شواهد على دلالة حديث الغدير على إمامة عليّ

منها: مخاطبة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لجماهير الناس قبل إيراد هذا المقال بقوله: 'ألست أوْلى بكم من أنفسكم؟'، ثمّ فرّع عليه بقوله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه'، فلا يكون كسب الإقرار من النّاس إلا لأجل التمكّن منهم وحملهم على أن لا يأبوا عمّا يريد أن يعقّبه بجعل عليّاً عليه السلام الزعيم عليهم والمتصرّف في شؤونهم لا محالة، فتتعيّن إرادة ما هو متضمّن لمعنى التسلّط من معاني كلمة المولى دون غيره من معانيه.

ومنها: دعاؤه صلى الله عليه و آله بعد إلقاء هذا المقال في حقّ عليّ عليه السلام على النّاس بقوله: 'اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره...'، المرويّ بطرق كثيرة، فإنّها تدلّ على أنّ الأمر الّذي أتى به في عليّ يحتاج في تثبيته إلى النصرة والموالاة له ويحترز عليه من المعاداة والخذلان له. مضافاً إلى دلالة هذا الدعاء في حقّ عليّ عليه السلام على أنّه لا تجوز معاداة عليّ عليه السلام وخذلانه في شي ء ممّا يريد، فهي تدلّ على تسلّطه على النّاس بكلّ ما يريد.

ومنها: الأخبار الواردة بطرق كثيرة والمشيرة إلى نزول قوله تعالى: 'الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي' في يوم الغدير، فتدلّ على أنّ المراد بالمولى ما يرجع إلى الإمامة الكبرى؛ إذ ما يكون سبباً لكمال الدين وتمام النعمة على المسلمين ليس إلا ما كان من اُصول الدين، مضافاً إلى ما ورد في بعض طرق الحديث من أنّه صلى الله عليه و آله قال عقيب لفظ الحديث: 'اللَّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليّ بن أبي طالب'.

ومنها: الأخبار المتقدّمة الدالّة على نزول قوله تعالى: 'يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ' في حقّ عليّ عليه السلام في غدير خمّ، فتدلّ الآية على أنّ ترك نصبه بالولاية مساوٍ لترك تبليغ الرسالة برأسها.

ومنها: إلقاء هذا المقال الشريف عقيب أخذ الشهادة منهم بالوحدانيّة، والشهادة بالنبوّة، وذكر قوله: 'مَن كنت مولاه فعليّ مولاه' في سياقها يدلّ على أنّ ما أفاده بهذا المقال أمر مهمّ يبتنى عليه الإسلام.

ومنها: أنّه صلى الله عليه و آله بعد تبليغ الولاية إلى النّاس بمجمع من جماهير المسلمين قال: 'فيبلِّغ الحاضر الغائب'، فيدلّ هذا الاهتمام الشديد بإيصال خطابه الشريف وكلامه المنيف إلى جميع المسلمين، على أنّ المراد من الحديث ليس معنىً معلوماً بالكتاب والسنّة يعلمه كلّ أحد كالنصرة والمحبّة.

ومنها: القرائن الحالية، وهي كثيرة واضحة الدلالة على المقصود كنزوله صلى الله عليه و آله في حرّ الهجير والسماء صافية على الحصباء والرمضاء الّتي كادت تتوقّد من إشراق الشمس، بحيث نقل النقلة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحرّ وضع بعض النّاس ثوبه على رأسه، وبعضهم يلفّه برجله، وبعضهم استظلّ بمركوبه، وبعضهم استظلّ بالصخور وانحنائها.. وأمره صلى الله عليه و آله برجوع من تقدّم وتوقّف من تأخّر، وانحناؤه عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير وإنشاؤه تلك الخطبة الغرّاء المفصّلة الّتي قد نقلناها. فكل هذه قرينة واضحة على ان الأمر بالولاية امر مهم و ليس صرف المحبّة و المودّة القلبية المحضة.

ومنها: فهم الحاضرين في غدير خمّ عند تلك الواقعة والمستمعين لكلامه هذا، معنى الإمامة الكبرى والزعامة العظمى، ويشهد لذلك اُمور:

الأوّل: بيعة النّاس لعليّ عليه السلام ومصافقتهم معه وتهنئتهم للنبيّ ولعليّ "صلوات اللَّه عليهما"، وأوّل من أقدم بالتهنئة والبخبخة - كما مرّ - أبو بكر، ثمّ عمر بن الخطّاب، ثمّ عثمان و...

الثاني: واقعة الحارث بن النعمان الفهري، كما مرّ حديثه.

الثالث: استئذان حسّان بن ثابت عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في نظم أبيات في الواقعة، كما مرّ شعره.

الرابع: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام بعد اجتماع النّاس على نصبه بالخلافة واستقرار الأمر إليه، لمّا نُوزع في أمر الخلافة حضر رحبة الكوفة بمجتمع من النّاس واستنشدهم بهذا الحديث، ردّاً على مخالفيه في أمر الخلافة، فشهد كثير من الصحابة بذلك.

الخامس: احتجاجه عليه السلام وغيره من الأئمّة وبعض الصحابة بحديث الغدير لأحقّيّته عليه السلام بالخلافة العظمى والإمامة الكبرى، كما مرّ شرحه.

وبالجملة فكلّ من بلغه هذا الحديث، فهم منه الإمامة والزعامة الكبرى في ذلك العصر والأعصار التالية، عصراً بعد عصر، من العلماء على اختلاف مشاربهم وفنونهم، والشعراء وأرباب الأدب. ومن شاء الوقوف على تلك الأشعار فليراجع الغدير للمرحوم الأميني شكر اللَّه سعيه وحشره مع مواليه.

[انظر: إحقاق الحقّ 478 - 470 :2].

اللّهمّ إنّا أتممنا الحجّة، وأوضحنا المحجّة لإخواننا المسلمين، فهم مختارون كما قال اللَّه تبارك وتعالى: 'إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً'، 'فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ'، صدق اللَّه العليّ العظيم، وصدق رسوله الكريم، والحمد للَّه ربّ العالمين.

مثل عليّ و الأئمّة كمثل سفينة نوح

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إِنّما مَثلُ أهل بيتي مَثَلُ سفينةِ نوحٍ، مَنْ ركبَ فيها نَجا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عنها غَرَقْ'.

المناقب لابن المغازلي الشافعي: 133، ح 175 و بحار الأنوار 120:23

نظرة في حديث السفينة وسنده

قال ابن حجر الهيثمي في "الصواعق": وجاء من طرق كثيرة يقوّي بعضها بعضاً: 'مثلُ أهل بيتي'. وفي رواية: 'إنّما مثلَ أهل بيتي'. وفي اُخرى: 'إنّ مثلَ أهل بيتي'. وفي رواية: 'ألا إنّ أهل بيتي فيكم مَثلُ سفينةِ نوحٍ في قومهِ، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غَرق'. وفي رواية خامسة: 'مَن ركبها سَلَم، ومَن تركها غَرَق'.

[الصواعق المحرقة - باب الأمان ببقائهم: 236، مستدرك الحاكم 343:2، وصحّحه على شرط مسلم، الخصائص الكبرى 446:2، الجامع الصغير 533:2، عيون الأخبار 211:1، المعارف: 146، روح المعاني 32:25، تفسير ابن كثير 123:4، تاريخ بغداد 91:2، حلية الأولياء 306:4، مجمع الزوائد 168:9، البداية والنهاية 298:2، ذخائر العقبى: 20، كفاية الطالب: 378].

وقال الشيخ محمّد الصبّان: وروى جماعة من أصحاب السنن، عن عدّة من الصحابة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: 'مثلُ أهلِ بيتي كسفينةِ نوحٍ، مَنْ رَكِبَها نجا، وَمَن تخلّف عنها هَلك'.

[إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: 120].

وقال النبهاني البيروتي: روى جماعة من أصحاب السنن، عن عدّة من الصحابة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: 'مثلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوحٍ، مَن رَكِبَها نجا، ومَن تخلّف عنها هلك'. وفي رواية: 'غرق' وفي اُخرى: 'زُجّ في النّار'.

[الشرف المؤبّد لآل محمّد: 28].

وعن أبان بن أبي عيّاش، عن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: 'يا أخا عبدالقيس، أما بلغك أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: إنّ مثل أهل بيتي في اُمّتي كمثل سفينة نوح في قومه، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق، وكمثل باب حطّة في بني إسرائيل'. فقلت: نعم. فقال: 'من حدّثك؟'، فقلت: سمعته من أكثر من مائة من الفقهاء - الحديث.

[كتاب سليم: 11. بحار الأنوار 122:23].

لفظ الحديث

ورد الحديث عن عليّ عليه السلام، وأبي ذرّ، وابن عبّاس، وأبي سعيد الخدري، وسلمة بن الأكوع، و عامر بن واثله عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، بأنّه قال: 'مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق'، وبتعابير اُخرى نذكر بعضاً منها.

حديث عليّ و الرضا

أخرج الطبري عن عليّ عليه السلام قال: 'قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: مثل بيتي كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تعلّق بها فاز، ومَن تخلّف عنها زجّ في النّار'.

[ذخائر العقبى: 20، ينابيع المودّة: 193، نقلاً عن الإحقاق 280:9].

و في "البحار" بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: 'قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلّف عنها زُخّ في النّار'. [البحار 122:23].

حديث أبي ذرّ الغفاري

1- روى العلامة القندوزي الحنفي عن سليم بن قيس الهلالي، قال: بينا أنا وحُبيش بن المعتمر بمكّة، إذ قام أبو ذرّ وأخذ بحلقة باب الكعبة، فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة أبو ذرّ، فقال: أيّها النّاس، إنّي سمعتُ نبيّكم صلى الله عليه و آله يقول: 'مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تركها هلك'. ويقول: 'مثل أهل بيتي فيكم مثلُ باب حطّة في بني إسرائيل، مَن دخله غفر له'.

[ينابيع المودّة: 28، ونحوه في عيون الأخبار 211:1، ومستدرك الحاكم 150:3].

2- و روى ابن المغازلي بسنده عن أبي ذرّ الغفاري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَثَلُ أهل بيتي مَثَلُ سفينة نوح، مَن ركبها فيها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدّجّال'.

[المناقب لابن المغازلي: 134، ح177].

3- وفي "غاية المرام" عن ابن الصبّاغ المالكي في "الفصول المهمّة"، عن رافع مولى أبي ذرّ، قال: صعد أبو ذرّ على عتبة باب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وأسند ظهره إليه، وقال: أيّها النّاس، من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'أهل بيتي مثلُ سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها زُخَّ في النّار'

[و روى ابن الأثير في النهاية 298: 2 هكذا: 'مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، مَن تخلّف عنها زُخّ به في النّار'، أي دفع ورُميَ. يقال: زخّه يزخّه زخّاً].

وسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين'.

[غاية المرام: 238، باب32 من المقصد الأوّل، ح 10، ورواه في بحار الأنوار 121:23].

4- وفي "البحار": عن مورق العجلي، قال: رأيت أبا ذرّ آخذاً بحلقة باب الكعبة، وهو يقول: مَن عرفني فأنا جندب، وإلا فأنا أبو ذرّ الغفاري، برح الخفاء، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق، ومثل باب حطّة يحطّ

[وفي تفسير العيّاشي، عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام في قول اللَّه: 'وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ'، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: 'نحن باب حطّتكم'. تفسير العيّاشي 45:1]. اللَّه بها الخطايا'.

[البحار 123:23].

5- و فيه أيضاً، عن أمالي ابن الشيخ، عن حذيفة بن اُسيد، قال: رأيت أبا ذرّ متعلّقاً بحلقة باب الكعبة فسمعته يقول: أنا جندب، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذرّ

[في اصل المصدر على ما في هامش البحار: 'ومَن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي، أنا أبو ذرّ'].

سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'مَن قاتلني في الاُولى وقاتل أهل بيتي في الثانية، فهو من شيعة الدجّال، إنّما مثل أهل بيتي في اُمّتي كمثل سفينة نوح في لجّة البحر، من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ألا هل بلّغت، ألا هل بلّغت، ألا هل بلّغت؟' قالها ثلاثاً. [المصدر السابق: 120].

حديث ابن عبّاس

1- في "غاية المرام" و "الإحقاق" عن "فرائد السمطين" لإبراهيم الحمويني من علماء العامّة، بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: 'يا عليّ، أنا مدينة الحكمة، وأنت بابُها، ولن تؤتى المدينة إلا من قِبل الباب، وكذب مَن زعم ا نّه يُحبّني ويُبغضك لأنّك منّي وأنا منك، لحمك لحمي، ودمك دمي، وروحكَ من روحي، وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، وأنتَ إمام اُمّتي وخليفتي عليها بعدي، سعد من أطاعك، وشقي من عصاكَ، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، فاز من لزمك، وهلكَ من فارقك، مثلُك ومثلُ الأئمّة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح، مَن ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم، كلّما غاب نجمٌ طلع نجمٌ إلى يوم القيامة'.

[غاية المرام: 238، باب32 من المقصد الأوّل، ح 7، و الإحقاق 149:4].

2- وأخرج أبو نعيم في "حلية الأولياء" بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق'.

[حلية الأولياء 306:4، ورواه بعينه ابن المغازلي في المناقب: 132، رقم 173، وص134 رقم 176، وروى نحوه الطبراني في المعجم الصغير: 135].

حديث أبي سعيد الخدري

1- أخرج الطبراني، وأبو بكر الهيثمي، والسيوطي، بالإسناد عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'إنّما مثل أهل فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، مَن دخله غفر له'.

[المعجم الصغير: 170، ومجمع الزوائد 168:9، وإحياء الميّت: 113].

2- وفي "غاية المرام" عن كتاب "النصوص على الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام"، بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: صلّى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صلاة الاُولى، ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا، فقال: 'معاشر أصحابي، إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني إسرائيل، فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمّة الراشدين من أهل بيتي، فإنّكم لن تضلّوا أبداً'، فقيل: يا رسول اللَّه، فكم الأئمّة بعدك؟ قال: 'اثنى عشر من أهل بيتي'.

[غاية المرام: 238، باب 33 من المقصد الأوّل، ح 1].

حديث سلمة بن الأكوع

روى ابن المغازلي، عن أياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح مَن ركبها نجا'.

[المناقب لابن المغازلي: 132، ح 174].

حديث عامر بن واثلة

في الاحقاق عن "الكنى والألقاب" عن عبدالكريم بن هلال الجعفي، أنّه سمع أسلم المكّي، قال: أخبرني أبو الطفيل عامر بن واثلة، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تركها غرق'. [الإحقاق 287:9].

لفظ السفينة في زيارة المعصومين

في زيارة الحسين عليه السلام في رجب: 'السلام عليكم يا سفن النجاة'.

وفي زيارة يوم العيدين خطاباً له عليه السلام: 'السلام عليك يا سفينة النجاة'.

وفي زيارة مولانا صاحب الزمان "عج": 'سفينة النجاة، وعلم الهدى'.

[راجع: مستدرك سفينة البحار 12:5].

في وجه تشبيههم بسفينة النجاة

فى الاحقاق عن أبي بكر الحضرمي الشافعي في "رشفة الصادي": قال العلماء: وجه تمثيله صلى الله عليه و آله لهم بسفينة نوح عليه السلام أنّ النجاة من هول الطوفان ثابتة لمن ركب تلك السفينة، وأنّ مَن تمسّك من الاُمّة بأهل بيته صلى الله عليه و آله وأخذ بهديهم - كما حثّ عليه صلى الله عليه و آله في الأحاديث السابقة - نجا من ظلمات المخالفات، واعتصم بأقوى سبب إلى ربّ البريّات، ومن تخلّف عن ذلك وأخذ غير مأخذهم، ولم يعرف حقّهم، غرق في بحار الطغيان، واستوجب الحلول في النيران، إذ من المعلوم ممّا سبق وما يأتي أنّ بعضهم منذر بحلولها، موجب لدخولها.

[رشفة الصادي: 80، نقلاً عن الإحقاق 271:9].

ولا شكّ في أنّ التمسّك بحبل اللَّه، أعني القرآن الكريم، وبساحة العترة الطاهرة المنصوبين من قِبل اللَّه تعالى هو النجاة من العذاب، والفوز بالجنّة، كما أنّ التخلّف عنهما أو عن أحدهما يوجب الضلال والإيقاع في النّار، فالتشبيه بسفينة نوح باعتبار نجاة من تمسّك بهم عن الضلال والعمى، كما يستفاد من بعض الأخبار، ومنها:

1- في "البحار": قال أمير المؤمنين عليه السلام: 'هؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطّة، وأنتم - يا معشر اُمّة محمّد - نصب لكم باب حطّة، أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله، واُمرتم باتّباع هداهم، ولزوم طريقتهم، ليغفر لكم بذلك خطاياكم وذنوبكم، وليزداد المحسنون منكم، وباب حطّتكم أفضل من باب حطّتهم؛ لأنّ ذلك كان بأخاشيب [أخاشيب: جمع خشب] ونحن الناطقون الصادقون المؤمنون الهادون الفاضلون، كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّ النجوم في السماء أمان من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون ما دام منهم من يتّبعون هديه وسنّته' الحديث.

[البحار 122:23].

2- وفي حديث طويل من التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام عن عليّ عليه السلام. قال: 'فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: اعلموا أنّ الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها خلقٌ كثير، وأنّ سفينة نجاتها آل محمّد، فمن ركب هذه السفينة نجا، ومن تخلّف عنها غرق'. ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'وكذلك الآخرة جنّتها ونارها كالبحر، وهؤلاء سفن اُمّتي، يعبرون بمحبّيهم وأوليائهم إلى الجنّة' الخبر.

[التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 432، والبحار 342:17].

وأشار إلى ذلك الإمام الشافعي بقوله:

ولما رأيتُ النّاس قد ذهبت بهم*** مذاهبهم في أبحر الغيِّ والجهل

ركبتُ على اسم اللَّه في سفنِ النجا*** وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكتُ حبلَ اللَّه وهو ولاؤهم*** كما قد اُمرنا بالتمسّك بالحبل

[رشفة الصادي: 23، نقلاً عن الغدير 301:2].

وممّا يؤيّد الحديث ما ورد في 'أنّهم أمان لأهل الأرض'

1- روى جماعة من علماء العامّة منهم الحاكم النيشابوري والحافظ السيوطي والمتّقي الهندي و ابن حجر الهيثمي وغيرهم، بالإسناد عن عطاء، وابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس'. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.

[مستدرك الحاكم 149:3، وإحياء الميّت: 114، ومنتخب كنز العمّال 93:5، والصواعق المحرقة: 232].

2- وروى الحاكم أيضاً بإسناده عن محمّد بن المنكدر عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله: أنّه خرج ذات ليلة وقد أخّر صلاة العشاء حتّى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة، والنّاس ينتظرون في المسجد، فقال: 'ما تنتظرون؟' فقالوا: ننتظر الصلاة. فقال: 'إنّكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها'.

ثمّ قال: 'أما إنّها صلاة لم يصلّها أحد ممّن كان قبلكم من الاُمم'، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فقال: 'النجوم أمان لأهل السماء، فإن طمست النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا قبضت أتى أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لاُمّتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى اُمّتي ما يوعدون'.

[مستدرك الحاكم 457:3].

3- وروى المتّقي الهندي و الحاكم النيسابوري بسندهما عن جابر رضى الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ' فقال: 'النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنتُ، فإذا ذهبتُ أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لاُمّتي فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون'.

[منتخب كنز العمّال المطبوع بهامش المسند 92:5، ومستدرك الحاكم 448:2، نقلاً عن الإحقاق 301:9].

 

قول رسول اللَّه: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها'

عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب'.

تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 466:2، ح 985،

والمناقب لابن المغازلي: 81

نظرة في الحديث

لقد وصل إلينا حديث: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها' متواتراً عن طريق الأئمّة المعصومين عليهم السلام والصحابة الكرام، في كتب العامّة

[مستدرك الحاكم 126:3، جامع الاُصول 473:9، ح 6489، اُسد الغابة 22:4، البداية والنهاية 372:7، ترجمة الإمام عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 464:2، ح 1002 - 991، تاريخ بغداد 49:11، الجامع الصغير 415:1، ح 2705، تاريخ الخلفاء: 135، كنز العمّال ج11، ح32890 و 32979 و ج13، ح36463، الصواعق المحرقة: 122، الباب 9، الرياض النضرة 159:3].

والخاصّة.

كما صرّح فقهاء العامّة بصحّة هذا الحديث سنداً ومتناً، ولا يوجد أدنى شكّ أو تردّد لدى فقهاء الإماميّة أيضاً كما سنشير إليه، وورد بلفظ: 'أنا دار الحكمة وعليّ بابها'.

[سنن الترمذي 637:5، ح 3732، مصابيح السنّة 174:4، ح 4772، الجامع الصغير 415:1، ح 2704، ترجمة الإمام عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 459:2، البداية والنهاية 372:7، الصواعق المحرقة: 122، الباب 9، حلية الأولياء 64:1، الرياض النضرة 159:3].

ومع وجود بعض الاختلاف في تعابير الحديث المنقولة إلينا إلا أنّ مضمونه واحد، وهو أنّ الرسول صلى الله عليه و آله مدينة العلم والحكمة، وعليّ بابها، فمن أراد أن ينهل من ذخائر وكنوز الوحي الإلهي والعلوم القرآنيّة والحقائق الإسلاميّة، فعليه أن يدخل من باب الحكمة "عليّ بن أبي طالب" والأئمّة المعصومين عليهم السلام إلى المدينة المتمثّلة بالرسول الأكرم صلى الله عليه و آله.

ومن أراد التعرّف على حقائق القرآن، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والعامّ والخاصّ، و...فعليه الاستفادة من علم عليّ عليه السلام، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه و آله: 'عليّ مع القرآن والقرآن معه'.

[وقد ذكرنا تفصيل الحديث في فصل "عليّ عليه السلام مع القرآن" فسيأتي بحثه في هذا المجلد].

ومن أراد التعرّف على أحكام الإسلام السياسيّة والعباديّة والاجتماعيّة والتربوية والقضائيّة وعلى كلّ حقائق الإسلام المحمّدي الأصيل يجب أن يستفيد من علم عليّ عليه السلام؛ إذ لا يوجد أيّ سبيل إلى العلوم الإلهية إلا عليّ عليه السلام، كما ورد في الحديث عن أبي عبداللَّه عليه السلام: 'الذكر محمّد صلى الله عليه و آله، ونحن أهل الذكر' بعد قوله تعالى: 'فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لَا تَعْلَمُونَ'

[راجع: اُصول الكافي 210:1، والآية من سورة النحل: 43، وسورة الأنبياء: 7].

أو قوله عليه السلام: 'إيّانا عنى، ونحن أهل الذِّكر، ونحن المسؤولون' بعد قوله تعالى: 'وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ'

[المصدر المتقدّم، والآية من سورة الزخرف: 44].

وعليّ عليه السلام يقول في وصف علمه: 'ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إليَّ الطير'.

[نهج البلاغة لفيض الإسلام: 37، الخطبة 3].

لقد كان ولا يزال علم عليّ عليه السلام عيناً تنبع بالفيض الإلهي وخزائن الحقائق السرمديّة في كلّ مكان وزمان، وحتّى في الفترة الّتي عاشها بعيداً عن السياسة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله والّتي شغل خلالها بالزراعة والعمل، فمع هذا كان الخلفاء الثلاثة يرجعون إلى عليّ عليه السلام في حلّ مشكلاتهم القضائيّة والعلميّة المختلفة رغم أنّهم يرغبون في عدم ظهوره عليه السلام في الساحة السياسية. لقد اضطرّ الخلفاء الثلاثة إلى الرجوع إلى عليّ عليه السلام في أغلب معضلاتهم القضائيّة والعلميّة والسياسيّة إلى الحدّ الّذي قالوا: 'لولا عليّ لهلك عمر، ولولا عليّ لهلك عثمان'، وقال الخليفة الثاني: 'لا أبقاني اللَّه لولا أبو الحسن'.

[ذكرنا شرحه وتخريجه في فصل "عليّ عليه السلام وقضاؤه في عهد عمر"، وكذا في فصل "عليّ عليه السلام ونماذج من سعة علمه"].

وبعد هذا العرض الموجز لبيان حديث 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها' تبيّن لنا بشكل واضح أنّه لا يمكن أن يحلّ شخص ما محلّ باب مدينة العلم عليه السلام في خلافة المسلمين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأن يكون وعليّ عليه السلام بعيداً عنها، لا يمكن ذلك عقلاً مطلقاً.

سند الحديث

نصّ غير واحد من أعلام العامّة بصحّة الحديث من حيث السند، وهناك جمعٌ يظهر منهم اختيارها، وكثير من اُولئك يرون حسنه، مصرّحين بفساد الغمز فيه، وبطلان القول بضعفه، وممّن صحّح هذا الحديث:

1 - الحافظ أبو زكريّا يحيى بن معين البغدادي نصّ على صحّته.

2 - أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، صحّحه في "تهذيب الآثار".

3 - أبو عبداللَّه الحاكم النيشابوري، صحّحه في "المستدرك".

4 - الحافظ الخطيب البغدادي، عدّه ممّن صحّحه المولوي حسن زمان في "القول المستحسن".

5 - مجد الدين الفيروزآبادي صحّحه في "النقد الصحيح".

6 - الحافظ جلال الدين السيوطي، صحّحه في "جمع الجوامع".

7 - السيّد محمّد البخاري، نصّ على صحّته في "تذكرة الأبرار".

8 - الحافظ أبو محمّد الحسن السمرقندي، صحّحه في "بحر الأسانيد".

9 - الأمير محمّد اليماني الصنعاني، صرّح بصحّته في "الروضة الندية".

"وممّن يظهر منه اختيار صحّته":

1 - أبو سالم محمّد بن طلحة القرشي.

2 - أبو المظفرّ يوسف بن قزاوغلي.

3 - الحافظ صلاح الدين العلاني.

4 - شمس الدين محمّد الجزري.

5 - شمس الدين محمّد السخاوي.

6 - فضل اللَّه بن روزبهان الشيرازي.

7 - المتّقي الهندي عليّ بن حسام الدين.

8 - ميرزا محمّد البدخشاني.

9 - ميرزا محمّد صدر العالم.

10 - ثناء اللَّه باتي بتي الهندي.

[الغدير 78:6].

الفاظ الحديث

روى جماعة من الأصحاب وحملة الآثار وأهل التفسير وذوي القلم من العامّة والخاصّة متواتراً عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها'، مع ألفاظ مختلفة نشير إلى بعضها:

ما روي عن عليّ:

1- عن ابن المغازلي الشافعي بسنده عن عليّ عليه السلام، قال: 'قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها'.

[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 82، ح122].

2- وفي "البحار" عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة الجنّة، وأنت بابها يا عليّ، وكذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها'.

[البحار 200:40].

3- وفيه أيضاً عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ، أنا مدينة العلم، وأنتَ الباب، كذب مَن زعم أنّه يصل إلى المدينة إلا من الباب'.

[المصدر المتقدّم: 206].

4- و عن ابن الجوزي بسنده عن عليّ عليه السلام، قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة الفقه وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب'.

[تذكرة الخواصّ: 52].

5- و عن ابن عساكر الشافعي بسنده عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مثلي ومثل عليّ مثل شجرة: أنا أصلها، وعليّ فرعها، والحسن والحسين ثمارها، والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطيّب إلا الطيّب؟! وأنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أرادها فليأت الباب'.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 478:2، ح998].

6- و عن ابن المغازلي الشافعي بسنده عن عليّ عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله، قال: 'أنا دار الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد الحكمة فليأتها'.

[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 87،ح129].

7- و روى الترمذي عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا دار الحكمة وعليّ بابها'.

[سنن الترمذي 596:5، ح3723].

ما روي عن الحسن بن عليّ

في "ينابيع المودّة": عن الأصبغ بن نباتة، عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام - في حديث -، قال: 'أيّها النّاس، سمعت جدّي صلى الله عليه و آله يقول: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وهل تدخل المدينة إلا من بابها'.

[ينابيع المودّة: 72].

ما روي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبداللَّه

1- وفي "أمالي الصدوق" بسنده عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسلام، عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري - في حديث - أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: 'معاشر النّاس، أنا دار الحكمة وعليّ مفتاحها، ولن يوصل إلى الدار إلا بالمفتاح، وكذب مَن زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّاً'.

[أمالي الصدوق - المجلس السادس والخمسون: ح 8].

2- وفيه أيضاً عن جابر، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة الحكمة - وهي الجنّة - وأنت يا عليّ بابها، فكيف يهتدي المهتدي إلى الجنّة، ولا يُهتدى إليها إلا من بابها؟!'.

[المصدر المتقدّم - المجلس الحادي والستّون: ح 11، والبحار 201:40].

3- وفي "البحار" عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبداللَّه عليه السلام - في حديث - أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: 'يا عليّ، أنا مدينة الحكمة وأنت بابها، فمن أتى المدينة من الباب وصل. يا عليّ، أنت بابي الّذي اُوتى منه، وأنا باب اللَّه، فمن أتاني من سواك لم يصل، ومن أتى اللَّه من سواي لم يصل'.

[البحار 203:40].

ما روي عن ابن عبّاس

1- عن ابن المغازلي عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد الحكمة فليأت الباب'.

[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 86، ح128، وفي البحار 207:40، نحوه].

2- و عن ابن عساكر الشافعي، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها'.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 466:2، ح985].

3- وعنه أيضاً: عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من قِبل بابها'.

[المصدر المتقدّم: 467، ح987].

4- وعنه أيضاً: عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت عليّاً'.

[المصدر المتقدّم: 470، ح989].

5- وعنه أيضاً: عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد الباب فليأت بابه'.

[المصدر المتقدّم: ح 991].

6- وفي البحار: عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: 'يا عليّ، أنا مدينة الحكمة وأنت بابها، ولا تؤتى المدينة إلا من قِبل الباب'.

[البحار 203:40].

ما روي عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري

1- روى ابن المغازلي الشافعي وابن عساكر الشافعي، بإسنادهما عن جابر بن عبداللَّه، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول يوم الحديبية وهو آخذ بضبع عليّ بن أبي طالب عليه السلام: 'هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور مَن نصره، مخذول مَن خذله'، ثمّ مدّ بها صوته، فقال: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب'.

[المناقب لابن المغازلي الشافعي: 84، ورواه ابن عساكر الشافعي في ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 476:2، وروى القندوزي نحوه في ينابيع المودّة: 720].

2- وفي "البحار" عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا خزانة العلم وعليّ مفتاحها، فمن أراد الخزانة فليأت المفتاح'.

[البحار 201:40].

ما روي عن أبي سعيد الخدري

عن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليقتبسه من عليّ'.

[المصدر المتقدّم: 203].

ما رواه العامّة عن رسول اللَّه بتعابير مختلفة

1- قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنا المدينة وأنت الباب، ولا تؤتى المدينة إلا من بابها'.

2- وقال: 'أنا دار العلم وعليّ بابها'.

3- وقال: 'فهو - أي عليّ عليه السلام - باب "مدينة" علمي'.

4- وقال: 'عليّ باب علمي، ومبيّن لاُمّتي ما اُرسلت به من بعدي'.

5- وقال: 'أنا ميزان الحكمة وعليّ لسانه'.

6- وقال: 'أنا ميزان العلم وعليّ كفّتاه'.

7- وقال: 'أنا دار الحكمة وعليّ بابها'.

8- وقال: 'أنت باب علمي'.

9- وقال: 'أنا مدينة الفقه وعليّ بابها'.

10- وقال صلى الله عليه و آله لاُمّ سلمه: 'يا اُمّ سلمة، اشهدي واسمعي هذا عليّ أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وعيبة علمي

[عن المناوي في "فيض القدير 356:4"، قال: 'عليّ عيبة علمي'، أي مظنّة استفصاحي وخاصّتي، وموضع سرّي، ومعدن نفائسي، والعيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه. قال ابن دريد: وهذا من كلامه صلى الله عليه و آله الموجز الّذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه باُموره الباطنة الّتي لا يطّلع عليها أحد غيره، وذلك غاية في مدح عليّ عليه السلام، وقد كانت ضمائر أعدائه منطوية على اعتقاد تعظيمه، وفي "شرح الهمزيّة" قال: إنّ معاوية كان يُرسل ليسأل عليّاً عليه السلام عن المشكلات فيجيبه، فقال أحد بنيه: تجيب عدوّك؟ قال: 'أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا' راجع الغدير 81:6].

وبابي الّذي اُوتى منه'.

[روى العلامة الأميني رحمه الله هذه الأحاديث في الغدير 80:6 من كتب العامّة].

انّ الكنجي الشافعي في "الكفاية" - بعد إخراج حديث: 'أنا مدينة العلم وعليّ بابها' بعدّة طرق - قال: هذا حديث حسن عال - إلى أن قال: - قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل عليّ عليه السلام وزيادة علمه وغزارته، وحدّة فهمه، ووفور حكمته، وحسن قضاياه، وصحّة فتواه، وقد كان أبو بكر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام، ويأخذون بقوله في النقض والإبرام، اعترافاً منهم بعلمه، ووفور فضله، ورجاحة عقله، وصحّة حكمه، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير؛ لأنّ رتبته عند اللَّه وعند رسوله وعند المؤمنين من عباده أجلّ وأعلى من ذلك.

[الكفاية: 223 - 220].

ما قيل من الشعر في هذا المقام

أنشأ ابن حمّاد:

هذا الإمام لكم بعدي يسدّدكم*** رشداً ويوسعكم علماً وآدابا

إنّي مدينة علم اللَّه وهو لها*** باب فمن رامها فليقصد البابا

[المناقب لابن شهرآشوب 35:2].

وأنشأ البشنوي:

فمدينة العلم الّتي هو بابها*** أضحى قسيم النّار يوم مآبه

فعدوُّه أشقى البريّة في لظى*** ووليّه المحبوب يوم حسابه

وله أيضاً:

مدينة العلم ما عن بابها عوض*** لطالب العلم إذ ذو العلم مسؤول

وأنشأ الحميري:

من كان باب مدينة العلم الّذي*** ذكر النزول وفسّر الأنباء

مثل عليّ في هذه الاُمّة كمثل عيسى في اُمّته

عن عليّ عليه السلام، قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه و آله: 'فيك مَثَل من عيسى أبغضته اليهود حتّى بهتوا اُمّه، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس له' الحديث.

فرائد السمطين 172:1، ح132.

نظرة في حديث التشبيه

كان الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ينوّه بفضائل عليّ عليه السلام تصريحاً أو تلميحاً، حقيقة أو مجازاً، ويلاحظ أنّه صلى الله عليه و آله كان حذراً في تشبيهه عليّاً عليه السلام بعيسى؛ لأنّه كان يعلم بأنّه لو صرّح بالقول على سبيل الحقيقة فسيكون ذلك مدعاةً للإفراط في شخصيّة الإمام عليه السلام من جهة محبّيه، ويكون مدعاة للحقد والكراهة من قِبل مبغضيه، وهذا ما يؤدّي بالفريقين إلى الضياع والارتداد عن الدين، ولهذا فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يمتنع في مناسبات عديدة عن بيان بعض الحقائق، وهذا الحديث الّذي نحن بصدده يعكس هذه الحقيقة:

عن الشعبي، قال: قال علقمة: تدري ما مثل عليّ في هذه الاُمّة؟ قلت: ما مثله؟ قال: مثله عيسى بن مريم، أحبّه قوم حتّى هلكوا في حبّه، وأبغضه قوم حتّى هلكوا في بغضه.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 254:2، رقم 768].

وقد لاحظنا جيّداً أنّه صلى الله عليه و آله لم يتعرّض لفضائل عليّ عليه السلام وكمالاته بشكل صريح ومفصّل؛ لأنّه يبعث على الغلوّ والإفراط، لذا اكتفى صلى الله عليه و آله بتشبيهه بعيسى عليه السلام على وجه الإجمال، ومع هذا فإنّه لم يرق للبعض، كما أدّى بالآخرين إلى الغلوّ والارتداد.

ما هو هدف الرسول من تشبيه عليّ بعيسى

كان لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله هدفان في تشبيه الإمام عليّ عليه السلام بعيسى بن مريم عليه السلام، واللَّه العالم.

الأوّل: أن يُبيّن للنّاس أنّ عليّاً عليه السلام كعيسى في فضائله ومناقبه، بحيث إنّ كلّ الخصال الّتي يتمثّل بها عيسى عليه السلام هي في عليّ عليه السلام أيضاً، إلا أنّه ليس بنبيّ، كما في حديث المنزلة: 'أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي'، وقد أراد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله أن يبيّن أنّ وصيّ النبيّ لا بدّ أن يكون حاملاً لهذه الصفات الّتي ذكرها، والّذي نقله أحمد بن حنبل في مسنده يؤيّد هذه الحقيقة.

فقد روى عن ربيعة بن ناجذ، عن عليّ عليه السلام، قال: 'قال لي النبيّ صلى الله عليه و آله: فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتّى بهتوا اُمّه، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس به'، ثمّ قال: 'يهلك فيَّ رجلان، محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيَّ، وبمغض يحمله شنآني على أن يبهتني'. ثمّ قال: 'ألا إنّي لست بنبيّ ولا يوحى إليَّ، ولكنّني أعمل بكتاب اللَّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة اللَّه فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم'.

[مسند أحمد بن حنبل 160:1، والإحقاق 285:7].

الثاني: أراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يفصح عن خبر غيبي، وهو أنّ النّاس كما افترقوا في عيسى ثلاث فِرق عن مبغض ومحبّ ومعتدل، فكذلك سيفترقون في عليّ عليه السلام.

والفِرق الثلاث الّتي افترقت في عيسى هي: 1 - الفرقة الناجية؛ لأنّهم من أصل الصلاح واعتبروا عيسى عليه السلام نبيّ اللَّه وعبده الصالح. 2 - طائفة اعتبرت عيسى عليه السلام ابن اللَّه، وهي من طوائف الضلال. 3 - الطائفة أشارت بالتهمة إلى اُمّه "سلام اللَّه عليها"، وهم الفرقة المفرطة في الضلالة.

والّذي أراده الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله هو أن يبيّن للنّاس ويعلمهم بهذه الحقيقة ليرسم لهم الطريق الصحيح وصفات وصيّه المقبولة واللائقة، وكذا يُبيّن موقفه منه، فهو عليه السلام عبد صالح يتعامل على أساس الحقّ والعدل، ويجعل اللَّه جلّ وعلا نصب عينيه، وليس كما وصفه المفرّطون بأنّه ربّ، ولا كما وقف المبغضون منه موقفهم المشهور حيث وجّهوا السبّ واللعن والشتائم إلى أمير المؤمنين عليه السلام حقداً وكراهية حتّى وصلت التُّهَم الّتي أكالوها إليه إلى وصفه بتارك الصلاة.

وبهذا التشبيه القصير أشار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى الحقيقة الناصعة الّتي أراد أن يقولها كاشفاً الستار عنها بكلّ وضوح، و نشير فيما يلي إلى بعض الروايات الّتي جاءت في هذا الموضوع:

نبذة من الأخبار الواردة في هذا المجال

1- روى الجويني عن ربيعة بن ناجذ، عن عليّ عليه السلام، قال: 'قال لي النبيّ صلى الله عليه و آله: فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتّى بهتوا اُمّه، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس له، يهلك فيَّ رجلان: محبّ مفرطٌ يُقرّظني بما ليس فيَّ، ومُبغض يحمله شنآني على أن يبهتني'.

[فرائد السمطين 172:1، ح 132].

رواه أيضاً عن أبي البختري مثله، إلا أنّه قال: 'يهلك فيَّ رجلان: محبٌّ مفرط، وعدوٌّ مُبغض'.

[المصدر المتقدّم: 173، ح 133].

2- و روى ابن عساكر الشافعي، عن ربيعة بن ناجذ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: 'دعاني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: إنّ فيك من عيسى مثلاً، أبغضته اليهود حتّى بهتوا اُمّه، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الّذي ليس به، ألا وإنّه يهلك فيَّ اثنان: محبّ مطري يُقرّظني بما ليس فيَّ، ومُبغضّ يَحمله شنآني على أن يبهتني ألا وإنّي لست بنبيٍّ، ولا يوحى إليَّ، ولكنّي أعمل بكتاب اللَّه وسنّة نبيّه ما استطعتُ، فما أمرتكم من طاعة اللَّه فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم'.

[تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 234:2، ح739].

3- و عنه أيضاً: عن ربيعة بن ناجذ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام نحوه مع زيادة فيه و قال: 'دعاني النبيّ صلى الله عليه و آله فقال لي: إنّ فيك من عيسى مثلاً، أبغضته اليهود حتّى بهتوا اُمّه، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه المنزلة الّتي ليست له'، فقال عليّ عليه السلام: 'ألا وإنّه يهلك فيَّ رجلان: محبّ مطري يطريني بما ليس فيَّ، وباهت مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني بما ليس فيَّ، ألا وإنّي لستُ بنبيٍّ يوحى إليَّ، ولكنّي أعمل بكتاب اللَّه مهما استطعتُ وأطقت، فما أمرتُ به من طاعة اللَّه فحقّ عليكم طاعتي، وما أمرت به من معصية اللَّه أنا وغيري، فلا طاعة في معصية اللَّه، الطاعة في معروف، الطاعة في معروف'.

[المصدر المتقدّم: 236، ح 742].

4- و عن الخطيب الخوارزمي: بسنده عن الأصبغ، عن عليّ عليه السلام، قال: 'قال النبيّ صلى الله عليه و آله: يا عليّ، إنّ فيك مثل عيسى بن مريم، أحبّه قوم فهلكوا فيه، وأبغضه قوم فهلكوا فيه'. فقال المنافقون: أما يرضى له مثلاً إلا مثل عيسى، فنزل قوله تعالى: 'وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ'.

[المناقب للخوارزمي: 233، والآية 47 من سورة الزخرف].

5- و عنه ايضاً بسنده عن اذينه عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليّ بن الحسين عن أبيه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ مثلك في امتيّ مثل المسيح عيسى بن مريم، افترق قومه ثلاث فِرق: فِرقة مؤمنون و هم الحواريون، و فرقة عادوه و هم اليهود، و فرقة غلوا فيه فخرجوا عن الايمان و انّ امّتي ستفترق فيك ثلاث فِرق، فرقةٌ شيعتك و هم المؤمنون، و فِرقةٌ اعداؤك و هم الناكثون، و فِرقة غلوا فيك و هم الجاحدون السابقون؛ فانت يا عليّ و شيعتك في الجنّة و محبوّ شيعتك في الجنة و عدُّوك و الغالي فيك في النّار'.

[المناقب للخوارزمي: 319 - 317].

6- ما رواه امرتسري الحنفي: بسنده عن عليّ عليه السلام، قال: 'قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم فتحت خيبر: لولا أن تقول فيك من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت اليوم فيك مقالاً، لا تمرّ على ملأ من المسلمين إلا أخذوا تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون به، ولكن نصيبك أن تكون منّي وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي، أنت تؤدّي ديني، وتقاتل على سنّتي، وأنت في الآخرة أقرب النّاس منّي، وإنّك غداً على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين، وأنت أوّل مَن يرد علَيّ الحوض، وأنت أوّلُ من دخل الجنّة من اُمّتي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وسرّك سرّي، وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك سريرة صدري' - الحديث.

[أرجح المطالب: 448، نقلاً عن الإحقاق 295:7].

7- و روى الكليني بسنده عن أبي بصير، قال: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذات يوم جالساً إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رسول اللَّه: 'إنّ فيك شبهاً من عيسى بن مريم، ولولا أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمرّ بملأ من النّاس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة'.

[روضة الكافي: 48، ح 18].

8- عن عليّ بن إبراهيم القمّي بسنده عن سلمان الفارسي، قال: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جالس في أصحابه إذ قال: 'إنّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم'، فخرج بعض من كان جالساً مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليكون هو الداخل، فدخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال الرجل لبعض أصحابه: أما يرضى محمّد أن فضّل عليّاً علينا حتّى يشبّهه بعيسى بن مريم، واللَّه لآلهتنا الّتي كنّا نعبدها في الجاهلية أفضل منه، فأنزل اللَّه في ذلك المجلس: 'وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ'.

[سورة الزخرف: 57].

- إلى أن قال: - ثمّ ذكر اللَّه تعالى خطر أمير المؤمنين عليه السلام وعظم شأنه عنده تعالى، فقال: 'هَذَا صِرَاطٌ مُّستَقِيمٌ'

[سورة الزخرف: 64].

يعني أمير المؤمنين، وقوله: 'فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ' - الحديث.

[تفسير القمّي 285:2، والآية من سورة الزخرف: 43].

9- روى المجلسي عن "تفسير فرات بن إبراهيم": بسنده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليه السلام، قال: 'قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ، إنّ فيك مثلاً من عيسى بن مريم عليه السلام، قال اللَّه تعالى: 'وَإِن مِن أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً'.

[سورة النساء: 159].

يا عليّ، إنّه لا يموت رجلٌ يفتري على عيسى بن مريم عليه السلام حتّى يؤمن به قبل موته، ويقول فيه الحقّ حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وإنّك على مثله، لا يموت عدوّك حتّى يراك عند الموت فتكون عليه غيظاً وحزناً حتّى يقرّ بالحقّ من أمرك، ويقول فيك الحقّ، ويقرّ بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وأمّا وليّك فإنّه يراك عند الموت فتكون له شفيعاً ومبشّراً وقرّة عين'.

[البحار 194:6].

10- و عنه أيضاً عن "مسند الموصلي": قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: 'فيك مثل من عيسى بن مريم، أبغضته اليهود حتّى بهتوا اُمّه، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليست له'.

[المصدر المتقدّم 74:39].

قال المفجع:

وله من مراتب الروح عيسى*** رتب زادت الوصيّ مزيّا

مثل ما ضلّ في ابن مريم ضربا*** من المسرفين جهلاً وغيّا

[المصدر المتقدّم، والمناقب لابن شهرآشوب 260:3].

عليّ و شبه صفاته بصفات الأنبياء

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'من أراد أن ينظر إلى علم آدم، وفقه نوح "في فهمه"... فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

المناقب لابن المغازلي الشافعي: 212 ح 256

و المناقب للخوارزمي: 83 ح 70

نظرة في أحاديث التشبيه

شبّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً بالأنبياء في موارد ومناسبات متعدّدة، وأمام جمع من الصحابة، والتعبير الّذي تداوله صلى الله عليه و آله في هذا المجال هو: 'من أراد أن ينظر إلى... فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

وبالجملة فإنّه صلى الله عليه و آله شبّهه بآدم في علمه، وبنوح في فهمه وحكمته، وبإبراهيم في خلّته وعلمه، وبموسى في بطشه ومناجاته، وبعيسى في عبادته ونسكه، وبأيّوب في صبره، وبيوسف في جماله، وبداود في قوّته، وبه صلى الله عليه و آله في هداه وحلمه.

قال المحبّ الطبري: تشبيه عليّ عليه السلام بخمسة من الأنبياء، كما عن أبي الحمراء، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

[ذخائر العقبى: 193، عبقات الأنوار - الجزء الثاني 88:6، وراجع: المناقب لابن المغازلي: 212، ح 256، وسيلة المتعبّدين - القسم الثاني 168:5، نحوه، فرائد السمطين 170:1، ح 131، ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ دمشق 280: 2، ح 811، شواهد التنزيل 78:1، ح 116 و 117، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 44:1، ح 23 من الفصل الرابع، المناقب للخوارزمي: 40، وغيرها].

قال صاحب "العبقات" ما ملخّصه: فقد شبّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام بهؤلاء الخمسة الرسل في اكتسابه عليه السلام للخصال الشريفة من خصالهم: فمن آدم أبي البشر العلم، فإنّ اللَّه تعالى خصّه بأنّه علّمه الأسماء كلّها، ثمّ أبان فضله بذلك، ونوّه بعلمه حيث عرض على الملائكة أسماء المسمّيات، وطلب منهم إنباءه بأسمائها فعجزوا، وطلب من آدم إنباءهم فأنبأهم عليه السلام بها، فهذه فضيلة من أشرف فضائل آدم الّتي شرّف بها بين الملأ الأعلى.

وشبّهه بنوح عليه السلام في فهمه؛ لأنّه أمره اللَّه تعالى بصنعة الفلك، وفيها من دقائق الإحكام والإتقان ما لا تحصره الأقلام ولا تدركه الأفهام، وكانت لم تعرف ولا اهتدى إليها فكر قبل ذلك، وكان فيها من الاتقان والبيوت الّتي في جوفها له ولمن معه، والأنعام والوحوش والسباع، واختلافها طولاً وعرضاً كجؤجؤ طائر، وقد جعل اللَّه الحمل فيها من آياته، حيث قال: 'وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ'

[سورة يس: 41].

وعدّ الامتنان بها في الذِّكر في عدّة من الآيات، فالمراد فهمه لما أفهمه من صنعتها، ولذلك جعل صنعتها مقيّدة بأعيينا في قوله: 'وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا'.

[سورة هود: 37].

وقوله صلى الله عليه و آله في حديث التشبيه: 'في حكمه' أي في حكمه الناشئ عن حكمه وقوّته وصحّته. ويحتمل أن يكون المراد فهمه العام في صنعة الفلك وغيره ممّا فهمه عن اللَّه تعالى ؤمره.

وشبّهه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بابراهيم الخليل في حلمه، وهو من أشرف الصفات، ولذلك قيل: ما نعت اللَّه الأنبياء بأقلّ ما نعتهم بالحلم، وذلك لعزّة وجوده، ولقد نعت اللَّه به إبراهيم عليه السلام بقوله: 'إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ'

[سورة التوبة: 114].

وقوله: 'إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ'.

[سورة هود: 75].

ومن حلمه عليه السلام الّذي تخفّ عنه رواسي الجبال، امتثاله لأمر اللَّه تعالى بذبح ولده عليهماالسلام وإضجاعه وكتفه له، وإمرار المدية على حلقه لولا منع اللَّه لها أن تقطع، فلهذا وصفه اللَّه ووصف ولده بالحلم.

وشبّهه صلى الله عليه و آله بيحيى بن زكريّا عليه السلام في زهده؛ إذ يحيى عليه السلام هو عَلَمُ الزهادة في أبناءِ آدم مَن تأخّر منهم ومن تقدّم، وقد ملئت الكتب باليسير من صفات زهده.

وشبّهه صلى الله عليه و آله بموسى كليم اللَّه في بطشه، وكان موسى عليه السلام شديد البطش، ويكفيك أنّه عليه السلام وكز القبطي فقضى عليه، وأراد البطش بالآخر، وهو في بلد فرعون وتحت يده، وكان بنو إسرائيل أرقّاء في يد فرعون، وكان القبط أهل الصولة والشوكة والدولة.

وشبّهه صلى الله عليه و آله في الحديث الآخر بيوسف في جماله، ويوسف في جماله شمس لا يزيدها الوصف إلا خفاء، فهي أظهر من أن تظهر، وكان عليّ عليه السلام فيه حسن وجمال.

[عبقات الأنوار - الجزء السادس 89:6].

أنشأ ابن مكّي:

فإن يكن آدم من قبل الورى*** نبيّ وفي جنّة عدن داره

فإنّ مولاي عليّ ذو العلى*** من قبله ساطعة أنواره

تاب على آدم من ذنوبه*** بخمسة وهو بهم أجاره

وإن يكن نوح بنى سفينة*** تنجيه من سيل طمى تيّاره

[طمى الماء: علا. والتيّار - مشدّدة -: موج البحر].

فإنّ مولاي عليّ ذو العلى*** سفينة يُنجي بها أنصاره

وإن يكن موسى رعى مجتهداً*** عشراً إلى أن شفه انتظاره

وسار بعد ضرّه بأهله*** حتّى علت بالواديين ناره

فإنّ مولاي عليّ ذو العلى*** زوّجه واختاره مَن يختاره

وإن يكن عيسى له فضيلة*** تدهش من أدهشه انبهاره

من حملته اُمّه ما سجدت*** للات بل شغلها استغفاره

[المناقب لابن شهرآشوب 265:3].

ما المراد من أحاديث التشبيه؟

المراد بالتشبيه هو التمثيل العيني الحقيقي، فمثل قولنا: من أراد أن ينظر إلى أفضل رجل في البلد فلينظر إلى فلان، معناه أنّه عين أفضل رجل في البلد. والعينيّة في أحاديث التشبيه - مارّة الذِّكر - غير ممكنة؛ لأنّ عليّاً عليه السلام ليس آدم أو نوحاً أو عيسى أو... عليهم السلام، فيكون المراد من التشبيه أقرب معانيه إلى العينيّة وهو المساواة، فمعنى أحاديث التشبيه هو: إذا أردت أن ترى عِلم آدم عليه السلام فانظر إلى عِلم عليّ عليه السلام، أي أنّه عليه السلام المساوي والمماثل الحقيقي لآدم في العِلم، والعلوم الّتي كانت متاحة لآدم عليه السلام هي حاصلة لعليّ عليه السلام، وهكذا في فهم نوح وعبادة عيسى و... إلى آخره.

والنقطة الاُخرى الّتي نستشفّها من هذه الأحاديث الشريفة أنّه عليه السلام حاز على أكمل كلّ واحدة من هذه الأوصاف؛ لأنّ علم الرسل أكمل العلوم، وحلمهم أكمل الحلم، وفهمهم أتمّ فهم، وزهادتهم أبلغ زهادة، وبطشهم أقوى البطش، فيكفيك من رجل كمّله اللَّه بهذه الصفات، وأخبر نبيّه أنّه حازها، وشابه أكمل من اتّصف بها، وأنّ من أراد أن ينظر من كان متّصفاً بها من اُولئك الرسل الأعلون ويشاهده كأنّه حيّ، نظر إلى هذا المتّصف بها.

[عبقات الأنوار - الجزء الثاني 91:6].

ما الهدف من أحاديث التشبيه؟

لمّا كنّا لم نستطع إدراك أسرار الوحي الإلهي ولا رموزه العلميّة، فإنّنا لم نستطع الإحاطة بهدف الرسول الأكرم من بيان أحايث التشبيه، والّذي نقوله في هذا المجال لا يعدو كونه قطرة في البحر أو ذرّة في الوجود، ومثلُ فكري القاصر تجاه علوم أهل البيت عليهم السلام - وباعتباري لم أزل طالباً متواضعاً لعلومهم - أجد من الصعب الغوص في مثل هذه الموضوعات، فما أقوله هو مجرّد حدس واحتمال وتخمين لا أكثر، فلعلّ الهدف المستوصى من أحاديث التشبيه هو ما يلي:

1 - أنّ عليّاً عليه السلام يمتلك كلّ صفات الأنبياء المُثلى، بل إنّه جمع من كلّ نبيّ صفة الكمال الّتي خصّه اللَّه تعالى بها، ولا شكّ أنّ من يجمع صفات الأنبياء عليهم السلام الكماليّة، لا بدّ أن يكون أتمّ وأكمل وأفضل منهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله؛ لأنّ ثمّة علاقة بين أوصاف الأنبياء وبيّن أفضليّتهم على البشر. وإذا كان الرسول صلى الله عليه و آله قد ذكر خصلة أو خصلتين أو أكثر كما ورد في الأحاديث، فإنّه قد ذكر ذلك من باب التمثيل والنموذج، وإلا فإنّ عليّاً عليه السلام كان متّصفاً بصفات الأنبياء كلّهم.

[في الكافي "322:1": عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: 'إنّ في عليّ عليه السلام سنّة ألف نبيّ من الأنبياء، وإنّ العلم الّذي نزل مع آدم عليه السلام لم يرفع، وما مات عالم فذهب علمه، والعلم يتوارث'].

2 - مراد الرسول صلى الله عليه و آله من هذا التشبيه تعيين الخليفة والإمام من بعده، وإنّه عليه السلام يملك الأهليّة لولاية السملمين بما يحمله من صفات الفضيلة.

قال ابن تيميّة في "منهاج السنّة": إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أفضل الخلق، وكلّ من كان به أشبه فهو أفضل ممّن لم يكن كذلك، والخلافة كانت خلافة نبوّة لم تكن ملكاً، فمن خلف النبيّ صلى الله عليه و آله وقام مقام النبيّ صلى الله عليه و آله كان أشبه بالنبيّ صلى الله عليه و آله، ومن كان أشبه بالنبيّ صلى الله عليه و آله كان أفضل، فمن يخلفه أشبه به عن غيره، والأشبه به أفضل، فالذي يخلفه أفضل.

أقول: يظهر من صدر كلامه: 'من كان أشبه برسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان أفضل الخلق، وكانت لمن كان أشبه برسول اللَّه صلى الله عليه و آله'، فلا شكّ بمقتضى أخبار التشبيه أنّ عليّاً عليه السلام هو أشبه برسول اللَّه صلى الله عليه و آله من غيره، فعليّ عليه السلام هو أليق بمقام الخلافة والوصاية لا غيره، والحمد للَّه على ثبوت المطلوب والمرام على مثل هذا الناصبي المخالف.

أمّا استدلاله بالشبهيّة للخلفاء الثلاثة بقوله: 'فمن خلف النبيّ وقام مقامه صلى الله عليه و آله كان أشبه بالنبيّ" إلى آخره، فهو واضح البطلان؛ إذ ليس خلافة الخلفاء الثلاثة منصوصة من قِبل اللَّه ولا رسوله بإقرارهم، بل كانت خلافة أحدهم بآراء جمع من النّاس في المدينة لا بالنصب، والثاني بنصب الخليفة الأوّل لا بنصب اللَّه ولا رسوله، ونصب الثالث بأكثر الشورى الّتي عيّنها الثاني، فلا يكشف أفضليّتهم عن غيرهم ولا أشبهيّتهم برسول اللَّه صلى الله عليه و آله، نعم من نصبه اللَّه ورسوله للخلافة بالنصّ الصريح، كما ذكرنا في فصول مختلفة، هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

ويستفاد من هذه الأخبار أيضاً أنّه عليه السلام هو الأشبه برسول اللَّه لا غيره، فعليّ عليه السلام لائق بالخلافة لا غيره، ولو كان غيره تقمّص مقام الخلافة لا يكون هو الأشبه برسول اللَّه، وهو واضح، فاستدلاله بأفضليّة الخلفاء الثلاث في غير محلّه.

[اقتباس من عبقات الأنوار - الجزء الثاني 97:6].

نبذة من الأخبار

الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة جدّاً بلغت حدّ التواتر، ذكرها آية اللَّه ميرسيّد حامد حسين الهندي في كتابه المسمّى ب "عبقات الأنوار"، ونحن نذكر نماذج ممّا ذكره ومن سائر الكتب رعاية للاختصار.

رواية الحسين بن عليّ

روى الصدوق بسنده عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، قال: 'نظر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذات يوم إلى عليّ عليه السلام، وقد أقبل وحوله جماعة من أصحابه، فقال: من أراد أن ينظر إلى يوسف في جماله، وإلى إبراهيم في سخائه، وإلى سليمان في بهجته، وإلى داود في قوّته، فلينظر إلى هذا'.

[أمالي الصدوق - المجلس الرابع والتسعون: ح 11، والبحار 35:39].

رواية أبي ذرّ الغفاري

روى المجلسي عن "الروضة": عن أبي ذرّ الغفاري، قال: بينما ذات يوم من الأيّام بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؛ إذ قام وركع وسجد شكراً للَّه تعالى، ثمّ قال: 'يا جُندب، من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سياحته

[ساح سياحة: ذهب في الأرض للعبادة والترهّب].

وإلى أيّوب في صبره وبلائه، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل الّذي هو كالشمس والقمر الساري والكوكب الدرّيّ، أشجع النّاس قلباً، وأسخى النّاس كفّاً، فعلى مبغضه لعنة اللَّه والملائكة والنّاس أجمعين'. قال: فالتفت النّاس ينظرونَ مَن هذا المقبل، فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام. [البحار 38:39].

رواية ابن عبّاس

1- وفي "وسيلة المتعبّدين" للملا الأردبيلي: عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

[عبقات الأنوار - الجزء الأوّل 323:6].

2- وعن ابن عبّاس أيضاً قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام'.

[عبقات الانوار، جزء 2 من مجلد 6 ص 88؛ المناقب لابن شهرآشوب 264 - 263 :3].

روايات اُخر عن ابن عبّاس، وأبي هريرة، وابن مسعود، وأنس وغيرهم

1- عن أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني بطريق صحيح، بسنده عن أبي هريرة، وابن بطّة في "الإبانة" بإسناده عن ابن عبّاس، كلاهما عن النبيّ صلى الله عليه و آله، قال: 'من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سمته

[كذا في المصدر و لعله 'في سنّته'].

للَّه، وإلى محمّد في تمامه وكماله وجماله فلينظر إلى هذا الرجل المقبل'. قال: فتطاول النّاس أعناقهم، فإذا بعليّ كأنّما ينقلب في صبب وينحلّ عن جبل. وتابعهما أنس، إلا أنّه قال: 'وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى يحيى في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

[المصدر المتقدّم: 76، ورواه العلامة المجلسي في البحار 35:39، عن "إكمال الدين" بإسناده عن ابن عبّاس].

2- وفي "البحار" عن "أمالي الشيخ" عن عبداللَّه بن مسعود، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جالساً في جماعة من أصحابه إذ أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

[البحار 35:39].

3- وفي العبقات عن "زين الفتى في شرح سورة هل أتى" لأحمد بن محمّد العاصي: بسنده عن أنس، قال: كنّا في بعض حجرات مكّة نتذاكر عليّاً عليه السلام، فدخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: 'أيّها النّاس، من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في شدّته، وإلى عيسى في زهادته، وإلى محمّد وبهائه، وإلى جبرئيل وأمانته، وإلى الكوكب الدرّيّ والشمس الضحى والقمر المضي ء، فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل'، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

[عبقات الأنوار - الجزء الأوّل 113:6].

4- و فيه أيضاً عن "الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء" للوصّابي اليمني الشافعي: عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح فى فهمه، وإلى إبراهيم في خلقه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

[المصدر المتقدّم: 417].

5- و فيه أيضاً عن "فضائل الصحابة": عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام'.

[المصدر المتقدّم: 435].

6- فيه أيضاً عن كتاب "السنّة" لابن شاهين: عن أبي سعيد الخدري، قال: كنّا حول النبيّ صلى الله عليه و آله فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأدام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله النظر إليه، ثمّ قال: 'من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى هذا'، يعني عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

[المصدر المتقدّم: 130].

7- و فيه أيضاً عن "معجم الاُدباء" لأبي عبداللَّه ياقوت الحموي البغدادي: بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو في محفل من أصحابه: 'إن تنظروا إلى آدم في علمه، ونوح في همّه

[كذا في المصدر و الصحيح 'في فهمه'].

وإبراهيم في خُلقه، وموسى في مناجاته، وعيسى في سنّته، ومحمّد في هديه وحلمه، فانظروا إلى هذا المقبل'، فتطاول النّاس فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

[المصدر المتقدّم: 16].

8- و عن الجويني و غيره عن أبي الحمراء، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

[فرائد السمطين 170:1، ح 131، والبحار 39:39، وعبقات الأنوار - الجزء الأوّل 313:6، وفي ص421 و 429 عن الأربعين لجمال الدين المحدّث].

9- وفي "الخصائص العلويّة" لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم النطنزي: عن أبي الحمراء مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: كنّا حول النبيّ صلى الله عليه و آله فطلع عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'مَن سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في خلّته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب'.

[المصدر المتقدّم: 268، وفي ص276 رواه عن المناقب للخوارزمي، و الأحقاق 392:4].

10- و روى الاربلي و غيره عن الحارث الأعور، صاحب راية عليّ عليه السلام، قال: بلغنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان في جمع من أصحابه فقال: 'اُريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته'؟ فلم يكن بأسرع من أن طلع عليّ عليه السلام فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه، أقستَ رجلاً بثلاثةمن الرُّسل، بخٍ بخٍ لهذا الرجل، من هو، يا رسول اللَّه؟! قال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'ألا تعرفه، يا أبا بكر؟'. قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: 'أبو الحسن عليّ بن أبي طالب'. قال أبو بكر: بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن.

[كشف الغمّة - باب ترجمة المناقب 153:1، والبحار 39:39، و رواه في العبقات الجزء الأوّل 333:6].

عليّ مع القرآن والقرآن معه

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض'.

ينابيع المودّة: 90 و كشف الغمّة - باب المناقب 199:1.

نظرة في الحديث

من الفضائل الخاصّة بعليّ عليه السلام قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيه: 'عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[مستدرك الحاكم 124:3، كنز العمّال 603:11].

لقد كان عليّ عليه السلام منذ بداية نزول الوحي إلى جنب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولم يفارقه في حالة إلا موارد بإذنه مثل ليلة المبيت، وغزوة تبوك، والبعث إلى اليمن، وكان ما زال حامياً وناصراً لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وحتّى لحظة وفاة رسول اللَّه كان رأسه صلى الله عليه و آله في حجره عليه السلام، فعلّمه ألف باب من العلم، ينفتح له من كلّ باب ألف باب، وكان طبيعيّاً أنّه أعلم النّاس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بخصوصيّات الوحي من ساعات النزول ودقائقه، ومن أنّه نزل في الليل أو النهار، في السهل أو الجبل، في الحضر أو السفر، وعلى من، ولمن نزل، ويعلم ناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه، وظاهره ومتشابهه، وهو يعلم إعرابه وترتيب نزوله... خصوصاً أنّه صلى الله عليه و آله وصّاه بجمع القرآن حتّى لا يضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة.

وأيضاً فقد أملاه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على عليّ عليه السلام وهو يكتبه، ودعا اللَّه تعالى له عليه السلام أن يعلّمه فهمه وحفظه، واستجاب اللَّه دعاءه صلى الله عليه و آله فصار عليه السلام حافظاً للقرآن، وعالماً بمفاهيمه.

وأدلّ دليل وشاهد على ذلك حديث الثقلين قوله صلى الله عليه و آله: 'إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي'، فإنّ عليّاً عليه السلام جعل في هذا الحديث عدل القرآن.

[ذكرناه في فصل "عليّ عليه السلام وحديث الثقلين"، فلاحظه].

ومع كلّ هذا هل يصلح أحد للإمامة والخلافة وإقامة أحكام القرآن والوحي بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وتفسيره غير عليّ عليه السلام؟

وعليّ هو الركن الركين للإسلام كما أنّ القرآن كذلك، وهو العارف بظاهر القرآن وباطنه، لذا ورد في "الكافي": بسنده، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: 'ما يستطيع أحدٌ أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه، ظاهره وباطنه، غير الأوصياء'. [اُصول الكافي 228:1].

و الاوصياء، عليّ عليه السلام أوّلهم و المهدي من هذه الامّة آخرهم، فروى الكليني قدس سره بسنده و عن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: 'قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ'؟ [سورة الرعد: 43].

قال: 'إيّانا عنى، وعليّ أوّلنا، وأفضلنا، وخيرنا بعد النبيّ صلى الله عليه و آله'. [اُصول الكافي 229:1].

نبذة من الأخبار في الباب

1- روى العلامة الأربلي عن ثابت مولى أبي ذرّ، قال: شهدت مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمل، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني من الشكّ بعض ما يدخل النّاس، فلمّا زالت الشمس كشف اللَّه ذلك عنّي، فقاتلت مع أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ أتيت بعد ذلك اُمّ سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله فقصصت عليها قصّتي، فقالت: كيف صنعت حيث طارت القلوب مطائرها؟ قال: قلت: إلى أحسن ذلك، والحمد للَّه كشف اللَّه ذلك عنّي عند زوال الشمس، فقاتلت مع أمير المؤمنين عليه السلام قتالاً شديداً. قالت: أحسنتَ، سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض'.

[كشف الغمّة - باب المناقب 535:1. وروى نحوه القندوزي في "ينابيع المودّة" ص60، وكذا الحاكم في المستدرك 124:3، وأخطب خوارزم في المناقب: 107].

2- و رواه أيضاً عن شهر بن حوشب، قال: كنت عند اُمّ سلمة فسلّم رجلٌ. فقيل: مَن أنت؟ قال: أنا أبو ثابت مولى أبي ذرّ، قالت: مرحباً بأبي ثابت ادخل، فدخل، فرحّبت به وقالت: أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال: مع عليّ بن أبي طالب، قالت: وُفّقت والّذي نفس اُمّ سلمة بيده، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض'، ولقد بعثت ابني عمرو وابن أخي عبداللَّه بن أبي اُميّة، وأمرتهما أن يقاتلا مع عليّ من قاتله، ولولا أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمرنا أن نقرّ في حجالنا

[الحجلة: واحدة حجال العروس، وهي بيت يزيّن للعروس].وفي بيوتنا لخرجت حتّى أقف في صفّ عليّ عليه السلام. [المصدر المتقدّم 199:1].

3- وروى أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي في رواية: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في مرض موته: 'أيّها النّاس، يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا أنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي'. ثمّ أخذ بيد عليّ عليه السلام فرفعهما، فقال: 'هذا عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض، فاسألوهما ما خلّفت فيهما'.

[الصواعق المحرقة: 75، نقلاً عن الفضائل الخمسة من الصحاح الستّة 126:2، ورواه الامرتسري الحنفي في أرجح المطالب: 340 وص598 عن اُمّ سلمة، نقلاً عن الإحقاق 645:5].