سند الحديث

إن حديث الغدير من المتواترات بين نقلة الحديث وحفّاظ الأخبار النبوية، وقد بلغت كثرة أسانيده واستفاضتها إلى درجة لو ارتاب فيه أحد لعدّ مكابراً، فكيف يتطرّق إلى صدوره الارتياب، وإلى صراحة دلالته الاحتمال، وقد شهد بتواتره ذوو الآثار، وحفظة الأخبار وأودعوه في كتبهم على تنوّعها، وأذعنوا بعد التأويلات الباردة بصراحة في ما نقول نحن معاشر الإماميّة. وقد صرّح بتواتر الحديث كثير من علماء العامّة منهم:

1 - العلامة السيوطي في "الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة".

2 - العلامة الجزري في "أسنى المطالب" حيث قال: إنّه حديث صحيح رواه الجمّ الغفير، عن الجمّ الغفير.

3 - العلامة النيشابوري في "الأربعين"، حيث قال: حديث الغدير تواتر عن أمير المؤمنين، وهو متواتر عن النبيّ صلى الله عليه و آله، رواه جمّ كثيرٌ وجمٌ غفيرٌ من الصحابة.

4 - صاحب كتاب "السراج المنير في شرح الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير".

5 - العلامة المقبلي في "الأبحاث المسدّدة في الفنون المتعدّدة"، قال بعد ذكر حديث الغدير ما لفظه: وطرقه كثيرة جدّاً، ولذا ذهب بعضهم إلى أنّه متواتر لفظاً فضلاً عن المغنى.

6 - العلامة الشيخ ابن كثير الشامي في تاريخه عند ترجمة محمّد بن جرير الطبري، وأنّه رأى كتاباً جمع فيه أسانيد حديث الغدير في مجلّدين ضخمين.

7 - العلامة السيّد محمّد بن محمّد بن إسماعيل بن صلاح الدين الأمير، قال في كتابه "الروضة النديّة في شرح التحفة العلويّة": حديث الغدير متواتر عند أكثر أئمّة الحديث، وغير هؤلاء ما يربو على أربعة عشر نفراً من علماء العامّة ادّعى تواتر حديث الغدير.

[من أراد شرحها فليراجع إحقاق الحقّ 423:2، والغدير 152:1].

طرق الحديث

روى حديث الغدير أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً، والجزري المقرئ من ثمانين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمسة طرق، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً.

[انظر هامش كتاب الغدير 14:1، ط. دار الكتاب العربي - بيروت].

و قال ابن شهرآشوب: العلماء مطبقون على قبول هذا الخبر، وإنّما وضع الخلاف في تأويله، ذكره محمّد بن إسحاق وأحمد البلاذري، ومسلم بن الحجّاج، وأبو نعيم الإصفهاني، وأبو الحسن الدارقطني و... إلى أن قال: وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن بطّة من ثلاث وعشرين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً في كتاب "الولاية"، وأبو العبّاس بن عقدة من مائة وخمسة طرق، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمسة وعشرين طريقاً. وقد صنّف عليّ بن هلال المهلبي كتاب "الغدير"، وأحمد بن محمّد بن سعد كتاب "من روى غدير خم"، ومسعود الشجري كتاباً فيه رواة هذا الخبر وطرقهم، واستخرج منصور الرازي في كتابه أسماء رواته على حروف المعجم. [المناقب لابن شهرآشوب 25:3].

رواة الحديث

روى ابن شهرآشوب عن الصاحب الكافي أنّه قال: روى لنا قصّة غدير خمّ القاضي أبو بكر الجعابي، عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، والحسن، والحسين، وعبداللَّه بن جعفر، وعبّاس بن عبدالمطّلب، وعبداللَّه بن عبّاس، وأبي ذرّ، وسلمان، وعبدالرحمن، وأبي قتادة، وزيد بن أرقم، وجرير بن حميد، وعدي بن حاتم، وعبداللَّه بن أنس، والبراء بن عازب، وأبي أيّوب، وأبي برزة الأسلمي، وسهل بن حنيف، وسمرة بن جندب، وأبي الهيثم، وعبداللَّه بن ثابت، وسلمة بن الأكوع، والخدري، وعقبة بن عامر، وأبي رافع، وكعب بن عجرة، وحذيفة بن اليمان، وأبي مسعود البدري، وحذيفة بن أسيد، وزيد بن ثابت، وسعد بن عبادة،وخزيمة بن ثابت، وحبّاب بن عتبة، وجندب بن سفيان، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد، وعبادة بن الصامت، وأبي زينب، وأبي ليلى، وعبداللَّه بن ربيعة، واُسامة بن زيد، وسعد بن جنادة، وخبّاب بن سمرة، ويعلى بن مرّة، وابن قدامة الأنصاري، وناجية بن عميرة، وأبي كاهل، وخالد بن الوليد، وحسّان بن ثابت، والنعمان بن عجلان، وأبي رفاعة، وعمرو بن الحمق، وعبداللَّه بن يعمر، ومالك بن الحويرث، وأبي الحمراء، وضمرة بن الحبيب، ووحشي بن حرب، وعروة بن أبي الجعد، وعامر بن النميري، وبشير بن عبدالمنذر، ورفاعة بن عبدالمنذر، وثابت بن وديعة، وعمرو بن حريث، وقيس بن عاصم، وعبدالأعلى بن عدي، وعثمان بن حنيف، واُبيّ بن كعب وغيرهم.

ومن النساء: فاطمة الزهراء عليهاالسلام، وعائشة، واُمّ سلمة، واُمّ هاني، وفاطمة بنت حمزة، وغيرهنّ. وقال الصادق عليه السلام: 'نعطي حقوق النّاس بشهادة شاهدين، وما اُعطي أمير المؤمنين عليه السلام حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس' يعني في الغدير.

[المناقب لابن شهرآشوب 25: 3].

وقد ذكر العلامة الأميني فى كتابه "الغدير" مائة وعشرة نفراً من أعاظم الصحابة الذين رووا حديث الغدير من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بلا واسطة بترتيب حروف الألفباء، ثمّ قال بعد ذكرهم: هؤلاء مائة وعشرة من أعاظم الصحابة الذين وجدنا روايتهم لحديث الغدير، ولعلّ فيما ذهب علينا أكثر من ذلك بكثير، وطبع الحال يستدعي أن يكون رواة الحديث أضعاف المذكورين؛ لأنّ السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف أو يزيدون، وبقضاء الطبيعة أنّهم حدّثوا به عند مرتجعهم إلى أوطانهم شأن كلّ مسافر ينبّئ عن الأحداث الغريبة الّتي شاهدها في سفره. نعم، فعلوا ذلك إلا أشذاذ منهم صدّتهم الضغائن عن نقله.

[الغدير 60 - 14 :1].

أمّا رواة حديث الغدير من التابعين على ما ذكرهم في "الغدير" على ترتيب الحروف فيربون على أربعة وثمانين. [المصدر السابق: 72 - 62].

المؤلّفون في الحديث

بلغ اهتمام العلماء بهذا الحديث حتّى من العامّة أيضاً إلى غاية مهمّة، فلم يُقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة خلال الكتب حتّى أفرده جماعة بالتأليف، فدوّنوا ما انتهى إليهم من أسانيده، وضبطوا ما صحّ لديهم من طريقه، كلّ ذلك حرصاً على كلاءة متنه من الدثور، وعن تطرّق يد التحريف إليه، ومنهم:

1 - أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري "المتوفّى 310ه"، له كتاب "الولاية" في طرق حديث الغدير.

2 - أبو العبّاس أحمد بن محمّد الهمداني، المعروف بابن عقدة "المتوفّى 333ه"، له كتاب "الولاية" في طرق حديث الغدير.

3 - أبو بكر محمّد بن عمر بن سالم التميمي، المعروف بالجعابيّ "المتوفّى 355ه"، له كتاب "من روى حديث غدير خم".

4 - أبو طالب عبيداللَّه بن أحمد الأنباري الواسطي "المتوفّى 356ه"، له كتاب "طرق حديث الغدير".

5 - أبو غالب أحمد بن محمّد الزراري "المتوفّى 368ه"، له "جزء في خطبة الغدير".

6 - أبو الفضل محمّد بن عبداللَّه الشيباني "المتوفّى 372ه"، له كتاب "مَن روى حديث غدير خمّ".

7 - الشيخ محمّد بن الحسين النيسابوري، له كتاب "بيان حديث الغدير".

8 - عليّ بن عبدالرحمن بن عيسى الجرّاح القنائي "المتوفّى 43ه"، له كتاب "طرق خبر الولاية".

9 - أبو عبداللَّه الحسين بن عبيداللَّه الغضائري "المتوفّى 411ه"، له كتاب "يوم الغدير".

10 - أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني "المتوفّى 477ه"، له كتاب "الدراية في حديث الولاية" في 17 جزءً، جمع فيه طرق حديث الغدير، ورواه عن مائة وعشرين صحابيّاً.

11 - أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي "المتوفّى 449ه"، له كتاب "عدّة البصير في حجّ يوم الغدير". قال العلامة النوري في "المستدرك 498:3": هذا كتاب مفيد يختصّ بإثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير، جزء واحد مائتا ورقة، بلغ الغاية فيه حتّى حصل في الإمامة كافياً للشيعة.

12 - عليّ بن بلال بن معاوية بن أحمد المهلبي، له كتاب "حديث الغدير".

وغيرهم من علماء العامّة والخاصّة الذين ألّفوا كُتباً في حديث الغدير تربو على "26" كتاباً.

[راجع: الغدير 157 - 152 :1].

كتب العامّة الّتي روي فيها حديث الغدير

أمّا كتب العامّة الّتي نقلت حديث الغدير فكثيرة جدّاً، ذكرنا بعضها في أوّل الفصل عند تخريج الحديث، ونذكر بعضها هنا إعراضاً عن التطويل:

1 - أسباب النزول للنيشابوري 2 - مطالب السؤول لكمال الدين الشافعي 3 - تفسير مفاتيح الغيب للرازي 4 - الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي 5 - تفسير الثعلبي، لسليمان بن إبراهيم الحنفي البلخي 6 - تفسير الميرزا محمّد البدخشاني الحنفي 7 - تفسير الميرزا محمّد البدخشاني الحنفي 8 - تفسير الدرّ المنثور للسيوطي الشافعي 9 - فتح القدير 10 - تفسير المنار لمحمّد عبده 11 - الدراية للسجستاني 12 - النشر والطيّ 13 - ما نزل من القرآن في عليّ للحافظ أبي نعيم 14 - تفسير ابن جريح 15 - تفسير عطاء 16 - المناقب للسدّي 17 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18 - كتاب ابن جرير 19 - تذكرة الخواصّ لابن الجوزي، وغير ذلك من علماء العامّة الذين رروا قصّة الغدير في كتبهم.

وروى العلامة البحراني تسعة وثمانين حديثاً من طرق العامّة، وثلاثة وأربعين حديثاً من طرق الخاصّة.

[غاية المرام: الباب 15 و 16 من المقصد الأوّل].

اليك نبذة من لفظ الحديث

ذكر لفظ الحديث كثير من علماء العامّة والخاصّة في كتبهم، و قد ذكرنا بعضهم خلال الفصل و فيما يلي نشير إلى بعض آخر منها:

1- روى الحلبي الشافعي في سيرته: ولمّا وصل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى محلّ بين مكّة والمدينة يقال له: غدير خمّ بقرب رابغ، جمع الصحابة وخطبهم خطبة، بيّن فيها فضل عليّ... فقال صلى الله عليه و آله: 'أيّها النّاس، إنّما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتيني رسول اللَّه ربّي فاُجيب'. - وفي لفظ الطبراني، فقال: 'أيّها الناس، إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الّذي يليه من قبله، وإنّي لأظنّ أن يوشك أن اُدعى فاُجيب، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون، فما أنتم قائلون؟'. قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وجهدت ونصحت، فجزاك اللَّه خيراً، فقال صلى الله عليه و آله: 'أليس تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث مَن في القبور؟'. قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: 'اللّهمّ اشهد' - الحديث.

ثمّ حضّ على التمسّك بكتاب اللَّه، ووصّى بأهل بيته، فقال: 'إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'.

وقال في حقّ عليّ عليه السلام لمّا كرّر عليهم: 'ألست أوْلى بكم من أنفسكم ثلاثاً'، وهم يجيبونه صلى الله عليه و آله بالتصديق والاعتراف ورفع يد عليّ عليه السلام، وقال: 'من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار'.

ثمّ قال: وهذا حديث صحيح، ورد بأسانيد صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحّته.

[السيرة الحلبيّة بهامش السيرة النبويّة 274:3].

2- و روى ابن المغازلي الشافعي بإسناده إلى ابن امرأة زيد بن أرقم، قالت: أقبل نبيّ اللَّه صلى الله عليه و آله من مكّة في حجّة الوداع حتّى نزل صلى الله عليه و آله بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثمّ نادى: الصلاة جامعة، فخرجنا إلى رسول اللَّه في يوم شديد الحرّ، وإنّ منّا لمن يضع رداءه على رأسه، وبعضه على قدميه من شدّة الرمضاء، حتّى انتهينا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فصلّى بنا الظهر، ثمّ انصرف إلينا فقال: 'الحمد للَّه نحمده ونستعينه، ونؤمن به ونتوكّل عليه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، الّذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

أمّا بعد أيّها النّاس، فإنّه لم يكن لنبيّ من العمر إلا نصف عمر من قبله، وإنّ عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإنّي قد أسرعت في العشرين، ألا وإنّي يوشك أن اُفارقكم، ألا وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فهل بلّغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟'. فقام من كلّ ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنّك عبد اللَّه ورسوله، قد بلّغت رسالته، وجاهدت في سبيله، وصدعتَ بأمره، وعبدته حتّى أتاك اليقين، جزاك اللَّه عنّا خير ما جزى نبيّاً عن اُمّته.

فقال: 'ألستم تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ، وأنّ النّار حقّ، وتؤمنون بالكتاب كلّه؟'. قالوا: بلى. قال: 'فإنّي أشهد أن قد صدّقتكم وصدّقتموني، ألا وإنّي فَرَطكم وإنّكم تبعي، تُوشكون أن تَرِدوا علَيّ الحوض، فأسألكم حين تَلقونني عن ثِقليَّ كيف خَلَفتموني فيهما'. قال: فاُعيل علينا

[أي صعب علينا فلم ندرِ ما يريد].

ما ندري ما الثقلان، حتّى قام رجل من المهاجرين، وقال: بأبي واُمّي يا نبيّ اللَّه، ما الثقلان؟

قال صلى الله عليه و آله: 'الأكبر منهما كتاب اللَّه تعالى، سبب طرفه بيد اللَّه وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي، من استقبل قِبلَتي وأجاب دَعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم، ولا تقصروا عنهم، فإنّي قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليّهما لي وليّ، وعدوّهما لي عدوّ. ألا وإنّها لم تهلك اُمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها، وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط'.

ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام فرفعها، ثمّ قال: 'مَن كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه'، قالها ثلاثاً.

[المناقب لابن شهرآشوب: 16، ح 23. والبحار 184:37].

3- و قال محمّد بن عبده في تفسيره قوله تعالى: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ'

[سورة المائدة: 67].

روى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري، أنّها نزلت يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

[تفسير المنار 463:6].

ثمّ قال محمّد بن عبده: وروت الشيعة عن الإمام محمّد الباقر: 'أنّ المراد بما اُنزل إليه من ربّه النصّ على خلافة عليّ عليه السلام بعده، وأنّه صلى الله عليه و آله كان يخاف أن يشقّ ذلك على بعض أصحابه، فشجّعه اللَّه تعالى بهذه الآية'.

[المصدر السابق: 464].

4- وفيه أيضاً: عن ابن عبّاس: أنّ اللَّه أمره صلى الله عليه و آله أن يخبر النّاس بولاية عليّ عليه السلام، فتخوّف أن يقولوا: حابى ابن عمّه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فلمّا نزلت الآية عليه في غدير خمّ، أخذ بيد عليّ عليه السلام وقال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ مَن عاداه'. ثمّ قال: ولهم في ذلك روايات وأقوال في التفسير مختلفة، منها ما ذكره الثعلبي في تفسيره أنّ هذا القول من النبيّ صلى الله عليه و آله في موالاة عليّ عليه السلام شاع وطار في البلاد، وحكى قصّة الحارث بن النعمان الفهري، فقال: أما حديث: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، فقد رواه أحمد في مسنده من حديث البراء وبريدة، والترمذي والنسائي والضياء في المختارة من حديث زيد بن أرقم، وابن ماجة عن البراء، وحسّنه بعضهم، وصحّحه الذهبي بهذا اللفظ، ووثّق أيضاً سند من زاد فيه: 'اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه' - الحديث.

[المصدر السابق: 464].

5- وفيه أيضاً: وفي رواية: أنّه خطب النّاس فذكر اُصول الدين، ووصّى بأهل بيته، فقال: 'إنّي قد تركت فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لم يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض، اللَّه مولاي، وأنا وليّ كلّ مؤمن'، ثمّ أخذ بيد عليّ عليه السلام - الحديث.

[المصدر السابق: 465].

6- و روى الترمذي: بسنده عن أبي سُريحة أو زيد بن أرقم، عن النبيّ صلى الله عليه و آله، قال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'.

[سنن الترمذي 591:5، ح 3713].

7- وفي "الفصول المهمّة" - بعد نقل رواية الترمذي - قال: وزاد غيره - وهو الزهري - ذكر اليوم والزمان والمكان، قال: لمّا حجّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حجّة الوداع، وعاد قاصداً المدينة، قام بغدير خمّ - وهو ماء بين مكّة والمدينة - وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام وقت الهاجرة، فقال صلى الله عليه و آله: 'أيّها النّاس، إنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، هل بلّغت؟'. قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت. قال: 'وأنا أشهد أنّي قد بلّغت ونصحت'. قال: 'أيّها النّاس، أليس تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه؟'. قالوا: نشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنّك رسول اللَّه. قال: 'وأنا أشهد مثل ما شهدتم'.

ثمّ قال: 'أيّها النّاس، قد خلفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللَّه، وأهل بيتي، ألا وإنّ اللطيف أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض، حوضي ما بين بصري وصنعاء، عدد آنيته عدد النجوم، إنّ اللَّه مسائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي'.

ثمّ قال: 'أيّها النّاس، مَن أوْلى النّاس بالمؤمنين؟'، قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: 'إنّ أوْلى النّاس بالمؤمنين أهل بيتي'، قال ذلك ثلاث مرّات. ثمّ قال في الرابعة وأخذ بيد عليّ: 'اللّهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه' يقولها ثلاث مرّات، 'ألا فليبلّغ الشاهد الغائب'.

[الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 40، وعنه في غاية المرام: 88، الباب 16 من المقصد الأوّل، ح 78].

8- وروى السيوطي في تفسيره عن ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' أنّ عليّاً مولى المؤمنين

[هذه الزيادة: 'أنّ عليّاً مولى المؤمنين' ليست من القرآن، بل هي لغرض التفسير؛ لثبات سلامة القرآن من الزيادة والنقيصة باتّفاق العلماء].

'وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ'.

[تفسير الدرّ المنثور 298:2].

9- و رواه أيضاً عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ...' على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

[المصدر السابق، وفي الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 42 مثله].

10- وفي "غاية المرام": عن مسند أحمد بن حنبل، بسنده عن البراء بن عازب، قال: كنّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في سفره فنزلنا بغدير خمّ، ونودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله تحت شجرة فصلّى الظهر، وأخذ بيد عليّ عليه السلام فقال: 'ألستم تعلمون أنّي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟'. قالوا: بلى. قال: 'ألستم تعلمون أنّي أوْلى بكلّ مؤمن من نفسه؟'. قالوا: بلى. وأخذ بيد عليّ فقال لهم: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'. قال: فلقيه عمر، فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

[غاية المرام: 79، الباب 16 من المقصد الأوّل، ح 1].

11- وفيه أيضاً: عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن زيد بن أرقم، قال: نزلنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بوادٍ يقال له: وادي خمّ، فأمر بالصلاة فصلاها، قال: فخطبنا وظُلّل لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله بثوب على شجرة من الشمس فقال صلى الله عليه و آله: 'أوَلستم تعلمون، أوَلستم تشهدون أنّي أوْلى بكلّ مؤمن من نفسه؟'. قالوا: بلى. قال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه'.

[غاية المرام: 79، الباب 16 من المقصد الأوّل، ح 2].

12- و روى الحاكم النيشابوري بسنده عن ابن واثلة عن زيد: يقول: نزل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين مكّة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس النّاس ما تحت الشجرات، ثمّ راح رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عشيّة فصلّى ثمّ قام خطيباً فحمد اللَّه وأثنى عليه وذكّر ووعظ، فقال: ما شاء اللَّه أن يقول: ثمّ قال: 'أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما وهما: كتاب اللَّه، وأهل بيتي عترتي'. ثمّ قال: أتعلمون أنّي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟' ثلاث مرّات. قالوا: نعم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'.

[مستدرك الحاكم 109:3].

13- وأخرج ابن عقدة، من طريق عمرو بن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة، عن أبيه، عن جدّه، عن اُمّ سلمة قالت: أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيد عليّ بغدير خمّ، فرفعها حتّى رأينا بياض إبطيه، فقال: 'مَن كنت مولاه فعلىّ مولاه'. ثمّ قال: 'أيّها النّاس؟ إنّي مخلف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[ينابيع المودّة: 40].

14- و روى العلامة الاميني عن الحافظ الزرقاني المالكي في "شرح المواهب" بسنده عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا أيّها النّاس، إنّ اللَّه مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أوْلى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحبّ مَن أحبّه، وابغض مَن أبغضه، وانصر من نصره، واخذل مَن خذله، وأدرِ الحقّ معه حيث دار'.

[الغدير 34: 1].

15- وروى ابن طلحة الشافعي نقلاً عن الترمذي والطبراني والبزّاز، بإسنادهم عن زيد، قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالشجرات فقمّ ما تحتها ورشّ، ثمّ قال: 'أيّها الناس، من أوْلى بكم من أنفسكم؟'. قلنا: اللَّه ورسوله أوْلى بنا من أنفسنا. قال: 'فمن كنت مولاه فهذا مولاه'، يعني عليّاً. ثمّ أخذ بيده فبسطها، ثمّ قال: 'اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'، ووثّق رجاله.

[مطالب السؤول 105:9، نقلاً عن الغدير 34:1].

16- و روى الجويني عن مهاجر بن مسمار، قال: أخبرني عائشة بنت سعد عن سعد أنّه قال: كنّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بطريق مكّة وهو متوجّه إليها، فلمّا بلغ غدير خمّ - الّذي بخمّ - وقف النّاس، ثمّ ردّ من مضى، ولحقه منهم من تخلّف، فلمّا اجتمع النّاس قال: 'أيّها النّاس، هل بلّغت؟. قالوا: بلى. قال: 'اللّهمّ اشهد'. ثمّ قال: 'أيّها النّاس، هل بلّغت؟'. قالوا: بلى. قال: 'اللّهمّ اشهد' ثلاثاً.

ثمّ قال: 'أيّها النّاس، مَن وليّكم؟'. قالوا: اللَّه ورسوله، ثلاثاً. ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فأقامه، ثمّ قال: 'مَن كان اللَّه ورسوله وليّه فإنّ هذا وليّه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'.

[فرائد السمطين 70:1، ح 37].

17- و رواه أيضاً عن أبي سعيد الخدري، قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا دعا النّاس إلى عليّ عليه السلام في غدير خمّ وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، فدعا عليّاً فأخذ بضبعيه فرفعهما، حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية: 'الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً'.

[سورة المائدة: 3].

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'اللَّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي'.

ثمّ قال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله'.

[فرائد السمطين 74:1، ح 40].

18- و عن البحراني عن "أمالي الصدوق" عن أبي سعيد، قال: لمّا كان يوم غدير خمّ أمر رسول اللَّه منادياً ينادي، فنادى الصلاة جامعة، فأخذ بيد عليّ عليه السلام، وقال: 'اللّهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'.

[غاية المرام: 90، الباب 17 من المقصد الأوّل، ح 1].

19- وروى الكليني بسنده عن عمر بن اُذينة، عن زرارة، والفضيل بن يسار، وبكير بن أعين، ومحمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وأبي الجارود، جميعاً، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'أمر اللَّه عزّ وجلّ رسوله بولاية عليّ، وأنزل عليه: 'إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ'.

[سورة المائدة: 55].

وفرض ولاية اُولي الأمر، فلم يدروا ما هي؟ فأمر اللَّه محمّداً صلى الله عليه و آله أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ، فلمّا أتاه ذلك من اللَّه ضاق بذلك صدر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وتخوّف أن يرتدّوا عن دينهم، وأن يكذّبوه، فضاق صدره وراجع ربّه عزّ وجلّ، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ'

[سورة المائدة: 67].

فصدع بامر اللَّه تعالى ذكره، فقام بولاية عليّ عليه السلام يوم غدير خمّ فنادى الصلاة جامعة، وأمر النّاس أن يبلّغ الشاهد الغائب'.

قال عمر بن اُذينة: قالوا جميعاً غير أبي الجارود: وقال أبو جعفر عليه السلام: 'وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الاُخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: 'الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي'.

[سورة المائدة: 3].

قال أبو جعفر عليه السلام: 'يقول اللَّه عزّ وجلّ: لا اُنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض'.

[اُصول الكافي 289:1، كتاب الحجّة - باب نصّ اللَّه ورسوله على الأئمّة عليهم السلام، ح 4].

20- و رواه ايضاً بسنده، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'فرض اللَّه عزّوجلّ على العباد خمساً، أخذوا أربعاً وتركوا واحداً'. قلت: أتسمّيهنّ لي، جعلت فداك؟. فقال: 'الصلاة، وكان النّاس لا يدرون كيف يصلّون، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد، أخبرهم بمواقيت صلاتهم، ثمّ نزلت الزكاة، فقال: يا محمّد، أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم، ثمّ نزل الصوم، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم، فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوّال، ثمّ نزل الحجّ فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: أخبرهم من حجّهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.

ثمّ نزلت الولاية، وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل اللَّه عزّ وجلّ: 'الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي'

[سورة المائدة: 3].

وكان كمال الدين بولاية عليّ بن أبي طالب، فقال عند ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: اُمّتي حديثو عهد بالجاهليّة، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي، يقول قائل، ويقول قائل - فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني - فأتتني عزيمة من اللَّه عزّ وجلّ بتلة

[أي مقطوعة].

أوعدني إن لم اُبلّغ أن يعذّبني، فنزلت: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ'

[سورة المائدة: 67].

فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيد عليّ عليه السلام فقال: أيّها النّاس، إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلا وقد عمّره اللَّه، ثمّ دعاه فأجابه، فاُوشك أن اُدعى فاُجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت، وأدّيت ما عليك، فجزاك اللَّه أفضل جزاء المرسلين.

فقال: اللّهمّ اشهد - ثلاث مرّات - ثمّ قال: يا معشر المسلمين، هذا وليّكم من بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب'.

قال أبو جعفر عليه السلام: 'كان واللَّه عليّ عليه السلام أمين اللَّه على خلقه وغيبه ودينه الّذي ارتضاه لنفسه، ثمّ إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حضره الّذي حضر، فدعا عليّاً عليه السلام فقال: يا عليّ، إنّي اُريدُ أن ائتمنك على ما ائتمنني اللَّه عليه من غيبه وعلمه، ومن خلقه، ومن دينه الّذي ارتضاه لنفسه، فلم يشرك واللَّه فيها أحداً من الخلق، ثمّ إنّ عليّاً عليه السلام حضره الّذي حضره، فدعا ولده وكانوا اثنا عشر ذكراً فقال لهم: يا بنيَّ، إنّ اللَّه عزّ وجلّ قد أبى إلا أن يجعل فيَّ سنّة من يعقوب، وإنّ يعقوب دعا ولده وكانوا اثنا عشر ذكراً، فأخبرهم بصاحبهم' - الحديث.

[اُصول الكافي 290:1، كتاب الحجّة - باب نصّ اللَّه ورسوله على الأئمّة عليهم السلام، ح 6].

21- وفي "تفسير العيّاشي" عن حنّان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'لمّا نزل جبرئيل على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع بإعلان أمر عليّ بن أبي طالب عليه السلام 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' الآية. قال: فمكث النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثاً حتّى أتى الجحفة فلم يأخذ بيده فرقاً من النّاس، فلمّا نزل الجحفة يوم الغدير في مكان يقال له: مهيعة، فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع النّاس فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: من أوْلى بكم من أنفسكم؟ قال: فجهروا، فقالوا: اللَّه ورسوله، ثمّ قال لهم الثانية، فقالوا: اللَّه ورسوله، ثمّ قال لهم الثالثة، فقالوا: اللَّه ورسوله.

فأخذ بيد عليّ عليه السلام فقال: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، فإنّه منّي وأنا منه، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'.

[تفسير العيّاشي 332:1، وعنه تفسير البرهان 489:1].

22- و فيه أيضاً عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'وآخر فريضة أنزلها اللَّه الولاية 'الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...'، فلم ينزل من الفرائض شي ء بعدها حتّى قبض اللَّه رسوله'.

[تفسير العيّاشي 292:1].

23- وفي "مجمع البيان" عن كتاب "شواهد التنزيل لقواعد التفضيل والتأويل" بإسناده عن ابن عبّاس، قال: نزلت هذه الآية: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' في عليّ عليه السلام، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيده عليه السلام، فقال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'.

[تفسير مجمع البيان 223:3].

ويستفاد من بعض الأحاديث المأثورة، كالحديث "19" المتقدّم، أنّه لم ينزّل من الفرائض شي ء بعد نصب عليّ بن أبي طالب يوم الغدير بالإمامة، ونشير إلى واحدٍ منها:

مؤيّدات حديث الغدير

وممّا يؤيّد حديث الغدير اُمور كثيرة نشير إلى بعضهاً منها:

1- عن المجلسي في "مرآة العقول" عن ابن أبي الحديد، عن عثمان بن سعيد، عن شريك بن عبداللَّه، قال: لمّا بلغ عليّاً عليه السلام أنّ النّاس يتّهمونه فيما يذكره من تقديم النبيّ صلى الله عليه و آله وتفضيله على النّاس، قال: 'أنشد اللَّه مَن بقي ممّن لقي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وسمع مقالته في يوم غدير خمّ إلا قام فشهد بما سمع'، فقام ستّة ممّن عن يمينه من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، أنّهم سمعوه يقول ذلك اليوم وهو رافع بيدي عليّ عليه السلام: 'مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، وأحبّ مَن أحبّه، وأبغض من أبغضه'.

[مرآة العقول 214:3].

2- و عن البحراني عن عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، بسنده عن أبي نعيم، وحسين بن محمّد، قالا: حدّثنا فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع عليّ عليه السلام النّاس في الرحبة، ثمّ قال: 'اُنشد اللَّه كلّ امرئ مسلم سمع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول يوم غدير خمّ ما سمع لما قام؟'، فقام ثلاثون من النّاس.

قال أبو نعيم: فقام اُناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للنّاس: 'أتعلمون أنّي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم'، قالوا: نعم، يا رسول اللَّه. قال: 'مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'.

[غاية المرام: 79، الباب 16 من المقصد الأوّل، ح 3].

3- و روى الجويني عن أبي إسحاق، عن سعيد بن ذي حدّان وعمرو ذي مرّ، قالا: قال عليّ عليه السلام: 'أنشد باللَّه - ولا اُنشد إلا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله - مَن سمع خطبة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خمّ؟'.

قال: فقام اثنا عشر رجلاً ستّة من قبل سعيد، وستّة من قبل عمرو، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، وأحبّ مَن أحبّه، وابغض مَن أبغضه'.

[فرائد السمطين 68:1، ح 34 و 35].

4- و رواه أيضاً عن عبداللَّه بن محمّد بن عقيل، قال: كنت عند جابر بن عبداللَّه في بيته، وعليّ بن الحسين عليهماالسلام ومحمّد بن الحنفيّة وأبو جعفر عليه السلام، فدخل رجل من أهل العراق، فقال: اُنشدك اللَّه يا جابر، إلا حدّثتني ما رأيت وما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟

فقال: كنّا بالجحفة بغدير خمّ، وثمّ ناس كثير من جهينة ومزينة وغفار، فخرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من خباء أو فسطاط، فأشار بيده ثلاثاً، فأخذ بيد عليّ عليه السلام فقال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'.

[فرائد السمطين 62:1، ح 21].

5- و عن ابن الجوزي و غيره قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام أيّام صفّين كتاباً إلى معاوية بن أبي سفيان وأرسله إليه بيد الأصبغ بن نباتة. قال الأصبغ: فدخلت على معاوية وهو جالس على نطع من الاُدم، متّكئاً على وسادتين خضراوتين، وعن يمينه عمرو بن العاص وحوشب وذو الكلاع، وعن شماله أخوه عتبة وابن عامر بن كريز والوليد بن عقبة وعبدالرحمن بن خالد وشرحبيل بن السمط، وبين يديه أبو هريرة وأبو الدرداء، والنعمان بن بشير وأبو اُمامة الباهلي، فلمّا قرأ الكتاب قال: إنّ عليّاً لا يدفع إلينا قتلة عثمان.

قال الأصبغ: فقلت له: يا معاوية، لا تعقل بدم عثمان، فإنّك تطلب الملك والسلطان، ولو كنتَ أردت نصره حيّاً لنصرته، ولكنّك تربّصت به لتجعل ذلك سبباً إلى وصول الملك، فغضب من كلامي، فأردت أن يزيد غضبه، فقلت لأبي هريرة: يا صاحب رسول اللَّه، إنّي اُحلّفك بالذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، وبحقّ حبيبه المصطفى صلى الله عليه و آله إلا أخبرتني أشهدتَ يوم غدير خمّ؟ قال: بلى شهدته. قلت: فما سمعته يقول في عليّ؟ قال: سمعته يقول: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره، واخذل مَن خذله'.

فقلت له: فإذن أنت - يا أبا هريرة - واليت عدوّه، وعاديت وليّه، فتنفّس أبو هريرة الصعداء، وقال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.

[تذكرة الخواصّ: 84؛ المناقب للخوارزم: 234].

6- وممّا يؤيد حديث احتجاج المأمون على الفقهاء "على ما رواه ابن عبد ربّه" بطوله و تفصيله، الى أن قال: قال المأمون: يا إسحاق، هل تروي حديث الولاية؟ قال إسحاق: قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: إروه، ففعلت. قال: يا إسحاق، أرايت هذا الحديث، هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟

قلت: إنّ النّاس ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زيد بن حارثة لشي ء جرى بينه وبين عليّ وأنكر ولاء عليّ عليه السلام، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'.

قال: وفي أيّ موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجّة الوداع؟

قال: فإن قتل زيد بن حارثة قبل الغدير، كيف رضيت لنفسك بهذا؟! أخبرني لو رأيت ابناً لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول: مولاي، مولى ابن عمّي، أيّها النّاس، فاعلموا ذلك، أكنت منكراً ذلك عليه، تعريفه النّاس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ قلت: اللّهمّ نعم.

[العقد الفريد 99:5].

7- و رواية الجويني عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: مَن صام يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة كتب اللَّه له صيام ستّين سنة، وهو يوم غدير خمّ، لمّا أخذ النبيّ صلى الله عليه و آله بيد عليّ عليه السلام، فقال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره'. فقال له عمر بن الخطّاب: بخٍ بخٍ لك يابن أبي طالب، أصحبت مولاي ومولى كلّ مسلم.

[فرائد السمطين 77:1، ح 44].

8- و روايته أيضاً عن يزيد بن عمر بن مورق، قال: كنت بالشام، وعمر بن عبدالعزيز يعطي النّاس، فتقدّمت إليه، فقال: ممّن أنت؟ قلت: من قريش. قال: من أي قريش؟ قلت: من بني هاشم. فقال: من أي بني هاشم؟ فسكتُّ. قال: من أي بني هاشم؟ فقلت: مولى عليّ. قال: مولى عليّ؟ فسكت. فوضع يده على صدره، فقال: أنا واللَّه مولى عليّ بن أبي طالب، ثمّ قال: حدّثني عدّة أنّهم سمعوا النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'. ثمّ قال: يا مزاحم، كم يُعطى أمثاله؟ قال: مائة ومائتي درهم، قال: أعطه خمسين ديناراً لولايته عليّ بن أبي طالب. ثمّ قال: ألحق ببلدكم، فسيأتيك ما يأتي نظراءك.

[المصدر السابق: 66، ح 32وهناك مؤيّدات اُخرى، راجع: مرآة العقول 215:3].

مناشدة اميرالمؤمنين بحديث الغدير

لقد كان حديث الغدير ممّا أجمع الحفّاظ على نقله، وكان من الاُصول المسلّمة يؤمن به المحبّ والمبغض، ولم ينكر أحد صدوره، إلا مَن كان منكراً للضروري والبديهي؛ ولذلك كثر الاحتجاج به، وتواترت مناشدته بين الصحابة والتابعين، ولم ينكره أحد ممّن سمعه.

قال السيّد المرتضى ما ملخّصه: أمّا الدلالة على صحّة الخبر فلا يطالب بها إلا متعنّت؛ لظهوره وانتشاره، وحصول العلم لكلّ من سمع الأخبار به، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات الرسول صلى الله عليه و آله الظاهرة والمشهورة وأحواله المعروفة؛ لأنّ ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة.

ثمّ قال: وممّا يدلّ على صحّة الخبر إطباق الاُمّة على قبوله، ولا شبهة فيما ادّعيناه لأنّ الشيعة جعلته الحجّة في النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة، ومخالفو الشيعة تأوّلوه على خلاف الإمامة على اختلاف تأويلاتهم، وقد استدلّ على صحّة الخبر بما تظاهرت به الرواية من احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به في الشورى على الحاضرين في جملة ما عدّده من فضائله ومناقبه حيث قال: 'اُنشدكم اللَّه، هل فيكم أحدٌ أخذ رسول اللَّه بيده فقال: مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه؟'. فقال القوم: اللّهمّ لا، وإذا اعترف من حضر الشورى من الوجوه واتّصل أيضاً بغيرهم من الصحابة ممّن لم يحضر الموضع، ولم يكن من أحدنكير له مع علمنا بتوفّر الدواعي إلى إظهار ذلك لو كان، فقد وجب القطع على صحّته، هذا على أنّ الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس، لما جاز أن يدّعيه ا مير المؤمنين عليه السلام، سيّما في مثل هذا المقام.

[الشافي في الإمامة 265 261:2].

و في "المناقب" عن عامر بن واثلة، قال: كنت مع عليّ عليه السلام في البيت يوم الشورى وسمعته يقول لهم: 'لأحتجّن عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا عجميّكم تغيير ذلك'، ثمّ قال: 'فاُنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، ليبلّغ الشاهد الغائب، غيري؟'. قالوا: اللّهمّ لا.

[المناقب للخوارزمي: 222.

روى هذه المناشدة كثير من علماء العامّة في كتبهم، فمن أراد الوقوف عليها فليلاحظ الغدير 163 - 159:1].

ولا يخفى أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام احتجّ بحديث الغدير في مواضع اُخرى، منها: في أيّام حكومة عثمان، ويوم الرحبة في الكوفة، ويوم الجمل على طلحة، وفي الكوفة على رهط، ويوم صفّين، بطرق متعدّدة من علماء العامّة. [راجع: الغدير 196 - 159 :1].

مناشدة فاطمة الزهراء بالحديث

روى صاحب أسنى المطالب بالإسناد إلى اُمّ كلثوم بنت النبيّ صلى الله عليه و آله، عن فاطمة بنت رسول اللَّه عليهاالسلام، قالت: أنسيتم قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خمّ: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه؟'، وقوله صلى الله عليه و آله: 'أنت منّي بمنزلة هارون موسى عليه السلام'.

[أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام: 50].

مناشدة الإمام الحسن بالحديث

أخرج الحافظ الكبير أبو العبّاس ابن عقدة: أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام لمّا أجمع على صلح معاوية، قام خطيباً وحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر جدّه المصطفى بالرسالة والنبوّة، ثمّ قال: 'إنّا أهل بيت أكرمنا اللَّه بالإسلام، واختارنا واصطفانا، وأذهب عنّا الرجس وطهّرنا تطهيراً'. إلى أن قال: 'وقد رأوه "رأى الاُمّة جدّي" وسمعوه حين أخذ بيد أبي بغدير خمّ، وقال لهم: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، ثمّ أمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب'. [راجع: الغدير 194:1].

رووى القندوزي عن "نظم درر السمطين" خطبة طويلة عن الحسن بن عليّ بعد شهادة أبيه عليه السلام، وقال فيها: 'وقد رأوه وسمعوه حين أخذ بيد أبي بغدير خمّ وقال لهم: من كنت مولاه فعليّ مولاه'. [ينابيع المودّة: 482 - 479].

مناشدة الإمام الحسين بالحديث

وكذا ناشد بحديث غدير خمّ الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام قبل موت معاوية بسنة أو بسنتين في منى عند جمع من الشيعة، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله، فقام فيهم فحمد اللَّه وأثنى عليهم، إلى أن قال: 'اُنشدكم اللَّه، أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نصبه - عليّاً أبي - يوم غدير خمّ فنادى له بالولاية وقال: ليبلّغ الشاهد الغائب'، قالوا: اللّهمّ نعم.

[عن أبي صادق سليم بن قيس الهلالي في كتابه، نقلاً عن الغدير 198:1].

احتجاج غيرهم بالحديث

وكذا احتجّ بحديث غدير خمّ عبداللَّه بن جعفر على معاوية بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، واحتجّ رجل من همدان - يقال له: بُرد - على عمرو بن العاص، وكذا احتجّ عمرو بن العاص على معاوية بحديث غدير خمّ، واحتجّ به عمّار بن ياسر يوم صفّين على عمرو بن العاص، واحتجّ الأصبغ بن نباتة بحديث الغدير في مجلس معاوية، واحتجّ به شاب في مسجد الكوفة على أبي هريرة، واحتجّت به وناشدت دارمية الحجونية على معاوية، وكذا احتجّ به عمر بن عبدالعزيز الخليفة الأموي، والمأمون.

وغير اُولئك من الرجال والنساء الذين احتجّوا بحديث الغدير على أحقّية مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام وإمامته وخلافته بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

[من أراد الوقوف على لفظ الاحتجاج وتمام الحديث فليراجع الغدير 212 - 199: 1].

فيما قيل من الشعر في غدير خمّ

والأشعار في ذلك منذ القرن الأوّل إلى عصرنا هذا كثيرة جدّاً لا يبلغها الإحصاء، ونشير هنا إلى بعضها، ونحيل البعض إلى المصادر الّتي ذكرتها:

[راجع: كتاب الغدير في جميع أجزائه، المناقب لابن شهرآشوب: ج3].

1- نبدأ بالشعر المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين، فإنّه عليه السلام كتب أبياتاً إلى معاوية لمّا كتب معاوية إليه: إنّ لي فضائل كان أبي سيّداً في الجاهلية، وأنا خال المؤمنين...

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أبالفضائل يبغي علَيَّ ابن آكلة الأكباد؟ اُكتب يا غلام:

محمّد النبيّ أخي وصنوي(*) *** وحمزة سيّد الشهداء عمّي

وجعفر الّذي يُضحي ويُمسي*** يطير مع الملائكة ابن اُمّي

وبنت محمّد سكني وعرسي*** منوطٌ لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها*** فأيُّكمُ له سهمٌ كسهمي

سبقتكُم إلى الإسلام طُرّاً*** على ما كان من فهمي وعلمي

وصلّيت الصلاة وكنت طفلاً*** مقرّاً بالنبيّ في بطن اُمّي

فأوجب لي ولايته عليكم*** رسول اللَّه يوم غدير خمّ

فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ*** لمن يلقى الإله غداً بظلمي

(*)[في بعض المصادر: 'صهري'].

فلمّا قرأ معاوية الكتاب قال: أخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب.

[راجع: الغدير وهامشه 25: 2 و 26].

2- و أنشأ حسّان بن ثابت في يوم الغدير بعد أن استأذن الرسول صلى الله عليه و آله فأذن له:

يُناديهمُ يومَ الغديرِ نَبيُّهُمْ*** بخُمٍّ وَأَسْمِعْ بالرسول مناديا

و قال: فمَن مولاكُمُ ووَليُّكُم*** فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاديا

[في بعض النسخ: 'التعاميا' - الغدير 34:2].

إلهك مولانا وأنت وليُّنا*** ولم تجدن منّا لك اليومَ عاصيا

[في بعض النسخ: 'التعاميا' - الغدير 34:2، وفرائد السمطين 73:1، ح 39].

فقال له: قم يا عليُّ فإنّني*** رَضِيتُك منْ بعدي إماماً وهاديا

فمَن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّه*** فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا

هناك دعا: اللّهمّ والِ وليَّه*** وكُن للذي عادى عليّاً مُعاديا

فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك'.

[إرشاد المفيد 177: 1؛ فرائد السمطين 73:1، ح 39، وأمالي الصدوق - المجلس الرابع والثمانون: ح 3].

وقال المفيد رحمه الله: وإنّما اشترط رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الدعاء له، لعلمه صلى الله عليه و آله بعاقبة أمره في الخلاف، ولو علم سلامته في مستقبل الأحوال لدعا له على الإطلاق، و مثل ذلك ما اشترط اللَّه تعالى في مدح أزواج النبي صلى الله عليه و آله، و لم يمدحهنَّ بغير اشتراط، لعلمه أنَّ منهنّ من يتغيّر بعد الحال عن الصلاح الّذي يُستحق عليه المدح و الاكرام، فقال عزّ قائلاً: 'يا نساء النبي لستنَّ كأحدٍ من النساء ان اتيقتَّن'

[الإرشاد: 162، الفصل 50 من الباب 2].

الى آخر كلامه.

[انظر الإرشاد للمفيد 178: 1].

3- وقال ابن حمّاد:

يوم الغدير لأشرف الأيّام*** وأجلّها قدراً على الإسلام

يوم أقام اللَّه فيه إمامنا*** أعني الوصيّ إمام كلّ إمام

قال النبيّ بدوح خمّ رافعاً*** كفّ الوصيّ يقول للأقوام

من كنت مولاه فذا مولى له*** بالوحي من ذي العزّة العلام

هذا وزيري في الحياة عليكم*** فإذا قضيت فذا يقوم مقامي

يا ربّ والي من أقرّ له الولا*** وأنزل بمن عاداه سوء حمام

[المناقب لابن شهرآشوب 29:3].

4- وقال دعبل:

فقال ألا من كنت مولاه منكم*** فهذا له لي مولى ببعد وفاتي

أخي ووصيّي وابن عمّي ووارثي*** وقاضي ديوني من جميع عداتي

[المصدر المتقدّم: 30].

5- وقال الحميري:

وقال هذا فيكم خليفتي*** ومن عليه في الاُمور المتّكل

نحن كهاتين وأومى باصبع*** من كفّه عن كفّه لم تنفصل

لا تبتغوا بالطهر بعدي بدلاً*** فليس فيكم لعليّ من بدل

يا ربّ والي من يوالي حيدراً*** وعاد من عاداه واخذل من خذل

يا خالقي بلّغت ما نزّله*** اليَّ جبريل وعنه لم أحل

[المصدر المتقدّم: 31].

6- وأنشأ البشنوي:

وقد شهدوا عيد الغدير وأسمعوا*** مقال رسول اللَّه من غير كتمان

ألستُ بكم أولى من النّاس كلّهم*** فقالوا بلى يا أفضل الإنس والجان

فقام خطيباً بين أعواد منبر*** ونادى بأعلى الصوت جهراً بإعلان

بحيدرة والقوم خرس أذلّة*** قلوبهم ما بين خلف وعينان

فلبّى مجيباً ثمّ أسرع مقبلاً*** بوجهٍ كمثل البدر في غصن ألبان

فلاقاه بالترحيب ثمّ ارتقى به*** إليه وصار الطهر للمصطفى ثان

وشال بعضديه وقال وقد صغى*** إلى القوم أقصى القوم تاللَّه والداني

عليٌّ أخي لا فرق بيني وبينه*** كهارون من موسى الكليم بن عمران

ووارث علمي والخليفة في غدٍ*** على اُمّتي بعدي إذا زرت جثماني

فياربّ مَن والى عليّاً فواله*** ودان مدانيه ولا تنصر الشاني

[المصدر المتقدّم: 34].

7- وأنشد الكميت عند الامام الباقر عليه السلام:

ويوم الدوح دوح غدير خمّ*** أبان له الولاية لو اُطيعا

ولكن الرجال تبايعوها*** فلم أرَ مثلها خطراً مبيعا

ولم أرَ مثل هذا اليوم يوماً*** ولم أرَ مثله حقّاً اُضيعا

فلم أقصد بهم لعناً ولكن*** إلى جور وأقربهم مضيعا

فصار لذاك أقربهم لعدل*** أساء بذاك أوّلهم صنيعا

أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا*** وأقربهم لدى الحدثان ريعا

تناسوا حقّه فبغوا عليه*** بلا ترة وكان لهم قريعا

[الترة: الثأر].

[المناقب لابن شهرآشوب 26:3].

الوقائع الحادثة حول قضيّة الغدير

و قد اتفقت وقايع و حوادث مهمّه حول حديث الغدير و بعده فنذكر بعضها احترازاً عن التطويل.

افتراق النّاس ثلاث فِرق

في "غاية المرام": عن محمّد بن العبّاس بن ماهيار، بسنده عن فضيل بن عبدالملك، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: 'لمّا أوقف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين يوم الغدير، افترق النّاس ثلاث فرق: فقالت فرقة: ضلّ محمّد، وفرقة قالت: غوى، وفرقة قالت: هواه بقوله في أهل بيته وابن عمّه، فأنزل اللَّه سبحانه: 'وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى'.

[غاية المرام: 92، الباب 17 من المقصد الأوّل، ح 18، والآيات من سورة النجم 4 - 1].

الابالسة يحثّون التراب على وجوههم

في تفسير عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: 'لمّا أمر اللَّه نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين للنّاس في قوله: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' في عليّ بغدير خمّ، فقال صلى الله عليه و آله: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر، وحثّوا التراب على وجوههم، فقال لهم إبليس: ما لكم؟

قالوا: إنّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شي ء إلى يوم القيامة، فقال لهم إبليس: كلا إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني، فأنزل اللَّه على رسوله: 'وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنينَ'. [تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 201: 2، والآية 20 من سورة سبأ].

وفي "روضة الكافي": عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'لمّا أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيد عليّ عليه السلام يوم الغدير، صرخ إبليس في جنوده صرخة، فلم يبق منهم أحد في بَرّ ولا بحر إلا أتاه، فقالوا: يا سيّدهم ومولاهم، ماذا دهاك، فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه؟ فقال لهم: فعل هذا النبيّ فعلاً إن تمّ لم يُعص اللَّه أبداً، فقالوا: يا سيّدهم، أنت كنت لآدم، فلمّا قال المنافقون: إنّه ينطق عن الهوى، وقال أحدهما لصاحبه: أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنّه مجنون، يعنون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صرخ إبليس صرخة بطرب، فجمع أولياءه فقال: أما علمتم إنّي كنت لآدم من قبل؟ قالوا: نعم. قال: آدم نقض العهد ولم يكفر بالربّ، وهؤلاءِ نقضوا العهد وكفروا بالرسول، فلمّا قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأقام النّاس غير عليّ، لبس إبليس تاج المُلك ونصب منبراً، وقعد في الوثبة، وجمع خيله ورجله ثمّ قال لهم: اطربوا، لا يُطاع اللَّه حتّى يقوم الإمام'.

وتلا أبو جعفر عليه السلام: 'وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنينَ'.

[سورة سبأ: 20].

وقال: 'كان تأويل هذه الآية لمّا قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، والظنّ من إبليس حين قالوا لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّه ينطق عن الهوى، فظنّ بهم إبليس ظنّاً، فصدّقوا ظنّه'. [روضة الكافي: 284، ح 542].

نزول آية: 'سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ'

في "تفسير المنار" عن "تفسير الثعلبي": أنّ هذا القول من النبيّ صلى الله عليه و آله في موالاة عليّ عليه السلام شاع وطار في البلاد، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأتى النبيّ على ناقته، وكان بالأبطح، فنزل وعقل ناقته، وقال للنبيّ صلى الله عليه و آله وهو في ملأ من أصحابه: يا محمّد، أمرتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنّك رسول اللَّه، فقبلنا منك - ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام - وقال: ثمّ لم ترض بهذا حتّى مددت بضبعي ابن عمّك وفضّلته علينا، وقلت: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'! فهذا منك أم من اللَّه؟ فقال صلى الله عليه و آله: 'واللَّه الّذي لا إله إلا هو، هو أمر اللَّه'.

فولّى الحارث يريد راحلته، وهو يقول: 'اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذَا هُوَ الْحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ'

[سورة الأنفال: 32].

فما وصل إليها حتّى رماه اللَّه بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، وأنزل اللَّه تعالى: 'سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ' الآية.

[تفسير المنار 464:6، والآيتان 1 و 2 من سورة المعارج، ورواه ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: 42، عن تفسير الثعلبي].

وفي السيرة الحلبيّة بعد نقل حديث الفوق، قال: فواللَّه! ما بلغ باب المسجد حتّى رماه اللَّه بحجر من السماء، فوقع على رأسه فخرج من دبره، فمات، وأنزل اللَّه تعالى: 'سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ' الآية.

[السيرة الحلبيّة 275:3، وراجع: المناقب لابن شهرآشوب 40:3].

ابتلاء أنس بن مالك بالبرص لكتمان الشهادة

قال المفيد بإسناده عن طلحة بن عميرة، قال: أنشد عليّ عليه السلام النّاس في قول النبيّ صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، فشهد اثنا عشر رجلاً من الأنصار، وأنس بن مالك في القوم لم يشهد، فقال له أمير المؤمنين: 'يا أنس'، قال: لبّيك، قال: 'ما يمنعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا؟'، قال: يا أمير المؤمنين، كبرت ونسيت. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 'اللّهمّ إن كان كاذباً فاضربه ببياضٍ - أو قال: بوضحٍ - لا تواريه العمامة'. قال طلحة: فأشهد باللَّه لقد رأيتها بيضاء بين عينيه.

[الإرشاد: 339، الفصل 81، من الباب 2].

وفي "مرآة العقول": عن ابن أبي الحديد، قال: ذكر جماعة من شيوخنا البغداديّين أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن عليّ عليه السلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه، وأعان أعداءه ميلاً مع الدنيا، إيثاراً للعاجلة: فمنهم أنس بن مالك، وروى نحو الحديث.

[مرآة العقول 215:3].

عمى زيد بن أرقم لكتمان الشهادة

في "إرشاد المفيد": بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: أنشد عليّ عليه السلام النّاس في المسجد، فقال: 'أنشد اللَّه رجلاً سمع النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'، فقام اثنا عشر بدريّاً، ستّة من الجانب الأيمن، وستّة من الجانب الأيسر، فشهدوا بذلك. فقال زيد بن أرقم: وكنت أنا فيمن سمع ذلك فكتمته، فذهب اللَّه ببصري، وكان يندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر اللَّه.

[المصدر المتقدّم: 340، الفصل 82، من الباب 2، وروى العلامة الحلبي في السيرة الحلبيّة "274:3" نحوه اختصاراً].

دعاء عليّ على أربعة كتموا الشهادة

في "أمالي الصدوق" بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري، قال: خطبنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'أيّها النّاس، إنّ قدّام منبركم هذا أربعة رهط من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله'، منهم: أنس بن مالك، والبراء بن عازب الأنصاري، والأشعث بن قيس الكندي، وخالد بن يزيد البجلي. ثمّ أقبل عليه السلام بوجهه على أنس بن ملاك، فقال: 'يا أنس، إن كنت سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، ثمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك اللَّه حتّى يبتليك ببرص لا تغطّيه العمامة.

وأمّا أنت - يا أشعث - فإن كنت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو يقول: 'من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'، ثمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك اللَّه حتّى يذهب بكريمتيك.

وأمّا أنت - يا خالد بن يزيد - فإن كنت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'، ثمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك اللَّه إلا ميتة جاهليّة.

وأمّا أنت - يا براء بن عازب - إن كنت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'، ثمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك اللَّه إلا حيث هاجرت منه.

قال جابر بن عبداللَّه الأنصاري: واللَّه! لقد رأيت أنس بن مالك وقد ابتُلي ببرص يغطّيه بالعمامة فما تستره. ولقد رأيت الأشعث بن قيس وقد ذهبت كريمتاه

[كريمة الرجل عينه و بصره].

وهو يقول: الحمد للَّه الّذي جعل دعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علَيّ بالعمى في الدنيا، ولم يدع علَيّ بالعذاب في الآخرة فاُعذّب. فأمّا خالد بن يزيد، فإنّه مات فأراد أهله أن يدفنوه، وحفر له في منزله فدفن، فسمعت بذلك كندة، فجاءت بالخيل والإبل فعقرتها على باب منزله، فمات ميتة جاهليّة، وأمّا البراء بن عازب، فإنّه ولاه معاوية اليمن فمات بها، ومنها كان هاجر.

[أمالي الشيخ الصدوق - المجلس السادس والعشرون: ح 1].

اظهار المنافقين نفاقهم بعد نصب عليّ بالولاية

روى ثقة الإسلام الكليني عن عبدالحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبداللَّه عليه السلام - في حديث طويل - قال: 'فلمّا رجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع، نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' [سورة المائدة: 67].

فنادى النّاس فاجتمعوا، وأمر بسمرات فقمّ شوكهنّ، ثمّ قال: يا أيّها النّاس، مَن وليّكم، وأوْلى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: اللَّه ورسوله، فقال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه' ثلاث مرّات.

فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم، وقالوا: ما أنزل اللَّه جلّ ذكره هذا على محمّد قطّ، وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمّه، فلمّا قدم المدينة أتته الأنصار، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنّ اللَّه جلّ ذكره قد أحسن إلينا، وشرّفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا، فقد فرّح اللَّه صديقنا وكبت عدوّنا، وقد تأتيك وفود، فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدوّ، فنحبّ أن تأخذ ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم، فلم يردّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليهم شيئاً، وكان ينتظر ما يأتيه من ربّه، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: 'قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى' [سورة الشورى: 23].ولم يقبل أموالهم.

فقال المنافقون: ما أنزل اللَّه هذا على عليّ، وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمّه، ويحمل علينا أهل بيته، يقول أمس: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، واليوم: 'قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى'. ثمّ نزلت عليه آية الخمس: فقالوا: يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا.

ثمّ أتاه جبرئيل، فقال: يا محمّد، إنّك قد قضيت نبوّتك، واستكملت أيّامك، فاجعل الاسم الأكبر، وميراث العلم، وآثار علم النبوّة عند عليّ عليه السلام، فإنّي لم أترك الأرض إلا ولي فيها عالمٌ تعرف به طاعتي، وتعرف به ولايتي، ويكون حجّة لمن يولد بين قبض النبيّ إلى خروج النبيّ الآخر.

قال: فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة، وأوصى إليه بألف كلمة، وألف باب يفتح كلّ كلمة، وكلّ باب ألف كلمة، وألف باب'.

[اُصول الكافي 295:1، كتاب الحجّة -باب النصّ على أمير المؤمنين، ح 3].

اوّل المصافقين لعلي هم أبوبكر و عمر و...

بعد ما نزلت الآية: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في غدير خم، و رفع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يدي عليّ عليه السلام وقال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه...'، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين الوحي بقوله تعالى: 'الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي' الآية، فقال رسول اللَّه: 'الحمد للَّه على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي'.

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السلام، وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة: أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ طلحة، ثمّ الزبير، وقال الشيخان أبو بكر وعمر: بخٍ بخٍ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وفيما يلي بعض الأخبار في هذا السياق:

و روى أحمد بن محمّد الطبري الخليلي من طريق شيخه محمّد بن أبي بكر بن عبدالرحمن، و قال: فتبادر النّاس إلى بيعته، وقالوا: سمعنا وأطعنا لما أمرنااللَّه ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وجميع جوارحنا، ثمّ انكبّوا على رسول اللَّه وعلى عليّ "صلوات اللَّه عليهما" بأيديهم.

وكان أوّل من صافق رسول اللَّه |وعليّاً| أبو بكر وعمر وطلحة والزبير، ثمّ باقي المهاجرين، والنّاس على طبقاتهم، ومقدار منازلهم إلى أن صلّيت الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد، ولم يزالوا يتواصلون البيعة والمصافقة ثلاثاً، ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله كلّما بايعه فوج بعد فوج يقول: 'الحمد للَّه الّذي فضّلنا على جميع العالمين'، وصارت المصافقة سنّة ورسماً واستعملها من ليس له حقّ فيها.

[مناقب عليّ بن أبي طالب للطبري المشهور بالخليل، نقلاً عن الغدير 270:1].

وأخرج الطبري بإسناده عن زيد بن أرقم - في حديث طويل

[راجع الحديث بطوله في الغدير 214:1].

قال: فعند ذلك بادر النّاس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا على أمر اللَّه ورسوله بقلوبنا، وكان أوّل من صافق النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّاً عليه السلام: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي النّاس إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد، وامتدّ ذلك إلى أن صلّى العشاءين في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً.

[الولاية للطبري: 100، نقلاً عن الغدير 270:1].

الايرادات الواردة الموهومة على حديث الغدير

و قد ذكر بعض المخالفين من العامّة ايرادات حول حديث الغدير و انكار فضيلة عليّ عليه السلام في هذه القضية، باشكالات موهومة، فنذكرها مع جوابها:

الإشكال الأوّل و جوابها:

ما تمحّله البعض، كما في "النهاية" لابن الأثير، فقد ذكر أنّه قيل سبب صدور الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله: أنّ اُسامة قال لعليّ عليه السلام: ليس مولاي، إنّما مولاي - أي معتقي - رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه - أي معتقه - فعليّ مولاه - أي معتقه -'.

[النهاية 228:5].

فالحديث - على تعريفه - ورد في عتق عليّ عليه السلام لاُسامة، لا أنّه مولى المؤمنين.

أقول: إذا كان اُسامة بن زيد قد أعتقه النبيّ صلى الله عليه و آله فلا معنى لأن يكون أعتقه عليّ عليه السلام، ولو فرض فلا يناسبه هذا الاهتمام العظيم، على أنّ اُسامة لم يعتقه النبيّ صلى الله عليه و آله وإنّما أعتق أباه زيد بن حارثة، فإطلاق أنّه مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليه إنّما هو باعتبار انجرار الولاء إليه من أبيه، ولهذا قال بعضهم: إنّ القائل لعليّ عليه السلام: لست مولاي، وإنّما مولاي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، هو زيد بن حارثة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه' ردّاً لقول زيد.

وهذا الإشكال أثاره إسحاق بن حمّاد بن زيد بحضور المأمون، لمّا جمع العلماء ليحتجّ عليهم في فضل عليّ عليه السلام فيما ذكره صاحب العقد الفريد

[راجع: العقد الفريد 99:5].

فقال إسحاق للمأمون: ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زيد بن حارثة لشي ء جرى بينه وبين عليّ، وأنكر ولاء عليّ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه'.

فردّ عليه المأمون بأنّ ذلك كان في حجّة الوداع، وزيد بن حارثة قتل قبل ذلك، وكأنّ مَن ذكر هذا العذر التفت إلى مثل ما ردّ به المأمون، فغيّرالعذر، وقال: إنّه قال ذلك في شأن اُسامة بن زيد.

وسواء أقيل إنّ ذلك في شأن زيد أو ابنه اُسامة، فزيد إنّما هو مولى عتاقه وابنه اُسامة كذلك بجرّ الولاء، وعليّ عليه السلام لم يعتقه، وإنّما أعتقه النبيّ صلى الله عليه و آله، فكيف يكون زيد أو ابنه مولاه، وهو لم يعتقه؟! [راجع: أعيان الشيعة 363:1].

الإشكال الثاني و جوابها: ما تمحّله ابن كثير في تاريخه و صاحب السيرة الحلبيّة [السيرة الحلبيّة 275:3].

من صرف ما وقع يوم الغدير إلى ما وقع عند رجوع عليّ عليه السلام من اليمن، فقد قال ابن كثير في تاريخه: فصل في الحديث الدالّ على أنّه صلى الله عليه و آله خطب بمكان بين مكّة والمدينة مرجعه من حجّة الوداع قريب من الجحفة، يقال له: غدير خمّ، فبيّن فيها فضل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر إليهم من المعدلة الّتي ظنّها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً، والصواب كان معه عليه السلام في ذلك، ولهذا لمّا فرغ صلى الله عليه و آله من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عامئذٍ، وكان يوم الأحد بغدير خمّ تحت شجرة هناك، وذكر من فضل عليّ عليه السلام وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من النّاس منه. "إلى أن قال:" ونحن نورد عين ما روي في ذلك مع إعلامنا أنّه لا حظّ للشيعة فيه ولا متمسّك لهم ولا دليل.

أقول: لكنّه لم يأتِ ابن كثير بدليل يثبت ما قال، بل قدم أوّلاً روايات هذه الواقعة، فنقل عن محمّد بن إسحاق، بسنده عن يزيد بن طلحة، قال: لمّا أقبل عليّ عليه السلام من اليمن ليلقى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمكّة، تعجّل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كلّ رجل من القوم حلّة من البز الّذي كان مع عليّ - وهو الّذي أخذه من أهل نجران - فلمّا دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل، قال: 'ويلك ما هذا؟'، قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في النّاس، قال: 'ويلك انزع قبل أن يُنتهى به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله'، فانتزع الحلل من النّاس فردّها في البزّ، وأظهر الجيش شكواهم لما صنع بهم.

ثمّ حكى عن ابن إسحاق أنّه روى بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: اشتكى النّاس عليّاً، فقام رسول للَّه فينا خطيباً فسمعته يقول: 'أيّها النّاس، لا تشكوا عليّاً، فواللَّه! إنّه لأخشن في ذات اللَّه، أو في سبيل اللَّه، من أن يشتكى'.

ثمّ حكى عن أحمد أنّه روى بسنده عن بريدة، قال: غزوت مع عليّ عليه السلام، اليمن فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذكرت عليّاً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتغيّر، فقال: 'يا بريدة، ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟'، قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'.

قال ابن كثير: وكذا رواه النسائي، بإسناده، نحوه. ثمّ قال: وهذا إسناد جيّد قويّ، رجاله كلّهم ثقات، إلى آخره... ثمّ أتبع ابن كثير ذلك بروايات الغدير، ليجعلهما بزعمه واقعة واحدة، وأنّ ما وقع يوم الغدير هو تدارك لما وقع في سفر اليمن، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بيّن يوم الغدير فضل عليّ عليه السلام وبراءة ساحته ممّا تكلّم فيه أهل ذلك الجيش.

أقول في ردّ كلامه، مع أنّهما واقعتان، لا دخل لإحداهما في الاُخرى، لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا شكا أهل الجيش من عليّ عليه السلام وكانت شكايتهم منه بمكّة في أيّام الحجّ، غضب لذلك وبيّن لهم أنّ شكايتهم منه في غير محلّها، وقام فيها خطيباً، وقال: 'لا تشكوا عليّاً، فواللَّه إنّه لأخشن في ذات اللَّه من أن يشتكى'. وقال لهم يومئذٍ: 'ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟'، قالوا: بلى، قال: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'. واكتفى بذلك، وهو كاف في ردعهم وبيان فضل عليّ عليه السلام، وأنّ ما فعله عليه السلام هو الصواب، هذه واقعة الاولى، و أمّا حديث الغدير واقعة اخرى و كانت في الثامن عشر من ذي الحجّة بعد انقضاء الحجّ ورجوعه إلى المدينة، ولو كان ما وقع يوم الغدير هو لمجرّد ردعهم وبيان خطئهم في شكايتهم من عليّ عليه السلام لقاله بمكّة، واكتفى به ولم يؤخّره إلى رجوعه.

وزعم صاحب السيرة الحلبيّة أنّه صلى الله عليه و آله قال ذلك بمكّة لبريدة وحده، ثمّ لمّا وصل إلى غدير خمّ أحبّ أن يقوله للصحابة عموماً

[المصدر المتقدّم: 275].

وهذا يكذّبه ما سمعته من قول أبي سعيد الخدري أحد الصحابة: فقام صلى الله عليه و آله خطيباً - أي قام في الصحابة عموماً - وأعلن ذلك في خطبته على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد.

وقوله: ذلك بمكّة أعمّ وأشمل لوجود الحاجّ كلّهم، ومنهم أهل مكّة وما حولها الذين لم يكونوا معه في غدير خمّ، فلو كان الغرض تبليغ عموم الصحابة ما وقع في مسألة اليمن لما أخّره إلى غدير خمّ، ولكنّه لمّا نزل عليه قوله تعالى: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ'، وهو في الطريق بلّغهم إيّاه في غدير خمّ حين نزلت عليه الآية، فهما واقعتان لا دخل لإحداهما في الاُخرى، وخلط إحداهما بالاُخرى نوع من الخلط والخبط والغمط.

مع أنّك عرفت أنّ في روايات الغدير أنّه وقف حتّى لحقه من بعده، وأمر بردّ مَن كان تقدّم، وهذا يدلّ على أنّه لأمرٍ حدث في ذلك المكان، وهو نزول الوحي عليه، ولو كان لتبليغ عموم الصحابة لم يؤخّره إلى غدير خمّ، بل كان يقوله في بعض المنازل قبله أو في مكّة، فأمره بالنزول وهو في أثناء السير وانتظار مَن تخلّف وأمره بردّ من تقدّم، يدلّ على أنّه لأمرٍ حدث في ذلك الوقت، مع أنّه قال هذا الكلام عقيب الأمر بالتمسّك بالكتاب والعترة، وبيان أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض الّذي هو تمهيد لما بعده، فدلّ على أنّه لأمرٍ أهمّ من مسألة اليمن.

على أنّنا إنّما نستدلّ بقوله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، عقيب قوله: 'ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم'، سواء أقال ذلك بمكّة أم في غدير خمّ، وسواء أقاله عقيب شكايتهم من عليّ أم لا فإنّه دلّ على أنّ عليّاً عليه السلام أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، والإمامة والخلافة لا تزيد على ذلك كما مرّ.

[راجع: أعيان الشيعة 363:1].

الإشكال الثالث و جوابه:

في دلالة لفظة 'المولى' قال المولى لا تدلّ على الولاية العامّة، بل تدلّ على النصرة و المودّة: فاليك الايراد مع جوابه: إنّ قوله صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، قال العلماء: لفظة المولى مستعملة بإزاء معانٍ متعدّدة، وقد ورد القرآن العظيم بها: فتارة تكون بمعنى أوْلى، قال اللَّه تعالى في حقّ المنافقين: 'مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلكُمْ'

[سورة الحديد: 15].

معناه: أوْلى بكم. وتارة بمعنى الناصر، قال اللَّه تعالى: 'ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ'.

[سورة محمّد صلى الله عليه و آله: 11].

وتارة بمعنى الوارث، قال اللَّه تعالى: 'وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ'

[سورة النساء: 33].

معناه: وارثاً. وتارة بمعنى العصبة، قال اللَّه تعالى: 'وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي'

[سورة مريم: 5].

معناه: عصبتي. وتارة بمعنى الصديق، قال اللَّه تعالى: 'يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلىً عَن مَوْلىً شَيْئاً'

[سورة الدخان: 41].

معناه: حميم عن حميم، وصديق عن صديق. وتارة بمعنى السيّد والمعتق، وهو ظاهر.

وإن كانت واردة لهذه المعاني فيكون معنى الحديث: مَن كنت ناصره أو حميمه أو صديقه فإنّ عليّاً يكون كذلك.

[الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 43].

امّا الجواب عنه: فنذكر - قبل الجواب عن الايراد - توضيحاً في معنى الولي و المولى، ثم نجيب على اصل الاشكال:

ففي "مفردات راغب": الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد. والولاية: النصرة، والولاية: تولّي الأمر. وقيل: الولاية والولاية نحو الدَّلالة والدِّلالة، وحقيقته تولّي الأمر. والولي والمولى يستعملان في ذلك، كلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل، وفي معنى المفعول. يقال للمؤمن: هو وليّ اللَّه عزّ وجلّ ولم يرد مولاه. يقال: اللَّه وليّ المؤمنين ومولاهم، إلى آخر كلامه.

[مفردات راغب: 533، مادة "ولى"].

وفي "النهاية" لابن الأثير: في أسماء اللَّه الوليّ هو الناصر، وقيل: المتولّي لاُمور العالم والخلائق القائم بها، ومن أسمائه عزّ وجلّ: الوالي، وهو مالك الأشياء جميعها، المتصرّف فيها، وكأنّ الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الولي، وقد تكرّر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو الربّ والمالك والسيّد والمنعم والمعتِق والناصر والمحبّ والتابع والجارّ وابن العمّ والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتَق والمنعَم عليه، وأكثرها قد جاءت في الحديث - إلى أن قال: - ومنه الحديث: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، يحمل على أكثر الأسماء المذكورة.

قال الشافعي: يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: 'ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ'

[سورة محمّد صلى الله عليه و آله: 11].

وقول عمر لعليّ عليه السلام: أصبحت مولى كلّ مؤمن، أي وليّ كلّ مؤمن.

[النهاية 227:5].

وفي "الصحاح": الولي: القرب والدنوّ. يقال: تباعدنا بعد ولي، وكلّ ممّا يليك أي ممّا يقاربك... وأوليته الشي ء فوليه، وكذلك ولي الوالي البلد، وولي الرجل البيع ولايةً فيهما... والمولى: المُعتَق والمُعتِق وابن العمّ والناصر والجار، والوليّ: الصهر، وكلّ من ولي أمراً واحداً فهو وليّه.

[الصحاح 2528:6].

وفي "لسان العرب": في أسماء اللَّه تعالى: "الولي" هو الناصر، وقيل: المتولّي لاُمور العالم والخلائق القائم بها، ومن أسمائه: الوالي، وهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها - إلى أن قال: - والوليّ: وليّ اليتيم الّذي يلي أمره ويقوم بكفايته، ووليّ المرأة: الّذي يلي عقد النكاح عليها، ولا يدعها تستبدّ بعقد النكاح دونه. وفي الحديث: 'أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل'. وفي رواية: 'وليّها'، أي متولّي أمرها. وفي الحديث: 'أسألك غناي وغنى مولاي'. إلى أن قال: قال الفرّاء: الموالي: ورثة الرجل وبنو عمّه، قال: والوليّ والمولى واحد في كلام العرب.

قال أبو منصور: ومن هذا قول سيّدنا رسول اللَّه: 'أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها' الحديث، ورواه بعضهم: 'بغير إذن وليّها'؛ لأنّهما بمعنى واحد، إلى آخره.

[لسان العرب 985:1، طبع دار لسان العرب - بيروت].

وفي أقرب الموارد: ولي الشي ء وعليه وِلاية وَوَلاية: ملك أمره وقام به.

[أقرب الموارد 1487:2].

وفي معجم مقاييس اللغة: ولى: الواو واللام والياء، أصل صحيح يدلّ على القرب، من ذلك الولي: القرب، يقال: تباعد بعد وليٍّ أي قرب، وجلس ممّا يليني، أي يقاربني.

والوليّ: المطر يجي ء بعد الوسميّ، سُمّي بذلك لأنّه يلي الوسميّ، ومن الباب المولى: المُعتَق والمُعتِق والصاحب والحليف وابن العمّ والناصر والجار، كلّ هؤلاء من الولي وهو القرب، وكلّ من ولي أمراً آخر فهو وليّه، وفلان أوْلى بكذا: أي أحرى به وأجدر، إلى أن قال: والباب كلّه راجع إلى القرب.

[معجم مقاييس اللغة 141:6].

فبعد توضيح معنى الولاية والولي والمولى في اللغة أقول فى الجواب عن الاشكال الثالث: بأنّ حقيقة كلمة المولى: من يلي أمراً ويقوم به ويتقلّده، وما عدّوه من المعاني له، فإنّما هي مصاديق حقيقتها، وقد اُطلقت عليها من باب إطلاق اللفظ الموضوع لحقيقة على مصاديقها، كإطلاق لفظ الرجل على زيد وعمر ومحمّد وعليّ وأحمد، فيطلق لفظ المولى على الربّ؛ لأنّه القائم بأمر المربوبين، وعلى السيّد؛ لأنّه القائم بأمر العبد، وعلى العبد؛ لأنّه يقوم بحاجة السيّد، وعلى الجارّ وابن العمّ والحليف والصهر؛ لأنّهم يقومون بنصرة صاحبهم فيما يحتاجون إلى نصرتهم، وهكذا فاللفظ مشترك معنوي، يعني وضع لفظ المولى لمن يلي أمراً ويقوم به، ولهذا المعنى مصاديق متعدّدة حتّى عدّ العلامة الأميني رحمه الله في الغدير سبعة وعشرين مصداقاً له، كما مرّ بعضها آنفاً في تعريف الولي من النهاية لابن الأثير.

[الغدير 370 - 362 :1، ولزيادة التوضيح راجع المصدر بعينه و مرآة العقول 219:3].

وعلى هذا فمعنى قوله صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه' - سواء كان بلفظ المولى، أو الوليّ - مَن كنت متقلّداً لأمره، وقائماً به فعليّ متقلّد أمره والقائم به، وهذا صريح في زعامة الاُمّة وإمامتها وولايتها، فكأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: 'زعامة الاُمّة وولايتهم وسلطنتهم والقيام بأمرهم لعليّ عليه السلام، فثبت لعليّ ما ثبت لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الولاية العامّة والزعامة التامّة.

وقد ورد في حديث أهل البيت عليهم السلام ما يصرّح بهذا المعنى، منها ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن أبي إسحاق، قال: قلت لعليّ بن الحسين عليه السلام: ما معنى قول النبيّ صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'؟ قال: 'أخبرهم أنّه الإمام بعده'.

[أمالي الصدوق - المجلس السادس والعشرون: ح 2].

وفيه أيضاً عن عليّ بن هاشم بن البريد، عن أبيه، قال: سئل زيد بن عليّ عن قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، قال: 'نصبه علماً ليعلم به حزب اللَّه عند الفرقة'.

[المصدر السابق: ح 3].

وتوضيحاً للبحث نذكر هنا ما قاله استاذنا الفقيه الخبير الورع الحاج الشيخ آية اللَّه حسين عليّ المنتظري "دامت بركاته" في تفسير الولاية وبيان معناها بعد ذكر كلمات أهل اللغة. قال: إنّ وليّ اليتيم، هو الّذي يلي أمره، ووليّ المرأة من يلي عقد النكاح عليها، وعن النبيّ صلى الله عليه و آله: 'أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل'.

[سنن الترمذي 280:2].

ويقال: السلطان وليّ الأمر، ولمن يلي تجهيز الميّت: وليّ الميّت، وعن المبرّد في صفات اللَّه تعالى: الوليّ هو الأوّل والأحقّ، وكذلك المولى، فيظهر منه كون العبارات الثلاث بمعنى واحد، ومرّ على الفرّاء أنّ الوليّ والمولى واحد في كلام العرب، وعن "المفردات": أنّ حقيقته تولّي الأمر، والوليّ والمولى يستعملان في ذلك، وعن ابن الأثير: أنّها تشعر بالتدبير والقدرة والفعل.

فيظهر من الجميع أنّ التصرّف مأخوذ في مفهوم الكلمة، فما في بعض الكلمات من تفسير الولاية بخصوص المحبّة ممّا لا يمكن المساعدة عليه، ولو اُريد بيان مجرّد المحبّة الّتي هي أمر قلبي لاستعمل لفظ الحبّ والودّ، وفي قبالهما البغض والكراهة، وأمّا الولاية فهي تفيد التصدّي لشأن من شؤون الغير، وفي قبالها العداوة وهي التجاوز والتعدّي على الغير، فالتصرّف بمصلحة الغير ولاية، وبضرره عداوة، وكلاهما من مقولة الفعل.

وربّما تستعمل الولاية في التصرّف في شؤون الغير مطلقاً، فتأمّل في قوله تعالى: 'وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ'

[سورة التوبة: 71].

وقوله تعالى: 'اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ'.

[سورة البقرة: 257].

فحيثما ذكر لفظ الولاية ذكر بعده سنخ الفعل والتصرّف الناشئ منها من الأمر والنهي المناسب لها، فيظهر بذلك كون التصرّف مأخوذاً في مفهومها، وأصل الكلمة كما قالوا: هو الولي بمعنى القرب، والقريب من غيره لا يخلو من نحو تأثير وتصرّف فيه، كما أنّ المتصرّف في اُمور الغير لا بدّ أن يقع قريباً منه وإلى جانبه حتّى يتمكّن من التصدّي لاُموره والتولّي لمصالحه، فالإنسان قد لا يقدر منفرداً على رفع حاجاته فيحتاج إلى مَن يقع إلى جانبه، وبهذا يخرج عن الانفراد، ويصبح ذا ولي يقع في تلوه فيجبر نقصه ويسدّ خلله.

والوليّ والمولى يطلقان على كلّ من الوالي والمولّى عليه، لاحتياج كلّ منهما إلى الآخر، وتصدّي كلّ منهما شأناً من شؤون الآخر، ولوقوع كلّ منهما في تلو الآخر، وفي القرب منه، وإذا أردنا بيان أنّ زيداً ليس منفرداً، بل له من يتصدّى لبعض اُموره فيصحّ أن يقال: عمرو في تلوه، كما يصحّ أن يقال: هو في تلو عمرو، ويشبه رجوع التلو والوليّ إلى أصل واحد، واُبدلت الواو تاءاً، و صار تلواً ونظائره كثيرة في كلام العرب.

وبهذه العناية أيضاً يقال: 'اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا'، ويقال أيضاً: 'المؤمن وليّ اللَّه'، بل الظاهر أنّ المعاني الكثيرة الّتي ذكروها للمولى كلّها ترجع إلى أمر واحد، وكلّها مصاديق لمفهوم فارد أيضاً، وهو كون الشخص واقعاً إلى جانب الآخر، ليتصدّى بعض شؤونه ويسدّ بعض خلله.

وبما ذكرنا يظهر أنّ قول النبيّ صلى الله عليه و آله في الخبر المتواتر: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، سواء أكان بلفظ المولى أو الوليّ فمراده صلى الله عليه و آله أن يثبت لعليّ عليه السلام مثل ما كان لنفسه من ولاية التصرّف والأولويّة المذكورة في الآية الشريفة، ولذا صدّره بقوله: 'أتعلمون أنّي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟' ثلاث مرّات، وظاهر الكلام أنّ المولى في الجملتين بمعنى واحد، وهو الأولويّة المذكورة في الآية.

ولذا لو كان بصدد بيان المحبّة لم يحتج إلى بيان أولويّة نفسه، بل كان ذكرها لغواً، كيف ولم يكن بيان المحبّة القلبيّة أمراً مهمّاً يوجب إيقاف مائة ألف وعشرين ألف رجلاً في المفازة في وسط النهار في الهاجرة الشديدة لبيانها وإعلامها؟! ثمّ استدلّ لكلامه و أيّده بما رواه الترمذي

[سنن الترمذي 591:5، باب مناقب عليّ بن أبي طالب، ح 3712].

قوله صلى الله عليه و آله عن عمران بن حصين: 'ما تريدون من عليّ؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي'؛ إذ قوله: 'بعدي' ينفي احتمال كون الكلمة بمعنى المحبّة القلبيّة، ويعيّن كونها بمعنى الأولويّة والإمامة كما هو واضح.

[دراسات في ولاية الفقيه 55:1].