بدأت محاربة الإمام علي(عليه السلام) بالتشكيك في نزاهته، وبتصويره متآمراً مع المتآمرين على الخليفة عثمان بن عفان، لا بل صوروه محرّضاً، وشريكاً في الإغتيال، إن لم يكن بيده فبلسانه، وجاء الخوارج يخطئونه لأنّه قبل التحكيم، مع أنّ التحكيم كان بإلحاح منهم، بدليل قوله
: (ألم تعلموا أنّي نهيتكم عن الحكومة، وأخبرتكم أنّ طلب القوم لها مكيدة، وأنبأتكم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأنّي أعرف بهم منكم؟قد عرفتهم أطفالاً، وعرفتهم رجالاً، فهم شرّ رجال وشرّ أطفال، وهم أهل المكر والغدر، وإنّكم إن فارقتموني، ورأيي جانبتم الخير والحزم فعصيتموني وأكرهتموني حتى حكّمت، فلمّا أن فعلت شرطت واستوثقت وأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن منه، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنّة وعملا بالهوى، فنفذّنا أمرهما!
) .ولم يكتفوا بالتخطئة بل حاربوه وأخذوا يلعنونه، لأنّه ـ على زعمهم ـ ترك حكم الله، وحكّم الرجال، ولأنّه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وما اغتنم أموالهم، ولا سبى ذراريهم ونساءهم!
وجاء دور بني أُمية فحاربوه في سمعته كما مرّ بنا، وجعلوا الجوائز الضخمة والمكافآت الدسمة لمن يفتري عليه الكذب، وسحقوا ذريّته في معركة ظهرت فيها وحشية الإنسان الحاقد الموتور، بأبشع ما تظهر فيه الوحشية، ولم يعفوا عن أبناء بنت نبيّهم في مأساة الحسين، ولم يتورّعوا عن استعمال السم في اغتيال الحسن!
وحاربوه حتى في نسبه بعض خطبه لمعاوية بن أبي سفيان، ولا سيّما الخطبة التي يقول فيها:
( أيّها الناس إنّا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن كنود، يعدّ المحسن فيه مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتوّاً... ) وتستمر الخطبة على هذا النحو، الذي هو أشبه بخلق الإمام علي، والحسن الحظ أنّ الجاحظ قد نبّه على ذلك وشكّ في رواية (شعيب بن صفوان) الذي نسبها إلى (معاوية بن أبي سفيان).قال السيد الرضي (رحمه الله) وهذه الخطبة ربّما نسبها من لا علم له إلى معاوية، وهي من كلام أميرالمؤمنين الذي لا يُشكّ فيه، وأين الذهب من الرغام والعذب من الاجاج، قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهّاد ومذهب العباد.
وممّا حاربوا به الإمام عليّاً أنّهم جوّعوا كل من أظهر ميلاً للإمام علي، وسنّوا سياسة تجويع الخصوم السياسيين لكلّ مستبدّ بعدهم، فكانت سنّتهم هذه أمرّ من القتل وأقسى، لأنّ القتل يريح المقتول، أمّا الإفقار والتجويع فيذلان الإنسان، ويجرّعانه غصص الآلام، فيموت موتاً بطيئاً مراراً في اليوم، وقد أثارت هذه السياسة الغاشمة (الكميت بن زيد الأسدي) المشهور بحبه لأهل البيت:
فقل لبني أُميّة حيث حلّوا أجاع الله من أشبعتموه بمرضي السياسة هاشميّ |
|
وإن خفت المهنّد والقطيعا وأشبع من بجوركم أُجيعا! يكون حياً لأُمته، ربيعا! |
من أعظم الأدلة على المحاربة الآثمة انّ المام لمّا دفن زوجه فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفنها في الليل سرّاً، وعفى قبرها، ولم يُعلم موضعه على التحقيق إلى اليوم، فتزار في ثلاثة مواضع، ولم يشهد جنازتها إلّا علي وولداه، ونفر من بني هاشم، ونفر قليل من الصحابة!
وهو أمر كما يقول الإمام السيّد (محسن الأمين) لا يكاد ينقضي منه العجب!
أمّا قبر الإمام نفسه فقد جاء في قسم النجف من موسوعة العتبات المقدّسة ما نصّه:
( إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر ابنه الحسن أن يحفر له أربعة قبور، في أربعة مواضع: في المسجد، وفي الرحبة، وفي الغري، وفي دار جعدة بن هبيرة، إنّما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره).فيا للعجب من هذا الحال!
أجل بمثل هذه الروح المتعفّنة بالحقد الأرعن، والعداء الأزرق عومل ربيب النبي وصفيه، وأبو ذريّته، الأمين على عرض النبي وشرفه، ولم يبال الذين تحاملوا على علي حياً وميتاً بما يقوله التاريخ ، الذي لا يرحم!
كان المفترض أنّ فاجعة الحسين تطوي الأحقاد السياسية، والخوف من لعظمة التي وراراها القبر، لكنّ النقمة ظلّت تتبع كل من أظهر ميلاً لعليّ ولذريّة الإمام علي!
فاعجب لرجل يخافه الخصوم بعد موته، كما كانوا يخافونه وهو حي!
يخافون قبور أبنائه، فيضع الأمويّون على قبر الحسين (عليه السلام) المسالح لكي لا يؤم أحد من الزائرين مثواه، ويجعلون القبر مطوّقاً بمخافر تتولّى حراسته حذراً من أن يُزار.
أمّا المتوكّل العباسي فقد بلغه أنّ أهل السواد يجتمعون في أرض نينوى لزيارة قبر الحسين(عليه السلام) فأنفذ قائداً من قوّاده، وضم إليه كثفاً من الجند كثيراً ليشعث قبر الحسين (عليه السلام) ويمنع الناس عن زيارته والإجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطفّ وعمل كما أُمر ذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين!
فثار أهل السواد، واجتمعوا عليه، وقالوا:
(لو قتلتنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منّا عن زيارته) .وقد اشتهر المتوكّل هذا بالنصب ـ وهو ضد التشيّع ـ وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولى عليّاً وأهله بأخذ المال والدم، فأمر سنة 237 هـ بهدم قبر الحسين بن علي بكربلاء وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر، ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فذكر أنّ عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية:
(من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة أيّام، بعثنا به إلى المطبق)، فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حوله!
وكان إمام الإمامية في عهده (أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب) قد سعي به إلى المتوكل، فأقدمه من المدينة إلى سامراء التي كانت تعرف بالعسكر، فلقّب بالعسكري وقد ظلّ مقيماً بها نحو عشرين سنة، ومات بها وجاء سامراء لم تنقطع السعايات عنه، فأخبر المتوكل أنّ في منزله سلاحاً، وكتباً وغيرهما من شيعته فوجّه إليه ليلاً من هجم عليه في منزله وهو غافل، فوجد في بيت وحده، عليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت، إلّا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحقة من صوف، وهو يقرأ ويدعو، فحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه، والمتوكل يشرب، فأجلسه إلى جنبه، وعرض عليه الكأس، فاستعفى فأعفاه، ثم قال أنشدني شعراً، فأنشده:
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم ناداهم صارخ من بعدما قبروا أين الوجوه التي كانت منعّمة فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا وطالما عمروا دوراً لتحصنهم وطالما كنزوا الأموال وادّخروا أضحت منازلهم قفراً معطّلةً |
|
غلب الرجال فما أغنتهم القلل فاودعوا حُفراً يا بئسما نزلوا أين الأسرة والتيجان والحلل؟ من دونها تضرب الأستار والكلل؟ تلك الوجوه عليها الدود يقتتل! فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا! فخلفوها على الأعداء وارتحلوا! وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا! |
فبكى المتوكل حتى بلّت دموعه لحيته! ثم أمر برفع الشراب.
أرأيت ماذا يفعل الإخلاص؟
أرأيت كيف يحوّل الإخلاص الصخور ينابيع تتفجّر منها سيول الدموع؟!
سلسلة متصلة من أعداء الإمام وذريّة الإمام تحملها قلوب حاقدة، وتنفّذها إرادات خائفة مذعورة!
معاملة الإمام علي للسيدة عائشة
موقف من النبل والإنسانية، يصغر دونه كل موقف!
أجل يحتاج الإنسان إلى خلق مصفى، وقلب كبير، وإنسانية سمحة، ليتمكّن من الانتصار على حبّ الإنتقام ممّن أساء إليه!
قليلة هي تلك المواقف في التاريخ من أجل هذا خلّدت وخلّد أصحابها لأنّهم هم ذروة الإنتصار تناسوا كل إساءة وتسامحوا بكل إهانة!
ولو أردنا أن نتّخذ حادثة نتلمس بها مفتاح شخصية الإمام علي (عليه السلام) على كثرة الحوادث الفذّة في سجل حياته الخالدة، لآثرنا هذه الحادثة بل هذا الموقف من أُمّ المؤمنين تحرّض عليه الخصوصم، وتسيّر الجيوش معتزّة بمناصرتها، ويوم يُعقر جملها، ويصفى حساب أتباعها! تتجلّى فيه طبيعة القلب الكبير، والإمام المهذّب والبطل الفذّ، والقائد الملهم، فبعد أن يصطّ أهل البصرة في خطبته المشهورة:
( كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعُقر فهربتم، أخلاقكم رقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه، كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها!).
فبعد مثل هذه الخطبة، يتصوّر الإنسان أنّ كل من يقع بين يدي القائد سيكون نصيبه الموت أو الإحتقار على أقلّ تقدير!
لكنّ شيئاً من ذلك لم يكن! بل عفو سام يدلّ على نفس سامية عظيمة واحترام خاصّ لأُمّ المؤمنين عائشة، إذ سيّرها إلى المدينة المنوّرة في جمهور من نساء عبد القيس عشرين عمّمهنّ بعمائم الرجال، وقلّدهنّ السيوف، فلمّا كانت في بعض الطريق ذكرته بما لا يجوز، وقالت: (هتك ستري ابن أبي طالب برجاله وجنده الذين وكّلهم بي!...).
فألقت النساء عمائمهنّ فعلمت أنّ الموكب الذي يرافقها من النساء!
فهل بعد هذا النبل غاية؟
ليقل خصوم الإمام بعد ذلك ما شاءوا، وما شاءت لهم أحقادهم، فإنّ هذا الموقف وحده كاف يكذّب الأقاويل والأراجيف، فلقد اتهموا ـ كاذبين ـ الإمام بأنّه حقود على من تقدّمه من الخلفاء، فلو كان في نفسه أقلّ ظلّ للحقد، لما تسامح مع أُمّ المؤمنين مثل هذا التسامح الكريم، فلم يعرض لها بكلمة نابية بعد أن انهزم عنها الأعوان، وعُقر جملها!
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام)
سئلت أُمّ المؤمنين عائشة: أي الناس أحب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟
أجابت: فاطمة.
فقيل لها: من الرجال؟
قالت: زوجها... إن كان ما علمت صوّاماً قوّاماً!
وروي، أنّ رسول الله قال وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب: (هذا أمير البررة قاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله).
ومن الأدلّة على إيثار النبي للإمام، أنّه لمّا هاجر إلى المدينة، وبنى مسجده فيها، بنى لنفسه حجراً في جانب المسجد أسكنها أزواجه، وبنى لعليّ (عليه السلام) حجرة بجانب الحجرة التي أسكنها عائشة، وبنى أصحابه بجانب المسجد حجراً اسكنوها، وكانت أبوابها إلى المسجد فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسد هذه الأبواب إلّا باب علي، فقد بقي بابه إلى المسجد، وليس له طريق غيره، وفتح الباقون أبواباً من غير جهة المسجد كانت الحجرة التي تسكنها عائشة التي دفن فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيت علي كلاهما في الجانب الشرقي من المسجد، فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد دخلت فيه هذه البيوت.
من الأدلّة على حبّ النبي للإمام حديث الخيمة الذي رواه الصدًيق قال: (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيّم خيمة، وهو متكىء على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين! أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، وحرب لمن حاربهم، وليّ لمن والاهم، لا يحبّهم إلّا سعيد الجدّ طيّب المولد، ولا يبغضهم إلّا شقي الجدّ رديء الولادة).
مالي اعدّد الشواهد على حب النبي لهذا الإنسان العظيم؟!
فلقد قلت فيما تقدم أنّ ائتمانه إيّاه على أحبّ الخلق إليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) أعظم دليل إنساني على أنّه في المنزلة التي لا تدانيها منزلة، هذا من الناحية العاطفية المحض، من غير أن نلجأ إلى قيمة الإمام علي الذاتية من حيث الرجولة والبطولة، من حيث الشمم والعبقرية والذكاء، من حيث الجود والسخاء، من حيث الإيثار والغيرية، صفات تقرّب الرجل الذي يتحلّى بها إلى قلوب الأعداء، فكيف، إذا ظهرت لمن يعرف للناس أقدارهم؟ محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
كيف لا يحبّه النبي؟ وهو القائل لسعد بن مالك بن الشهيد: (يا سعد بن مالك ابن الشهيد، بعض قولك لأخيك عليَّ؟ فوالله لقد علمت أنّه جيش في سبيل الله!).
وقوله لبعض الذين شكوا الإمام علي (عليه السلام): (أيها الناس! لا تشكوا عليّاً، فوالله إنّه لجيش في ذات الله...).
لقد حارب النبي العصبية ووأد القبلية، ولم يكن حبّه للإمام عصبية، ولا كان قضية قبلية، بل كان تقديراً لمزايا تفرّد بها الإمام كرّم الله وجهه، فلو تحلّى بمثل ما تحلّى به أبو الحسن من خصال، رجل من الزنوج لما صمت النبي عن اعلان حبّه، وتحبيبه إلى الناس!
وبعد فليس عجيباً أن يعرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) وتجهله العامة، ويتنكّر له المغرضون الحاقدون، فلا يعرف العظيم إلّا العظيم، والنفوس جنود مجنّدة فما تشابه منها ائتلف وما تنافر منها اختلف!
ولعلّ في حديث المؤاخاة خير دليل نختم به هذه اللمحة العابرة:
(في السيرة الحلبية: آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة بين المهاجرين وآخى بين علي ونفسه، وقال أما ترضى أن أكون أخاك).
قال: بلى يا رسول الله رضيت.
قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة!
قال صفي الدين الحلي في ذلك:
أنت سرّ النبي والصنو ابن الـ لو رأى مثلك النبي لآخا |
|
ـعمّ والصهر والأخ المستجاد وإلّا فسأخطأ الإنتقاد! |
وقال أبو تمام:
أخوه إذا عدّ الفخار وصهره |
|
فما مثله أخ ولا مثله صهر! |
كان للإمام فلسفة خاصة نابعة من صفاء فطرته الإنسانية، فكأنّما الكون قد بُسط أمامه فيقرأ فيه حقائق الوجود، فترى في بعض خطبه فلسفة عميقة في بساطتها وشمولها لإثبات الخالق عن طريق بحث الوجود:
( كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم! ) .ونراه في خطب أُخر يثبت وجود البارئ من طريق الموجودات الممكنة وهذا ما جاء بعده المتكلمون للسير على نهجه فيه، فمن أقواله في صفاته تعالى:
( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يََسْبِقْ لَهُ حَالٌ حالا، فَيَكُونَ أَوَّلا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً، وَيَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً، كُلُّ مُسَمّىً بِالْوَحْدَةِ غَيْرَهُ قَلِيلٌ، وَكُلُّ عَزِيز غَيْرَهُ ذَلِيلٌ، وَكُلُّ قَوِي غَيْرَهُ ضَعِيفٌ، وَكُلُّ مَالِك غَيْرَهُ مَمْلُوكٌ، وَكُلُّ عَالِم غَيْرَهُ مُتَعَلِّمٌ، وَكُلُّ قَادِر غَيْرَهُ يَقْدِرُ وَيَعْجَزُ، وَكُلُّ سَمِيع غَيْرَهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الاَْصْوَاتِ، ويُصِمُّهُ كَبِيرُهَا، وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا، وَكُلُّ بَصِير غَيْرَهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الاَْلْوَانِ وَلَطِيفِ الاَْجْسَامِ، وَكُلُّ ظَاهِر غَيْرَهُ غَيْرُ بَاطِن، وَكُلُّ بَاطِن غَيْرَهُ غَيْرُ ظَاهِر، لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَان، وَلاَ تَخْوُّف مِنْ عَوَاقِبِ زَمَان، وَلاَ اسْتِعَانَة عَلَى نِدّ مُثَاوِر، وَلاَ شَرِيك مُكَاثِر، وَلاَ ضِدّ مُنَافِر وَلكِنْ خَلاَئِقُ مَرْبُوبُونَ، وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ، لَمْ يَحْلُلْ فِي الاَْشْيَاءِ فَيُقَالَ: هُوَ فيها كَائِنٌ، وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَافَيُقَالَ: هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ. لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ، وَلاَ تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ، وَلاَ وَقَفَ بِهِ عَجْرٌ عَمَّا خَلَقَ،وَلاَ وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهُةٌ فِيَما قَضَى وَقَدَّرَ، بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ، وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ، وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ. المَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ، المرَهُوبُ مَعَ النِّعَمِ) .
ونحن إذا تتّبعنا خطبه (عليه السلام) نجد فيها أُموراً ما كانت تتهيأ لرجل يعيش في محيط مثل محيطه وزمانه، لولا فطرة صافية خصّه الله بها، فجاء بآراء وفلسفات هي خلاصة تأمّل عميق في الذات الإلهية، فجاءت وهي إلهام من الإلهام!
( الحمد لله الذي بطن خفيات الأُمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع عن البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره! )
ومن أقواله في الله جلّ وعلا:
( الأول الذي لم يكن له قبل، فيكون شيء قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه) .
ومن أقواله:
( ليس لأوليته ابتداء ولا لأزليته انقضاء هو الأول، ولم يزل، والباقي بلا أجل! ) .
وقوله:
( الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده) .
وقوله:
( ومن وصفه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله ومن قال كيف فقد استوصفه، ومن قال أين؟ فقد حيّزه! ) .
الواقع أننا إذا تقصّينا أقوال الإمام، نرى أنّ له نهجاً خاصاً وفلسفة متميزة في الوجود ، عميقة الأغوار فطرية التناول فيها قول الحقّ، وفصل الخطاب، لمن شرح الله صدره، وطهر من وضر العناد قلبه!
ولصفاء فطرته نراه في التوجّه إلى الله يخاطب الله بصوفيته كما يخاطب الصديق صديقه والحبيب حبيبه:
أتسلّط النار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة؟ وعلى ألسن نطقت بتوحيدك صادقة؟ فهذا خطاب بل عتاب حبيب لحبيه!
إلى أن يقول: قول المعاتب المحتجّ:
ما هكذا الظنّ بك، ولا أُخبرنا بفضلك عنك يا كريم!
ثم يعود إلى التوسّل والتضرّع:
فبعزّتك يا مولاي أُقسم صادقاً لئن تركتني ناطقاً لأضجنّ إليك بين أهلها ضجيج الآملين، ولأُصرخنّ إليك صراخ المستصرخين ، ولأبكينّ عليك بكاء الفاقدين.
ويقول بما يشبه العتاب:
هيهات! ما ذلك الظن بك، ولا المعروف من فضلك، ولا مشبه لما عاملت به الموحّدين من برّك وإحسانك!
أرأيت الفلسفة الخاصة أرأيت صدق الإيمان أشاهدت صفاء الفطرة؟ ألا حظت الصوفية التي جعلت صاحبها يتصوّر الله حبيباً يعاتب، وصديقاً يقبل الإحتجاج؟ ذلك هو الإمام علي، الذي ظلمته الأقدار لأنّه سبق عصره، أجيالاً عديدة، فجاء ليقيم طوبى بنعم فيها خلق الله بالأُخوة والعدل والمساواة!
فحاصرته الأحقاد من كل مكان، إلى أن سقط صريعاً في ذات الله بيد جاهلة اشتبهت عليها سبل الحقّ فضلّت ضلالاً بعيداً!
تالله لو تجسّمت الشجاعة وتمثّلت في شخص، لكان ذلك الشخص هو أميرالمؤمنين، بل لو عرفه قدماء اليونان لاتخذوه إلهاً للشجاعة في جملة آلهتهم التي عبدوها!
من العجائب أن يجمع الإنسان في نفسه أُموراً متباعد بعضها عن بعض فإذا ضمّ بعضها إلى بعض وجدت متممة لصورة رائعة.
هذا الفيلسوف هذا المتصوّف الذي رأيناه في فصل سابق هو قائد ملهم يجمع في شخصه كل صفات القيادة الرائدة.
لعلّ من أهمّ صفات القائد أن يؤثر الموت مقتولاً، على الموت الطبيعبي متقلّباً على فراشه، وقد أشار إلى ذلك يوم صرع في محرابه إذ قال:
فزت وربّ الكعبة! وقد أشار بذلك إلى الشهادة!
ومن أقواله في إحدى خطبه: (والّذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بسيف أهون عليَّ من ميتةٍ على فراش!) .
وصفات القائد تسري في تعابيره نفسها، في صور التشابيه التي يوردها : أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، ووردوا مناهله، بهم سفرت أعلامه وقام لواؤه في فتن داستهم أخفافها، ووطئتهم أظلافها وقامت على سنابكها.
حتى مواعظه ترى فيها صور الفروسية والقيادة، فالخطايا عنده خيل شمس والتقوى مطايا ذلل:
ألا وانّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخُلعت لجمها فتقحّمت بهم في النار، ألا وانّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، وأُعطوا أزمّتها، فأوردتهم الجنّة!
هذه الروح الدافقة بالحيوية والحماسة تنقل حماستها إلى الجنود، ولعلّ في خطبة الجهاد شاهد على ما نقول:
أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلّ واشمله البلاء وألزمه الصغار، وسامه الخسف ومنعه النصف ألا وإنّي دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلّا ذلّوا، فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي، فاتّخذتموه وراءكم ظهرياً حتى شُنّت عليكم الغارات!
وهذا أخو غامد قد بلغت خيله الأنبار وقتل حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها، وقتل منكم رجالاً صالحين، ثم انصرفوا وافرين، ما كُلم رجل منهم فلو أنّ رجلاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً، ما كان ملوماً، بل كان به عندي جديراً، فواعجباً من جد هؤلاء في باطلهم، وفشلكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحاً، حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون وتُغزون ولا تَغزون، ويعصى الله وترضون!
فإذا أمرتكم بالمسير إليهم في أيّام الحرّ، قلتم: حمارة القبظ! أمهلنا حتى يسبخ عنا الحرّ، وإذا أمرتكم بالمسير إليهم في الشتاء، قلتم أمهلنا حتى ينسلخ عنّا هذا القرّ، فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال! ويا أحلام الأطفال، وعقول ربات الحجال!
وددت أنّ الله أخرجني من بين أظهركم، وقبضني إلى رحمة من بينكم وإنّي لم أركم، ولم أعرفكم معرفة، والله جرّت وهناً وريتم والله صدري غيظاً، وجرعتموني الموت أنفاساً، وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش: إنّ ابن أبي طالب شجاع، ولكن لا علم له بالحرب!
لله أبوهم! وهل منهم أحد أشدّ لها مراسا، وأطول تجربة منّي؟!
لقد مارستها وأنا ابن عشرين، وها أنا ذا قد نيّفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
ونراه في وقعة الجمل يزحف بنفسه في كتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار، وحوله بنوه، يغوص في عسكر الجمل، حتى طحن العسكر، ثم رجع وقد انحنى سيفه، فأقامه بركبته، فقال له أصحابه وبنوه: نحن نكيفيك!
فلم يجب أحداً منهم وظلّ يخط ويزأر زئير الأسد، ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم بضربهم بالسيف، قدماً قدماً، والرجال تفر بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة، حتى خضّب الأرض بدماء القتلى، ثم رجع وقد انحنى سيفه، فأقامه بركبته، فاجتمع عليه أصحابه، وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام، فقال: والله ما أُريد بما ترون إلّا وجه الله والدار الآخرة! ثم قال لمحمّد: هكذا تصنع يا ابن الحنفية! فقال الناس: من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أميرالمؤمنين!
وفي موقفه من قاتل سعد بن خيثمة دليل آخر على براعة القائد الملهم والمحارب الفذّ، يقول الإمام: إنّي يومئذٍ بعدما منع النهار ونحن والمشركون قد اختلطت صفوفنا وصفوفهم، خرجت إثر رجل منهم، فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل، وسعد بن خيثمة وهما يقتتلان حتى قتل المشرك بعد بن خيثمة والمشرك مقنّع في الحديد، وكان فارساً، فاقتحم عن فرسه فعرفني وهو معلم فناداني هلم يا ابن أبي طالب إلى البراز! فعطفت عليه، فانحطّ مقبلاً إليَّ وكنت رجلاً قصيراً فانحططت راجعاً لكي ينزل إليَّ كرهت أن يعلوني، فقال: يا ابن أبي طالب فررت؟!
فقلت: قريباً مفرّ ابن الشتراء! فلمّا استقرّت قدماي وثبت اقبل، فلمّا دنا منّي ضربني، فاتّقيت بالدرقة، فوقع سيفه فلحج ـ أي نشب ـ فضربته على عاتقه وهو دارع فارتعش ولقد قطّ سيفي درعه، فظننت أنّ سيفي سيقتله، فإذا بريق سيف ورائي، فطأطأت رأسي، ويقع السيف فأظنّ فحف رأسه بالبيضة وهو يقول: خذها، وأنا ابن عبد المطلب فالتفت من ورائي فإذا هو عمّي حمزة والمقتول (طعمة بن عدي)!
ليس يهمني في هذا المقام من الذي قتل طعمة، لكنّ المهم عندي هو عنصر البراعة في اتقاء الرجل ثم الإنقضاض عليه، والاسلوب اسلوب فارس مدرّب، وقائد ملهم!
ومن صفات القائد فوق الشجاعة والبراعة، الصراحة، وهل بعد صراحة الإمام صراحة أدبية تعرف وتوصف؟ ومن صفات القائد التسامي وقد ظهر تساميه:
أ ـ في عفوه عن طلحة يوم كُشفت عورته.
ب ـ في عفوه وتساميه عن بسر بن أرطاة يوم كشف سوأته يوم صفين.
ج ـ في عفوه وتعاليه عن قتل عمرو بن العاص إذ كشف سوأته يوم صفين اتقاء سيف الإمام علي!
فالأسد قد يتحوّل حملاً، إذا رأى الإستسلام والضعف!
ومن صفات القائد أنّه لا يقيم وزناً للجمهور، ولا يكترث للرأي العام مهما عظمت قوّة هذا الجمهور، لأنّه يعتقد أنّ قوّة الجمهور التي يستوي فيها الفارس الشجاع والجبان الرعديد ليست من البطولة في شيء.
فالقائد يجب أن يكون شديد الإيمان بنفسه، لأنّه من نفسه في جيش، وهكذا كان الإمام علي!
ومن صفات القائد أن يكون شديد السيطرة على أعصابه، ضابطاً لنفسه، ولقد كان الإمام علي من هذا الطراز الفذّ، وهو يوصي ابنه الحسن بالسيطرة على أعصابه:
وتجرّع الغيظ فإنّي لم أر جرعة أحلى منها عاقبة، ولا ألذّ منها مغبة!
ولنسمع قوله لأخيه عقيل: لا تحسبنّ ابن أبيك ولو أسلمه الناس متضرّعاً متخشّعاً ، ولا مقرّاً بالضيم واهناً، ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطيء الظهر للراكب المتقعّد!
يرى الدكتور طه حسين في كتابه (الفتنة الكبرى) أنّه لم يكن للشيعة معناها المعروف عند الفقهاء والمتكلّمين منذ أيّام علي، ويقول إنّ لفظ الشيعة كان كغيره من الألفاظ، يدلّ على معناه اللغوي الغريب.
ويقول إنّه لا يعرف نصّاً قديماً أضاف لفظ الشيعة إلى علي، قبل وقوع الفتنة ويقول: إنّه لم يكن يعلم قبل وقوع الفتنة شيعة ظاهرون ممتازون من غيرهم من الأُمّة.
وهو يُنكر أن يكون للإمام علي في حياته حزب منظّم، أو شيعة، متميّزة وأنّه لم ينظّم الحزب العلوي، ولم توجد الشيعة المميّزة إلّا بعد أن تمّ اجتماع الأمر لمعاوية وبايعه الحسن بن علي.
ويضيف الدكتور إلى ذلك شاهداً من القرآن الكريم سورة القصص (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ)(1) الآية وقول القرآن الكريم في سورة الصافات (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ)(2).
ونرى الإمام الزمخشري في شرحه للآية العاشرة من سورة الحجر يقول: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ) يقول: (في شيع الأولين)، فرقهم وطوائفهم والشيعة الفرقة إذا تفوقوا على مذهب وطريقة.
ويرى الأُستاذ محمد المهدي شمس الدين في كتابه نظام الحكم والإدارة في الإسلام بعد تحديده الظاهرة الأُولى في مذهب التشيّع أنّها التمسّك بولاء آل البيت وحبّهم والإنحياز معهم في كل نازلة تنزل وخطب يلم، إنّ ظاهرة التشيّع كانت موجودة قبل يوم السقيفة، ويورد مؤيّداً لقوله بعض الأحاديث النبوية الشريفة منها:
(وإنّه إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أُمهاتهم، ستراً من الله عليهم إلّا هذا وشيعته فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم) .ويقول لعلي:
(إنّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه أعداؤك غضاباً مقمحين) .ويورد حديث الثقلين وهو:
(كأنّي قد دعيت فأُجبت إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عزّوجلّ وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض!) .فهذه الأحاديث وإن أنكرها الدكتور طه، وطعن في صحّتها ، تدلّ! على حقيقة ، وهي أنّ الإمام عليّاً كان أثيراً عند النبي جد أثير، فحادثة واحدة تكفي لنعلم مكانة الإمام علي من النبي: استخلفه النبي حين هاجر من مكة إلى المدينة، أن يقيم بعده بمكة أيّاماً حتى يؤدّي عنه أمانته والودائع والوصايا التي كانت عند النبي، ثم يلحق بأهله ففعل ذلك!ّ
صحيح أنّ هذه التسمية لم تكن واضحة المعالم محدّدة السمات في عهد النبي لكن أبا سعيد الخدري يقول: ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله إلّا ببغض علي بن أبي طالب.
لذلك لم ين يطلق لفظ الشيعة إلّا على طائفة من الصحابة، كانوا شديدي الإتصال بعليّ، منهم:
أ ـ أبو ذر الغفّاري.
ب ـ سلمان الفارسي.
ج ـ عمّار بن ياسر.
د ـ المقداد بن الأسود الكندي.
هـ ـ وحذيفة بين اليمان.
إذن فجذور التشيّع كانت موجودة حتى في حياة النبي، فلمّا بويع الإمام علي بالخلافة فرزت الفكرة نضالية وأرست اسسها في واقعة الجمل، وفي معركة صفّين، وتبلورت ذات نظام فكري في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية وأصبح لها مباحثها العقلية والمنطقية وأصبح التشيّع نظاماً إسلامياً وفكرة وعقيدة لها فلسفتها وفقهها.
وفي أيّام الرشيد صار للمذهب الشيعي مدرسة فكرية، منهجية منظّمة أخرجت للعالم نظام الدولة السياسي على أساس نظام الحكم والإدارة في الإسلام!
وبعامل التراث والأحقاد والضغائن اتهم كل منحرف عن الإسلام بكونه شيعيّاً!
والشيعة تعترف بثلاث فرق:
أ ـ الإمامية الإثني عشرية ـ وهم الذين يعتقدون إمامة الأئمّة الإثني عشر، ويحصرون أئمّتهم في إثني عشر إماماً وهذا أحد الإختلافات المهمّة بينهم وبين طوائف المسلمين، والشيعة الآخرين، ويدعون أيضاً الجعفرية.
ب ـ الزيدية وقد نشأت هذه الفرقة سنة 122 للهجرة، يوم نهض (زيد بن علي بن الحسين في الكوفة مناهضاً لهشام بن عبدالملك واتّبعه جماعة من أهل الكوفة وخذله بعضهم، فسمّي الذين خذلوه (الرافضة)، وعرف الذين ثبتوا على ولائه بـ (الزيدية) وما يزالون في اليمن.
ج ـ الإسماعيلية ـ وينفصلون عن الإمامة في موسى الكاظم فيذهبون إلى إمامة أخيه إسماعيل بن جعفر الصادق.
إذن فجذور التشيّع كانت موجودة، لكنّ الأمويين لمّا كانوا عمالاً لأبي بكر ولعمر كانوا يسدّون الأبواب في وجه بني هاشم، ولسبب العداء المتأصل في نفوس بني أُمية للإمام علي ولشيعته كانوا يبذلون كل ما في وسعهم لإقصاء الإمام علي عن الخلافة لأنّهم كانوا يعتقدون أنّه إذا صارت الخلافة إليه فلن تزول عنه وعن ذريته من بعده بسبب اللياقة التي اتصف بها الإمام علي وأصحابه ولتعلّق الناس به وببيته لما عرفوا به من تقوى وإيمان وشجاعة وإدراك وعقل يميّزون به الأُمور!
ولم يكتف الأمويون بمحاربة الإمام علي وشيعته بل عمدوا إلى استئجار الشعراء والمغنّين والمخنّثين وفي عدادهم عمر بن أبي ربيعة لإشاعة السمعة الفاسدة لمكة وللمدينة المنوّرة عاصمتي الدين الإسلامي يظهرونهما بمظر المكانين اللذين لا يليقيان بالزعامة الدينية.
الهوامش
1 ـ القصص: 15.
2 - الصافات: 83.