نبذة من قضائه في حياة رسول اللَّه

قضاؤه عليه السلام في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتّى مع حضوره، من أدلّ الشواهد على أنّ عليّاً عليه السلام مؤيّداً من عند اللَّه وأنّه يليق بإمامة الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله، بل أنّه أليق من جميع الصحابة بالخلافة والإمامة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

وقد روى محبّ الدين الطبري والقندوزي الحنفي والأمر تستري عن حميد بن عبداللَّه بن يزيد، قال: ذكر عند النبيّ صلى الله عليه و آله قضاء قضى به عليّ بن أبي طالب، فأعجب النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: 'الحمد للَّه الّذي جعل فينا الحكمة أهل البيت'. [ ذخائر العقبى: 85، ينابيع المودّة: 75، أرجح المطالب: 328].

وقد ذكر لقضائه عليه السلام في عهد رسول اللَّه موارد كثيرة نذكر بعضها:

قضاؤه بين رسول اللَّه والأعرابي المدّعي طلب ثمن ناقة

في "أمالي الصدوق": بسنده عن علقمة، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام، قال: جاء أعرابي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فادّعى عليه سبعين درهماً ثمن ناقة، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: 'يا أعرابي، ألم تستوفِ منّي ذلك؟'، فقال: لا، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'إنّي قد أوفيتك'. قال الأعرابي: قد رضيت برجل يحكم بيني وبينك، فقام النبيّ صلى الله عليه و آله معه فتحاكما إلى رجل من قريش، فقال الرجل للأعرابي: ما تدّعي على رسول اللَّه؟ قال: سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول اللَّه؟ فقال صلى الله عليه و آله: 'قد أوفيته'.

فقال القرشي: قد أقررت له - يا رسول اللَّه - بحقّه، فإمّا أن تقيم شاهدين يشهدان بأنّك قد أوفيته، وإمّا أن توفيه السبعين الّتي يدّعيها عليك.

فقام النبيّ صلى الله عليه و آله مغضباً يجرّ رداءه، وقال: 'واللَّه لأقصدنّ من يحكم بيننا بحكم اللَّه تعالى ذكره'، فتحاكم معه إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال للأعرابي: 'ما تدّعي على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟'، قال: سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه. قال: 'ما تقول، يا رسول اللَّه؟'، قال: 'قد أوفيته'، قال: 'يا أعرابي، إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول قد أوفيتك فهل صدق؟'، فقال: لا ما أوفاني، فأخرج أمير المؤمنين عليه السلام سيفه من غمده وضرب عنق الأعرابي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'لِمَ قتلت الأعرابي؟'، قال: 'لأنّه كذّبك يا رسول اللَّه، ومَن كذّبك فقد حلّ دمه ووجب قتله'. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'يا عليّ، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً، ما أخطأت حكم اللَّه تبارك وتعالى فيه، فلا تعد إلى مثلها'. [ أمالي الصدوق - المجلس الثاني والعشرون: ح 2].

أقول: و ان كان حكم من كذب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حلّ دمه، ولكن قابل للعفو و الاغماض و لذا قال صلى الله عليه و آله: 'فلا تعد الى مثلها' و اللَّه العالم.

امره رسول اللَّه بالقضاء في بهيمة قتلت بهيمة اُخرى

روى جمع من العامّة، منهم العلامة القندوزي وأبو الفوارس بسندهما عن مصعب بن سلام التميمي، ومن طرق الخاصّة بسندهم عن الصادق عليه السلام وغيره أنّه قال: 'ثور قتل حماراً على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله فرفع ذلك إليه، وهو في اُناس من أصحابه، منهم: أبوبكر، وعمر، وعثمان'، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'يا أبا بكر، اقضِ بينهما'، فقال: يا رسول اللَّه، بهيمة قتلت بهيمة ما عليها من شيء . فقال النبيّ صلى الله عليه و آله لعمر: 'يا عمر، اقض بينهما'، فقال كقول أبي بكر صاحبه. فالتفت النبيّ صلى الله عليه و آله إلى عليّ عليه السلام وقال له: 'يا عليّ، اقضِ بينهما'. فقال: 'حُبّاً وكرامة، إن كان الثور دخل على الحمار فقتله في مستراحه ضمن أصحاب الثور دية الحمار، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان على صاحب الثور'، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يده إلى السماء وقال: الحمد للَّه الّذي مَنّ على العباد بمن يقضي قضاء النبيّين'. [ الأربعين لأبي الفوارس: 13، وينابيع المودّة: 76، وراجع: الفصول المهمّة: 34، والإرشاد للمفيد 197:1، والمناقب لابن شهرآشوب 254:2، والبحار 246:40].

اعجاب النبيّ بقضاء عليّ

في "المناقب": عن أبي داود وابن ماجة في "سننهما"، وابن بطّة في "الإبانة"، وأحمد في "فضائل الصحابة"، وأبو بكر ابن مردويه في كتابه بطرق كثيرة: عن زيد بن أرقم أنّه قيل للنبيّ صلى الله عليه و آله: أتى إلى عليّ باليمن ثلاثة نفر يختصمون في ولدهم، كلّهم يزعم أنّه وقع على اُمّه في طهر واحد ذلك في الجاهليّة؟ فقال عليّ عليه السلام: 'إنّهم شركاء متشاكسون'، فقرع على الغلام باسمهم، فخرج لأحدهم فألحق الغلام به، وألزمه ثلثي الدية لصاحبيه، وزجرهما عن مثل ذلك، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: 'الحمد للَّه الّذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود'. [ المناقب لابن شهرآشوب 353:2].

 

قضاء في اليمن وقول الرسول فيه: 'الحكم حكمه'

في "أمالي الصدوق": بسنده عن جبير، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليّاً إلى اليمن، فانفلت [ انفلت: تخلّص وفرّ].

فرس لرجل من أهل اليمن، فنفح [ ونفحت الدابة الرجل: ضربته بعد حافرها].

رجلاً برجله فقتله، وأخذه أولياؤه ليقتلوه، فرفعوه إلى عليّ عليه السلام فأقام صاحب | الفرس| البيّنة أنّ الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله، فأبطل عليّ عليه السلام دم الرجل. فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبيّ صلى الله عليه و آله يشكون عليّاً عليه السلام فيما حكم عليهم، فقالوا: إنّ عليّاً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إنّ عليّاً ليس بظلام، ولم يخلق عليّ للظلم، وأنّ الولاية من بعدي لعليّ، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يردّ حكمه وقوله وولايته إلا كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن'.

فلمّا سمع اليمانيّون قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في عليّ عليه السلام قالوا: يا رسول اللَّه، رضينا بقول عليّ وحكمه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'هو توبتكم ممّا قلتم'. [ أمالي الصدوق - المجلس الخامس والخمسون: ح 7، والبحار 102:38 و316:40].

قضاؤه في عهد أبي بكر

اعلم أنّ قضاءه عليه السلام في عهد أبي بكر على ما وصل إلينا قليل، ولعلّ هذا من جهة قلّة سنين حكومة أبي بكر أو لقلّة وقوع النزاع في عهده، أو لأمر آخر، واللَّه العالم، وعلى أي حال نشير إلى ثلاثة موارد منها:

1- روى الخاصّة والعامّة: أنّ أبا بكر أراد أن يقيم الحدّ على رجل يشرب الخمر، فقال الرجل: إنّي شربتها ولا علم لي بتحريمها، فارتجّ عليه، فأرسل إلى عليّ عليه السلام يسأله عن ذلك. فقال: 'مُرْ ثقتين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار، ويُنشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم، أو أخبره بذلك عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدّ عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخلّ سبيله'، وكان الرجل صادقاً في مقاله، فخلّى سبيله. [ مناقب ابن شهرآشوب 356:2، الإرشاد 199:1].

2- وروى الشيخ الطوسي عن ابن بكير، ومحمّد بن يعقوب الكليني، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: 'شرب رجل على عهد أبي بكر خمراً، فرفع إلى أبي بكر، فقال له: أشربت خمراً؟ قال: نعم، ولِمَ، وهي محرّمة؟ قال: فقال له الرجل: إنّي أسلمت وحسن إسلامي، ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلّون، ولو علمت أنّها حرام اجتنبتها. فالتفت أبو بكر إلى عمر، قال: فقال: ما تقول في أمر هذا الرجل؟ قال عمر: معضلة وليس لها إلا أبو الحسن، فقال أبو بكر: ادع لنا عليّاً. فقال عمر: يؤتى الحَكَم في بيته، فقاما والرجل معهما ومن حضرهما من النّاس حتّى أتوا أمير المؤمنين عليه السلام، فأخبراه بقصّة الرجل، وقصّ الرجل قصّته، فقال عليه السلام: [ وكانت أوّل قضيّة قضى بها أمير المؤمنين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله].

'ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار، مَن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه'، ففعلوا ذلك، فلم يشهد عليه أحد قرأ عليه آية التحريم، فخلّى عنه، وقال له: 'إن شربت بعدها أقمنا عليك الحدّ'. [ التهذيب 94:10، ووسائل الشيعة 475:18].

وزاد في الكافي: ففعل أبو بكر بالرجل ما قال عليّ عليه السلام، فلم يشهد عليه أحد، فخلّى سبيله. فقال سلمان لعليّ عليه السلام: لقد أرشدتهم. فقال عليّ عليه السلام: 'إنّما أردت أن اُجدّد تأكيد هذه الآية فيّ وفيهم: 'أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لَا يَهِدِّي إِلا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ'. [ سورة يونس: 35].

3- وفي "المناقب": سأل رسول ملك الروم أبا بكر عن رجل لا يرجو الجنّة ولا يخاف النّار، ولا يخاف اللَّه، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لا يرى، ويحبّ الفتنة ويبغض الحقّ، فلم يجبه. فقال عمر: ازددت كفراً إلى كفرك. فأخبر بذلك عليّ عليه السلام فقال: 'هذا رجل من أولياء اللَّه لا يرجو الجنّة، ولا يخاف النّار، ولكن يخاف اللَّه، ولا يخاف اللَّه من ظلمه وإنّما يخاف من عدله، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة، ويأكل الجراد والسمك، ويأكل الكبد، ويحبّ المال والولد 'أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ' [ سورة الأنفال: 28. سورة المنافقون: 15].

ويشهد بالجنّة والنّار وهو لم يرهما، ويكره الموت وهو حقّ' الحديث. [ المناقب لابن شهرآشوب 358:2، والبحار 223:40].

 

قضاؤه في عهد عمر بن الخطّاب

أمّا قضاياه عليه السلام في عهد خلافة عمر بن الخطّاب فكثيرة جدّاً، حيث كان عمر بن الخطّاب يرجع إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام عندما يصعب عليه القضاء على مدى حكومته، وكثيراً ما نراه بعد كشف المعضلة يصرّح بقوله: لولا عليّ لهلك عمر، ولولا عليّ لافتضحنا.

قال ابن عساكر الشافعي في تأريخه: عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر بن الخطّاب: أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو الحسن عليّ بن أبي طالب. [ تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 93:3، ح 1071 و 1070، ورواه ابن عبدالبرّ في الاستيعاب بهامش الإصابة 39:3].

وروى عن أبي سعيد الخدري أنّه سمع عمر يقول لعليّ، وقد سأله عن شيء فأجابه، فقال له عمر: نعوذ باللَّه من أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن. [ تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 93:3، ح 1071 و 1070].

قال الشيخ المحمودي في تحقيقه لترجمة عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق: قد أخلّ المصنّف الحافظ بذكر موارد مراجعات عمر إلى عليّ عليه السلام عندما كان ينسدّ عليه الطريق في المعضلات فيكشفها له عليّ عليه السلام فيعرضه فرح يخرجه عن الحالة الطبيعيّة فيرفع صوته ويقول: لولا عليّ لافتضحنا! لا أبقاني بعدك يا أبا الحسن! يابن أبي طالب ما زلت كاشف كلّ كربة، اللّهمّ لا تنزلنّ بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي! لولا عليّ لهلك عمر،وموارد مراجعاته إلى عليّ عليه السلام لحلّ ما صعب كثيرة جدّاً بحيث لو جمعت تصير بنفسها رسالة مستقلّة.

ثمّ قال في موضع آخر: من أقواله - بعد حلّ عقدته ببيان باب مدينة علم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ووصيّه - قوله: لولا عليّ لهلك عمر، وهذا القول كان أكثر جرياناً على لسانه حتّى ضبط عنه في سبعين مورداً مع شدّة الامتناع عن رواية مثله وغاية الاهتمام على إخفائه! [ هامش تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 41:3، بتحقيق العلامة المحمودي].

نبذة من مراجعات عمر لعليّ في القضاء

موارد مراجعاته إلى عليّ عليه السلام لحلّ ما صعب عليه كثيرة، وفيما يلي نذكر نماذج من المواضع الّتي رفع عقيرته فيها بمدح عليّ عليه السلام:

قضاؤه في تفريق الشهود

روى الصدوق عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: اُتي عمر بن الخطّاب بجارية فشهد عليها شهود أنّها بغت [ بغت: زنت].

وكان من قصّتها أنّها كانت يتيمة عند رجل، وكان للرجل امرأة، وكان الرجل كثيراً ما يغيب عن أهله، فشبّت اليتيمة وكانت جميلة، فتخوّفت المرأة أن يتزوّجها زوجها إذا رجع إلى منزله، فدعت بنسوة من جيرانها فأمسكنها ثمّ افتضّتها [ افتضّتها: رفعت بكارتها].

باصبعها، فلمّا قدم زوجها سأل امرأته عن اليتيمة، فرمتها بالفاحشة وأقامت البيّنة من جيرانها على ذلك. قال: فرفع ذلك إلى عمر بن الخطّاب فلم يدرِ كيف يقضي في ذلك، فقال للرجل: اذهب بها إلى عليّ بن أبي طالب، فأتوا عليّاً عليه السلام وقصّوا عليه القصّة، فقال عليه السلام لامرأة الرجل: 'ألك بيّنة؟'، قالت: نعم، هؤلاء جيراني يشهدن عليها بما أقول، فأخرج عليّ عليه السلام السيف من غمده وطرحه بين يديه، ثمّ أمر بكلّ واحدة من الشهود، فاُدخلت بيتاً، ثمّ دعا بامرأة الرجل فأدارها بكلّ وجه فأبت أن تزول عن قولها، فردّها إلى البيت الّذي كانت فيه، ثمّ دعا بإحدى الشهود وجثا على ركبتيه، وقال لها: أتعرفيني، أنا عليّ بن أبي طالب، وهذا سيفي، وقد قالت امرأة الرجل ما قالت، ورجعت إلى الحقّ، وأعطيتها الأمان [ أي في الذهاب إلى محلّها السابق ونحوه، أو الأمان من القتل لكونها غير مستحقّة للقتل، أو غير ذلك].

فاصدقيني وإلا ملأت سيفي منك'، فالتفت المرأة إلى عليّ عليه السلام فقالت: يا أمير المؤمنين، الأمان على الصدق، فقال لها عليّ عليه السلام: 'فاصدقي'، فقالت: لا واللَّه! ما زنت اليتيمة، ولكنّ امرأة الرجل لمّا رأت حُسنها وجمالها وهيئتها خافت فساد زوجها، فسقتها المسكر، ودعتنا فأمسكناها فاقتضّتها باصبعها.

فقال عليّ عليه السلام: 'اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أنا أوّل من فرّق بين الشهود إلا دانيال'، ثمّ حدّ المرأة حدّ القاذف [ حدّ القاذف ثمانون جلدة].

وألزمها ومن ساعدها على افتضاض اليتيمة المهر لها أربعمائة درهم، وفرّق بين المرأة وزوجها [ فرّق بينها وبين زوجها بالطلاق].

وزوّجه اليتيمة، وساق عنه المهر إليها من ماله. فقال عمر بن الخطّاب: فحدّثنا يا أبا الحسن بحديث دانيال النبيّ عليه السلام، فقال: 'انّ دانيال...' و نقل حديث دانيال نحو هذا الحديث. [ من لا يحضره الفقيه 20:3، ح 3251، ورواه الكليني عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللَّه عليه السلام مع تفاوت في بعض ألفاظه في الكافي 425:7].

في امرأة معتوهة زنت

روى محبّ الدين الطبري و أحمد بن حنبل و غيرهما بالاسناد عن أبي ظبيان الحبشي: أنّ عمر بن الخطّاب اُتي بامرأة قد زنت، فأمر برجمها، فذهبوا ليرجموها فرآهم عليّ في الطريق، فقال: 'ما شأن هذه'، فأخبروه فخلّى سبيلها، ثمّ جاء إلى عمر، فقال له عمر: لِمَ رددتها؟

فقال: 'لأنّها معتوهة [ معتوهة: مجنونة].

آل فلان، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتّى يستيقظ، والصبيّ حتّى يحتلم، والمجنون حتّى يفيق'. فقال عمر: لولا عليّ لهلك عمر. [ راجع: ذخائر العقبى للطبري: 81، والرياض النضرة 164:3، وفضائل أحمد بن حنبل، وروى العلامة الهندي في كنز العمّال 451:5، ح 13584، عن ابن عبّاس، نحوه].

 

في امرأة زنت مع غلام صغير

في "المناقب" عن الرضا عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة محصنة فجر بها غلام صغير، فأمر عمر أن ترجم، فقال عليّ عليه السلام: 'لا يجب الرجم، إنّما يجب الحدّ؛ لأنّ الّذي فجر بها ليس بمدرك'. [ المناقب لابن شهرآشوب 360:2؛ بحار الأنوار 226:40].

في رجل زنى وهو غائب عن أهله

و فيه أيضاً: أمر عمر برجل يمنيّ محصن فجر بالمدينة أن يرجم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 'لا يجب عليه الرجم؛ لأنّه غائب عن أهله، وأهله في بلد آخر، إنّما يجب عليه الحدّ'، فقال عمر: لا أبقاني اللَّه لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن. [ المناقب لابن شهرآشوب 360:2؛ بحار الأنوار 226:40].

 

في امرأة تعترف بالزنى خوفاً

روى الجويني في "فرائد السمطين"، والخوارزمي في "مناقبه" و غيرهما بالاسناد: عن زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: لمّا كان في ولاية عمر، اُتي بامرأة حامل، سألها عمر عن ذلك، فاعترفت بالفجور، فأمر عمر أن ترجم، فلقيها عليّ بن أبي طالب، فقال: 'ما بال هذه المرأة؟'، فقالوا: أمر بها عمر أن ترجم، فردّها عليّ عليه السلام فقال له: 'أمرت بها أن ترجم؟'، فقال: نعم، اعترفت عندي بالفجور. فقال: 'هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟'، ثمّ قال له عليّ: 'فلعلّك انتهرتها أو أخفتها؟'، فقال عمر: قد كان ذلك. قال عليّ عليه السلام: 'أوَما سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: لا حدّ على معترف بعد بلاء، إنّه من قيّدت أو حبست أو تهدّدت فلا إقرار له'، فخلّى عمر سبيلها ثمّ قال: عجزت النساء أن يَلدْنَ مثل عليّ بن أبي طالب، لولا عليّ لهلك عمر. [ فرائد السمطين 350:1، ح 276، والمناقب للخوارزمي: 39، وفي الغدير 110:6 نقله بعينه عن "الرياض النضرة" و "ذخائر العقبى" و"مطالب السؤل" و"الأربعين" للفخر الرازي].

في امرأة زنت وهي حبلى

روى الحافظ محبّ الدين الطبري في "الرياض النضرة"، وفي "ذخائر العقبى"، والكنجي في "الكفاية": دخل عليّ على عمر وإذا امرأة حبلى تقاد ترجم، فقال: 'ما شأن هذه'، قالت: يذهبون بي ليرجموني، فقال: 'يا أمير المؤمنين، لأيّ شيء ترجم؟ إن كان لك سلطان عليها فما لك سلطان على ما في بطنها'، فقال عمر: كلّ أحد أفقه منّي - ثلاث مرّات - فضمنها عليّ عليه السلام حتّى وضعت غلاماً، ثمّ ذهب بها إليها فرجمها. [ الرياض النضرة 163:3، وذخائر العقبى: 81، والكفاية: 105].

 

في امرأة على شاب من الأنصار

في كتاب 'الغدير' عن ابن القيم الجوزية في "الطرق الحكميّة" بسنده: اُتي عمر بن الخطّاب بامرأة قد تعلّقت بشابّ من الأنصار وكانت تهواه، فلمّا لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبّت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثمّ جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له: إنّ ببدنها وثوبها أثر المنيّ، فهمّ بعقوبة الشاب، فجعل يستغيث ويقول: يا أمير الموامنين، تثبّت في أمري، فواللَّه ما أتيت فاحشة، وما هممت بها، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت.

فقال عمر: يا أبا الحسن، ما ترى في أمرهما؟ فنظر عليّ إلى ما على الثوب، ثمّ دعا بماء حارّ شديد الغليان، فصبّ على الثوب فجمد ذلك البياض، ثمّ أخذه واشتمّه وذاقه، فعرف طعم البيض، وزجر المرأة، فاعترفت. [ الغدير 126:6].

في امرأة زنت وهي مضطرّة

و فيه عن ابن القيم الجوزيّة في "الطرق الحكميّة" بسنده: أنّ عمر بن الخطّاب اُتي بامرأة زنت فأقرّت فأمر برجمها، فقال عليّ عليه السلام: 'لعلّ بها عذراً'، ثمّ قال لها: 'ما حملك على الزنا'، فقالت: كان لي خليط وفي إبله ماء ولبن، ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن، فظمئت فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتّى اُعطيه نفسي، فأبيت عليه ثلاثاً، فلمّا ظمئت وظننت أنّ نفسي ستخرج، أعطيته الّذي أراد، فسقاني. فقال عليّ: 'اللَّه أكبر، فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه، إنّ اللَّه غفورٌ رحيم'. [ الغدير 120:6، ورواه في كنز العمّال 457:5، ح 13596].

وفي "تهذيب الشيخ" روى هذه القضيّة لامرأة كانت في فلاة من الأرض فأصابها العطش، الحديث. [ التهذيب للشيخ الطوسي رحمه الله 49:10، ح 186].

وفي "كنز العمّال" عن اُمّ كلثوم ابنة أبي بكر قالت: انّ عمر بن الخطّاب كان يعسّ [ يعسّ: يطوف بالليل يحرس النّاس ويكشف أهل الريبة].

بالمدينه ذات ليلة، فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة، فلمّا أصبح، قال للنّاس: أرأيتم أنّ إماماً رأى رجلاً وامرأة على فاحشة، فأقام عليهما الحدّ ما كنتم فاعلين؟ قالوا: إنّما أنت إمام، فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: ليس ذلك لك، إذن يقام عليك الحدّ، إنّ اللَّه لم يأمن على هذا الأمر أقلّ من أربعة شهداء، ثمّ تركهم ما شاء اللَّه أن يترُكَهم، ثمّ سألهم، فقال القومُ مثل مقالتهم الاُولى، وقال عليّ عليه السلام: مثل مقالته. [ كنز العمّال 457:5، ح 13597].

 

في قضاؤه في خمسة نفر في قصّة واحدة وأحكام خمسة

روى الشيخ الطوسي رحمه الله، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن الفرات، عن الأصبغ بن نباتة، قال: اُتي عمر بخمسة نفر اُخذوا في الزنى، فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدّ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام حاضراً، فقال: 'يا عمر، ليس هذا حكمهم؟'.

قال عمر: فأقم أنت الحدّ عليهم، فقدّم عليه السلام واحداً منهم فضرب عنقه، وقدّم الآخر فرجمه، وقدّم الثالث فضربه الحدّ، وقدّم الرابع فضربه نصف الحدّ، وقدّم الخامس فعزّره، فتحيّر عمر، وتعجّب النّاس من فعله، فقال عمر: يا أبا الحسن، خمسة نفر في قصّة واحدة، أقمت عليهم خمسة حدود، ليس شيء منها يشبه الآخر؟!

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 'أمّا الأوّل فكان ذمّياً فخرج عن ذمّته فلم يكن له حدّ إلا السيف. وأمّا الثاني: فرجل محصن كان حدّه الرجم، وأمّا الثالث: فغير محصن حدّه الجلد. وأمّا الرابع: فعبد ضربناه نصف الحدّ، وأمّا الخامس: مجنون مغلوب على عقله'. [ التهذيب للشيخ الطوسي رحمه الله 50:10، ح 188].

في جاريتين تنازعتا في ابن وبنت

روى ابن شهر آشوب عن جابر الجعفي، عن تميم بن خزام الأسدي: أنّه دفع إلى عمر منازعة جاريتين تنازعتا في ابن وبنت، فقال: أين أبو الحسن مفرّج الكرب؟ فدعي له به، فقصّ عليه القصّة، فدعا بقارورتين فوزنهما، ثمّ أمر كلّ واحدة فحلبت في قاروة ووزن القارورتين، فرجحت إحداهما على الاُخرى، فقال: 'الابن للتي لبنها أرجح، والبنت للتي لبنها أخفّ'. فقال عمر: من أين قلت ذلك يا أبا الحسن؟ فقال عليه السلام: 'لأنّ اللَّه جعل للذكر مثل حظّ الاُنثيين'.

قال ابن شهرآشوب في ذيله: وقد جعلت الأطباء ذلك أساساً في الاستدلال على الذكر والاُنثى. [ المناقب لابن شهرآشوب 367:2، في البحار 317:40، نحوه لكن ذكر من قضاياه في خلافته].

 

في رجل أقطع اليد والرجل وقد سرق

في 'الغدير' عن المغنى ابن قدامة و البيهقي في سننه والمتّقي الهندي في كنزالعمّال عن عبدالرحمن بن عائذ، قال: اُتي عمر بن الخطّاب برجل أقطع اليد والرجل قد سرق، فأمر به عمر أن تقطع رجله. فقال عليّ عليه السلام: 'إنّما قال اللَّه عزّ وجلّ: 'إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِن خِلَافٍ' [ سورة المائدة: 33].

فقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها "والسارق ليس أسوء حالاً من المرتدّ" إمّا أن تعزّره، وإمّا أن تستودعه السجن'، فاستودعه عمر السجن. [ الغدير 136:6].

وفي صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'قضى أمير المؤمنين عليه السلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه، وإذا سرق مرّة اُخرى قطعت رجله اليسرى، ثمّ إذا سرق مرّة اُخرى سجنته، وتركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط، ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها، وقال: إنّي لأستحيي من اللَّه أن أتركه لا ينتفع بشي ء، ولكنّي أسجنه حتّى يموت في السجن، وقال: ما قطع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من سارق بعد يده ورجله'. [ فروع الكافي 223:7، ووسائل الشيعة 492:18].

في رجل أسود وامرأة سوداء وولدهما أحمر

في 'الغدير' عن ابن القيم الجوزيّة في "الطرق الحكميّة" بسنده: أنّه اُتي عمر بن الخطّاب برجل أسود ومعه امرأة سوداء، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أغرس غرساً أسود وهذه سوداء على ما ترى، فقد أتتني بولد أحمر؟ فقالت المرأة: واللَّه - يا أمير المؤمنين - ما خنته، وإنّه لولده، فبقي عمر لا يدري ما يقول: فسأل عن ذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال للأسود: 'إن سألتك عن شيء أتصدّقني؟'، قال: أجل، واللَّه، قال: 'هل واقعت امرأتك وهي حائض؟'، قال: قد كان ذلك. قال عليّ عليه السلام: 'اللَّه أكبر، إنّ النطفة إذا خلطت بالدم فخلق اللَّه عزّ وجلّ منها خلقاً كان أحمراً، فلا تنكر ولدك، فأنت جنيت على نفسك'. [ الغدير 120:6، وفي البحار 229:40، روى الحديث ملخّصاً].

 

في أمانة رجلين عند امرأة

و في 'الغدير' عن ابن الجوزي في كتاب "الأذكياء" وكتاب "أخبار الظراف"، ومحبّ الدين الطبري في "الرياض النضرة"، وسبط ابن الجوزي في "التذكرة" والخوارزمي في "المناقب": عن حنش بن المعتمر، قال: إنّ رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار، وقالا: لا تدفعيهما إلى أحد منّا دون صاحبه حتّى نجتمع، فلبثا حولاً، ثمّ جاء أحدهما إليهما، وقال: إنّ صاحبى قد مات فادفعي إليَّ الدنانير، فأبت، فثقل عليها بأهلها، فلم يزالوا بها حتّى دفعتها إليه، ثمّ لبثت حولاً آخر فجاء الآخر فقال: ادفعي إليَّ الدنانير، فقالت: إنّ صاحبك جاءني، وزعم أنّك قد مُتَّ فدفعتها إليه، فاختصما إلى عمر، فأراد أن يقضي عليها، وقال لها: ما أراك إلا ضامنة، فقالت: اُنشدك اللَّه، أن تقضي بيننا وارفعنا إلى عليّ بن أبي طالب، فرفعها إلى عليّ عليه السلام وعرف انّهما قد مكرا بها، فقال: 'أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟'، قال: بلى، قال: 'فإنّ مالك عندنا، اذهب فجي ء بصاحبك حتّى ندفعها إليكما'، فبلغ ذلك عمر، فقال: لا أبقاني اللَّه بعد ابن أبي طالب. [ الغدير 126:6، والرياض النضرة 165:3، وذخائر العقبى: 80، والتذكرة: 148، ومناقب الخوارزمي: 53].

في إنكار امرأة ولدها الّذي ولدت

عن عاصم بن ضمرة، قال: إنّ غلاماً وامرأة أتيا عمر، فقال الغلام: هذه واللَّه اُمّي حملتني في بطنها تسعاً، وأرضعتني حولين كاملين، فانتفت منّي وطردتني، وزعمت أنّها لا تعرفني، فأتوا بها مع أربعة اخوة لها وأربعين قسامة يشهدون لها أنّ هذا الغلام مدّع ظلوم يريد أن يفضحها في عشيرتها، وأنّها بخاتم ربّها لم يتزوّج بها أحد، فأمر عمر بإقامة الحدّ عليه، فرأى عليّاً عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، احكم بيني وبين اُمّي، فجلس عليه السلام موضع النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: 'لك وليّ؟'، قالت: نعم، هؤلاء الأربعة اخوتي، فقال: 'حكمي عليكم جائز وعلى اُختكم؟'، قالوا: نعم، قال: 'اُشهد اللَّه واُشهد من حضر أنّي زوّجت هذه الامرأة من هذا الغلام بأربعمائة درهم والنقد من مالي. يا قنبر، علَيَّ بالدراهم'، فأتاه بها، فقال: خذها فصبّها في حجر امرأتك وخذ بيدها إلى المنزل، فصاحت المرأة: الأمان يابن عمّ رسول اللَّه، هذا واللَّه ولدي، زوّجني اخوتي هجيناً [ الهجين: اللئيم].

فولدت منه هذا، فلمّا بلغ وترعرع أنفوا وأمروني أن انتفي منه، وخفت منهم، فأخذت بيد الغلام فانطلقت به، فنادى عمر: لولا عليّ لهلك عمر. [ المناقب لابن شهرآشوب 361:2].

 

في امرأتين تتنازعان طفلاً

روى جماعة منهم إسماعيل بن صالح، عن الحسن: أنّ امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادّعته كلّ واحدة منهما ولداً لها بغير بيّنة، فغمّ عليه وفزع على فيه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوّفهما، فأقامتا على التنازع، فقال عليه السلام: 'ائتوني بمنشار'. فقالتا: ما تصنع به؟ قال: 'أقدّه بنصفين، لكلّ واحدة منكما نصفه'، فسكتت إحداهما، وقالت الاُخرى: اللَّه اللَّه - يا أبا الحسن - إن كان لا بدّ من ذلك فقد سمحت له بها. فقال: 'اللَّه أكبر، هذا ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقّت عليه وأشفقت'، فاعترفت الاُخرى بأنّ الولد لها دونها. [ المصدر المتقدّم: 367].

في إلحاق الولد بالرجل رغم ولادته لستّة أشهر

روى الجويني في "فرائده"، والعلامة الهندي في "كنز العمّال": بسندهما عن أبي الأسود الدؤلي: أنّ عمر اُتي بامرأة وضعت لستّة أشهر فهمّ برجمها، فبلغ ذلك عليّاً، فقال: 'ليس عليها رجم'، فبلغ ذلك عمر، فأرسل إليه يسأله، فقال عليّ عليه السلام: 'وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ' [ سورة البقرة: 233].

وقال عزّ وجلّ: 'وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً' [ سورة الأحقاف: 15].

فستّة أشهر حمله، وحولين [ كذا، والصواب: 'حولان'].

تمام الرضاع، لا حدّ عليها'. قال: فخلّى عنها، ثمّ ولدت بعد ذلك نساء لستّة أشهر. [ فرائد السمطين 346:1، ح 269، كنز العمّال 457:5، ح 13598؛ البحار 252:40؛ الإرشاد206: 1].

وزاد في "المناقب" فقال عمر: لولا عليّ لهلك عمر، وخلّى سبيلها وألحق الولد بالرجل. [ المناقب لابن شهرآشوب 365:2].

 

في قصّة قدامة بن مظعون وإجراء الحدّ عليه

ما ذكره المفيد في "الإرشاد"، وابن شهرآشوب في "المناقب"، قالا: روى العامّة والخاصّة أنّ قدامة بن مظعون قد شرب الخمر، فأراد عمر أن يحدّه، فقال له قدامة: أنّه لا يجب علَيَّ الحدّ؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول: 'لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ' [ سورة المائدة: 93].

فدرأ عمر عنه الحدّ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فمشى إلى عمر فقال له: 'لِمَ تركت إقامة الحدّ على قُدامة في شرب الخمر؟'، فقال عمر: إنّه تلا علَيَّ الآية، وتلاها عمر. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: 'ليس قدامة من أهل هذه الآية، ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم اللَّه تعالى، إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلّون حراماً، فاردد قدامة واستتبه ممّا قال، فإن تاب فأقم عليه الحدّ، وإن لم يتب فاقتله، فقد خرج عن الملّة'، فاستيقظ عمر لذلك، وعرف قُدامة الخبر، فأظهر التوبة والإقلاع، فدرأ عمر عنه القتل، ولم يدر كيف يحدّه، فقال لأمير المؤمنين عليه السلام: 'أشر علَيَّ في حدّه'. فقال: 'حدّه ثمانين، إنّ شارب الخمر إذا شربها سكر، وإذا سكر هَذَى، وإذا هَذَى افترى'، فجلده عمر ثمانين. [ الإرشاد 202:1، وروى في المناقب 366:2، نحوه].

صورة اُخرى في قصّة قدامة

وروى ثقة الاسلام الكليني قصّة قدامة بن مظعون بمضمون آخر عن الحسين بن زيد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، قال: 'اُتي عمر بن الخطّاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر، فشهد عليه رجلان: أحدهما خصيّ وهو عمرو بن التميمي، والآخر المعلّى بن الجارود، فشهد أحدهما أنّه رآة يشرب الخمر، وشهد الآخر أنّه رآه يقي ء الخمر. فأرسل عمر إلى اُناس من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيهم أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لأمير المؤمنين: ما تقول، يا أبا الحسن؟ فإنّك الّذي قال فيك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'أنت أعلم هذه الاُمّة وأقضاها بالحقّ'، فإنّ هذين قد اختلفا في شهادتهما، قال: 'ما اختلفا في شهادتهما، وما قاءها حتّى شربها'، فقال: هل تجوز شهادة الخصيّ؟ قال: 'ما ذهاب لحيته [ كذا، وفي بعض النسخ: 'ما ذهاب خصيته'، ولا منافاة بين النسختين لأنّ الخصيّ لا تنبت لحيته].

إلا كذهاب بعض أعضائه'. [ فروع الكافي 401:7، باب النوادر، ح 2، ووسائل الشيعة 480 - 141:18، حدّ المسكر].

اتّضح ممّا ذكرناه اعتراف عمر بن الخطّاب أنّ عليّاً عليه السلام أعلم هذه الاُمّة وأقضاها بالحقّ، فكيف مُنِع عن حقّه؟!

قصة تجسّس عمر بن الخطّاب على امرأة ورجل

بعد ما مرّ منّا من قضايا عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقول عمر: لولا عليّ لهلك عمر، نذكر قضيّة عمر في عسّه وتجسّسه استطراداً، فإنّها ظريفة وجديرة بالنقل، والقضيّة منقولة في كتب العامّة على نحو متفاوت في المتن نذكر فيما يلي بعض رواياتها:

1- في "الغدير" عن شهاب الدين في المستطرفات، قال: خرج عمر بن الخطّاب في ليلة مظلمة، فرأى في بعض البيوت ضوء سراج، وسمع حديثاً، فوقف على الباب يتجسّس، فرأى عبداً أسود قدّامه إناءٌ فيه مِزرٌ وهو يشرب، ومعه جماعة، فهمّ بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت، فتسوّر على السطح ونزل إليهم من الدرجة ومعه الدرّة، فلمّا رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا، فمسك الأسود، فقال له: يا أمير المؤمنين، قد أخطأت وإنّي تائب، فاقبل توبتي. فقال: اُريد أن أضربك على خطيئتك. فقال: يا أمير المؤمنين، إن كنت قد أخطأت في واحدة، فأنت قد أخطأ في ثلاث: فإنّ اللَّه تعالى قال: 'وَلَا تَجَسَّسُوا' [ سورة الحجرات: 12].

وأنت تجسّست، وقال تعالى: 'وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا' [ سورة البقرة: 189].

وأنت أتيت من السطح، وقال تعالى: 'لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا' [ سورةالنور: 27].

وأنت دخلت وما سلّمت، الحديث. [ المستطرف لشهاب الدين 115:2، نقلاً عن الغدير 121:6].

2- و عن أبن أبي الحديد، قيل: انّ عمر بن الخطّاب كان يعسّ باليل، فسمع صوت رجل و امرأة في بيت، فارتاب فتسوّر الحائط، فوجد امرأة و رجلاً عندهما زِقّ خمر، فقال: يا عدوّ اللَّه، أكنت ترى أنّ اللَّه يسترك وأنت على معصيته؟! قال: يا اميرالمؤمنين، إن كنتُ أخطأت في واحدة، فقد أخطأت في ثلاث: قال اللَّه تعالى: 'وَلَا تَجَسَّسُوا'، وقد تَجسَّستَ، وقال: 'وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا'، وقد تَسَّوتَ، وقال: 'فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا' [ سورة النور: 61].

و ما سَلّمتَ. فقال عمر: هل عندك من خير إن عفوتُ عنك؟ قال: نعم، واللَّه لا أعود، فقال: اذهب فقد عفوت عنك. [ الغدير 121: 6 نقلاً عن الرياض النضرة 46: 2].

و قال العلامة الأميني: والعجب من بعض العامّة أنّهم جعلوا هذه القضيّة مكرمة لعمر بن الخطّاب، منهم ابن الجوزي، فإنّه عدّ هذه القضيّة من مناقب عمر، وتبعه شاعر النيل حافظ إبراهيم ونظمها في قصيدته العمريّة، فقال تحت عنوان: مثال رجوعه إلى الحقّ.

وفتية ولعوا بالراح فانتبذوا*** لهم مكاناً وجدّوا في تعاطيها

ظهرت حائطهم لمّا علمت بهم*** والليل معتكر الأرجاء ساجيها

إلى آخر أشعاره. [ الرياض النضرة 26:3، وشرح ابن أبي الحديد 61:1، و96:3، والدرّ المنثور 93:6، والفتوحات الإسلاميّة 477:2، نقلاً عن الغدير 122 - 121:6].

قضاؤه في عهد عثمان

حكمه في مكاتبة زانية

في "إرشاد المفيد" و "المناقب": روى العامّة والخاصّة أنّ مكاتبة زنت على عهد عثمان وقد عتق منها ثلاثة أرباع، فسأل عثمان أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: 'تجلّد منها بحساب الحريّة، وتجلّد منها بحساب الرقّ'، وسأل زيد بن ثابت، فقال: 'تجلّد بحساب الرقّ'. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: 'كيف تجلد بحساب الرق وقد عتق منها ثلاثة أرباعها، وهلا جلدتها بحساب الحرّية فإنّها فيها أكثر؟'، فقال زيد: لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب الحريّة. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: 'أجل، ذلك واجب'، فاُفحم زيد، وخالف عثمان أمير المؤمنين عليه السلام، وصار إلى قول زيد، ولم يصغِ إلى ما قال بعد ظهور الحجّة عليه. [ الإرشاد للمفيد رحمه الله 212: 1 والمناقب لابن شهرآشوب 371:2].

حكمه في امرأة مطلّقة مدّعية لميراث زوجها

في "المناقب": عن سفيان بن عيينه، بإسناده عن محمّد بن يحيى، قال: كان لرجل امرأتان: امرأة من الأنصار، وامرأة من بني هاشم، فطلّق الأنصاريّة، ثمّ مات بعد مدّة، فذكرت الأنصاريّة الّتي طلّقها أنّها في عدّتها، وأقامت عند عثمان البيّنة بميراثها منه، فلم يدر ما يحكم به، وردّهما إلى عليّ عليه السلام، فقال: 'تحلف أنّها لم تحض بعد أن طلّقها ثلاث حيض، وترثه'، فقال عثمان للهاشميّة: هذا قضاء ابن عمّك. قالت: قد رضيته، فلتحلف وترث، فتحرّجت الأنصاريّة من اليمين، وتركت الميراث. [ المناقب لابن شهرآشوب 371:2].

 

احتجاجه على منكر عذاب القبر، وقول عثمان

في "الغدير" عن العاصمي في كتابه "زين الفتى في شرح سورة هل أتى" من طريق شيخه أبي بكر محمّد بن إسحاق بن محمشاد، يرفعه: أنّ رجلاً أتى عثمان بن عفّان وهو أمير المؤمنين وبيده جمجمة إنسان ميّت، فقال: إنّكم تزعمون النّار تعرض على هذا، وأنّه يعذّب في القبر، وأنا قد وضعت عليها يدي فلا اُحسّ منها حرارة النّار، فسكت عنه عثمان، وأرسل إلى عليّ بن أبي طالب المرتضى يستحضره، فلمّا أتاه وهو في ملأ من أصابه، قال للرجل: 'أعد المسألة'، فأعادها، ثمّ قال عثمان بن عفّان: أجب الرجل عنها يا أبا الحسن.

فقال عليّ عليه السلام: 'ائتوني بزند وحجر'، والرجل السائل والنّاس ينظرون إليه، فاُتي بهما فأخذهما وقدح منها النّار، ثمّ قال للرجل: 'ضع يدك على الحجر'، فوضعها عليه، ثمّ قال: 'ضع يدك على الزند'، فوضعها عليه، فقال: 'هل أحسست منهما حرارة النّار'، فبهت الرجل، فقال عثمان: لولا عليّ لهلك عثمان.

قال العلامة الأميني رحمه الله: نحن لا نرقب من عثمان وليد بيت اُميّة الحيطة بأمثال هذه العلوم الّتي هي من أسرار الكون، وقد تقاعست عنها معرفة مَن هو أرقى منه في العلم، فكيف به؟ وإنّما تقلّها عيبة العلوم الإلهيّة، المتلقّاة من المبدأ الأعلى منشئ الكون، ومُلقي أسراره فيه، وهو الّذي أفحم السائل هاهنا في كلّ معضلة أعوز القوم عرفانها. [ الغدير 214:8].

قضاؤه في امرأة ولدت لستّة أشهر

أخرج الحافظ عن بعجة بن عبداللَّه الجهني، قال: تزوّج رجل منّا امرأة من جهينة، فولدت له تماماً لستّة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان، فأمر بها أن ترجم، فبلغ عليّاً عليه السلام فأتاه، فقال: 'ما تصنع؟ ليس ذلك عليها، قال اللَّه تبارك وتعالى: 'وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً' [ سورة الأحقاف: 15].

وقال: 'وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ' [ سورة البقرة: 233].

فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً، والحمل ستّة أشهر'.

فقال عثمان: واللَّه، ما فطنت لهذا، فأمر بها عثمان أن تردّ، فوجدت قد رجمت، وكان من قولها لاُختها: يا اُخيّة، لا تحزني فواللَّه ما كشف فرجي أحدٌ قطّ غيره، قال: فشبّ الغلام بعدُ فاعترف الرجل به، وكان أشبه النّاس به، وقال: فرأيت الرجل بعدُ يتساقط عضواً عضواً على فراشه.

قال العلامة الأميني في ذيل هذه القضة: أليس عاراً أن يشغل فراغ النبيّ الأعظم اُناس هذا شأنهم في القضاء؟! أمن العدل أن يسلّط على الأنفس والأعراض والدماء رجالٌ هذا مبلغهم من العلم؟! أمِن الإنصاف أن تُفَوِّض النواميس الإسلاميّة وطقوس الاُمّة وربقة المسلمين إلى يد خلائف هذه سيرتهم؟

لاها اللَّه، وربّك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة سبحان اللَّه وتعالى عمّا يشركون، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون، فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذابٌ أليم. [ أخرجه مالك في الموطأ 176:2،والبيهقي في السنن الكبرى 442:7، والسيوطي في الدرّ المنثور 40:6. نقلاً عن الغدير 94:6، وللتوسّع في أقضيّة أمير المؤمنين عليه السلام في زمان عثمان راجع إحقاق الحقّ 97:8، و مناقب ابن شهرآشوب 370:2].

 

قضاؤه في زمان حكومته

في "إرشاد المفيد": وكان من قضاياه عليه السلام بعد بيعة العامّة له ومضيّ عثمان بن عفّان - على ما رواه أهل النقل من حملة الآثار - أنّ امرأة ولدت على فراش زوجها ولداً له بدنان ورأسان على حقوٍ [ الحقو: الحصر و محل شدّ الازار].

واحد، فالتبس الأمر على أهله، أهو واحد أو اثنان؟ فصاروا إلى أمير المؤمنين عليه السلام يسألونه عن ذلك ليعرفوا الحكم فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 'اعتبروه إذا نام ثمّ أنبهوا أحد البدنين والرأسين، فإن انتبها جميعاً في حالة واحدة فهما إنسان واحد، وإن استيقظ أحدهما والآخر نائم فهما اثنان، وحقّهما من الميراث حقّ اثنين'. [ الإرشاد للمفيد 212:1].

قضاؤه في الجرح والقتل حال السكر

في "الإرشاد": روى علماء السير: أنّ أربعة نفر شربوا المسكر على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فسكروا، فتباعجوا [ بعج بطنه بالسكّين يبعجه بعجاً: إذا شقّه].

بالسكاكين، ونال الجراح كلّ واحد منهم، ورفع خبرهم إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فأمر بحبسهم حتّى يفيقوا، فمات في السجن منهم اثنان وبقي اثنان. فجاء قوم الاثنين إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: أقدنا - يا أمير المؤمنين - من هذين النفسين، فإنّهما قتلا صاحبينا، فقال لهم: 'ما علّمكم بذلك، ولعلّ كلّ واحد منهما قتل صاحبه؟'، فقالوا: لا ندري، فاحكم فيهم بما علّمك اللَّه. فقال: 'دية المقتولين على قبائل الأربعة بعد مقاصّة الحيّين منها بدية جراحهما'. [ الإرشاد للمفيد: 218: 1].

ثمّ قال المفيد: وكان ذلك هو الحكم الّذي لا طريق إلى الحقّ في القضاء سواه، ألا ترى أنّه لا بيّنة على القاتل تفرّده من المقتول، ولا بيّنة على العمد في القتل؟ فلذلك كان القضاء فيه على حكم الخطأ في القتل واللبس في القاتل دون المقتول. [ الإرشاد للمفيد: 218: 1].

ورواه الشيخ الطوسي في "التهذيب" والصدوق في "الفقيه": عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام مع اختلاف يسير في لفظه. [ التهذيب 240:10، والفقيه 118:4].

 

قضائه في قصّة الأرغفة قضاء رياضي

روى الحافظ ابن عبدالبرّ في "الاستيعاب"، وكذا العلامة السيوطي في "تاريخ الخلفاء"، وكذا المولى عليّ المتّقي الهندي في "كنز العمّال"، ومحبّ الدين الطبري في "ذخائر العقبى"، والعلامة الصفوري الشافعي في "نزهة المجالس"، وابن حجر العسقلاني في "الصواعق المحرقة"، والمحدّث البدخشي في "مفتاح النجا"، والقندوزي في "ينابيع المودّة" كلّهم بسندهم عن زرّ بن حُبيش، وكذا علماء الخاصّة في كتبهم رووا بسندهم قالوا: جلس رجلان يتغدّيان، مع أحدهما خمسة أرغفة خبز، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فلمّا وضعا الغداء بين أيديهما مرّ بهما رجل فسلّم، فقالا: اجلس للغداء، فجلس وأكل معهما واستووا في أكلهم الأرغفة الثمانية، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم، وقال: خُذا هذا عوضاً ممّا أكلت، ونلت من طعامكما، فتنازعا فقال صاحب الأرغفة الخمسة: لي خمسة دراهم، ولك ثلاثة. فقال صاحب الأرغفة الثلاثة: لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين، فارتفعا إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقصّا عليه قصّتهما، فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة: 'قد عرض عليك صاحبك ما عرض، وخبزه أكثر من خبزك فارض بالثلاثة'، فقال: لا واللَّه لا رضيت منه إلا بمرّ الحقّ، فقال عليّ عليه السلام: 'ليس لك في مرّ الحقّ إلا درهم واحد وله سبعة'.

فقال الرجل: سبحان اللَّه - يا أمير المؤمنين - هو يعرض علَيَّ ثلاثة فلم أرض، وأشرت علَيَّ بأخذها فلم أرض، وتقول لي الآن: إنّه لا يجب لك في مرّ الحقّ إلا درهم واحد؟! فقال له عليّ عليه السلام: 'عرض عليك الثلاثة صلحاً، فقلت: لم أرض إلا بمرّ الحقّ، ولا يجب لك بمرّ الحقّ إلا واحد'. فقال الرجل: فعرّفني بالوجه في مرّ الحقّ حتّى أقبله.

فقال عليّ عليه السلام: 'أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرين ثلثاً، أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس، ولا يُعلم الأكثر أكلاً منكم ولا الأقلّ، فتحملون في أكلكم على السواء؟'، قال: بلى. قال: 'فأكلت أنت ثمانية أثلاث، وإنّما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة عشر ثلثاً، أكل منها ثمانية، ويبقى له سبعة، وأكل لك واحداً من تسعة، فلك واحد بواحدك، وله سبعة بسبعته'، فقال الرجل: رضيت الآن. [ الاستيعاب بهامش الإصابة 41:3، وفي ذخائر العقبى للطبري: 84، ونزهة المجالس للصفوري 211:2، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 142، وكنز العمّال للعلامة الهندي 837:5، ح 14512، وغيرهم].

فهذه المسألة لو أجاب عنها أمهر رجل في الحساب بعد طول الفكرة والروية وأصاب فيها لكان له الفخر، فكيف بمن يجيب عنها على البديهة والارتجال؟

قضاؤه في مسألة رياضيّة اُخرى

نقل احمد امين عن كتاب "مشكلات العلوم" للنراقي: أنّ سبعة عشر جَملاً كانت مشتركة بين ثلاثة أشخاص، فجاؤوا عليّاً عليه السلام وقالوا: إنّ نصف هذه الجمال لأحدنا، وثلثها لآخر، وتسعها لثالثنا، ونريد أن تقسّمها بيننا على أن لا يبقى باقٍ؟ فدعا عليّ عليه السلام بجمل له وأضافه إلى الجمال، فكانت 18 جَملاً، فأعطى نصف الجمال إلى مَن له النصف - أي أعطاه 9 جمال -، وأعطى ثلث الثمانية عشر إلى مَن كان له الثلث - أي أعطاه 6 جمال - وأعطى تسع الثمانية عشر إلى مَن كان له التسع - أي أعطاه جملين - "17 =2 + 6 + 9" ثمّ أرجع الجمل الّذي أضافه إلى بيته. [ التكامل في الإسلام 159:4].

وأوضح الاُستاذ أحمد أمين هذا البحث في 11 صفحة من كتابه في سلسلة مسائل رياضيّة، وهي خارجة عن اطار هذا الكتاب، ولذا أعرضنا عن توضيحها.

قضاؤه بما قضاه داود النبيّ في جماعة اتّهموا بقتل رفيقهم

روى شيخ الطائفة أبوجعفر الطوسي، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: دخل عليّ عليه السلام المسجد فاستقبله شاب وهو يبكي وحوله قوم يسكّتونه، فقال عليّ عليه السلام: ما يبكيك؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ شريحاً قضى علَيَّ بقضيّة ما أدري ما هي، إنّ هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفر، فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترك مالاً، فقدّمتهم إلى شريح فاستحلفهم، وقد علمت - يا أمير المؤمنين - أنّ أبي خرج ومعه مال كثير.

فقال لهم أمير المؤمنين: 'ارجعوا'، فردّهم جميعاً والفتى معهم إلى شريح، فقال له: 'يا شريح، كيف قضيت بين هؤلاء؟'، فقال: يا أمير المؤمنين، ادّعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنّهم خرجوا في سفر وأبوه معهم، فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألهم عنه فقالوا مات. فسألهم عن ماله، فقالوا: ما خلّف مالاً، فقلت للفتى: هل لك بيّنة على ما تدّعي؟ فقال: لا، فاستحلفتهم.

فقال عليّ عليه السلام: 'يا شريح، هكذا تحكم في مثل هذا؟'، فقال: كيف كان هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 'لأحكمن فيهم بحكم ما حكم به إلا داود النبيّ عليه السلام. يا قنبر، ادع شرطة الخميس'، فدعاهم فوكّل بكلّ واحد منهم رجلاً من الشرطة، ثمّ نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى وجوهههم، فقال: 'ماذا تقولون؟ أتقولون: إنّي لا أعلم ما صنعتم بأب هذا الفتى، إنّي إذن لجاهل - ثمّ قال: - فرّقوهم وغطّوا رؤوسهم'.

قال: ففرّق بينهم، واُقيم كلّ واحد منهم إلى اسطوانة من أساطين المسجد، ورؤوسهم مغطّاة بثيابهم، ثمّ دعا عبيداللَّه بن أبي رافع كاتبه، فقال: 'هات صحيفة ودواة'، وجلس عليّ عليه السلام في مجلس القضاء، واجتمع النّاس، فقال: 'إذاكبّرت فكبّروا'، ثمّ قال للنّاس: افرجوا.

ثمّ دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه، ثمّ قال لعبيد اللَّه: 'اكتب إقراره وما يقول'، ثمّ أقبل عليه بالسؤال، فقال: 'في أيّ يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم؟'، فقال الرجل في يوم كذا وكذا، فقال: 'في أي شهر؟'، فقال: في شهر كذا وكذا، فقال: 'في أيّ سنة؟'، قال: في سنة كذا وكذا، قال: 'وأين بلغتم من سفركم حين مات أبو هذا الفتى؟'، فقال: إلى موضع كذا وكذا.

قال: 'في منزل من مات؟'، قال: في منزل فلان ابن فلان، فقال: 'ما كان مرضه؟'، قال: كذا وكذا، قال: 'كم يوماً مرض؟'، فقال: يكون في كذا كذا يوماً، قال: فمن كان يمرّضه؟ وفي أيّ يوم مات؟ ومن غسّله، وأين غسلّه، ومن كفّنه، وبما كفّنتموه، ومَن صلّى عليه؟ ومَن نزل في قبره؟'.

فلمّا سأله عن جميع ما يريد كبّر عليّ عليه السلام وكبّر النّاس، فارتاب اُولئك الباقون، ولم يشكّوا أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم وعلى نفسه، فأمر أن يغطّى رأسه، وأن ينطلق به إلى الحبس، ثمّ دعا بالآخر فأجلسه بين يديه، وكشف عن وجهه، ثمّ قال: 'كلا، زعمت أنّي لا أعلم ما صنعتم'. فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنا إلا واحد من القوم، ولقد كنت كارهاً لقتله، فأقرّ، ثمّ دعا بواحد بعد واحد فكلّهم يقرّ بالقتل وأخذ المال، ثمّ ردّ الّذي كان أمر به إلى الحبس فأقرّ أيضاً، فألزمهم المال والدم، فقال شريح: فكيف كان حكم داود عليه السلام؟

فقال: 'إنّ داود عليه السلام مرّ بغلمة يلعبون وينادون بعضهم: مات الدين، فدعا منهم غلاماً فقال: يا غلام، ما اسمك؟ فقال: اسمي مات الدين.

فقال له داود عليه السلام: مَن سمّاك بهذا الاسم؟ فقال: اُمّي، فانطلق إلى اُمّه فقال لها: يا امرأة، ما اسم ابنك هذا؟ فقالت: مات الدين. فقال لها: ومن سمّاه بهذا الاسم؟ قالت: أبوه.

قال: وكيف كان ذلك؟ قالت: إنّ أباه خرج في سفر له ومعه قومه، وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، قلت: فأين ما ترك؟ قالوا: لم يخلف مالاً، فقلت: أوصاكم بوصيّة؟ فقالوا: نعم، زعم أنّك حبلى، فما ولدت من ولد ذكر أو اُنثى فسمّيه مات الدين، فسمّيته.

فقال: وتعرفين القوم الّذين كانوا خرجوا مع زوجك؟ قالت: نعم، فاحياءٌ هم أم أموات؟ فقالت: بل أحياء، قال: فانطلقي بنا إليهم'، ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم، فحكم بينهم بهذا الحكم، فثبت عليهم المال والدم، ثمّ قال للمرأة: سمّي ابنك عاش الدين.

ثمّ انّ الفتى والقوم اختلفوا في مال أبي الفتى كم كان، فأخذ عليّ عليه السلام خاتمه وجمع خواتيم عدّة، ثمّ قال: أجيلوا هذه السهام، فأيّكم أخرج خاتمي فهو الصادق في دعواه لأنّه سهم اللَّه عزّ وجلّ وهو لا يخيب'. [ التهذيب 316:6، والفقيه 24:3، وراجع الكافي 371:7].

وفي "الكافي" روى الواقعة عن الأصبغ بن نباتة أيضاً اختصاراً. [ الكافي 373:7].

صورة اخرى

فى الاحقاق عن محمّد بن طلحة الشافعي في "مطالب السؤول" قال: إنّ سبعة أنفس خرجوا من الكوفة مسافرين، فغابوا مدّة، ثمّ عادوا وقد فقد منهم واحد، فجاءت امرأة إلى عليّ عليه السلام، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّ زوجي سافر هو وجماعة وعادوا دونه، فأتيتهم وسألتهم عنه فلم يخبروني بحاله، وقد اتّهمتهم بقتله، وأسألك إحضارهم واستكشاف حالهم، فأحضرهم عليه السلام وفرّقهم، وأقام كلّ واحد منهم إلى سارية من سواري المسجد، ووكلّ به رجلاً يمنع أن يقرب منه أحد ليحادثه.

ثمّ استدعى واحداً فحدّثه وسأله عن حال الرجل فأنكر، فلمّا أنكر رفع عليّ عليه السلام صوته بالتكبير، وقال: 'اللَّه أكبر'، فلمّا سمع الباقون صوت عليّ عليه السلام مرتفعاً بالتكبير اعتقدوا أنّ رفيقهم قد أقرّ، وحكى لعليّ عليه السلام صورة الحال.

ثمّ استدعاهم واحداً واحداً فأقرّوا بقتله بناءً على أنّ صاحبهم قد أخبر عليّاً عليه السلام بما فعلوه، فلمّا أقرّوا بذلك، قال الأوّل: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قد أقرّوا وما أنا أقررت. قال له عليه السلام: 'هؤلاء رفاقك قد شهدوا عليك، فما ينفعك إنكارك بعد شهادتهم'، فاعترف أنّه شاركهم في قتله، فلمّا تكمل اعترافهم أقام عليهم حكم اللَّه تعالى وقتلهم به، فكان من عجائب فهمه وغرائب علمه. [ الإحقاق 78:8].

 

قضاؤه بما أنزل اللَّه تعالى في رجل زان

روى الكليني رحمه الله: عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قال: أتاه رجل بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، قال عليه السلام: 'ممّن أنت؟'، قال: من مزينة، قال عليه السلام: 'أتقرأ من القرآن شيئاً؟'، قال: بلى، قال عليه السلام: 'اقرأ؟'، فقرأ فأجاد، فقال عليه السلام: 'أبك جُنّة؟'، قالا: لا، قال عليه السلام: 'فاذهب حتّى نسأل عنك'، فذهب الرجل، ثمّ رجع إليه بعد، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، فقال عليه السلام: 'ألك زوجة؟، قال: بلى، قال: 'فمقيمة معك في البلد؟'، قال: نعم، قال: فأمره أمير المؤمنين، فذهب، وقال: 'حتّى نسأل عنك'، فبعث إلى قومه فسأل عن خبره، فقالوا: يا أمير المؤمنين، صحيح العقل، فرجع إليه الثالثة، فقال له مثل مقالته، فقال له: 'اذهب حتّى نسأل عنك'، فرجع إليه الرابعة، فلمّا أقرّ قال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: 'احتفظ به'، ثمّ غضب، ثمّ قال: 'ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أفلا تاب في بيته، فواللَّه! لتوبته فيما بينه وبين اللَّه أفضل من إقامتي عليه الحدّ'.

ثمّ أخرجه ونادى في النّاس: 'يا معشر المسلمين، اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحدّ، ولا يعرفنّ أحدكم صاحبه'، فأخرجه إلى الجبّان [ أي الصحراء].

فقال: يا أمير المؤمنين، انظرني اُصلّي ركعتين، ثمّ وضعه في حفرته واستقبل النّاس بوجهه، فقال: 'يا معاشر المسلمين، إنّ هذا حقٌّ من حقوق اللَّه عزّ وجلّ، فمن كان للَّه في عنقه حقّ فلينصرف، ولا يقيم حدود اللَّه مَن في عنقه للَّه حدٌّ'، فانصرف النّاس وبقي هو والحسن والحسين عليهم السلام، فأخذ حجراً فكبّر ثلاث تكبيرات ثمّ رماه بثلاثة أحجار في كلّ حجر ثلاث تكبيرات، ثمّ رماه الحسن عليه السلام مثل ما رماه أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ رماه الحسين عليه السلام، فمات الرجل، فأخرجه أمير المؤمنين، فأمر فحفر له وصلّى عليه ودفنه.

فقيل: يا أمير المؤمنين، ألا غسّله؟ فقال عليه السلام: 'قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة، لقد صبر على أمر عظيم'. [ فروع الكافي 188:7، ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه 31:4، وفي وسائل الشيعة 328:18 عن الفقيه].

أقول: و لعل انّه قبل اجرا الحدّ عليه اغتسل، ثمّ جرى عليه الحدّ، و لذا لا يجب غسلة.

قضاؤه بما أنزل اللَّه في امرأة زانية

في "الكافي": عن عليّ بن إبراهيم، وفي "التهذيب" عن الحسن بن محبوب، بإسنادهما عن أبي بصير، عن عمران بن ميثم - أو صالح بن ميثم - عن أبيه، قال: أتت امرأة مجحٌ [ المجح: الحامل المقرب الّتي دنت ولادلتها].

أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني طهّرك اللَّه، فإنّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الّذي لا ينقطع، فقال لها: 'ممّا اُطهّرك؟'، فقالت: إنّي زنيت، فقال لها: 'أو ذات بعل أنتِ، أم غير ذلك؟'، فقالت: بل ذات بعل، فقال لها: 'أفحاضراً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت، أم غائباً كان عنك؟'، فقالت: بل حاضراً.

فقال لها: 'انطلقي فضعي ما في بطنك، ثمّ ائتني اُطهّرك'، فلمّا ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه، قال: 'اللّهمّ إنّها شهادة'، فلم يلبث أن أتته، فقالت: قد وضعت فطهّرني، قال: فتجاهل عليها، فقال: 'اُطهّرك يا أمة اللَّه ممّا ذا؟'، فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فقال: 'وذات بعل إذ فعلت ما فعلت؟، قالت: نعم، قال: 'وكان زوجك حاضراً أم غائباً؟'، قالت: بل حاضراً، قال عليه السلام: 'فانطلقي وارضعيه حولين كاملين كما أمرك اللَّه'. [ قال تعالى: 'وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ' سورة البقرة: 232].

قال: فانصرفت المرأة، فلمّا صارت من حيث لا تسمع كلامه، قال |عليّ عليه السلام|: 'اللّهمّ إنّهما شهادتان'، قال: فلمّا مضى حولان أتت المرأة، فقالت: قد أرضعته حولين فطهّرني يا أمير المؤمنين، فتجاهل عليها وقال: 'اُطهّرك ممّا ذا؟'، فقالت: إنّي زنيت فطهّرني.

قال عليه السلام: 'وذات بعل إذ فعلت ما فعلت؟'، فقالت: نعم، قال عليه السلام: 'وبعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت أو حاضر؟'، قالت: بل حاضر، قال عليه السلام: 'فانطلقي فاكفليه حتّى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردّى من سطح، ولا يتهوّر في بئر'، قال: فانصرفت وهي تبكي، فلمّا ولّت فصارت حيث لا تسمع كلامه، قال عليه السلام: 'اللّهم إنّها ثلاث شهادات'. [ لا يخفى أنّ هذه التأخيرات قبل ثبوت الزنا بالإقرار الأربعة، وأمّا بعد ثبوته لا يؤخّر الحدّ].

قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي، فقال لها: ما يبكيك - يا أمة اللَّه - وقد رأيتك تختلفين إلى عليّ تسألينه أن يطهّرك؟ فقالت: إنّي أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فسألته أن يطهّرني، فقال: 'اكفلي ولدك حتّى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردّى من سطح، ولا يتهوّر في بئر'، وقد خفت أن يأتي علَيَّ الموت ولم يطهّرني.

فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه، فأنا أكفله، فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين عليه السلام يقول عمرو بن حريث، فقال لها أمير المؤمنين وهو متجاهل عليها: 'ولِمَ يكفل عمرو ولدك؟'، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، فقال: 'وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟'، قالت: نعم، قال عليه السلام: 'أفغائباً كان بعلك إذ فعلت أم حاضراً؟'، فقالت: بل حاضراً.

قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: 'اللّهمّ إنّه قد ثبت لك عليها أربع شهادات، وإنّك قد قلت لنبيّك صلى الله عليه و آله فيما أخبرته به من دينك: يا محمّد، مَن عطّل حدّاً من حدودي فقد عاندني، وطلب بذلك مضادّتي، اللّهمّ فإنّي غير معطّل حدودك، ولا طالب مضادّتك، ولا مضيّع لأحكامك، بل مطيع لك ومتّبع سنّة نبيّك'.

قال: فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنّما الرمان يفقأ في وجهه، فلمّا رأى ذلك عمرو، قال: يا أمير المؤمنين، إنّني إنّما أردت أكفله إذ ظنتت أنّك تحبّ ذلك، فأمّا إذا كرهته فإنّي لست أفعل؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 'أبعد أربع شهادات باللَّه؟ لتكفلنّه وأنت صاغر'، فصعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، فقال: 'يا قنبر، ناد في النّاس الصلاة جامعة'.

فنادى قنبر في النّاس، فاجتمعوا حتّى غصّ المسجد بأهله، وقام أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: 'أيّها النّاس، إنّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى الظهر ليقيم عليها الحدّ - إن شاء اللَّه - فعزم عليكم أمير المؤمنين لمّا خرجتم وأنتم متنكّرون ومعكم أحجاركم لا يتعرّف أحد منكم إلى أحد حتّى تنصرفوا إلى منازلكم إن شاء اللَّه'، قال: ثمّ نزل فلمّا أصبح النّاس بكرة خرج بالمرأة وخرج النّاس متنكّرين متلثّمين [ اللثام: ما كان على الفم من النقاب].

بعمائمهم وبأرديتهم والحجارة في أرديتهم وفي أكمامهم، حتّى انتهى بها والنّاس معه إلى الظهر بالكوفة، فأمر أن يحفر لها حفيرة، ثمّ دفنها فيها، ثمّ ركب بغلته وأثبت رجليه في غرز [ الغرز: الركاب من الجلد].

الركاب، ثمّ وضع اصبعيه السبّابتين في اُذنيه، ثمّ نادى بأعلى صوته: 'يا أيّها النّاس، انّ اللَّه تبارك وتعالى عهد إلى نبيّه صلى الله عليه و آله عهداً، عهده محمّد صلى الله عليه و آله إلَيَّ بأنّه لا يقيم الحدّ مَن للَّه عليه حدّ، فمن كان عليه حدّ مثل ما عليها فلا يقيم عليها الحدّ؟'.

قال: فانصرف النّاس يومئذٍ كلّهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحدّ يومئذٍ وما معهم غيرهم. قال: وانصرف فيمن انصرف يومئذٍ محمّد ابن أمير المؤمنين عليه السلام. [ فروع الكافي 185:7، والتهذيب 9:10].

لا يخفى ان مراده عليه السلام: 'لا يقيم الحد مَن للَّه عليه حدّ'، ليس الحد الزّنا أو حد الواط مثلاً بل المراد اعم منهما.

توضيح

والمشهور أنّه لا يقام الحدّ على الحامل، سواء كان جلداً أو رجماً، فإذا وضعت، فإن كان جلداً ينتظر خروجها عن النفاس؛ لأنّها مريضة، ثمّ إن كان للولد من يرضعه اُقيم عليها الحدّ ولو رجماً على المشهور من أنّه لا يعيش غالباً بدونه، وإلا انتظر بها استغناء الولد عنها، ذكره الشهيد رحمه الله في شرح اللمعة.

الرفق في محلّه

روى شيخ الطائفة في "الاستبصار" عن بعض الصادقين عليهم السلام، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقرّ بالسرقة، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: 'أتقرأ شيئاً من كتاب اللَّه؟'، قال: نعم، سورة البقرة، قال عليه السلام: 'قد وهبتُ يدَك لسورة البقرة'، قال: فقال الأشعث: أتعطّل حدّاً من حدود اللَّه؟ فقال: 'وما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البيّنة، فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذلك إلى الإمام إن شاء عفا، وإن شاء قطع'. [ الاستبصار 252:4، ح 954 و 955، التهذيب 127:10، ح 506، ووسائل الشيعة 488:18].

 

اقادة قنبر لتجاوزه عن حدّ اللَّه

في "الكافي": عن أبي جعفر عليه السلام، قال: 'إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر قنبر أن يضرب رجلاً حدّاً، فغلط قنبر فزاده ثلاثة أسواط، فأقاده عليّ عليه السلام من قنبر ثلاثة أسواط'. [ الكافي 260:7].

علي و معجزاته و الإخبار بالمغيّبات

قال عليّ عليه السلام - لما عزم على حرب الخوارج -: 'مصارعهم دون النطفة، واللَّه لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة'.

نهج البلاغة: الخطبة 59

نظرة في المعجزة والكرامة

الإعجاز: أن يأتي الإنسان بشي ءٍ يُعجز خصمه ويقصر دونه. [ مجمع البحرين 24:4].

وفي الاصطلاح: ثبوت ما ليس بمعتاد، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى. [ تجريد الاعتقاد: 350، وانظر الإلهيّات 214:2].

والكرامة في الاصطلاح: ما صدر عن الإنسان ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة بلا دعوى له.

فالمعجزة والكرامة في أمر خارق العادة مشتركة إنّما التمايز بينهما في مطابقته للدعوى وعدمه. فإطلاق الإعجاز بحسب الاصطلاح فيما إذا وقع خارق العادة عقيب دعوى النبوّة بعنوان شاهد صدق لدعواه، ولذا اشترط العلماء التحدّي في إطلاق الإعجاز، وأمّا إذا لم يكن له دعوى أصلاً فإنّه كرامة نحو ما يظهر من الأولياء والصلحاء من دون دعوى النبوّة أو الإمامة.

فعلى هذا التعريف، فما صدر من خوارق العادة عن أمير المؤمنين عليه السلام، وكذا سائر الأئمّة المعصومين عليهم السلام إن كان بداعي إثبات الإمامة فهو معجزة، وإلا يطلق عليه الكرامة، وهما - أعني المعجزة والكرامة - صدرتا عن الأئمّة عليهم السلام، وقد ذكر المحدّث البحراني في "مدينة المعاجز" "555" كرامة ومعجزة لمولانا أمير المؤمنين. وفي "إثبات الهداة" اكتفى بذكر "507" معجزة وكرامة، وهذه الأخبار فوق التواتر تجعل أصل القضيّة ثابتاً ومحرزاً، وإن قُدح في سند بعضها.

وقد ادّعى مشهور علماء الإماميّة وغيرهم في ظهور المعجزات على يد المعصومين عليهم السلام، ولكن بعضهم يعتقدون بأنّ المعجزة من مختصّات الأنبياء "صلوات اللَّه عليهم" وللمعصومين والأولياء والصلحاء الكرامة لا المعجزة بدعوى أنّ المعجزة هي أمر خارق للعادة، وهي تقترن عادة بدعوى النبوّة، أي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله يأتي بالمعجزة كدليل حيّ يعضد قوله، ويؤيّد صدق دعواه بأنّه مرسل من قِبل اللَّه تعالى، كما أنّ المعجزة قد تقترن بالتحدّي ودعوة الآخرين إلى المواجهة والمعارضة. أمّا الكرامة، فإنّها عبارة عن أعمال خارقة للعادة وإخبار عن المستقبل، وتصدر هذه الأقوال والأفعال عن الإمام المعصوم غير أنّها لا تقترن بادّعاء الإمامة، كما أنّها لا تحدّي فيها؛ لأنّ الإمامة تثبت عن طريق آخر، وهو نصب النبيّ للإمام، فلا حاجة هنا للمعجزة.

قال العلامة الإربلي عن ابن طلحة: إعلم - أكرمك اللَّه بالهداية إليه - أنّ الكرامة عبارة عن حالة تصدر لذي التكليف خارقة للعادة لا يؤمر بإظهارها، وبهذا القيد يظهر الفرق بينها وبين المعجزة، فإنّ المعجزة مأمور بإظهارها؛ لكونها دليل صدق النبيّ صلى الله عليه و آله في دعواه النبوّة، فالمعجزة مختصّة بالنبيّ ملازمة له؛ إذ لا بدّ له منها، فلا نبيّ إلا وله معجزة، والكرامة مختصّة بالوليّ إكراماً له، لكن ليست لازمة له؛ إذ توجد الولاية من غير كرامة، فكم من وليّ لم يصدر عنه شيء من الخوارق.

ثمّ قال: إذا عرفت هذه المقدّمة، فقد كان عليّ عليه السلام من أولياء اللَّه تعالى، وكان له كرامات صدرت خارقة للعادة أكرمه اللَّه بها. [ كشف الغمّة - باب المناقب 375:1].

وكيف كان فالنزاع لفظي، وإليك نصّ كلام المحقّق البارع الشيخ المفيد في كتاب "أوائل المقالات في المذاهب والمختارات": فأمّا ظهور المعجزات على الأئمّة والأعلام، فإنه من الممكن الّذي ليس بواجب عقلاً ولا يمتنع قياساً، وقد جاءت بكونه منهم عليهم السلام الأخبار على التظاهر والانتشار، قطعت عليه من جهة السمع وصحيح الآثار، ومعي في هذا الباب جمهور أهل الإمامة، وبنو نوبخت تخالف فيه وتأباه، وكثير من المنتمين إلى الإماميّه يوجبونه عقلاً، كما يوجبونه للأنبياء عليهم السلام، والمعتزلة بأسرها على خلافنا جميعاً فيه سوى ابن الإخشيد ومن تبعه، فإنّهم يذهبون فيه إلى الجواز، وأصحاب الحديث كافّة تجوّزه لكلّ صالح من أهل التُّقى والإيمان.

ثمّ قال: القول في ظهور المعجزات على المعصومين [ مراده رحمه الله بالمعصومين هنا، غير المعنى المصطلح].

من الخاصّة والسفراء والأبواب، أقول: إنّ ذلك جائز لا يمنع منه عقل ولا سنّة ولا كتاب، وهو مذهب جماعة من مشايخ الإماميّة وإليه يذهب ابن الإخشيد من المعتزلة وأصحاب الحديث في الصالحين والأبرار، وبنو نوبخت من الإماميّة يمتنعون من ذلك، ويوافقون المعتزلة في الخلاف علينا فيه، ويجامعهم على ذلك الزيديّة، والخوارج المارقة من الإسلام، انتهى. [ أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 407].

وقال العلامة المجلسي: والحقّ أنّ المعجزات الجارية على أيدي غير الأئمّة عليهم السلام من أصحابهم ونوّابهم إنّما هي معجزات تظهر على أيدي اُولئك السفراء لبيان صدقهم. [ البحار 31:27].

نبذة ممّا ظهر من معجزاته كراماته

والآن نشير باختصار إلى نماذج من الإخبار بالمغيّبات والمعجزات والكرامات الصادرة عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، فهي على أقسام إما اخباره عن المغيبات و اما اخباره عن البلايا و المنايا لبعض اصحابه الكرام و اما اخباره عن قضايا التي تحدث او تنفق و كذا دعاؤه مستجابة فكلها دالة على أنّه عليه السلام قادر على المعجزات و الكرامات باذن اللَّه تعالى، فاليك موارد منها:

اخباره عن أمر الخوارج بالنهروان

في النهج، قال عليّ عليه السلام - لمّا عزم على حرب الخوارج وقيل له: إنّ القوم قد عبروا جسر النهروان -: 'مصارعُهُم دونَ النطفةِ، واللَّهِ لا يُفلِتُ منهم عشرةٌ، ولا يَهلكُ منكم عشرةً'. [ نهج البلاغة: الخطبة 59، وقال السيّد الرضي رحمه الله يعني بالنطفة ماء النهر، وهي أفصح كناية عن الماء، وإن كان كثيراً جمّاً].

قال ابن أبي الحديد في شرحه: هذا الخبر من الأخبار الّتي تكاد تكون متواترة؛ لاشتهاره ونقل النّاس كافّة له، وهو من معجزاته وأخباره المفصّلة عن الغيوب، والأخبار على قسمين:

أحدهما: الأخبار المجملة ولا إعجاز فيها، نحو أن يقول الرجل لأصحابه: إنّكم ستنصرون على هذه الفئة الّتي تلقونها غداً، فإن نصر جعل ذلك حجّة له عند أصحابه، وسمّاها معجزة، وإن لم يُنصر، قال لهم: تغيّرت نيّاتكم وشككتم في قولي، فمنعكم اللَّه نصره، ونحو ذلك من القول؛ ولأنّه قد جرت العادة أنّ الملوك والرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر والنصر، ويمنّونهم الدول، فلا يدلّ وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمّن إعجازاً.

والقسم الثاني: في الأخبار المفصّلة عن الغيوب، مثل هذا الخبر، فإنّه لا يحتمل التلبيس؛ لتقييده بالعدد المعيّن في أصحابه وفي الخوارج، ووقوع الأمر بعد الحرب بموجبه، من غير زيادة ولا نقصان، وذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعرفه رسول اللَّه من جهة اللَّه سبحانه، والقوّة البشريّة تقصر عن إدراك مثل هذا، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره. [ شرح ابن أبي الحديد 3:5].

وقال ابن أبي الحديد أيضاً بسند آخر والعلامة الإربلي: لمّا خرج عليّ عليه السلام إلى أهل النهر، أقبل رجل من أصحابه ممّن كان على مقدّمته يركض، حتّى انتهى إلى عليّ عليه السلام، فقال: البشرى يا أمير المؤمنين، قال: 'ما بُشراك؟'، قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك، فأبشر، فقد منحك اللَّه أكتافهم، فقال له: 'آللَّه أنت رأيتهم قد عبروا'، قال: نعم، فأحلفه ثلاث مرّات، في كلّها يقول: نعم، فقال عليّ عليه السلام: 'واللَّه ما عبروه ولن يعبروه، وإنّ مصارعهم لدُون النطفة، والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلات ولا قصر بوازن، حتّى يقتلهم اللَّه، وقد خاب من افترى'.

قال: ثمّ أقبل فارس آخر يركضُ فقال كقول الأوّل، فلم يكترث عليّ عليه السلام بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلّها تقول مثل ذلك |فقال: 'فلا يبقى منهم إلا أقلّ من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلا أقلّ من عشرة'|.

فقام عليّ عليه السلام فجال في متن فرسه، قال: فيقول شاب من النّاس: واللَّه! لأكوننّ قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلنّ سِنانَ هذا الرمح في عينه، أيدّعي علم الغيب؟ فلمّا انتهى عليه السلام إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفونَ سيوفهم، وعرقَبوا خيلهم، وجَثوا على رُكَبهم، وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زَجل، فنزل ذلك الشاب فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي كنت شككت فيك آنفاً، وإنّي تائب إلى اللَّه وإليك، فاغفر لي. فقال عليّ عليه السلام: 'إنّ اللَّه هو الّذي يغفر الذنوب، فاستغفره'. [ شرح ابن أبي الحديد 271:2، وكشف الغمّة - باب المناقب 375:1، اللفظ من ابن أبي الحديد، وما بين المعقوفين من كشف الغمّة].

اخباره عن حكومة الحجّاج بن يوسف الثقفي

في "شرح ابن أبي الحديد": عن إسماعيل بن رجاء، قال: قام أعشى باهلة [ أعشى باهلة اسمه عامر بن الحارث].

- وهو غلامٌ يومئذٍ حدث - إلى عليّ عليه السلام، وهو يخطب ويذكُر الملاحم فقال: يا أمير المؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خُرافة! فقال عليّ عليه السلام: 'إن كنتَ آثماً فيما قلتَ يا غلام، فرماك اللَّه بغلام ثقيف'، ثمّ سكت، فقام رجال فقالوا: ومَن غلامُ ثقيف يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: 'غلام يملك بلدتكُم هذه لا يتركُ للَّه حرمةً إلا انتهكَها، يضرب عُنُق هذا الغلام بسيفه'، فقالوا: كم يملكُ يا أمير المؤمنين؟ قال: 'عشرين إن بلغها'، قالوا: فيُقتَلُ قتلاً أم يموت موتاً؟ قال: 'بل يموتُ حتف أنفه بداء البَطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه'.

قال إسماعيل بن رجاء: فاللَّه! لقد رأيتُ بعيني أعشى باهلة وقد اُحضر في جملة الأسرى الّذين اُسروا من جيش عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث بين يدي الحجّاج، فقرّعه ووبّخه واستنشده شِعرَه الّذي يحرِّض فيه عبدَ الرحمان على الحرب، ثمّ ضرب عنقه في ذلك المجلس. [ شرح ابن أبي الحديد 289:2].

 

اخباره عن مجي ء ألف رجل يبايعونه على الموت بذي قار

في "إرشاد المفيد": وقال عليّ عليه السلام بذي قار - وهو جالس لأخذ البيعة -: 'يأتيكم من قِبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون، يبايعونني على الموت'.

قال ابن عبّاس: فجزعتُ لذلك، وخفتُ أن يَنقُص القومُ عن العدد أو يَزيدوا عليه، فَيَفسُدَ الأمر علينا. ولم أزل مهموماً، دأبي إحصاء [ في نسخة: 'وإنّي اُحصي'].

القوم حتّى ورد أوائلهم، فجعلتُ اُحصيهم، فاستوفيتُ عددهم تسعمائة رجلٍ وتسعةً وتسعين رجلاً، ثمّ انقطع مجي ءُ القوم، فقلت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟ فبينا أنا مفكّر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتّى دنا، فإذا هو رجلٌ عليه قباءُ صوفٍ معه سيفُه وتُرْسُه وإداوتُه [ الإداوة: إناء يحمل يستفاد من مائه في التطهير].

فقرَبَ من أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: امدد يدك اُبايعك، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: 'وعَلَامَ تبايعني؟'، قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتحَ اللَّه عليك، فقال له: 'ما اسمك؟'، قال: اُويس، قال: 'أنت اُويس القرنيّ؟'، قال: نعم، قال: 'اللَّه أكبر، أخبرني حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّي اُدرِك رجلاً من اُمّته يقال له اُويس القرنيّ، يكون من حزب اللَّه ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثلُ ربيعة ومُضَر'. قال ابن عبّاس: فسرّي عنّي. [ الإرشاد للمفيد 315:1، الفصل 61 من الباب 3].

اخباره عن امرأة بأنّها شبيهة الرجال والنساء

في "شرح ابن أبي الحديد": عن عكرمة، عن يزيد الأحمسي: أنّ عليّاً عليه السلام كان جالساً في مسجد الكوفة، وبين يديه قوم منهم عمرو بن حُريث؛ إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تُعرف فوقفت، فقالت لعليّ عليه السلام: يا مَن قتل الرجال، وسفك الدماء، وأيتم الصبيان، وأرمل النساء! فقال عليه السلام: 'وإنّها لهي هذه السَّلَقْلَقة [ السلقلقة: السليطة، وأصله من السلق وهوالذئب، والسلقة: الذئبة].

الجَلعة المَجِعَةُ [ والجلعة المجعة: البذيّة اللسان].

وإنّها لهي هذه شبيهة الرجال والنساءِ الّتي ما رأت دماً قطّ'.

قال الراوي: فولّت هاربة منكّسة رأسها، فتبعها عمرو بن حريث، فلمّا صارت بالرحبة، قال لها: واللَّه! لقد سررتُ بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل، فادخلي منزلي حتّى أهب لك وأكسوك، فلمّا دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها وكشفها ونزع ثيابها، لينظر صدقه عليه السلام فيما قاله عنها، فبكت وسألته ألا يكشفها، وقالت: أنا واللَّه كما قال عليه السلام، لي رَكَب [ والركب: منبت العانة].

النساء، واُنثيان كاُنثيي الرجال، وما رأيت دماً قطّ، فتركها وأخرجها.

ثمّ جاء إلى عليّ عليه السلام فأخبره فقال: 'إنّ خليلي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أخبرني بالمتمرّدين علَيَّ من الرجال والمتمرّدات من النساء إلى أن تقوم الساعة'. [ شرح ابن أبي الحديد 288:2].