الروض النضير في معنى حديث الغدير

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الروض النضير في معنى حديث الغدير

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 241

للحق في حادث من حوادث الفتنة، فتأزم الموقف واشتدت حراجته. وانتدب الإمام الحسن السبط عليه السلام للقيادة الكبرى بعد مقتل أبيه عليه السلام فما تراه فاعلا؟ أيشهر السلاح؟.. ما الذي جد يا ترى؟.. هل تم علاج الموقف بعد مقتل علي عليه السلام ليتمشق الحسن السيف؟ هل آب المخدوعون إلى رشدهم ليستعيد الحق موقفه الأول؟ لا، لا، إن الموقف لا يزال - بعد - على دقته وعلى شدة حراجته. وإذن، فلا بد من إغماد السيف، وإتمام العلاج. وأغمد الحسن عليه السلام السيف، فقال التاريخ والمؤرخون: صالح حسن خصم أبيه، وتنازل له عن حقه. لا، لا، لم يصالح الحسن عليه السلام خصما، ولم يتنازل عن حق، ولكنه استضعف العقيدة في جنوده، وكيف يلقى عدوه بجند ليس لهم قلوب؟!! ويجتاز الكاتب العربي الكبير الأستاذ - عباس محمود العقاد - على هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ، فيلقي عليها نظرة قصيرة جدا، قريبة لا تنفذ إلى الأعماق، ولا تستوعب الملابسات، ويخلص أخيرا إلى نتيجة مزدوجة: فهو يرى الحسن عليه السلام معذورا في ما صنع، ولكنه يتهم قيادته بالضعف. يرى الأستاذ: أن الحرب لطولها وشدتها قد أنهكت الجنود، وأجهدت

ص 242

القوى، وأن الحسن عليه السلام لما رأى هذه الظاهرة في جنوده صمم على إلقاء السلاح لأنه لا يستطيع أن يخوض غمار الحرب بقوى مرهفة. ثم يقول الأستاذ: ولئن كان في هذا عذر للحسن عليه السلام عما صنع فإنه يدل كذلك على قصور في القيادة، فإن الحرب قد أجهدت جيوش خصمه كما أجهدت جيوشه، والقائد القوي يملك أن يستعيد معنويات جيشه بالخطب الملتهبة وبالأعمال المشجعة. هذه نظرة الأستاذ التي ألقاها على هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ، وهذا حكمه فيها، فهل صدقت معي أنها من نظرات البسطاء الذين يبصرون ما بين أيديهم ثم لا يلتفتون إلى ما حول ولا إلى ما وراء؟! هل صدقت معي أن الأستاذ حين قال قولته هذه لم يرجع بنظراته هذه إلى فتنة المصاحف ، ولا إلى حادثة التحكيم ولا إلى واقعة النهروان ، ولا إلى حديث المؤامرة التي انتهت بمصرع القائد الأول للحق، ولا إلى شيء آخر يتصل بهذه الشؤون؟ إنه لم يرجع بنظرته إلى شيء من ذلك ليستيقن أن السر أعمق كثيرا من هذا الذي توهمه سببا ثم توجه إليه بالنقد!.. أغمد الإمام الحسن عليه السلام السيف وأعلن الهدنة، فمكن بذلك الناس أن يروا الحكم الأموي على سجيته رأي عين، وأن يبرز أمامهم بخصائصه وأهدافه عاريا مفضوحا دون طلاء ولا تزويق.. للناس كافة.. وليس للعراقيين فقط، ولا للمصريين والحجازيين واليمانيين معهم، بل حتى لأهل الشام، فقد كانت المخادعات والمخاتلات الأموية تستر عليهم وجه الحقيقة طول أيام الحروب.

ص 243

ومكن الناس كلهم شاميهم وعراقيهم أن يستمعوا إلى الحاكم الأموي الأعلى في يوم ساباط ذاته وهو يفضح خطبته، ويعلن هدفه، ويكذب دعاواه الطويلة العريضة التي خادع الناس بها طوال السنين. أن يستمعوا إليه، وهو يقول لهم: إنه لم يقاتلهم ليصوموا ولا ليصلوا ولا ليحجوا ولا ليزكوا، لم يقاتلهم ليقيم ركنا من أركان الإسلام هم تاركوه، إذن، فعلى ماذا أطلت الدماء؟ ولماذا رفعت المصاحف؟ بل ولماذا هتف بدم عثمان؟ إنه قاتلهم ليتآمر عليهم، فأعطاه الله ذلك وهم كارهون. هذه هي الغاية، وكل ما سواها فوسيلة، حتى القرآن لما رفعه يوم صفين . نعم، حتى القرآن فقد كان وسيلة لا غاية. وحتى دم عثمان. إنما هي القوة والإمرة على الناس وهم راغمون كارهون. مكن الإمام الحسن عليه السلام للناس كلهم، شاميهم وعراقيهم، أن يستمعوا إلى معاوية، يقول لهم هذا بصراحة لم تعهد له في يوم من الأيام، ولقد كان هذا وحده سببا كافيا للإتيان على بناء دولته من القواعد لو كان في البصائر والضمائر بقية من نور. وتلك الحوادث والأعمال والأقوال من معاوية، ومن عماله وبطانته، تشرح المجمل، وتضع النقاط، وتكشف المستور من مناهج هذه الدولة. ومواقف الحسن عليه السلام وأقواله وسيرته إلى جنب ذلك تعرف الناس سبيل الهدى الذي اجتنبوه، ومناهج العدل الذي خذلوه، والناس تسمع وتبصر وتعي وتزن، بملء أسماعها وأبصارها وأذهانها وعقولها. فأي إجراء إسلامي يستطاع في تلك الظروف هو أكبر من ذلك وأجدى

ص 244

للأمة؟ وكان من أثر هذه التمهيدات التي قام بها السبط الأول عليه السلام أن ترنح بناء الدولة الطاغية عند الضربة التي سددها شقيقه وخليفته الإمام الحسين عليه السلام ثم هوى الصرح وتدكدك البناء. روي عن الصادق عليه السلام خطبة الحسن بن علي عليه السلام عند موادعته لمعاوية - وكذلك روى ملخصها عن أبي عمر زاذان - وفيها: ... قد تركت بنو إسرائيل - وكانوا أصحاب موسى - هارون أخاه وخليفته ووزيره، وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم، وهم يعلمون أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لأبي: إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وقد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله حين نصبه لهم - بغدير خم - - وسمعوه، ونادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله حذرا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به، وهو يدعوهم لما يجد عليهم أعوانا، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه، فلم يغث ولم ينصر، ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم، وقد جعل في سعة كما جعل النبي صلى الله عليه وآله في سعة، وقد خذلتني الأمة وبايعتك يا ابن حرب.. (1) الخبر. وفي احتجاج آخر للإمام المجتبى عليه السلام على معاوية: تعجب - يا معاوية - أن سمى الله من الأئمة واحدا بعد واحد، وقد نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم - - وفي غير موطن، واحتج بهم عليهم، وأمرهم

(هامش)

(1) أمالي الشيخ: 2 / 171، الاحتجاج: 289، البحار: 10 / 138، 143، و44 / 62. (*)

ص 245

بطاعتهم، وأخبر أن أولهم: علي بن أبي طالب عليه السلام، ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعده، وأنه خليفته فيهم ووصيه (1). وكان عمره عليه السلام على أثبت الأقوال خمسة وأربعين سنة، وستة أشهر إلا أياما. وسبب موته أن زوجته - جعدة بنت الأشعث بن قيس - سمته بإغواء معاوية (2). قال سبط ابن الجوزي، نقلا عن الشعبي: أنها دس إليها معاوية، فقال: سمي الحسن عليه السلام وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن عليه السلام بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليه بالمال وقال: إني أحب يزيد وأرجو حياته، لولا ذلك لزوجتك إياه (3). فصارت فظهر قوله تعالى: *(خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)*(4). وصلى عليه أخوه الإمام السبط الشهيد الحسين عليه السلام (5).

(هامش)

(1) الاحتجاج: 287. (2) وسيلة المآل: 343، نظم درر السمطين: 202، الإصابة: 1 / 330، الإستيعاب: 1 / 375 - هامش الإصابة - تذكرة الخواص: 211، مقاتل الطالبيين: 31، تاريخ اليعقوبي: 2 / 191، تاريخ ابن عساكر: 4 / 199، أخبار أصبهان: 1 / 44، 47، صفوة الصفوة: 1 / 319، تاريخ الخميس: 2 / 289، 292، ذيل المذيل: 15، الأعلام: 2 / 215، مروج الذهب: 3 / 5، مستدرك الصحيحين: 3 / 176، دلائل الإمامة: 12، جواهر العقدين: القسم الثاني، ورقة: 157 - خ -. (3) الفصول المهمة: 211، تاريخ الخلفاء: 192. (4) سورة الحج: 11. (5) تذكرة الخواص: 213، كشف الغمة: 1 / 585، الحدائق الوردية: 1 / 103. (*)

ص 246

قال ابن عباس: فأقبلت عائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل وهي تقول: مالي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب..؟ فقال ابن عباس بعد كلام طويل: تجملت تبغلت * ولو عشت تفيلت (1) وفي رواية: إن بني أمية رمت بالنبال جنازة الإمام الحسن عليه السلام حتى سل منها سبعون نبلا. وقد نظم الكلام هذا الصقر البصري فقال: ويوم الحسن الهادي * على بغلك أسرعت ومايست ومانعت * وخاصمت وقاتلت وفي بيت رسول الله * بالظلم تحكمت هل الزوجة أولى * بالمواريث من البنت لك التسع من الثمن * فبالكل تحكمت تجملت تبغلت * ولو عشت تفيلت (2) وبعد أن وقفت عائشة بوجه الإمام السبط الحسين عليه السلام ومنعت من دفن الإمام الزكي عليه السلام في جوار جده النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وهي تقول: مالي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب؟

(هامش)

(1) و(2) ابن شهرآشوب: 4 / 44. (*)

ص 247

سار الإمام الحسين عليه السلام بنعش أخيه عليه السلام إلى البقيع الفرقد، ودفنه هناك. ولما بلغ معاوية موت الحسن عليه السلام، كبر وكبر أهل الشام لذلك التكبير، فقالت فاختة بنت قرظة (1): إنا لله وأنا إليه راجعون، ثم بكت وقالت: مات سيد المسلمين، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، أقر الله عينك بالذي كبرت لأجله، فقال: مات الحسن عليه السلام، فقالت: أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟ فقال: ما كبرت شماتة، ولكن استراح قلبي (2). وهذا العذر أشد من الجرم، فإن الشماتة لا تكون إلا باستراحة القلب، ولا يستريح بموت أحد إلا قلب الشامت. وأما مرويات الإمام الحسن عليه السلام، فروى عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وأبيه عليه السلام، وأخيه الحسين عليه السلام، وأمه فاطمة عليها السلام، وخاله هند بن أبي هالة، وغيره من الصحابة. وروى عنه ابناه: الحسن بن الحسن، وعبد الله بن الحسن، والشعبي، وأبو هريرة، وعائشة، وأبو الجوزاء ربيعة بن شيبان، وعبد الله وأبو جعفر ابنا علي بن الحسين عليه السلام، وجبير بن نفير، وعكرمة مولى ابن عباس، ومحمد بن

(هامش)

(1) فاختة بنت قرظة بن حبيب بن عبد شمس... من ربات العقل والرأي والنفوذ والسلطان في خلافة زوجها معاوية بن أبي سفيان... دخل معاوية ذات يوم عليها ومعه خصي وكانت مكشوفة الرأس، فلما رأت الخصي عظت رأسها، فقال لها معاوية: إنه خصي، فقالت: يا أمير، أترى المثلة به أحلت له ما حرم الله عليه، فاسترجع معاوية، وعلم أن الحق ما قالته، فلم يدخل بعد ذلك على حرمه خادما وإن كان كبيرا. أعلام النساء: 4 / 17، فوات الوفيات: 2 / 170، العقد الفريد: 7 / 16، 100. (2) مروج الذهب: 3 / 8، الإمامة والسياسة: 1 / 144، العقد الفريد: 2 / 298، حياة الحيوان: 1 / 58، تاريخ الخميس: 2 / 293. (*)

ص 248

سيرين، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وهبيرة بن يريم، وسفيان بن الليل، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وغيرهم. ومن الأكاذيب والمفتريات الصريحة التي نسبوها إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ما أخرجه ابن سعد، عن جعفر بن محمد عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه فما رضي أمسك، وما كره طلق. فقد تزوج الإمام الحسن عليه السلام بثمان أو عشر زوجات على اختلاف الروايتين بما فيهن أمهات أولاده. ونسب إليه بعض المؤرخين الحاقدين زوجات كثيرات صعدوا في أعدادهن ما شاؤا... وخفي عليهم أن زواجه الكثير الذي أشاروا إليه بهذه الأعداد، وأشار إليه آخرون بالغمز والانتقاد لا يعني الزواج الذي يختص به الرجل لمشاركة حياته، وإنما كانت حوادث استدعت ظروف شرعية محضة، من شأنها أن يكثر فيها الزواج والطلاق معا، وذلك هو دليل سمتها الخاصة. ولا غضاضة في كثرة زواج تقتضيه المناسبات الشرعية، بل هو بالنظر إلى ظروف هذه المناسبات دليل قوة الإمام في عقيدة الناس، ولكن المتسرعين إلى النقد والتطاول جهلوا الحقيقة، وجهلوا أنهم جاهلون، ولو أمعنوا النظر في جواب الإمام الحسن عليه السلام لعبد الله بن عامر بن كريز وقد بنى بزوجته، لكانوا غيرهم إذ ينتقدون. وكان له عليه السلام خمسة عشر ولدا بين ذكر وأنثى، هم: زيد، والحسن، وعمرو، والقاسم، وعبد الله، وعبد الرحمان، والحسن، والأثرم، وطلحة، وأم

ص 249

الحسن، وأم الحسين، وفاطمة، وأم سلمة، ورقية، وأم عبد الله، وفاطمة (1). والعقب منهم في زيد بن الحسن (2)، والحسن بن الحسن المشهور بالحسن المثنى (3)، بالاتفاق، وأما عمرو بن الحسن، والحسين بن الحسن، فكان لهما عقب وقد انقرض (4). وقتل مع الحسين عليه السلام من أولاده: عبد الله، والقاسم، وأبي بكر (5). وقال الشيخ المفيد رحمه الله: وأما الإناث من أولاده فكن سبعة: أم الحسن، وأم الحسين، وأم عبد الله، وأم سلمة، ورقية، واثنتان تسميان فاطمة. فزيد، وفاطمة الكبرى، وأم الحسن، وأم الحسين أمهم أم بشر بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الخزرجي الأنصاري. والحسن المثنى أمه بنت منظور الفزارية. والحسين، وطلحة، وفاطمة الصغرى أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية. وعمرو، والقاسم، وعبد الله أمهم أم ولد. وبقية أولاده لأمهات شتى، والعلم عند الملك العزيز الأعلى (6).

(هامش)

(1) عمدة الطالب: 68، صلح الحسن: 26. (2) عمدة الطالب: 69، الفصول المهمة: 166، تذكرة الخواص: 215. (3) الفصول المهمة: 168، عمدة الطالب: 98، تذكرة الخواص: 215. (4) أعقب من ولد الإمام الحسن عليه السلام أربعة: زيد، والحسن، والحسين الأثرم، وعمر إلا أن الحسين الأثرم وعمر انقرضا سريعا. عمدة الطالب: 68. (5) كشف الغمة: 1 / 575، مطالب السؤول: 2 / 18. (6) الإرشاد: 194، كشف الغمة: 1 / 576، بطل فخ: 20، 21، 23. (*)

ص 250

 26- الإمام الحسين بن علي عليه السلام:

 بعد حول من ميلاد الحسن السبط عليه السلام، وفي اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك، السنة الرابعة من الهجرة، زفت البشرى إلى الرسول صلى الله عليه وآله بميلاد الحسين عليه السلام فأسرع إلى دار علي والزهراء عليهما السلام، فقال لأسماء بنت عميس: يا أسماء، هاتي ابني ، فحملته إليه، وقد لف في خرقة بيضاء، فاستبشر صلى الله عليه وآله وضمه إليه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم وضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي وأمي، مم بكاؤك؟ قال صلى الله عليه وآله: من ابني هذا . قالت: إنه ولد الساعة. قال صلى الله عليه وآله: يا أسماء، تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي ثم قال: يا أسماء، لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادته (1). ثم إن الرسول صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: أي شيء سميت ابني ؟ فأجابه علي عليه السلام: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله . وهنا نزل الوحي المقدس على حبيب الله محمد صلى الله عليه وآله حاملا اسم الوليد من الله تعالى، وإذ تلقى الرسول صلى الله عليه وآله أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى علي عليه السلام قائلا: سمه حسينا .

(هامش)

(1) إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي: 217 (ط / 1379 هـ)، باب خصائص الإمام أبي عبد الله عليه السلام. (*)

ص 251

وفي اليوم السابع: أسرع الرسول صلى الله عليه وآله إلى بيت الزهراء عليها السلام، فعق عن الحسين عليه السلام كبشا، وأمر بحلق رأسه، والتصدق بزنة شعره فضة، كما أمر بختنه، وهكذا أجرى للحسين عليه السلام ما أجرى لأخيه الحسن عليه السلام من مراسيم إسلامية (1). لأبي عبد الله الحسين عليه السلام مكانة عظمى لا يرقى إليها سوى أبيه وأمه وأخيه السبط والأئمة من ولده عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، ولو بذل المؤرخ وسعا لتتبع ما يحظى به الحسين عليه السلام من مقام رفيع، بلغ القمة الساحقة في دنيا المسلمين، ولخرج بسفر جليل في هذا المضمار. فقد قيل له يوما: ما أعظم خوفك من ربك؟ فقال عليه السلام: لا يأمن من يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا . وكان عليه السلام إذا توضأ تغير لون وجهه، وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال عليه السلام: حق لمن وقف بين يدي الملك الجبار أن يصفر لونه وترتعد مفاصله (2). وفي ليلة العاشر من محرم الحرام طلب الإمام الحسين عليه السلام من الجيش الأموي أن يمهله تلك العشية قائلا: إنا نريد أن نصلي لربنا الليلة ونستغفره فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار . وكان عليه السلام يدعو ربه تعالى بهذا الدعاء: اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة، حتى أعرف صدق ذلك في قلبي بالزهادة مني في دنياي، اللهم ارزقني

(هامش)

(1) أشعة من حياة الحسن بن علي عليه السلام، منشورات دار التوحيد. (2) المجالس السنية للسيد محسن الأمين. (*)

ص 252

بصرا في أمر الآخرة حتى أطلب الحسنات شوقا، وأفر من السيئات خوفا يا رب... (1). وقد خطب عليه السلام مرة محددا مواصفات الحكم الأموي وما آلت إليه الأوضاع السياسية والإدارية من وجهة النظر الإسلامية: ... أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيري، وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم (2). هذه شذرات يسيرة من أفكاره العظيمة التي تحتل مركز الريادة في الفكر الإسلامي الأصيل، ومن شاء المزيد فليراجع سيرته العطرة، فإن له فيها خير عون على إدراك ما للحسين عليه السلام من بعد نظر وسعة فكر وإيمان (3).

(هامش)

(1) كشف الغمة في معرفة الأئمة: 2 / 274 (ط / 1385 هـ). (2) الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين عليه السلام / عبد الكريم القزويني: ج 1. (3) حديث كربلاء / للمقرم: 134 (ط / 1394 هـ). (*)

ص 253

27 - خزيمة بن ثابت: ابن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري - ذو الشهادتين - يكنى (أبا عمارة) وإنما قيل له: ذو الشهادتين لأن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل شهادته كشهادة رجلين. قال الزمخشري في ربيع الأبرار : روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله استقضاه يهودي دينارا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أو لم أقضك؟ ، فطلب البينة، فقال لأصحابه: أيكم يشهد لي؟ ، فقال خزيمة: أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه؟ ، قال: يا رسول الله، نحن نصدقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدقك على إنك قضيته؟ فأنفذ شهادته، وسماه بذلك، لأنه صير شهادته شهادة رجلين (1). وكان خزيمة من كبار الصحابة، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، وكانت راية - بني خطمة - بيده يوم الفتح . قال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان خزيمة ممن أنكر على أبي بكر تقدمه على علي عليه السلام. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قام ذلك اليوم، فقال: أيها الناس، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل شهادتي، ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى، قال: فاشهدوا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

(هامش)

(1) ورواه ابن الجوزي في كتاب الأذكياء . (*)

ص 254

أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم، وقد قلت ما علمت، وما على الرسول إلا البلاغ. ولما بويع علي بن أبي طالب عليه السلام على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، قال خزيمة بن ثابت الأنصاري - وهو واقف بين يدي المنبر - هذه الأبيات: إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس أنه * أطب قريشا بالكتاب وبالسنن فإن قريشا ما تشق غباره * إذا ما جرى يوما على الضمر البدن وفيه الذي فيهم من الخير كله * وما فيهم مثل الذي فيه من حسن وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه قد كان في سالف الزمن وأول من صلى من الناس كلهم * سوى خيرة النسوان والله ذو منن وصاحب كبش القوم في كل وقعة * يكون له نفس الشجاع لذي الذقن فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه * إمامهم حتى أغيب في الكفن ومن شعر خزيمة قوله في يوم الجمل لعائشة: أعائش خلي عن علي وعيبه * بما ليس فيه إنما أنت والده وصي رسول الله من دون أهله * وأنت على ما كان من ذاك شاهده وحسبك منه بعض ما تعلمينه * ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده

ص 255

إذا قيل: ماذا عبت منه رميته * بخذل ابن عفان وما تلك آيده؟ وليس سماء الله قاطرة دما * لذاك وما أرض الفضاء بمائده وقوله أيضا في ذلك اليوم: ليس بين الأنصار في حومة الحر * ب وبين العداة إلا الطعان وقراع الكماة بالقضب البيض * إذا ما تحطم المران فادعها يستجب فليس من ال‍ * - خزرج والأوس يا علي جبان يا وصي النبي قد أجلت الحر * ب الأعادي وسارت الأضعان واستقامت لك الأمور سوى الشام * وفي الشام تظهر الأضغان حسبهم ما رأوا وحسبك منا * هكذا نحن حيث كنا وكانوا وقتل خزيمة بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام في الواقعة المعروفة ب‍ وقعة الخميس في الوقائع. وقالت منيعة بنت خزيمة بن ثابت - ذي الشهادتين - ترثي أباها:

ص 256

عين جودي على خزيمة بالدم‍ * - ع قتيل الأحزاب يوم الفرات قتلوا ذا الشهادتين عتوا * أدرك الله منهم بالترات قتلوه في فتية غير عزل * يسرعون الركوب في الدعوات نصروا السيد الموفق ذا العد * ل ودانوا بذاك حتى الممات لعن الله معشرا قتلوه * ورماهم بالخزي والآفات قال عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني: ومن غريب ما وقفت عليه من العصبية القبيحة أن أبا حيان التوحيدي قال في كتاب البصائر : أن خزيمة بن ثابت المقتول مع علي عليه السلام بصفين ليس هو ذو الشهادتين، بل آخر من الأنصار صحابي اسمه خزيمة بن ثابت وهذا خطأ، لأن كتب الحديث والنسب تنطق بأنه لم يكن في الصحابة من الأنصار ولا من غير الأنصار من اسمه خزيمة بن ثابت إلا ذو الشهادتين، وإنما الهوى لا دواء له، على أن الطبري صاحب التاريخ قد سبق أبا حيان بهذا القول، ومن كتابه نقل أبو حيان، والكتب الموضوعة لأسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه، ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين عليه السلام أن يتكثروا بخزيمة، وأبي الهيثم، وعمار وغيرهم لو أنصف الناس هذا، ورأوه بالعين الصحيحة لعملوا أنه لو كان وحده وحاربه الناس كلهم أجمعون لكان على الحق، وكانوا على الباطل. انتهى كلامه. وكانت وقعة صفين في سنة (37 هـ). والخطمي: بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة، وفي آخرها ميم نسبة إلى بطن من الأنصار وهم بنو خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس بن حارثة ينسب إليهم جماعة من الصحابة.

ص 257

28 - رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصاري: يكنى أبا معاذ، شهد بدرا ، وكان أبوه رافع من أصحاب العقبة . وكان رفاعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام شهد معه حرب صفين ، ومات في خلافة معاوية. توجد روايته في حديث الولاية - بإسناد ابن عقدة، و نخب المناقب للجعابي، و كتاب الغدير لمنصور الرازي. 29 - الزبير بن العوام: هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسيد بن عبد العزى الأسدي، يكنى - أبا عبد الله - وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وابن أخي خديجة بنت خويلد زوج الرسول صلى الله عليه وآله. ذكر النسابون من أن العوام أبا الزبير كان رجلا من القبط. حدث إسحاق بن جرير، قال: حدثني رجل من بني هاشم وكان نسابة لقريش، قال: كان العوام أبا الزبير رجلا من القبط من أهل مصر، وكان مملوكا لخويلد اشتراه من مصر، وإنما سمي - العوام - لأنه يعوم في نيل مصر، ويخرج ما يفرق فيه من متاع الدنيا، واشتراه خويلد، فنزل بمكة، ثم إن خويلدا تبناه وشرط عليه إن هو جنى عليه جناية رده في الرق، وقال: وكان يقال له: العوام بن خويلد، وقد قال حسان بن ثابت يهجو آل الزبير بن العوام، ويقال: أن عثمان

ص 258

بن الحويرث قالها: بني أسد ما بال آل خويلد * يحنون شوقا كل يوم إلى القبط إذا ذكرت هيفاء حنوا لذكرها * وللرمث المقرون والسمك الرقط أحمري بني العوام إن خويلدا * غداة تبناه ليوثق في الشرط بأنك إن تجني علي جناية * أردك عبدا للنهايا وللقبط قال: فسألت الهاشمي، كيف تزوج العوام صفية بنت عبد المطلب، قال: نحن لم نزوجها، قلت: فمن زوجها؟ قال: كان ظهر بصفية داء لا يراه منها إلا بعلها، فخرجت إلى الطائف إلى الحرث بن كلدة الثقفي، وكان طبيبا، فوصفت له ما تجد، فقال لها: إني لا أستطيع أن أداويك، فإن هذا موضع لا يراه إلا بعل، وكان العوام يومئذ بالطائف قد خرج إلى الحرث بن كلدة من داء كان به، فعالجه حتى برأ، فقال لها الحرث: زوجي نفسك من العوام، ولم تجد بدا من ذلك لما كان بها، فكان الحرث يصف للعوام فيعالجها حتى تماثلت، ففي ذلك يقول الحرث للعوام حين تزوج صفية بنت عبد المطلب: تزوجتها لا بين زمزم والصفا * ولا في ديار الشعب شعب الأكارم تزوجتها لم يشهد القوم بضعها * بنو عمها من عبد شمس وهاشم قال: فكان ذلك سبب تزويج صفية بنت عبد المطلب من العوام. وروي أنه حضر جماعة من قريش عند معاوية، وعنده عدي بن حاتم الطائي، وكان فيهم عبد الله بن الزبير، فقالوا: يا أمير، ذرنا نكلم عديا فقد زعموا

ص 259

أن عنده جوابا، فقال احذركموه، فقالوا: لا عليك، دعنا وإياه، فقال له ابن الزبير: يا أبا طريف، متى فقئت عينك؟ قال: يوم فر أبوك، وقتل شر قتلة، وضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف، وأنشد شعرا: أما وأبي يا ابن الزبير لو أنني * لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطا وكان أبي في طئ وأبو أبي * صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا ولو رمت شتمي عند عدل قضاؤه * لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا فقال معاوية: قد كنت حذرتكموه فأبيتم. أقول: عرض عدي بقوله: صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا بما ذكره النسابون كما أوردناه. قال ابن عباس: نزلت *(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم)*(1) الآية في طلحة والزبير، قال الزبير: قرأناها ولم نعلم فإذا نحن المعنيون بها. شهد الزبير الجمل مقاتلا لعلي عليه السلام، وقد روى ابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من طرق ثمانية: أن عليا ذكر الزبير بقول النبي صلى الله عليه وآله: ستقاتل عليا وأنت ظالم له . وفي حلية الأولياء و الواقدي و الطبري و البلاذري أنه رجع فلامه ابنه، فقال: حلفت لا أقاتله، فقال: كفر بيمينك. أقول: كان عبد الله بن الزبير من رؤساء حرب الجمل ، وبقية أهل البغي،

(هامش)

(1) سورة الأنفال: 25. (*)

ص 260

والمجاهر بعداوة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين، وقد قال صاحب الإستيعاب : أنه كانت فيه خلال لا يصلح معها للخلافة لأنه كان بخيلا، ضيق العطن، سيئ الخلق، حسودا، كثير الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية، ونفى عبد الله بن عباس إلى الطايف، وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما زال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله . انتهى. ومع ظهور بغيه وفساده لم تلحقه الندامة عن ذلك أصلا، وكان مصرا على عداوة أهل البيت عليهم السلام، حتى ذكر في كتاب كشف الغمة وغيره: أنه في أيام خلافته الباطلة كان يخطب ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وآله، فقيل له في ذلك، فقال: إن له أهيل سوء إذا ذكرته إشرأبوا وشمخوا بأنوفهم. وفي رواية الطبري و الواقدي : أنه - الزبير - أعتق عبدا وعاد إلى القتال، وفي خبر، أنه قال: كيف أرجع ألا إنه لهو العار، فقال علي عليه السلام: ارجع قبل أن يجتمع عليك العار والنار ، قال: كيف وقد سمعت عثمان يقول: شهد النبي صلى الله عليه وآله لي ولعشرة بالجنة. فقال علي عليه السلام: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: تسعة ممن ذكرتهم في تابوت في أسفل درك الجحيم، على رأسه صخرة إذا أراد الله عذاب أهلها رفعت فرجع وهو يقول: نادى علي بأمر لست أنكره.... الأبيات. ذكر المفيد في المحاسن : أن عليا عليه السلام مر به وهو مرمي، فقال: قد كان لك صحبة، لكن دخل الشيطان منخريك فأوردك النار . ودعوى التوبة دعوى علم الغيب، إذ كل كافر وضال مات يمكن دعوى

ص 261

توبته باطنا، وانهزام الزبير لا يدل على توبته، - إلا لكان كل من يحارب النبي صلى الله عليه وآله لا أقر بنبوته ظاهرا يمكن دعوى إيمانه باطنا. قالوا: لما حمل فيهم، قال لهم علي عليه السلام: أفرجوا له فإنه مغضب ، وهذا يدل على توبته. قلنا: الكف عنه إنما هو استصلاح ومن كما من النبي صلى الله عليه وآله على أهل مكة مع كفرهم. قالوا: لما قتله ابن جرموز، قال علي عليه السلام: قال النبي صلى الله عليه وآله: بشروا قاتل ابن صفية بالنار . قلنا: قتل الكافر قد يوجب النار، كما في قتل المعاهد، والقتل غيلة، والقتل للسمعة، والقتل المزبور علامة الفجور، وابن الجرموز آمن الزبير، ثم اغتاله، وقد كان أيضا مع عائشة فلما رأى الدائرة عليهم اعتزلهم، وقد كان علي عليه السلام نادى: لا يتبع مدبر فتبعه وقتله، فاستحق النار بمخالفته. وقد جاهد قزمان يوم أحد فاثني عليه بحضرة النبي صلى الله عليه وآله، فقال: إنه من أهل النار ، فكشف عن حاله فلم يجدوه قاتل إلا لأحساب قومه (1)، أقر بذلك قبل موته. إن قيل: فلم لا يكون في بشراه قاتله بالنار إيماء إلى العلة فيكون المعلول مؤمنا؟ قلنا: ليس في ذلك شيء من أدوات العلة، وجواز كون البشارة لجواز توهم ثواب قاتله من حيث إنه قتل رأس الفتنة، فأراد النبي صلى الله عليه وآله

(هامش)

(1) مع أنه كان قتل نفسه بمشقص لما كان يجد من ألم الجراح. (*)

ص 262

الإخبار عن معاقبته أنه معاقب بخاتمة عمله، كما قد يخبر عمن ظاهره الفساد أنه مثاب نظرا إلى خاتمته، وهذا شيء معروف. فهذه قطرة من بغيهم وغوايتهم، ونزرة من ميلهم وعداوتهم، انتصرنا عليهم بعد العثور على جملة منها، لو شرحناها لطال كتابنا. ومن أحسن ما قيل في هذه القصة ونحوها، قول رجل من بني سعد: صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * فهذا لعمري قلة الانصاف أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تجوب البيد بالأسجاف وكان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من سنة (36 هـ).

 30 - زيد بن أرقم: ابن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي، صحابي مشهور أول مشاهده الخندق ثم شهد ما بعده، وهو الذي رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عن عبد الله بن أبي سلول قوله: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فكذبه عبد الله بن أبي سلول وحلف، فأنزل الله تعالى تصديق زيد بن أرقم. قال صاحب الإستيعاب : سكن زيد بن أرقم الكوفة، وبنى دارا في بني كندة ، وشهد مع علي عليه السلام صفين وهو معدود من خاصته. وروى الكشي، عن الفضل بن شاذان، أنه من السابقين الذين رجعوا إلى

ص 263

أمير المؤمنين عليه السلام. وعن أبي إسرائيل، عن الحكم، عن سليمان المؤذن، عن زيد بن أرقم، قال: نشد علي بن أبي طالب عليه السلام الناس في المسجد، فقال: أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ، فقام اثنا عشر بدريا: ستة من الجانب الأيسر، وستة من الجانب الأيمن، فشهدوا بذلك. قال زيد بن أرقم: وكنت فيمن سمع ذلك، فكتمته، فذهب الله ببصري، وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر. وروى مسلم في صحيحه بإسناده إلى يزيد بن حبان، قال: انطلقت أنا، وحسين بن شبره، وعمر بن مسلم، إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه، قال حسين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت معه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: يا بن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله، فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا أحدثكم فلا تكلفونيه، ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد: أيها الناس، إنما أنا بشير يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أولهما، كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل

ص 264

بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي . فقال حسين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساءه من أهل بيته؟ فقال: نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. وفي رواية أخرى: فقلنا: من أهل بيته نساءه؟ فقال: لا، أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر ثم الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أهلها وقومها، أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. وروى ابن ديزيل في كتاب صفين قال: حدثنا يحيى بن زكريا، قال: حدثنا علي بن القاسم، عن سعد بن طارق، عن عثمان بن القاسم، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أدلكم على ما أن تسالمتم عليه لم تهلكوا؟ إن وليكم الله وإمامكم علي بن أبي طالب عليه السلام فناصحوه وصدقوه فإن جبرئيل عليه السلام أخبرني بذلك . وعن زيد بن أرقم أنه قال: مر برأس الحسين عليه السلام وهو على رمح، وأنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرأ: *(أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)*(1) فقف والله شعري، وناديت: رأسك والله يا بن رسول الله! وأمرك أعجب وأعجب. وتوفي زيد بن أرقم سنة (66 هـ) أو (68 هـ) والله أعلم (2).

(هامش)

(1) سورة الكهف: 9. (2) أسد الغابة: 2 / 124 رقم (1819)، الإصابة في تمييز الصحابة: 1 / 560 رقم (2873)، كتاب الثقات لابن حبان: 3 / 139، سير أعلام النبلاء: 3 / 165 رقم (27)، تهذيب التهذيب: 3 / 340 رقم (727)، مجلة تراثنا: العدد الأول والثاني [38 و39] السنة العاشرة ص 434 الهامش. (*)

ص 265

31 - زيد بن ثابت الأنصاري: إن الذي يراجع حياة زيد بن ثابت ومواقفه، يجد: أنه كان عثمانيا، منحرفا عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام، كما ويجد أنه ممن تهتم السلطة برفع شأنهم، وإثبات الفضائل والكرامات لهم. وكان عثمان يحب زيد بن ثابت (1)، والذين نصروا عثمان كانوا أربعة، كان زيد بن ثابت أحدهم (2)، وكان على قضاء عثمان (3)، وعلى بيت المال والديوان له (4)، وكان عثمان يستخلفه على المدينة، وكان يذب عن عثمان، حتى رجع لقوله جماعة من الأنصار (5)، وقد قال للأنصار: إنكم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وآله فكنتم أنصار الله، فانصروا خليفته تكونوا أنصارا لله مرتين، فقال الحجاج بن غزية: والله، إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول.. الخ. وفي نص آخر: إن سهل بن حنيف أجابه فقال: يا زيد، أشبعك عثمان من عضدان المدينة؟ والعضيدة: نخلة قصيرة، ينال حملها (6). وكان بنو عمرو بن عوف قد أجلبوا على عثمان، وكان زيد يذب عنه،

(هامش)

(1) الإستيعاب بهامش الإصابة: 1 / 554. (2) الكامل لابن الأثير: 3 / 151، وراجع ص 161، أنساب الأشراف: 5 / 60، الغدير: 9 / 159 و160 عن المصادر التالية: تاريخ الطبري: 5 / 97، تاريخ ابن خلدون: 2 / 391، تاريخ أبي الفداء: 1 / 168. (3) الكامل لابن الأثير: 3 / 187. (4) الكامل لابن الأثير: 3 / 191، أسد الغابة: 2 / 222، أنساب الأشراف: 5 / 58، الإستيعاب بهامش الإصابة: 1 / 553 و554. (5) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 451. (6) أنساب الأشراف: 5 / 90 و78، وراجع الكامل لابن الأثير: 3 / 191. (*)

ص 266

فقال له قائل منهم: وما يمنعك؟! ما أقل والله من الخزرج من له من عضدان العجوة مالك، فقال زيد بن ثابت: اشتريت بمالي، وقطع لي إمامي عمر، وقطع لي إمامي عثمان، فقال له ذلك الرجل: أعطاك عمر عشرين ألف دينار؟ قال: لا، ولكن عمر يستخلفني على المدينة، فوالله ما رجع من مغيب قط إلا قطع لي حديقة من نخل (1). واستخلاف عمر له في أسفاره معروف ومشهور (2). هذا... وقد أعطاه عثمان يوما مائة ألف مرة واحدة (3)، وقد بلغ من ثراء زيد أن خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار (4). وما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا في القضاء، والفتوى، والفرائض، والقراءة (5). ثم كان عبد الملك بن مروان من الذين يقولون بقول زيد (6)، أما أبوه مروان، فكان قد بلغ من اهتمامه بزيد: أن دعاه، وأجلس له قوما خلف ستر، فأخذ يسأله، وهم يكتبون، ففطن لهم زيد، فقال: يا مروان، أعذر إنما أقول برأيي (7).

(هامش)

(1) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 451. (2) تذكرة الحفاظ: 1 / 31، الإصابة: 1 / 562، الإستيعاب بهامشها: 1 / 552 و553. (3) أنساب الأشراف: 5 / 38 و52، الغدير: 8 / 292 و286. (4) الغدير: 8 / 284 عن مروج الذهب للمسعودي: 1 / 434. (5) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 450، وطبقات ابن سعد: 2 / قسم 2 / 115، تذكرة الحفاظ: 1 32، كنز العمال: 16 / 6. (6) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 452. (7) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 452، وطبقات ابن سعد: 2 / قسم 2 / 116. (*)

ص 267

وأتاه أناس يسألونه، وجعلوا يكتبون كل شيء قاله، فلما أطلعوه على ذلك، قال لهم: لعل كل الذي قلته لكم خطأ، إنما قلت لكم بجهد رأيي (1). ومع أنه يعترف بأنه إنما يفتي لهم برأيه، فقد بلغ من عمل الناس بفتواه المدعومة من قبل الحكام: أن سعيد بن المسيب يقول: لا أعلم له قولا لا يعمل به، فهو مجمع عليه في المشرق والمغرب (2). فانظر ماذا ترى!؟

 32 - سلمان الفارسي: معدود من موالي رسول الله صلى الله عليه وآله، وكنيته - أبو عبد الله - وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ يقول: أنا سلمان ابن الإسلام، أنا من بني آدم.. قال ابن بابويه رحمه الله: كان اسم سلمان - روزبه بن خشنوذان - وما سجد قط لمطلع الشمس كما كان يفعل قومه، وإنما كان يسجد لله عز وجل، وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية، وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس مثلهم، وكان سلمان رضي الله عنه وصي عيسى عليه السلام في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين. (انتهى). وقد روي أنه تداوله أرباب كثيرة بضع عشر ربا من واحد إلى آخر، حتى أقضى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان إسلامه للسنة الأولى من الهجرة، وفي رواية: في جمادى الأولى منها.

(هامش)

(1) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 452. (2) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 451، وطبقات ابن سعد: 2 / قسم 2 / 116. (*)

ص 268

وقد ورد في شأن سلمان رضي الله عنه أحاديث كثيرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته. فمنها: ما رواه الطبراني في الكبير ، والحاكم في المستدرك عن عمرو بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: سلمان منا أهل البيت . قال الشيخ ابن العربي في الفتوحات : لما كان النبي صلى الله عليه وآله عبدا محضا - أي خالصا - قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس وكلما يشينهم، فإن الرجس هو القذر عند العرب على ما حكاه القرآن، قال تعالى: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*(1) فلا يضاف إليهم إلا مطهر، ولا بد أن يكون كذلك، فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس. فهذا بشهادة من النبي صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسي رضي الله عنه بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة، حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: سلمان منا أهل البيت ، وشهد لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم. وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مطهر مقدس، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم؟ فهم المطهرون بل عين الطهارة. (انتهى). ومنها: ما روي عنه صلى الله عليه وآله من وجوه أنه قال: لو كان الدين

(هامش)

(1) سورة الأحزاب: 33. (*)

ص 269

في الثريا لناله سلمان ، وفي رواية أخرى: لناله رجل من فارس . (1) ومنها: ما روي من حديث ابن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي عليه السلام، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان . ومنها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة، وأن الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة . ومنه: ما رواه أبو هريرة، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية: *(وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)*(2)، قالوا: ومن يستبدل بنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله على منكب سلمان رضي الله عنه ثم قال: هذا وقومه ، وفي رواية، قال: قال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى: إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان رضي الله عنه بجنب رسول الله صلى الله عليه وآله، فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله فخذ سلمان، قال: هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجل من فارس . قال أبو عمرو في الإستيعاب : وفي الحديث المروي أن أبا سفيان مر على سلمان، وصهيب، وبلال في نفر من المسلمين، فقالوا: ما أخذت السيوف

(هامش)

(1) روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة، ولقد أوردنا له طائفة كبيرة من مصادر العامة والخاصة خلال تحقيقنا لكتاب تسلية المجالس وزينة المجالس فمن أراد الاطلاع عليها فلينظر أوائل المجلد الأول منه - مقدمة المؤلف -. (2) سورة محمد صلى الله عليه وآله: 38. (*)

ص 270

مأخذها من عنق عدو الله، وأبو سفيان يسمع قولهم، فقال لهم أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها، وأتى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله. قال: وقد روينا عن عائشة أنها قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وآله يتفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: وقد روى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي عليه السلام، أنه سئل عن سلمان رضي الله عنه، فقال عليه السلام: علم العلم الأول والعلم الآخر، وذلك بحر لا ينزف، هو منا أهل البيت . وعن عبد الرحمان بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام، يقول: كان سلمان من المتوسمين . وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: سلمان علم الاسم الأعظم . وفي رواية زاذان، عن أمير المؤمنين عليه السلام: سلمان الفارسي كلقمان الحكيم . وحكي عن الفضل بن شاذان أنه قال: ما نشأ في الإسلام رجل كان أفقه من سلمان. وروى قتادة عن أبي هريرة، قال: سلمان صاحب الكتابين - يعني: الإنجيل والقرآن -. وعن الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: وقع بين سلمان

ص 271

الفارسي رحمه الله وبين عمر كلام، فقال له عمر: من أنت يا سلمان؟ فقال رضي الله عنه: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخري وآخرك فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين، فمن ثقلت موازينه فهو الكريم، ومن خف ميزانه فهو اللئيم. وعن سلمان رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله: على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب عليه السلام، والموالاة له. وعن زاذان، قال: سمعت سلمان يقول: إني لا أزال أحب عليا فإني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يضرب فخذه، ويقول: محبك لي محب، ومبغضك لي مبغض، ومبغضي لله مبغض . وفي رواية أبان بن تغلب، عن الصادق عليه السلام في أمر البيعة، قال: قام سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقال: الله أكبر، الله أكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا صمتا أذناي، يقول: بينما أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابي إذ تكبسه جماعة من كلاب أهل النار، يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك أنكم هم. فهم به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه وجلد به الأرض، ثم قال: يا بن صهاك الحبشية، لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم لأريتك أينا أضعف ناصرا وأقل عددا . وفي رواية سليم: قال سلمان رضي الله عنه: فقال لي عمر: أما إذا بايع صاحبك، فقل ما بدا لك، وليقل ما بدا له، قال: فقلت: إني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب الثقلين إلى يوم القيامة، ومثل عذابهم قال: قل ما شئت، أليس قد بايع ولم تقر

ص 272

عينك بأن يليها صاحبك؟ قال: قلت: فإني أشهد أني قرأت في بعض الكتب - كتب الله المنزلة - أنه باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم، قال: قل ما شئت، أليس قد عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا؟ قال: فقلت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وقد سألته عن هذه الآية: *(فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد)*(1) فأخبرني أنك أنت هو، فقال: اسكت أسكت الله نامتك أيها العبد ابن اللخناء. فقال علي عليه السلام: اسكت يا سلمان ، فسكت، ووالله، لولا أنه أمرني بالسكوت لأخبرته بكل شيء نزل فيه وفي صاحبه. قال سليم: ثم أقبل على سلمان، فقال: إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من عصمه الله بآل محمد، فإن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن اتبعه، وبمنزلة العجل ومن اتبعه، فعلي عليه السلام في سنة هارون، وعتيق في سنة السامري، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل: حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وباعا بباع (2). وروي أن سلمان رضي الله عنه خطب إلى عمر فرده، ثم ندم فعاد إليه، فقال: إنما أردت أن أعلم ذهبت حمية الجاهلية من قلبك أم هي كما هي؟ قال ابن شهرآشوب في المناقب : كان عمر وجه سلمان أميرا إلى المدائن، وإنما أراد له الختلة، فلم يفعل إلا بعد أن استأذن أمير المؤمنين عليه

(هامش)

(1) سورة الفجر: 25 - 26. (2) حديث متواتر مشهور، روي بألفاظ متفاوتة. أنظر الرجعة للشهيد الاسترابادي - بتحقيقنا -: 10 فقد ذكرنا لهذا الحديث عدة مصادر، فراجع. (*)

ص 273

السلام فمضى فأقام بها إلى أن توفي. قال أبو عمرو: وقد ذكر ابن وهب بن نافع، أن سلمان لم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدار والشجر، وأن رجلا قال له: ألا أبني لك بيتا تسكن فيه؟ قال: لا حاجة في ذلك. فما زال به الرجل حتى قال له: أنا أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتا إذا أنت كنت فيه أصاب رأسك سقفه، وإن أنت مددت فيه رجلك أصابهما الجدار، قال: نعم، فبنى له. قال: وكان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن، ويبيعه ويأكل منه، ويقول: لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي، وقد كان تعلم سف الخوص من المدينة. وروى ابن شهرآشوب في المناقب ، قال: كان الناس يحفرون الخندق وينشدون سوى سلمان، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم أطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر ، فأنشأ سلمان يقول: ما لي لسان فأقول الشعرا * أسأل ربي قوة ونصرا على عدوي وعدو الطهرا * محمد المختار حاز الفخرا حتى أنال في الجنان قصرا * مع كل حوراء تحاكي البدرا فضج المسلمون، وجعلت كل قبيلة تقول: سلمان منا، فقال النبي صلى الله عليه وآله: سلمان منا أهل البيت . وفي رواية عن زاذان: أن أمير المؤمنين عليه السلام لما جاء ليغسل

ص 274

سلمان وجده قد مات، فتبسم في وجهه، وهم أن يجلس، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: عد إلى موتك . قال زاذان: ثم أخذ عليه السلام في تجهيزه، فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرا شديدا وكنت رأيت معه رجلين، فسألته عنهما، فقال: أحدهما أخي جعفر عليه السلام والآخر الخضر عليه السلام ومع كل واحد منهما سبعون صفا من الملائكة في كل صف ألف ألف ملك . وقد أشار إلى هذه الحكاية أبو الفضل التميمي في قوله: سمعت مني يسيرا من عجائبه * وكل أمر علي لم يزل عجبا دريت عن ليلة سار الوصي بها * إلى المدائن لما أن لها طلبا فألحد الطهر سلمانا وعاد إلى * عراص يثرب والاصباح ما قربا كآصف قبل رد الطرف من سبأ * بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا فكيف في آصف لم تغل أنت؟ بلى * بحيدر أنا غال أورد الكذبا إن كان أحمد خير المرسلين؟ فذا * خير الوصيين أو كل الحديث هبا وقلت ما قلت من قول الغلاة فما * ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا وروي أن ابن عباس رأى سلمان رضي الله عنه في منامه وعليه تاج من ياقوت وحلي وحلل، فقال له: ما أفضل الأشياء بعد الإيمان في الجنة؟ فقال: ليس في الجنة بعد الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله شيء أفضل من حب علي بن أبي طالب عليه السلام

ص 275

وتوفي سلمان رضي الله عنه سنة (35 هـ)، وقيل: في أول سنة (36 هـ) في آخر خلافة عثمان، واختلف في مقدار عمره، فقيل ثلاثمائة وخمسون، وقيل: أكثر من أربع مائة سنة، وأنه أدرك وصي عيسى عليه السلام، وقيل: مائتان وخمسون سنة. وكان له من الولد عبد الله وبه كان يكنى، ومحمد وله عقب مشهور، وما اشتهر من أن سلمان رضي الله عنه، كان مجبوبا كلام ينقله جهلة الصوفية لا أصل له والله أعلم (1). أخرج الحديث بطريقه الحافظ ابن عقدة في حديث الولاية ، والجعابي في نخب المناقب ، وعده الجزري الشافعي في أسنى المطالب : 4 من رواة حديث الغدير من الصحابة، وأخرجه الحمويني الشافعي في فرائد السمطين - الباب (58).

 33 - سعد بن أبي وقاص: أبو إسحاق، شهد بدرا، وهو الذي افتتح القادسية ونزل الكوفة ومصرها، ولاه عمر بن الخطاب، وأقره عثمان زمنا، ثم عزله عنها، فعاد إلى المدينة وأقام قليلا وفقد بصره، فمات في قصره بالعقيق سنة (55 هـ) ودفن بالبقيع (2).

(هامش)

(1) راجع: رجال الكشي: 12 - 27، ونفس الرحمن في فضائل سلمان: للمحدث النوري، والأعلام: 1 / 379. (2) سنن ابن ماجة: 1 / 30، خصائص النسائي: 3، 4، 18، 25، حلية الأولياء: 4 / 356. (*)

ص 276

34- سعد بن مالك بن سنان: أبو سعيد بن عبيد بن تغلبة بن عبيد بن الأبجر الخدري. صحابي وابن صحابي، استشهد أبوه بأحد. قال ابن عبد البر: كان أبو سعيد من الحفاظ المكثرين العلماء الفضلاء العقلاء وأخباره تشهد بصحة هذه الجملة. وعن البرقي: إن أبا سعيد الخدري من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. وقال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام. وعن أبي هارون العبدي، قال: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري، فسمعته يقول: أمر الناس بخمس فعملوا بأربعة وتركوا واحدة، فقال له رجل: يا أبا سعيد: ما هذه الأربعة التي عملوا بها؟ قال: الصلاة والزكاة والحج والصوم، فقال: وما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: وإنها مفترضة معهن، قال: نعم، فقد كفر الناس، قال: إذا كفر الناس فما ذنبي؟ وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ، عن عمرو بن ثابت، عن إسماعيل، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على منبري فاقتلوه ، قال: حدثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: ولم نفعل فلم نفلح.

ص 277

وروى الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن عبد الله بن شريك، عن سهم بن حصين الأسدي، قال: قدمت إلى مكة أنا وعبد الله بن علقمة، وكان عبد الله بن علقمة سبابا لعلي عليه السلام دهرا، قال: قلت له: هل لك في هذا - يعني أبا سعيد الخدري - نحدث به عهدا؟ قال: نعم، فأتيناه، فقال: هل سمعت لعلي عليه السلام قال: نعم، إذا حدثتك فاسأل عنها المهاجرين قريشا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام يوم غدير خم فأبلغ، ثم قال: ادن يا علي فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يديه حتى نظرت إلى بياض إبطيهما، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه ثلاثة مرات، قال: فقال عبد الله بن علقمة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم، وأشار إلى أذنيه وصدره، قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. قال عبد الله بن شريك: فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين، فلما صلينا الهجير، قام عبد الله بن علقمة، فقال: إني أتوب إلى الله، وأستغفره من سب علي عليه السلام ثلاث مرات. وروى الكشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر أبو سعيد، فقال: كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان مستقيما قال: فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه فمات فيه . وتوفي بالمدينة سنة (61 هـ) أو (64 هـ) أو (65 هـ).

 35 - سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل القرشي العدوي: المتوفى سنة (50 هـ) أو (51 هـ) أحد العشرة المبشرة عند أهل السنة.

ص 278

مات ولم تكن العداوة منه قد ظهرت لأمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيت الرسول عليهم السلام بعناد ظاهر، إلا أنه قد روي من طريق أهل البيت عليهم السلام أنه كان من أصحاب العقبة الذين جلسوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لينفروا به ناقته في عقبة هوشي. فإن كان ما رووا من ذلك حقا فكفى به خزيا ومقتا، وإن كان باطلا فسبيله كسبيل غيره من المسلمين إن كان قد عمل خيرا فخير، وإن كان قد عمل شرا فجزاؤه جهنم. عده الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه : من المائة الرواة لحديث الغدير بطرقه.

 36 - سمرة بن جندب الفزاري: سمرة: بفتح الأول وضم الثاني وفتح الثالث، وجندب: بضم الأول وسكون الثاني وفتح الثالث على وزن لعبة صحابي من بني شمخ بن فزارة. والذي يظهر من تتبع كتب الرجال والسير، لا سيما ما نقله العلامة المامقاني، وابن أبي الحديد - في ترجمة الرجل - أنه كان من أشد الناس قسوة وعداوة لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وكان لا يبالي بقتل الأبرياء، وجعل الأكاذيب، وتحريف الكلم عن مواضعه، وإليك نبذ مما التقطناه من مخازيه:

 1 - إن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم على أن يروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن هذه الآية نزلت في علي عليه السلام: *(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام...

ص 279

إلى قوله تعالى: والله لا يحب الفساد)*(1). وأن هذه الآية نزلت في ابن ملجم: *(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد)*(2). فلم يقبل فزاده حتى بلغ أربعمائة ألف درهم فقبل (3). 2 - ولاه معاوية فأسرف هذا السفاح في القتل إسرافا لا حدود له. فهذا أنس بن سيرين يقول لمن سأله: هل كان سمرة قتل أحدا؟ وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب؟ 3 - استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس (وفي رواية: من الشيعة)، فقال له - يعني زيادا -: هل تخاف أن تكون قتلت أحدا بريئا، فرد عليه قائلا: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت (4). 4 - وقال أبو سوار العدوي: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن (5). 5 - وأغار سمرة بأمر معاوية على المدينة، فهدم دورها وجعل يستعرض الناس على التهمة والظنة، فما بلغه عن أحد يقال له: إنه ساعد على عثمان إلا قتله (6).

(هامش)

(1) سورة البقرة: 204 و205. (2) سورة البقرة: 207. (3) شرح النهج: 1 / 361. (4) تاريخ الطبري - في أحداث سنة 50 هـ: 6 / 132 -، ونقله ابن الأثير في الكامل . (5) تاريخ الطبري: 6 / 122. (6) تاريخ الطبري: 6 / 80. (*)

ص 280

6 - وهو الذي سبى نساء همدان، وعرضهن في الأسواق، فكن أول مسلمات اشترين في الإسلام (1). 7 - وهو الذي أله معاوية، وغالى به إلى أن حدث عن نفسه: لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا (2). 8 - إن سمرة بن جندب عاش حتى حضر مقتل الحسين عليه السلام وكان من شرطة ابن زياد، وكان في أيام مسير الحسين عليه السلام إلى العراق يحرض الناس على الخروج إلى قتاله، نقله ابن أبي الحديد في شرحه . ولكن الذي يوهن هذه الرواية ما نقله من جماعة منهم: البخاري، أنه مات سنة (58 هـ)، وفي نقل آخر سنة (59 هـ)، وفي نقل ثالث سنة (60 هـ). مع أن واقعة الطف كانت سنة (61 هـ) فتدبر. روى الكليني رضي الله عنه في الكافي ، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: إن سمرة بن جندب كان له غدق، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، فكان يجئ ويدخل إلى غدقه بغير إذن من الأنصاري. فقال الأنصاري: يا سمرة، لا تزال تفجأنا على حال لا نحب أن تفجأنا عليه، فإذا دخلت فاستأذن. فقال: لا أستأذن في طريق، وهو طريقي إلى عذقي. قال: فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأرسل إليه

(هامش)

(1) الإستيعاب: 1 / 165. (2) الكامل لابن الأثير: 3 / 212. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الروض النضير في معنى حديث الغدير

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب