبه، فثنى رجله ونزل وخرّ للَّه ساجداً. [مروج الذهب 417:2].

ما قاله بعض رؤوس الخوارج لعليّ

روى الطبري عن أبي مخنف، عن أبي المغفل، عن عون بن أبي جحيفة، قال: إنّ عليّاً عليه السلام لمّا أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي، فدخلا عليه فقالا له: لا حكم إلا للَّه، فقال عليّ عليه السلام: 'لا حكم إلا للَّه'، فقال له حرقوص: تب من خطيئتك، وارجع عن قضيّتك، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتّى نلقى ربّنا؟

فقال لهم عليّ عليه السلام: 'قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، وقدكتبنا بيننا وبينهم كتاباً وشرطنا شروطاً، وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا، وقد قال اللَّه عز وّجل: 'وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ'

[سورة النحل: 91].

فقال له حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه! فقال عليّ عليه السلام: 'ما هو ذنب، ولكنّه عجزٌ عن الرأي وضعف في الفعل، وقد تقدّمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه'، فقال له زرعة: أما واللَّه - يا عليّ - لئن تدع تحكيم الرجال في كتاب اللَّه قاتلتك، أطلب بذلك وجه اللَّه ورضوانه؟! فقال عليّ عليه السلام: 'بؤساً لك ما أشقاك! كأنّي بك قتيلاً تُسفي عليك الريح'، قال: وودت أن قد كان ذلك، فقال عليّ عليه السلام: 'لو كنت محقّاً كان في الموت على الحقّ تعزية عن الدنيا، إنّ الشيطان قد استهواكم، فاتّقوا اللَّه إنّه لا خير لكم في دنيا تقاتلون عليها'، فخرجا من عنده يحكّمان. [تاريخ الطبري 52:4].

وروى ابن الأثير في الكامل نحوه، فراجعه. [الكامل في التاريخ 398:2].

سبب نشأة الخوارج

لمّا تقرّر التحكيم غادر الإمام صفّين وقصد نحو الكوفة، وبقي في الكوفة، وكان من إفرازات التحكيم نشوء فرقة الخوارج، فبينما الإمام عليه السلام ينتظر انقضاء السنة، أي مدّة الهدنة الّتي بينه وبين معاوية ليرجع إلى المقاتلة والحرب، انعزلت عنه الخوارج.

قال هشام بن محمّد: ولمّا دخل عليّ عليه السلام الكوفة انعزلت عنه الخوارج، وكانوا اثني عشر ألفاً، وأتوا حروراء [حروراء قرية بالعراق بأرض النهروان] فنزلوا بها، نسب إليها الحروريّة، ونادى مناديهم: أنّ أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبداللَّه بن الكوّاء اليشكري

[وفي شرح الخوئي "126:4" زيادة: 'والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة للَّه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر'] ونادوا: لا حكم إلا للَّه، فقال عليّ عليه السلام: 'كلمةُ حقٍّ يُرادُ بها باطل'.

[تذكرةالخواصّ: 95، ومروج الذهب 405:2].

قال المبرد: وبعث الإمام عليه السلام صعصعة بن صوحان العبدي مع زياد بن نصر الحارثي وعبداللَّه بن العبّاس إلى القوم، فلم يرتدعوا.

[شرح نهج البلاغة للخوئي 126:4].

مناظرة ابن عبّاس أهل النهروان

عن هشام بن محمّد، قال: عبداللَّه بن عبّاس لعليّ عليه السلام: لا تعجل إلى قتالهم حتّى أخرج إليهم وأعود، فمضى إليهم فقالوا: ما الّذي جاء بك يابن عبّاس؟ قال: جئتكم من عند المهاجرين والأنصار وابن عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وصهره، والقرآن عليهم نزل، وهم أعلم منكم بتأويله، فما الّذي نقمتم علينا؟ قالوا: ثلاث خصال: أحدها: أنّكم حكّمتم الرجال في دين اللَّه، وقد قال اللَّه: 'إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للَّهِِ'.

[سورة الأنعام: 57، وسورة يوسف: 40 و 67].

والثانية: أنّه قاتل ولم يسلب ولم يغنم، فما الّذي أباح دماءهم وحرّم أموالهم؟! والثالثة: أنّه محا اسمه من إمرة المؤمنين، وإذا لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

فقال ابن عبّاس: أنا أنقض قولكم من القرآن، أمّا قولكم: 'إنّه حكّم في دين اللَّه'، ألستم تعلمون أنّ اللَّه حكّم الرجال في قيمة أرنب ثمنه ربع درهم، فقال: 'يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ'

[سورة المائدة: 95].

وقال في المرأة وزوجها: 'فَابْعَثُوا حَكَماً مِن أَهْلِهِ وَحَكَماً مِن أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا'

[سورة النساء: 35].

فأيّهما أفضل تحكيم الرجال في إصلاح ذات البين وحقن دماء الاُمة، أو تحكيم الرجال في أرنب قيمته ربع درهم وبضع امرأة؟! قالوا: لا، بل هذا.

وأمّا قولكم: 'لم يسلب ولم يغنم'، فإن قلت: إنّ عائشة ليست باُمّكم خرجتم من الإسلام، وإن قلتم هي اُمّنا فكيف تسلبون اُمّكم؟ وكذا الجواب في أهل صفّين، فإنّما قوتلوا ليرجعوا إلى الحقّ، لا لتحلّ أموالهم؟ قالوا: صدقت.

وأمّا قولكم: 'محا نفسه من إمرة المؤمنين'، فقد فعل هذا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في غزاة الحديبية، فهل خرج بذلك من النبوّة؟! قالوا: صدقت.

فرجع منهم ألفان، وخرج الباقون فقتلوا بالنهر. [تذكرة الخواصّ: 95].

مناظرة عليّ مع الخوارج

ولمّا خرج عليّ عليه السلام - بعد مناظرة ابن عبّاس إيّاهم - وقف بإزائهم وقال: 'مَن زعيمكم؟'، قالوا: ابن الكوّاء، فقال عليّ: 'فما الّذي أخرجكم علينا؟'، قالوا: حكومتكم يوم صفّين، فقال لهم: 'ناشدتكم اللَّه، أما قلت لكم يوم رفعوا المصاحف: لا تخالفوني فيهم؟ قلتم: نجيبهم إلى كتاب اللَّه، فقلت: إنّما رفعوها مكيدة وخديعة؟ فقلتم: إن لم تجب إلى كتاب اللَّه قتلناك أو سلّمناك إليهم، فلمّا أبيتم إلا الكتاب، اشترطت على الحكمين أن يحكما بكتاب اللَّه، فإن حكما بغير حكم اللَّه والقرآن فنحن بُراء منهم؟'، فقالوا: فكيف حكّمت الرجال؟ فقال: 'واللَّه! ما حكّمت مخلوقاً، وإنّما حكّمت القرآن؛ لأنّ القرآن هو خطُّ بين الدفّتين لا ينطق، وإنّما ينطق به الرجال'، فقالوا: صدقت وكفرنا لما فعلنا ذلك، وقد تبنا منه إلى اللَّه، فتب كما تبنا نبايعك وإلا قاتلناك؟!

[المصدر السابق: 96].

عن أبي العبّاس، قال: وسبب تسميتهم الحروريّة، أنّ عليّاً عليه السلام لمّا ناظرهم بعد مناظرة ابن عبّاس إيّاهم، كان فيما قال لهم: 'ألاتعلمون أنّ هؤلاء القوم لمّا رفعوا المصاحف قلت لكم: إنّ هذه مكيدة ووهن، وأنّهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني وسألوني التحكيم! أفتعلمون أنّ أحداً كان أكره للتحكيم منّي؟'، قالوا: صدقت، قال: 'فهل تعلمون أنّكم استكرهتموني على ذلك حتّى أجبتكم إليه، فاشترطت أنّ حكمهما نافذ ما حكما بحكم اللَّه، فمتى خالفاه، فأنا وأنتم من ذلك بُراء، وأنتم تعلمون أنّ حكم اللَّه لا يعدوني'. قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: وكان معهم في ذلك الوقت ابن الكوّاء، قال: 'وهذا من قبل أن يذبحوا عبداللَّه بن خباب'، وإنّما ذبحوه في الفرقة الثانية بكسكر.

[كسكر: كورة بين الكوفة والبصرة].

فقالوا له: حكّمت في دين اللَّه برأينا، ونحن مقرّون بأنّا كنّا كفرنا، ولكنّا تائبون، فأقرّ بمثل ما أقررنا به وتب، ننهض معك إلى الشام، فقال: 'أما تعلمون أنّ اللَّه تعالى قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وامرأته، فقال سبحانه: 'فَابْعَثُوا حَكَماً مِن أَهْلِهِ وَحَكَماً مِن أَهْلِهَا'

[سورة النساء: 35].

وفي صيد اُصيب كأرنب يساوي نصف درهم، فقال: 'يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ'

[سورة المائدة: 95].

فقالوا له: فإنّ عَمراً لمّا أبى عليك أن تقول في كتابك: "هذا ما كتبه عبداللَّه عليّ أمير المؤمنين" محوتَ اسمك من الخلافة، وكتبتَ: "عليّ بن أبي طالب"، فقد خلعت نفسك، فقال: 'لي في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله اُسوة حين أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب: هذا كتاب كتبه محمّد رسول اللَّه وسهيل بن عمرو'، وقال له: لو أقررتُ بأنّك رسول اللَّه ما خالفتك، ولكنّي اُقدمّك لفضلك، فاكتب: "محمّد بن عبداللَّه"، فقال لي: يا عليّ، امحُ "رسول اللَّه"، فقلت: يا رسول اللَّه، لا تشجّعني نفسي على محو اسمك من النبوّة'، قال: 'فقضى عليه فمحاه بيده، ثمّ قال: 'اكتب: "محمّد بن عبداللَّه"'، ثمّ تبسّم إليَّ، وقال: 'يا عليّ، أما أنّك ستسام مثلها فتعطى'.

فرجع معه منهم ألفان من حروراء، وقد كانوا تجمّعوا بها، فقال لهم عليّ عليه السلام: 'ما نسمّيكم؟'، ثمّ قال: 'أنتم الحرورية؛ لاجتماعكم بحروراء'.

[شرح ابن أبي الحديد 274:2].

ظلم الخوارج و قتل عبداللَّه بن خبّاب

روى ابن أبي الحديد عن أبي العبّاس، قال: ثمّ مضى القوم إلى النهروان وقد كانوا أرادوا المضيّ إلى المدائن، فمن طريق أخبارهم أنّهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانيّاً، فقتلوا المسلم؛ لأنّه عندهم كافر؛ إذ كان على خلاف معتقدهم، واستوصوا بالنصراني وقالوا احفظوا ذمّة نبيّكم.

[منهاج البراعة 127:4، وابن أبي الحديد 280:2].

وفيه أيضاً عن أبي العبّاس، قال: ولقيهم عبداللَّه بن خبّاب صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل، فقالوا له: إنّ هذا الّذي في عنقك ليأمرنا بقتلك، فقال لهم: ما أحياه القرآن فأحيوه، وما أماته فأميتوه؟ فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورّعاً، وعرض لرجل منهم خنزير فضبه وقتله، فقالوا: هذا فساد في الأرض وأنكروا قتل الخنزير.

ثمّ قالوا لابن خبّاب: حدّثنا عن أبيك، فقال: إنّي سمعت أبي يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'ستكون بعدي فتنة، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، فكن عبدَ اللَّه المقتول ولا تكون القاتل'.

قالوا: فماذا تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيراً، قالوا: فما تقول في عليّ قبل التحكيم وفي عثمان في السنين الستّ الأخيرة؟ فأثنى خيراً، قالوا: فما تقول في عليّ عليه السلام بعد التحكيم والحكومة؟ قال: إنّ عليّاً عليه السلام أعلم باللَّه، وأشدّ توقِّياً على دينه، وأنفذ بصيرة.

فقالوا: إنّك لست تتّبع الهدى، إنّما تتّبع الرجال على أسمائهم، ثمّ قرّبوه إلى شاطئ النهر فأضجعوه فذبحوه.

وقال أبوالعبّاس: وساوموا رجلاً نصرانيّاً بنخلة له، فقال: هي لكم، فقالوا: ما كنّا لنأخذها إلا بثمن، فقال النصراني: واعجباه، أتقتلون مثل عبداللَّه بن خبّاب ولا تقبلون جنا نخلة إلا ثمن!!

[شرح ابن أبي الحديد 282:2، وشرح الخوئي 128:4].

قال أبو عبيدة: واستنطقهم عليّ عليه السلام بقتل ابن خبّاب، فأقرّوا به، فقال: 'انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة'، فكتّبوا كتائب وأقرّت كلّ كتيبة بمثل ما أقرّت به الاُخرى من قتل ابن خبّاب، وقالوا: لنقتلنّك كما قتلناه!!

فقال: 'واللَّه لو أقرّ أهلُ الدنيا كلّهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم'، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال لهم: 'شدُّوا عليهم، فأنا أوّل من يشدّ عليهم'، فحمل الّذي بذي الفقار حملةً منكرة ثلاث مرّات كلّ حملة يضرب به حتّى يعوجّ متنه ثمّ يخرج فيسوّيه بركبتيه، ثمّ يحمل به حتّى أفناهم.

[شرح ابن أبي الحديد 282:2، وشرح الخوئي 128:4].

وروى قيس بن سعد بن عبادة: أنّ عليّاً عليه السلام لمّا انتهى إليهم قال لهم: 'أقيدونا بدم عبداللَّه بن خبّاب'، فقالوا: كلّنا قتله، فقال: 'احملوا عليهم'.

[شرح الخوئي 128:4].

رواية اُخرى في قصّة عبداللَّه بن خبّاب

روى الطبري عن أبي مخنف، عن عطاء بن عجلان، عن حميد بن هلال، قال: إنّ الخارجة الّتي أقبلت من البصرة جاءت حتّى دنت من أخوانها بالنهر، فخرجت عصابة منهم فإذا هم برجل يسوق بامرأة على حمار، فعبروا إليه فدعوه فتهدّدوه وأفزعوه، وقالوا له: مَن أنت؟ قال: أنا عبداللَّه بن خبّاب صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ أهوى إلى ثوبه يتناوله من الأرض، وكان سقط عنه لمّا أفزعوه، فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم، قالوا له: لا روع عليك، فحدّثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبيّ صلى الله عليه و آله لعلّ اللَّه ينفعنا به، قال: حدّثني أبي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنّ فتنة تكون يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يمسي فيها مؤمناً ويصبح فيها كافراً، ويصبح فيها كافراً، ويمسي فيها مؤمناً'.

فقالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيراً. قالوا: ما تقول في عثمان في أوّل خلافته وفي آخرها؟ قال: إنّه كان محقّاً في أوّلها وفي آخرها، قالوا: فما تقول في عليّ قبل التحكيم وبعده؟ قال: إنّه أعلم باللَّه منكم، وأشدّ توقّياً على دينه، وأنفذ بصيرة، فقالوا: إنّك تتّبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، واللَّه! لنقتلنّك قتلة ما قتلناها أحداً، فأخذوه فكتّفوه ثمّ أقبلوا به وبامرأته - وهي حُبلى - متمٌّ حتّى نزلوا تحت نخل مواقر [أي كثير الحمل] فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه، فقال أحدهم: بغير حلّها وبغير ثمن؟ فلفَظها وألقاها من فمه، ثمّ أخذ سيفه فأخذ يمينه فمرّ به خنزير لأهل الذمّة فضربه بسيفه، فقالوا: هذا فساد في الأرض، فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره، فلمّا رأى ذلك منهم ابن خبّاب، قال: لئن كنتم صادقين فيما رأى، فما عليَّ منكم بأس، إنّي لمسلم ما أحدثتُ في الإسلام حدثاً، ولقد آمنتموني، قلتم: لا روع عليك؟ فجاءوا به فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه إلى الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: إنّي إنّما أنا امرأة، ألا تتّقون اللَّه؟ فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طي، وقتلوا اُمّ سنان الصيداويّة.

فبلغ ذلك عليّاً عليه السلام ومن معه من المسلمين من قتلهم عبداللَّه بن خبّاب واعتراضهم النّاس، فبعث إليهم الحارث بن مرّة العبدي ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم، ويكتب به إليه على وجهه ولا يكتمه، فخرج حتّى انتهى إلى النهر ليسائلهم، فخرج القوم اليه فقتلوه، و أتى الخبر اميرالمؤمنين عليه السلام و الناس معه فقام إليه النّاس، فقالوا: 'يا أمير المؤمنين، عَلَام تدع هؤلاء وراءنا، يخلفوننا في أموالنا وعيالنا، سِر بنا إلى القوم فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينهم سرنا إلى عدوّنا من أهل الشام' - الحديث. [تاريخ الطبري 60:4].وروى ابن الأثير في تاريخه مثله. [الكامل في التاريخ 403:2].

ما وقع لعليّ وأصحابه في طريق النهروان

روى المؤرخين: أنّه أجمع عليّ عليه السلام على السير إلى الخوارج، وخرج فعبر الجسر وسار إليهم، فلقيه منجّم في مسيره، فأشار عليه أن يسير وقتاً من النهار، فقال له: إن أنت سرتَ في غيره لقيتَ أنت وأصحابك ضرّاً شديداً؟ فخالفه عليّ عليه السلام وسار في الوقت الّذي نهاه عنه، فلمّا فرغ من أهل النهر حمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'لو سرنا في الساعة الّتي أمر بها المنجّم، لقال الجهّال الذين لا يعلمون شيئاً: سار في الساعة الّتي أمر بها المنجّم فظفر'، وكان المنجّم مسافر بن عفيف الأزدي.

[الكامل في التاريخ 404:2].

نقل ابن ابى الحديد عن كتاب الخوارج للمدائني، قال: لمّا خرج عليّ عليه السلام إلى أهل النهروان، أقبل رجل من أصحابه ممّن كان على مقدّمته يركض حتّى انتهى إلى عليّ عليه السلام، فقال: البشرى يا أمير المؤ'نين، قال: 'ما بشراك؟'، قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك، فأبشر فقد منحك اللَّه أكتافهم

[المِنْحة: العطيّة، وأكتاف: جمع الكِتْف وَالكَتْف والكَتِف: عظم عريض خلف المنكب، ولعلّ هذا كناية عن سلطته عليه السلام على الخوارج].

فقال له: 'اللَّه أنت رأيتهم قد عبروا؟!'، قال: نعم، فأحلفه ثلاث مرّات في كلّها يقول: نعم، فقال عليّ عليه السلام: 'واللَّه! ما عبروه ولن يعبروه، وإنّ مصارعهم لدون النطفة

[أراد عليه السلام بالنطفة: ماء النهر "كما في الخطبة58 من النهج": 'مصارعهم دون النطفة'].

والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن

[الأثلاث وقصر بوازن: موضعان بالقرب من النهروان].

حتّى يقتلهم اللَّه، وقد خاب من افترى.

قال: ثمّ أقبل فارس آخر يركض: فقال كقول الأوّل، فلم يكترث عليّ عليه السلام بقوله

[اكترث بالأمر: بالى به، يقال: 'وهو لا يكترث لهذا الأمر'، أي لا يعبأ به ولا يباليه].

وجاءت الفرسان تركض كلّها تقول مثل ذلك، فقام عليّ عليه السلام فجال في متن فرسه.

قال: فيقول شاب من النّاس: واللَّه! لأكوننّ قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلنّ سِنانَ هذا الرمح في عينه، أيدّعي علم الغيب! فلمّا انتهى عليه السلام إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم

[الجَفن: جمع أجفان وجُفون وأجفن: غمد السيف].

وعرقبوا خيولهم، وجَثوا على رُكَبهم، وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل، فنزل ذلك الشاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي كنت شككت فيك آنفاً، وإنّي تائب إلى اللَّه وإليك فاغفر لي، فقال عليّ عليه السلام: 'إنّ اللَّه هو الّذي يغفر الذنوب فاستغفره'. [شرح ابن أبي الحديد 271:2].

التقاء العسكرين في الرميلة والقتال بينهما

قال المسعودي: واجتمعت الخوارج في أربعة آلاف، فبايعوا عبداللَّه بن وهب الراسبي ولحقوا بالمدائن، وقتلوا عبداللَّه بن خبّاب عامل عليّ عليه السلام عليها، ذبحوه ذبحاً، وبقروا بطن امرأته وكانت حاملاً، وقتلوا غيرها من النساء، وقد كان عليّ عليه السلام انفصل عن الكوفة في خمسة وثلاثين ألفاً، وأتاه من البصرة من قِبل ابن عبّاس - وكان عامله عليها - عشرة آلاف، وذلك في سنة ثمان وثلاثين، فنزل عليّ عليه السلام الأنبار والتأمت إليه العساكر، فخطب النّاس وحرّضهم على الجهاد... فساروا حتّى أتى النهروان، فبعث إليهم بالحارث بن مرّة العبدي رسولاً يدعوهم إلى الرجوع فقتلوه، وبعثوا إلى عليّ عليه السلام: إن تبت من حكومتك وشهدت على نفسك "بالكفر" بايعناك، وإن أبيت فاعتزلنا حتّى نختار لأنفسنا إماماً فإنّا منك بُراء، فبعث إليهم عليّ عليه السلام: 'أن ابعثوا إليَّ بقتلة اخواني فأقتلهم، ثمّ اُتارككم إلى أن أفرغ من قتال أهل المغرب، ولعلّ اللَّه يقلّب قلوبكم'، فبعثوا إليه: كلّنا قتلة أصحابك، وكلّنا مستحلّ لدمائهم مشتركون في قتلهم، وأخبره الرسول - وكان من يهود السواد - أنّ القوم قد عبروا نهر طبرستان، وهذا النهر عليه قنطرة تعرف بقنطرة طبرستان بين حلوان وبغداد من بلاد خراسان.

فقال عليّ عليه السلام: 'واللَّه ما عبروه ولا يقطعونه حتّى نقتلهم بالرميلة دونه'، ثمّ تواترت عليه الأخبار بقطعهم لهذا النهر، وعبورهم هذا الجسر، وهو يأبى ذلك ويحلف أنّهم لم يعبروه، وأنّ مصارعهم دونه، ثمّ قال: 'سيروا إلى القوم فواللَّه لا يفلت منهم إلا عشرة، ولا يُقتل منكم إلا عشرة'.

فسار عليّ عليه السلام فأشرف عليهم، وقد عسكروا بالموضع المعروف بالرميلة على "حسب" ما قال لأصحابه، فلمّا أشرف عليهم قال: 'اللَّه أكبر، صدق اللَّه ورسول اللَّه'، فتصافّ القوم، ووقف عليهم بنفسه، فدعاهم إلى الرجوع والتوبة، فأبوا ورموا أصحابه، فقيل له: قد رمونا، فقال: 'كفّوا' فكرّروا القول عليه ثلاثاً، وهو يأمرهم بالكفّ حتّى اُتي برجل قتيل مشحّط بدمه، فقال عليّ: 'اللَّه أكبر، الآن حلّ قتالهم، احملوا على القوم'، فحمل رجل من الخوارج على أصحاب عليّ فجرح فيهم وجعل يغشى كلّ ناحية ويقول:

أضربهم ولو أرى عليّا*** ألبسته أبيض مشرفيا

فخرج إليه عليّ عليه السلام وهو يقول:

يا أيّهذا المبتغي عليّاً*** إنّي أراك جاهلاً شقيّا

قد كنت عن كفاية غنيّاً*** هَلُّمَ فابرز هاهنا إِليّا

فحمل عليه عليّ عليه السلام فقتله، ثمّ خرج منهم آخر فحمل على النّاس ففتك فيهم، وجعل يكرّر عليهم وهو يقول:

أضربهم ولو أرى أبا حَسن*** ألبسته بصارمي ثوب غبن

فخرج إليه عليّ عليه السلام وهو يقول:

يا أيّهذا المبتغي أبا حَسن*** إليك فانظر أيّنا يلقي الغبن

وحمل عليه عليّ عليه السلام وشكّه بالرمح وترك الرمح فيه، فانصرف علىّ عليه السلام وهو يقول: 'لقد رأيتَ أبا حسن فرأيتَ ما تكره'.

وحمل أبوأيّوب الأنصاري على زيد بن حصين الطائي فقتله، وقُتل عبداللَّه بن وهب الراسبي قتله هاني بن خطّاب الأزدي وزياد بن خصفة، وقُتل حُرقوص بن زهير السعدي، وكان جملة مَن قُتل من أصحاب عليّ عليه السلام تسعة، ولم يفلت من الخوارج إلا عشرة، وأتى عليّ عليه السلام على القوم، وهم أربعة آلاف فيهم المخدج "ذو الثدية" إلا من ذكرنا من هؤلاء العشرة، وأمر عليّ عليه السلام بطلب المخدج، فطلبوه فلم يقدروا عليه، فقام عليّ عليه السلام وعليه أثر الحزن لفقد المخدج، فانتهى إلى قتلى بعضهم فوق بعض فقال: 'افرجوا'، ففرجوا يميناً وشمالاً واستخرجوه، فقال عليّ عليه السلام: 'اللَّه أكبر، ما كَذِبْتُ على محمّد صلى الله عليه و آله، وإنّه لناقص اليد ليس فيها عظم، طرفها حلمة مثل ثدي المرأة، عليها خمس شعرات أو سبع، رؤوسها معقّفة'، ثمّ قال: 'ائتوني به'، فنظر إلى عضده، فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة عليه شعرات سود إذا مدّت اللحمة امتدّت حتّى تحاذي بطن يده الاُخرى، ثمّ تترك فتعود إلى منكبه، فثنى رجله ونزل وخرّ للَّه ساجداً، ثمّ ركب ومرّ بهم وهم صرعى، فقال: 'لقد صَرعكم مَن غَرّكم'، قيل: ومَن غرّهم؟ قال: 'الشيطان وأنفس السوء'، فقال أصحابه: قد قطع اللَّه دابرهم إلى آخر الدهر، فقال: 'كلاّ، والّذي نفسي بيده، وإنّهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء لا تخرج خارجة إلا خرجت بعدها مثلها حتّى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط "الأسمط" يخرج إليه رجل منّا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة' - الحديث.

[مروج الذهب 415:2، وفي الكامل في التاريخ 407 - 405 :2 نحوه].

رجوع عليّ إلى الكوفة

قال ابن الأثير: ولمّا فرغ عليّ عليه السلام من أهل النهر، حمد اللَّه وأثنى عليه وقال: 'إنّ اللَّه قد أحسن بكم، وأعزّ نصركم، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم'.

قالوا: يا أمير المؤمنين، نفذت نبالنا، وكلّت سيوفنا، ونصلت أسنّة رماحنا، وعاد أكثرها قصداً

[قصداً، أي قِطعاً متكسّرة].

فارجع إلى مصرنا فلنستعدّ، ولعلّ أمير المؤمنين يُزيد في عدّتنا، فإنّه أقوى لنا على عدوّنا

[كان الّذي تولّى كلامه: الأشعث بن قيس].

فأقبل حتّى نزل النُّخيلة، فأمر النّاس أن يلزموا عسكرهم، ويُوطّنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يُقلّوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتّى يسيروا إلى عدوّهم، فأقاموا فيه أيّاماً، ثمّ تسلّوا من معسكرهم فدخلوا إلا رجالاً من وجوه النّاس، وتُرك المعسكر خالياً، فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر عليه رأيه في المسير وقال لهم أيضاً: 'أيّها النّاس، استعدّوا للمسير إلى عدوّكم ومَن في جهاده القُربة إلى اللَّه عزّ وجلّ، ودرك الوسيلة عنده، حيارى من الحقّ، جُفاة عن الكتاب، يعمهون في طغيانهم، فأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل، وتوكّلوا على اللَّه، وكفى باللَّه وكيلاً، وكفى باللَّه نصيراً'، فم ينفروا ولا تيسّروا.

فتركهم أيّاماً حتّى إذا آيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم وما الّذي يُبطئ بهم، فمنهم المعتلّ، ومنهم المتكرّه، وأقلّهم من نشط. فقام فيهم فقال: 'عباد اللَّه، ما بالكم إذا أمرتم أن تنفروا 'اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ'

[سورة التوبة: 38].

بالذلّ والهوان من العزّ خلفاً؟ وكلّما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنّكم من الموت في سكرة، وكأنّ قلوبكم مألوسة، وأنتم لا تعقلون، فكأنّ أبصاركم كُمةٌ وأنتم لا تبصرون! للَّه أنتم، ما أنتم إلا اُسد الشرى في الدعة، وثعالب روّاغة حين تُدعون إلى البأس، ما أنتم لي بثقة سيجيس الليالي، ما أنتم بركب يُصال به، لعمر اللَّه لبئس حُشاشُ الحرب أنتم، إنّكم تُكادون ولا تكيدون، وتُنتقص أطرافكم وأنتم لا تتحاشون، ولا يُنام عنكم وأنتم في غفلة ساهون'.

ثمّ قال: 'أمّا بعد، فإنّ لي عليكم حقّاً، وإنّ لكم عليَّ حقّاً، فأمّا حقّكم عليَّ فالنصيحة لكم ما صحبتكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كي لا تجهلوا، وتأديبكم كي تعلّموا، وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنُّصحُ لي في المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم، فإن يُرد اللَّه بكم خيراً تنزعوا عمّا أكره، وترجعوا إلى ما اُحبُّ، فتنالوا ما تطلبون، وتدركوا ما تأملون'. [الكامل في التاريخ 408:2].

عليّ في الكتاب و السنة

المقدمة:

لم ينزل في القرآن الكريم في شخصٍ ما نزل في أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، سيّما في باب الإمامة والخلافة والفضائل والمناقب، كما لم يرد من السنّة المباركة في صحابيّ أو تابعي ما ورد فيه عليه السلام، وهذا يحكي لنا كونه عليه السلام القدوة والاُسوة بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، ولا يدانيه أحد في هذا المضمار.

وإذا لم يُصرّح باسمه المبارك في الآيات القرآنية النازلة بحقّه عليه السلام لمصالح ما

[في الكافي "282:1": روي عن أبي بصير في حديث طويل، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: فقلت له: إنّ النّاس يقولون: فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته في كتاب اللَّه عزّ وجلّ؟ قال: فقال عليه السلام: 'قولوا لهم: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ اللَّه له ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هو الّذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم حتّى كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هو الّذي فسّر ذلك لهم' - الحديث].

فإنّ الروايات والأخبار المتواترة الواردة عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعن صحابته المتّقين "رضي اللَّه عنهم" تكشف عن هذه الحقيقة بشكل جليّ، وهي كثيرة جدّاً رغم تعرّض مناقبه عليه السلام للطمس والتحريف والتغيير.

روى الخطيب البغدادي بسنده، عن ابن عبّاس، قال: 'نزلت في عليّ رضى الله عنه ثلاثمائة آية'.

[تاريخ بغداد 221:6].

ورواه ابن حجر في "الصواعق"

[الصواعق المحرقة: 76].

وابن عساكر في "تاريخه.

[تاريخ دمشق: ح 533، عنه في نور الأبصار: 90].

وأخرج الشبلنجي عن ابن عبّاس، قال: ليست آية في كتاب اللَّه تعالى: 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا' إلا وعليّ عليه السلام أوّلها وأميرها وشريفها. قال: وأخرجه الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.

[نور الأبصار: 90 - 87]. أقول: ورواه الحاكم الحسكاني [شواهد التنزيل: 54 - 48].والخوارزمي

[مناقب الخوارزمي: 188، الفصل 17].وابن عساكر [تاريخ دمشق: ح 928].والكنجي الشافعي.

[كفاية الطالب: 139، الباب 31].

وقال: أخرج ابن عساكر عن ابن عبّاس، قال: ما نزل في أحد من كتاب اللَّه تعالى ما نزل في عليّ عليه السلام. [نور الأبصار: 90].

وقد ألّف القدامى، كالطبراني، وأبي نعيم، ومحمّد بن مؤمن الشيرازي، وغيرهم رسائل خاصّة أفردوها لهذا الباب باسم "ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام"، أو "النازل في القرآن في عليّ عليه السلام"، أو نحوهما.

ويمكن القول إنّه لا يمكن تحديد عدد الآيات بثلاثمائة آية وحسب؛ لأ نّنا إذا راعينا الدقّة في أسباب النزول وتفسير القرآن فسنجد من الآيات النازلة بحقّ عليّ وأهل البيت عليهم السلام أكثر بكثير من العدد المذكور، وإذا أردنا توضيح جميع ما جاء في شأنه عليه السلام، فإنّنا سنكون بحاجة إلى مجلّدات قد يضيق بها الكتاب أو القارئ الكريم ذرعاً، لذا فقد اكتفينا بذكر نبذة من الآيات النازلة فيه عليه السلام، والروايات والأخبار الّتي تذكر سبب النزول، ونحيل القارئ العزيز إلى مظانّها الأصلية.

[كشواهد التنزيل، ونور الأبصار، وإحقاق الحقّ: ج14، و في تفاسير العيّاشي، القمّي، البرهان، نور الثقلين، وغيرها].

أمّا الروايات المتواترة الّتي جاءت في ولايته ووصايته وخلافته، أو في فضائله ومناقبه وكراماته، فهي كثيرة، مثل: حديث الغدير، وسدّ الأبواب، والطير المشوي، والثقلين، وردّ الشمس، وباب مدينة العلم، وغيرها.

روى الحاكم بإسناده عن أحمد بن حنبل، قال: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الفاضئل أكثر ما جاء لعليّ بن أبي طالب عليه السلام. [المستدرك 107:3، شواهد التنزيل 18:1].

ورواه ابن عساكر [تاريخ دمشق: ح 1108].وابن حجر، وكذا قال النسائي وغير واحد. [تهذيب التهذيب 298:7].

وقد أشرنا إلى الآيات النازلة في عليّ عليه السلام في فصول من هذا الجزء، وتعقبها بعض الفصول في الروايات الّتي وردت في هذا المجال، كما وسنشير أيضاً في نهاية هذا الجزء إلى خمسين آية اُخرى من القرآن الكريم نزلت بحقّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام مع الروايات الدالّة على أسباب النزول.

المؤلّف

عليّ و آية التطهير، و حديث الكساء

قال ابن عبدالبرّ الشافعي: لمّا نزلت: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً' دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فاطمة، وعليّاً، وحسناً، وحسيناً في بيت اُمّ سلمة وقال: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً'.

الاستيعاب بهامش الإصابة 37:3 . و الآية من سورة الأحزاب: 33 .

آية التطهير فضيلة عظمى

إنّ نزول الآية في شأن الخمسة الطيّبين أهل الكساء وسائر الأئمّة عليهم السلام كان من فضائلهم الّتي يفتخرون بها في موارد متعدّدة، كما ذكرنا نبذة منها في مناشداتهم عليهم السلام، حتّى قال عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في مجلس المأمون في جواب قول العلماء الذين اجتمعوا هناك حين قال العلماء: فأخبرنا هل فسّر الاصطفاء في الكتاب؟

فقال عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: '... والآية الثانية في الاصطفاء قول عزّ وجلّ: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'، وهذا الفضل الّذي لا يجهله أحد إلا معانداً، ضلالاً منه، فضل بعد طهارة تنتظر'.

[قوله: 'بعد طهارة تنتظر' أي شملت الطهارة جماعة - وهم الأئمّة عليهم السلام - ينتظر حصولها لهم بعد ذلك أيضاً؛ لأنّ أهل البيت شامل للأئمّة الّتي تأتي بعد اُولئك من الذرّيّة الطيّبة].

وقال السيّد السمهودي: وإنّما أيّدت بهذه الآية "أي آية التطهير" لأنّي تأمّلتها مع ما ورد في الأخبار في شأنها، وما صنعه النبيّ صلى الله عليه و آله بعد نزولها، فظهر لي أنّها منبع فضائل أهل البيت النبويّ؛ لاشتمالها على اُمور عظيمة لم أرَ من تعرّض لها:

أحدها: اعتناء الباري تعالى بهم، وإشارته لعلوّ قدرهم، حيث أنزلها في حقّهم.

ثانيها: تصديره لذلك ب "إنّما" الّتي هي أداة الحصر؛ لإفادة أنّ إرادته في أمرهم مقصورة على ذلك الّذي هو منبع الخيرات لا تتجاوزه إلى غيره، ثمّ عدّ اُموراً عظيمة، ثمّ قال:

ومنها: شدّة اعتنائه صلى الله عليه و آله بهم، وإظهاره لاهتمامه وحرصه عليهم، مع إفادة الآية لحصوله، مع استعطافه صلى الله عليه و آله بقوله: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، وقد جعلت إرادتك في أهل بيتي مقصورة على إذهاب الرجس والتطهير، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً'.

وعدّ منها أيضاً: دخوله صلى الله عليه و آله معهم في ذلك.

ثمّ قال - بعد أن أورد ما أثبت به ذلك -: وفيه - يعني دخوله معهم - من مزيد كرامتهم، وإنافة تطهيرهم، وإبعادهم عن الرجس الّذي هو الإثم، أو الشكّ فيما يجب الإيمان به، ما لا يخفى موقعه عند اُولي الألباب.

ومنها أيضاً: أنّ دعاءه صلى الله عليه و آله مجاب، سيّما في أمر الصلاة عليه، وقد دعا مولاه أن يخصّه بالصلاة عليه وعليهم، فتكون الصلاة عليه من ربّه كذلك.

ومنها أيضاً: أنّ قصر الإرادة الإلهيّة في أمرهم على إذهاب الرجس تشير إلى ما سيأتي في بعض الطرق من تحريمهم في الآخرة على النّار، فمن قارف منهم شيئاً من الأوزار يرجى أن يتدارك بالتطهير بإلهام الإنابات، وأسباب المثوبات، وأنواع المصائب المؤلمات، ونحو ذلك من المكفّرات للذنوب، وعدم إنالتهم ما لغيرهم من الحظوظ الدنيويّات، وكذا بما يقع من الشفاعات النبويّات، انتهى كلام السمهودي.

[جواهر النقدين في فضل الشرفين، نقلاً عن الإحقاق 534:3].

وبالجملة: ففي اختصاص النبيّ صلى الله عليه و آله آية التطهير بالخمسة الطاهرين، وعدم الإذن لدخول غيرهم في هذه المنقبة، والافتخار بهذه الفضيلة والاستدلال بها لأمر الخلافة في مواضع شتّى والمناشدة لذلك، ما فيه الكفاية للدلالة على عظمة هذه الفضيلة.

من شهد واقعة حديث الكساء هم أثنا عشر نفراً

إنّ نزول آية التطهير وواقعة الكساء تعدّ من الفضائل لأهل البيت الأئمّة المعصومين عليهم السلام؛ ولذلك طلبت بعض زوجات النبيّ صلى الله عليه و آله وغيرهنّ الدخول معهم تحت الكساء، فلم يؤذن لهم، وتأسّف هؤلاء على عدم دخولهم وهم خمسة نفر، والذين شاهدوا الواقعة ولم يرد عنهم طلب الدخول معهم تحت الكساء سبعة نفر نذكرهم على التوالي:

1 - اُمّ سلمة 2 - ثوبان 3 - زينب 4 - عائشة 5 - واثلة 6 - جابر بن عبداللَّه الأنصاري 7 - سعد بن أبي وقّاص 8 - صبيح مولى اُمّ سلمة 9 - عبداللَّه بن جعفر 10 - عبدالرحمن ابن سابط 11 - عطيّة 12 - ابي سلمه ربيب النبي صلى الله عليه و آله، وسنذكر عاجلاً ما روي عنهم.

وورد في كثير من الروايات حضور جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام مع أهل البيت عليهم السلام، فيكون الذين شهدوا سبب نزول الآية اثنا عشر نفراً وفقاً لتلك الروايات.

نزول آية التطهير في الخمسة الطيّبين باجماع الاُمة

أقول: إنّ كون نزول الآية في أهل البيت - أي الخمسة أهل الكساء - تثبته روايات متواترة بطرق عديدة عن الرسول صلى الله عليه و آله أخرجها العامّة في كتبهم، واستخرجها أصحابنا من صحاحهم واُصولهم الّتي عليها مدارهم، واعترف بذلك جميع العلماء من العامّة والخاصّة.

قال السيّد شرف الدين: لا ريب في أنّ أهل البيت الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم في هذه الآية 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...' هم الخمسة "أصحاب الكساء"، وكفاك هذا برهاناً على أنّهم أفضل مَن أقلّته الأرض يومئذٍ ومَن أظلّته السماء، ألا وهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وصنوه الجاري بنصّ الذِّكر مجرى نفسه، وبضعته الّتي يغضب اللَّه لغضبها، ويرضى لرضاها، وريحانتاه من الدنيا، سبطاه الشهيدان، سيّدا شباب أهل الجنّة، فهؤلاء هم أصحابُ هذه الآية البيّنة، بحكم الأدلّة القاطعة والحجج الساطعة، لم يشاركهم فيها أحد من بني آدم، ولا زاحمهم تحت كسائهم واحد من هذا العالم... وحسبك في ذلك قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'اُنزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ وفي عليّ والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام' ثمّ قال:

وقد أجمعت كلمة أهل القبلة من أهل المذاهب الإسلاميّة كلّها على أنّه صلى الله عليه و آله لمّا نزل الوحي بها عليه ضمّ سبطيه وأباهما واُمّهما إليه، ثمّ غشاهم ونفسه بذلك الكساء تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء، فلمّا أنفردوا تحته عن كافّة اُسرته، واحتجبوا به عن بقيّة اُمّته، بلّغهم الآية وهم على تلك الحال حرصاً على أن لا يطمع بمشاركتهم فيها أحد من الصحابة والآل، فقال مخاطباً لهم وهم معه في معزل عن كافّة النّاس: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...'، فأزاح صلى الله عليه و آله بحجبهم في كسائه حينئذٍ حجب الريب وهتك سدف الشبهات، فبرح الخفاء بحكمته البالغة، وسطعت أشعة الظهور ببلاغة المبين، إلى آخر كلامه.

[الفصول المهمّة للسيّد شرف الدين: 203].

أخرج الحافظ الحسكاني الحنفي النيشابوري أكثر من مائتي طريق في أنّ الآية نزلت في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعليّ والحسن والحسين واُمّهما فاطمة عليهم السلام.

[شواهد التنزيل 10:2 إلى 92].

وقال العلامة المجلسي: ذهب أصحابنا، وكثير من الجمهور إلى أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، لا يشاركهم فيها غيرهم.

[بحار الأنوار 225:35].

وقال ابن حجر في صواعقه: إنّ أكثر المفسّرين على أنّ الآية "آية التطهير" نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لتذكير ضمير 'عَنكُمُ'.

[الصواعق المحرقة: 141، طبع مصر و راجع بحارالانوار 231: 35 و ينابيع المودة 429: 2].

وقال الفخر الرازي: اختلفت الأقوال في أهل البيت، والأوْلى أن يقال: هم أولاده وأزواجه، والحسن والحسين منهم، وعليّ منهم؛ لأنّه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بيت النبيّ صلى الله عليه و آله، وملازمته للنبيّ صلى الله عليه و آله.

[التفسير الكبير 615:6].

وقال شيخ الطائفة في تفسيره: روى أبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعائشة، واُمّ سلمة، وواثلة بن الأسقع: أنّ الآية نزلت في النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

[تفسير التبيان 307:8].

وقال الشيخ الجليل أبو عليّ الطبرسي في تفسيره: قال أبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وواثلة بن أسقع، وعائشة، واُمّ سلمة: أنّ الآية مختصّة برسول اللَّه وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

[تفسير مجمع البيان 356:8].

وقال العلامة التستري في إحقاق الحقّ: أجمع المفسّرون، وروى الجمهور - كأحمد بن حنبل وغيره - أنّ آية 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...' الآية، نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

[الإحقاق 502:2].

وقال العلامة الطباطبائي في تفسيره: ورد في أسباب النزول، أنّ الآية نزلت في النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ وفاطمة والحسنين عليهم السلام خاصّة، لا يشاركهم فيها غيرهم، وهي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثاً، يربو ما ورد منها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة، فقد روتها أهل السنّة بطرق كثيرة عن اُمّ سلمة، وعائشة، وأبي سعيد الخدري، وسعد بن وقاص، وواثلة بن الأسقع، وأبي الحمراء، وابن عبّاس، وثوبان مولى النبيّ، وعبداللَّه بن جعفر، وعليّ، والحسن بن عليّ عليهماالسلام في قريب من أربعين طريقاً، ثمّ قال:

وروتها الشيعة عن عليّ عليه السلام، والسجّاد، والباقر، والصادق، والرضا عليهم السلام، واُمّ سلمة، وأبي ذرّ، وأبي ليلى، وأبي الأسود الدؤلي، وعمرو بن ميمون الأودي، وسعد بن أبي وقّاص في بضع وثلاثين طريقاً.

فإن قيل: إنّ الروايات إنّما تدلّ على شمول الآية لعليّ وفاطمة والحسنين عليهم السلام، ولا ينافي ذلك شمولها لأزواج النبيّ صلى الله عليه و آله كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهنّ؟

قلنا: إنّ كثيراً من هذه الروايات - وخاصّة ما رويت عن اُمّ سلمة، وفي بيتها نزلت الآية - تصرّح باختصاصها بهم، وعدم شمولها لأزواج النبيّ صلى الله عليه و آله. [تفسير الميزان 329:16].

نبذة ممّا ورد في هذا المجال عمّن شهد الواقعة

وقد تكرّرت منه صلى الله عليه و آله قضيّة الكساء، حتّى احتمل بعض العلماء تكرار نزول الآية أيضاً، والصواب عندنا نزولها مرّة واحدة، ولكن حكمة الصادق الأمين في نصحه ببلاغه المبين اقتضت تكرير تلك القضيّة مرّة في بيت اُمّ سلمة عند نزول الآية، واُخرى في بيت فاطمة عليهاالسلام، وفي كلّ مرّة يتلو عليهم الآية مخاطباً لهم بها، وهم في معزل عن النّاس تحت الكساء درءاً للشبهة في نحور أهل الزيغ والشبهة، ونتبرّك هنا بذكر بعض الأخبار الواردة ممّن شهد الواقعة:

حديث اُمّ سلمة

1- في خبر عمّار الدهني، عن عمرة، عن اُمّ سلمة، قالت: نزلت هذه الآية: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ' الآية في بيتي، يعني في سبعة: جبرئيل وميكائيل ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعليّ، وفاطمة، والحسن والحسين، وما قال: إنّك من أهل البيت.

[مشكل الآثار 333:1].

2- وفي خبر ابن الصباغ المالكي عن الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول، يرفعه بسنده إلى اُمّ سلمة أنّها قالت: كان النبيّ صلى الله عليه و آله في بيتها يوماً فأتته فاطمة عليهاالسلام ببرمة فيها عصيدة، فدخلت بها عليه، فقال لها: 'ادعي لي زوجك وابنيك'، فجاء عليّ والحسن والحسين عليهم السلام، فدخلوا وجلسوا يأكلون والنبيّ صلى الله عليه و آله جالسٌ على دكّة وتحته كساء خيبريّ. قالت: وأنا في الحجرة قريباً منهم، فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله الكساء، فغشّاهم به، ثمّ قال: 'اللّهمّ أهل بيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً'. قالت اُمّ سلمة: فأدخلت رأسي، قلت: وأنا معكم يا رسول اللَّه؟ قال صلى الله عليه و آله: 'إنّك إلى خير، إنّك إلى خير'، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'.

[الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 25].

وأنشأ بعضهم:

إنّ النبيّ محمّداً ووصيّه*** وابنيه وابنته البتول الطاهره

أهلُ العباء فإنّني بولائهم*** أرجو السلامة والنجا في الآخره

[الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 25].

3- و اخرج السيوطي، بإسناده عن الطبراني، عن اُمّ سلمة: قالت أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال لفاطمة: 'ائتيني بزوجك وابنيه'، فجاءت بهم، فألقى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليهم كساءً فدكيّاً، ثُمّ وضع يده عليهم، ثمّ قال: 'اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل محمّد - وفي لفظ آخر: آل محمّد - فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد، كما جعلتها على إبراهيم، إنّك حميد مجيد'.

[تفسير الدرّ المنثور 198:5].

4- وفي "مشكل الآثار" بسنده، عن عمرة الهمدانيّة، قالت: أتيت اُمّ سلمة فسلّمت عليها، فقالت: من أنت؟ فقلت: عمرة الهمدانيّة، فقالت عمرة: يا اُمّ المؤمنين، أخبريني عن هذا الرجل الّذي قتل بين أظهرنا، فمحبّ ومبغض، تريد عليّ بن أبي طالب عليه السلام. قالت اُمّ سلمة: أتحبّينه أم تبغضينه؟ قلت: ما اُحبّه ولا أبغضه - إلى أن قالت -: فأنزل اللَّه هذه الآية: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ' الآية، وما في البيت إلا جبرئيل ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. فقلت: يا رسول اللَّه، أنا من أهل البيت؟ فقال: 'إنّ لك عند اللَّه خيراً'، فوددت أنّه قال: نعم، فكان أحبّ إليَّ ممّا تطلع عليه الشمس وتغرب.

[مشكل الآثار 333:1، والإحقاق 528:3].

5- في "الدرّ المنثور": أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، عن اُمّ سلمة زوج النبيّ: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان ببيتها على منامة له، عليه كساءٌ خيبري، فجاءت فاطمة عليهاالسلام ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً'، فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'، فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله بفضلة إزاره فغشّاهم إيّاها، ثمّ أخرج يده من الكساء، وأومأ بها إلى السماء، ثمّ قال: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً'، قالها ثلاث مرّات. قالت اُمّ سلمة: فأدخلت رأسي في الستر، فقلت: يا رسول اللَّه، وأنا معكم؟ فقال: 'إنّك إلى خير' مرّتين.

[تفسير الدرّ المنثور 198:5].

6- وفيه أيضاً: أخرج ابن مردويه، عن اُمّ سلمة، قالت: نزلت هذه الآية في بيتي 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'، وفي البيت سبعة: جبرئيل، وميكائيل، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، وأنا على باب البيت. قلت: يا رسول اللَّه، ألست من أهل البيت؟ قال: 'إنّك إلى خير، إنّك من أزواج النبيّ'.

[تفسير الدرّ المنثور 198:5].

7- و اخرج الترمذي: عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبيّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ صلى الله عليه و آله 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية، في بيت اُمّ سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم

[أي غطّاهم].

بكساء، وعليٌّ خلفَ ظهره، ثمّ قال: 'اللّهمّ هؤلاء أهلُ بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً'، قالت اُمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيّ اللَّه؟ قال: 'أنتِ على مكانكِ، وأنتِ على خير'.

[سنن الترمذي 327:5، ح3205، وقوله صلى الله عليه و آله: 'أنت على مكانك...' يحتمل أن يكون معناه: لستِ أنتِ من أهل البيت، ولكن أنتِ على خير].

حديث ثوبان

[ثوبان مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يكنى أبا عبداللَّه من اصحاب النبي صلى الله عليه و آله "معجم رجال الحديث، ج 3".

]

عن يوسف بن عبدالحميد، عن ثوبان: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله دعا لأهل بيته، فذكر عليّاً وفاطمة وغيرهما، فقلت: يا نبيّ اللَّه أمِن أهل البيت أنا؟ قال: فسكت، ثمّ قلت: أمِن أهل البيت أنا؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

[فضائل أحمد: 164 "مخطوط"، نقلاً عن الإحقاق 515:3].

حديث زينب بنت أبي سلمة

1- عن عبداللَّه بن جعفر، قال: لمّا نظر النبيّ صلى الله عليه و آله إلى جبرئيل هابطاً من السماء، قال: 'مَن يدعو لي؟ مَن يدعو لي؟'. فقالت زينب: أنا يا رسول اللَّه، فقال: 'ادعي لي عليّاً، وفاطمة، وحسناً وحسيناً'، فجعل حسناً عن يمينه، وحسيناً عن يساره، وعليّاً وفاطمة تجاههم، ثمّ غشّاهم بكساء خيبري، وقال: 'اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً، وأنّ هؤلاء أهلي'، فأنزل اللَّه تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ' الآية، فقالت زينب: ألا أدخل معكم؟ قال: 'كانك، فإنّك على خير إن شاء اللَّه'. [شواهد التنزيل 32:2].

2- و روى القندوزي الحنفي: عن ابن عمرو، قال: حدّثتني زينب بنت أبي سلمة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ألقى على عليّ وفاطمة وحسن وحسين كساءً، وقال: 'رَحَمةُ اللَّه وَبَرَكاته عَلَيْكُم أهلَ البيتِ إنّهُ حميدٌ مجِيدٌ'، وأنا واُمّ سلمة كنّا جالستين - الحديث. [ينابيع المودّة: 229].

حديث عائشة

1- عن عائشة، قالت: خرج النبيّ صلى الله عليه و آله ذات غداة عليه مرط [المرط يكون من صوف ومن خزّ أو غيره] مرّجل [المرّجل: هو الّذي نقش فيه تصاوير الرجال، و المرّجل بَرد من برد اليمن].

من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله فيه، ثمّ جاء الحسين فأدخله فيه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها فيه، ثمّ جاء عليّ فأدخله فيه، ثمّ قال: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'.

[صحيح مسلم 1883:4، ح 2424، ينابيع المودّة: 229، بحار الأنوار 326:35].

و روى السيوطي عن ابن أبي شيبة، وأحمد، ومسلم، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، عن عائشة مثله.

[تفسير الدرّ المنثور 198:5].

ورواه الزمخشري في تفسيره، ورواه الرازي أيضاً، وقال الرازي: اعلم أنّ هذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث.

[تفسير الرازي 80:8، عنه تفسير الآية 61 من آل عمران].

2- وعن جميع بن عمير، قال: انطلقت مع اُمّي إلى عائشة، فسألتها اُمّي عن عليّ عليه السلام، قالت: ما ظنّك برجل كانت فاطمة تحته، والحسن والحسين ابنيه؟ ولقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله التفّ عليهم بثوبه، وقال: 'اللّهمّ هؤلاء أهلي، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً'. فقلت: يا رسول اللَّه، ألست من أهلك؟ قال صلى الله عليه و آله: 'إنّك على خير'

[شواهد التنزيل 37:2، وعلى فرض صحّة الخبر قوله صلى الله عليه و آله: 'انّها على خير' لا ينافي عدم كونها على خير بعد حرب الجمل].

حديث واثلة بن الأسقع

1- روى السيوطي: عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصحّحه، والبيهقي في سننه، عن واثلة بن الأسقع، قال: جاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى فاطمة ومعه حسن وحسين وعليّ عليهم السلام، حتّى دخل فأدنى عليّاً عليه السلام، وفاطمة عليهاالسلام، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً عليهماالسلام كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ لفَّ عليهم ثوبه، وأنا مستدبرهم، ثمّ تلا هذه الآية: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'.

[تفسير الدرّ المنثور 199:5، المعجم الكبير 50:4].

2- عن الأوزاعي، عن شدّاد أبي عمّار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا عليّاً عليه السلام، فلمّا قاموا، قال لي: ألا اُخبرك بما رأيت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ قلت: بلى. قال: أتيت فاطمة عليهاالسلام أسألها عن عليّ، فقالت: توجّه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله. قال: فجلست أنتظره حتّى جاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومعه عليّ وحسن وحسين عليهم السلام، أخذ كلّ واحد منهما بيده، حتّى دخل فأدنى عليّاً وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحدٍ منهما على فخذه، ثمّ لفّ عليهم ثوبه - أو قال: كساءه - ثمّ تلا هذه الآية 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'، ثمّ قال: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحقّ'.

[فرائد السمطين 22:2، ح 364].

3- روى الخوارزمي عن أبي الأزهر، عن واثلة بن الأسقع، قال: لمّا جمع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام تحت ثوبه، قال: 'اللّهمّ قد جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على إبراهيم وآل إبراهيم، اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليَّ وعليهم'.

[مناقب الخوارزمي: 25].

4- و اخرج الطبري بإسناده عن أبي عمّار، قال: إنّي لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذُكروا عليّاً عليه السلام فشتموه، فلمّا قاموا، قال: اجلس حتّى اُخبرك عن هذا الّذي شتموه، إنّي عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذ جاءه عليّ وفاطمة وحسن وحسين عليهم السلام، فألقى عليهم كساءً له، ثمّ قال: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً'. [تفسير جامع البيان للطبري 5:22].

حديث جابر بن عبداللَّه

في "البحار": عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري، قال: كنت عند النبيّ صلى الله عليه و آله في بيت اُمّ سلمة، فأنزل اللَّه هذه الآية 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية، فدعا النبيّ صلى الله عليه و آله الحسن والحسين وفاطمة وأجلسهم بين يديه، ودعا عليّاً عليه السلام فأجلسه خلف ظهره، وقال: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً'، قالت اُمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول اللَّه؟ قال: 'أنت على خير'. فقلت: يا رسول اللَّه، لقد أكرم اللَّه هذه العترة الطاهرة والذرّيّة المباركة بذهاب الرجس عنهم. قال صلى الله عليه و آله: 'يا جابر، لأنّهم عترتي من لحمي ودمي، فأخي سيّد الأوصياء، وابناي خير الأسباط، وابنتي سيّدة النسوان، ومنّا المهدي'. قلت: يا رسول اللَّه، ومَن المهدي؟ قال: 'تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار، والتاسع قائمهم' - الحديث. [بحار الأنوار 308:36].

حديث سعد بن أبي وقّاص

عن عامر بن سعد، عن سعد أنّه قال لمعاوية بالمدينة: لقد شهدت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في عليّ ثلاثاً، لئن يكون لي واحدة منها أحبّ إليَّ من حُمر النعم: شهدته وقد أخذ يدي ابنيه الحسن والحسين، وفاطمة وقد جأر إلى اللَّه عزّ وجلّ وهو يقول: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً' - الحديث. [شواهد التنزيل 19:2].

حديث صبيح مولى اُمّ سلمة

عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن صبيح مولى اُمّ سلمة، عن جدِّه صبيح، قال: كنت بباب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فجاء عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فجلسوا ناحية، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: 'إنّكم على خير'، وعليه كساء خيبري، فجلّلهم به، وقال: 'أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم'.

[مجمع الزوائد 169:9].

حديث عبداللَّه بن جعفر

عن إسماعيل بن عبداللَّه بن جعفر الطيّار، عن أبيه، قال: لمّا نظر النبيّ صلى الله عليه و آله إلى الرحمة هابطة، قال: 'ادعوا لي؟ ادعوا لي؟'، فقالت صفيّة: مَن يا رسول اللَّه؟ قال: 'أهل بيتي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين'، فجي ء بهم، فألقى عليهم النبيّ كساءه، ثمّ رفع يديه وقال: 'اللّهمّ هؤلاء آلي، فصلِّ على محمّد وعلى آل محمّد'، وأنزل اللَّه عزّ وجلّ: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ...'.

[كتاب القول الفصل: 105، والإحقاق 52:9].

حديث عبدالرحمن بن سابط

أنّه قال: كنت جالساً، ولمّا نزلت: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ' الآية، دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: 'اللّهمّ هؤلاء أهلي'. [مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيّد المرسلين: 84، نقلاً عن الإحقاق 35:16].

حديث عطيّة

[أورده الاسماعيلي في الصحابة. "اسد الغابة 413: 3" الظاهر انّه غير عطية الّذي زار قبر الحسين عليه السلام مع جابر بن عبداللَّه الانصاري].

و عن الإسماعيلي بالإسناد عن عمير أبي عرفجة، عن عطيّة أنّه قال: دخل النبيّ صلى الله عليه و آله على فاطمة وهي تعصد عصيدة، فجلس حتّى بلغت وعندها الحسن والحسين، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'أرسلوا إلى عليّ'، فجاء فأكلوا، ثمّ اجترّ بساطاً كانوا عليه فجلّلهم به، ثمّ قال: 'اللّهمّ هؤلاء بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً'، فسمعت اُمّ سلمة فقالت: يا رسول، وأنا معهم؟ فقال: 'إنّك على خير'.

[اُسد الغابة 413:3، الإصابة 479:2، ط. مصر].

حديث أبي سلمة

أخرج الترمذي عن أبي سلمة ربيب النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: نزلت هذه الآية على النبيّ صلى الله عليه و آله: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً' في بيت اُمّ سلمة، فدعا النبيّ صلى الله عليه و آله فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره، فجلّله بكساء، ثمّ قال: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً'، قالت اُمّ سلمة: وأنا معهم يا نبي اللَّه؟ فقال: 'أنتِ على مكانك، وعلى خير'.

[سنن الترمذي 351:5، ح 3205 و 663، ح 3778].

احاديث اُخرى من أسباب النزول

1- أخرج الحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل، عن ابن عبّاس رضى الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّ اللَّه قسّم الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، فذلك قوله: 'وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ' [سورة الواقعة: 27].'وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ' [سورة الواقعة: 41].

فأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير أصحاب اليمين، ثمّ جعل القسمين أثلاثاً، فجعلني في خيرهما ثلثاً، فذلك قوله: 'فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ'

[سورة الواقعة: 10 - 8].

فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين. ثمّ جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله: 'وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ'

[سورة الحجرات: 13].

وأنا أتقى ولد آدم، وأكرمهم على اللَّه تعالى ولا فخر. ثمّ جعل القبائل بيوتاً، فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'

[سورة الأحزاب: 33].

فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب.

[تفسير الدرّ المنثور 199:5 و روى الصدوق نحوه في أماليه، المجلس 92 ح 1].

2- و روى السيوطي عن ابن مردويه وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'، قال: هم أهل بيت طهّرهم اللَّه من السوء، واختصّهم برحمته.

وقال: وحدّث الضحّاك بن مزاحم: أنّ نبيّ اللَّه صلى الله عليه و آله كان يقول: 'نحن أهل بيت طهّرهم اللَّه من شجرة النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم'.

[تفسير الدرّ المنثور 199:5].

أقول: لا يخفى أنّ هذه الأوصاف الجميلة الشريفة منحصرة في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام على ما في الأخبار المأثورة.

3- و عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'نزلت هذه الآية: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية في خمسة: فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة'.

[تفسير جامع البيان 5:22، والمعجم الصغير: 135].

4- وفيه أيضاً: عن أبي الديلم، قال: قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام لرجل من أهل الشام: 'أما قرأت في الأحزاب: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'؟'، قال: ولأنتم هم؟ قال: عليه السلام: 'نعم' [المصدر السابق 5:22].

5- و عن عليّ بن إبراهيم، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ...' الآية، قال: 'نزلت هذه الآية في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعليّ بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، وذلك في بيت اُمّ سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله، فدعا رسول اللَّه عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ثمّ ألبسهم كساءاً خيبريّاً ودخل معهم فيه، ثمّ قال: 'اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً'، فنزلت هذه الآية، فقالت اُمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول اللَّه؟ قال: 'أبشري - يا اُم سلمة - إنّك إلى خير'. ثمّ قال عليّ بن ابراهيم:

وقال أبو الجارود: قال زيد بن عليّ بن الحسين عليه السلام: إنّ جهّالاً من النّاس يَزعمون إنّما أراد بهذه الآية أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله، وقد كذبوا وأثموا، لو عنى بها أزواج النبيّ لقال: ليذهب عنكنّ الرجس ويطهّركنّ تطهيراً، ولكان الكلام كما قال: 'وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ'، 'وَلَا تَبَرَّجْنَ'، 'لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ'. [سورة الأحزاب: الآيات 32 -33 -34].

قال عليّ بن إبراهيم: ثمّ انقطعت مخاطبة نساءِ النبيّ، وخاطب أهل بيت رسول اللَّه، فقال: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...'.

[تفسير عليّ بن إبراهيم 193:2، البحار 206:35].

6- ما رواه الكليني: بسنده عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: 'أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ'.

[سورة النساء: 59].

فقال: 'نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام - إلى أن قال: - لكنّ اللَّه عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيّه صلى الله عليه و آله 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ' الآية، فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة، فأدخلهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تحت الكساء في بيت اُمّ سلمة، ثمّ قال: 'اللّهمّ إنّ لكلّ نبيٍّ أهلاً وثقلاً، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي'، فقالت اُمّ سلمة: ألست من أهلك؟ فقال صلى الله عليه و آله: 'إنّك إلى خير، ولكنّ هؤلاء أهلي وثقلي' - الحديث.

[اُصول الكافي 287:1].

مرور النبيّ وقت الصلاة و تلاوة الآية بباب عليّ

واعلم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بلّغ في توضيح اختصاص الآية بالخمسة الطيّبين كلّ مبلغ، وسلك في إعلان ذلك مسالك ينقطع معها شغب المشاغب، ولا يبقى بعدها أثر لهذيان النواصب، حتّى كان بعد نزول الآية كلّما خرج إلى الفجر يمرّ ببيت عليّ وفاطمة عليهماالسلام فيقول: 'الصلاة يا أهل البيت، 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً''. وقد استمرّ على هذا ستّة أشهر، وفي رواية: 'سبعة أشهر'، وفي اُخرى: ثمانية أشهر، وفي رابعة: تسعة أشهر، فصرّح الحقّ عن محضه، وبدا الصبح لذي عينين.

ولا يخفى أنّ الأخبار الواردة في هذا المجال كثيرة، كما سنشير إليها، ولكن كلّها متّفقة على أنّه كان يأمر أهل البيت بالصلاة عملاً بقوله تعالى: 'وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ...'

[سورة طه: 132].

ولا ريب أنّ الصلاة قد شرّعت من قبل، وإنّهم كانوا يصلّون، فلم يكن هذا الأمر بالصلاة في كلّ مرّة يمرّ عليهم، وذكر آية التطهير تعليلاً للأمر بها إلا لبيان المصداق لأهل البيت في الآية المباركة، وللإرشاد إلى طهارتهم الجنانية، فكأنّه يقول: إنّما آمركم بالصلاة، واُعيد عليكم هذا الأمر كلّ يوم؛ لأنّ طهارتكم الباطنيّة مداومتكم على الطاعة وملازمتكم لامتثال الأوامر والقيام بوظائف العبوديّة؛ ولذلك كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد نزول آية التطهير يمرّ على بيت أمير المؤمنين وفاطمة عليهماالسلام ويقول: 'الصلاة، الصلاة 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ' الآية. وهذا ممّا اتّفقت عليه الأحاديث الكثيرة من طرق مختلفة.

ولعلّ السبب في استمراره صلى الله عليه و آله على ذلك، هو الإعلان والافصاح عن اختصاص هذه الآية الكريمة بما لها من الفضل والمنقبة بهذا البيت، وانتشار ذلك بين المسلمين في داخل المدينة وخارجها، خصوصاً مع كثرة الوفود إلى المدينة في أواخر حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فلا يتوهّم بعد ذلك اختصاصها بغيرهم، أو مشاركة غيرهم لهم في هذه الفضيلة.

ومن هنا لم نجد في الأحاديث حتّى خبراً واحداً أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مرّ على بيت غير عليّ وفاطمة عليهماالسلام، ولو مرّة واحدة، ولم يدّع ذلك حتّى من سعى في إطفاء نورهم عليهم السلام، وإليك بعضاً من الأخبار في ذلك:

1- عن أنس بن مالك، وعن زيد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: كان النبيّ صلى الله عليه و آله يأتي كلّ يوم باب فاطمة عليهماالسلام عند صلاة الفجر، فيقول: 'الصلاة يا أهل بيت النبوّة 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'' تسعة أشهر بعد ما نزلت: 'وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا'.

[ينابيع المودّة: 174 و الآية من سورة طه: 132].

2- وعن عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام: 'كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يجي ء إلى باب عليّ وفاطمة بعد نزول هذه الآية: 'وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ' تسعة أشهر، كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة، خمس مرّات، فيقول: الصلاة رحمكم اللَّه، وما أكرم اللَّه عزّ وجلّ أحداً من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة الّتي أكرمنا بها، وخصّنا من دون جميع أهل بيته'.

[عيون أخبار الرضا عليه السلام: 239].

3- عن أبي سعيد الخدري: يجي ء إلى باب عليّ عليه السلام تسعة أشهر في كلّ صلاة، فيقول: الصلاة يرحمكم اللَّه 'إِنَّمَا يُرِيدُ...' الآية.

[المناقب لأخطب خوارزم: 23].

و عنه أيضاً: كان نبيّ اللَّه صلى الله عليه و آله يجي ء إلى باب عليّ عليه السلام صلاة الغداة ثمانية أشهر، ويقول: 'الصلاة رحمكم اللَّه 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ' الآية.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 250:1، ح 320].

و عنه أيضاً: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جاء إلى باب عليّ عليه السلام أربعين صباحاً بعد ما دخل على فاطمة عليهاالسلام، فقال: 'السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، الصلاة يرحمكم اللَّه 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية'.

[المناقب لأخطب خوارزم: 23].

4- وعن ابن عبّاس قال: شهدنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تسعة أشهر يأتي كلّ يومٍ باب عليّ بن أبي طالب عليه السلام عند وقت كلّ صلاةٍ فيقول: 'السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته أهل البيت 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية، الصلاة رحمكم اللَّه' كلّ يومٍ خمس مرّات.

[تفسير الدرّ المنثور 199:5].

5- عن أبي الحمراء، قال: صحبت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تسعة أشهر، فكان إذا أصبح أتى باب عليّ وفاطمة عليهماالسلام، وهو يقول: 'يرحمكم اللَّه 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً''.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 252:1، ح 322].

6- و عن أبي الحمراء ايضاً، قال: خدمتُ النبيّ صلى الله عليه و آله نحواً من تسعة أشهر أو عشرة، وكان عند كلّ فجر لا يخرج من بيته حتّى يأخذ بعضادتي باب عليّ عليه السلام، ثمّ يقول: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته'، فيقول عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: 'وعليك السلام يا نبيّ اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته'. ثمّ يقول: 'الصلاة يرحمكم اللَّه 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً''، ثمّ ينصرف إلى مصلاه.

[الإحقاق 563:2].

7- وعنه ايضاً، قال: حفظت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثمانية أشهر بالمدينة، ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى إلى باب عليّ عليه السلام، فوضع يده على جنبتي الباب، ثمّ قال: 'الصلاة، الصلاة 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً''.

[تفسير الدرّ المنثور 199:5].

8- واخرج الطبري: بسنده عن أبي الحمراء ايضاً، قال:... سبعة أشهر رأيت النبيّ إذا طلع الفجر جاء إلى باب عليّ وفاطمة عليهماالسلام فقال: 'الصلاة الصلاة 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ''.

[تفسير جامع البيان 5:22].

ورواه ابن عساكر و السيوطي عنه مثله.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 251:1، ح 321؛ تفسير الدرّ المنثور 199:5].

9- وفي "سنن الترمذي": بسنده عن أنس بن مالك: قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: 'الصلاة يا أهل البيت 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية.

[سنن الترمذي 352:5، ح 3206، وعنه ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: 26].

10- و روى المجلسي عن الحارث: عن عليّ عليه السلام: 'كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يأتينا كلّ غداة فيقول: الصلاة رحمكم اللَّه، الصلاة 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ' الآية'. [بحارالانوار 215:25].

احتجاج أهل البيت بالآية

نزول هذه الآية في شأن الأئمّة المعصومين عليهم السلام كان أمراً مشهوراً بين أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وتابعيهم، بحيث كان الأئمّة المعصومون عليهم السلام يستشهدون بها، ويستدلّون بها، ولم نشاهد مورداً ينكر ذلك فيه أحد، ونذكر هنا بعضها:

احتجاج عليّ بالآية

1- عن أبي ذرّ الغفاري، عن أمير المؤمنين عليه السلام في الشورى

[الشورى الّتي عيّنها عمر بن خطاب كي تنهض بمهمّة تعيين الخليفة].

قال: 'إنّي اُحبّ أن تسمعوا منّي ما أقول لكم، فإن يكن حقّاً فاقبلوه، وإن يكن باطلاً فأنكروه'، قالوا: قل، فذكر من فضائله عن اللَّه وعن رسوله صلى الله عليه و آله وهم يُوافقونه ويُصدّقونه فيما قال عليه السلام، وكان فيما قال: 'فهل فيكم أحد أنزل اللَّه فيه آية التطهير، حيث يقول اللَّه تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً' غيري وغير زوجتي وابني؟'. قالوا: لا.

[غاية المرام: 296، ح 23].

2- و عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، في حديث قال: 'قال أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر: يا أبا بكر، تقرأ الكتاب؟ قال: نعم، قال: فاخبرني عن قول اللَّه تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'، فيمن نزلت، فينا أم في غيرنا؟ قال أبو بكر: بل فيكم'.

[تفسير البرهان 312:3].

3- و عن "سليم بن قيس" في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لرسول معاوية: أبي الدرداء وأبي هريرة، ومن حوله من النّاس في صفّين: 'أيّها النّاس، أتعلمون أنّ اللَّه تبارك وتعالى أنزل في كتابه 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ...' الآية، فجمعني رسول اللَّه وفاطمة والحسن والحسين عليهماالسلام في كساء وقال: اللّهمّ هؤلاء عترتي وخاصّتي وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت اُمّ سلمة: وأنا؟ فقال: إنّك إلى خير، وإنّما اُنزلت فيَّ، وفي أخي، وابنتي فاطمة، وابني الحسن والحسين خاصّة، ليس معنا غيرنا، وفي تسعة من وُلد الحسين من بعدي'. فقام كلّهم فقالوا: نشهد أنّ اُمّ سلمة حدّثتنا بذلك، فسألنا عن ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فحدّثنا به كما حدّثتنا اُمّ سلمة' الحديث.

[كتاب سليم بن قيس: 150، وروي عنه في غيبة النعماني: 68، والبحار 149:33].

احتجاج فاطمة بالآية

في كتاب "سليم بن قيس" قالت فاطمة الزهراء في حديث لها مع أبي بكر وعمر: 'أيّها النّاس، أما سمعتم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'إنّ ابنتي سيّدة نساء أهل الجنة' الى أن قالت: 'إنّ من أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً لا يجوز عليهم شهادة؛ لأنّهم معصومون من كلِّ سوء، مطهّرون من كلّ فاحشة' الحديث. [كتاب سليم بن قيس: 100].

احتجاج الحسن بن عليّ بالآية

وفي "البحار": لمّا أجمع الحسن بن عليّ عليه السلام على صلح معاوية خرج حتّى لقيه، فلمّا اجتمعا قام معاوية خطيباً... ثمّ قام الحسن عليه السلام، فخطب - إلى أن قال: - 'وقد قال اللَّه تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ' الآية، فلمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنا وأخي واُمّي وأبي فجلّلنا ونفسه في كساء لاُمّ سلمة، خيبريّ؛ وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، وهؤلاء أهل عترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت اُمّ سلمة "رضي اللَّه عنها": أدخل معهم يا رسول اللَّه؟ قال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يرحمك اللَّه، أنت على خير، وإلى خير، وما أرضاني عنك! ولكنّها خاصّة لي ولهم، ثمّ مكث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد ذلك بقيّة عمره حتّى قبضه اللَّه إليه، يأتينا في كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول: 'الصلاة يرحمكم اللَّه 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ' الآية... [البحار 138:10].

لفظ حديث الكساء

نذكر نصّاً لحديث الكساء متداول متعارف عليه في مجالس المؤمنين شيعة آل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يستشفي المرضى بقراءته، ويُطلب به قضاء الحاجات، وأنقله من رسالة العالم الجليل الحجّة الزاهد الشيخ محمّدتقي اليزدي البافقي عن كتاب "العوالم" للشيخ عبداللَّه البحراني، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبان بن تغلب، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري رحمة اللَّه عليه أنّه قال:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، سمعت فاطمة الزهراء عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّها قالت: 'دخل عليَّ أبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في بعض الأيام

[يظهر من هذا النقل و ما مرّ من الأخبار تكرر قضية الكساء، مرّة في بيت اُمّ سلمة، و اُخرى في بيت فاطمة عليهاالسلام، و ان كان نزول الآية مرّة واحدة، كما سيأتي مع توضيحه في صفحات الآتية من كلام الامام السيّد شرف الدين رحمه الله].

فقال صلى الله عليه و آله: السلام عليكِ يا فاطمة، فقلت: وعليك السلام يا أبتاه، فقال صلى الله عليه و آله: إنّي لأجد في بدني ضعفاً، فقلت له: اُعيذك باللَّه يا أبتاه من الضعف، فقال صلى الله عليه و آله: يا فاطمة، ائتيني بالكساء اليماني وغطّيني به، فأتيته وغطّيته به، وصرت أنظر إليه، فإذا هو يتلألأ كأنّه البدر في ليلة تمامه وكماله.

فما كانت إلا ساعة، وإذا بولدي الحسن قد أقبل، فقال: السلام عليك يا اُمّاه، فقلت: وعليك السلام يا قرّة عيني، وثمرة فؤادي، فقال لي: يا اُمّاه، إنّي اُشمّ عندك رائحة طيّبة، كأنّها رائحة جدّي رسول اللَّه. فقلت: نعم - يا ولدي - إنّ جدّك تحت الكساء، فأقبل الحسن عليه السلام نحو الكساء، وقال: السلام عليك - يا جدّاه، يا رسول اللَّه - أتأذن لي أن أدخل معك؟ فقال صلى الله عليه و آله: وعليك السلام - يا ولدي - وصاحب حوضي، قد أذنت لك، فدخل معه تحت الكساء.

فما كانت إلا ساعة فإذا بولدي الحسين قد أقبل، وقال: السلام عليكِ يا اُمّاه، فقلت: وعليك السلام يا قرّة عيني، وثمرة فؤادي، فقال لي: يا اُمّاه، إنّي اُشمّ عندك رائحة طيّبة، كأنّها رائحة جدّي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقلت: نعم - يا بُنيّ - إنّ جدّك وأخاك تحت الكساء. فدنا الحسين عليه السلام نحو الكساء، وقال: السلام عليك - يا جدّاه - السلام عليك يا من اختاره اللَّه، أتأذن لي أن أكون معكما تحت هذا الكساء؟ فقال: وعليك السلام - يا ولدي - ويا شافع اُمّتي، قد أذنت لك، فدخل معهما تحت الكساء.

فأقبل عند ذلك أبو الحسن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقال عليه السلام: السلام عليكِ يا فاطمة، يا بنت رسول اللَّه، فقلت: وعليك السلام يا أبا الحسن، ويا أمير المؤمنين، فقال: يا فاطمة، إنّي اُشمّ عندك رائحة طيّبة كأنّها رائحة أخي وابن عمّي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقلت: نعم، ها هو مع ولديك تحت الكساء، فأقبل عليّ نحو الكساء، وقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال له: وعليك السلام يا أخي، وخليفتي، وصاحب لوائي في الحشر، نعم قد أذنتُ لكَ، فدخل عليّ تحت الكساء.

ثمّ أتيت نحو الكساء، وقلت: السلام عليك - يا أبتاه يا رسول اللَّه - أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال لي: وعليكِ السلام - يا بنتي ويا بضعتي - قد أذنتُ لكِ، فدخلتُ معهم. فلمّا اكتملنا، واجتمعنا جميعاً تحت الكساء، فأخذ أبي رسول اللَّه بطرفي الكساء، وأومأ بيده اليمنى إلى السماء، وقال: اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي وحامّتي، لحمهم لحمي، ودمهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويحزنني ما يحزنهم، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدوٌّ لمن عاداهم، ومحبّ لمن أحبّهم، وإنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليَّ وعليهم، وأذهب عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً.

فقال عزّ وجلّ: يا ملائكتي، ويا سُكّان سماواتي، إنّي ما خلقت سماءً مبنيّة، ولا أرضاً مدحيّة، ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئة، ولا فلكاً يدور، ولا فُلكاً تسري، ولا بحراً يجري، إلا لمحبّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء.

فقال الأمين جبرئيل: يا ربّ، ومن تحت الكساء؟

فقال اللَّه عزّ وجلّ: هم أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، وهم فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها.

فقال جبرئيل: يا ربّ، أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادساً؟ فقال اللَّه عزّ وجلّ: قد أذنت لك، فهبط الأمين جبرئيل، وقال لأبي: السلام عليك يا رسول اللَّه، العليّ الأعلى يقرئك السلام، ويخصّك بالتحية والإكرام، ويقول لك: وعزّتي وجلالي، إنّي ما خلقت سماءً مبنيّة، ولا أرضاً مدحيّة، ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئة، ولا فَلكاً يدور، ولا بحراً يجري، ولا فُلكاً تسري، إلا لأجلكم ومحبّتكم، وقد أذن لي أن أدخل معكم، فهل تأذن لي أنت، يا رسول اللَّه؟ فقال أبي: وعليك السلام يا أمين وحي اللَّه، نعم، قد أذنتُ لك، فدخل جبرئيل معنا تحت الكساء.

فقال جبرئيل لأبي: إنّ اللَّه قد أوحى إليكم يقول: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً''. فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللَّه، اخبرني ما لجلوسنا هذا تحت هذا الكساء من الفضل عند اللَّه؟

فقال صلى الله عليه و آله: والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً، واصطفاني بالرسالة نجيّاً، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبّينا إلا ونزلت عليهم الرحمة، وحفّت بهم الملائكة، واستغفرت لهم إلى أن يتفرّقوا.

فقال عليّ عليه السلام: إذن - واللَّه - فزنا وفاز شيعتنا وربّ الكعبة.

فقال أبي: يا عليّ، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً، واصطفاني بالرسالة نجيّاً، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمعٌ من شيعتنا ومحبّينا وفيهم مهموم إلا وفرّج اللَّه همّه، ولا مغمومٌ إلا وكشف اللَّه غمّه، ولا طالب حاجة إلا وقضى اللَّه حاجته'.

فقال عليّ: 'إذن - واللَّه - فزنا وسعدنا، وكذلك شيعتنا، فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة، بربّ الكعبة'. [الإحقاق 554:2].

توضيح في مفردات آية التطهير

بعد ما رأيت الأخبار والأحاديث المتواترة - من العامّة والخاصّة - في شأن نزول الآية في أصحاب الكساء، وهم: رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وابن عمّه عليّ المرتضى، الّذي هو بمنزلة روحه ونفسه، وابنته الّتي هي مهجة قلبه، وثمرة فؤاده، وسبطاه الحسن والحسين اللذان هما ريحانتاه من الدنيا، فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية، وينبغي أن نشير إلى مفردات الآية حتّى يسهل لنا معرفة المقصود من الآية، وهو عصمة الأئمّة عليهم السلام، وطهارتهم الذاتيّة.

في معنى الارادة في الآية

إنّ الإرادة على قسمين: الإرادة التشريعيّة، والإرادة التكوينيّة، وفي القرآن جاءت بكلا المعنيين:

فمن الآيات الواردة بمعنى الإرادة التشريعيّة

1- 'يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ'.

[سورة البقرة: 185].

2- 'مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن حَرَجٍ وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ'.

[سورة المائدة: 6].

فالإرادة في هاتين الآيتين - أو غيرهما من الآيات - بمعنى الإرادة التشريعيّة، وتعني طلب الشي ء من الغير، وإيجاد الشوق في الغير ببعثه نحو الفعل. وبعبارة اُخرى: الإرادة التشريعيّة هي جعل القانون والبعث، وإنشاء ما يصلح أن يكون داعياً أو زاجراً.

ومن الآيات بمعنى الإرادة التكوينيّة

1- 'إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ'.

[سورة يس: 82].

2- 'إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ'.

[سورة النحل: 40].

3- 'إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ'.

[سورة هود: 107].

و بعد هذا فاعلم أنّ المراد من الإرادة في الآية 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...'، هي الإرادة التكوينيّة؛ لأنّ الإرادة متى اُسندت إلى الباري تعالى كانت ظاهرة في التكوين؛ لعدم انفكاك إرادته سبحانه عن تحقّق إرادته من دون حالة انتظار، مضافاً إلى القرائن في الآية وغيرها الّتي تدلّ على أنّ المراد من الإرادة فيها هي الإرادة التكوينيّة.

قال الشيخ الطوسي رحمه الله: لفظ 'إِنَّمَا' يجري مجرى ليس، فيكون تلخيص الكلام: ليس يريد اللَّه إلا إذهاب الرجس على هذا الحدّ عن أهل البيت.

[تفسير التبيان 308:8. وهناك توضيحات في القرائن الداخليّة والخارجيّة لآية التطهير، على أنّ الإرادة هي إرادة تكوينيّة، أعرضنا عنها لطولها، ومن أرادها فليراجع كتاب آية التطهير "10:1"].

دفع شبهة الجبر

فإن قيل: إنّ الإرادة التكوينيّة بطهارة أهل البيت تقتضي تحقّق امتثال الأوامر والنواهي منهم بلا اختيار، مع أنّهم مكلّفون بلا ريب.

قلنا: إنّ الجواب عن هذه الشبهة ونظائرها واضح؛ لأن الطهارة جاءت تارة بمعنى الطهارة الباطنيّة، واُخرى بمعنى الطهارة الجوارحيّة، أمّا الطهارة الباطنيّة فهي خلوّ باطن الإنسان عن أي شكٍّ وغفلة عن مولاه، بحيث يرى نفسه دائماً في حضور مولاه، ولا يُريد إلا ما أراد مولاه، والاجتناب عمّا لا يرضي مولاه، وهذه الطهارة حاصلة للأنبياء والأوصياء وأهل العصمة بعناية من اللَّه.

وأمّا الطهارة الجوارحيّة، فهي جعل الإنسان حركاته وتمام شؤونه مطابقة لإرادات مولاه وتكاليفه، وكلّما زادت معرفته زادت طهارته.

ولا يخفى أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان معصومٌ بالنسبة إلى إدراكه؛ لحسن الأفعال وقبحها، فمن اجتنب الميتة لعلمه بضرر أكلها عدّ معصوماً من هذه الجهة، وإن لم يكن معصوماً بالنسبة إلى سائر الأفعال والتروك، ومن اجتنب الخمر والسرقة والكذب أيضاً لعلمه بمفاسد هذه الاُمور عدّ معصوماً عن اختيار بهذا المقدار، وليس جبراً، فمن ترك جميع المحرّمات لعلمه بمساوئها ومضارّها، وأتى بجميع الواجبات لعلمه برضى المولى فلا يعدّ مجبوراً، بل يكون فاعلاً لها عن اختيارٍ، فظهر أنّ الإنسان التارك للكلّ معصوم، كالإنسان التارك للبعض، وكلاهما معصوم عن اختيار، إلا أنّ عصمته في الأوّل حاصلة بالنسبة إلى كلّ القبائح دون الثاني، والثاني معصوم بالإضافة إلى بعض المعاصي.

والشاهد على عصمة نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله، وعليّ، وفاطمة، وذرّيّتهما أي الأئمة المعصومين الحسن و الحسين إلى المهدي عليهم السلام قوله تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ...' الآية، حيث شهد بطهارتهم، وكذا في آية المباهلة جعل عليّاً نفس النبيّ صلى الله عليه و آله، ويزيد عصمة الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام بما جاء في القرآن بقوله سبحانه: 'وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ'.

[سورة البقرة: 88].

و قوله سبحانه أيضاً: 'أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِروحٍ مِنْهُ'.

[سورة المجادلة: 22].

و الاخبار في ذلك كثيرة نذكر هنا ما رواه في "البحار": عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان جالساً يوماً وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال: 'اللّهمّ إنّك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي، وأكرم النّاس عليَّ، فأحبَّ مَن يُحبُّهم، وأبغض مَن يُبغضُهم، ووال مَن والاهم، وعاد مَن عاداهم، وأعِن من أعانهم، واجعلهُم مطهّرين من كلّ رجس، معصومين من كلّ ذنبٍ، وأيّدهم بروح القدس منك' - الحديث. [البحار 84:37].

في معنى الإذهاب في الآية

الإذهابُ على قسمين:

فمرّة يطلق ويراد منه إزالة الشي ء عن المحلّ بعد ثبوته، كما يقال: الماء يذهب القذارة والنجاسة. وتارةً يُطلق الإذهاب ويُراد منه دفع الشي ء عن المحلّ قبل عروضه، وإن كان ممكناً في حدّ ذاته لعروضه، كقوله: أذهب اللَّه عنك السوء والبلاء. والإذهابُ في الآية: 'لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ' بالمعنى الثاني، أي دفع الرجس عنهم قبل عروضه.

قال الشيخ المفيد "رحمة اللَّه عليه" في ذلك: إنّ الخبر عن إرادة اللَّه تعالى إذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم السلام والتطهير لهم لا يفيد إرادة عزيمة أو ضميراً أو قصداً، على ما يظنّه جماعة ضلّوا عن السبيل في معنى إرادة اللَّه عزّ اسمه، وإنّما يفيد إيقاع الفعل الّذي يُذهِبُ الرجس، وهو العصمة في الدين، والتوفيق للطاعة الّتي يقرب بها العبد من ربّ العالمين، وليس يقتضي إذهاب الرجس وجودهُ من قبل، بل قد يذهب بما كان موجوداً، ويذهب بما لم يحصل له وجود للمنع منه. والإذهاب عبارة عن الصرف، وقد يصرف عن الإنسان ما لم يعتره كما يصرف عنه ما اعتراه. ألا ترى أنّه يقال في الدعاء: 'صرف اللَّه عنك السوء'، فيقصد إلى المسألة منه تعالى عصمته من السوء، دون أن يُراد بذلك الخبر من سوءٍ به، والمسألة في صرفه عنه، وإذا كان الإذهاب والصرف بمعنى واحد، فقد بطل ما توهّمه السائل فيه، وثبت أنّه قد يذهب بالرجس عمّن لم يعتره قطّ الرجس على معنى العصمة له منه، والتوفيق لما يبعده من حصوله به، فكان تقدير الآية حينئذٍ: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ...'، الّذي قد اعترى سواكم بعصمتكم منه، ويطهّركم أهل البيت من تعلّقه بكم على ما بيّناه.

[المسائل العكبرية للشيخ المفيد - المسألة الاُولى: 26 و 27].

في معنى "الرجس" في الآية

فقد يبحث عنه في اللغة و في التفسير و في القرآن و في الاحاديث.

اما الرّجس في اللغة

ففي "مجمع البحرين": الرِّجس - بالكسر -: القَذر، وقيل: العِقاب والغَضب، وقال بعضُ الأفاضلِ: الرِّجس وإن كان في اللغة بمعنى القذر، وهو أعمّ من النجاسة، إلا أنّ الشيخ قال في "التهذيب": إنّ الرجس هو النجس بلا خلاف، وظاهره أنّه لا خلاف بين علمائنا في أنّه في الآية بمعنى النجس، قوله تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ'، أي الأعمال القبيحة والمآثم، إلى آخره.

[مجمع البحرين 74:4].

وفي "نهاية ابن الأثير": والرجس: القذر، وقد يعبّر به عن الحرام، والفعل القبيح، والعذاب، واللعنة، والكفر.

[نهاية ابن الأثير 200:2، لسان العرب 1128:1، مادة "رجس"].

وفي "المفردات": الرجس: الشي ء القذر، والرجس يكون على أربعة أوجه: إمّا من حيث الطبع، وإمّا من جهة العقل، وإمّا من جهة الشرع، وإمّا من كلّ ذلك، كالميتة، فإنّ الميتة تعاف طبعاً وعقلاً وشرعاً، إلى آخره. [مفردات الراغب: 188، مادة "رجس"].

اما الرجس في التفسير

ففي تفسير "مجمع البيان": عن ابن عبّاس: الرجس: عمل الشيطان، وما ليس للَّه فيه رضى.

[تفسير مجمع البيان 356:8].

وفي تفسير "الكاشف": المراد بالرجس هنا الذنوب.

[تفسير الكاشف 216:6].

وفي تفسير "الميزان": الرجس - بالكسر فالسكون -: صفة من الرجاسة والقذارة، والقذارة: هيئة في النفس توجب التجنّب والتنفّر منها، وتكون بحسب ظاهر الشي ء، كرجاسة الخنزير. قال اللَّه تعالى: 'أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ'

[سورة الأنعام: 145].

وبحسب باطنه وهو الرجاسة والقذارة المعنوية، كالشرك والكفر، وأثر العمل السيّئ - إلى أن قال: - إذهابُ الرجس، واللام فيه للجنس: إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطئ حقّ الاعتقاد والعمل، فتنطبق على العصمة الإلهيّة الّتي هي صورة علميّة نفسانيّة تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد وسيّئ العمل.

[تفسير الميزان 312:16].

اما الرجس في القرآن

فهو يستعمل في الأمر الخبيث، وما يجب الاجتناب عنه، كما هو ظاهر من آيات الذِّكر الحكيم، ومنها:

1- قوله تعالى: 'إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطَانِ'.

[سورة المائدة: 90].

2- 'إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ'.

[سورة الأنعام: 145].

3- 'فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ'.

[سورة التوبة: 95].

4- 'فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ'.

[سورة الحجّ: 30].

5- 'وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ'.

[سورة التوبة: 125].

وغير ذلك من الآيات في هذا المجال، فاستعمل الرجس في الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير من الأدناس والقذارات الظاهريّة، وفي بعضها استعمل في الكفر والشرك والصفات الرذيلة الباطنيّة.

و امّا الرجس في الأحاديث

فقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه و آله في خطبة له: 'وهم الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس، وطهّرهم من النجس'.

[توضيح الدلائل: 197، نقلاً من كتاب آية التطهير 19:1].

عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله - في حديث - قال: 'فنحن أهل بيت أذهب اللَّه عنّا الرجس، وطهّرنا تطهيراً من الدّنس'.

[البحار 315:36].

وعن ابن عباس: عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'وعاد من عاداهم، وأعِن من أعانهم، واجعلهم مطهّرين من كل رجس، معصومين من كلّ ذنب، وأيّدهم بروح القدس منك'.

[البحار 84:37].

وقال عليّ عليه السلام في خطبة له: 'أيّها النّاس، اعرفوا فضل من فضّل اللَّه، واختاروا حيث اختار اللَّه، واعلموا أنّ اللَّه قد فضّلنا أهل البيت حيث يقول: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية، فقد طهّرنا اللَّه من الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، ومن كلّ دنيّة، ومن كلّ رجاسة' إلى آخره.

[المسترشد: 90، نقلاً عن آية التطهير 306:1].

وعنه أيضاً: 'نحن أهل بيت أذهب اللَّه عنّا الفواحش، ما ظهر منها وما بطن'.

[أرجح المطالب: 326، نقلاً عن الإحقاق 479:9].

وعن فاطمة عليهاالسلام: 'إنّ من أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً لا تجوز عليهم شهادة؛ لأنّهم معصومون من كلّ سوء، مطهّرون من كلّ فاحشة' - الحديث.

[كتاب سليم بن قيس: 100، نشر مؤسّسة البعثة].

وعن أبي بصير، عن جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام - في حديث طويل - قال: 'الرجس هو الشكّ، واللَّه لا نشكّ في ربّنا أبداً'.

[تفسير البرهان 309:3، في ذيل حديث طويل في اُصول الكافي 284:1].

عن ابن عبّاس: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية، اُنزلت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، والرجس: الشكّ.

[تنزيل الآيات: 24، نقلاً عن الإحقاق 53:14].

وعنه: قال عمر: هيهات، أبت واللَّهِ قلوبكم - يا بني هاشم - إلا حسداً ما يحول، وضغناً وغشاماً لا يزول، فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تصف قلوب قوم أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بالحسد والغشّ، فإنّ قلب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من قلوب بني هاشم.

[الكامل لابن الأثير 304:3، الطبري 224:4، نقلاً عن آية التطهير 114:1].

وعن عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام - في حديث طويل -: 'الإمام المطهّر من الذنوب، والمبرّأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم' إلى آخره.

[اُصول الكافي 200:1، باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته، ح 1].

والأخبار في هذا المجال أكثر من أن تحصى، واكتفينا بهذا القليل منها روماً للاختصار.

نتيجة معاني "الرجس"

الرجس على ما يستفاد من القرآن والحديث واللغة والتفسير: هو القذارات الظاهريّة، والرذائل الخبيثة الباطنيّة، وعلى ما في آية التطهير أنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام قد طهّروا من كلّ ما يصدق عليه عنوان الرجس من الدنس والرذيلة والنجس. ومن الشكّ والذنب والخطيئة، ومن الحسد والغشّ، ومن الأقذار والفواحش ما ظهر منها وما بطن، وهذا يعني حصول الطهارة بمعنى الكلمة، ولا تحصل هذه الطهارة وإذهاب الرجس إلا بتوفيق من اللَّه وعناياته الخاصّة، وهذه حاصلة من اللَّه تعالى للمعصومين عليهم السلام؛ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و عليّ وفاطمة وذرّيّتهما الى قائمهم عليهم السلام خاصّة، ولا نصيب من هذه الطهارة لغيرهم عليهم السلام.

قال المفسّر الخبير الطبرسي: واستدلّ الشيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة عليهم السلام بأن قالوا: إنّ لفظة "إنّما" محقّقة لما أثبت بعدها، نافية لما لم يثبت، فإنّ قول القائل: إنّما لك عندي درهم، وإنّما في الدار زيد، يقتضي أنّه ليس له عنده سوى الدرهم، وليس في الدار سوى زيد.

وإذا تقرّر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة، أو الإرادة الّتي يتّبعها التطهير وإذهاب الرجس، ولا يجوز الوجه الأوّل؛ لأنّ اللَّه تعالى قد أراد من كلّ مكلّف هذه الإرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل البيت عليهم السلام دون سائر الخلق؛ ولأنّ هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شكّ، ولا شبهة، ولا مدح في الإرادة المجرّدة، فثبت الوجه الثاني، وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيّين بالآية من جميع القبائح.

قد علمنا أنّ من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته، فثبت أنّ الآية مختصّة بهم لبطلان تعلّقها بغيرهم.

[تفسير مجمع البيان 357:8].

وقال السيّد شرف الدين "قدّه": إنّ الآية دلّت على عصمة الخمسة عليه السلام؛ لأنّ الرجس فيها عبارة عن الذنوب، كما في الكشّاف وغيره، وقد تصدّرت بأداة الحصر، وهي "إنّما"، فأفادت إرادة اللَّه تعالى في أمرهم مقصورة على إذهاب الذنوب عنهم وتطهيرهم منها، وهذا كنه العصمة وحقيقتها.

[الفصول المهمّة للسيّد شرف الدين: 217].

في معنى "أهل البيت"

وفيه احتمالات:

الأوّل: أهل البيت العتيق ومكّة.

الثاني: أهل البيت المنسوب إلى بيت النبوّة، بحيث يكون شاملاً لأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء و... نساء النبيّ صلى الله عليه و آله.

الثالث: أن يكون "أهل البيت" كناية عن نساء النبيّ صلى الله عليه و آله.

الرابع: أن يكون "أهل البيت" إشارة إلى عدّة خاصّة، وهم المجتمعون تحت الكساء، فلا يشمل غيرهم.

الخامس: أن يكون المراد كلّ من كان على شاكلة النبيّ صلى الله عليه و آله، سواء كان من أفراد اُسرة النبيّ صلى الله عليه و آله نسباً أو لم يكن، وعلى هذا فمن لم يكن كذلك يخرج، ولو كان من أقرب الأقارب، كما قال اللَّه تعالى: 'قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ'.

[سورة هود: 46].

هذه هي الاحتمالات الممكنة ثبوتاً في هذه الآية الكريمة، أمّا في مقام الإثبات، فالمستفاد من الآيات والروايات هو الاحتمال الخامس من المعاني المحتملة، يعني مَن كان على شاكلة النبيّ صلى الله عليه و آله، كما يؤيّد هذا الاحتمال الآيات و الروايات. أمّا الآيات فقوله تعالى: 'فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ'.

[سورة الأعراف: 83].

خطاباً للنبيّ لوط عليه السلام.

وقوله تعالى: 'وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ'

[سورة هود: 45 و 46].

والظاهر من الأهل في هاتين الآيتين - وغيرهما من الآيات المشتملة على لفظ الأهل - هو مَن كان على شاكلته.

ويؤيّد ذلك ما ورد في الحديث في تفسير الآية:

عن "العيون": باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والاُمّة حديث طويل يقول فيه: 'أما علمتم أنّه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم'. قالوا: ومن أين يا أبا الحسن؟ قال: 'قول اللَّه عزّ وجلّ: 'وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ'

[سورة الحديد: 26].

الآية، فصارت النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين، أما عَلِمتُم أنّ نوحاً حين سأل ربّه عزّ وجلّ فقال: 'رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ'؛ وذلك أنّ اللَّه وعده أن ينجّيه وأهله، فقال له ربّه عزّ وجلّ: 'قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ' الآية.

[تفسير نور الثقلين: ج45 و 46].

وعن عمّار الدهني، عن عمرة بنت أفعى، قالت: سمعت اُمّ سلمة تقول:... إلى أن قالت لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله: قلت: ألستُ من أهل البيت؟ قال صلى الله عليه و آله: 'إنّك من أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله، وما قال: إنّك من أهل البيت.

[مستدرك الحاكم 416:2 و 146:3].

و أمّا الروايات: فمنها: ما دلّ على أنّ أهل البيت عِدل القرآن في أخبار الثقلين بقوله صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي' - الحديث.

[ذكرناه في فصل "عليّ وحديث الثقلين"].

ومنها: ما ورد من الأخبار في شأن آية المباهلة: 'فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ' الآية، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم السلام، ثمّ قال صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ هؤلاء أهلي'.

[صحيح مسلم 1871:4، رقم ح 2404، سنن الترمذي 638:5، ح 3724].

وأفرد المحبّ الطبري باباً في "ذخائر العقبى" سمّاه باب في بيان أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'.

[ذخائر العقبى: 24 - 21، مصابيح السنّة 183:4، ح 4795].

وغير ذلك من الأخبار الّتي تدلّ - صراحةً أو كناية - على أنّ أهل البيت هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والمعصومون من ذرّيّتهم دون غيرهم.

عن ابن بابويه: بسنده عن موسى الهاشمي بسرّ من رأى، قال: حدّثني أبى، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ، عن عليّ عليهم السلام، قال: 'دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في بيت اُمّ سلمة وقد نزلت عليه هذه الآية: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ' الآية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا عليّ، هذه الآية فيك، وفي سبطيّ، والأئمّة من ولدك. فقلت: يا رسول اللَّه؟ كم الأئمّة بعدك؟ قال: أنت يا عليّ، ثمّ الحسن، والحسين، وبعد الحسين عليّ ابنه، وبعد عليّ محمّد ابنه، وبعد محمّد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسى ابنه، وبعد موسى عليّ ابنه، وبعد عليّ محمّد ابنه، وبعد محمّد عليّ ابنه، وبعد عليّ الحسن ابنه، والحجّة من ولد الحسن، هكذا أسماؤهم على ساق العرش، فسألت اللَّه تعالى عن ذلك، فقال: يا محمّد، هذه الأئمّة بعدك مطهّرون، معصومون، وأعداؤهم ملعونون'.

[الإمامة والولاية في القرآن: 159].

وذهب بعض أهل السنّة إلى عدم اختصاص الآية بمن ذكرنا، بل قال بعضهم باختصاصها بغيرهم، وإنّ المراد زوجات النبيّ فقط، وهذا القول نسب إلى عكرمة، ومقاتل وعروة.

[تفسير الدرّ المنثور 168:5].

وقال بعضهم: إنّ المراد من أهل البيت المجتمعون تحت الكساء مع النساء، وجميع ذلك مردود بما ذكرناه، وسيأتي في آخر الفصل إيراد حول انحصار الآية في الخمسة الطيّبين مع جوابه...

في معنى "التطهير" في الآية

قال الراغب: والطهارة ضربان: طهارة جسم، وطهارة نفس، وحُمل عليهما عامّة الآيات. يقال: طهّرته فطهُر وتطهّر واطّهّر، فهو طاهر ومتطهّر. قال تعالى: 'وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا'، أي استعملوا الماء، أو ما يقوم مقامه.

إلى أن قال: وعلى هذا: 'وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'، 'وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ'، 'ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ' أطهر لقلوبكم، 'لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ'، أي إنّه لا يبلغ حقائق معرفته إلا من طهّر نفسه وتنقّى من درن الفساد، إلى آخره.

[مفردات الراغب: 308، مادة "طهر"].

وقد ورد في الحديث: لمّا أجمع الحسن بن عليّ عليه السلام على صلح معاوية وخطب خطبة طويلة فقال فيها: 'معشر الخلائق، فاسمعوا ولكم أفئدة وأسماع فعوا، إنّا أهل بيتٍ أكرمنا اللَّه بالإسلام، واختارنا واصطفانا واجتبانا، فأذهبَ عنّا الرجس، وطهّرنا تطهيراً، والرجس هو الشكّ، فلا نشكّ في اللَّه الحقّ ودينه أبداً، وطهّرنا من كلّ أفن وغيّة' - الحديث. [البحار 139:10].