حديث الثقلين وعصمة الأئمّة وطهارتهم الذاتيّة

لقد جعل النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله أهل البيت عليهم السلام عِدلاً للكتاب في هذا الحديث ليُعلم النّاس أنّه كما وجبت طاعة أوامر القرآن والانتهاء عن نواهيه وبذلك تنال السعادة، وأنّ مخالفته ومعصيته حرام، فإنّ حكم أهل البيت حكم القرآن، الذين هم عِدل له، فالإعراض عنهم حرام ومعصية، وطاعتهم واجبة كطاعة القرآن.

وليعلمهم أيضاً بأنّه كما جعل اللَّه القرآن حجّة، ومخالفته ضلال وعمى، فإنّ الأئمّة أيضاً حجّة اللَّه ومخالفتهم تؤدّي إلى الضلال والعمى، ومع العلم بهذا فمن ذا الّذي يقوى أن يكون بهذه المنزلة؟ أيمكن أن يكون العاصي أو من يشتبه في أفعاله على أقلّ التقادير حجّة في أقواله وأفعاله؟ وهل تكون مخالفة العاصي ضلالة؟ كلا، بل إنّ في مخالفة العاصي والضالّ، السعادة والصلاح، وعلى هذا فإنّ الأئمّة الذين هم عِدل القرآن يجب أن يكونوا معصومين عن الذنب والخطأ، كما عصم النبيّ الأكرم عن ذلك.

قال أبو عبداللَّه محمّد بن مسلم بن أبي النواري الرازي في كتابه فضائل أمير المؤمنين عليه السلام الأربعين في صدر أحاديثه: فنرجو من اللَّه أن يحشرنا في زمرة نبيّه وعترته، ويرزقنا رؤيتهم وشفاعتهم بفضله وسعة رحمته الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ثمّ قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، فهما خليفتان بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، سبب موصول من السماء إلى الأرض، فإن استمسكتم بهما لن تضلّوا، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتذهبوا، فإنّ مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطّة في بني إسرائيل، من دخله غفر له. ألا وأنّ أهل بيتي أمان اُمّتي، فإذا ذهب أهل بيتي جاء اُمّتي ما يوعدون، ألا وإنّ اللَّه عصمهم من الضلالة، وطهّرهم من الفواحش، واصطفاهم على العالمين.

ألا وإنّ اللَّه أوجب محبّتهم، وأمر بمودّتهم، ألا وإنّهم شهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد، ألا وإنّهم أهل الولاية الدالّون على طرق الهداية، ألا وإنّ اللَّه فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة، فمن تمسّك بهم سلك، ومن حاد عنهم هلك، وبالعترة الهادية الطيّبين، دُعاة الدين، وأئمّة المتّقين، وسادة المسلمين، وقادة المؤمنين، واُمناء ربّ العالمين، على البريّة أجمعين، الذين فرّقوا بين الشكّ واليقين، وجاؤا بالحقّ المبين'.

[عبقات الأنوار 418:1، من المجلد 12، طبع اصفهان].

حديث الثقلين و إمامة الأئمّة وعصمتهم

لا شكّ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جعل عترته الطاهرة عِدلاً للكتاب العزيز في هذه الأحاديث، وواضح أنّ التمسّك بالعترة الّتي جعلها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عِدلاً للقرآن الكريم هو الأخذ بأقوالهم وسنّتهم، فتكون أقوالهم وسنّتهم حجّة شرعيّة إلهيّة، والإعراض عن قولهم وسنّتهم إعراض عن اللَّه تعالى، ولهذا استشهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى بهذه الأحاديث، كدليل على تقدّمه على القوم.

ودلّت أيضاً على عصمتهم من الذنوب والخطأ؛ لمساواتهم عليهم السلام في الحديث بالقرآن الثابت صونه وحفظه من اللَّه تعالى بقوله: 'إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ'

[سورة الحجر: 9].

على أنّهم أحد الثقلين المخلّفين في النّاس، وجاء الأمر بالتمسّك بهم كالتمسّك بالقرآن، ولو كان الخطأ يقع منهم لما صحّ الأمر بالتمسّك بهم، كي لا يضلّ المرء كما لا يضلّ المتمسّك بالقرآن، ولو وقع منهم الذنب أو الخطأ لكان المتمسّك بهم في ضلال.

ودلّت أيضاً على أنّ في اتّباعهم الهدى والنور كما في القرآن، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتّباعهم الضلال، ووصفهم أنّهم حبل ممدود من السماء إلى الأرض كالقرآن، وهو كناية عن أنّهم واسطة بين اللَّه تعالى وخلقه.

حديث الثقلين وبقاء الحجّة الإلهيّة إلى يوم القيامة

إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله هادٍ ومرشد للنّاس كافّة، ليس في عصره وحسب، وإنّما هو كذلك إلى يوم القيامة، فلم يُبعَث نبيّ الإسلام لجماعة خاصّة ومكان خاصّ ومدينة معيّنة، وإنّما جاء لجميع البشر وفي جميع الأعصار إلى انقراض البشرية 'لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ'. ومن الطبيعي أن يموت النبيّ، فلا بدّ أن يعرِّف الناسَ بما يضمن بقاء الإسلام المحمّدي من بعده لئلا يضلّوا؛ لقوله صلى الله عليه و آله: 'إنّ الأرض لا تخلو من قائم للَّه بحجّة'، والّذي يضمن بقاء الرسالة المحمّدية هو القرآن والعترة، فالقرآن هو كتاب القانون، والعترة هم المنفّذون له، والمبيّنون أحكامه، والمفسّرون غوامضه.

وهذان الاثنان معاً هما خليفة رسول اللَّه من بعده، ولذلك فإنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله يشير إلى هذه الحقيقة حتّى في آخر لحظات عمره الشريف، ويبيّن للنّاس بأنّ القرآن والعترة بين أظهركم من بعدي، فتمسّكوا بهما ولا تتفرّقوا عنهما فتضلّوا.

والطريف أنّه قد استبدلت كلمة الثقلين بكلمة خليفتين في بعض ما ورد عن العامّة، وعليه فإنّ كلّ من يدّعي خلافة النبيّ فهو غاصب، فعن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب اللَّه؛ حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو ما بين السماء إلى الأرض - وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[مسند أحمد بن حنبل 185:5، وفي تفسير "الدرّ المنثور 60:2" أخرج الحديث بسنده عن زيد بن ثابت بعين ما تقدّم].

ونرى النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله في بعض الأحيان يولي تعريف شخص عليّ عليه السلام اهتماماً خاصّاً أثناء بيانه لحديث الثقلين؛ لأنّه يعلم بأنّ القوم إذا ما فرّقوا بين عليّ والقرآن، وجعلوا عليّاً جليس داره، وتربّع الآخرون على كرسي السلطة، فإنّ الكثير من المسلمين سينحرفون، وإلى الأبد، ولا يصلون إلى الحقّ والحقيقة، ولن يدع الكائدون وعبّاد الدنيا الحقّ يظهر جليّاً، ولذلك اهتمّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله بتعريف عليّ عليه السلام في حديث الثقلين و في غيره.

وفي "أمالي المفيد" عن عبداللَّه بن عبّاس، قال: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام والعبّاس بن عبدالمطّلب والفضل بن العبّاس دخلوا على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مرضه الّذي قُبض فيه، فقالوا: يا رسول اللَّه، هذه الأنصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها عليك. فقال: 'وما يبكيهم'؟ قالوا: يخافون أن تموت، فقال صلى الله عليه و آله: 'أعطوني أيديكم'، فخرج في ملحفة وعصابة حتّى جلس على المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'أمّا بعد أيّها النّاس، فما تنكرون من موت نبيّكم؟ ألم أنع

[نعى لنا فلاناً بناءً للفاعل: أخبرنا بوفاته].

إليكم، وتنع إليكم أنفسكم؟ لو خلّد أحد قبلي ثمّ بعث إليه لخلّدت فيكم، ألا إنّي لاحق بربّي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه تعالى بين أظهركم، تقرؤونه صباحاً ومساءً، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم اللَّه، وقد خلّفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا اُوصيكم بهم، ثمّ اُوصيكم بهذا الحيّ من الأنصار، فقد عرفتم بلاءهم عند اللَّه عزّ وجلّ وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسّعوا في الديار، ويشاطروا الثمار، ويؤثروا وبهم الخصاصة؟ فمن ولي منكم أمراً يضرّ فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار، وليتجاوز عن مسيئهم' وكان آخر مجلس حتّى لقى اللَّه عزّ وجلّ.

[أمالي المفيد: 45].

حديث الثقلين ووجود قائم آل محمّد

يستفاد من الحديث أيضاً انّ المهدي "عج" قائم آل محمّدعليهم السلام باق الى يوم القيامة حيث ان النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله قال في هذا الحديث بأنّ القرآن والعترة متلازمان ولن يفترقا حتّى يردا عليه حوض الكوثر يوم القيامة. ويفهم من هذا الحديث جيّداً أنّ الأرض لن تخلو يوماً من حجّة اللَّه، يكون عِدلاً للقرآن، سواء كان حاضراً ظاهراً بين النّاس أو غائباً، كما هو الحال في عصرنا حيث غاب صاحب الزمان "عجّل اللَّه فرجه" عن الأنظار، فحتّى لو لم ترد رواية تدلّ على وجود إمام العصر والزمان - وما أكثر ما ورد في ذلك - لكان بإمكاننا أن نثبت وجوده من خلال حديث الثقلين؛ وذلك أنّ كلام الرسول الأكرم يؤخذ عن طريق الوحي، وهو يقول: إنّ الأرض لن تكون يوماً بدون عِدل للقرآن حتّى تقوم الساعة. والطريف أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله يشير في بعض الروايات الواردة في باب "حديث الثقلين" إلى مسألة الأئمّة المعصومين ووجودهم حتّى انقراض الدنيا وفنائها.

ففي "البحار"، عن "كفاية الأثر" عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام، قال: 'خطبنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوماً فقال - بعد ما حمد اللَّه وأثنى عليه -: معاشر النّاس، كأنّي اُدعى فاُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم ولا تعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم ولو خلت إذن لساخت بأهلها. ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد [لا يبيد: لا يهلك].

ولا ينقطع، وأنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور [المغمور: المجهول].

ولكيلا تبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، اُولئك الأقلون عدداً، الأعظمون قدراً عند اللَّه. فلمّا نزل عن منبره قلت: يا رسول اللَّه، أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟ قال: يا حسن، إنّ اللَّه يقول: 'إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ'. [سورة الرعد: 7].

فأنا المنذر وعليّ الهادي. قلت: يا رسول اللَّه، فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟ قال: نعم، عليّ هو الإمام والحجّة بعدي، وانت الحجّة والإمام بعده، والحسين هو الإمام بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسين ولدٌ يقال له: عليٌّ سميّ جدّه عليّ، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده علىّ ابنه، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللَّه من صلب عليّ ولداً سَميّي وأشبه النّاس بي، علمه علمي، وحكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه - وساق الكلام في الأئمّة سلام اللَّه عليهم أجمعين إلى أن قال: - ويخرج اللَّه من صلب الحسن "بن عليّ العسكري" الحجّة القائم، إمام زمانه، منقذ أوليائه، يغيب حتّى لا يُرى، يرجع عن أمره قومٌ، ويثبت له آخرون 'وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ' [سورة يونس: 48].

ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللَّه عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا تخلو الأرض منكم، أعطاكم اللَّه علمي وفهمي، ولقد دعوت اللَّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ومن زرعي وزرع زرعي'.

[البحار 338:36، وروى القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة عن الحسن بن عليّ عليه السلام نحوه].

ثمّ إنّ قوله صلى الله عليه و آله: 'لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض' يدلّ على استمرار وجود إمام من العترة الهادية في كلّ عصر، كاستمرار وجود القرآن الكريم بشكل ظاهر وواضح، ولهذا ذهب ابن حجر إلى هذا القول، و قال: وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، ويشهد لذلك الخبر: 'وفي كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي'.

[الصواعق المحرقة: 149].

مخالفة العترة كمخالفة القرآن هي كفر وضلال

لدينا قاعدة تقول: حكم الشي ء حكم لملازمه، ومن الاُمور المسلّمة في الإسلام، والّتي تتّفق فيها جميع الفِرق الإسلاميّة أنّ مخالفة القرآن حرام وعصيان، وتترتّب عليها عقوبة أبديّة، وكلّ من يرتكب هذه المعصية فهو في حكم الكافر والمرتدّ. وقد أزاح نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله الستار عن هذا السرّ والحقيقة من خلال حديث الثقلين، فهو يقول للمسلمين كناية: إنّ مخالفة أهل البيت كفر وضلال تترتّب عليها عقوبة أبديّة؛ وذلك لأنّ العترة عِدل القرآن، ويقف أهل البيت في صفّ واحد مع القرآن.

ولم يكن حديث الثقلين مختصّاً بزمان ومكان محدّدين، وإنّما كان للجميع وإلى يوم القيامة، وبيّن النبيّ صلى الله عليه و آله حقيقة التلازم بينهما، ولذلك فإنّ اُولئك الذين قالوا: حسبنا كتاب اللَّه، واستناداً إلى هذا الحديث الشريف المتواتر كفّار ضالّون، وهم في العذاب الأليم خالدون، وكذلك الذين يقولون: حسبنا العترة، فإنّهم ضالّون، وفي العذاب خالدون، ولهذا جهد النبيّ صلى الله عليه و آله في آخر لحظات عمره إلى تأكيد وجوب التمسّك بالعترة عندما طلب كتفاً ودواة ليثبت هذا الحديث، أو خصوص الوصيّة بالخلافة لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام كتابةً هذه المرّة وليبلّغه المسلمين، ولمّا تنبيّه بعض الحاضرين إلى ما يريده النبيّ لم يحترم قدسيّته، وتكلّم بكلام نابٍ، فتأثّر النبيّ وغصب لذلك وأخرجهم من داره، وقد صرّحت بعض الروايات بأنّ المتكلّم كان عمر بن الخطّاب.

ففي "صحيح البخاري" بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا حُضر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفي البيت رجال، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده'، فقال بعضهم: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللَّه، فاختلف أهل البيت واختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'قوموا'.

قال عبيداللَّه: فكان يقول ابن عبّاس: إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.

[صحيح البخاري بشرح الكرماني 235:16].

و روى الصدوق بسنده عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: 'قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله - في حديث -: ولا بدّ للمسافر من زاد، فمن لم يتزوّد وسافر عطب وهلك، وخير الزاد التقوى، ثمّ اذكروا وقوفكم بين يدي اللَّه جلّ جلاله، فإنّه الحكم العدل، واستعدّوا لجوابه إذا سألكم، فإنّه لا بدّ سائلكم عمّا عملتم بالثقلين من بعدي: كتاب اللَّه، وعترتي، فانظروا أن لا تقولوا: أمّا الكتاب فغيّرنا وحرّفنا، وأمّا العترة ففارقنا وقتلنا، فعند ذلك لا يكون جزاؤكم إلا النّار، فمن أراد منكم أن يتخلّص من هول ذلك اليوم فليتولّ وليّي، وليتّبع وصيّي وخليفتي من بعدي عليّ بن أبي طالب، فإنّه صاحب حوضي يذود عنه أعداءه ويسقي أولياءه، فمن لم يسبق منه لم يزل عطشاناً، ولم يروَ أبداً، ومن سُقي منه شربة لم يشق ولم يظمأ أبداً، وإنّ عليّ بن أبي طالب لصاحب لوائي في الآخرة كما كان صاحب لوائي في الدنيا، وإنّه أوّل من يدخل الجنّة؛ لأنّه يقدمني وبيده لوائي تحته آدم ومن دونه من الأنبياء'.

[أمالي الصدوق - المجلس السابع والأربعون: رقم 9].

وروى العلامة الخوارزمي بسنده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: 'لمّا ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مرضه والبيت غاصٌّ بمن فيه، قال: ادعو لي الحسن والحسين؟ فجاءا، ثمّ قال: أيّها النّاس، قد خلّفت فيكم كتاب اللَّه وسنّتي وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب اللَّه تعالى كالمضيّع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي، أما أنّ ذلك لن يفترقا حتّى اللقاء على الحوض'.

[مقتل الحسين للخوارزمي: 114].

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ذيل الآية الشريفة: 'يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ' إلى قوله: 'وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ'.

[سورة آل عمران: 106 و 107].

قال: حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الجارود، عن عمران بن هيثم، عن مالك بن ضمرة، عن أبي ذرّ رحمه الله، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'ترد عليّ اُمّتي يوم القيامة على خمس رايات:

الأوّل: فراية مع عجل هذه الاُمّة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه، فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم.

الثاني: ثمّ ترد علَيّ راية مع فرعون هذه الافمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه، فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم.

الثالث: ثمّ ترد علَيّ راية مع سامري هذه الاُمّة فأقول لكم: ما فعلتم بالثقلين بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فعصيناه وتركناه، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه، وصنعنا به كلّ قبيح، فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم.

الرابع: ثمّ ترد علَيّ راية ذي الثدية مع أوّل الخوارج وآخرهم؟ فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر ففرّقناه ومزّقناه وبرئنا منه، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه. فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم.

و الخامس: ثمّ ترد علَيّ راية مع إمام المتّقين، وسيّد الوصيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، ووصيّ رسول ربّ العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى اُهرقت فيهم دماؤنا، فأقول: ردوا الجنّة رواءً مرويّين مبيضّة وجوهكم'.

ثمّ تلا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّت وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ'. [تفسير عليّ بن إبراهيم 109:1].

حديث الثقلين وإنّ ظلم أحدهما ظلم للآخر

يستفاد من حديث الثقلين من قوله صلى الله عليه و آله: 'لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'، أنّ ما يجري على أحد الثقلين بعد النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله سيجري على الآخر، فإذا هجر القرآن هجرت العترة أيضاً، وإذا هجرت العترة هجر القرآن، وإذا ظلم أحدهما ظلم الآخر حتّى يردا على النبيّ صلى الله عليه و آله الحوض يوم القيامة.

ليس الأمر أنّ العترة إن ظلمت فسيقتصر الظلم عليها، بل إنّهما توأمان متلازمان، وكما قال النبيّ صلى الله عليه و آله فلا ينبغي التفريق بينهما، فإذا ما ترك جماعة العترة وراء ظهورهم، فإنّهم يكونون قد أدبروا عن القرآن أيضاً، وإذا ظلموا العترة فإنّهم قد ظلموا القرآن أيضاً، وقد أخطأوا حيث قالوا: نعمل بكتاب اللَّه، فإنّهم إن لم يطيعوا العترة لم يطيعوا القرآن.

وقد تجلّت هذه الحقيقة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بوضوح، وخاصّة بعد أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّ الحكومات الّتي تظاهرت بالإسلام والطواغيت عبدة الدنيا والجاه قد عزلوا العترة الطاهرة - وهم مفسّرو ومبيّنو الحقائق الربّانيّة وأسرار الكتاب السماوي، الذين تلقّوا هذا العلم والتفسير من النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله - عن المجتمع، وفرّقوا بين هذا الثقل الأصغر وبين الثقل الأكبر، ألا وهو القرآن الكريم، كما عزلوهم عن كلّ شي ء في العالم، وإذا استثنينا السنوات الّتي تصدّى فيها عليّ عليه السلام للحكومة فإنّه لم يكن لعترة النبيّ صلى الله عليه و آله دور يذكر في القيادة السياسيّة، ولم يكتفوا بذلك، بل أنزلوا بهم المظالم وارتكبوا في حقّهم الجنايات الّتي يخجل القلم أن يسجّلها، وتدمع العيون لها، وتحترق القلوب لألمها، كلّ ذلك والحكومة قد سلكت مسلك الفساد والطغيان والهجوم والتعدّي بحجّة أنّ القرآن محكم.

غير أنّ الظلم الّذي أنزلوه بالعترة قد نال الثقل الأكبر - أي القرآن - تلقائياً، فإنّهم قد هجروا القرآن الّذي هو كتاب بناء وحياة وعمل، فلمّا هجروا العترة هجروا القرآن أيضاً، وأضحى لا يقرأ إلا على القبور ومجالس العزاء الّتي تقام على الموتى، وأصبح يربط بأيدي الرياضيّين، وتمهر به النساء، وأخيراً فإنّ القرآن الّذي كان سبباً لوحدة المجتمع اتّخذه الجناة آلة لإيجاد الفرقة، فأضاعوا دنيا النّاس وآخرتهم.

والحقّ أنّ هجران القرآن قد نشأ عن هجران العترة والثقل الأصغر، وبالرغم من أنّ القرآن يطبع ظاهريّاً، وقد عمّت مظاهر القرآن ونسخه أرجاء الدنيا، أمّا في المجال العملي فإنّ الشي ء الّذي ليس له أثر الحكم والتنفيذ هو القرآن والقرآن فقط.

نعم، إنّ هاتين الجوهرتين النفيستين متلازمتان، وإذا فصلت إحداهما، فإنّ الثانية لا بدّ أن تتعطّل، وسيكون الظلم شاملاً للاثنتين معاً، كما ورد في وصيّة عليّ عليه السلام لكميل، قال: 'قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: معاشر النّاس، أمرنى جبرئيل عن اللَّه عزّوجلّ ربّي وربّكم أن اُعلمكم أنّ القرآن هو الثقل الأكبر، وأنّ وصيّي هذا - وأشار إلى عليّ عليه السلام - وابناي ومَن خلفهم من أصلابهم، هم الثقل الأصغر يشهد الثقل الأكبر بالثقل الأصغر، ويشهد الثقل الأصغر بالثقل الأكبر، كلّ واحد منهما ملازم لصاحبه غير مقارن له حتّى يردا على اللَّه فيحكم بينهما وبين الخلق'.

[سفينة البحار 132:1، مادة "ثقل"].

إنّنا نشكر اللَّه تعالى أنّ مَنّ علينا بالعمل بالقرآن واتّباع عترة آل محمّد "صلوات اللَّه عليهم أجمعين"، وندعو اللَّه أن يجعلنا من العاملين الحقيقيّين بالقرآن، ومن المتّبعين بحقّ للمعصومين عليهم السلام. [اقتباس من الوصيّة السياسيّة الإلهيّة للإمام الخميني قدس سره].

عناية العلماء من العامّة والخاصّة بنقل حديث الثقلين

لقد روى حديث الثقلين معظم علماء أهل السنّة في تفاسيرهم وفي صحاحهم، فرواه مسلم والترمذي في صحيحيهما، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده، والثعلبي في تفسيره، وابن المغازلي في المناقب، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة و... حتّى روى السيّد البحراني في "غاية المرام" تسعة وثلاثين حديثاً عن العامّة.

وأمّا عندنا نحن الإماميّة فمجمع عليه ومتّفق، وروى السيّد البحراني في "غاية المرام" في طرق أهل البيت عليهم السلام اثنين وثمانين حديثاً.

[غاية المرام: الباب 28 و 29 من المقصد الأوّل].

وقد خصّص العلامة مير سيّد حامد حسين الهندي مجلّدين ضخمين - 11 و 12 من كتابه المسمّى "عبقات الأنوار" طبعة اصفهان - لنقل حديث الثقلين وطرقه ورواته من كتب أهل السنّة.

وفي "الصواعق المحرقة" قال: روى هذا الحديث "حديث الثقلين" عن بضعة وعشرين صحابيّاً، وورد من طرق صحيحة مقبولة، وهو من الأحاديث المتواترة، أجمع الحفّاظ على القول بصحّته، وإليهم المرجع في ذلك.

[القول الفصل 49:1، نقلاً عن الإحقاق 369:9].

وقال المفيد: ثمّ كان ممّا أكّد له من الفضل وتخصّصه منه بجليل رتبته ما تلا حجة الوداع من الأمور المتجدّدة لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله والأحداث الّتي اتّفقت بقضاء اللَّه وقدره؛ وذلك أنّه صلى الله عليه و آله تحقّق من دنوّ أجله ما كان قدّم الذِّكر به لاُمّته، فجعل صلى الله عليه و آله يقوم مقاماً بعد مقام في المسلمين يحذّرهم الفتنة بعده والخلاف عليه، ويؤكّد وصايتهم بالتمسّك بسنّته والإجماع عليها والوفاق، ويحثّهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة، والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الخلاف والارتداد، وكان فيما ذكره صلى الله عليه و آله من ذلك ما جاءت به الرواة على اتّفاق وإجماع من قوله صلى الله عليه و آله: 'أيّها الناس، إنّي فرطكم، وأنتم واردون عليَّ الحوض، ألا وإنّي سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يلقياني، وسألت ربّي ذلك فأعطانيه ألا وإنّي قد تركتهما فيكم، كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، لا تسبقوهم فتفرّقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

أيّها النّاس، لا ألفينّكم بعدي ترجعون كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كبحر السيل الجرّار، ألا وإنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيّي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله'، وكان صلى الله عليه و آله يقوم مجلساً بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه.

[إرشاد المفيد 179: 1].

صدور حديث الثقلين في مواطن مختلفة

اعلم أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله كما مرّت الاشارة اليه قد تحدّث بحديث الثقلين في مواطن عديدة ومناسبات خاصّة طبقاً لما بين أيدينا من الروايات، وأغلب تلك الموارد كانت في آخر سنة من عمره الشريف، وهي كما يلي:

1 - في يوم عرفة في حجّة الوداع.

2 - في مسجد الخيف في منى في حجّة الوداع.

3 - في خطبته يوم غدير خم بعد رجوعه من حجّة الوداع.

4 - يوم خطب في جمعة، ولعلّ هذه وما بعدها كانت في خطبته يوم قُبض.

5 - في خطبته على المنبر يوم قُبض أو هو في حجرته المباركة في مرضه.

6 - في رجوعه من سفر.

ففي "ينابيع المودّة" عن كتاب سليم بن قيس، قال عليّ عليه السلام: 'إنّ الّذي قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم عرفة على ناقته القصوى، وفي مسجد الخيف، ويوم الغدير، ويوم قبض في خطبة على المنبر: أيّها النّاس، إنّي تركت فيكم الثقلين، لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما: الأكبر منهما كتاب اللَّه، والأصغر عترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير عهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض كهاتين، أشار بالسبّابتين... فتمسّكوا بهما لن تضلّوا، ولا تقدّموا منهم، ولا تخلّفوا عنهم، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم'. [ينابيع المودّة: 114، والإحقاق 353:9].

طائفة من الأخبار الّتي رويت بلا مناسبة خاصّة

1- في "مسند أحمد حنبل" عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب اللَّه، وأهل بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض جميعاً'.

[مسند أحمد بن حنبل 189:5].

2- و روى ابن المغازلي الشافعي عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[المناقب لابن المغازلي: 234، رقم 281.

وروى نحو هذا الحديث صاحب العمدة عن زيد بن أرقم، راجع: غاية المرام: 213، باب 28، من المقصد الأوّل، ح 16].

3- و في "العبقات" قال: روى الترمذي في صحيحه، بسنده عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض، فانظروني كيف تخلفوني'.

[عبقات الأنوار: 110:1، من المجلّد 12، طبع اصفهان، وفي سنن الترمذي 622:5، ح 3788، وفي آخره هذا: 'كيف تخلفوني فيهما'].

4- و روى ابن المغازلي، بسنده عن يزيد بن حيّان، قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فخطبنا فقال: 'أمّا بعد - أيّها النّاس - إنّما أنا بشر يوشك أن اُدعى فاُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين، وهما: كتاب اللَّه فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به - فحثّ على كتاب اللَّه ورغّب فيه - ثمّ قال: وأهل بيتي اُذكّركم اللَّه في أهل بيتي'، - قالها ثلاث مرّات -.

[المناقب لابن المغازلي: 236، ح 284، ينابيع المودّة: 191].

5- و اخرج السيوطي عن الطبراني في "المعجم الكبير" بسنده عن زيد بن أرقم رحمه الله قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّي لكم فرط، وإنّكم واردون علَيّ الحوض "عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضّة"، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين'. قيل: وما الثقلان؟ قال: 'الأكبر كتاب اللَّه سبب طرفه بيد اللَّه وطرفه بأيديكم فتمسّكوا به لن تزالوا

[كذا في المصدر، والصحيح: 'نزلوا'].

ولا تضلّوا، والأصغر عترتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض، وسألت لهما ذاك ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تعلّموهما فإنّهما أعلم منكم'.

[المعجم الكبير: 137، نقلاً عن الإحقاق 322:9، تفسير الدرّ المنثور 60:2].

6- و في مسند أحمد بن حنبل، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[مسند أحمد بن حنبل 14:3، ورواه الطبراني في المعجم الصغير: 131].

7- و اخرج السيوطي: عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي أمرين أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب اللَّه حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض'.

[تفسير الدرّ المنثور 60:2].

8- و روى ابن المغازلي: عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'اُوشك أن اُدعى فاُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما'؟

[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 235، ح 282].

9- و رواه أيضاً: عن أبي سعيد الخدري، قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: 'إنّي اُوشك أن اُدعى فاُجيب، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين: كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما؟'.

[المصدر السابق: ح 283].

10- و روى القندوزي الحنفي: عن أبي ذرّ أنّه أخذ بحلقة باب الكعبة فقال: إنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه وعترتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما'.

[ينابيع المودّة: 39].

11- و في "غاية المرام": عن ابن أبي الحديد، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'خلفتُ فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وأهل بيتي، حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض، لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[غاية المرام: 213، باب28 من المقصد الأوّل، ح 36].

12- و روى المجلسى عن "كفاية الأثر" بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'أيّها النّاس، إنّي فرط لكم، وإنّكم واردون علَيّ الحوض، حوضاً أعرض ممّا بين صنعاء وبصرى

[صنعاء اسم لموضعين: أحدهما باليمن وهي العظمى، والاُخرى بدمشق، وبصرى بالضمّ والقصر أيضاً في موضعين: إحداهما بالشام، والاُخرى من قرى بغداد].

فيه قدحان عدد النجوم من فضّة، وإنّي سائلكم حين تردون علَيّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ السبب الأكبر كتاب اللَّه طرفه بيد اللَّه وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'. فقلت: يا رسول اللَّه، مَن عترتك؟ قال: 'أهل بيتي من ولد عليّ وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار، وهم عترتي من لحمي ودمي'.

[البحار 317:36].

الاخبار الّتي وردت في مناسبات خاصّة

والأخبار الّتي وردت في مناسبات خاصّة طبقاً لما في أيدينا من الروايات تبلغ ستّة موارد، نذكرها كما يلي:

حديث الثقلين يوم عرفة

روى الترمذي في صحيحه، عن جابر بن عبداللَّه، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: 'يا أيّها النّاس، إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي'.

[صحيح الترمذي 621:5، باب مناقب أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله، ح 3786.

ورواه بعين ما تقدّم العلامة البغوي في مصابيح السنّة: 206، ومحمّد بن يوسف الزرندي في نظم درر السمطين: 232، والطبراني في المعجم الكبير: 137، وغيرهم من علماء العامّة].

حديث الثقلين في مسجد الخيف في منى

1- وفي "غيبة النعماني": بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسلام، وروي أيضاً بطريق آخر عن عليّ بن عقبة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، وبطريق آخر عن حريز، عن أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد بن عليّ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام، قال في ذيل حديث طويل: 'خطب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مسجد الخيف في حجّة الوداع: إنّي فرطكم

[فرطكم - بفتح الفاء والراء -: أي متقدّمكم إليه. يقال: فرط يفرط فهو فارط، وفرط - بفتح الراء -: إذا تقدّم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهيّ ء لهم الدلاء، والأرشية - النهاية].

وإنّكم واردون علَيّ الحوض، حوضاً عرضه ما بين بصرى إلى صنعاء، فيه قدحان عدد نجوم السماء، ألا وإنّي مخلف فيكم الثقلين: الثقل الأكبر القرآن، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي، هما حبل اللَّه ممدود بينكم وبين اللَّه عزّ وجلّ، ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، سبب منه بيد اللَّه، وسبب بأيديكم، إنّ اللطيف الخبير قد نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض كاصبعيّ هاتين - وجمع بين سبّابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبّابته والوسطى - فتفضّل هذه على هذه'.

[الغيبة للنعماني: 42، الباب الثاني، ح 2].

2- وفي "غاية المرام" عن "بصائر الدرجات" للشيخ سعد بن عبداللَّه القمّي، بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله النّاس بمنى، فقال: أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض. ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم حرماتٍ ثلاثٍ: كتاب اللَّه عزّ جلّ، وعترتي، والكعبة البيت الحرام'.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: 'أمّا كتاب اللَّه فحرّفوا، وأمّا الكعبة فهدّموا، وأمّا العترة فقتلوا، وكلّ ودائع نبذوا منها فقد نبذوا'.

[غاية المرام: 224، الباب 29 من المقصد الأوّل، ح 17].

حديث الثقلين في غدير خم

1- روى الطبراني بسنده عن حذيفة بن اُسيد الغفاري، قال: لمّا صدر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهنّ، ثمّ بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهنّ من الشوك وعمد إليهنّ فصلّى تحتهنّ، ثمّ قال: فقال: 'يا أيّها النّاس، إنّي قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلا نصف عمر الّذي يليه من قبله، وإنّي لأظنّ أنّي يوشك أن اُدعى فاُجيب، وأنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون'؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وجاهدت ونصحت، فجزاك اللَّه خيراً.

فقال: 'أليس تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث مَن في القبور'؟ قالوا: بلى، نشهد بذلك، قال: 'اللّهمّ اشهد'.

ثمّ قال: 'أيّها النّاس، إنّ اللَّه مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أوْلى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليّاً عليه السلام - اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه'.

ثمّ قال: 'يا أيّها النّاس، إنّي فرطكم، وإنّكم تردون عليَّ، وإنّي سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب اللَّه عزّ وجلّ سبب طرفه بيد اللَّه، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضا حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[المعجم الكبير: 157، نقلاً عن الإحقاق 337:9].

2- وفي "أرجح المطالب" عن اُمّ سلمة، قالت: أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيد عليّ بغدير خم، فرفعها حتّى رأينا بياض إبطيه، فقال: 'من كنت مولاه فعليّ مولاه'. ثمّ قال: 'أيّها النّاس، إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي، ولن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض.

[أرجح المطالب: 338، عن الإحقاق 366:9].

3- وروى الحاكم النيشابوري بسنده عن أبي واثلة أنّه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين مكّة والمدينة عند شجرات خمس، دوحات عظام، فكنس النّاس ما تحتهنّ، ثمّ راح رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عشية فصلّى، ثمّ قال: 'أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما، وهما: كتاب اللَّه وأهل بيتي عترتي'. ثمّ قال: 'أتعلمون إنّي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم'؟ ثلاث مرّات، قالوا: نعم، قال: 'من كنت مولاه فعليّ مولاه'.

[مستدرك الحاكم 109:3].

4- و روى القندوزي الحنفي عن صحيح مسلم بإسناده عن يزيد بن حيّان، قال: انطلقت أنا وحُصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيت - يا زيد - خيراً كثيراً؛ رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت - يا زيد - خيراً كثيراً. حدّثنا - يا زيد - ما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

قال: يابن أخي، واللَّه لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فما حدّثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: 'أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب اللَّه تعالى فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به - فحثّ على كتاب اللَّه عزّ وجلّ ورغّب فيه - ثمّ قال: وأهل بيتي، اُذكّركم اللَّه في أهل بيتي' - ثلاثاً -.

[ينابيع المودّة: 29، العبقات 414:1، من المجلّد 12، ط. اصفهان، والإحقاق 318:9].

حديث الثقلين في مرضه الّذي توفّي فيه

1- روى العلامة الخوارزمي بإسناده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: 'لمّا ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مرضه والبيت غاصّ بمن فيه، قال: ادعو لي الحسن والحسين عليهماالسلام، فجاءا، فجعل يلثمهما حتّى اُغمي عليه، فجعل عليّ عليه السلام يرفعهما عن وجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ففتح عينيه، وقال: دعهما يتمتّعا منّي وأتمتّع منهما، فستصيبهما بعدي إثرة.

ثمّ قال: أيّها النّاس، قد خلّفت فيكم كتاب اللَّه، وسنّتي، وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب اللَّه تعالى كالمضيّع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي، أما إنّ ذلك لن يفترقا حتّى اللقاء على الحوض'.

[مقتل الحسين عليه السلام: 114].

2- وعن الجويني، عن سليم بن قيس، أنّه روى عن عليّ عليه السلام في حديث، قال: 'إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في آخر خطبته قال يوم قبضه اللَّه عزّ جلّ إليه: إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا بعدي إن تمسّكتم بهما: كتاب اللَّه عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، فإنّ اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض كهاتين - وجمع مسبحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع مسبحته والوسطى - فتمسّكوا بهما ولا تقدّموهم فتضلّوا'.

[الإحقاق 353:9].

3- و أخرج ابن عقدة من طريق عروة بن خارجة، عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام، قالت: 'سمعت أبي صلى الله عليه و آله في مرضه الّذي قُبض فيه يقول - وقد امتلأت الحجرة من أصحابه -: أيّها النّاس، يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً، وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد عليّ عليه السلام فقال: هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض، فأسألكم ما تخلفوني فيهما'.

[ينابيع المودّة: 40].

4- و روى العلامة الامرتسري عن محمّد بن عبدالرحمن بن فلاد، وكان من رهط جابر بن عبداللَّه حيث أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيد عليّ والفضل بن العبّاس، في مرض وفاته، قال: فخرج يعتمد عليهما حتّى جلس على المنبر وعليه عصابة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال - في حديث -: 'فإنّي لاحق بربّي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللَّه بين أيديكم تقرؤونه صباحاً ومساءً، فيه ما تلقون وما تدعون، ألا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوناً كما أمركم اللَّه، ألا ثمّ اُوصيكم بعترتي أهل بيتي'.

[أرجح المطالب: 341، نقلاً عن الإحقاق 366:9].

5- و روى المفيد بإسناده عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا عبيد اللَّه مولى العبّاس يُحدّث أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لخطبة خَطَبنا في مرضه الّذي توفّي فيه، خرج متوكّئاً على يد عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثمّ قال: 'يا أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم الثقلين' وسكت، فقام رجلٌ، فقال: يا رسول اللَّه، ما هذان الثقلان؟ فغضب حتّى احمرّ وجهه ثمّ سَكَن، وقال: 'ما ذكرتهما إلا وأنا اُريد أن اُخبركم بهما، ولكن ربوت فلم أستطع، سببٌ طرفه بيد اللَّه، وطرف بأيديكم، تعمَلون فيه كذا وكذا، ألا وهو القرآن، والثقلُ الأصغر أهل بيتي'. [أمالي المفيد: 135، ح 3].

حديث الثقلين في مراجعته من سفر له

عن ابن المغازلي الشافعي، وكذا الحاكم، عن ابن عبّاس رضى الله عنه، قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله رجع من سفر له وهو متغيّر اللون، فخطب خطبة بليغة وهو يبكي. ثمّ قال: 'أيّها النّاس، قد خلّفت فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي واُرومتي، ولن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض. ألا وإنّي أنتظرهما، ألا وإنّي أسألكم يوم القيامة في ذلك عند الحوض...' - الحديث. [المناقب لابن المغازلي: 15، مخطوط، نقلاً عن الاحقاق 355:9].

حديث الثقلين في خطبة صلاة جمعة

وفي "غاية المرام" عن ثقة الإسلام الكليني، بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في خطبة صلاة الجمعة، قال: 'وقد بلّغ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الّذي اُرسل به فالزموا وصيّته، وما ترك فيكم من بعده من الثقلين: كتاب اللَّه وأهل بيته، الّذي لا يضلّ من تمسّك بهما، ولا يهتدي من تركهما'.

[غاية المرام: 234، الباب 29 من المقصد الأوّل، ح 81].

الاحتجاج بحديث الثقلين

في "غاية المرام" عن الشيخ في مجالسه، عن سالم بن أبي الجعد، يرفعه إلى أبي ذرّ رضى الله عنه وذكر حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام لأهل الشورى فيما ذكر لهم من فضائله وسوابقه في الإسلام والنصّ عليه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال عليه السلام فيما ذكر لهم: 'فهل تعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض، وإنّكم لن تَضِلّوا ما إن اتّبعتموهما واستمسكتم بهما'، قالوا: نعم. [غاية المرام: 223، باب29، ح 16].

توضيح في مفردات الحديث

لغرض توضيح وبيان معاني الحديث، فإنّنا نقدّم شرحاً لمفردات الحديث ليساعد إخوتنا القرّاء على فهم الحديث، وقد اعتمدنا في ذلك على خلاصة أقوال العلماء وكتب اللغة والروايات.

في معنى العترة

قال ابن الأثير، في الحديث: 'خلفت فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي' -: عترة الرجل: أخصّ أقاربه، وعترة النبيّ صلى الله عليه و آله بنو عبدالمطّلب، وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولاده وعليّ وأولاده، وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم.

[النهاية 177:3، مادة "عتر"].

وفي "العبقات": عترة الرجل: أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بيّنها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليُعلم أنّه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه.

[عبقات الأنوار: الجزء الأوّل، من المجلّد 12، ط. اصفهان].

وفي "العيون": عن جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام، قال: 'سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي، مَن العترة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللَّه ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حوضه'.

[عيون أخبار الرضا عليه السلام: 46، الباب 6، ح 25].

قال العلامة القاضي: اتّفقت الامّة على أنّ مراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من العترة استأمنهم عليها، عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

[تأريخ آل محمّد: 46، نقلاً عن الإحقاق 310:9].

وقال النعماني في "كتابه الغيبة": والعترة عليهم السلام هم الذين ضرب بهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مثلاً لاُمّته فقال: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، وَمن تخلّف عنها غرق'. [الغيبة للنعماني - الباب الثاني: 44].

في معنى أهل البيت

وأهل البيت هم عليّ بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة الأطهار، واُمّهم الزهراء البتول عليهم السلام، ولا يراد منهم جميع بني هاشم، بل المراد من العامّ هو الخاصّ ممّن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفّة والنزاهة حتّى يكونوا عِدل القرآن الكريم؛ لأنّ من عِدادهم من بني هاشم تصدر منهم الذنوب، ويجهلون كثيراً من الأحكام، ولا يمتازون عن غيرهم من الخلق، فلا يمكن أن يكونوا هم المجعولون شركاء القرآن في الاُمور المذكورة، بل يتعيّن أن يكونوا بعضهم لا كلّهم، وليسوا هم إلا من ذكرنا.

ويدلّ على ذلك حديث اُمّ سلمة أنّها قالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بينا هو يوم جالس إذ أتته فاطمة عليهاالسلام ببرمة فيها عصيدة، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'أين عليّ وابناه؟' قالت: في البيت. قال: 'ادعيهم لي'، فأقبل عليّ والحسن والحسين بين يديه، وفاطمة أمامه، فلمّا بصر بهم النبيّ صلى الله عليه و آله تناول كساء كان على المنامة خيبريّاً فجلّل به نفسه وعليّاً والحسن والحسين وفاطمة، ثمّ قال: 'اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي وأحبّ الخلق إليَّ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً'، فأنزل اللَّه تعالى: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ' الآية. [كشف الغمّة 62:1].

تفسير أهل البيت في كلام زيد و جوابه

وذهب زيد بن أرقم - في حديث - إلى أنّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله هم نساؤه وآل عليّ وآل عقيل، ففي صحيح مسلم، عن يزيد بن حيّان، قال: انطلقت أنا وحُصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً؟ رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، حدِّثنا يا زيد ما سمعت عن رسول اللَّه؟ فأجاب - إلى أن قال: - قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً، بين مكّة والمدينة، فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: 'أمّا بعد ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب اللَّه في الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللَّه، واستمسكوا به - فحثّ على كتاب اللَّه ورغّب فيه، ثمّ قال: - وأهل بيتي، اُذكّركم اللَّه في أهل بيتي، اُذكّركم اللَّه في أهل بيتي'.

فقال له حصين: ومن أهل بيته - يا زيد - أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكنّ أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال حصين: ومَن هم؟ قال زيد: هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عبّاس. قال حصين: قلت: كلّ هؤلاء حرم الصدقة عليهم؟ قال زيد: نعم.

[صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب فضائل عليّ 1873:4، وسنن البيهقي 30:7، وينابيع المودّة: 29، وغاية المرام: 80، باب16 المقصد الأوّل، ح 17].

أقول في جوابه:

وهذا التفسير مخالف لحديث آخر في صحيح مسلم، عن يزيد بن حيّان، قال: دخلنا على زيد، فقلنا: لقد رأيتَ خيراً، لقد صاحبت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وصلّيت خلفه، الحديث بنحو ما مضى آنفاً، غير أنّه قال: 'ألا وإنّي تارك فيكم الثقلين: أحدما كتاب اللَّه عزّ وجلّ، هو حبل اللَّه، مَن اتّبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة، وعترتي أهل بيتي'.

وفيه: فقلنا: مَن أهل بيته، نساؤه؟ قال زيد: لا، وأيمُ اللَّه، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته صلى الله عليه و آله أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

[صحيح مسلم 123:7، ط. دار المعرفة - بيروت، وينابيع المودّة: 29].

فظهر أنّ تفسير "أهل البيت" بالنساء في الحديث الأوّل خطأ، أو تفسير من زيد لا من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولذا صرّح في الحديث الثاني مع الحلف باللَّه تعالى على عدم إرادة النساء به. والحقّ أنّ أهل البيت الذين عدّهم الرسول صلى الله عليه و آله عِدلاً للقرآن، وتكون أقوالهم حجّة في تفسير القرآن، هم آل عليّ وذرّيّته المعصومون عليهم السلام لا آل عقيل وجعفر وعبّاس، ولا نساؤه قطعاً.

في معنى: 'اُذكّركم اللَّه في أهل بيتي'

معنى اُذكّركم اللَّه - كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في بعض أحاديث الثقلين - أي: اُذكِّركم اللَّه في شأن أهل بيتي، وأقول لكم: لا تؤذوهم واحفظوهم، والتذكير بمعنى الوعظ يدلّ عليه قوله: 'وعظ وذكّر'.

[انظر: عبقات الأنوار 494:2، من المجلّد 12، ط. اصفهان].

في معنى الثَّقَل

قال ابن الأثير في "النهاية" في الحديث: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي' سمّاهما ثَقَلين؛ لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكلّ خطير نفيس ثَقل، فسمّاهما ثَقَلين تعظيماً لقدرهما، وتفخيماً لشأنهما.

[النهاية 216:1، مادة "ثقل"].

وقال في "مجمع البحرين": وفي حديث النبيّ صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي'، قيل: سمّيا بذلك لأنّ العمل بهما ثقيل، وقيل من الثَّقَل بالتحريك متاع المسافر، والثَّقَل الأكبر يراد به: الكتاب، والثقل الأصغر: العترة "عليهم السلام".

[مجمع البحرين 330:5].

وفي "عبقات الأنوار": الثقل: المتاع المحمول على الدابة، وإنّما قيل للإنس والجنّ: الثقلان؛ لأنّهما قطان الأرض، فكأنّهما ثقلاها، وقد شبّه بهما الكتاب والعترة؛ لأنّ الدين يستصلح بهما، ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين، سمّاهما ثقلين لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل.

[عبقات الأنوار 494:2، من المجلّد 12، ط. اصفهان].

وفي "العيون": عن عليّ بن الفضل البغدادي، قال: سمعت أبا عمر صاحب أبي العبّاس تغلب، يسأل عن معنى قوله صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم الثقلين' لِمَ سُمّيا بالثَّقَلين؟ قال: لأنّ التمسّك بهما ثقيلٌ.

[عيون أخبار الرضا عليه السلام 46:1، الباب 6، ح 25].

قال ابن حجر في "الصواعق": سَمّى النبيُّ صلى الله عليه و آله القرآن والعترة ثَقَلين لأنّ الثقل كلّ نفيس خطير ممنون به، وهذان كذلك؛ إذ كلّ منهما معدن للعلوم الدينيّة والأسرار العقليّة الشرعيّة، ولهذا حثّ على الإقتداء والتمسّك بهما، وقيل: سُمّيا ثَقَلين لثقل وجوب رعاية حقوقها، ثمّ الّذي وقع عليهم الحثّ منهم إنّما هو العارفون بكتاب اللَّه والتمسّكون بسنّة رسول اللَّه؛ إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض وما أحقّهم بقول من قال:

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا*** أجابوا وإن اُعطوا أطابوا وأجزلوا

هم يمنعون الجار حتّى كأنّما*** لجارهم فوق السماكين منزل

[الاتحاف بحبّ الأشراف: 6، عن ابن حجر في الصواعق، نقلاً عن الإحقاق 310:9].

في معنى قوله: 'ما إن تمسّكتم به'

ما موصولة، والجملة الشرطيّة صلتها، وإمساك الشي ء التعلّق به وحفظه، ولهذا لمّا ذكر بالتمسّك عقّبه بالتمسّك به صريحاً، وهو الحبل في قوله صلى الله عليه و آله: 'كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض'، وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى: 'وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ'.

[سورة الأعراف: 176].

كأنّ النّاس واقعين في مهواة طبيعتهم، مشتغلين بسوآتها، وإنّ اللَّه تعالى يريد "بلطفه" رفعهم، فيدني حبل القرآن إليهم ليحفظهم من تلك الورطة، فمن تمسّك به نجا، ومن أخلد إلى الأرض هلك.

في معنى التمسّك بالقرآن والعترة

العمل به فيه وهو الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، والتمسّك بالعترة محبّتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم، وإطاعة أوامرهم والانزجار عن نواهيهم، وهذا هو بعينه إطاعة الرسول صلى الله عليه و آله وإطاعة اللَّه تعالى.

في قوله: 'إنّي تارك فيكم'

إشارة إلى أنّهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وأنّه يوصي لاُمّته بحسن المعاشرة معهما، وإيثار حقّهما على أنفسهم، كما يوصي الأب المشفق لأولاده، فقوله صلى الله عليه و آله: 'اُذكّركم اللَّه في أهل بيتي'، كما يقول الأب المشفق: اللَّه اللَّه في حقّ أولادي.

السرّ في الوصيّة بالحديث

و نذكر بعون اللَّه تعالى في ختام هذا الفصل ما يستفاد من الحديث فى السرّ في الوصية به، لعلّ السرّ في هذه الوصيّة والاقتران بالقرآن إيجاب محبّتهم لقوله تعالى: 'قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى'

[سورة الشورى: 23].

فإنّه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطاً بمحبّتهم على سبيل الحصر، وكأنّه يوصي الاُمّة بإقامة الشكر، والتحذير من الكفران، فمن قام بالوصيّة وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة بينهما لن يفترقا، فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتّى يردا الحوض، فيشكرا صنيعه عند رسول اللَّه، فحينئذٍ هو بنفسه يكافئه، واللَّه يجازيه الجزاء الأوفى، ومن أضاع الوصيّة وكفر النعمة فحكمه بالعكس.

وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله صلى الله عليه و آله: 'انظروا كيف تخلفوني فيهما'، والنظر بمعنى التأمّل والتفكّر، أي تفكّروا واستعملوا الرويّة في استخلافي إيّاكم هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء.

[عبقات الأنوار 493:2، من المجلّد 12، ط. اصفهان].

وقد حرص الرسول صلى الله عليه و آله على الوصيّة بهذا الحديث والتأكيد عليه في مناسبات عدّة لما فيه من الدلالات الكثيرة، فهو ويدلّ الحديث على عصمة أهل البيت، وأنّ كلامهم من اللَّه تعالى، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك، وإنّهم لن يفارقوا القرآن، ولن يفارقهم مدّة عمر الدنيا، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم.

ويدلّ على عدم جواز مفارقتهم بالتقدّم عليهم بجعل المرء نفسه إماماً لهم، و التخلّف عنهم، والائتمام بغيرهم، كما لا يجوز التقدّم على القرآن بالإفتاء بغير ما فيه، أو التخلّف عنه باتّباع أقوال مخالفيه.

ويدلّ على أسبقيتهم بالعلم لتأكيده على عدم جواز تعليمهم وردّ أقوالهم، ولو كانوا يجهلون شيئاً لوجب تعليمهم، ولم ينه عن ردّ قولهم، ودلّت هذه الأحاديث أيضاً على أنّ منهم من هذه صفته في كلّ عصر وزمان بدليل قوله صلى الله عليه و آله: 'إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني بذلك'، ورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنّهما 'لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'، وهو كما مرّ الكلام فيه من أقوى الحجج على وجود إمام العصر الغائب المنتظر لإقامة دولة العدل وتقويض اُسس الجور والظلم.

اللّهمّ اجعلنا من المتمسّكين بالقرآن والعترة الطاهرة المطهّرة، والعاملين بالقرآن وبأوامرهم الّتي هي أوامر اللَّه تعالى، والانتهاء عن نواههيهم الّتي هي نواهي اللَّه تعالى.

ان النبيّ سدّ أبواب الصحابة إلى المسجد إلا باب عليّ

قال سعد: كانت لعليّ عليه السلام مناقب لم تكن لأحد: كان يبيت في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر، وسدّ الأبواب إلا باب عليّ عليه السلام. المناقب لابن المغازلي: 256، الحديث 304

نظرة في قصة سدّ الأبواب

عندما هاجر الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله إلى المدينة، شرع في بناء المسجد فيها، وقد كانت هناك مجموعة من المهاجرين الذين لا يمتلكون وسائل السكنى، أو داراً للسكن يعرفون بأصحاب الصُّفّة، وقد اتّخذوا من مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مقرّاً وداراً لهم، ولمّا كان المسجد يُشكِّل قاعدة الإسلام والمسلمين وركيزتهم، فقد أمرهم الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله أن يتركوه، وبعد ذلك اتّخذ المهاجرون والأنصار بيوتاً قرب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وجعلوا أبوابها تفتح إلى داخل المسجد، بحيث يستطيعون الذهاب والإياب من هذه الأبواب، وأن يدخلوا المسجد للعبادة، وقد كان بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وبيت عليّ عليه السلام قرب المسجد أيضاً ويفتح بابهما إلى المسجد أيضاً، حتّى نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأبلغه بسدّ كلّ الأبواب الّتي تفتح إلى المسجد، وأن يمنع الدخول والخروج منها إلا باب الرسول صلى الله عليه و آله و باب عليّ عليه السلام.

ومن الطبيعي أنّ جماعة من الصحابة قد سألوا عن السبب، وآخرين اعترضوا على الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وتساءلوا ما الفرق بين عليّ عليه السلام وبين الآخرين؟

وقد أجابهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله - بعد أن حمد اللَّه وأثنى عليه -: بأنّ هذا إنّما تمّ بأمر من اللَّه تعالى، وانّني لم أسدّ باباً ولم أفتح باباً إلا بأمره جلّ وعلا.

ومن خصوصيّات هذه الحادثة أنّه ليس لأحد حقّ المرور من المسجد جُنباً إلا رسول اللَّه وعليّ وفاطمة وأولادهم المعصومون "صلوات اللَّه عليهم"، وهذه من خصوصيّاتهم.

في "المناقب" لابن المغازلي، و"كشف الغمّة" وغيرهما بالإسناد عن حذيفة بن اُسيد الغفاري، قال: لمّا قدم أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله المدينة لم يكن لهم بيوتٌ يبيتُون فيها، فكانوا يَبيتون في المسجد، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه و آله: 'لا تَبيتوا في المسجد فَتَحْتَلِمُوا'.

ثمّ إنّ القومَ بَنَوا بيوتاً حول المسجد وجعلوا أبوابها إلى المسجد، وإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادى أبا بكر فقال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يأمرك أن تخرج من المسجد، وتَسُدَّ بابك، فقال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه وخرج من المسجد.

ثمّ أرسل إلى عمر، فقال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يأمرك أن تَسُدُّ بابَك الّذي في المسجد وتخرج منه، فقال: سمعاً وطاعةً للَّه ولرسوله، غير أنّي أرغب إلى اللَّه في خوخة في المسجد، فأبلغه معاذ ما قال عمر. ثمّ أرسل إلى عثمان وعنده رُقية، فقال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه وخرج من المسجد. ثمّ أرسل إلى حمزة فسَدّ بابَه وقال: سمعاً وطاعةً للَّه ولرسوله.

وعليّ عليه السلام على ذلك يتردّد لا يدري أهو فيمن يُقيم أو فيمن يخرج، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله قد بنى له بيتاً في المسجد بين أبياته، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: 'اسكن طاهراً مطهّراً'، فبلغ حمزة قول النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام فقال: يا محمّد، تُخرجنا وتُمْسِك غِلمان بني عبد المطّلب؟ فقال له نبيُّ اللَّه': 'لا، لو كان الأمر لي ما جعلتُ من دونكم من أحد، واللَّه ما أعطاه إيّاه إلا اللَّه، وإنّك لعلى خير من اللَّه ورسوله أبْشِر'، فبَشَّره النبيّ صلى الله عليه و آله فَقُتل يوم اُحد شهيداً. ونفس

[نفس الشي ء على الرجل: حسده عليه].

ذلك رجال على عليّ عليه السلام فوجدوا في أنفسهم وتبيّن فضلُه عليهم، وعلى غيرهم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله، فبلغ ذلك النبيُّ صلى الله عليه و آله فقام خطيباً، فقال: 'إنّ رجالاً لا يجدون في أنفسهم في أنّي أسكنتُ عليّاً في المسجد، واللَّه ما أخرجتُهم ولا أسكنتُه، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أوحى إلى موسى وأخيه: 'أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ'

[سورة يونس: 87].

وأمر موسى أن لا يسكن مسجدَه ولا يَنكح فيه، ولا يدخله إلا هارون وذرّيّته، وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي دونَ أهلي، ولا يَحلّ مسجدي لأحدٍ ينكح فيه النساء إلا عليّ وذرّيّته، فمن ساءه فهاهنا'، وأومأ بيده إلى الشام.

[المناقب لابن المغازلي: 253، ح 303، وكشف الغمّة - باب المناقب 451:1، وبحار الأنوار 31:39].

وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: 'إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا بنى مسجده بالمدينة وأشرع بابه وأشرع المهاجرون والأنصار أبوابهم، أراد اللَّه عزّ وجلّ إبانة محمّد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبرئيل عليه السلام عن اللَّه بأن سدّوا الأبواب عن مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قبل أن ينزل بكم العذاب.

فأوّل مَن بعث إليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يأمره بسدّ الأبواب العبّاس بن عبدالمطّلب، فقال: سمعاً وطاعةً للَّه ولرسوله، وكان الرسول معاذ بن جبل.

ثمّ مرّ العبّاس بفاطمة "سلام اللَّه عليها" فرآها قاعدة على بابها، وقد أقعدت الحسن والحسين عليهماالسلام فقال لها: ما بالكِ قاعدة؟ انظروا إليها كأنّها لبوة [اللبوة: اُنثى الأسد].بين يديها جرواها [الجرو: ولد الأسد].

تظنّ أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يُخرج عمّه ويدخل ابن عمّه.

فمرّ بهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال لها: ما بالكِ قاعدة؟ قالت: أنتظر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسدّ الأبواب، فقال لها: إنّ اللَّه تعالى أمرهم بسدّ الأبواب، واستثنى منهم رسوله، وأنتم نفس رسول اللَّه.

ثمّ إنّ عمر بن الخطّاب جاء فقال: إنّي اُحبّ النظر إليك - يا رسول اللَّه - إذا مررت إلى مصلاك، فاذن لي في فرجة

[وفي بحار الأنوار: 'في خوخةٍ'].

أنظر إليك منها! فقال صلى الله عليه و آله: قد أبى اللَّه ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه وجهي؟ قال: قد أبى اللَّه ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه إحدى عيني؟ قال صلى الله عليه و آله: قد أبى اللَّه ذلك، ولو قلتَ: قدر طرف إبرة، لم آذن لك، والّذي نفسي بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم ولكنّ اللَّه أدخلَهم وأخرجكم.

ثمّ قال: لا ينبغي لأحدٍ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يبيت في هذا المسجد جنباً إلا محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والمنتجبون من آلهم، الطيّبون من أولادهم'.

قال الإمام عليه السلام: 'فأمّا المؤمنون فقد رضوا وسلّموا، وأمّا المنافقون فاغتاظوا لذلك وأنفوا، ومشى بعضُهم إلى بعض يقولون "فيما بينهم": ألا ترون محمّداً لا يَزال يخصّ بالفضائل ابن عمّه ليخرجنا منها صفراً، واللَّه لئن أنفذنا له في حياته لنأبينّ عليه بعد وفاته!'

[التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 17].- الحديث.

الهدف الحاصل من واقعة سدّ الأبواب إلا بابه

تعتبر فضيلة فتح باب عليّ عليه السلام في وقت أمر فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسدّ كلّ الأبواب، من الفضائل الفريدة الّتي تميّز بها الإمام عليه السلام، ولعلّ السماح له عليه السلام بالعبور من مسجد "و هو في حالة الجنابة" يختص بالنبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام. ولم يكن عليّ عليه السلام قد فُتح له بابُه أو سُمح له بالمرور في حال الجنابة نتيجة القرب النسبي من الرسول صلى الله عليه و آله؛ لأنّ حمزة سيّد الشهداء وعمّ الرسول أقرب منه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لكنّه لم يكن من المعصومين عليهم السلام، والظاهر من الروايات أنّ الإمام عليه السلام قد اكتسب هذه الفضيلة للياقته لها، ولقوّة نفسه، وسموّ روحه، فهو قرين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مثل هذه الفضائل، بل نفسه وتتمثّل فيه كلّ خصوصيّات الرسول إلا النبوّة.

ومن هنا يتّضح لنا بشكل جليّ أنّ الهدف من سدّ الأبواب هو أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أراد أن يُفهم الآخرين ويعلمهم أنّ الإمام عليه السلام يمتلك خصوصيّات لا يمتلكها الآخرون، فبالنتيجة لا يصلح لمقام الوصاية والولاية والخلافة لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلا من يمتلك مثل تلك الخصوصيّات الّتي يمتلكها عليّ عليه السلام.

ولقد جاء في بعض الأحاديث الواردة في هذا الباب الإشارة إلى منزلة هارون من موسى، ممّا يثبت الولاية والوصاية والخلافة لعليّ عليه السلام.

الفاظ الحديث وطرقه

من أجل مراعاة الدقّة والتأمّل الكثير في إثبات الاعتقادات، ومن أجل رفع الغموض والاعتراضات من خلال الإيرادات الّتي أطلقها البعض كابن تيميّة، فإنّنا نبيّن الكثير من الروايات الّتي لم تنقل من طريق واحد، بل أنّها نُقلت في كتب الشيعة والسنّة، وأصبحت متواترة تواتراً معنوياً، بل ولفظيّاً أيضاً، لئلا تبقى أيّة شبهة في وقوع مثل هذه الحادثة، ونحن ننقل للإخوة القرّاء بعض الروايات وطرقها، ونجلب انتباههم إلى أنّ هذه الروايات جاءت على نوعين:

1 - ما ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بسّد الأبواب إلا باب عليّ عليه السلام.

2 - ما ورد أنّه صلى الله عليه و آله أحلّ لعليّ عليه السلام ما أحلّه لنفسه.

فيما ورد بسدّ الابواب الا بابه

أجمعت الروايات الكثيرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد سدّ أبواب مسجده كلّها إلا باب عليّ عليه السلام. قال ابن شهرآشوب في "المناقب": حديث سدّ الأبواب رواه نحو من ثلاثين رجلاً من الصحابة، منهم: زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو سعيد الخدري، واُمّ سلمة، وأبو رافع، وأبو الطفيل، عن حذيفة بن اُسيد الغفاري، وأبو حازم، عن ابن عبّاس، والعلاء عن ابن عمر، وشعبة عن زيد بن عليّ، عن أخيه الباقر عليه السلام، عن جابر، وعليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض: أنّه لمّا قدم المهاجرون إلى المدينة بنوا حوالي مسجده بيوتاً فيها أبواب شارعة في المسجد، فأرسل النبيّ صلى الله عليه و آله معاذ بن جبل، فنادى أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله يأمركم أن تسدّوا أبوابكم إلا باب عليّ عليه السلام، فأطاعوه إلا رجل، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد أن حمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'أمّا بعد، فإنّي اُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ، فقال فيه قائلكم، فإنّي واللَّه ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن اُمرتُ بشي ء فاتّبعتُه' ذكره أحمد في الفضائل. [المناقب لابن شهرآشوب 189:2، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 581:2، ح 985].

حديث عليّ

عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: 'أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيدي فقال: إنّ موسى سأل ربّه أن يطهّر مسجده بهارون، وإنّي سألتُ ربّي أن يُطهّر مسجدي بك وبذرّيّتك، ثمّ أرسل إلى أبي بكر أن سدّ بابك، فاسترجع ثمّ قال: سمعاً وطاعة، فسدّ بابه، ثمّ أرسل إلى عمر، ثمّ أرسل إلى العبّاس بمثل ذلك، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ما أنا سددتُ أبوابكم وفتحت باب عليّ، ولكنّ اللَّه فتح باب عليّ عليه السلام وسدّ أبوابكم'.

[مجمع الزوائد 114:9].

حديث الباقر

وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: 'لمّا أمر العبّاس بسدّ الأبواب وأذن لعليّ عليه السلام في ترك بابه، جاء العبّاس وغيره من آل محمّد فقالوا: يا رسول اللَّه، ما بال عليّ يدخل ويخرج؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ذلك إلى اللَّه، فسلّموا له تعالى حكمه، هذا جبرئيل جاءني عن اللَّه عزّ وجلّ بذلك، ثمّ أخذه ما كان يأخذه إذا نزل الوحي عليه، ثمّ سُرّي عنه. فقال: يا عبّاس، يا عمّ رسول اللَّه، إنّ جبرئيل يخبرني عن اللَّه جلّ جلاله أنّ عليّاً لم يفارقك في وحدتك وآنسك في وحشتك، فلا تفارقه في مسجدك' - الحديث.

[التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: 20، ط. مدرسة الإمام المهدي "عج"].

حديث ابن عبّاس

في "مسند أبي يعلى"، و"فضائل السمعاني"، و"حلية الأولياء": عن أبي نعيم بطريقين، عن أبي صالح، عن عمرو بن ميمون. قال ابن عبّاس: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'سدّوا أبواب المسجد كلّها إلا باب عليّ عليه السلام'.

وفي رواية عنه أيضاً: 'سدّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ عليه السلام'.

[المناقب لابن شهرآشوب 190:2، ورواه الترمذي في السنن 599:5، ح 3732].

وفي رواية ثالثة عنه أيضاً: 'سدّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ عليه السلام قبل أن ينزل العذاب'.

[المناقب لابن شهرآشوب 190:2، ورواه الترمذي في السنن 599:5، ح 3732].

وروى جماعة من أعلام العامّة: منهم الحافظ نور الدين الهيثمي بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا أخرج أهل المسجد وترك عليّاً عليه السلام، قال النّاس في ذلك، فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: 'ما أنا أخرجتكم من قِبلِ نفسي، ولا أنا تركتُه، ولكنّ اللَّه أخرجكم وتركه: إنّما أنا عبد مأمور ما اُمرتُ به فعلتُ إن اتّبع إلا ما يوحى إليَّ'. [الهيثمي في مجمع الزوائد 115:9].

و روى ابن عساكر الشافعي، بسنده عن عوف الأعرابي، عن ميمون الكردي، قالا: كنّا عند ابن عبّاس، فقال رجل: ليته حدّثنا عن عليّ عليه السلام فسمعه ابن عبّاس، فقال: أما لاُحدّثنّك عنه حقّاً أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمر بالأبواب الشارعة في المسجد فسدّت، وترك باب عليّ عليه السلام، فقال: إنّهم وجدوا من ذلك، فأرسل إليهم: 'أنّه بلغني أنّكم وجدتم من سدّي أبوابكم وتركي باب عليّ، وإنّي واللَّه ما سددت من قِبل نفسي، ولا تركت من قِبل نفسي، إن أنا إلا عبدٌ، وإنّي واللَّه اُمرت بشي ء ففعلت، إن اتّبع إلا ما يوحى إليَّ'.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 253:1، ح 323].

حديث جابر

روى ابن عساكر الشافعي: بسنده عن عبدالرحمن ومحمّد ابني جابر بن عبداللَّه، عن أبيهما جابر بن عبداللَّه الأنصارى، قال: جاءنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ونحن مضطجعون في المسجد وفي يده عسيب رطب، فضربنا وقال: 'أترقدون في المسجد؟ إنّه لا يرقد فيه أحد'، فأجفلنا وأجفل معنا عليّ بن أبي طالب؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ، إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي. يا عليّ، ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا النبوّة، والّذي نفسي بيده، إنّك لتذودنَّ عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضالّ عن الماء، بعصى من عوسج، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي'.

[المصدر السابق 265:1، ح 330].

وفي "المناقب" عن "تاريخ بغداد" فيما أسنده الخطيب إلى زيد بن عليّ، عن أخيه محمّد بن عليّ عليهماالسلام، أنّه سمع جابر بن عبداللَّه يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'سدّوا الأبواب كلّها إلا باب عليّ'. [المناقب لابن شهرآشوب 190:2].

حديث البراء بن عازب

روى ابن المغازلي الشافعي، بسنده عن ميمون ابن أبي عبداللَّه، عن البراء بن عازب، قال: كان لنفر من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أبواب شارعة في المسجد، وإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: 'سدّوا الأبواب غير باب عليّ عليه السلام'، قال: فتكلّم في ذلك اُناس، قال: فقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: 'أمّا بعد، فإنّي اُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ، فقال فيه قائلكم، وإنّي واللَّه ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكنّي اُمرت بشي ء فاتّبعته'.

[المناقب لابن المغازلي: 257، ح 305، ونحوه في ترجمة الإمام عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق - لابن عساكر 257:1، رقم 329].

حديث عبداللَّه بن عمر

روى ابن عساكر الشافعي بسنده عن العلاء، عن عرار

[كذا في المصدر، والظاهر: 'العلاء بن عرّار'].

قال: قال أبي: قلت لعبد اللَّه بن عمر وهو في المسجد جالس: كيف نقول في هذين الرجلين، عليّ وعثمان؟

فقال عبداللَّه: أمّا عليّ فلا تسأل عنه أحداً، وانظر إلى منزله من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال أبي: فقد أخرجنا من مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلا عليّ - الحديث.

[تاريخ دمشق 262:1، ح 328].

وروى ابن المغازلي الشافعي: بسنده عن نافع مولى ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: مَن خيرُ النّاس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ قال: ما أنت وذاك لا اُمّ لك، ثمّ قال: استغفر اللَّه! خيرهم بعده مَن كان يحلّ ما كان يحلّ له، ويحرم عليه ما كان يحرم عليه، قلت: مَن هو؟ قال: عليّ عليه السلام، سدّ أبواب المسجد وترك باب عليّ عليه السلام، وقال له: 'لك في هذا المسجد ما لي، وعليك فيه ما علَيّ، وأنت وارثي ووصيّي، تقضي ديني، وتنجز عِداتي، وتُقتَل على سنّتي، كذب مَن زعم أنّه يُبغضك ويحبّني'. [المناقب لابن المغازلي: 261، ح 309].

حديث بريدة الأسلمي

روى الجويني و ابن شهر آشوب بسندهما عن بريدة الأسلمي، قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسدّ الأبواب فشقّ ذلك على أصحابه، فلمّا بلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دعا الصلاة جامعة، حتّى إذا اجتمعوا صعد المنبر وخطبهم، فلم يُسمَع لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله تحميدٌ وتعظيم في خطبة مثل يومئذٍ فقال: 'يا أيّها النّاس، ما أنا سددتها، ولا أنا فتحتها، بل اللَّه عزّ وجلّ سدّها!! ثمّ قرأ رسول اللَّه: 'وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى' [سورة النجم: 4 - 1].

فقال رجل: دع لي كوّة تكون في المسجد، فأبى النبيّ صلى الله عليه و آله وترك باب عليّ مفتوحاً، فكان يدخل ويخرج منه وهو جنب. [فرائد السمطين 205:1، ح 60، والمناقب لابن شهرآشوب 190:2].

حديث سعد بن أبي وقّاص

روى ابن المغازلي الشافعي عن سعد بن أبي وقّاص، قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بسدّ الأبواب فسُدَّت، وترك باب عليّ عليه السلام، فأتاه العبّاس، فقال: يا رسول اللَّه، سددتَ أبوابنا وتركتَ باب عليّ عليه السلام؟ قال صلى الله عليه و آله: 'ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها'.

[المناقب لابن المغازلي: 257، رقم 306].

وعن الحارث بن مالك، قال: أتيتُ مكّة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت له: هل سمعت لعليّ منقبةٌ؟ قال: كنّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في المسجد فنودي فينا ليلة ليخرج من في المسجد إلا آل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وآل عليّ، قال: فخرجنا، فلمّا أصبح أتاه عمّه، فقال: يا رسول اللَّه، أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام؟ فقال صلى الله عليه و آله: 'ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام، إنّ اللَّه هو أمر به' الحديث.

[الخصائص: 13، الإحقاق 558:5].

حديث جابر بن سمرة

في مجمع الزوائد بسنده عن جابر بن سمرة، قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسدّ الأبواب كلّها غير باب عليّ عليه السلام فقال العبّاس: يا رسول اللَّه، اترك قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج؟ قال: 'ما أمرت بشي ء من ذلك'، فسدّها كلّها غير باب عليّ عليه السلام، قال: وربّما قال: مرَّ وهو جنب.

[مجمع الزوائد 115:9].

حديث زيد بن أرقم

روى الصدوق بسنده عن زيد بن أرقم، قال: كان لنفر من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أبواب شارعة في المسجد، فقال يوماً: 'سدّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ'، فتكلّم في ذلك النّاس، قال: فقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'أمّا بعد، فإنّي اُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ، فقال فيه قائلكم، وإنّي واللَّه ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكنّي اُمرت بشي ء فاتّبعته'.

[أمالي الصدوق - المجلس الرابع والخمسون: ح 4.

ورواه سبط ابن الجوزي في "تذكرة الخواصّ: 46"، والقندوزي الحنفي في "ينابيع المودّة: 87"، واحمد في "المسند 369:4"].

وغير ذلك من الأخبار بهذا المضمون، ومن أرادها فليطلبها في مظانّها.

[راجع: سنن الترمذي 639:5، ح 3727، المستدرك على الصحيحين 134:3، تاريخ بغداد 205:7، مجمع الزوائد 284:9، خصائص النسائي: 4، حلية الأولياء 153:4، فضائل الصحابة 581:2، ح 985].

فيما ورد أنّه أحلّ لعليّ ما أحلّه لنفسه

قال الكنجي الشافعي عن حديث سدّ الأبواب: هذا حديث حسن عال، فنهى اللَّه عن دخول المساجد مع وجود الحيض والجنابة، فعمّ النبيّ بالنهي عن الدخول في المسجد والمكث فيه للجنب والحائض، وخصّ عليّاً بالإباحة حتّى في هذا الموضع، وما ذاك دليل على إباحته المكروه له، وإنّما خصّ بذلك لعلم المصطفى صلى الله عليه و آله بأنّه يتحرّى من النجاسة هو وزوجته فاطمة وأولادهم عليهم السلام، وقد نطق القرآن بتطهيرهم في قوله عزّ وجلّ: 'إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً'.

[كفاية الطالب - الباب الخمسون: 202، والآية 33 من سورة الأحزاب].

و اليك نبذة من الاخبار في المقام:

ما رواه عليّ

عن الصدوق بسنده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومن كان من أهلي فإنّهم منّي'. [أمالي الصدوق - المجلس الرابع والخمسون: ح 5].

ما رواه أبو سعيد الخدري

روى ابن عساكر الشافعي و غيره عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'لا يصحّ - أو لا يحلّ - لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك، يا عليّ'.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 268:1، ح 332، وتذكرة الخواصّ: 46].

و عن ابن شهر آشوب عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ، لا يحلّ لأحد من هذه الاُمّة غيري وغيرك'.

[المناقب لابن شهرآشوب 193:2].

وعنه أيضاً: عن أبي سعيد قال: 'ولا يحلّ أن يدخل مسجدي جنب غيري وغيره وغير ذرّيّته، فمن شاء فهاهنا'، وأشار بيده نحو الشام، فقال المنافقون: لقد ضلّ وغوى في أمر ختنه، فنزل: 'مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى'. [المصدر السابق: 194، والآية من سورة النجم].

ما روته اُمّ سلمة

عن ابن عساكر الشافعي بسنده عن جسرة بنت دجانة، قالت: أخبرتني اُمّ سلمة قالت: خرج النبيّ صلى الله عليه و آله من بيته حتّى انتهى إلى صرح المسجد فنادى بأعلى صوته: 'إنّه لا يحلّ المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمّد وأزواجه وعليّ وفاطمة بنت محمّد، ألا هل بيّنتُ لكم؟ ألا ساء أن تضلّوا'.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 269:1، ح 333، ومقتل الحسين عليه السلام لأخطب خوارزم: 63، ونحوه في مناقب ابن شهرآشوب 194:2، وفرائد السمطين 29:2، ح 368].

ما رواه أبو رافع

عن ابن عساكر الشافعي بسنده عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خطب النّاس، فقال: 'يا أيّها النّاس، إنّ اللَّه أمر موسى وهارون أن يَتَبوَّءا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء، إلا هارون وذرّيّته، وأمرني أن اُبلّغكم أنّه لا يحلّ لأحد أن يعرك [يعرك: يلمس ويمسّ] النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلا عليّ وذرّيّته'. [تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 271:1، ح 335].

ما رواه جابر

عن ابن شهر آشوب بسنده عن جابر بن عبداللَّه، قال: كنّا ننام في المسجد ومعنا عليّ عليه السلام، فدخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: 'قوموا فلا تناموا في المسجد'، فقمنا لنخرج، فقال: أمّا أنت فنم يا عليّ، فقد اُذن لك'. [المناقب لابن شهرآشوب 193:2].

ما رواه عبداللَّه بن مسعود

في "فرائد السمطين" بسنده عن عبداللَّه بن مسعود، قال: انتهى إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذات ليلة ونحن في المسجد جماعة من الصحابة | فينا أبو بكر وعمر وعثمان وحمزة وطلحة والزبير|

[الزيادة من اللآلئ المصنوعة].

بعد ما صلّينا العشاء، فقال: 'ما هذه الجماعة'؟ قال: يا رسول اللَّه، قعدنا نتحدّث، منّا من يريد الصلاة، ومنّا من ينام، فقال: 'إنّ مسجدي لا ينام فيه، انصرفوا إلى منازلكم، ومن أراد الصلاة فليصلِّ في منزله راشداً، ومن لم يستطع فلينم، فإنّ صلاة السرّ تضعف على صلاة العلانية'.

قال ابن مسعود: فقمنا فتفرّقنا وفينا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقام معنا، قال: فأخذ بيد عليّ عليه السلام وقال: 'أمّا أنت فإنّه يحلّ لك في مسجدي ما يحلّ لي، يحرّم عليك ما يحرّم علَيّ'. فقال له حمزة بن عبدالمطّلب: يا رسول اللَّه، أنا عمّك وأنا أقرب إليك من عليّ؟ قال: 'صدقت - يا عمّ - إنّه واللَّه ما هو عنّي، إنّما هو عن اللَّه عزّ وجلّ'. [فرائد السمطين 206:1، ح 61].

ما رواه حذيفة بن اُسيد الغفاري

روى القندوزي الحنفي عن حذيفة بن اُسيد الغفاري، قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قام خطيباً فقال: 'إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم شيئاً أن أسكنتُ عليّاً في المسجد وأخرجتهم، واللَّه ما أخرجتُهم وأسكنتُه، بل اللَّه أخرجكم وأسكنه، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أوحى إلى موسى وأخيه: أن تَبَوَّاءا لقومكما بمصر بيوتاً، واجعلوا بيوتكم قبلةً، وأقيموا الصلاة

[إشارة إلى قوله تعالى في سورة يونس: 87: 'أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً' الآية].

ثمّ أمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنبٌ إلا هارون وذرّيّته، وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي ولا يحلّ لأحد أن ينكح فيه النساء إلا عليّ وذرّيّته، فمن ساءه فهاهنا'، وأشار بيده نحو الشام. [ينابيع المودّة: 88].

وأنشأ الحميري:

صهر النبيّ وجاره في المسجد*** طهر يطيبه الرسول مطيب

سيّان فيه عليه غير مذمم*** ممشاه إن جنبا وإن لم يجنب

[المصدر السابق: 194].

احتجاج عليّ وإثبات فضله بسدّ الأبواب إلا بابه و...

عن أبان، عن سليم: كان عليّ عليه السلام في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في خلافة عثمان وعدّة جماعة يتحدّثون ويتذاكرون الفقه والعلم... وقال عليه السلام: 'أتقرّون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله اشترى موضع مسجده ومنازله، فابتنى، ثمّ بنى عشرة منازل: تسعة له، وجعل لي عاشرها في وسطها، وسدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابي، فتكلّم في ذلك مَن تكلّم، فقال: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكنّ اللَّه أمرني بسدّ أبوابكم، وفتح بابه، ولقد نهى النّاس جميعاً أن يناموا في المسجد غيري، وكنت أجنب في المسجد، ومنزلي ومنزل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في المسجد يولد لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولي فيه أولاد'؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: 'أفتقرّون أنّ عمر حرص على كوّة

[الكوّة: الخرق في الحائط].

قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد، فأبى عليه'؟ ثمّ قال صلى الله عليه و آله: 'إنّ اللَّه أمر موسى أن يبني مسجداً لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه، وإنّ اللَّه أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه'؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

[كتاب سليم بن قيس الهلالي: 74، ط. مؤسّسة البعثة].

و عن الخوارزمي بإسناده عن أبي ذرّ، قال: لمّا كان أوّل يوم في البيعة لعثمان ليقضي اللَّه أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بيّنة، فاجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد، ونظرت إلى عبدالرحمن بن عوف وقد اعتجر بريطة، وقد اختلفوا وكثرت المناجزة إذ جاء أبو الحسن عليه السلام، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ ناشدهم بمفاخره ومناقبه، إلى أن قال: 'هل تعلمون أنّ أحداً كان يدخل المسجد جُنباً غيري؟'، قالوا: اللّهمّ لا، قال: 'فاُنشدكم هل تعلمون أنّ أبواب المسجد سدّها وترك بابي بأمر اللَّه؟'، قالوا: اللّهمّ نعم. [المناقب لأحمد أخطب خوارزم: 213].

اعتراف عمر بن الخطّاب لعليّ بخصال ثلاث...

في "مستدرك الحاكم" عن أبي هريرة، قال: قال عمر بن الخطّاب: لقد اُعطي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثلاث خصال، لئن تكون لي خصلة منها أحبّ إليّ من أن اُعطى حمر النعم. قيل: وما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: تزوّجه فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وسكناه المسجد مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يحلّ له فيه ما يحلّ له، والراية يوم خيبر. [مستدرك الحاكم 125:3].

فبعد وجود هذه الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، من الصحابة العظام في كتب العامّة والخاصّة، وإن لم نذكر إلا قليلاً منها، لا يبقى مجال لإيراد ابن تيميّة الكذّاب حيث قال: إنّ هذا الحديث "سدّ الأبواب إلا باب عليّ عليه السلام" ممّا وضعته الشيعة على طريق المقابلة، فإنّ توهّمه مردود باطل؛ لأنّ الحديث كما ذكرناه قد أخرجه علماء أهل السنّة بأسانيد جمّة صحاح وحسان عن جمع من الصحابة تربو عدّتهم على عدد ما يحصل به التواتر عندهم.

[من أراد التفصيل فليراجع كتاب "الغدير" 202:3].

عليّ و حديث الطير

قال أنس: اُتي النبيّ صلى الله عليه و آله بطير، فقال: 'اللّهمّ إئتني بأحبِّ خلقك إليك، يأكل معي منه؟'، فجاء عليّ عليه السلام، فأكل معه.

تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام 111:2

نظرة في حديث الطير و سنده

من الأخبار الّتي تدلّ على أنّ عليّاً عليه السلام أفضل الخلق بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وأنّه أحقّ بالخلافة والإمامة بعده صلى الله عليه و آله حديث الطير، ففي "مسند أحمد بن حنبل"، و "الجمع بين الصحاح السّتة" عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبيّ صلى الله عليه و آله طائر قد طبخ له فقال صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ إئتني بأحبّ النّاس إليك

[في بعض الأخبار: 'أحبُّ النّاس إليك وإليَّ'، وسيأتي لفظه].

يأكل معي'، فجاء عليّ عليه السلام فأكله معه.

[الإحقاق 435:7، ونحوه في ينابيع المودّة: 203، وتذكرة الخواصّ: 44، وتاريخ دمشق: ج2، وسنن الترمذي 636:5، ح 3721، وخصائص النسائي: 5، وفضائل الصحابة 560:2، ح 945، المستدرك على الصحيحين وصحّحه 130:3، ومصابيح السنّة 173:4، ح 4770، واُسد الغابة 30:4، والبداية والنهاية 363:7، وجامع الاُصول 471:9، والرياض النضرة 114:3، وذخائر العقبى: 61، وكفاية الطالب: 156 - 144، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 46، وغيرها].

ودلالة الحديث صريحة على أنّه عليه السلام أحبّ الخلق إلى اللَّه ورسوله، ولا مجال للشكّ والترديد في أنّ مقام الولاية والخلافة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمن كان له مثل هذا الشأن العظيم.

وأمّا سند الحديث: فإنّه بلغ حدّ التواتر، وقد رواه خمسة وثلاثون رجلاً من الصحابة، عن أنس، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وكذا رواه البعض عن جابر، وعن سفينة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعن عبداللَّه بن عبّاس، وعن عليّ عليه السلام، كلّهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مع مضامين متفاوتة متقاربة المعنى، وقد تلقّى الأصحاب هذا الحديث بالقبول، كما صنّف بعض أكابر المحدّثين من أهل السنّة فيه كتباً ورسائل مستقلّة، واحتجّ عليّ عليه السلام به يوم الشورى. فالحديث صحيح معتبر، لا يتردّد فيه إلا مكابر معاند مطيع للشيطان، ونذكر هنا بعض ما نقل في صحّة سنده ونبذة من لفظ الحديث عن الفريقين.

قال ابن عساكر الشافعي حول حديث الطير: وقد ورد في ذلك آثار كثيرة مع شدّة الامتناع عن ذكر مثلها في العصور الماضية، ثمّ رواه عن جابر رضى الله عنه، وعن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن حبر الاُمّة عبداللَّه بن عبّاس رضى الله عنه، وعن أنس بن مالك خادم النبيّ صلى الله عليه و آله، ثمّ قال: وقد تكثّرت طرقه عن أنس حتّى بلغت حدّ التواتر.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 110 - 105 :2].

وممّا يجدر بالذِّكر أنّ هذا الحديث أيضاً ممّا أفرده بالتأليف جماعة من الحفّاظ مع كونه هادماً لكثير ممّا اعتقده شيعة آل اُميّة والمنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام. قال ابن كثير في البداية والنهاية "350:7": وهذا الحديث قد صنّف النّاس فيه، وله طرق متعدّدة - وساق الكلام إلى أن قال: - وقد جمع النّاس في هذا الحديث مصنّفات مفردة، منهم: أبو بكر بن مردويه الحافظ، وأبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان، ورأيت فيه مجلّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر ابن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير...

[هامش تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 105:2، تحقيق: العلامة المحمودي].

وذكر المحقّق الخبير العلامة السيّد حامد حسين الموسوي الهندي في تأليفه الجيّد المسمّى بعقبات الأنوار، حديث الطير في المجلّد الرابع، وذكر أسماء رواة الحديث، وقد بلغوا "91 شخصاً"، منهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبو عبداللَّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني، وعباد بن يعقوب الرواجني وغيرهم، وعدّ 250 كتاباً من كتب العامّة نقلت الحديث.

صنّف علماء أهل السنّة في حديث الطير كتباً ورسائل اختصاصيّة تبلغ ثمانية، نذكر أسماءها مع إجمال من مشخّصات مؤلّفيها اقتباساً من "عبقات الأنوار".

الأوّل: كتاب طرق حديث الطير وألفاظه لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ "المتوفّى 310ه. ق".

الثاني: كتاب حديث الطير لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة "المتوفّى 333ه. ق".

الثالث: كتاب طرق حديث الطائر لأبي عبيداللَّه بن أحمد الأنباري "المتوفّى 356ه. ق".

الرابع: كتاب جمع طرق حديث الطير لأبي عبداللَّه الحاكم النيشابوري - المعرف بابن البيع - صاحب المستدرك "المتوفّى 407ه. ق".

الخامس: كتاب طرق حديث الطير لأبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني "المتوفّى 410ه. ق".

السادس: كتاب الطير للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصفهاني "المتوفّى 430ه. ق".

السابع: كتاب طرق حديث الطير لأبي ظاهر محمّد بن أحمد بن عليّ - المعرف بابن حمدان - "المتوفّى 441ه.ق".

الثامن: كتاب طرق حديث الطير لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي "المتوفّى 748ه. ق".

[مقدّمة عبقات الأنوار: ج4].

وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الحاكم من كتاب "تذكرة الحفّاظ": وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً، قد أفردتها بمصنّف!! ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل.

[تذكرة الحفّاظ 1042:3].

وقال العلامة المحمودي: وهذا الاعتراف من الذهبي صدر في أيّام كان شرع في النضج، ولو بقي حتّى يبلغ تمام النضج لاعترف بكثير من الخصوصيّات الواردة في الموضوع لثقة رواته، وكثرة شواهده.

[هامش تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام105:2].

وذكر في مقدّمة "العبقات" عن "المناقب" لابن شهرآشوب تخريجات الحديث هكذا: الترمذي في "جامعه"، وأبونعيم في "حلية الأولياء"، والبلاذري في "تأريخه"، والخركوشي في "شرف المصطفى"، والسمعاني في "فضائل الصحابة"، والطبري في "الولاية"، وابن البيع في "الصحيح"، وأبو يعلى في "المسند"، وأحمد في "الفضائل"، والنطنزي في "الاختصاص".

وقد رواه محمّد بن إسحاق، ومحمّد بن يحيى الأزدي، وسعيد، والمازني، وابن شاهين، والسدّي، وأبو بكر البيهقي، ومالك، وإسحاق بن عبداللَّه، وأبو طلحة، وعبدالملك بن عمير، ومسعر بن كهرام، وداود بن عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس، وأبو حاتم الرازي بأسانيدهم عن أنس وابن عبّاس واُمّ أيمن.

ورواه ابن بطّة في "الإنابة" من طريقين، والخطيب أبو بكر في "تأريخ بغداد" من سبعة طرق، وقد صنّف أحمد بن محمّد بن سعيد كتاب "الطير"، وقال القاضي أحمد: قد صحّ عندي حديث الطير.

قال الشيخ: قد استدلّ به أمير المؤمنين عليه السلام على فضله في قصّة الشورى بمحضر من أهلها، فما كان فيهم إلا مَن عرفه وأقرّ به، والعلم بذلك كالعلم بالشورى نفسها، فصار متواتراً، وليس في الاُمّة على اختلافها من دفع هذا الخبر.

وقد رواه خمسة وثلاثون رجلاً من الصحابة عن أنس، وعشرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقد صحّ أنّ اللَّه تعالى والنبيّ يحبّان عليّاً عليه السلام، وما صحّ ذلك لغيره، فيجب الاقتداء به. [مقدّمة على العبقات 15:4].

الفاظ الحديث

روى الأصحاب والتابعون حديث الطير بطرق مختلفة تبلغ حدّ التواتر، وذكرها جميعاً لا يخلو من فائدة للقارئ المحترم؛ لأنّ في كلّ حديث نكتة توجب زيادة الفائدة، ولكن لرعاية الاختصار نذكر بعضها:

حديث أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب

1- عن ابن عساكر الشافعي: بسنده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: اُهدي لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله طيرٌ يقال له الحباري، فوضع بين يديه، وكان أنس بن مالك يحجبه، فرفع النبيّ صلى الله عليه و آله يده إلى اللَّه، ثمّ قال: 'اللّهمّ إئتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير'.

قال: فجاء عليّ عليه السلام فاستأذن، فقال له أنس: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على حاجة!! فرجع، ثمّ دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الثانية، فجاء عليّ عليه السلام فاستأذن، فقال أنس: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على حاجة فرجع، ثمّ دعا الثالثة: فجاء عليّ عليه السلام فأدخله، فلمّا رآه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: 'اللّهمّ وإليَّ'، فأكل معه - الحديث. [تاريخ دمشق - الإمام عليّ بن أبي طالب 106:2، ح 610].

2- وفي "البحار" عن "الاحتجاج" عن جعفر بن محمّد الصادق، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام، قال: 'كنت أنا ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله في المسجد بعد أن صلّى الفجر، ثمّ نهض ونهضت معه، وكان إذا أراد أن يتّجه إلى موضع أعلمني بذلك، فكان إذا أبطأ في الموضع صرت إليه لأعرف خبره؛ لأنّه لا يتقارّ

[تقارّ في المكان: سكن وثبت. وفي المصدر: 'لا يتصابر'].

قلبي على فراقه ساعة. فقال لي: أنا متّجه إلى بيت عائشة، فمضى، ومضيت إلى بيت فاطمة عليهاالسلام، فلم أزل مع الحسن والحسين وهي وأنا مسروران بهما، ثمّ إنّي نهضت وصرت إلى عائشة، فطرقت الباب، فقالت لي عائشة: مَن هذا؟ فقلت لها: أنا عليٌّ، فقالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله راقد، فانصرفت. ثمّ قلت: النبيّ راقد وعائشة في الدار؟ فرجعت وطرقت الباب، فقالت لي عائشة: مَن هذا؟ فقلت: أنا عليٌّ. فقالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله على حاجة، فانثنيت

[أي انصرفت] مستحيياً من دقّي الباب، ووجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبراً فرجعت مسرعاً فدققت الباب دقّاً عنيفاً [أي شديداً].

فقالت لي عائشة: مَن هذا؟ فقلت: أنا عليٌّ. فسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول لها: يا عائشة، افتحي الباب، ففتحت فدخلت، فقال لي: اُقعد يا أبا الحسن، اُحدّثك بما أنا فيه، أو تحدّثني بإبطائك عنّي؟ فقلت: يار سول اللَّه، حدّثني فإنّ حديثك أحسن.

فقال صلى الله عليه و آله: 'يا أبا الحسن، كنت في أمر كتمته من ألم الجوع، فلمّا دخلت بيت عائشة وأطلت القعود ليس عندها شي ء تأتي به، مددت يدي وسألت اللَّه القريب المجيب، فهبط علَيّ حبيبي جبرئيل عليه السلام ومعه هذا الطير - ووضع إصبعه على طائر بين يديه - فقال: إنّ اللَّه عزّ وجلّ أوحى إليَّ أن آخذ هذا الطير وهو أطيب طعام في الجنّة فآتيك به يا محمّد، فحمدت اللَّه كثيراً، وعرج جبرئيل، فرفعت يدي إلى السماء فقلت: اللّهمّ يسّر عبداً يحبّك ويحبّني يأكل معي هذا الطائر، فمكثت مليّاً فلم أرَ أحداً يطرق الباب، فرفعت يدي، ثمّ قلت: اللّهمّ يسّر عبداً يحبّك ويحبّني، وتحبّه واُحبّه يأكل معي هذا الطائر، فسمعت طرقك للباب، وارتفاع صوتك، فقلت لعائشة: أدخلي عليّاً، فدخلت، فلم أزل حامداً للَّه حتّى بلغت إليَّ؛ إذ كنت تحبّ اللَّه وتحبّني، ويحبّك اللَّه واُحبّك، فكل يا عليّ، فلمّا أكلت أنا والنبيّ صلى الله عليه و آله الطائر، قال لي: يا عليّ حدّثني. فقلت: 'يا رسول اللَّه، لم أزل منذ فارقتك أنا وفاطمة والحسن والحسين مسرورين جميعاً، ثمّ نهضت اُريدك فجئت فطرقت الباب فقالت لي عائشة: مَن هذا؟ فقلت لها: أنا عليّ. فقالت: إنّ النبيّ راقد، فانصرفت، فلمّا صرت إلى الطريق الّذي سلكته رجعت فقلت: النبيّ راقد وعائشة في الدار؟! لا يكون هذا فجئت فطرقت الباب، فقالت لي: مَن هذا؟ فقلت: أنا عليّ، فقالت: إنّ النبيّ على حاجة، فانصرفت مستحيياً، فلمّا انتهيت إلى الموضع الّذي رجعت منه أوّل مرّة وجدت في قلبي ما لم أستطع عليه صبراً، وقلت: النبيّ على حاجة وعائشة في الدار؟! فرجعت فدققت الباب الدقَّ الّذي سمعته يار سول اللَّه، فسمعتك يا رسول اللَّه أنت تقول لها: أدخلي عليّاً' [بحار الأنوار 348:38].- الحديث.