ص 5
بسم الله الرحمن الرحيم
ص 6
كلمة الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الشعوب الإسلامية في كل أنحاء العالم
بإمكانها نيل الوحدة وتحقيق الأخوة بمختلف الطرق، وأحدها الوحدة وتحقيق الأخوة
بمختلف الطرق، وأحدها في العقيدة والمبدأ لأن الاختلاف في المباني الفكرية
والأيديولوجية تمثل الأساس الذي تتفرع عليه الاختلاف في السلوك المترجم على أرض
الواقع، الجميع يتسائلون: الجواب على هذه الأسئلة واضح، لأنه: لأن سيرة الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم لا إبهام فيها، وبما أن جميع الفرق والمذاهب الإسلامية تعتقد
بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجميع المسلمين يتعشقونه، ويأتون إلى زيارته من كل
فج عميق، فلا بد أن يتعرفوا على سيرته وأحاديثه، ويتخذوا منها منهجا يسيرون عليه في
حياتهم، وهكذا تزول الاختلافات باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. إن
علماء السنة يؤمنون بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سموا أنفسهم باسم
السنة لذلك، ولشدة عشقهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يحترمون أصحابه أيضا، حتى
أولئك الذين لم يصحبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أياما قلائل نجدهم ينظرون
إليهم بإجلال وإكبار ويقبلون آراءهم، إذا، فلا بد أن يقبلوا وصايا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، في أرض الجحفة في غدير خم حيث اختار
صلى الله عليه وآله وسلم عليا لإمامة المسلمين، وذلك عندما رجع 120 ألف من حجاج بيت
الله الحرام من مكة المكرمة وبايعوا عليا، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم مدوا أيديهم لمبايعة الإمام علي عليه السلام، وقد تناقل خبر هذه الواقعة
جميع الحاضرين ودونوها في كتبهم، وحفظت صدورهم، حديث الغدير وتناقلته أفواههم وأنشد
فحول الشعراء من العرب آنذاك القصائد العصماء في تلك الحادثة الهامة، فإذا كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم مقبولا، وقوله وفعله حجة. فحديث الغدير وخطبة الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم في نصب علي بن أبي طالب عليه السلام إماما من بعده، وسلوكه
صلى الله عليه وآله وسلم في أخذ البيعة للإمام علي عليه السلام حجة، تلك حقيقة لا
تقبل الرد، ومن هذا الجهد المبارك الكتاب الروض النضير في معنى حديث الغدير، من
تأليفات الأستاذ فارس حسون كريم، حول واقعة الغدير الكبرى ونسأل الله أن يوفقه في
الدنيا بالمكارم الأخلاقية وفي القيامة بالوصول إلى الشفاعة العترة النبوية. إن شاء
الله قم المقدسة، مؤسسة أمير المؤمنين عليه السلام للتحقيق محمد الدشتي محرم الحرام
1375 هـ ش.
ص 7
الإهداء
إلى من كان رضاهما مصدر التوفيق. إلى من ليس أحب إليها من أن تسمع وترى أني
سعيد محظوظ. إلى من قدمت إلي كل غال ورخيص في سبيل إسعادي. إلى الكنز الزاخر من
الحنان والعطف الصادقين، أعب منهما كلما أظلمت الحياة في وجهي، وصدمتني الأيام
بمصائبها. إلى أمي الحنون حفظها الله ورعاها بعنايته. إلى من حفرت وصاياه كما يشاء
على قلبي بأحرف لا تمحوها يد النوى، ولا تعبث بها نار الغربة. إلى من ترعرعت على
مهد آدابه، وشبت على رحيب صدره. إلى من أتذكره كلما لاح غصن وهدلت حمامة. إلى سيدي
الوالد الأكرم أعزه الله. أقدم هذه الصفحات
فارس
ص 9
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك يا من هدانا الصراط المستقيم وسبيل السداد،
وجعلنا أكمل العباد، وأسكننا في أحسن البلاد، وأسعدنا في ذكر مناقب الأئمة
والأوصياء المرضيين، واستسعد أنفسنا بمدائح الأنبياء والأولياء الصديقين، وصيرنا
غير من يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وأعطانا الجنان وعينا فيها تسمى سلسبيلا.
وجعلنا من الزمرة الناجين الاثني عشرية القائلين: بأن عليا عليه السلام بلا فصل بعد
خير المرسلين، خليفة ومقتدى العالمين، وإمام المخلوقين، وأمير المؤمنين، ويعسوب
الدين، وقائد الغر المحجلين. ووفقنا للتمسك بأذيال الأئمة الطاهرين، مولانا أمير
المؤمنين وعترته الميامين، ودلنا إلى سواطع أنوار الملة البيضاء، ولوامع أخبار
الشريعة الغراء، ومشارق شموس الهداية، وشوارق أقمار الرواية والدراية، فبذلك صرنا
أشياعا لسادة يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا، وأتباعا لقادة يطعمون
الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.
ص 10
والصلاة على من ختمت به النبوة والرسالة، وكملت به الرفعة والجلالة، وغلت به
الشرافة والنبالة، وعلت به النجابة والأصالة. وعلى أهل بيته أقطاب رحى الإسلام
والإيمان، ومراكز دائرة الفتوة والإحسان، ومطالع أنوار السعادة، ومنابع أنهار
السيادة. لا سيما من تمت به الولاية، ونمت به الوصاية، وسمت به الدراية، ووسمت به
الرواية، يد الله الواهب، وهزبره السالب، وشهابه الثاقب، علي بن أبي طالب صلوات
الله عليه، ما طلع الشارق، وغرب الغارب. جعلني الله تعالى من مواليهم، وصيرني ممن
يتبرأ من أعاديهم.
وبعد: لا يذهب على اللبيب السالك مهيع الانصاف، التارك لهواه،
النائي بجنبه عن العصبية الباردة التي هي تراث الكامنين بغض آل الرسول صلى الله
عليه وآله لأحقاد بدرية وحنينية، إن هذا الحديث الشريف من المتواترات بين النقلة
وحفاظ الأحاديث النبوية، قد بلغت كثرة أسانيده واستفاضتها إلى درجة لو ارتاب فيه
أحد لم يجد متواترا في الدنيا، ولعد المكابر له من السوفسطائية في الحسيات، فكيف
يتطرق إلى صدوره الإنكار، وإلى صراحة دلالته الاحتمال، وقد شهد بتواتره فطاحل
الآثار وحفظة الأخبار؟! أودعوه في كتبهم على تنوعها، وأذعنوا بعد التأويلات الباردة
بصراحته في ما نقول نحن معاشر شيعة أهل البيت عليهم السلام. فممن صرح بتواتره:
1 -
السيد محمد بن إسماعيل بن صلاح الدين الأمير، قال في كتابه الروضة الندية في شرح
التحفة العلوية : وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة
ص 11
الحديث. 2 - أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني، وهو من أوثق رجال المذاهب الأربعة،
له كتاب دراية حديث الولاية وهو سبعة عشر جزءا، روى فيه نص النبي صلى الله عليه
وآله على علي عليه السلام بالخلافة عن مائة وعشرين صحابيا وست صحابيات، وعدد أسانيد
هذا الكتاب ألف وثلاثمائة. 3 - الشيخ ضياء الدين صالح بن المهدي المقبلي في كتاب
الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة . حيث قال - بعد ذكر الغدير - ما لفظه: وطرقه
كثيرة جدا ولذا ذهب بعضهم إلى أنه متواتر لفظا فضلا عن المعنى. 4 - صاحب كتاب نخب
المناقب لآل أبي طالب حيث قال ما لفظه: قال جدي شهرآشوب: سمعت أبا المعالي
الجويني يتعجب ويقول: شاهدت مجلدا ببغداد بيد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا
عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه . وتتلوه
المجلدة التاسعة والعشرون. وذكره ابن كثير أيضا في التاريخ . 5 - صاحب كتاب
السراج المنير في شرح الجامع الصغير في أحاديث شير النذير . 6 - أبو القاسم عبيد
الله بن عبد الله الحسكاني النيسابوري الرازي، صنف كتابا في حديث الغدير سماه
دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة في مجلد كبير. 7 - القاضي سناء الله الهندي
الباني بتي في كتاب السيف المسلول على ما نقله صاحب عبقات الأنوار . 8 -
العلامة الشيخ جلال الدين عبد الرحمان السيوطي في كتابه الأزهار
ص 12
المتناثرة في الأحاديث المتواترة . 9 - شمس الدين التركماني الذهبي، حيث إنه بعد
معلومية حاله من التسرع في تضعيف الأسانيد حكم بكون هذا الحديث متواترا، وجعل يتكلف
في دلالته ويحمله على محامل بعيدة. 10 - الشيخ ابن كثير الشامي في تاريخه عند
ترجمة محمد بن جرير الطبري، وأنه رأى كتابا جمع فيه أسانيد هذا الحديث في مجلدين
ضخمين. 11 - الجزري في أسنى المطالب ، حيث قال: إنه حديث صحيح رواه الجم الغفير
عن الجم الغفير. 12 - الشيخ جمال الدين النيسابوري في الأربعين ، حيث قال: حديث
الغدير تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة. 13 - الميرزا مخدوم بن مير عبد
الباقي الشريفي الحنفي المتعصب في كتاب نواقض الروافض . 14 - المولوي محمد مبين
الهندي الحنفي في كتاب وسيلة النجاة كما في العبقات .
إلى غير ذلك من
كلماتهم المودعة في كتبهم قد طوينا عن نقلها كشحا روما للاختصار، ورعاية لحال
النظار، وما نقلناه قطرة بالنسبة إلى ما لم ننقل، ومن أراد أن يقف على أكثر مما ذكر
فليرجع إلى كتبهم. ونعم ما قال سيدنا ذو المجدين علم الهدى الشريف المرتضى علي بن
الحسين الموسوي في كتابه المسمى ب الشافي في الرد على القاضي المعتزلي : وما
المطالب بتصحيح خبر الغدير إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي صلى الله
ص 13
عليه وآله الظاهرة المنثورة وأحواله المعروفة، وحجة الوداع نفسها، لأن ظهور الجميع
وعموم العلم به بمنزلة واحدة، وقد أورد مصنفو الحديث في جملة الصحيح، وقد استبد هذا
الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار لأن الأخبار على ضربين: أحدهما: أن يعتبر في
نقله الأسانيد المتصلة كالخبر عن واقعة بدر وخيبر والجمل وصفين وما جرى مجرى ذلك من
الأمور الظاهرة التي يعلمها الناس قرنا بعد قرن بغير إسناد وطريق مخصوص. والثاني:
يعتبر فيه اتصال الأسانيد كأخبار الشريعة، وقد اجتمع في خبر الغدير الطريقان مع
تفرقهما في غيره. وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتصفة بالصحة الجمع
الكثير. وكذلك تجد أكثر المصادر الشيعية التي تتناول حديث الغدير تركز على المصادر
السنية. ونحن آثرنا أن نعطي صورة من الحديث في مصادر المسلمين غير الشيعة وقد فعلنا
بعونه تعالى. مع أنهم ذكروا في صحاحهم في فضيلة نزول آية *(اليوم أكملت لكم
دينكم)*(1) ما رواه مسلم في صحيحه في الجلد الثالث عن طاوس بن شهاب قال: قالت
اليهود لعمر: لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية ونعلم اليوم الذي أنزلت فيه
لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. وها هم يروون أنه يوم غدير خم يوم نصب أمير المؤمنين عليه
السلام
(هامش)
(1) سورة المائدة: 3. (*)
ص 14
كما في رواية أبي هريرة قال: من صام ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين
شهرا . وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي
طالب عليه السلام فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ . قالوا: بلى يا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه . فقال عمر بن
الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب!! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (1)، فأنزل
الله تعالى: *(اليوم أكملت لكم دينكم)* الآية. ولم تجد أو تسمع أحدا من أهل السنة
من يتخذ ذلك اليوم عيدا في جميع الأعصار والأمصار، بل يكتمونه عن العوام، وينكرونه
عند الجهال أشد الإنكار، فهل كان إلا عنادا لربهم، وخلافا لنبيهم، وتسفيها لحلوم
أهل شريعتهم، وردا على كتابهم، وقد تمحض قيام ذلك عند شيعة أهل بيت محمد صلى الله
عليه وآله فإنهم هم الذين عملوا بمقتضى ما أنزله الله في كتابه، وأكده نبيه حينئذ
في خطابه، واستقاموا على سنن الهادين من آل نبيهم، وهذا لا ينكره أحد كما أفاد
الفاضل في نهج المحجة . وبعد اطلاعك بما نقلناه، وفهم الفصحاء والشعراء منه ما
أوردناه، واستحضارك بنزول رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك الزمان الشديد
الحرارة، والمكان الممتلئ بالأشواك الضارة، الذي لم يكن نزول المسافر
(هامش)
(1) مسند أحمد بن حنبل: 4 / 281، وذكره عن أحمد في كنز العمال: 6 / 397، الرياض
النضرة: 2 / 169، وسيلة المآل في عد مناقب الآل: 109 (مخطوط). (*)
ص 15
فيه متعارفا حتى أن الرجل يستظل بناقته من شدة الحرارة، ويضع رداءه تحت قدميه من
شدة الرمضاء، وصعوده صلى الله عليه وآله على منبر من الأقتاب والدعاء لعلي عليه
السلام على وجه يناسب لشأن الملوك والخلفاء وولاة العهد تقطع بأن ذلك لم يكن إلا
لنزول الوحي الايجابي الفوري لإظهار أمر عظيم الشأن، جليل القدر، يختص بعلي عليه
السلام دون سائر أهل البيت عليهم السلام، كنصبه للإمامة والخلافة، واختصاصه بصفة
النبالة والشرافة، لا لمجرد طلب المحبة والنصرة، وأمثالهما المعلومة بديهة للبررة
والفجرة، سيما مع قوله صلى الله عليه وآله: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فإنه نص
صريح في إرادة رئاسة الدين والدنيا، وقول عمر: بخ بخ، إلخ. وبهذا ظهر أن ما ذكر
الفاضل القوشجي وأجيب بأنه غير متواتر إلى آخر ما قال في شرحه على تجريد العقائد
بعيد عن الانصاف. وأنا لشديد التعجب من أهل السنة فإنهم إذا رأوا رواية الأخبار
من متقدمي محدثيهم دالة على إمامة علي عليه السلام مع كونها متواترة ومتفقا عليها
بين الفريقين، كحديث الغدير والمنزلة وما ضاهاهما ينكرون تواترها وحجيتها بسبب عدم
ذكرها بعض متأخري محدثيهم الذي تفطن بدلالتها على مطلوب الإمامية للعصبية! وليت
شعري كيف يقبلون روايتهم في ما سوى ذلك مع كونها غير متواترة وغير متفق عليها بين
الفريقين، بل غير متفق عليها بينهم أيضا نقلا ودلالة وسندا؟! فوالله لا عيب أشد من
الجهل، ولا داء أضر من خفة العقل، ولا فساد أعظم من التعصب، ولا مرض أكبر من التغلب
والتقلب.
ص 16
ولم تكن رغبتي في غور البحث في حديث الغدير وليدة الساعة، فقد كانت أمنيتي أن
أوفق لتبييض مسوداتي، وإذا أشرق - إن شاء الله تعالى - بدره المنير من أفق التمام،
وتفتق زهره النضير من حجب الكمام، وسمته ب الروض النضير في معنى حديث الغدير ،
والله أسأل أن يوفقني لإتمامه، ويشفع حسن ابتدائه بحسن ختامه. وهذا بدء الكتاب،
والله الهادي إلى طريق الصواب. وهو مشتمل على مقدمة وسبعة فصول. فارس حسون كريم قم
المقدسة جمادى الثانية 1417 هـ. ق
ص 17
الفصل الأول
خطبة الغدير
ص 19
خطب الرسول صلى الله عليه وآله يوم غدير خم خطبة رويت بسند متواتر، وليس في
الإسلام حديث - بعد حديث بعثة الرسول صلى الله عليه وآله - أكثر تواترا من حديث
الغدير، فقد رواها أكثر المهاجرين والأنصار، والتابعين والرواة - رم أن الاتجاه
السياسي كان يمنع من روايته - وقد ألف العلماء مئات من الكتب المستقلة، في تدقيق
نصه وأسانيده، ومنها كتاب عبقات الأنوار للعلامة المغفور له السيد مير حامد
حسين، وكتاب الغدير للبحاثة الشيخ عبد الحسين الأميني، ومن أراد الاطلاع على
مجمل ما ألف وصنف في هذا الشريف فليرجع إلى الغدير في التراث الإسلامي تأليف
أستاذنا العلامة الفقيد السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس سره. ونحن هنا نورد هذا
الحديث عن كتاب الاحتجاج للطبرسي: 55 - 66، فقد رواه بالسند التالي (1):
حدثني
السيد العالم أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني، عن الشيخ أبي علي الحسن بن السعيد
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، عن الشيخ أبي جعفر، عن جماعة، عن أبي محمد هارون بن
موسى التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام، عن علي السوري، عن أبي محمد العلوي - من
ولد الأفطس -، عن محمد بن موسى الهمداني، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن
(هامش)
(1) انظر أيضا: روضة الواعظين: 89 - 101، تفسير البرهان: 1 / 436 ح 9، الغدير: 1 /
214 وما بعدها. (*)
ص 20
عميرة، وصالح بن عقبة جميعا، عن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي
جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وآله من
المدينة، وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرائيل عليه السلام
فقال: يا محمد، إن الله جل اسمه يقرؤك السلام، ويقول لك: إني لم أقبض نبيا من
أنبيائي، ولا رسولا من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذاك
فريضتان، مما تحتاج أن تبلغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك،
فإني لم أخل أرضي من حجة، ولن أخليها أبدا، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك
الحج، وتحج، ويحج معك من استطاع إليه سبيلا، من أهل الحضر والأطراف والأعراب،
وتعلمهم معالم حجهم، مثلما علمتهم من صلاتهم، وزكاتهم، وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على
مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع. فنادى منادي رسول الله صلى
الله عليه وآله: ألا إن رسول الله يريد الحج، وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من
شرائع دينكم، ويوقفكم من ذاك على أوقفكم عليه من غيره. فخرج صلى الله عليه وآله
وخرج معه الناس، وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم، وبلغ من حج مع
رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألفا أو
يزيدون.. فلما أتم الحج ورجع، وبلغ غدير خم، قبل الجحفة (1) بثلاثة أميال، أتاه
(هامش)
(1) الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة على أربع مراحل.. وكان اسمها
مهيعة وسميت الجحفة لأن السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة أميال. مراصد
الاطلاع: 1 / 315 . (*)
ص 21
جبرائيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار، والعصمة من
الناس، فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقرؤك السلام، ويقول لك: *(يا أيها النبي بلغ
ما أنزل إليك من ربك - في علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من
الناس)*(1). وكان أوائلهم قريبا من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم، ويحبس من
تأخر عنهم في ذلك المكان، ليقيم عليا علما للناس، ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في
علي، وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله - عندما جاءته
العصمة - مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة، ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر،
وتنحى عن يمين الطريق، إلى جنب مسجد الغدير - أمره بذلك جبرائيل عن الله عز وجل -
وكان في الموضع سلمات (2)، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم ما تحتهن (3)،
وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك
المكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فوق تلك الأحجار، ثم حمد الله
وأثنى عليه فقال:
(هامش)
(1) سورة المائدة: 67. (2) أي أشجار. (3) أي يكنس ما تحتهن. (*)
ص 22
الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط
بكل شيء علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، مجيدا لم يزل، محمودا
لا يزال، بارئ المسموكات، وداحي المدحوات، وجبار الأرضين والسماوات، قدوس سبوح، رب
الملائكة والروح، متفضل على جميع من برأه، متطول على جميع من أنشأه، يلحظ كل عين
والعيون لا تراه، كريم، حليم، ذو أناة، قد وسع كل شيء رحمته، ومن عليهم بنعمته، لا
يعجل بانتقامه، ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر، وعلم
الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شيء،
والغلبة على كل شيء، والقوة في كل شيء، والقدرة على كل شيء، وليس مثله شيء، وهو
منشئ الشيء حين لا شيء، دائم قائم بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جل عن أن
تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة،
ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية، إلا بما دل عز وجل على نفسه. وأشهد أنه الله
الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشي الأبد نوره، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير، ولا
معه شريك في تقدير، ولا تفاوت في تدبير، صور ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا
معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال، أنشأها فكانت، وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا
إله إلا هو، المتقن الصنعة، الحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي ترجع
إليه الأمور.
ص 23
وأشهد أنه الذي تواضع كل شيء لقدرته، وخضع كل شيء لهيبته، ملك الأملاك، ومفلك
الأفلاك، ومسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار، ويكور
النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاصم كل جبار عنيد، ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه
ضد ولا ند، أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، إله واحد، ورب ماجد،
يشاء فيمضي، ويريد فيقضي، ويعلم فيحصي، ويميت ويحيي، ويفقر ويغني، ويضحك ويبكي،
ويمنع ويعطي. له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، يولج الليل في
النهار، ويولج النهار في الليل، لا إله إلا هو العزيز الغفار، مستجيب الدعاء، ومجزل
العطاء، محصي الأنفاس، ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شيء، ولا يضجره صراخ
المستصرخين، ولا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين، والموفق للمفلحين، ومولى
العالمين، الذي استحق من كل من خلق أن يشكره ويحمده. أحمده على السراء والضراء،
والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته، وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع، وأبادر إلى كل
ما يرضاه، وأستسلم لقضائه، رغبة في طاعته، وخوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن
مكره، ولا يخاف جوره، وأقر له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما
أوحى إلي، حذرا من أن لا أفعل، فتحل بي منه قارعة (1) لا يدفعها عني أحد وإن عظمت
حيلته، لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته،
وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحى إلي
(هامش)
(1) القارعة: الداهية والنكبة المهلكة. (*)
ص 24
*(بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك)* في علي - يعني
في الخلافة لعلي بن أبي طالب - *(وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من
الناس)*. معاشر الناس، ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي، وأنا مبين لكم سبب
نزول هذه الآية: إن جبرائيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا، يأمرني عن السلام ربي
وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد، فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي،
ووصيي، وخليفتي، والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى، إلا أنه لا نبي
بعدي، وهو وليكم بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من
كتابه: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون)*(1) وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة، وآتى الزكاة وهو راكع،
يريد الله عز وجل في كل حال. وسألت جبرائيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم - أيها
الناس - لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المنافقين، وإدغال (2) الآثمين، وختل (3)
المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه، بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في
قلوبهم، ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة أذاهم لي في غير مرة، حتى سموني:
أذنا، وزعموا أني كذلك، لكثرة ملازمته إياي، وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في
ذلك قرآنا: *(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن
(هامش)
(1) سورة المائدة: 55. (2) الإدغال: المخالفة والخيانة. (3) الختل: الخديعة. (*)
ص 25
قل أذن)* على الذين يزعمون أنه أذن *(خير لكم)*(1). ولو شئت أن أسمي بأسمائهم
لسميت، وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في
أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي. ثم تلا صلى
الله عليه وآله: *(يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك)* في علي *(وإن لم تفعل
فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)*. فاعلموا - معاشر الناس - أن الله قد نصبه
لكم وليا وإماما، مفترضا طاعته، على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان،
وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى
الأبيض والأسود، وعلى كل موحد، ماض حكمه، جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه،
مرحوم من تبعه، مؤمن من صدقه، فقد غفر الله له، ولمن سمع منه، وأطاع له. معاشر
الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا، وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربكم،
فإن الله عز وجل هو مولاكم، وإلهكم، ثم من دونه محمد صلى الله عليه وآله وليكم،
القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم، ثم الإمامة في ذريتي
من ولده، إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما
حرمه الله، عرفني الحلال والحرام، وأنا أفضيت بما علمني ربي، من كتابه وحلاله
وحرامه إليه. معاشر الناس، ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد
أحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلا علمته عليا، وهو الإمام المبين.
(هامش)
(1) سورة التوبة: 61. (*)
ص 26
معاشر الناس، لا تضلوا عنه، ولا تنفروا منه، ولا تستكبروا (1) من ولايته، فهو الذي
يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهى عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثم
إنه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذي فدى رسوله بنفسه، وهو الذي كان مع رسول
الله، ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره. معاشر الناس، فضلوه فقد فضله
الله، واقبلوه فقد نصبه الله. معاشر الناس، إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على
أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه،
وأن يعذبه عذابا نكرا، أبد الآباد، ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه، فتصلوا نارا
وقودها الناس والجارة أعدت للكافرين. أيها الناس، بي والله بشر الأولون من النبيين
والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين، والحجة على جميع المخلوقين، من أهل
السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شيء من
قولي هذا فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار. معاشر الناس، حباني الله
بهذه الفضيلة، منا منه علي، وإحسانا منه إلي، ولا إله إلا هو، له الحمد مني أبد
الآبدين ودهر الداهرين على كل حال. معاشر الناس، فضلوا عليا، فإنه أفضل الناس بعدي،
من ذكر وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وأبقى الخلق، ملعون ملعون، مغضوب مغضوب، من رد
علي قولي هذا ولم يوافقه، ألا إن جبرائيل أخبرني عن الله تعالى بذلك، ويقول: من
عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن
تخالفوه، فتزل قدم بعد ثبوتها، إن الله خبير بما تعملون.
(هامش)
(1) تستنكفوا - خ ل -. (*)
ص 27
معاشر الناس، إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه، فقال تعالى: *(أن تقول نفس يا حسرتي
على ما فرطت في جنب الله)*(1). معاشر الناس، تدبروا القرآن، وافهموا آياته، وانظروا
إلى محكماته، ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره، ولا يوضح لكم تفسيره،
إلا الذي أنا آخذ بيده، ومصعده إلي، وشائل بعضده، ومعلمكم: أن من كنت مولاه فهذا
علي مولاه، وهو علي بن أبي طالب، أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل، أنزلها علي.
معاشر الناس، إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، فكل
واحد منبئ عن صاحبه، وموافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، هم أمناء الله في
خلقه، وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت،
ألا وإن الله عز وجل قال، وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير
أخي هذا، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره (2). معاشر الناس، هذا علي أخي
ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على أمتي، وعلي تفسير كتاب الله عز وجل، والداعي إليه،
والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته،
خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين
والمارقين، بأمر الله.
(هامش)
(1) سورة الزمر: 56. (2) ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ أول ما صعد رسول
الله صلى الله عليه وآله شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه
وآله، ثم قال:... (*)
ص 28
أقول: ما يبدل القول لدي، بأمر ربي أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن
من أنكره، واغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت علي: أن الإمامة بعدي لعلي، وليك،
عند تبياني ذلك، ونصبي إياه، بما أكملت لعبادك من دينهم، وأتممت عليهم بنعمتك،
ورضيت لهم الإسلام دينا، فقلت: *(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين)*(1). اللهم إني أشهدك، وكفى بك شهيدا: أني قد بلغت. معاشر
الناس، إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به، وبمن يقوم مقامه من
ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، والعرض على الله عز وجل، فأولئك الذين حبطت أعمالهم
وفي النار هم فيها خالدون لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. معاشر الناس، هذا
علي، أنصركم لي، وأحقكم بي، وأقربكم إلي، وأعزكم علي، والله عز وجل وأنا عنه
راضيان، وما نزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت
آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد بالجنة في *(هل أتى على الإنسان)*(2) إلا له،
ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره. معاشر الناس، هو ناصر دين الله، والمجادل عن
رسول الله، وهو التقي النقي، الهادي المهدي، نبيكم خير نبي، ووصيكم خير وصي، وبنوه
خير الأوصياء. معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه، وذريتي من صلب علي.
(هامش)
(1) سورة آل عمران: 85. (2) المراد سورة الدهر. (*)
ص 29
معاشر الناس، إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم، وتزل
أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة، وهو صفوة الله عز وجل، وكيف بكم
وأنتم أنتم، ومنكم أعداء الله؟ ألا إنه لا يبغض عليا إلا شقي، ولا يتوالى عليا إلا
تقي، ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، وفي علي والله نزلت سورة والعصر: *(بسم الله
الرحمن الرحيم. والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا
بالحق وتواصوا بالصبر)*. معاشر الناس، قد استشهدت الله، وبلغتكم رسالتي، وما على
الرسول إلا البلاغ المبين. معاشر الناس، اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون. معاشر الناس، آمنوا بالله ورسوله، والنور الذي أنزل معه، من قبل أن نطمس
وجوها فنردها على أدبارها. معاشر الناس، النور من الله عز وجل في مسلوك، ثم في علي،
ثم في النسل منه، إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق الله، وبكل حق هو لنا، لأن الله
عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين، والمعاندين، والمخالفين، والخائنين، والآثمين،
والظالمين، من جميع العالمين. معاشر الناس، أنذرتكم أني رسول قد خلت من قبلي الرسل،
أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا،
وسيجزي الله الشاكرين. ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من
صلبه. معاشر الناس، لا تمنوا على الله إسلامكم، فيسخط عليكم، ويصيبكم
ص 30
بعذاب من عنده، إنه لبالمرصاد. معاشر الناس، إنه سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى
النار، ويوم القيامة لا ينصرون. معاشر الناس، إن الله وأنا بريئان منهم. معاشر
الناس، إنهم وأنصارهم، وأتباعهم وأشياعهم في الدرك الأسفل من النار، ولبئس مثوى
المتكبرين، ألا إنهم أصحاب الصحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته (1). معاشر الناس، إني
أدعها إمامة، ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما أمرت بتبليغه، حجة على
كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر
الغائب والوالد الولد، إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، ألا لعن الله
الغاصبين، والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم أيها الثقلان، فيرسل عليكما شواظ من نار
ونحاس فلا تنتصران. معاشر الناس، إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه،
حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب. معاشر الناس، إنه ما من
قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة، كما ذكر الله تعالى،
وهذا علي إمامكم، ووليكم، وهو مواعيد الله، والله يصدق ما وعده. معاشر الناس، قد ضل
قبلكم أكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين، وهو
(هامش)
(1) قال: فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة. (*)
ص 31
مهلك الآخرين، قال الله تعالى: *(ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل
المجرمين ويل يومئذ للمكذبين (1) معاشر الناس، إن الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت
عليا ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوا
تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده، ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله.
أنا صراط الله المستقيم، الذي أمركم باتباعه، ثم علي من بعدي، ثم ولدي من صلبه،
أئمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون. ثم قرأ: الحمد لله رب العالمين، إلى آخرها، وقال:
في نزلت، وفيهم نزلت، ولهم عمت، وإياهم خصت، أولئك أولياء الله، لا خوف عليهم ولا
هم يحزنون، ألا إن حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق،
والحادون وهم العادون، وإخوان الشياطين، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول
غرورا. ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل: *(لا تجد قوما
يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم
أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه هم ويدخل جنات
تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن
حزب الله هم المفلحون)*(2). ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل، فقال:
*(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)*(3).
(هامش)
(1) سورة المرسلات: 16 - 19 (2) سورة المجادلة: 22. (3) سورة الأنعام: 82. (*)
ص 32
ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل، فقال: الذين يدخلون الجنة آمنين
وتتلقاهم الملائكة بالتسليم أن طبتم فادخلوها خالدين (1). ألا إن أولياءهم الذين
قال لهم الله عز وجل: *(يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب)*(2). ألا إن أعداءهم
يصلون سعيرا. ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور، ولها زفير (3).
ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم: *(كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا
فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال
لكل ضعف ولكن لا تعلمون)*(4). ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل: *(كلما ألقي
فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل
الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال مبين)*(5). ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم
بالغيب، لهم مغفرة وأجر كبير. معاشر الناس شتان ما بين الجنة والسعير، عدونا من ذمه
الله ولعنه، وولينا من مدحه الله وأحبه. معاشر الناس، ألا إني منذر وعلي هاد.
(هامش)
(1) إقتباس من الآية: 73 من سورة الزمر: *(وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا
حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)*.
(2) سورة غافر: 40. (3) إشارة إلى الآية: 12 من سورة الفرقان. (4) سورة الأعراف:
38. (5) سورة الملك: 8 - 9. (*)
ص 33
معاشر الناس، إني نبي، وعلي وصي. ألا إن خاتم الأئمة منا، القائم المهدي. ألا إنه
الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح الحصون وهادمها. ألا
إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك. ألا إنه مدرك بكل ثأر لأولياء الله. ألا إنه
الناصر لدين الله. ألا إنه الغراف من بحر عميق. ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل
ذي جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره. ألا إنه وارث كل علم والمحيط به. ألا إنه
المخبر عن ربه عز وجل، والمنبه بأمر إيمانه. ألا إنه الرشيد السديد. ألا إنه المفوض
إليه. ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه. ألا إنه الباقي حجة، ولا حجة بعده، ولا
حق إلا معه، ولا نور إلا عنده. ألا إنه لا غالب له، ولا منصور عليه. ألا إنه ولي
الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته. معاشر الناس، قد بينت لكم،
وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي. ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على
بيعته، والإقرار به، ثم مصافقته بعدي.
ص 34
ألا وإني قد بايعت الله، وعلي قد بايعني، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل
*(فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيا
م)*(1). معاشر الناس، *(إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا
جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)*(2). معاشر الناس، حجوا
البيت، فما ورده أهل بيت إلا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا. معاشر الناس، ما
وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك، فإذا انقضت حجته
استؤنف عمله. معاشر الناس، الحجاج معانون، ونفقاتهم مخلفة، والله لا يضيع أجر
المحسنين. معاشر الناس، حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهد
إلا بتوبة وإقلاع. معاشر الناس، أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، كما أمركم الله عز
وجل، لئن طال عليكم الأمد فقصرتم، أو نسيتم، فعلي وليكم، ومبين لكم، الذي نصبه الله
عز وجل بعدي، ومن خلقه الله مني وأنا منه، يخبركم بما تسألون عنه، ويبين لكم ما لا
تعلمون. ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما، فآمر بالحلال وأنهى عن
الحرام في مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم، والصفقة لكم
(هامش)
(1) سورة الفتح: 10. (2) سورة البقرة: 158. (*)
ص 35
بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين، والأئمة من بعده، الذين هم
مني منه أئمة قائمة، منهم المهدي، إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق. معاشر الناس،
وكل حلال دللتكم عليه، أو حرام نهيتكم عنه، فإني لم أرجع عن ذلك، ولم أبدل. ألا
فاذكروا ذلك واحفظوه، وتواصوا به، ولا تبدلوه، ولا تغيروه. ألا وإني أجدد القول،
ألا فأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر. ألا وإن رأس
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي، وتبلغوه من لم يحضر، وتأمروه
بقبوله، وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز وجل ومني، ولا أمر بمعروف ولا نهي
عن منكر إلا مع إمام معصوم. معاشر الناس، القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده،
وعرفتكم أنه مني وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه: *(وجعلها كلمة باقية في
عقبه)*(1)، وقلت: لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما. معاشر الناس، التقوى التقوى، احذروا
الساعة، كما قال الله عز وجل: *(إن زلزلة الساعة شيء عظيم)*(2). اذكروا الممات،
والحساب، والموازين، والمحاسبة بين يدي رب العالمين، والثواب والعقاب، فمن جاء
بالحسنة أثيب عليها، ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.
(هامش)
(1) سورة الزخرف: 28. (2) سورة الحج: 1. (*)
ص36
معاشر الناس، إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرني الله عز وجل أن آخذ
من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين، ومن جاء بعده من الأئمة مني
ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم: إنا سامعون مطيعون راضون
منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في أمر علي، وأمر ولده من صلبه من الأئمة: نبايعك
على ذلك بقلوبنا، وأنفسنا، وألسنتنا، وأيدينا، على ذلك نحيا، ونموت، ونبعث، ولا
نغير، ولا نبدل، ولا نشك، ولا نرتاب، ولا نرجع عن عهد، ولا ننقض الميثاق، نطيع
الله، ونطيعك وعليا أمير المؤمنين، وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه،
بعد الحسن والحسين، اللذين قد عرفتكم مكانهما مني، ومحلهما عندي، ومنزلتهما من ربي
عز وجل، فقد أديت ذلك إليكم، وإنهما سيدا شباب أهل الجنة، وإنهما الإمامان بعد
أبيهما علي، وأنا أبوهما قبله، وقولوا: أطعنا الله بذلك، وإياك وعليا، والحسن
والحسين، والأئمة الذين ذكرت، عهدا وميثاقا، مأخوذا لأمير المؤمنين، من قلوبنا،
وأنفسنا، وألسنتنا، ومصافقة أيدينا، من أدركهما بيده، وأقر بهما بلسانه، ولا نبتغي
بذلك بدلا، ولا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا، أشهدنا الله، وكفى بالله شهيدا، وأنت
علينا به شهيد، وكل من أطاع ممن ظهر واستتر، وملائكة الله وجنوده، وعبيده، والله
أكبر من كل شهيد. معاشر الناس، ما تقولون؟ فإن الله يعلم كل صوت، وخافية كل نفس،
*(فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها)*(1) ومن بايع فإنما يبايع الله، *(يد
الله فوق أيديهم)*(2).
(هامش)
(1) سورة الزمر: 41. (2) سورة الفتح: 10. (*)
ص 37
معاشر الناس، فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين، والحسن والحسين، والأئمة
كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر، ويرحم الله من وفى، *(فمن نكث فإنما ينكث على
نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)*. معاشر الناس، قولوا الذي
قلت لكم، وسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقولوا: *(سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك
المصير)*(1)، وقولوا: *(الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله)*(2). معاشر الناس، إن فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل، وقد أنزلها في
القرآن، أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه. معاشر
الناس، من يطع الله ورسوله، وعليا والأئمة الذين ذكرتهم، فقد فاز فوزا عظيما. معاشر
الناس، السابقون السابقون إلى مبايعته، وموالاته، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين،
أولئك هم الفائزون في جنات النعيم. معاشر الناس، قولوا ما يرضى الله به عنكم من
القول، وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا، فلن يضر الله شيئا. اللهم اغفر
للمؤمنين، واغضب على الكافرين، والحمد لله رب العالمين.
* * *
فلما أنهى الرسول صلى
الله عليه وآله خطابه هتف الحاضرون بأعلى أصواتهم: يا رسول الله، سمعنا وأطعنا
على أمر الله وأمر رسوله، بقلوبنا
(هامش)
(1) سورة البقرة: 285. (2) سورة الأعراف: 43. (*)
ص 38
وألسنتنا وأيدينا فنزل جبرائيل عليه السلام بالوحي: *(اليوم يئس الذين كفروا من
دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام دينا)*(1). فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله على كمال
الدين، وتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي ... وانهال الناس على
علي يصفقون على يده بالبيعة، ويسلمون عليه بإمرة المسلمين، وتقدمهم عمر بن الخطاب
وهو يقول: بخ بخ لك، يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (2) وكلما
بايعت جماعة قال الرسول صلى الله عليه وآله: الحمد لله الذي فضلنا على جميع
العالمين . وطالت البيعة ثلاثة أيام وظهر جبرائيل عليه السلام في صورة شاب جميل
متعطر وقال للمسلمين: والله ما رأيت كاليوم قط، ما أشد وما أكد لابن عمه، أن يعقد
له عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم ورسوله الكريم، ويل طويل لمن حل عقده .
فلما سلم الناس على علي بإمرة المؤمنين قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إنه
سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وهذا ولي كل مؤمن بعدي، وإن
عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة . واستأذن حسان بن ثابت، شاعر رسول
الله صلى الله عليه وآله من النبي صلى الله عليه وآله أن يلقي خواطره، فقال له
الرسول: قل يا حسان على اسم
(هامش)
(1) سورة المائدة: 3. (2) مسند أحمد: 4 / 281، فضائل أحمد: 111، 164، مصنف ابن أبي
شيبة: 12 / 78 / 1267، تاريخ بغداد: 8 / 290، البداية والنهاية: 5 / 210، مناقب
الخوارزمي: 94، كفاية الطالب: 62، فرائد السمطين: 1 / 38، 71. (*)
ص 39
الله، فصعد ربوة من الأرض، وأنشأ: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واسمع بالرسول
مناديا وقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك تعاديا إلهك مولانا وأنت
ولينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي
إماما وهاديا فخص بها دون البرية كلها * عليا وسماه الغدير أخائيا فمن كنت مولاه
فهذا وليه * فكونوا له أتباع صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى
معاديا فقال له الرسول صلى الله عليه وآله: لا زلت يا حسان مؤيدا بروح القدس، ما
دمت مادحنا (1). وسار الشعراء على نهج حسان، فنظموا قصة الغدير بملايين القصائد،
وما مر شاعر من الشيعة بهذه الواقعة إلا وسكب فيها أروع مشاعره، ونظمها الكثيرون من
شعراء غير الشيعة، ومن غير المسلمين، وخصصوا بنظمها ملاحم واسعة، ك عبد المسيح
الأنطاكي الذي نظمها في ملحمة تتجاوز سبعة آلاف بيت، و بولس سلامة الذي نظم
عنها ملحمة في ثلاثة آلاف وخمسمائة بيت.
(هامش)
(1) كفاية الطالب: 64، مناقب الخوارزمي: 80 و94، فرائد السمطين: 1 / 39، 72. (*)
|