ص 281
رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه، فقال: إن فلانا قد شكاك، وزعم أنك تمر عليه
وعلى أهله بغير إذنه، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل . فقال: يا رسول الله، أستأذن
في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: خل عنه ولك مكانه عذق
في مكان كذا وكذا . فقال: لا. قال صلى الله عليه وآله فلك اثنان . قال: لا
أريد. فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق. فقال: لا. قال صلى الله عليه وآله: فلك
عشرة في مكان كذا وكذا فأبى. فقال صلى الله عليه وآله: خل عنه ولك مكانه عذق في
الجنة . قال: لا أريد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إنك رجل مضار ولا
ضرر ولا ضرار على مؤمن . قال: ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقلعت،
ورمى بها إليه. وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: انطلق فاغرسها حيث شئت
(1).
(هامش)
(1) نقله في الوسائل في الباب (12) من كتاب إحياء الموات. (*)
ص 282
ولو لم يكن دليل على فسق الرجل، ومعاداته للحق، وأوليائه إلا هذه الرواية الحاكية
عن اعتدائه على الأنصاري، لكان كافيا. فإنه صريح في طغيانه واجترائه على رسول الله
صلى الله عليه وآله، والتبارز بعصيانه قبال أمره الموكد بأنواع التأكيد. وقد قال
الله تعالى: *(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم
حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)*(1). بل قد يلوح منها أمارات كفره، فإن من البعيد أن
يكون الإنسان مؤمنا بالمعاد، ووعده تعالى بالثواب والجزاء ثم لا يقبل ضمان رسوله
صلى الله عليه وآله، نعم الجنة له ضمانا صريحا بثمن بخس. هو أحد رواة حديث الغدير
في حديث الولاية لابن عقدة، و نخب المناقب للجعابي، وعده الجزري الشافعي من
رواة حديث الغدير من الصحابة (2).
37 - سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري: يكنى - أبا
محمد - أخو (عثمان بن حنيف)، كان بدريا جليلا من خيار الصحابة، وأبلى في أحد بلاء
حسنا. قال الواقدي: يروى أن سهل بن حنيف جعل ينضح بالنبل عن رسول الله صلى الله
عليه وآله ذلك اليوم.
(هامش)
(1) سورة النساء: 69. (2) أسنى المطالب: 40. (*)
ص 283
فقال صلى الله عليه وآله: نبلوا سهلا فإنه سهل (1). وذكر ابن هشام في سيرته
: قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام، يقول: كانت بقبا امرأة لا زوج لها
مسلمة، قال: فرأيت إنسانا يأتيها في جوف الليل فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه
فيعطيها شيئا معه، فتأخذه، فاستربت لشأنه. فقلت لها: يا أمة الله، من يضرب عليك
بابك كل ليلة فتخرجي إليه، فيعطيك شيئا لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك
؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب قد رآني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على
أوثان قومه فكسرها، فجاءني بها، فقال: احتطبي بها. فكان علي عليه السلام يأثر ذلك
من أمر سهل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق. قال الفضل بن شاذان: إن سهل بن حنيف من
السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام. وعده البرقي مع أخيه
عثمان في شرطة الخميس، وولاه أمير المؤمنين عليه السلام واستخلفه عليها لما خرج
لقتال الناكثين، ثم شهد معه صفين وكان من أحب الناس إليه عليه السلام. وروى نصر
بن مزاحم في كتاب صفين : إن أمير المؤمنين عليه السلام لما أراد المسير إلى أهل
الشام استشار من معه من المهاجرين والأنصار في ذلك، فأجابه جماعة من الصحابة.
(هامش)
(1) يقال: نبلت الرجل - بالتشديد - وأنبلته - بالهمزة - إذا ناولته النبل ليرمي به.
(*)
ص 284
وكان ممن تكلم في ذلك اليوم سهل بن حنيف، فإنه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
يا أمير المؤمنين، نحن كف يمينك، وقد رأينا رأيك، أن تقوم في هذا الأمر بأهل
الكوفة، وتأمرهم بالشخوص، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل، فإنهم هم أهل
البلد، وأهل الناس، فإن استقاموا لك استقام لك ما تريد وتطلب. وأما نحن فليس عليك
منا خلاف، متى دعوتنا أجبناك؟ ومتى أمرتنا أطعناك؟ وروى أبو مخنف قال: لما نزل علي
عليه السلام ذا قار كتبت عائشة من البصرة إلى حفصة بنت عمر، وهي بالمدينة: أما بعد،
فإني أخبرك أن عليا عليه السلام نزل ذا قار وأقام بها مرعوبا لما بلغه من عدتنا
وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشتر، إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر. فدعت حفصة جواري لها
يغنين، ويضربن بالدفوف، فأمرتهن أن يقلن في غنائهن: ما الخبر ما الخبر علي في سفر *
كالفرس الأشتر إن تقدم عقر وإن تأخر نحر وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة
ويجتمعن لسماع ذلك الغناء. فبلغ أم كلثوم بنت علي عليه السلام فلبست جلابيبها،
ودخلت عليهن في نسوة منكرات، ثم أسفرت عن وجهها، فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت.
ص 285
فقالت أم كلثوم عليها السلام: لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه
من قبل، فأنزل الله تعالى فيكما ما أنزل . فقالت حفصة: كفى رحمك الله، وأمرت
بالكتاب فمزق، واستغفرت الله. قال أبو مخنف: روى هذا الخبر جرء بن بديل، عن الحكم،
ورواه الحسن بن دينار، عن الحسن البصري. وذكر الواقدي مثل ذلك، وذكر المدائني أيضا
مثله. فقال سهل بن حنيف في ذلك شعرا: عذرنا الرجال بحرب الرجال * فما للنساء وما
للسباب أما حسبنا ما أتتنا به * - لها الخير - من هتك ذاك الحجاب ومخرجها اليوم من
بيتها * يعرفها الذئب بنبح الكلاب إلى أن أتانا كتاب لها * مشوم فيا قبح ذاك الكتاب
وتوفي سهل بالكوفة بعد مرجعه من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام سنة (38
هـ)، فوجد عليه أمير المؤمنين عليه السلام وجدا كثيرا، قال: لو أحبني جبل لتهافت
. قال السيد الرضي رحمه الله: ومعنى ذلك أن المحبة تغلظ عليه، فتسرع المصائب إليه،
ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار المصطفين الأخيار. وروى الكشي بإسناده، عن
الحسن بن زيد، قال: كبر علي عليه السلام
ص 286
على سهل بن حنيف سبع تكبيرات، وقال عليه السلام: لو كبرت عليه سبعين تكبيرة لكان
أهلا . قال الصادق عليه السلام: كبر أمير المؤمنين عليه السلام على سهل بن حنيف
وكان بدريا خمس تكبيرات، ثم مشى ساعة، ثم وضعه، وكبر عليه خمس تكبيرات أخرى يصنع
ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة . وفي خبر عقبة: إن الصادق عليه السلام، قال:
أما بلغكم أن رجلا صلى عليه علي عليه السلام فكبر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس
صلوات، وقال: إنه - بدري عقبي أحدي - من النقباء الاثني عشر، وله خمس مناقب، وصلى
عليه لكل منقبة صلاة؟ . وخبر أبي بصير، عن جعفر عليه السلام، قال: كبر رسول الله
صلى الله عليه وآله على حمزة رحمه الله سبعين تكبيرة، وكبر علي عليه السلام عندكم
على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة، كلما أدركه الناس، قالوا: يا أمير المؤمنين،
لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه ويكبر، حتى انتهى إلى قبره خمس مرات . عده ابن
الأثير ممن شهد لعلي عليه السلام يوم الرحبة في حديث الأصبغ بن نباتة، وقال: أخرجه
أبو موسى (1)، وعده الجزري الشافعي من رواة حديث الغدير من الصحابة (2)، وأخرجه
بطريقه الحافظ ابن عقدة في حديث الولاية والجعابي في نخب المناقب .
(هامش)
(1) أسد الغابة: 3 / 307. (2) أسنى المطالب: 4. (*)
ص 287
38 - أبو العباس سهل بن سعد الأنصاري الخزرجي الساعدي: المتوفى سنة (91 هـ) عن مائة
سنة، ممن شهد لعلي عليه السلام بحديث الغدير في حديث المناشدة بطريق أبي الطفيل.
روى السمهودي في جواهر العقدين ، نقلا عن الحافظ أبي نعيم الإصبهاني في حلية
الأولياء ، عن أبي الطفيل، قال: إن عليا رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه،
ثم قال: أنشد لله من شهد يوم غدير خم إلا قام، ولا يقوم رجل يقول: إني نبأت أو
بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه . فقام سبعة عشر رجلا منهم: خزيمة بن ثابت،
وسهل بن سعد، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري،
وأبو شريح الخزاعي، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو ليلى، وأبو الهيثم بن التيهان، ورجال
من قريش. فقال علي رضي الله عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم ؟ فقالوا: نشهد أنا
أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر خرج رسول
الله صلى الله عليه وآله فأمر بشجرات فشذبن، والقي عليهن ثوب، ثم نادى بالصلاة،
فخرجنا فصلينا، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، ما أنتم قائلون
؟ قالوا: قد بلغت. قال: اللهم اشهد - ثلاث مرات - قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب،
وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله،
وعترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ وإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض، نبأني بذلك اللطيف الخبير، ثم قال: إن الله مولاي وأنا
مولى
ص 288
المؤمنين، ألستم تعلمون أني أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى، ذلك - ثلاثا -، ثم
أخذ بيدك يا أمير المؤمنين فرفعها وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال
من والاه، وعاد من عاداه . فقال علي: صدقتم، وأنا على ذلك من الشاهدين (1). 39
- طلحة بن عبيد الله التميمي: المقتول يوم الجمل سنة (36 هـ) وهو ابن (63) عاما.
ومما بلغ الذم في أصل طلحة بن عبيد الله، والطعن في نسبه ما رواه صاحب كتاب
المثالب ، فقال: وذكر من جملة البغايا من ذوي الرايات الصعبة، وأما صعبة فهي بنت
الحضرمية كانت لها راية بمكة واستبضعت بأبي سفيان، فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجها
عبيد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم، فجاءت بطلحة بن عبيد الله لستة
أشهر. فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة فجعلا أمرهما إلى صعبة فألحقته بعبيد
الله. فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت: يد عبيد الله طلقة، ويد أبي سفيان كرة.
فقال حسان بن ثابت، وعاب على طلحة، يقول:
(هامش)
(1) ينابيع المودة: 38، عن جواهر العقدين ، وسيلة المآل في عد مناقب الآل: لابن
باكثير المكي الشافعي، تاريخ آل محمد: 67. (*)
ص 289
فيا عجبا من عبد شمس وتركها أخاها * زنايا بعد ريش القوادم ثم ذكر صاحب كتاب
المثالب هجاءا لبني طلحة بن عبيد الله من جملته: فأصدقونا قومنا أنسابكم *
وأقيمونا على الأمر الجلي لعبيد الله أنتم معشري * أم أبي سفيان ذاك الأموي وقد شهد
السدي على طلحة من شكه في الإسلام، وشهادة الله عليه بالكفر بعد إظهار الإيمان ما
ذكره في تفسير قوله تعالى: *(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)*(1).
قال: لما أصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ب أحد قال طلحة بن عبيد الله:
لأخرجن إلى الشام فإن لي صديقا من النصارى، فلآخذن منه أمانا، فإني أخاف أن يدال
علينا النصارى، فأراد أن يتنصر. وأضاف: فأقبل طلحة على النبي صلى الله عليه وآله
وعنده علي بن أبي طالب عليه السلام فاستأذنه طلحة في المسير إلى الشام، وقال: إن لي
بها مالا آخذه، ثم انصرف. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: عن مثل هذا الحال
تخذلنا وتخرج
(هامش)
(1) سورة المائدة: 51. (*)
ص 290
وتدعنا . فأكثر على النبي صلى الله عليه وآله من الاستيذان، فغضب علي عليه السلام،
فقال: يا رسول الله، ائذن لابن الحضرمية، فوالله ما عز من نصر، ولا ذل من خذل .
فكف طلحة عن الاستيذان عند ذلك، فأنزل الله عز وجل: *(ويقول الذين آمنوا أهؤلاء
الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم لمعكم حبطت أعمالهم)*(1). يعني: أولئك يقول
إنه يحلف لكم أنه مؤمن معكم فحبط عمله بما دخل فيه من أمر الإسلام حين نافق فيه.
خرج الناكثان يطلبان عليا بدم عثمان، وقد روى المدائني: أن عليا عليه السلام سمع
بعض بنات أبي سفيان تضرب بالدف، وتقول: ظلامة عثمان عند الزبير * وأوثر منه بها
طلحة هما سعراها بأجذالها * وكانا حقيقين بالفضحة يهران سرا هرير الكلاب * ولو
أعلنا كانت النبحة فقال علي عليه السلام: قاتلها الله ما أعلمها بموضع ثأرها !.
ويعضده ما رواه الواقدي: أن مروان لما رأى طلحة يحث الحرب على علي عليه السلام،
قال: والله إني لأعلم أنه ما حرض على قتل عثمان كتحريض طلحة ولا قتله سواه.
(هامش)
(1) سورة المائدة: 53. (*)
ص 291
وقد كتب كتابه إلى عبد الله بن حكيم يحثه على قتل عثمان، ولما رمى طلحة بسهم أسقط
مغشيا عليه، فأفاق واسترجع، وقال: أظن أنا عنينا بقوله تعالى: *(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)*(1)، ما أظن هذا السهم إلا أرسله الله علي، ثم دفن
بالصبخة (2) ولم يصل عليه أحد، وكان الرامي له مروان. وذكره في المعارف قال
الأصمعي: رماه بسهم، وقال: لا أطلب ثأر عثمان بعد اليوم، فمات طلحة. قال ابن عبد
البر في الإستيعاب : روى حصين عن عمرو بن جاوان قال: سمعت الأحنف يقول: لما
التقوا، كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله. وروى عن ابن سيرين قال: رمى طلحة بن عبيد
الله بسهم فأصاب ثغرة نحره قال: فأقر مروان أنه رماه. وروى عن يحيى بن سعيد، عن عمه
قال: رمى مروان طلحة بسهم، ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال: قد كفيناك بعض قتلة
أبيك. وذكر ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال:
حدثنا قيس قال: رمى مروان بن الحكم يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته، قال: فجعل الدم
يسيل فإذا أمسكوه أمسك، وإذا تركوه سال. قال: فقال: دعوه، قال: وجعلوا إذا أمسكوا
فم الجرح انتفخت ركبته،
(هامش)
(1) سورة الأنفال: 25. (2) الصبخة لغة في السبخة، وهي محركة: أرض ذات نز وملح وما
يعلو الماء كالطحلب، يقال: علت هذا الماء سبخة. (*)
ص 292
فقال: دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله، فمات فدفناه على شاطئ الكلا. وروى ابن أبي
الحديد: أن طلحة كان مقنعا - يوم قتل عثمان - بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي
الدار بالسهام (1). وطلحة كان مدخول الضمير من نحو عثمان قبل أن يقتله الثائرون،
وقد صرح عثمان بذلك قائلا: ويلي من طلحة أعطيته كذا وكذا ذهبا، وهو يروم دمي...
اللهم لا تمتعه به، ولقه عواقب بغيه!. حتى قيل: إنه كان يقود بعض الثائرين إلى
الدور المجاورة لدار الخليفة ليتسربوا منها إلى دار عثمان!!. وهذا سعد بن أبي وقاص
يقول: عثمان غير وتغير... إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة (2). ارتكب هو
وصاحبه الزبير من رسول الله صلى الله عليه وآله في هتك حريمه ما لا يرتكبه منه كافر
ولا مشرك بقصدهما إخراج حرمه يسيران بها بين العساكر في البراري والفلوات، غير
مبالين في ذلك، ولا متحرجين، مع ما قد أجمع أهل الخبر عليه من الرواية: أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قد أعلم طلحة والزبير وأعلم عائشة زوجته: أنهم سيقاتلون
عليا صلوات الله عليه ظالمين له، فلم يردهم ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه
وآله عن محاربتهم عليا صلى الله عليه وآله إلا ظلما واعتداء، وعن سفك ما سفك منهم
من الدماء، وتلك الدماء كلها في عنقيهما وعنق عائشة جميعا.
(هامش)
(1) شرح النهج الحديدي: 2 / 404. (2) عبد الكريم الخطيب: علي بن أبي طالب بقية
النبوة: 253. (*)
ص 293
قتل في معركة الحرب، قتله مروان بن الحكم، وزعم أنه بقتله طلب دم عثمان فإن طلحة
كان ممن حضر في دار عثمان، فقتلا جميعا - طلحة والزبير - محاربين خاذلين، مع ما قد
سمعناه من دعوة الرسول صلى الله عليه وآله بالعداوة من الله والخذلان لفاعل ذلك.
وليس يخلو حالهما في ذلك من أن يكونا استهانا بدعوة الرسول صلى الله
عليه وآله: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله وعداة الله، أو أن يكونا قد رأيا أن دعوة الرسول صلى الله عليه وآله غير مجابة، ولا
وجه ثالث لهما يوجب تأويله في دعوة الرسول صلى الله عليه وآله بذلك. ومن قصد
الوجهين أو واحدا منهما فقد خرج من دين الله وشريعة الإسلام. هذا مع ما يلزمهما من
عقوبة ما قصدا له من الأذى الذي أدخلاه على رسول الله صلى الله عليه وآله بإخراجهما
زوجته من بيتها ومن سترها، وما ضربه الرسول صلى الله عليه وآله عليها من الحجاب
لأنه من المحال أن يخرجا زوجته من بيتها ومن سترها إلى مواطن الحرب، وتصفح وجوه
الرجال في مواقف الصفوف والعساكر، إلا وهما أدخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله
الأذى العظيم بذلك، والله سبحانه يقول: *(إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في
الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا)*(1)، وقوله تعالى: *(والذين يؤذون رسول الله
لهم عذاب أليم)*(2).
(هامش)
(1) سورة الأحزاب: 57. (2) سورة التوبة: 61. (*)
ص 294
هذا وقد سمعنا الله يأمر نساء النبي صلى الله عليه وآله بالاستقرار في بيوتهن بقوله
عز وجل: *(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع
الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية
الأولى)*(1). فاستخفا جميعا بأمر الله في ذلك، وحملاها على مخالفة الرسول صلى الله
عليه وآله فيما أمرت به ونهيت عنه. وكان الواجب عليهما فيما يلزمهما من طاعة الله
وحق رسوله صلى الله عليه وآله أن لو أرادت عائشة الخروج معهما واستدعت ذلك منهما أن
يمنعاها من ذلك ويلزماها بيتها، صيانة لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله،
وينهياها عن مخالفة كتاب الله، ولكنهما صانا حرمهما في منزلهما، وأخرجا حرمة رسول
الله صلى الله عليه وآله مخالفة لله ورسوله صلى الله عليه وآله، وعصيانا في ذلك كله
لله ولرسوله صلى الله عليه وآله، وكانت هي مشاركة لهما فيما استحقاه على ذلك من
أليم العقوبة، إذ أطاعتهما في معصية الله، وهتك سترها الذي أسبله الله عليها ورسوله
صلى الله عليه وآله. فلينظر الناظر بحق في هذا الذي شرحناه وبيناه: هل هو من فعل من
يجوز أن يشهد له الرسول صلى الله عليه وآله بالجنة؟ كلا، بل شهادته لهو بالنار أقرب
من شهادته له بالجنة عند ذوي الفهم. شهد طلحة لأمير المؤمنين عليه السلام - يوم
الجمل - بحديث الغدير. أخرج الحاكم، عن الوليد، وأبي بكر بن قريش قالا: ثنا الحسن
بن سفيان،
(هامش)
(1) سورة الأحزاب: 32 - 33. (*)
ص 295
ثنا محمد بن عبدة، ثنا الحسن بن الحسين (1)، ثنا رفاعة بن إياس الضبي، عن أبيه، عن
جده (2)، قال: كنا مع علي - يوم الجمل - فبعث إلى طلحة بن عبيد الله: أن ألقني ،
فأتاه طلحة، فقال: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من
كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاده من عاداه ؟ قال: نعم، قال: فلم
تقاتلني ؟ قال: لم أذكر، قال: فانصرف طلحة (3). ورواه المسعودي ولفظه: ثم نادى علي
رضي الله عنه طلحة حين رجع الزبير: يا أبا محمد، ما الذي أخرجك ؟ قال: الطلب بدم
عثمان، قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله يقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ وأنت أول من بايعني، ثم نكثت، وقد
قال الله عز وجل: *(فمن نكث فإنما ينكث على نفسه)*(4)، فقال: أستغفر الله، ثم رجع
(5). ورواه الخطيب الخوارزمي الحنفي، بإسناده من طريق الحاكم، عن رفاعة، عن أبيه،
عن جده قال: كنا مع علي - يوم الجمل - فبعث إلى طلحة بن عبيد الله التيمي فأتاه،
فقال: أنشدتك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي
مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره ؟ قال:
نعم، فلم تقاتلني ؟ قال: نسيت ولم
(هامش)
(1) كذا في النسخ، والصحيح: حسين بن حسن الأشقر. (2) هو: نذير - بالتصغير - الضبي
الكوفي، من كبار التابعين، وحفيده - رفاعة - المذكور ثقة، كما في التقريب ، توفي
بعد (180 هـ). (3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 371. (4) سورة الفتح: 10. (5) مروج
الذهب: 2 / 11. (*)
ص 296
أذكر، قال: فانصرف طلحة ولم يرد جوابا (1). وأخرج الحافظ العاصمي، عن محمد بن أبي
زكريا، عن أبي الحسن محمد بن أبي إسماعيل العلوي، عن محمد بن عمر البزاز، عن عبد
الله بن زياد المقبري، عن أبيه، عن حفص بن عمر العمري، عن غياث بن إبراهيم، عن طلحة
بن يحيى، عن عمه عيسى، عن طلحة بن عبيد الله: إن النبي صلى الله عليه وآله قال:
من كنت مولاه فعلي مولاه (2). وأخرج ابن كثير - حديث الغدير - بلفظ البراء بن
عازب، ثم قال: وقد روي هذا الحديث عن سعد، وطلحة بن عبيد الله، وجابر بن عبد الله
وله طرق، وأبي سعيد الخدري، وحبشي بن جنادة، وجرير بن عبد الله، وعمر بن الخطاب،
وأبي هريرة (3). وعد الحافظ ابن المغازلي طلحة من المائة الرواة لحديث الغدير
بطرقه (4). وعده الجزري الشافعي ممن روى حديث الغدير من الصحابة (5).
(هامش)
(1) المناقب: 112، ورواه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 42، وابن حجر في
تهذيبه : 1 / 391، بإسناده من طريق النسائي، والسيوطي في جمع الجوامع - كما في
كنز العمال : 6 / 83 - قريبا من لفظ الخوارزمي من طريق ابن عساكر، والسنوسي في
شرح مسلم : 6 / 236، والوشتاني المالكي في شرح مسلم : 6 / 236، وابن عساكر في
تاريخه : 7 / 83، والوصابي في الاكتفاء من طريق ابن عساكر، والهيثمي في مجمع
الزوائد : 9 / 107، من طريق البزار، كنز العمال: 6 / 154، عن مستدرك الحاكم غير
حديث المناشدة يوم الجمل. (2) زين الفتى في شرح سورة هل أتى. (3) البداية والنهاية:
7 / 349. (4) مناقب ابن المغازلي العشرة المبشرة . (5) أسنى المطالب: 3. (*)
ص 297
40 - أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي: عامر بن وائلة بن عبد الله بن عمر الليثي
المكي أبو الطفيل. ولد عام أحد ، وأدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله ثمان
سنين. عده ابن قتيبة في كتابه المعارف في أول الغالية من الرافضة، وذكر: أنه
كان صاحب راية المختار، وآخر الصحابة موتا. وذكر ابن عبد البر في الكنى من
الإستيعاب فقال: نزل الكوفة، وصحب عليا عليه السلام في مشاهده كلها، فلما قتل علي
عليه السلام، انصرف إلى مكة، إلى أن قال: وكان فاضلا عاقلا، حاضر الجواب فصيحا،
وكان متشيعا في علي عليه السلام، وقال: قدم أبو الطفيل يوما على معاوية، فقال: كيف
وجدك على خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد أم موسى على موسى، وأشكو إلى الله التقصير.
وقال له معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا، ولكني كنت فيمن حضره، قال: فما منعك
من نصره؟ قال: وأنت فما منعك من نصره، إذ تربصت به ريب المنون، وكنت في أهل الشام،
وكلهم تابع لك فيما تريد؟! فقال له معاوية: أوما ترى طلبي لدمه نصرة له، فقال: إنك
لكما قال أخو جعف: لألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادا روى عنه كل
من: الزهري، وأبي بصير، والجريري، وابن أبي حصين، وعبد الملك بن أبجر، وقتادة،
ومعروف، والوليد بن جميع، ومنصور بن حيان،
ص 298
والقاسم بن أبي بردة، وعمرو بن دينار، وعكرمة بن خالد، وكلثوم بن حبيب، وفرات
القزاز، وعبد العزيز بن رفيع. فحديثهم جميعا عنه موجود في صحيح مسلم . وقد روى
أبو الطفيل عند مسلم في الحج عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وروى صفة النبي
صلى الله عليه وآله، وروى في الصلاة، ودلائل النبوة، عن معاذ بن جبل، وروى في
القدر، عن عبد الله بن مسعود. وروى عن كل من: علي عليه السلام، وحذيفة بن أسيد،
وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وعمر بن الخطاب. كما يعلمه متتبعو حديث مسلم،
والباحثون عن رجال الأسانيد في صحيحه . مات أبو الطفيل رحمه الله تعالى بمكة سنة
(100 هـ)، وقيل: (102 هـ)، وقيل: (107 هـ)، وقيل: (110 هـ). وأرسل ابن القيسراني
أنه مات سنة (120 هـ)، والله أعلم. 41 - عائشة بنت أبي بكر: كانت بركانا ثائرا
ونارا مستعرة طيلة حياتها، ففي حياة النبي صلى الله عليه وآله كانت دوما تسعى سعيها
المتواصل لتكدير صفو النبي صلى الله عليه وآله وتحمله على بغض زوجاته، وتستعمل
الوسائط الفعالة في تحقيق هذه الأمنية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. إن عائشة وحفصة
تواطئتا على النبي صلى الله عليه وآله وعزمتا أن تقولا له إذا رجع من عند زينب إحدى
زوجاته وقد شرب عسلا: إنا نشم منك رائحة
ص 299
المغافير وقد فعلتا. فغضب النبي صلى الله عليه وآله وهجرهما شهرا، وقد سأل عبد الله
بن العباس عمر عن الامرأتين اللتين قد تضاهرتا عليه، فأجابه: إنهما حفصة وعائشة،
وذكر له المسألة تفصيلا ومن شاء أن يقف على هذه القضية فليرجع إلى البخاري فإنه
ذكرها مفصلا في عدة مواضع من صحيحه (1). وفي الحق أن من يقرأ صفحة حياة عائشة
جيدا يعلم أنها كانت مؤذية للنبي صلى الله عليه وآله بأفعالها وأقوالها وسائر
حركاتها، فها هي تحدثنا، فتقول كما في البخاري : كنت أنام بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وآله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها (2)،
وفي استعمال ذلك من سوء الأدب ما لا يخفى على المطالع. وتحدثنا كما في البخاري :
أنها لما وهبت خولة بنت حكيم نفسها للنبي صلى الله عليه وآله، قالت: قلت: أما تستحي
المرأة أن تهب نفسها للرجل، فلما نزلت *(ترجي من تشاء منهن)*(3)، قلت: يا رسول
الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك (4). وأنت ترى أن ذلك جرأة متناهية فإن نسبة
المسارعة إلى الله تعالى، والهوى إلى نبيه صلى الله عليه وآله قول من لا يرعى لهما
حرمة، ولا يرى لهما إلا ولا ذمة.
(هامش)
(1) صحيح البخاري: 3 / 128 و160 و168. (2) صحيح البخاري: 1 / 63. (3) سورة الأحزاب:
51. (4) صحيح البخاري: 3 / 152. (*)
ص 300
فكون عائشة زوجة للرسول صلى الله عليه وآله لا يدل عل فضلها أو علو منزلتها في
الدنيا والآخرة عند الله ورسوله والمؤمنين!! إلا إذا قام الدليل على اتصافها
بالإيمان والتقوى اللذين ينحصران بطاعة الله تعالى ورسوله فيما أمرا ونهيا. فإن لم
يقم الدليل على ذلك فهي كامرأة لوط عليه السلام وامرأة نوح عليه السلام حيث لعنهما
الله تعالى في القرآن الكريم لخروجهما عن طاعة زوجيهما. أما حياتها في بيت الرسول
صلى الله عليه وآله فليس لها ما يميزها عن سواها، فهي عاقر بالإجماع، وقد صح عنه
صلى الله عليه وآله قوله: شوهاء ولود خير من حسناء عقيم (1). فهي إذن حسناء
عقيم وقد شملها هذا الذم، كما أنها كانت غيري لا خلاف في ذلك، وقد أحدثت شيئا
كثيرا من المشاكل العائلية مع ضراتها !! وقد أجمعوا على أنها سألت النبي صلى
الله عليه وآله أن يدعو لها لرفع ما بها من الغيرة !! لكننا لا نعلم ما إذا
كان قد دعا لها أم لا!! كانت تعيش مع تسع نساء لكنها كانت تتطاول على بعضهن، وكم
تشكينها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله!!. وإن من نعم الله تعالى على هذه الأمة
أنها لم تلد من النبي صلى الله عليه وآله ذكرا ولا أنثى، ولو كان لها منه شيء من
ذلك، لكان عجل بني إسرائيل وكانت السامري.
(هامش)
(1) عن إحدى رسائل الجاحظ في كتاب آثار الجاحظ جمعه عمر أبو النصر / ط بيروت /
مطبعة النجوى سنة (1969 م) / ط الأولى، وقال الجاحظ في هذا الكتاب: ص 206 أيضا:
وكانت العرب تفتخر بكثرة الولد، وتمدح الفحل القبيس، وتذم العاقر والعقيم! (*)
ص 301
ولقد خاطبها الرسول صلى الله عليه وآله بقوله: إنكن لصويحبات يوسف يكني بذلك عن
مكرها، وذلك في حديث من قدمه إلى الصلاة بالناس حين مرضه !! فأيا كان هو المقدم
للصلاة فهي المعنية بقوله صلى الله عليه وآله: إنكن لصويحبات يوسف أي خبيثات
ماكرات!! ولا يخفى أن كتب الفقه للقوم وكتب التفسير وغيرها لا يخلو فرع تقريبا عن
حديث لعائشة عنه صلى الله عليه وآله، حتى لقد تجاوز مجموع ما روته عن الرسول صلى
الله عليه وآله مجموع ما رواه علي والزهراء والحسنان عليهم السلام، وأبو بكر وعمر
وعثمان!! فلعائشة (9) سنوات في بيت الرسول صلى الله عليه وآله ولها من هذا العدد
سنة واحدة فقط، لأنها تعيش مع (8) ضرات، والسنة تساوي (365) يوما، واليوم يساوي
أربعا وعشرين ساعة، وحاصل ضرب (365 ب 24 = 8760 ساعة) ينقص نصفها وهو النهار لوجوده
في المسجد، و(3 / 4) من الليل للعبادة والراحة، فألف ساعة نصيب وافر جدا، قد
فرضناه لحياتها معه صلى الله عليه وآله - أي للتحدث معها -! فكيف يعقل ويقبل
حديثها، وقد بلغ (41) ألف حديث أو أكثر عنه صلى الله عليه وآله!! وهذا العدد مثبت
عنها عنه صلى الله عليه وآله في صحاحهم ! فلا يخلو حينئذ إما أن يكون أصحاب
الصحاح كاذبين عليها!! فيبطل دينهم!! أو تكون هي كاذبة على الرسول صلى الله عليه
وآله. ومما يؤيد عدم الوثوق بحديثها عنه نقلها دون أن يشاركها أحد من أهل بيته أو
صحابته ممن يرتضيهم القوم المتناقضات والمتعارضات مع القرآن، ومما
ص 302
لا تقع منه في الدين والدنيا، كنقلها حديث خرافة الذي رواه أبو طالب المفضل بن
سلمة بن عاصم في كتابه في اللغة والأمثال (1)، ورواه غيره أيضا. وهو حديث طويل
ممل ليس له أية غاية، فهو شبيه بما يحدث به الصبيان ليناموا، وحاشا رسول الله صلى
الله عليه وآله من فضول الكلام. قال بعض أهل العلم: وإن مما يدل على الشك في حديثها
عنه صلى الله عليه وآله هو أنه من المعلوم الثابت بلا خلاف أن أبي بكر وعمر - صديقه
الحميم - وعثمان كانوا لا يقومون من مشكلة تعتريهم في الأحكام الدينية حتى يقعوا في
أخرى، ولم نسمع أنهم استشاروا عائشة في حكم ديني أو شيء من تفسير كلام ونحو ذلك مما
يحتاجون إليه، وما أكثر حاجتهم!! فلو كانت على ما أجلسها عليه الأمويون أخيرا من
كرسي عال لعرش العلم، لكانت ممن قد استشير لحل ما يستعصي على الثلاثة!! كما أن
نبوغها في العلوم في عصر معاوية، وأواخر عصر عثمان يدل على رفعة مقصودة رفعتها، ومن
الغريب أيضا أن قسما كبيرا من أحاديث فضائل آل أمية وجرح أعدائهم جاء بواسطتها
وهي وشبيهها الدوسي أبو هريرة، والعاقل من فكر!! وأما حالة عائشة في حياة النبي صلى
الله عليه وآله فقد خرجت من بيتها بعد أن أمرها الله تعالى أن تقر به، وألبت الناس
على إمام زمانهم أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن وصاها النبي صلى الله عليه وآله
أن لا تخرج عن طاعته وأن لا تكون تلك المرأة التي تركب الجمل وتنبحها كلاب الحوئب
فما أصغت لهذه
(هامش)
(1) الفاخر: 168، ط / القاهرة - دار إحياء الكتاب العربي - الطبعة الأولى. (*)
ص 303
الوصايا الثمينة التي كان يلقيها عليها النبي صلى الله عليه وآله من حين لآخر، ومضت
على غلوائها فكان ما كان من تفريق الكلمة وتشتيت الشمل وقتل النفوس البريئة التي
حرم الله قتلها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله ناظرا لهذه الفتنة وعالما بما
سيؤول إليه حال هذه الأمة. فهذا البخاري يحدثنا، فيقول: قام النبي صلى الله عليه
وآله خطيبا، فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: هاهنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن
الشيطان (1). وروى مسلم أيضا، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من بيت
عائشة، فقال: رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان (2). ولما كانت ثمار
هذه الحرب قد جناها معاوية، ثم آل أمية كافة، فمنهم بين خليفة أو محسوب على
الخليفة، وقد سن لهم عثمانهم سنة المحسوبية. لذا فقد قام بحملة مسعورة أظهر
فيها قادة هذه الحرب بمظهر سام قد يفوق الشهداء بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله،
كما أن الذي يجلب الانتباه إلى أكثر هذه الأحاديث التي اشتراها معاوية وحزبه من
باعة الأخبار تنسب إلى الإمام علي عليه السلام، فمن ذلك مثلا: أبو بكر بن أبي شيبة:
سئل علي عن أصحاب الجمل، أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا ، قال: فمنافقون هم؟
قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا ، قال: فما هم؟ قال: إخواننا بغوا
علينا (3).
(هامش)
(1) صحيح البخاري: 2 / 117. (2) صحيح مسلم: 2 / 503. (3) العقد الفريد: 4 / 330
(بحث: قولهم في أصحاب الجمل). (*)
ص 304
ولو فكر - المنصف - في هذا وأمثاله، لوجد غايته مكشوفة، وهي إظهار التناقض بين فعل
علي عليه السلام وقوله، وأقل ما يقال عنه في مثل هذه الحالة: إنه غير كفؤ فهو
شجاع لكن لا رأي له في الحروب !! - كما قالوا - وإلا هل يكون الباغي على إمام
زمانه مسلما؟!! إذن علام كفروا مالك بن نويرة وغيره ممن لم يعترفوا لأبي بكر
بالخلافة، مع إقرارهم بالشهادتين، والصلاة إلى القبلة، وأكل ما ذكر عليه اسم الله
وترك ما سواه!! وقال ابن عبد ربه أيضا (1): ومر علي بقتلى الجمل، فقال: اللهم
اغفر لنا ولهم ، ومعه محمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر، فقال أحدهما لصحابه: أما
تسمع ما يقول؟! قال: اسكت لا يزيدك!! ولقد عن لي ترك التعليق على هذا الحديث، فإن
بائعه لم يحسن وضعه، ثم تذكرت شبهة يخادعون فيها المغفلين وهي: إن القوم
مجتهدون، وقد أخطأ بعضهم فهو غير مذنب ولا مأثوم لأنه غير متعمد على ما فعل، بل
مخطئ ليس غير!! وسئل عمار بن ياسر، عن عائشة - يوم الجمل - فقال: أما والله، إنا
لنعلم زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتتبعونه أم تتبعونها
(2)؟ وهذا قد قام شاهد بطلانه منه عليه!! فقوله: أتتبعونه أي الله تعالى فهو في
جانب، تتبعونها أي عائشة فهي
(هامش)
(1) نفس المصدر. (2) العقد الفريد: 4 / 331. (*)
ص 305
في جانب آخر!! ولولا شبهة أثارها بعض المضللين كابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي
وشبهه، من أن الصراع بين كبار الصحابة إنما حدث للاختبار والابتلاء!! وإلى هذا
المعنى يذهب واضع هذا الحديث المفتعل على عمار، فأقول: إن الرسول صلى الله عليه
وآله قال حين موته: إني تارك أو مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي فحرفه
بعضهم، فقال: وسنتي، والقرآن يقول: *(وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا)*(1). فما هو وجه قبول هذا الابتلاء بعد البيان في القرآن والسنة!!؟ ألا
يجب رد قول: علي وأبي بكر وعمر... الخ إذا تعارض مع صريح القرآن، والمتفق عليه
من السنة، وذلك بعد تعذر الجمع. نعم، لم يوص النبي صلى الله عليه وآله بأكثر من
اثنين فقط. فما اتفق معهما قبل، وما تنافى معهما رفض، إذ المسلمون عبيد الله تعالى
فقط، ومأمورون باتباع القرآن والسنة، نعم للصحابة حق التفسير والتأويل، وليس لهم حق
التشريع الذي لا سند له في القرآن والسنة، وإلا كانت الشريعة ناقصة، وقوله تعالى:
*(اليوم أكملت لكم دينكم)*(2)، وقوله تعالى: *(وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)*(3)،
وقوله تعالى: *(ما فرطنا في الكتاب من شيء)*(4) كل ذلك باطلا، فأعوذ بالله.
(هامش)
(1) سورة الحشر: 7. (2) سورة المائدة: 3. (3) سورة يس: 12. (4) سورة الأنعام: 38.
(*)
ص 306
فما وجه الابتلاء بجمع المتناقضات إن هو إلا ارتداد وخروج على إمام زمانها ليس غير
هذا. وبهذا، يتضح أن كل ما قيل في قتلى الجمل من مدح أو اعتذار عنهم، إنما هي
أقاويل مفتعلة، وأخبار ملفقة صنعها معاوية وحزبه، والمنصف قادر على تمييز الغث من
السمين!! ومما يكشف سوء عملها، ما صح عنها - وإقرار العقلاء على أنفسهم حجة بلا
خلاف - قالت: وقيل لها: تدفنين مع رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالت: لا، إني
أحدثت بعده حدثا، فادفنوني مع إخوتي بالبقيع (1)!! فما هو هذا - الحدث - الذي أقرت
به؟ أهو تبرجها وخروجها من منزلها حتى تنبحها كلاب الحوأب؟!! أم مؤازرتها لأعداء
الله ورسوله: كالطريد مروان بن الطريد الحكم، ومروان قاتل طلحة يوم الجمل (2)؟!
وسارق بيت المال، وصاحب الجرائم التي لا تحصى، فهو من أحبائها!! أم برمي جنازة
الحسن بن علي عليه السلام بالسهام، حينما جاؤوا بها ليجددوا بها عهدا من قبر جده؟!!
أم ماذا؟!! أقول: أيها المنصف، لقد قدمت للشئ - ما بعضه فيه الكفاية - لتجريد عائشة
من ثوب القدسية التي ألبسها حزبها ظلما ذلك الثوب، ففي ما ذكرت
(هامش)
(1) العقد الفريد: 4 / 331. (2) نفس المصدر: 321. (*)
ص 307
لك كفاية وهداية. يتضح لك أنها لم تتق الله تعالى، ولم تطع أمره في كتابه المنزل
على محمد صلى الله عليه وآله، ولم تطع الرسول صلى الله عليه وآله، ولم تحفظ
قرابته!! أتراه صلى الله عليه وآله يرضى على من حارب عليا عليه السلام، وهو حبيب
الله، وحبيب رسوله بإجماع المسلمين، وذلك بقوله صلى الله عليه وآله في حقه يوم
خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله الخ؟ وبهذا
أكتفي، وإن كان البحث ناقصا غير مستوفي لما يجب له في بيان، فأعمال عائشة وسيرتها
تستدعي كتابا ضخما!!
42 - عبد الرحمان بن عوف القرشي الزهري: ومحمدأ المتوفى سنة
(31 هـ) أو (32 هـ)، أجمع الخاص والعام أنه كان أحد الستة الذين جعل عمر الشورى
بينهم، وفي وقت وفاته. قال للخمسة: إني أهب لكم نصيبي ونصيب ابن عمي سعد بن أبي
وقاص على أن أكون المختار للإمام منكم ففعلوا ذلك، فاستعرض الأربعة الباقين وهم:
علي عليه السلام، وطلحة، والزبير، وعثمان، فاختار من الأربعة عليا وعثمان، فلما
أراد أن يختار واحدا من الاثنين، قال لعلي عليه السلام: إن اخترتك لهذا الأمر تسير
فينا بسيرة أبي بكر وعمر؟ فقال علي عليه السلام: بل أسير فيكم بكتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وآله .
ص 308
فتركه وصار إلى عثمان فقال: إن اخترتك تسير فينا بسيرة - أبي بكر وعمر -؟ فقال:
نعم، فاختاره وبايع له. فانظر إلى هذا الحال، وما طالب به عبد الرحمان بن عوف، وما
كان جواب علي عليه السلام في ذلك. فإن كانت سيرة أبي بكر وعمر على كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وآله فما معنى ذهابه إلى سيرة أبي بكر وعمر؟ وإن كانت سيرة أبي
بكر وعمر بخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله فكفى بذلك خزيا لمن طلبه،
ولعمري، كانت كذلك بما أشرنا سابقا من بدعهما. ثم رووا عنه بعد هذا كله: أنه جرى
بينه وبين عثمان جدال بعد مدة من بيعته له. فقال له عثمان: يا منافق، فقال له عبد
الرحمان: ما ظننت أني أعيش إلى زمان تقول لي فيه: يا منافق، ثم حلف أنه لا يكلمه ما
عاش، فبقى مهاجرا له طول حياته حتى مات (1). هذا مع ما رووا جميعا: إن الرسول صلى
الله عليه وآله قال: لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن أكثر من ثلاثة أيام ، فإن
كان عثمان مؤمنا فقد خالف عبد الرحمان قول رسول الله صلى الله عليه وآله في مهاجرته
لعثمان سنين حتى مات على ذلك من غير توبة منه، ومن قصد مخالفة الرسول جرى
(هامش)
(1) ومن الغريب ما ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة - في ترجمة عبد الرحمان
-: أنه مات وصلى عليه عثمان، وكان أوصى بذلك، ليت شعري كيف يوصي أن يصلي عليه عثمان
وهو عدوه الألد؟! وابن حجر في الإصابة يروي صلاة الزبير بن العوام عليه. (*)
ص 309
على ذلك كانت النار مأواه، مع ما يلزمهم من قول عثمان لعبد الرحمان: يا منافق. لأنه
لا يخلو الحال في ذلك من أن يكون عثمان صادقا فيما قاله لعبد الرحمان، أو يكون
كاذبا. فإن قالوا: كاذبا، فقد قال الله في كتابه: *(إنما يفتري الكذب الذين لا
يؤمنون بآيات الله)*(1) وكفى بهذا خزيا ومقتا. وإن قالوا: كان صادقا، فعبد الرحمان
كان منافقا بشهادة عثمان عليه، وتصديقهم لعثمان بشهادته بذلك، والله يقول: *(إن
المنافقين في الدرك الأسفل من النار)*(2) وكفى بهذا خزيا. روى حديث الغدير عنه
بإسناده ابن عقدة في حديث الولاية ، والمنصور الرازي في كتاب الغدير ، وهو من
العشرة المبشرة الذين عدهم الحافظ ابن المغازلي الشافعي من المائة الرواة لحديث
الغدير بطرقه، وعده الجزري الشافعي ممن روى حديث الغدير (3).
43 - عبد الله بن أبي
أوفى علقمة الأسلمي: أبو معاوية، من أصحاب الشجرة، ابتنى بالكوفة دارا في أسلم،
وتوفي بها سنة (86 هـ) وهو آخر من مات بها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله.
(هامش)
(1) سورة النحل: 105. (2) سورة النساء: 145. (3) أسنى المطالب: 4. (*)
ص 310
44 - عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي: عبد الله بن بديل - بضم الموحدة وفتح
الدال المهملة وسكون المثناة التحتانية وبعدها لام - بن ورقاء الخزاعي، أسلم مع
أبيه يوم الفتح أو قبله، وكانا سيدي خزاعة، وعيبة النبي صلى الله عليه وآله، وشهد
عبد الله حنينا و الطائف و تبوك ، وكان رفيع القدر ورفيع الشأن، أرسله
النبي صلى الله عليه وآله مع أخويه عبد الرحمان ومحمد إلى اليمن ليفقهوا أهلها
ويعلموهم الدين، وكان عبد الله من أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام وخلص أصحابه،
شهد معه الجمل و صفين وأبلى فيها بلاء حسنا إلى أن استشهد بصفين. قال المؤيد
الخوارزمي: كان عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل: فرسان العراق،
ومردة الحرب، ورجال المعارك، وسيوف الأقران، وأمراء الأخيار، وأمراء أمير المؤمنين
عليه السلام، وقد أوقعوا بأهل الشام ما بقي ذكره على مر الأحقاب، حتى احتالوا
لقتلهم، وفيهم يقول الأشتر ذاكرا لهم متأسفا عليهم: أبعد عمار وبعد هاشم * وابن
بديل فارس الملاحم أرجو البقاء؟ ضل حلم الحالم وقال أبو عمرو الكشي: فيما روي من
جهة العامة، روى عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو مريم الأنصاري، عن المنهال بن
عمرو، عن زر بن حبيش قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام من القصر فاستقبله ركبان
متقلدون بالسيوف عليهم العمايم، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة
ص 311
الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا، فقال علي عليه السلام: من هاهنا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله؟ . فقام خالد بن زيد أبو أيوب، وخزيمة بن ثابت ذو
الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، فشهدوا جميعا أنهم
سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه
. فقال علي عليه السلام لأنس بن مالك، والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما
فتشهدا، فقد سمعتما كما سمع القوم؟ ثم قال: اللهم إن كانا كتماها معاندة
فابتلهما ؟! فعمي البراء بن عازب، وبرص قدما أنس بن مالك، فحلف أنس بن مالك أن لا
يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولا فضلا أبدا. أما البراء بن عازب فكان
يسأل عن منزله، فيقال: هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة؟ (1)
45 - عبد الله بن جعفر: زوج زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي بن
أبي طالب عليه السلام، قبره بالحجاز، وفي عمدة الطالب و الإستيعاب و أسد
الغابة و الإصابة وغيرها: إنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع، وزاد في عمدة
الطالب ، القول بأنه مات بالأبواء ودفن بالأبواء. كان يفد على معاوية فيجيزه، فلا
يطول أمر تلك الجوائز في يده حتى
(هامش)
(1) رجال الكشي: 30. (*)
ص 312
ينفقها بما عرف منه من الجود المفرط. ولما بلغ عبد الله بن جعفر قتل ابنيه مع
خالهما الحسين عليه السلام استرجع، فدخل عليه بعض مواليه، والناس يعزونه، فقال: هذا
الذي ما لقينا من الحسين؟ فحذفه ابن جعفر بنعله، وقال: يا بن اللخناء، أللحسين تقول
هذا؟ والله، لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنه لمما يسخى بنفسي
عنهما، ويهون علي المصاب بهما، أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي، مواسين له صابرين معه،
ثم قال: إن لم تكن آست الحسين عليه السلام يدي فقد آساه ولداي.
46 - عبد الله بن
العباس:
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى - أبو العباس - أمه أم الفضل -
لبانة بنت الحرث بن حرث الهلالية. ولد في شعب بني هاشم وهم محصورون فيه قبل الهجرة
بثلاث سنين، وذكر الطائي: أن النبي صلى الله عليه وآله حنكه بريقه حين ولد، ودعا له
بالحكمة مرتين. قال العلامة الحلي رضي الله عنه في الخلاصة : عبد الله بن عباس
رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، كان محبا لعلي عليه السلام
وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ، عن ابن عباس قال: لما احتضر
ص 313
رسول الله صلى الله عليه وآله وفي البيت رجال منهم: عمر بن الخطاب، قال النبي صلى
الله عليه وآله: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده ، قال عمر: إن رسول الله
ليهجر، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف القوم واختصموا، فمنهم من يقول:
قربوا إليه يكتب إليكم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: القول ما قال عمر، فلما
أكثروا اللغو والاختلاف عنده قال صلى الله عليه وآله لهم: قوموا . فكان ابن
عباس، يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أن
يكتب لهم ذلك الكتاب. قال بعض العلماء: صدق ابن عباس عند كل عاقل مسلم، والله لو
لبس المسلمون السواد، وأقاموا المآتم، وبلغوا أعظم الحزن، لأجل ما فعل عمر بن
الخطاب لكان قليلا. وروى عبد الله بن عمر، قال: كنت عند أبي يوما وعنده نفر من
الناس، فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر العرب؟ فقالوا: فلان وفلان، فطلع عبد الله بن
عباس، فسلم وجلس، فقال عمر: قد جاءنا الخبير، من أشعر العرب يا عبد الله؟ قال: زهير
بن أبي سلمى، قال: فأنشدني مما تستجيده له، فقال: إنه مدح قوما من غطفان، يقال لهم:
بنو سنان: لو كان يعقد فوق الشمس من شرف * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا قوم سنان
أبوهم حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا أنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا *
مرزؤن بهاليل إذا جهدوا محسدون على من كان من نعم * لا ينزع الله منهم ماله حسدوا
ص 314
فقال عمر: قاتله الله لقد أحسن، ولا أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من بني
هاشم، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال ابن عباس: وفقك الله يا
أمير... فلم تزل موفقا. قال: يا ابن عباس، أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا. قال:
لكني أدري، قال: ما هو؟ قال: كرهت قريش أن يجتمع لكم الخلافة والنبوة فتجحفوا
بالناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت. قال ابن عباس: أيميط عني
أمير... غضبه، قال: قل ما تشاء، قال: أما قولك: إن قريشا كرهت، فإن الله تعالى قال
لقوم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله، فأحبط أعمالهم. وأما قولك: كنا نجحف، فلو
أجحفنا بالخلافة لجحفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من أخلاق رسول الله صلى
الله عليه وآله الذي قال الله تعالى له: *(وإنك لعلى خلق عظيم)*(1)، وقال له:
*(واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)*(2). وأما قولك: إن قريشا اختارت، فإن الله
تعالى يقول: *(وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)*(3). وقد علمت أن الله
اختار لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر
(هامش)
(1) سورة القلم: 4. (2) سورة الشعراء: 215. (3) سورة القصص: 68. (*)
ص 315
الله لها لوفقت قريش. فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس، أبت قلوبكم - يا بني هاشم -
إلا غشا في أمر قريش لا يزول، وحقدا عليها لا يحول. فقال ابن عباس: لا تنسب قلوب
بني هاشم إلى الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله صلى الله عليه وآله طهره الله
وزكاهم وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا)*(1). وأما قولك: حقدا، فكيف لا يحقد من غصب حقه، ويراه في يد
غيره؟ فقال عمر: أما أنت يا ابن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول
منزلتك عندي. قال: ما هو؟ أخبرني به فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن
يك حقا فإن منزلتي عندك لا تزول به. قال: بلغني أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر
منا حسدا وظلما. قال: أما قولك: حسدا، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، فنحن بنو
آدم المحسود. وأما قولك: ظلما، فأنت تعلم صاحب الحق من هو؟ ثم قال: ألم تحتج العرب
على العجم بحق رسول الله صلى الله عليه وآله، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول
الله صلى الله عليه وآله، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله من سائر قريش.
(هامش)
(1) سورة الأحزاب: 33. (*)
ص 316
فقال عمر: قم الآن وارجع إلى منزلك. فقام، فلما ولى هتف به عمر: أيها المنصرف؟ إني
على ما كان منك لراع حقك. فالتفت ابن عباس، وقال: إن لي عليك حقا، وعلى كل المسلمين
برسول الله صلى الله عليه وآله، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع.
فقال عمر لجلسائه: واها لابن عباس، ما رأيته لاحى أحدا إلا خصمه. وأخرج الكشي
بإسناده قال: لما هزم علي بن أبي طالب عليه السلام أصحاب الجمل، بعث عبد الله بن
عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة. قال ابن عباس: فأتيتها وهي في
قصر بني خلف في جانب البصرة. قال: وطلبت عليها الإذن فلم تأذن، فدخلت عليها من غير
إذنها، فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس وإذا هي من وراء سترين، فضربت ببصري فإذا
في جانب البيت رحل عليه طنفسة. قال: فمددت الطنفسة فجلست عليها. فقالت من وراء
الستر: يا ابن عباس، أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا، وجلست على متاعنا بغير
إذننا. فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك، ونحن علمناك السنة، وإنما بيتك
الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجت منه ظالمة لنفسك،
ص 317
غاشة لدينك، عاتية على ربك، عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا رجعت إلى
بيتك لم ندخله إلا بإذنك، ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك. إن أمير المؤمنين عليه
السلام بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة. فقالت: رحم الله أمير
المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب. فقال ابن عباس: هذا والله أمير المؤمنين، وإن تربدت
فيه وجوه، ورغمت فيه معاطس. أما والله لهو أمير المؤمنين عليه السلام وأمس برسول
الله صلى الله عليه وآله رحما، وأقرب قرابة، وأقدم سبقا، وأكثر علما، وأعلى منارا،
وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر. فقالت: أبيت ذلك. فقال: أما والله إن كان إباؤك فيه
قصير المدة، عظيم المشقة، ظاهر الشوم بين النكد. وما كان إباؤك فيه إلا كحلب شاة
حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين. وما كان مثلك إلا كمثل ابن
الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد، حيث يقول: ما زال إهداء القصائد بيننا * شتم الصديق
وكثرة الألقاب حتى تركتهم كأن قلوبهم * في كل مجمعة طنين ذباب
ص 318
قال: فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وتبدى نشيجها. ثم قالت: أخرج والله عنكم فما في
الأرض بلد أبغض إلي من بلد أنتم فيه. فقال ابن عباس: فلم والله ماذا بلاؤنا عندك؟
ولا صنيعنا إليك، إنا جعلناك للمؤمنين أما، وأنت بنت أم رومان، وجعلنا أباك صديقا،
وهو ابن أبي قحافة. فقالت: يا ابن عباس، تمنون علي برسول الله صلى الله عليه وآله؟
فقال: ولم لا نمن عليك، لو كان منك قلامة منه مننتنا به، ونحن لحمه ودمه ومنه
وإليه، وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده، لست بأبيضهن لونا، ولا بأحسنهن
وجها، ولا بأرشحهن عرقا، ولا بأنضرهن ورقا، ولا بأطراهن أصلا، فصرت تأمرين فتطاعين،
وتدعين فتجابين. وما مثلك إلا كما قال أخو بني فهر: مننت على قومي فأبدوا عداوة *
فقلت لهم: كفوا العداوة والنكرا ففيه رضا من مثلكم لصديقه * وأحجى بكم أن تجمعوا
البغي والكفرا قال: ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها، وما
رددت عليها، فقال عليه السلام: أنا أعلم بك حيث بعثتك . وروي أن أمير المؤمنين
عليه السلام لما أرسل ابن عباس إلى الزبير، قال: من كان له ابن عم مثل ابن عباس
فقد أقر الله عينه.
ص 319
وأقام أمير المؤمنين عليه السلام بعد وقعة - الجمل - خمسين ليلة، ثم أقبل على
الكوفة واستخلف ابن عباس على البصرة. ولما خرج علي عليه السلام إلى صفين لحرب
معاوية كتب إلى عماله يستفزهم، فكتب إلى ابن عباس وهو عامله على البصرة: أما بعد،
فاشخص إلي بمن قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم في الحرب
وأعلمهم الذي في ذلك من الفضل والسلام . فلما وصل كتابه إلى ابن عباس بالبصرة، قام
في الناس، فقرأ عليهم الكتاب، وحمد الله وأثنى عليه. وقال: أيها الناس، استعدوا
للشخوص إلى إمامكم وانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم، فإنكم تقاتلون
المحلين القاسطين الذين لا يقرؤون القرآن، ولا يعرفون حكم الكتاب، ولا يدينون دين
الحق مع أمير المؤمنين عليه السلام وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، الآمر
بالمعروف والناهي عن المنكر، والصادع بالحق، والمقيم بالهدى، والحاكم بحكم الكتاب،
الذي لا يرتشي في الحكم، ولا يداهن الفجار، ولا تأخذه في الله لومة لائم. فقام إليه
الأحنف بن قيس، فقال: نعم، والله لنجيبنك ولنخرجن معك على العسر واليسر والرضا
والكره، نحتسب في ذلك الأجر، ونأمل به من الله العظيم حسن الثواب. وأجابه سائر
الناس إلى المسير، فاستعمل أبا الأسود الدؤلي على البصرة، وخرج حتى قدم على أمير
المؤمنين عليه السلام بالنخيلة - وهي بضم النون -: مصغر نخلة موضع من الكوفة على
سمت الشام.
ص 320
وعن عبد الله بن عوف بن الأحمر: إن عليا عليه السلام لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه
ابن عباس بأهل البصرة. وقال ابن أبي الحديد: وهل أخذ عبد الله بن عباس الفقه وتفسير
القرآن إلا عن علي عليه السلام. ولم يفارق ابن عباس أمير المؤمنين عليه السلام إلى
أن قتل على ما رواه الخوارزمي في مناقبه : عن عثمان بن مغيرة، قال: لما أن دخل
شهر رمضان كان عليه السلام يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين عليهما السلام،
وليلة عند ابن عباس، لا يزيد على ثلاث لقم، يقول: يأتيني أمر الله وأنا خميص،
إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب من الليل . وروى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب
مقاتل الطالبيين : أن عليا عليه السلام ولى غسله ابنه الحسن عليه السلام وعبد الله
بن عباس. وروى الحنبلي في نهاية المطالب : بإسناده عن ربعي بن خراش، قال: سأل
معاوية عبد الله بن عباس فقال: ما تقول في علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال:
صلوات الله على أبي الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، ومحل الحجى، وبحر
الندى، وطود النهى، علما للورى، ونورا في ظلم الدجى، وداعيا إلى المحجة العظمى،
ومتمسكا بالعروة الوثقى، وساميا إلى الغاية القصوى، وعالما بما في الصحف الأولى،
وعاملا بطاعة الملك الأعلى، وعارفا بالتأويل والذكرى، ومتعلقا بأسباب الهدى، وحائدا
عن طرقات الردى، وساميا إلى المجد والعلى، وقائما بالدين والتقوى، وسيد من تقمص
وارتدى بعد النبي المصطفى، وأفضل من صام وصلى، وأجل من ضحك وبكى، صاحب القبلتين،
وهل يساويه مخلوق كان أو يكون، كان والله للأسد قاتلا، وللبهم في الحرب