1- عن ابن عساكر الشافعي، و ابن المغازلي، بالإسناد عن ابن عبّاس، قال: اُتي النبيّ صلى الله عليه و آله بطائر فقال: 'اللّهمّ ائتني برجلٍ يحبّه اللَّه ورسوله'، فجاء عليّ عليه السلام فقال: 'اللّهمّ وإليَّ'.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 108:2، ح 611، المناقب لابن المغازلي: 164، ح 195].
2- وروى ابن عديّ في ترجمة داود بن عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس، عن ابن عبّاس، قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله اُتي بطير، فقال: 'اللّهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير'، فجاء عليّ عليه السلام فأكله معه.
[الكامل لابن عدي 332:1، ترجمة داود بن عليّ، نقلاً عن هامش تاريخ دمشق 108:2، تحقيق: العلامة المحمودي].
حديث سفينة مولى رسول اللَّه
1- روى ابن الجوزي الحنفي، عن أحمد بن حنبل في "الفضائل" فأسنده إلى سفينة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله طيراً بين رغيفين، فقدّمته إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله - وفي رواية: طيرين بين رغيفين - فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك'، فإذا الباب يفتح، فدخل عليّ عليه السلام فأكل. [تذكرة الخواصّ: 44].
2- وعن ثابت البجلي، عن سفينة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله طائرين بين رغيفين، ولم يكن في البيت غيري وغير أنس، فجاء النبيّ صلى الله عليه و آله فدعا بغذائه، فقلت: يا رسول اللَّه، قد أهدت لك امرأة من الأنصار هدية، فقدّمت الطائرين إليه، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك'، فجاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام فضرب ضرباً خفيفاً، فقلت: مَن هذا؟ قال: 'أبو الحسن'، ثمّ ضرب الباب فرفع صوته، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'من هذا؟' قلت: عليّ بن أبي طالب، قال: 'افتح له'، ففتحت له، فأكل مع النبيّ صلى الله عليه و آله من الطيرين حتّى فنيا.
[فرائد السمطين 214:1، ح 167، وتاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 133:2، ح 641].
3- وروى ابن عساكر الشافعي وابن المغازلي، بالإسناد عن بُريدة بن سفيان، عن سفينة، وكان خادماً لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: اُهدي لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله طوائر، قال: فرفعت اُمّ أيمن بعضها، فلمّا أصبح أتته به، فقال: 'ماذا يا اُمّ أيمن؟'، فقالت: هذا بعض ما اُهدِيَ إليك أمس، قال: 'أولم أنهك أن ترفعي بعد طعاماً؟ إنّ لكلّ عبدٍ رزقه'، ثمّ قال: 'اللّهمّ أدخل أحبَّ خلقك إليك يأكلُ معي من هذا الطائر'. فدخل عليّ عليه السلام فقال: 'اللّهمّ وإليَّ'.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 133:2، ح 640، والمناقب لابن المغازلي: 175 من ح 212].
حديث أنس بن مالك
1- روى ابن مردويه بسنده عن ثمامة بن عبداللَّه، عن أنس بن مالك: أنّ اُمّ سلمة صنعت لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله طيراً، فبعثت به إليه، فلمّا وضع بين يديه، قال: 'اللّهمّ جئني بأحبّ خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطائر'، فجاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال له أنس: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على حاجة!! فرجع عليّ عليه السلام. فدعا النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: 'اللّهمّ جئني بأحبِّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر'، فجاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال له أنس: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على حاجة!! فرجع عليّ عليه السلام.
واجتهد النبيّ صلى الله عليه و آله في الدعاء "و" قال: 'اللّهمّ جئني بأحبِّ خلقك إليك وأوجههم عندك'، فجاء عليّ عليه السلام فقال له أنس: إنّ رسول اللَّه على حاجة!! قال أنس: فرفع عليّ يده فوكز في صدري ثمّ دخل فلمّا نظر إليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قام قائماً فضمّه إليه " و" قال: 'يا ربّ وإليَّ، يا ربّ وإليَّ ما أبطأ بك يا عليّ'؟ قال: 'يا رسول اللَّه، قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس'.
قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقال: 'يا أنس، ما حملك على ردّه؟!'، قلت: يا رسول اللَّه، سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار!! قال: 'لست بأوّل رجل أحبّ قومه، ولكن أبى اللَّه يا أنس إلا أن يكون ابن أبي طالب'.
[هامش تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 110:2].
2- و عن ابن المغازلي عن خالد بن عبيد، قال أنس بن مالك: بينا أنا يومٍ بباب النبيّ صلى الله عليه و آله إذ جاءه رجل بطبق مُغَطّى، فقال: هل من إذن؟ فقلت: نعم، فدخل فوضع الطبق بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعليه طائر مشويّ، فقال: اُحِبُّ أن تملأ بطنك من هذا، يا رسول اللَّه.
قال: 'غَطِّ عليه'، ثمّ شال يديه، فقال: 'اللّهمّ أدخل علَيّ أحبَّ خلقك إليك يُنازعني هذا الطعام'.
قال أنس: فلمّا سمعت ذلك، قلت: اللّهمّ اجعل هذه الدعوة في رجل من الأنصار، فخرجت أشوفُ رجلاً من الأنصار، بينا أنا كذلك إذ جاء عليّ عليه السلام، فقال: 'هل من إذن'؟ فقلت: لا، ولم يحملني على ذلك إلا الحسد، فانصرف عليّ عليه السلام فجعلتُ أنظر يميناً وشمالاً هل من أنصاريّ فلم أجد، ثمّ عاد عليّ عليه السلام فقال: 'هل من إذن'؟ فقلت: لا، انصرف. فنظرت يميناً وشمالاً ولا أنصاريّ إذ عاد عليّ عليه السلام فقال: 'هل من إذن'؟ إذ نادى النبيّ صلى الله عليه و آله أن ائذن له، فدخل فجعل ينازع النبيّ صلى الله عليه و آله، فيومئذٍ ثبتت مودّة عليّ عليه السلام في قلبي.
[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 173، ح 212].
3- و عنه أيضاً عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: اُهدي إلى النبيّ نُحامةٌ مشويّة، فقال صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ ابعث إليَّ أحبَّ خلقك إليك وإلى نبيّك يأكل معي من هذه المائدة'.
قال: فأتى عليّ عليه السلام فقال: 'يا أنس، استأذن لي على رسول اللَّه'.
قال: فقلت: النبيّ عنك مشغول! فرجع عليّ عليه السلام ولم يلبث إلا قليلاً أن رجع، فقال: 'يا أنس، استأذن لي على النبيّ صلى الله عليه و آله'.
فقلت: النبيّ عنك مشغول! فرجع، فلم يلبث إلا قليلاً أن رجع: فقال: 'يا أنس، استأذن لي على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فهممتُ أن أقول مثل قولي الأوّل والثاني، فسمع النبيّ صلى الله عليه و آله من داخل الحجرة كلام عليّ عليه السلام، فقال: 'ادخل يا أبا الحسن، ما أبطأ بك عنّي؟'، قال: 'جئت يا رسول اللَّه مرّتين وهذه الثالثة، كلّ ذلك يردّني أنس يقول: النبيّ عنك مشغول!!'. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'يا أنس، ما حملك على هذا؟'، فقلت: يا رسول اللَّه، سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلاً من قومي. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'يا أنس كلّ يُحبُّ قومه'.
[المصدر السابق: 156، ح 189].
4- روى ابن عساكر الشافعي عن محمّد بن سليم، عن أنس بن مالك، قال: اُهدي لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله طير مشويّ، فقال: 'اللّهمّ أدخل علَيّ من تحبّه واُحبّه، يأكل معي من هذا الطير'. فجاء عليّ بن أبي طالب فقلت: إنّ رسول اللَّه على حاجة فرجع. ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ أدخل مَن تحبّه واُحبّه، يأكل معي من هذا الطير'، فجاء عليّ بن أبي طالب، فقلت: إنّ رسول اللَّه على حاجة فرجع، ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ أدخل من تحبّه واُحبّه، يأكل معي من هذا الطير'، فجاء عليّ بن أبي طالب فقلت: إنّ رسول اللَّه على حاجة!! فدفعني ودخل، فقال رسول اللَّه: 'ما أبطأ بك يابن أبي طالب'؟ قال: 'قد جئت ثلاث مرّات، كلّ ذلك يردّني أنس'، قال: 'ما حملك على هذا يا أنس؟'، قلت: يا رسول اللَّه، سمعتك تدعو، فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال رسول اللَّه: 'لست بأوّل رجل أحبّ قومه'.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 124:2، ح 629].
5- و روى الجويني عن عبدالملك بن عمير، عن أنس، قال: اُهدي لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله طير فوضع بين يديه، فقال: 'اللّهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك ليأكل معي، فجاء عليّ عليه السلام فدقّ الباب، فقلت: مَن ذا؟ فقال: 'أنا عليّ'، فقلت: النبيّ صلى الله عليه و آله على حاجة!! فرجع ثلاث مرّات كلّ ذلك يجي ء، فأقول له ذلك فيذهب! حتّى جاء في المرّة الرابعة، فقلت له مثل ما قلت في الثلاث مرّات. قال: فضرب الباب برجله فدخل، فقال النبيّ: 'ما حسبك'؟ قال: 'قد جئت ثلاث مرّات، كلّ ذلك يقول لي أنس: النبيّ على حاجة! فقال صلى الله عليه و آله: 'يا أنس، ما حملك على ذلك'؟ قال: كنت اُحبّ أن يكون رجلاً من قومي.
[فرائد السمطين 209:1، ح 165].
6- و روى الترمذي بسنده عن السدّي، عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبيّ صلى الله عليه و آله طيرٌ فقال: 'اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير'، فجاء عليّ فأكل معه.
[سنن الترمذي 595:5، ح 3721].
7- وروى القندوزي الحنفي، عن أبي بكر بن عمر بن بكير النجّار، عن أنس أنّه قال: قدمت امرأة من الأنصار للنبيّ صلى الله عليه و آله طيراً، وأكل لقمة، وقال: 'اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ' فأتى عليّ عليه السلام فضرب الباب، فقلت له: إنّه صلى الله عليه و آله على حاجة، ثمّ أكل لقمة، وقال مثل ذلك، فضرب الباب عليّ، فقلت له: إنّه صلى الله عليه و آله على حاجة، ثمّ ضرب عليّ عليه السلام ورفع صوته، فقال صلى الله عليه و آله: 'يا أنس، افتح الباب'، فدخل عليّ. وقال لعليّ: 'الحمد للَّه الّذي جعلك، فإنّي أدعو في كلِّ لقمة أن يأتيني اللَّه بأحبّ الخلق إليه وإليَّ فكنت أنت'. قال عليّ: 'إنّي ضربت الباب ثلاث مرّات، ويردّني أنس'، فقال صلى الله عليه و آله: 'لم رددته؟' قلت: كنت اُحبُّ أن يأكل معك رجلٌ من الأنصار، فتبسّم وقال: 'لا يلام الرجل على حبّ قومه'.
[ينابيع المودّة: 203. وغير ذلك من الأخبار الّتي رواها الأصحاب والتابعين عن أنس وغيره، ومن أراد المزيد فليراجع: الإحقاق 318:5 إلى 368، وتاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 105:2 إلى 159].
8- و عن الحاكم النيشابوري و ابن كثير عن ثابت البناني: أنّ أنس بن مالك كان شاكياً، فأتاه محمّد بن الحجّاج يعوده في أصحاب له، فجرى الحديث حتّى ذكروا عليّاً عليه السلام فتنقصه محمّد بن الحجّاج، فقال أنس: مَن هذا؟ أقعدوني، فأقعدوه، فقال: يابن الحجّاج، لا أراك تنقص عليّ بن أبي طالب، والّذي بعث محمّداً صلى الله عليه و آله بالحقّ، لقد كنت خادم رسول اللَّه بين يديه، وكان كلّ يوم يخدم بين يدي رسول اللَّه غلام من أبناء الأنصار، فكان ذلك اليوم يومي، فجاءت اُمّ أيمن مولاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بطير، فوضعته بين يدي رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا اُمّ أيمن، ما هذا الطائر؟'. قالت: هذا الطائر أصبته فصنعته لك.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'اللّهمّ جئني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر'، وضرب الباب، فقال رسول اللَّه: 'يا أنس، انظر من على الباب'؟ قلت: اللّهمّ اجعله رجلاً من الأنصار، فذهبت فإذا عليّ بالباب. قلت: إنّ رسول اللَّه على حاجة!! فجئت حتّى قمت مقامي فلم ألبث أن ضرب الباب، فقال: 'يا أنس، انظر من عليّ الباب'؟ فقلت: اللّهمّ اجعله رجلاً من الأنصار، فذهبت فإذا عليّ عليه السلام بالباب.
قلت: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على حاجة!! فجئت حتّى قمت مقامي، فلم ألبث أن ضرب الباب فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا أنس، اذهب فأدخله، فلستَ بأوّل رجلٍ أحبّ قومه، ليس هو من الأنصار'، فذهبت فأدخلته، فقال: 'يا أنس، قرّب إليَّ الطير'، قال: فوضعته بين يدي رسول اللَّه فأكلا جميعاً.
قال محمّد بن الحجّاج: يا أنس، كان هذا بمحضر منك؟ قلت: نعم، قال: اعطي باللَّه عهداً أن لا أنتقص عليّاً عليه السلام بعد مقامي هذا، ولا أعلم أحداً ينتقصه إلا أشنت له وجهه. [مستدرك الحاكم 131:3، والبداية والنهاية 351:7].
دعوة عليّ على أنس لكتمانه الشهادة
عن "أمالي الصدوق" بسنده عن أبي هدبة، قال: رأيت أنس بن مالك معصوباً بعصابة فسألته عنها، فقال: هي دعوة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقلت له: وكيف يكون ذلك؟
فقال: كنت خادماً لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله فاُهدي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله طائر مشوي، فقال: 'اللّهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر'، فجاء عليّ عليه السلام فقلت له: رسول اللَّه عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي.
فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يده الثانية، فقال: 'اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر'، فجاء عليّ عليه السلام فقلت: رسول اللَّه عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يده الثالثة، فقال: 'اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر'، فجاء عليّ عليه السلام فقلت: رسول اللَّه عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فرفع عليّ عليه السلام صوته، فقال: 'وما يشغل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عنّي'، فسمعه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: 'يا أنس، مَن هذا'؟ فقلت: عليّ بن أبي طالب.
قال: 'إئذن له'، فلمّا دخل، قال له: 'يا عليّ، إنّي قد دعوت اللَّه عزّ وجلّ ثلاث مرّات، أن يأتيني بأحبّ خلقه إليه وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر، ولو لم تجئني في الثالث لدعوت اللَّه باسمك أن يأتيني بك'. فقال عليّ عليه السلام: 'يا رسول اللَّه، إنّي قد جئت ثلاث مرّات كلّ ذلك يردّني أنس ويقول: رسول اللَّه عنك مشغول'. فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا أنس، ما حملك على هذا؟'. فقلت: يا رسول اللَّه، سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلاً من قومي.
فلمّا كان يوم الدار استشهدني عليّ عليه السلام فكتمته، فقلت: إنّي نسيته، فرفع عليّ عليه السلام يده إلى السماء فقال: 'اللّهمّ ارم أنساً بوضح لا يستره من النّاس'، ثمّ كشف العصابة عن رأسه، فقال: هذه دعوة عليّ.
[أمالي الصدوق - المجلس الرابع والتسعون: ح 3].
استشهاد المأمون بحديث الطير
قال ابن عبد ربّه: قال المأمون لإسحاق بن إبراهيم - عندما جمعه مع أربعين من الفقهاء للاحتجاج عليهم -: يا إسحاق، وهل تعرف حديث الطير؟ قال: قلت: نعم، قال: فحدّثني به؟ قال: فحدّثته الحديث. فقال: يا إسحاق، إنّي كنت اُكلّمك وأنا أظنّك غير معاند للحقّ، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك!! إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟ قال: قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه.
قال المأمون: أفرأيت أنّ من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من عليّ لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أن يكون "يزعم أنّ" دعوة رسول اللَّه عنده مردودة عليه! أو أن يقول: إنّ اللَّه عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه!! أو أن يقول: إنّ اللَّه لم يعرف الفاضل من المفضول!! فأيّ الثلاثة من هذه الوجوه أحبّ إليك أن تقول؟! والحديث طويل، واقتصرنا منه على محلّ الحاجة من كلامه، وفيه فوائد جمّة ونتائج مهمّة، فراجعه.
[العقد الفريد 97:5].
ايضاح
:هذه بضعة عشر حديثاً من طريق القوم عن كثير أجلاء الصحابة مع كثرة اهتمام القوم على إخفاء اسمه وفضله وشدّة نكيرهم على من أفشاه، وقد اجتهد سلاطين الجور على إخفاء فضائله، ومنها حديث الطير، ومع ذلك فقد أتاح اللَّه قوماً فجمعوا تلك الشتات ليتمّ حجّته على عباده ويهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيي عن بيّنة، ولا يمكن لعاقل منصف أن ينكر أو يكابر، أو أنّه يصدّق بالحديث ثمّ ينكر فضل عليّ عليه السلام على غيره.
دلالة الحديث أفضيلة عليّ بالخلافة
إنّ تلك الأخبار مع تواترها واتّفاق الفريقين على صحّتها، تدلّ على أنّ عليّاً عليه السلام أفضل الخلق وأحقّ بالخلافة بعد الرسول صلى الله عليه و آله.
أمّا دلالتها على كونه أفضل فلأنّ حبّ اللَّه تعالى ليس إلا كثرة الثواب والتوفيق والهداية المترتّبة على كثرة الطاعة، والاتّصاف بالصفات الحسنة، كما أنّه تعالى منزّه عن الانفعالات والتغيّرات، وإنّما اتّصافه بالحبّ والبغض وأمثالهما باعتبار الغايات، وأنّه ليس إثباته تعالى وإكرامه بدون فضيلة وخصلة كريمة وأعمال حسنة توجب ذلك، لحكم العقل بقبح تفضيل الناقص على الكامل، والعاصي على المطيع، والجاهل على العالم، والقاصر على الفائق في الكمالات.
وقد قال تعالى: 'قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ' [سورة آل عمران: 31].
فظهر أنّ حبّه تعالى إنّما يترتّب على متابعة الرسول صلى الله عليه و آله، فثبت أنّه عليه السلام أفضل من جميع الخلق، وإنّما خصّ الرسول بالإجماع، وبقرينة أنّه كان هو القائل لذلك، فالظاهر أنّ مراده: أحبّ سائر الخلق إليه تعالى. [انظر: بحار الأنوار 358:38].
وقال ابن عساكر الشافعي: حديث الطير وما ورد فيه لعليّ عليه السلام، من أعلى المناقب وأشرف الفضائل، وأعظم المفاخر من طلب النبيّ صلى الله عليه و آله من اللَّه تعالى أن يأتيه بأحبّ خلقه إليه. [تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 105:2].
وأمّا كونه عليه السلام أحقّ بالخلافة فلأنّ من كان أفضل من جميع الصحابة، بل من جميع الأنبياء والأوصياء بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لا يجوز العقل تقدّم غيره عليه، لا سيّما تقدّم من لا يثبت له فضيلة واحدة إلا بروايات المعاندين الّتي تظهر عليها أمارات الوضع والافتراء واختيار رضى سلاطين الجور على طاعة ربّ الأرض والسماء. [بحار الأنوار 359:38].
ايرادات واهية على الحديث مع جوابها
نوقش في دلالة الخبر على أفضليّة عليّ عليه السلام بوجوه:
الأوّل: أنّه يحتمل أن يكون أراد صلى الله عليه و آله أحبّ خلق اللَّه إليه في أكل هذا الطير لا أحبّ الخلق إليه مطلقاً؟
والجواب عنه واضح - وإن كان لوهنه وركاكته لا يحتاج إلى الجواب، وقائله لا يستحقّ الخطاب - وهو أنّ قوله صلى الله عليه و آله: 'يأكل' جواب للأمر، ولا يفهم أحد له أدنى اُنس بكلام العرب منه سوى هذا المعنى، فلو خصّص الحبّ بذلك "بأكل الطير" لكان تخصيصاً من غير قرينة تدلّ عليه، وبرهان يدعو إليه، ولو جعل "يأكل" قيداً للحبّ، فمع بُعده محتاج إلى تقديرٍ "في أن يأكل" وهو خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل، على أنّ في بعض الروايات ليس كلمة "يأكل" أصلاً، وفي بعضها "حتّى يأكل" وهما لا يحتملان ذلك. [بحار الأنوار 359:38].
وأجاب الشيخ المفيد عن ذلك بوجه آخر، وهو أنّه لو كان الكلام يحتمل ذلك لما كان فيه فضل، فلم يكن أنس يردّه مرّتين وعائشة تردّه مرّتين ليكون ذلك الفضل للأنصار أو لأبيها أبي بكر، ولما قرّره الرسول صلى الله عليه و آله على ذلك.
وأيضاً لو كان محتملاً لذلك لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يحتجّ بذلك يوم الدار، ولا قَبِلَ الحاضرون ذلك منه، ولقالوا: إنّ ذلك لا يدلّ على فضيلة توجب الإمامة والخلافة. [انظر الفصول المختارة 65:1].
الثاني: من الايرادات أنّه يحتمل أن يكون في ذلك الوقت أحبّ الخلق وأفضلهم، فَلِمَ لا يجوز أن يصير بعض الصحابة بعد ذلك أفضل منه؟
والجواب عنه واضح أيضاً؛ لأنّ ذلك خلاف عموم اللفظ وإطلاقه، فإنّ الظاهر من اللفظ أحبّ جميع الخلق في جميع الأحوال والأزمنة، ولو كان مراده صلى الله عليه و آله غير ذلك لقيّده بشي ء منها، ولم يدلّ دليل على خارج الكلام على التخصيص. [بحار الأنوار 360:38].
وأجاب الشيخ المفيد عنه بوجهين آخرين:
أ - أنّ هذا خرق للإجماع المركّب؛ لأنّ الاُمّة بأسرها بين قولين: إمّا تفضيله في جميع الأحوال والأوقات، أو تفضيل غيره عليه كذلك، فما ذكرت قول لم يقل به أحد.
ب - أنّ احتجاجه عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه و آله بذلك وتسليم القوم له ذلك ممّا يدفع هذا الاحتمال. [الفصول المختارة 67:1].
الثالث: وقد قالوا أيضاً: إنّ هذا الخبر من أخبار الآحاد، إنّما رواه أنس بن مالك وحده.
والجواب عنه: أوّلاً: بأنّ الاُمّة بأجمعها قد تلقّته بالقبول، ولم يرووا أنّ أحداً ردّه على أنس، ولا أنكر صحّته عند روايته، فصار الإجماع عليه هو الحجّة في صوابه، مع أنّ التواتر قد ورد بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام احتجّ به في مناقبه يوم الشورى، فقال: 'اُنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء أحد غيري؟'. قالوا: اللّهمّ لا، قال: 'اللّهمّ اشهد'.
فاعترف الجميع بصحّته، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام ليحتجّ بباطل، لا سيّما وهو في مقام المنازعة والتوصّل بفضائله إلى أعلى المرتبة الّتي هي الإمامة والخلافة للرسول صلى الله عليه و آله، وإحاطة علمه بأنّ الحاضرين معه في الشورى يريدون الأمر بدونه، هذا مع قول النبيّ صلى الله عليه و آله في حقه عليه السلام: 'عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ يدور حيثما دار'. [الفصول المختارة 65:1].
وغير ذلك من الإيرادات على الحديث لا نتعرّض لها رعاية للاختصار، لوضوح جوابها.
عليّ و حديث المنزلة
قال جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام: 'لقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام في عشرة مواضع: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى'. ينابيع المودّة: 254
كلمة حول حديث المنزلة
من الأخبار الواردة من طرق العامّة والخاصّة مستفيضة، بل متواترة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله حديث المنزلة، وهو قوله صلى الله عليه و آله: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
[صحيح البخاري 89:5، ح 202، صحيح مسلم 187:4، ح 2404، سنن الترمذي 3730:5، المستدرك على الصحيحين 2337:2، مسند أحمد 73:1 و 175 و 182 و 184 و 331، مصابيح السنّة 1710:4، ح 4762، جامع الاُصول 468:9، ح 6477].
وقد اعترف أكابر علماء المسلمين وثقات الرواة من الفريقين بصحّة سنده أيضاً، وأنّه من أثبت الآثار وأصحّها. ومن حيث الدلالة يعطي إثبات كلّ ما للنبيّ صلى الله عليه و آله من رتبة وعمل ومقام وحكم وإمارة وسيادة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عدا ما استثني للنبيّ صلى الله عليه و آله من النبوّة، فكما كان هارون من موسى كان عليّ عليه السلام من النبيّ صلى الله عليه و آله في خلافته وكونه بمنزلة نفسه، وقال الشارح المعتزلي: ويدلّ على أنّ عليّاً عليه السلام وزير رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من نصّ الكتاب والسنّة، قول اللَّه تعالى: 'وَاجْعَل لِي وَزِيراً من أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي'. [شرح ابن أبي الحديد 210:13].
فيقع الكلام في الحديث في ثلاثة مقامات وخاتمة: في صحّة سنده، وفي لفظ الحديث، وفي إثبات دلالته على المطلوب، وفي خاتمة فيها إيرادان على الحديث مع جوابهما، فاليك بيان ذلك:
امّا سند الحديث
لقد اعترف أكابر علماء المسلمين وثقات الرواة من الفريقين بصحّة سند هذا الحديث، بل لم يختلج في صحّة سنده ريب، ولا سنح في خاطر أحد أن يناقش في ثبوته، حتّى انّ الذهبي - على تعنّته - صرّح في تلخيص المستدرك بصحّته، وابن حجر الهيثمي - على محاربته بصواعقه - نقل القول بصحّته عن أئمّة الحديث الذين لا معوّل فيه إلا عليهم.
وفي "الاستيعاب" قال: روى قوله صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى' جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحّها.
ثمّ قال: رواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله سعد بن أبي وقّاص وطرق الحديث سعد فيه كثيرة جدّاً، قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، ورواه ابن عبّاس، وكذا أبو سعيد الخدري، واُمّ سلمة، وأسماء بنت عميس، وجابر بن عبداللَّه الأنصارى، وجماعة يطول ذكرهم. [الاستيعاب بهامش الإصابة 34:3].
وطرق حديث سعد كثيرة جدّاً؛ إذ رواه عن سعد ابنه إبراهيم بن سعد، وعائشة بنت سعد، ومصعب بن سعد، وسعد بن المسيّب، وأبو عبداللَّه بن سعد، وعبداللَّه بن بديل، كلّهم عن سعد بن أبي وقّاص، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
ولولا أنّ الحديث بمثابة من الثبوت ما أخرجه البخاري في كتابه، ولولا ثبوته لما اعترف معاوية الّذي كان إمام الفئة الباغية ناصب أمير المؤمنين عليه السلام وحاربه ولعنه على منابر المسلمين، وأمرهم بلعنه، لكنّه - بالرغم عن وقاحته في عداوته - لم يجحد حديث المنزلة ولا كابر فيه سعد بن أبي وقّاص حين قال له: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلن أسبّه؛ لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حُمر النعم: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: 'يا رسول اللَّه، خلفتني مع النساء والصبيان'، فقال له رسول اللَّه: 'أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبوّة بعدي' - الحديث. فأبلس معاوية وكفّ عن تكليف سعد.
[صحيح مسلم 120:7، ط. دار المعرفة - بيروت، والفصول المهمّة: 126، وسنن الترمذي 596:5، ح 3724].
وأزيدك على هذا كلّه أنّ معاوية نفسه حدّث بحديث المنزلة:
قال ابن حجر في صواعقه: أخرج أحمد أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها عليّاً فهو أعلم، قال: جوابك فيها أحبّ إليَّ من جواب عليّ، قال: بئس ما قلت: لقد كرهت رجلاً كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي' - الحديث.
[الصواعق - المقصد الخامس من الباب 107:11].
وبالجملة فإنّ سند حديث المنزلة ممّا لا ريب في ثبوته بإجماع المسلمين على اختلافهم في المذاهب والمشارب، حتّى أخرجه صاحب الجمع بين الصحاح الستّة، وصاحبا لجمع بين الصحيحين من صحيح البخاري وصحيح مسلم، وسنن ابن ماجة، ومستدرك الحاكم، وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم حتّى انتهت طرق العامّة إلى مائة حديث، والخاصّة إلى سبعين حديثاً، ورواه في أكثر من 105 كتب أعاظم محدّثي العامّة، وهو من الأحاديث المسلّمة في كلّ خلف من هذه الاُمّة.
[أخذنا هذا البحث من كتاب المراجعات: 139 للعلامة شرف الدين، وأعيان الشيعة 371:1 للعلامة السيّد محسن الأمين، وغاية المرام للمحدّث البحراني، الباب 21 من المقصد الأوّل].
امّا لفظ حديث المنزلة
لا يخفى أنّ حديث المنزلة إمّا أن يكون قد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله في مناسبات خاصّة تارة، وكان ذلك في غزوة تبوك وهي العمدة، واُخرى في غزاة خيبر، وثالثة في حديث سدّ الأبواب، ورابعة في حديث المؤاخاة وغيرها، و إما قد روي عنه صلى الله عليه و آله بلا مناسبة خاصّة، وهنا نذكر لفظ بعض الأخبار المأثورة في جميع الأبواب إكمالاً للبحث.
ما روي عن النبي بلا مناسبة خاصّة
1- وفي "صحيح البخاري" عن سعد، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ: 'أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى'.
[صحيح البخاري بشرح الكرماني 245:14، ح 3470، وصحيح البخاري بتحقيق الشماعي الرفاعي 81:5، ح 225، ط. دار القلم - بيروت].
2- عن ابن المغازلي عن سعيد بن المسيّب، عن عامر بن سعد، عن سعد، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول لعليّ: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
قال سعيد: فأحببت أن اُشافه بذلك سعداً، فلقيته فذكرت له ما ذكره لي عامر، فقال: نعم، سمعته. فقلت: أنت سمعته؟ فأدخل يديه في اُذنيه، وقال: نعم، وإلا فاستكّتا.
[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 33، ح 50].
3- و عنه أيضاً عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قال لي معاوية: أتحبّ عليّاً؟ قال: فقلت: وكيف لا اُحبّه، وقد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'. ولقد رأيته بارزاً يوم بدر وهو يُحَمحِمُ كما يُحمحم الفرس، ويقول:
بازلُ عامين حديث سِنّي*** سَنحنح اللَّيلِ كأنّي جِنّي
لمثل هذا ولدتني اُمّي*** فما رجع حتّى خَضب سيفه دماً
[المناقب لابن المغازلي: ح 48].
4- و عن ابن عساكر الشافعي عن الزهرى، عن عامر بن سعد، قال: إنّي لمع أبي إذ تبعنا رجل في نفسه على عليّ عليه السلام بعض الشي ء، فقال: يا أبا إسحاق، حديث يذكر النّاس عن عليّ عليه السلام، قال: وما هو؟ قال: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى'، قال: نعم، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول لعليّ: 'أنت منّي كهارون من موسى'، وما ينكر أن يقول لعليّ هذا أو أفضل من هذا.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 326:1، ح 374].
5- و عنه ايضاً عن زيد بن أرقم، قال: قدمت المدينة فجلسنا إلى سعد، فقال سعد: سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول لعليّ: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى'.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 326:1، ح 394].
6- و عنه أيضاً عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيّب، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: سمعت اُذناي وأبصرت عيناي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو يقول لعليّ عليه السلام: 'أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
[المصدر السابق: 308، ح 368].
7- وفي "مسند أحمد بن حنبل"، بسنده عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، يحدّث عن أبيه سعد، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لعليّ عليه السلام: 'أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى'.
[مسند أحمد بن حنبل 56:3، نقلاً عن الإحقاق 133:5].
8- وفي "سنن الترمذي" عن سعد بن المسيّب، عن سعد بن أبي وقّاص أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعليّ عليه السلام: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'. [سنن الترمذي 599:5، ح 3731].
حديث عبداللَّه بن مسعود
عن ابن المغازلي الشافعي عن عبداللَّه بن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى'، وخلّفه في أهله. [المناقب لابن المغازلي: 36، ح 56].
حديث أسماء بنت عميس
عن الجويني عن الحسن بن صالح، عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت عليّ عليه السلام، عن أسماء بنت عميس، قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'. [فرائد السمطين 122:1، ح 85].
حديث عمر بن الخطّاب
عن ابن عساكر الشافعي عن عطاء بن سويد بن غفلة، عن عمر بن الخطّاب، قال: رأى رجلاً يشتم عليّاً عليه السلام، كانت بينه وبينه خصومة، فقال له عمر: إنّك من المنافقين، سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'إنّما عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 330:1، ح 399، وروى أبو بكر البغدادي في تاريخه 452:7 نحوه].
حديث جابر بن عبداللَّه الأنصاري
1- عن غاية المرام عن "مطالب السؤول" لمحمّد بن طلحة الشافعي، قال: قال جابر بن عبداللَّه الأنصاري: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول - لعليّ عليه السلام -: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
[غاية المرام: 124، الباب 20 من المقصد الأوّل، ح 95].
2- و روى الترمذي في سننه عن جابر بن عبداللَّه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعليّ عليه السلام: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'. [سنن الترمذي 598:5، ح 3730].
3- و روى الصدوق، عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'إنّ اللَّه تبارك وتعالى اصطفاني واختارني وجعلني رسولاً، وأنزل علَيّ سيّد الكتب، فقلت: إلهي وسيّدي، إنّك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيراً، تشدّ به عضده، وتصدّق به قوله، وإنّي أسألك يا سيّدي وإلهي أن تجعل لي من أهلي وزيراً تشدّ به عضدي، فجعل اللَّه لي عليّاً وزيراً وأخاً، وجعل الشجاعة في قلبه وألبسه الهيبة على عدوّه، وهو أوّل من آمن بي، وصدّقني، وأوّل من وحّد اللَّه معي' - الحديث. [أمالي الصدوق - المجلس السادس: ح 5].
حديث أبي سعيد الخدري
عن "مسند أحمد بن حنبل": بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
[غاية المرام: 109، الباب 20 من المقصد الأوّل، رقم 1].
حديث اُمّ سلمة
1- عن غاية المرام عن "المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة" بإسناده إلى ابن عبّاس، عن اُمّ سلمة، قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله - وقد دخل عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام -: 'يا اُمّ سلمة، هل تعرفينه؟'، فقالت: هنيئاً هذا عليّ بن أبي طالب، قال صلى الله عليه و آله: 'نعم، لحمه لحمي، ودمه دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي. يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليَّ أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الّذي منه اُؤتى، وخليفتي من بعدي، وقربتي في الآخرة، وهو معي في السنام الأعلى. اشهدي - يا اُمّ سلمة - أنّه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين'.
[المصدر السابق: 118، الباب 20 من المقصد الأوّل].
2- و عن ابن عساكر الشافعي بإسناده عن اُمّ سلمة، قالت: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال لعليّ عليه السلام: 'أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه ليس بعدي نبوّة'. [تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 309:1، ح 370].
وفي حديث آخر: 'غير أنّه ليس بعدي نبوّة'. [المصدر السابق: ح 371].
حديث ابن عبّاس
روى الجويني عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لاُمّ سلمة: 'هذا عليّ بن أبي طالب، لحمه لحمي، ودمه دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي.
يا اُمّ سلمة، هذا عليّ أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، ووصيّي، ووعاء علمي، وبابي الّذي اُؤتى منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في السنام الأعلى، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين'. [فرائد السمطين 149:1، ح 113].
حديث المنزلة في مناسبات خاصّة
وقد بحثنا في المناسبات الخاصّة الّتي روي فيها عن النبيّ صلى الله عليه و آله قوله صلى الله عليه و آله: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى'، فكانت نحو عشرة موارد، وقد ورد في الحديث على ما نقله العلامة القندوزي الحنفي، عن جعفر بن محمّد الصادق، عن آبائه عليهم السلام: 'لقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام في عشرة مواضع: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى'.
في غزوة تبوك
لمّا أراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الخروج إلى غزوة تبوك استخلف عليّاً عليه السلام في المدينة، وقال له: 'يا عليّ، إنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك'، ولمّا علم أهل النفاق باستخلاف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً على المدينة حسدوه لذلك، وعظم عليهم مقامه في المدينة بعد خروجه صلى الله عليه و آله، فقالوا: لم يستخلفه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إكراماً له، بل إنّما خلّفه استثقالاً له.
فلمّا بلغ أمير المؤمنين عليه السلام إرجاف المنافقين به، أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم، فلحق النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: 'يا رسول اللَّه، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً؟'.
فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: 'ارجع - يا أخي - إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
و قال المفيد في الإرشاد: لمّا أراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الخروج استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في أهله وولده وأزواجه ومهاجره، وقال له: 'يا عليّ، إنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك'.
وذلك أنّه صلى الله عليه و آله علم من خبث نيّات الأعراب وكثير من أهل مكّة ومن حولها ممّن غزاهم وسفك دماءهم، فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها، وحصوله ببلاد الروم أو نحوها، فمتى لم يكن في المدينه من يقوم مقامه لم يؤمن من معرّتهم وإيقاع الفساد في دار الهجرة، والتخطّي إلى ما يشين أهله ومخلّفيه.
وعلم صلى الله عليه و آله أنّه لا يقوم مقامه في إرهاب العدوّ وحراسة دار الهجرة وحياطة مَن فيها إلا أمير المؤمنين عليه السلام، فاستخلفه استخلافاً ظاهراً، ونصّ عليه بالإمامة من بعده نصّاً جليّاً؛ وذلك فيما تظاهرت به الرواية: أنّ أهل النفاق لمّا علموا باستخلاف رسول اللَّه عليّاً على المدينة حسدوه لذلك، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه، وعلموا أنّها تتحرّس به، ولا يكون فيها للعدوّ مطمع فساءهم ذلك، وكانوا يؤثرون خروجه معه، لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن المدينة، وخُلوّها من مرهوب مخوف يحرسها، وغبطوه على الرفاهيّة والدعة بمقامه في أهله، وتكلّف من خرج منهم المشاقّ بالسفر والحضر فأرجفوا به، وقالوا: لم يستخلفه رسول اللَّه إكراماً له وإجلالاً ومودّة، وإنّما خلّفه استثقالاً له، فبهتوا بهذا الإرجاف كبهت قريش للنبيّ صلى الله عليه و آله بالجنّة تارة، وبالشعر اُخرى، وبالسِّحر مرّة، وبالكهانة اُخرى، وهم يعلمون ضدّ ذلك ونقيضه، كما علم المنافقون ضدّ ما أرجفوا به على أمير المؤمنين عليه السلام وخلافه، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان أخصّ النّاس بأمير المؤمنين، وكان هو أحبّ النّاس إليه، وأسعدهم عنده، وأفضلهم لديه. فلمّا بلغ أمير المؤمنين إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم، فلحق النبيّ صلى الله عليه و آله، فقال: 'يا رسول اللَّه، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً'، فقال له النبيّ: 'ارجع يا أخي إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى - يا عليّ - أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي؟'.
[الإرشاد 154: 1].
وفيما يلي نذكر الروايات الواردة في هذا الباب:
1- عن ابن المغازلي الشافعي عن سعيد بن المسيّب، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: 'أقم بالمدينة'. قال: فقال له عليّ عليه السلام: 'يا رسول اللَّه، إنّك ما خرجت في غزاة فخلفتني'؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ: 'إنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'. قال: فقلت لسعد بن أبي وقّاص: أأنت سمعت هذا من رسول اللَّه؟ قال: نعم، لا مرّة ولا مرّتين يقول ذلك لعليّ عليه السلام.
[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 33، ح 49].
2- و عن ابن شهر آشوب روى في قصة خروج النبيّ صلى الله عليه و آله إلى غزاة تبوك: إنّه صلى الله عليه و آله لمّا خرج من المدينة وانتهى إلى الجرف لحقه عليّ عليه السلام، وأخذ يغزر رحله، وقال: 'يا رسول اللَّه، زعمت قريش إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً'، فقال صلى الله عليه و آله: 'طالما آذت الاُمم أنبياءهم، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟' - الحديث.
[غاية المرام: 151، الباب 21 من المقصد الأوّل، ح 68].
3- وفي "صحيح البخاري" بسنده عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خرج إلى تبوك واستخلف عليّاً عليه السلام، فقال: 'أتُخلِفُني في الصبيان والنساء؟'، قال صلى الله عليه و آله: 'ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه ليس نبيّ بعدي؟'.
[صحيح البخاري بشرح الكرماني 217:16، ح 4115، وشرح الشماعي الرفاعي 309:6، ح 857].
4- وفي "صحيح مسلم" بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص، قال: وخلّف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام في غزوة تبوك فقال: 'يا رسول اللَّه، تخلفني في النساء والصبيان؟'، فقال: 'أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
[صحيح مسلم 187:4، ح 2404، غاية المرام: 151، الباب 21 من المصدر الأوّل، ح 16].
5- وروى ابن عساكر الشافعي، بسنده عن ابن المسيّب، عن ابن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: دخلت على سعد، فقلت له: حديثاً حدّثته عنك حين استخلف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام على المدينة؟ قال: فغضب، وقال: من حدّثك به؟ فكرهت أن اُخبره أنّ ابنه حدّثنيه، فيغضب عليه، ثمّ قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين خرج في غزوة تبوك استخلف عليّاً على المدينة فقال عليّ عليه السلام: 'يا رسول اللَّه، ما كنت أحبّ أن تخرج وجهاً إلا وأنا معك'!! فقال: 'أوَما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي'.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 284:1، ح 340، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 39].
6- ورواه أيضاً، بسنده عن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد بن أبي وقّاص: أنّ عليّ بن أبي طالب خرج مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتّى إذا جاء ثنية الوداع ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله يريد تبوك وعليّ عليه السلام يبكي ويقول: 'يا رسول اللَّه، تخلّفني مع الخوالف؟'، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا النبوّة'.
[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 326:1، ح 392].
7- وروى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد، قال: غزا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غزوة تبوك وخلّف عليّاً في أهله، فقال بعض النّاس: ما منعه أن يخرج به إلا أنّه كره صحبته، فبلغ ذلك عليّاً فذكره للنبيّ صلى الله عليه و آله فقال: 'يابن أبي طالب، أما ترضى أن تنزل منّي بمنزلة هارون من موسى'.
[الطبقات الكبرى لابن سعد 14:3].
8- وروى النسائي، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا غزا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غزوة تبوك خلّف عليّاً عليه السلام في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته، فتبع عليّ عليه السلام النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى لحقه في الطريق، قال: 'يا رسول اللَّه، خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساءِ حتّى قالوا: ملّه وكره صحبته!'، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ، إنّما خلفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي'.
في فتح خيبر
عن موفّق بن أحمد في "المناقب" قال: من المراسيل: روى الناصر للحقّ، بإسناده في حديث طويل، قال: لمّا قدم عليّ عليه السلام على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لفتح خيبر، قال صلى الله عليه و آله: 'لولا أن تقول طائفة فيك من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح عليه السلام لقلت فيك اليوم مقالاً، لا تَمرّ بملأ إلا وأخذوا التراب من تحت قدميك، ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، وأنا منك ترثني وأرِثكَ، إلا أنّه لا نبىّ بعدى، وإنّك تبرئ ذمّتي، وتقاتل على سُنّتي، وإنّك غذاً أقرب النّاس، وإنّك أوّل من يرد علَيّ الحوض، وأوّل من يكسني معي
[والظاهر أنّها: 'يسكن معي'، أو 'يكتسي معي'].
وأوّل داخل الجنّة من اُمّتي، وإنّ شيعتك على منابر من نور، وإنّ الحقّ على لسانك، وفي قلبك، وفي عينيك'.
[غاية المرام: 117، الباب 20 من المقصد الأوّل، ح 67، وروي نحوه عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري في كتاب "المناقب الفاخرة"، راجع: المصدر السابق: 118، الباب 20 من المقصد الأوّل، ح 71].
في يوم المؤاخاة
كان المؤاخاة الاُولى في مكّة قبل الهجرة، حيث آخى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين المهاجرين خاصّة، وكانت المؤاخاة الثانية في المدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، وفي كلتا المرّتين كان النبيّ صلى الله عليه و آله يصطفي لنفسه عليّاً عليه السلام فيتّخذه من دونهم أخاه تفضيلاً له على من سواه، ويقول له صلى الله عليه و آله: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
الحديث في يوم المؤاخاة الاولى
والأخبار في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة، وأيضاً من طريق العامّة، وحسبك ممّا جاء من طريق العامّة في المؤاخاة الاُولى، حديث زيد بن أبي أوفى، والحديث طويل قد اشتمل على كيفيّة المؤاخاة، وفي آخره ما هذا لفظه: فقال عليّ عليه السلام: 'يا رسول اللَّه، لقد ذهب روحي، وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط علَيّ فلك العتبى والكرامة'، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'والّذي بعثني بالحقّ، ما أخرجتك إلا لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت أخى ووارثي'. فقال: 'وما أرث منك؟'. قال صلى الله عليه و آله: 'ما ورث الأنبياء من قبلي: كتاب ربّهم، وسنّة نبيّهم، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي'، ثمّ تلا صلى الله عليه و آله: 'إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ' المتحابّون في اللَّه ينظر بعضهم إلى بعض.
[المراجعات: 147، عن كنز العمّال 41:5، ح 959، والآية من سورة الحجر: 47، غاية المرام: 114، باب 20 من المقصد الأوّل، ح 44].
الحديث في يوم المؤاخاة الثاني
و الاخبار في المؤاخاة كثيرة جداً، نذكر نبذة منها.
[راجع فصل "عليّ عليه السلام و المؤاخاة" في هذا الأثر].
1- عن اخطب الخوارزم عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: لمّا آخى النبيّ صلى الله عليه و آله بين أصحابه وبين المهاجرين والأنصار، فلم يواخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحد منهم، خرج عليّ مغضباً حتّى أتى جدولاً من الأرض فتوسّد ذراعه، وسفت عليه الريح، فطلبه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتّى وجده فوكزه برجله، وقال له: 'قم، فما صلحتَ إلا أن تكون أبا تراب، أغضبت علَيّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار، ولم اُؤاخ بينك وبين أحد منهم؟! أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه ليس بنبيّ؟ ألا مَن أحبّك حُفّ بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته اللَّه ميتة جاهليّة، وحوسب بعمله في الإسلام'.
[المناقب للخوارزمي: 7].
2- و في مسند أحمد بن حنبل، بسنده عن مخدوج بن يزيد الهذلي: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، آخى بين المسلمين، ثمّ قال: 'يا عليّ، أنت أخي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي' الحديث. [غاية المرام: 113، الباب 20 من المقصد الأوّل، ح 46.
وقد ذكرنا أخباراً كثيرة بهذا المضمون في الجزء الأوّل فصل "عليّ عليه السلام والمؤاخاة"].
في زيارته اُمّ سليم
[اُمّ سليم هي بنت ملحان بن خالد الأنصاريّة، واُخت حرام بن ملحان، استشهد أبوها وأخوها بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله، وكانت اُمّ سلمة على جانب من الفضل والعقل، روت عن النبيّ أحاديث، وكانت من الدعاة إلى الإسلام. المراجعات: 145، مطبعة الآداب - النجف]
.من موارد حديث المنزلة يوم حدّث النبيّ صلى الله عليه و آله اُمّ سليم، وكانت اُمّ سليم من أهل السوابق والحجا، ولها المكانة من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسابقتها وإخلاصها ونصحها وحسن بلائها، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يزورها ويحدّثها في بيتها، فقال لها في بعض الأيّام: 'يا اُمّ سليم، إنّ عليّاً عليه السلام لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى'.
[كنز العمّال 154:6، ح 2554].
ولا يخفى أنّ هذا الحديث كان اقتضاباً من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غير مسبب عن شي ء إلا البلاغ والنصح للَّه تعالى في بيان منزلة وليّ عهده والقائم مقامه من بعده، فلا يمكن أن يكون مختصّاً بغزوة تبوك. [المراجعات: 146].
في يوم سدّ الأبواب
ومن موارد الحديث يوم سدّ الأبواب غير باب عليّ عليه السلام، وحسبك في ذلك ما رواه البحراني عن أحمد بن حنبل، بسنده عن أبي الطفيل، عن حذيفة، قال: لمّا قدم أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله لم يكن لهم بيوت يبيتون فيها، فكانوا يبيتون في المسجد فيحتلمون، ثمّ إنّ القوم بنوا بيوتاً حول المسجد، وجعلوا أبوابها إلى المسجد، وإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بعث إليهم معاذ بن جبل فنادى أبا بكر فقال: 'إنّ اللَّه يأمرك أن تخرج من المسجد'، فقال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه وخرج من المسجد. ثمّ أرسل إلى عمر فقال: 'إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يأمرك أن تسدّ بابك في المسجد وتخرج منه، فقال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه وخرج من المسجد. ثمّ أرسل إلى حمزة فسدّ بابه، فقال: سمعاً وطاعةً للَّه ولرسوله، وعليّ عليه السلام على ذلك يتردّد لا يدري أهو فيمن يقيم أو يخرج، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله قد بنى له بيتاً في المسجد بين بيوتاته، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: 'اسكن طاهراً مطُهَّراً'.
ونَفَسَ ذلك رجال على عليّ عليه السلام، فوَجَدُوا في أنفسهم، وتبيّن فضله عليهم وعلى غيرهم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه و آله فقام خطيباً، فقال: 'إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم في أن اُسكن عليّاً في المسجد، واللَّه ما أخرجتكم ولا أسكنته، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أوحى إلى موسى وأخيه: 'أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ'
[سورة يونس: 87].
وأمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه إلا هارون وذرّيّته، وإنّ عليّاً بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي دون أهلي، ولا يحلّ مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا عليّ وذرّيّته، ومن ساءه فهاهنا'، وأومأ بيده نحو الشام.
[غاية المرام: 113، الباب 20 من المقصد الأوّل، ح 45، و راجع في فصل 'عليّ عليه السلام و سدّ الابواب الا بابه'].
في ولادة الحسنين
1- روى أخطب خوارزم في "مقتل الحسين" بسنده عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام، قال: حدّثتني أسماء بنت عميس، قالت: قَبِلْتُ جدّتك فاطمة بالحسن والحسين، فلمّا ولد الحسن جاءني النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: 'يا أسماء، هاتي ابني'، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبيّ صلى الله عليه و آله، وقال: 'يا أسماء، ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا لي الولد بخرقة صفراء'، فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثمّ قال لعليّ: 'أيّ شي ء سمّيت ابني'؟ قال: 'ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول اللَّه، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً'، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: ولا أنا أيضاً أسبق باسمه ربّي عزّ وجلّ، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: السلام عليك يا محمّد، العليّ الأعلى يقرئك السلام، ويقول: عليّ منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبيّ بعدك، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون، قال: 'وما اسم ابن هارون؟' قال: شبّر، قال: 'لساني عربي'، قال: سمّه الحسن
[مقتل الحسين لأحمد أخطب خوارزم: 87].الحديث.
2- وروى البحراني عن "أمالي الصدوق" بسنده عن أبي حمزة الثمالي، عن زيد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: 'لمّا ولدت فاطمة "سلام اللَّه عليها" الحسن قالت لعليّ سمّه؟ فقال عليّ عليه السلام: ما كنت لأسبق باسمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: ما كنت أسبق باسمه ربّي عزّ وجلّ، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى جبرئيل أنّه قد ولد لمحمّد ابن، فاهبط فاقرأه السلام وهنّه، وقل له: إنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل فهنّاه عن اللَّه عزّ وجلّ وقال له: إنّ اللَّه يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، فقال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر. قال: لساني عربي. قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن.
[غاية المرام: 127، من المقصد الأوّل، ح 5، وانظر أمالي الصدوق - المجلس الثاني والعشرون: ح 3.
وروى الشيخ في "أماليه" عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام، عن أسماء بنت عميس نحوه، راجع: غاية المرام: 131، الباب 21 من المقصد الأوّل، ح 24].
في ليلة المعراج
عن البحراني عن "أمالي الصدوق" بسنده عن وهيب بن منبّه رفعه، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'لمّا عرج بي إلى ربّي جلّ جلاله، أتاني النداء: يا محمّد، قلت: لبّيك ربّ العظمة، لبّيك. فأوحى اللَّه إليّ: يا محمّد، فيما اختصصتُ المَلأ الأعلى؟ فقلت: لا علم لي، يا إلهي. فقال: يا محمّد، هل اتّخذت من الآدميّين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك؟ قلت: يا إلهي ومن أتّخذ؟ تخيّر لي يا إلهي. فأوحى اللَّه إليَّ: يا محمّد، قد اخترتُ لك من الآدميّين عليّ بن أبي طالب. فقلت: إلهي، ابن عمّي، فأوحى اللَّه إليَّ: يا محمّد، إنّ عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك، وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب حوضك يسقي مَن ورد عليه من مؤمني اُمّتك. ثمّ أوحى إليَّ: يا محمّد، إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقّاً، لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذرّيّتك الطيّبين الطاهرين حقّاً حقّاً. يا محمّد، لاُدخلنّ جميع اُمّتكِ الجنّة إلا من أبى من خلقي، فقلت: إلهي، هل واحد يأبى من دخول الجنّة؟ فأوحى اللَّه إليَّ: بلى، فقلت: وكيف يأبى؟ فأوحى اللَّه لي: يا محمّد، اخترتك من خلقي، واخترت لك وصيّاً من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدك، وألقيت محبّته في قلبك، وجعلته أباً لولدك، فحقّه بعدك على اُمّتك كحقّك عليهم في حياتهم، فمن جحد حقّك، ومن أبى أن يواليه، فقد أبى أن يدخل الجنّة، فخررت للَّه ساجداً، شكراً لما أنعم علَيّ' - الحديث. [المصدر السابق: 126، الباب 21 من المقصد الأوّل، ح 1].
في يوم الغدير
روى البحراني عن "أمالي الشيخ الطوسي" بسنده عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: قال أبي: دفع النبيّ صلى الله عليه و آله الراية يوم خيبر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ فتح اللَّه عليه، وأوقفه يوم غدير خمّ، فأعلم النّاس أنّه مولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وقال: 'أنت منّي وأنا منك'. وقال له: 'تقاتل يا عليّ على التأويل كما قاتلت على التنزيل'.
وقال له: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.
[المصدر السابق: 119، الباب 20 من المقصد الأوّل، ح 73].الحديث.
في تفسير آية 'عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ'
عن البحراني عن تفسير الحافظ الشيرازي، قوله تعالى: 'عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ' بإسناده إلى السدّي، يرفعه، قال: أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: يا محمّد، هذا الأمر لنا من بعدك أم لِمَن؟ قال صلى الله عليه و آله: 'يا صخر، الأمر بعدى لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى'، فأنزل اللَّه تعالى: 'عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأ الْعَظِيمِ'، يعني يسألك أهل مكّة عن خلافة عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن النبأ العظيم 'الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ' منهم المصدّق بولايته وخلافته، ومنهم مكذّب
[المصدر السابق: 130، الباب 21 من المقصد الأوّل، ح 22].الحديث.
في نفرٍ من الصحابة
روى ابن الصبّاغ المالكي، عن كتاب "الخصائص"، عن العبّاس بن عبدالمطّلب، قال: سمعت عمر بن الخطّاب وهو يقول: كفّوا عن ذكر عليّ بن أبى طالب عليه السلام إلا بخير، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول في عليّ ثلاث خصال وددت أنّ لي واحدة منهنّ، كلّ واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، وذاك أنّي كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللَّه؛ إذ ضرب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على كتف عليّ بن أبي طالب، وقال: 'يا عليّ، أنت أوّل المسلمين إسلاماً، وأنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى' - الحديث.
[الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 126، وفي الكنز 395:6، ح 6029، نقلاً عن المراجعات: 146].
من مؤيدات حديث المنزلة قوله: 'عليّ منّي مثل رأسي'
1- روى ابن المغازلي الشافعي، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'عليّ منّي مثل رأسي من بدني'. [المناقب لابن المغازلي الشافعي: 92، ح 135].
2- و روى أبو بكر البغدادي، عن البراء، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: 'عليّ منّي بمنزلة رأسي من بدني'. [تاريخ بغداد 12:7، ح 3475].
احتجاجه يوم الشورى
روى البحراني عن ابن أبي الحديد، أنّه قال: قال عليّ عليه السلام لأهل الشورى: 'اُنشدكم اللَّه أفيكم أحد آخى رسول اللَّه بينه وبين نفسه حين آخى بين بعض المسلمين وبعض غيري؟' فقالوا: لا، فقال عليه السلام: 'أفيكم أحد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: مَن كنت مولاه فهذا مولاه، غيري؟'، فقالوا: لا، فقال: 'أفيكم أحد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي، غيري؟'، قالوا: لا، إلى آخر الحديث.
امّا دلالة الحديث على إمامة عليّ بعد رسول اللَّه
من القواعد القطعيّة عند علماء النحو والاُدباء أنّ لفظة "إلاّ" الاستثنائيّة تدلّ على عموم المستثنى منه، فقول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إلا أنّه لا نبيّ بعدي'، يدلّ على عموم المنزلة، وهارون كان وزيراً لموسى وشريكاً له في النبوة، ولو عاش بعد موسى لكان خليفةً له، لكنّه مات في حياته، فعليّ عليه السلام له منزلة هارون عدا المشاركة في النبوّة، وحيث إنّه بقي بعد النبيّ صلى الله عليه و آله فقد كانت الخلافة له، وتنتفي عنه صفة النبوّة خاصّة، ونذكر هنا من الموافق والمخالف ما يدلّ على المطلوب.
قال ابن أبي الحديد: والّذي يدلّ على أنّ عليّاً عليه السلام وزير رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من نصّ الكتاب والسنّة قول اللَّه تعالى: 'وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِن أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي'.
[سورة طه: 32 - 29].
وقال النبيّ صلى الله عليه و آله في الخبر المجمع على روايته من سائر فِرق الإسلام: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'، فاُثبت له جميع مراتب هارون ومنازله من موسى، فإذا هو وزير رسول اللَّه، ولولا أنّه خاتم النبيّين لكان شريكاً له في أمره.
[شرح ابن أبي الحديد 211:13].
و عنه أيضاً في شرحه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: 'اخصمك بالنبوّة فلا نبوّة بعدي، وتخصم النّاس بسبع'. وقال أيضاً: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'، وأبان نفسه عنه بالنبوّة، وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركاً بينهما.
[راجع غاية المرام: 124، الباب 20 من المقصد الأوّل، ح 96].
وقال الشيخ المفيد: فتضمّن هذا القول من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نصّه عليه بالإمامة، وإبانته من الكافّة بالخلافة، ودلّ به على فضل لم يشركه فيه أحد سواه، وأوجب له به جميع منازل هارون من موسى، إلا ما خصّه العرف من الاخوّة، واستثناه هو من النبوّة، ألا ترى أنّه عليه السلام جعل له كافّة منازل هارون من موسى، إلا المستثنى منها لفظاً وعقلاً، وقد علم كلّ من تأمّل معاني القرآن، وتصفّح الروايات والأخبار أنّ هارون كان أخا موسى عليه السلام لأبيه واُمّة، وشريكه في أمره، ووزيره على نبوّته وتبليغه رسالات ربّه، وأنّ اللَّه سبحانه شدّ به أزره، وأنّه كان خليفته على قومه، وكان له من الإمامة عليهم وفرض الطاعة كإمامته وفرض طاعته، وأنّه كان أحبّ قومه إليه وأفضلهم لديه.
قال اللَّه عزّ وجلّ حاكياً عن موسى عليه السلام: 'رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً'
[سورة طه: 34 - 25].
وقال تعالى حاكياً عن موسى: 'وَقَالَ مُوسَى لْأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ'.
[سورة الأعراف: 142].
فلمّا جعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام منه بمنزلة هارون من موسى، أوجب له بذلك جميع ما عددناه إلا ما خصّه العرف من الاخوّة، واستثناه من النبوّة لفظاً، وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من الخلق أمير المؤمنين عليه السلام ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال. الى آخر كلامه.
خاتمة فيها: إيرادان على حديث المنزلة وجوابهما
بعض منكرى مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنكر عموم حديث المنزلة، وزعم أنّه خاصّ بمورده، واستدلّ بسياق الحديث وسببه؛ لأنّه إنّما قال صلى الله عليه و آله لعليّ حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، فقال له الإمام: 'أتخلّفني في النساء والصبيان؟'، فقال: 'أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'، وكأنّه صلى الله عليه و آله أراد كونه منه بمنزلة هارون من موسى، حيث استخلفه في قومه عند توجّهه إلى الطور، فيكون المقصود أنت منّي أيّام غزوة تبوك بمنزلة هارون من موسى أيّام غيبته في مناجاة ربّه.
[هذا الإيراد من الكرماني في شرحه على صحيح البخاري 245:14، وحكى الإمام شرف الدين في المراجعات: 142 هذا الإشكال عن غيره أيضاً].
امّا الجواب عن:
قال السيّد شرف الدين "قدّس اللَّه روحه": نحن نوكل الجواب عن قولهم بعدم عموم الحديث إلى أهل اللسان والعرف العربيّين، وأنت حجّة العرب لا تدافع ولا تنازع، فهل ترى اُمّتك - أهل الضادّ - يرتابون في عموم المنزلة من هذا الحديث؟ كلا وحاشا مثلك أن يرتاب في عموم اسم الجنس المضاف وشموله لجميع مصاديقه، فلو قلت: منحتكم إنصافي مثلاً، أيكون إنصافك هذا خاصّاً ببعض الاُمور دون بعض، أم عامّاً شاملاً لجميع مصاديقه؟ معاذ اللَّه أن تراه غير عامّ، أو يتبادر منه إلا الاستغراق، ولو قال خليفة المسلمين لأحد أوليائه: جعلت لك ولايتي على النّاس أو منزلي أو منصبي فيهم أو ملكي، فهل يتبادر إلى الذهن غير العموم؟ وهل يكون مدّعي التخصيص ببعض الشؤون دون بعض إلا مخالفاً مجازفاً، ولو قال لأحد وزرائه: لك في أيّامي منزلة عمر في أيّام أبي بكر إلا أنّك لست بصحابي، أكان هذا بنظر العرف خاصّاً ببعض المنازل أم عامّاً؟ ما أراك واللَّه تراه إلا عامّاً، ولا ارتاب في أنّك قائل بعموم المنزلة في قوله صلى الله عليه و آله: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى' قياساً على نظائره في العرف واللغة، ولا سيّما بعد استثناء النبوّة، فإنّه يجعله نصّاً في العموم، والعرب ببابك فسلها عن ذلك.
وأمّا قول الخصم بأنّ الحديث خاصّ بمورده، فمردود من وجهين:
الوجه الأوّل: أنّ الحديث في نفسه عامّ كما علمت، فمورده - لو سلّمنا كونه خاصّاً - لا يخرجه عن العموم؛ لأنّ المورد لا يخصّص الوارد كما هو قرّر في محلّه، ألا ترى لو رأيت الجنب يمسّ آية الكرسي مثلاً، فقلت له: لا يمسّ آيات القرآن محدث، أيكون هذا خاصّاً بمورده أم عامّاً شاملاً لجميع آيات القرآن ولكلّ محدث؟ ما أظنّ أحداً يفهم كونه خاصّاً بمسّ الجنب بخصوصه لآية الكرسي بالخصوص.
ولو رأى الطبيب مريضاً يأكل التمر فنهاه عن أكل الحلو، أيكون في نظر العرف خاصّاً بمورده أم عاماً شاملاً لكلّ مصاديق الحلو؟ وهكذا حديث المنزلة بمورده في خصوص غزوة تبوك، لا يكون خاصّاً بمورده.
الوجه الثاني: أنّ الحديث لم تنحصر موارده باستخلاف عليّ على المدينة في غزوة تبوك ليتشبّث الخصم بتخصيصه به، بل ورد الحديث في موارد اُخر بأخبار متواترة عن أئمّة العترة الطاهرة، وسنن أهل السنّة، تشهد بذلك إشارتنا إلى موارد اُخر غير غزوة تبوك مثل ورود الحديث في غزوة خيبر، وفي قصّة المؤاخاة، وغيرهما.
الشكّ في حجّيّته
وقال بعض منكري فضائله: بأنّ الحديث غير حجّة، وإن كان عاماً لكونه مخصوصاً، والعام المخصوص غير حجّة في الباقي.
امّا الجواب عن:
وأمّا قولهم بأنّ العامّ المخصوص ليس بحجّة في الباقي فغلط واضح، وخطأ فاضح، كما لا يخفى لمن له أدنى تأمّل في علم الاُصول، وأيضاً لولا أنّه حجّة لا نسدّ على الأئمّة الأربعة وغيرهم من المجتهدين باب العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة، فإنّ رحى العلم بذلك تدور على العمل بالعمومات، وما من عامٍّ إلا وقد خصّ، فإذا سقطت العمومات ارتجّ باب العلم. [انظر المراجعات: 143].
عليّ في يوم غدير خمّ
قوله تعالى: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم خدير خمّ في عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
سورة المائدة: 67، تفسير الدرّ المنثور 298:2
و تفسير المنار 463:6، وينابيع المودّة: 130
المقدّمة
لمّا قضى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مناسكه في حجّة الوداع رجع إلى المدينة فوصل إلى الموضع المعروف ب "غدير خمّ"
[غدير خمّ في وادي الأراك على عشرة فراسخ من المدينة، وعلى أربعة أميال من الجحفة عند شجرات خمس دوحات عظام - المناقب لابن شهرآشوب 26:3].
يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة عشر من الهجرة - وهو مكان قريب من الجحفة بناحية رابغ - ومعه صلى الله عليه و آله على ما قيل: ما يزيد على مائة ألف، فخطبهم، وقال في خطبته - وقد رفع عليّاً عليه السلام للنّاس، وأخذ بضبعيه فرفعهما حتّى بان للنّاس إبطيهما -: 'ألستُ أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟'، قالوا: بلى. قال صلى الله عليه و آله: 'من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار'، ثمّ أفرده بخيمة وأمر النّاس ببيعته بإمرة المؤمنين، حتّى النساء، ومنهنّ نساؤه صلى الله عليه و آله.
[من أهمّ المصادر الّتي أخرجت لفظ الحديث: سنن الترمذي 633:5، صحيح ابن حبّان 42:9، مسند أحمد 84:1 و 88 و 152 و 199 و 331، المستدرك على الصحيحين 110:3، مصابيح السنّة 172:4، ح 4767، سنن ابن ماجة 45:1، ح 121، تاريخ بغداد 474:5.
ومن أهمّ المصادر الّتي أخرجت قصّة حجّة الوداع وما جاء فيها من خطبة النبيّ صلى الله عليه و آله يوم غدير خمّ مع ذكر لفظ الحديث في أثناء الخطبة: البداية والنهاية 247:7، مجمع الفائدة 17:9، ح 108 - 104، مناقب الخوارزمي: 8، إسعاف الراغبين: 166، شرح ابن أبي الحديد 208:3، كفاية الطالب: 62، تذكرة الخواصّ: 33 - 28، وغيرها كثير].
و قد روى المفيد في "الإرشاد" - في خبر طويل -: ولمّا قضى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نسكه أشرك عليّاً عليه السلام في هديه وقفل إلى المدينة وهو معه والمسلمون، حتّى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير خمّ، وليس بموضع إذ ذاك يصلح للمنزل؛ لعدم الماء فيه والمرعى، فنزل صلى الله عليه و آله في الموضع ونزل المسلمون.
وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام خليفةً في الاُمّة من بعده، وقد كان تقدّم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له، فأخّره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه، وعلم اللَّه عزّ وجلّ أنّه إن تجاوز غدير خمّ انفصل عنه كثير من النّاس إلى بلدانهم وأماكنهم وبواديهم، فأراد اللَّه أن يجمعهم لسماع النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام وتأكيد الحجّة عليهم فيه.
فأنزل اللَّه تعالى: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' يعني في استخلاف عليّ عليه السلام، والنصّ بالإمامة عليه 'وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ'، فأكّد الفرض عليه بذلك، وخوّفه من تأخير الأمر فيه، وضمن له العصمة ومنع النّاس منه، فأنزل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله المكان الّذي ذكرناه لما وصفناه من الأمر له بذلك وشرحناه، ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ، فأمر عليه السلام بدوحات هناك فقمّ ما تحتها، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان، ووضع بعضها فوق بعض، ثمّ أمر مناديه فنادى في النّاس الصلاة جامعة، فاجتمعوا من رحالهم إليه، وإنّ أكثرهم ليلفّ رداءه على قدميه من شدّة الرمضاء.
فلمّا اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتّى صار في ذروتها، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فرقى معه حتّى قام عن يمينه، ثمّ خطب النّاس فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ فأبلغ في الموعظة ونعى إلى الاُمّة نفسه، وقال: 'إنّي مخلّف فيكم إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'، ثمّ نادى بأعلى صوته: 'ألست أوْلى بكم منكم بأنفسكم'. قالوا: اللّهم بلى. فقال لهم على النسق من غير فصل - وقد أخذ بضبعي
[الضبع: وسط العضد و قيل ما تحت الإبط].
أمير المؤمنين عليه السلام فرفعهما حتّى بان بياض إبطيهما و قال: 'فمن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعاد من عاداه، وانصرف من نصره، واخذل من خذله'.
ثمّ نزل صلى الله عليه و آله وكان وقت الظهيرة، فصلّى ركعتين، ثمّ زالت الشمس، فأذّن موذِّنُه لصلاة الفرض فصلّى بهم الظهر، وجلس في خيمته، وأمر عليّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثمّ أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً، فيهنِّئُوه بالمقام ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، فَفَعل النّاس ذلك كلّهم، ثمّ أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه، ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين فَفَعَلْنَ.
وكان فيمن أطنب في تهنئته بالمقام عمر بن الخطّاب فأظهر له من المسرّة به، وقال فيما قال: بخٍ
[بخّ كلمة تقال عند المدح والرضى بالشي ء، وتكرّر للمبالغة].
بخٍ يا عليّ، أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ.
وجاء حسّان بن ثابت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول اللَّه، أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه اللَّه؟ فقال له: 'قل يا حسّان على اسم اللَّه'، فوقف على نَشَز
[النشز: المرتفع من الأرض].
من الأرضِ وتطاول المسلمون لسماع كلامه، فأنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نَبِيُّهمُ*** بخمٍّ وأسمع بالرسولِ مُناديا
وقال فَمَن مولاكم وَوليّكم*** فقالوا ولم يَبدوا هُناك التعاديا
[ستجيئ أشعار حسّان عن قريب إن شاء اللَّه تعالى].
فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك'. [إرشاد المفيد 174: 1].
العناية بحديث الغدير
كان للمولى تعالى مزيد عناية باشتهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن، وتلوكه أشداق الرواة حتّى يكون حجّة قائمة لحماية دينه، ولذلك كان الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف نبيّه صلى الله عليه و آله من الحجّ الأكبر، فنهض بالدعوة وكراديس النّاس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفّة به، فردّ المتقدّم، وجعجع بالمتأخّر، وأسمع الجميع، وأمر بتبليغ الشاهد الغائب، ليكونوا كلّهم رواة هذا الحديث، وهم يربون على مائة ألف، ولم يكتف سبحانه بذلك كلّه حتّى أنزل في أمره الآيات الكريمة تتلامع مرّ الجديدين بكرةً وعشيّاً، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضيّة في كلّ حين، وليعرفوا رشدهم والإمام الّذي يأتمّون به في اُمورهم ويصلحون به بلادهم وجوامعهم، والمرجع الّذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم.
ولم تزل مثل هذه العناية لنبيّنا الأعظم صلى الله عليه و آله حيث استنفر اُمم النّاس للحجّ في تلك السنة، فالتحقوا به ثبّاً ثبّاً، وكراديس كراديس، وهو صلى الله عليه و آله يعلم أنّه سوف يبلّغهم في منتهى سفره نبأً عظيماً، يقام به صرح الدين، ويُشاد علاليه، وتسود به اُمّته الاُمم، ويدبّ ملكها بين المشرق والمغرب لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها.
ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمّة الدين عليهم السلام يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجّون بها لإمامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتأ أمير المؤمنين عليه السلام بنفسه يحتجّ بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجّة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف النّاس، كلّ ذلك لتبقى غضّة طريّة بالرغم من تعاور الحقب والأعوام، ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيّد في يوم الغدير والاجتماع، وتبادل التهاني والبشائر، إعادة لجدّه هاتيك الواقعة العظيمة.
كلمة في شرح واقعة الغدير
أجمع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الخروج إلى الحجّ في سنة عشر من مهاجره، وأذّن في النّاس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك الّتي يقال لها: حجّة الوداع، وحجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة الكمال، وحجّة التمام، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه اللَّه، فخرج صلى الله عليه و آله من المدينة مغتسلاً مترجّلاً متجرّداً في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليالٍ أو ستّ بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلّهنّ في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامّة المهاجرين والأنصار، ومن شاء اللَّه من قبائل العرب وأفناء النّاس.
[رواه في الطبقات لابن سعد 225:3، وامتاع المقريزي: 510، وإرشاد الساري 429:6، نقلاً عن الغدير 9:1].
وعند خروجه صلى الله عليه و آله أصاب النّاس بالمدينة الجدري أو الحصبة، فمنعت كثيراً من النّاس من الحجّ معه صلى الله عليه و آله، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا اللَّه تعالى، وقد يقال: إنّه خرج معه تسعون ألف، ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفاً، وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ويقال: أكثر من ذلك، وهذه عدّة من خرج معه، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك، كالمقيمين بمكّة، والذين أتوا من اليمن مع عليّ عليه السلام وأبي موسى.
[السيرة الحلبيّة 283:3، وسيرة أحمد زيني دحلان 3:3، وتاريخ الخلفاء: ج4، وتذكرة خواصّ الاُمّة: 18، ودائرة المعارف 542:3، نقلاً عن الغدير 9:1].
أصبح صلى الله عليه و آله يوم الأحد بيلملم، ثمّ راح فتعشّى بشرف السيالة، وصلّى هناك المغرب والعشاء، ثمّ صلّى الصبح بعرق الظبية، ثمّ نزل الروحاء، ثمّ سار من الروحاء فصلّى العصر بالمنصرف، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشّى وتعشّى به، وصلّى الصبح بالإثابة، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج، واحتجم بلحى جمل - وهو عقبة الجحفة - ونزل السقياء يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، وصلّى هناك، ثمّ راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة، ومنها إلى قديد وسبت فيه، وكان يوم الأحد بعسفان، ثمّ سار فلمّا كان بالغميم اعترض المشاة فصفّوا صفوفاً فشكوا إليه المشي فقال: 'استعينوا بالنسلان'
[النسلان: مشي سريع دون العدْو].
ففعلوا فوجدوا لذلك راحة، وكان يوم الاثين بمرّ الظهران، فلم يبرح حتّى أمسى وغربت له الشمس بسرف، فلم يصلّ المغرب حتّى دخل مكّة، ولمّا انتهى إلى الثنيتين بات بينهما فدخل مكّة نهار الثلاثاء.
[الإمتاع: 517 - 513، نقلاً عن الغدير 9:1].
فلمّا قضى مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات، وصل إلى غدير خمّ من الجحفة الّتي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيّين، وذلك يوم الخميس
[هو المنصوص عليه في لفظ البراء بن عازب وبعض آخر من رواة حديث الغدير].
الثامن عشر من ذي الحجّة، نزل إليه جبرئيل الأمين عن اللَّه تعالى بقوله: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' الآية، وأمره أن يقيم عليّاً عَلماً للنّاس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كلّ أحد.
وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يردّ مَن تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات
[سمرات - جمع سمرة -: ضرب من الشجر].
خمس متقاربات دوحات
[دوحات - جمع دوحة -: شجرة عظيمة].
عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد حتّى إذا أخذ القوم منازلهم، فقمّ
[قمّ البيت - بتشديد الميم -: كنسه].
ما تحتهنّ حتّى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهنّ فصلّى النّاس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء، وظلّل لرسول اللَّه بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلمّا انصرف صلى الله عليه و آله من صلاته قام خطيباً وسط القوم
[جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 156:9، وغيره].
على أقتاب الإبل
[ثمار القلوب: 511، ومصادر اُخر].
وأسمع الجميع رافعاً عقيرته، فقال: 'الحمد للَّه، ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا الّذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أنّ لا إله إلا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله. أمّا بعد: أيّها النّاس، قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمر نبيّ إلا مثل نصف عمر الّذي قبله، وإنّي اُوشك أن اُدعى فاُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون'؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك اللَّه خيراً.
قال: 'ألستم تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث مَن في القبور'؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: 'اللّهمّ اشهد'.
ثمّ قال: أيّها النّاس، ألا تسمعون؟' قالوا: نعم. قال: 'فإنّى فرط على الحوض، وأنتم واردون علَيّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى
[صنعاء: عاصمة اليمن اليوم، وبصرى قصبة كورة حوران من أعمال دمشق].
فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين'.
[الثقل - بفتح المثلثة والمثنّاة -: كلّ شي ء خطير نفيس، وقد ذكرنا معناه في فصل: "عليّ عليه السلام وحديث الثقلين"].
فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول اللَّه؟ قال صلى الله عليه و آله: 'الثقل الأكبر كتاب اللَّه، طرف بيد اللَّه عزّ وجلّ، وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا'.
ثمّ أخذ بيد عليّ عليه السلام فرفعها حتّى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: 'أيّها الناس، مَن أوْلى النّاس بالمؤمنين من أنفسهم؟'. قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: 'إنّ اللَّه مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أوْلى بهم من أنفسهم، فَمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه'، يقولها ثلاث مرّات. وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات.
ثمّ قال: 'اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وأحبّ مَن أحبّه، وأبغض مَن أبغضه، وانصُر مَن نَصره، واخذُل مَن خذلَه، وأدِرِ الْحقّ معه حيث دار، ألا فيُبلّغ الشّاهدُ الغائبَ'.
ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي اللَّه بقوله: 'الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً'. [سورة المائدة: 3].
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'اللَّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي'، ثمّ طفق القوم يهنِّئون أمير المؤمنين عليه السلام وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر، كلّ يقول: بخٍ بخٍ لك يابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عبّاس: وجبت واللَّه في أعناق القوم.
فقال حسّان: ائذن لي - يا رسول اللَّه - أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ، فقال صلى الله عليه و آله: 'قل على بركة اللَّه'. فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول اللَّه في الولاية ماضية، ثمّ قال:
يناديهم يوم الغدير نبِيُّهم*** بخمّ وأسمع بالرسول مناديا
[انظر الغدير 11 - 9 :1، وستأتيك الأشعار بتمامها].
توضيح وتتمّة لشرح الواقعة:
ذكر عليّ بن إبراهيم القمّي رحمه الله في تفسيره في شرح واقعة الغدير عند قوله: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ'، قال: نزلت هذه الآية في عليّ، 'وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ'
[سورة المائدة: 67].
قال: نزلت هذه الآية في منصرف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع، وحجّ رسول اللَّه حجّة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة، فكان من قوله بمنى أنْ حمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'أيّها النّاس، اسمعوا قولي واعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري لعليّ لا ألقاكم بعد عامي هذا'. ثمّ قال: 'هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة؟'. قال النّاس: هذا اليوم. قال: 'فأي شهر؟'. قال النّاس: هذا. قال: 'وأيّ بلد أعظم حرمة' قالوا: بلدنا هذا. قال: 'فإن دمائكم و أموالكم و أعراضكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت أيّها النّاس؟'. قالوا: نعم. قال: 'اللّهمّ اشهد'.
ثمّ قال: 'ألا وكلّ مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية، أو دم، أو مال، فهو تحت قدمي هاتين، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى، ألا هل بلّغت؟'. قالوا: نعم. قال: 'اللّهمّ اشهد'.
ثمّ قال: 'يا ايّها النّاس، احفظوا قولي تنفعوا به بعدي و افهموه تنعشوا، ألا لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسّيف على الدّنيا، فان فعلتم ذلك، و لتفعلنّ، لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل و ميكائيل أضرب وجوهكم بالسّيف'. ثمّ التفت عن يمينه فسكت ساعة، ثمّ قال: 'إن شاء اللَّه، أو عليّ بن أبي طالب'.
ثمّ قال: 'ألا و إنّي قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضّلوا: كتاب اللَّه، و عترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا، و من خالفهما فقد هلك، ألا هل بلّغت'؟. قالوا: نعم. قال: 'اللّهمّ اشهد'.
ثمّ قال: 'ألا وإنّه سيرد علَيّ الحوض منكم رجال فيدفعون عنّي، فأقول ربّ أصحابي، فقال: يا محمّد، إنّهم أحدثوا بعدك، وغيرّوا سنّتك، فأقول: سحقاً سحقاً'. فلمّا كان آخر التشريق أنزل اللَّه: 'إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ'، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'نُعِيَت إليَّ نفسي'، ثمّ نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف، فاجتمع النّاس، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'نصر اللَّه امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها مَن لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرءٍ مسلمٍ: إخلاص العمل للَّه، والنصيحة لأئمّة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، والمؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على مَن سواهم. أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم الثقلين'.
وذكر حديث الثقلين - إلى أن قال: - فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من مكّة يريد المدينة، حتّى نزل منزلاً يقال له: غدير خمّ، وقد علم النّاس مناسكهم، وأوعز إليهم وصيّته إذ نزلت عليه هذه الآية: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' الآية، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال - بعد أن حمد اللَّه وأثنى عليه -: 'أيّها النّاس، هل تعلمون مَن وليُّكم؟'. فقالوا: نعم، اللَّه ورسوله. ثمّ قال: 'ألستم تعلمون أنّي أوْلى بكم من أنفسكم؟'. قالوا: بلى. قال: 'اللّهمّ اشهد'. فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً، كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل، ويقول النّاس كذلك، ويقول: 'اللّهمّ اشهد'، ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام فرفعها حتّى بدا للنّاس بياض إبطيهما. ثمّ قال: 'ألا مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصُر مَن نصره، واخذُل مَن خذله، وأحبّ مَن أحبّه'، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فقال: 'اللّهمّ اشهد عليهم وأنا من الشاهدين'.
فاستفهمه عمر، فقام من بين أصحابه فقال: يا رسول اللَّه، هذا من اللَّه ومن رسوله؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'نعم، من اللَّه ورسوله، إنّه أمير المؤمنين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، يقعده اللَّه يوم القيامة على الصراط، فيُدخل أولياؤه الجنّة، وأعداءهُ النّار'.
فقال أصحابه الذين ارتدّوا بعده: قد قال محمّد في مسجد الخيف ما قال، وقال هاهنا ما قال، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له، فاجتمعوا أربعة عشر نفراً وتآمروا على قتل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقعدوا في العقبة، وهي عقبة هرشي بين الجحفة والأبواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة، وسبعة عن يسارها، لينفروا ناقة رسول اللَّه.
فلمّا جنّ الليل تقدّم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في تلك الليلة العسكر، فأقبل ينعس على ناقته، فلمّا دنا من العقبة ناداه جبرئيل: يا محمّد، إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً قد قعدوا لك، فنظر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: 'مَن هذا خلفي'، فقال حذيفة اليماني: أنا يا رسول اللَّه، حذيفة بن اليمان، قال: 'سمعت ما سمعت'، قال: بلى. قال صلى الله عليه و آله: 'فاكتم'.
ثمّ دنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله منهم، فناداهم بأسمائهم، فلمّا سمعوا نداء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فرّوا ودخلوا في غمار النّاس، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها، ولحق النّاس برسول اللَّه صلى الله عليه و آله وطلبوهم، وانتهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى رواحلهم فعرفهم، فلمّا نزل قال: 'ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن مات محمّد أو قُتل ألا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً؟'، فجاءوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فحلفوا أنّهم لم يقولوا من ذلك شيئاً، ولم يريدوه، ولم يكتموا شيئاً من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فأنزل اللَّه: 'يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا'
[سورة التوبة: 74].
أن لا يردّوا هذا الأمر في اهل بيت رسول اللَّه، 'وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا'
[سورة التوبة: 74].
من قتل رسول اللَّه، 'وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الْدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ'
[سورة التوبة: 74].
فرجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة، وبقي بها محرّم والنصف من صفر لا يشتكي شيئاً، ثمّ ابتدأ به الوجع الّذي توفّي فيه "صلوات اللَّه وسلامه عليه".
مصادر الحديث
نذكر هنا ما يوجب الاطمئنان في صحة صدور الحديث