الروض النضير في معنى حديث الغدير

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الروض النضير في معنى حديث الغدير

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 401

علي عليه السلام، ويكون منهما الحسن والحسين عليهما السلام والذرية الطاهرة أئمة وهداة لهذه الأمة، ولهذا الأمر والسر الخطير كان زواج فاطمة عليها السلام أمرا إلهيا لم يسبق رسول الله صلى الله عليه وآله إليه، ولم يتصرف حتى نزل القضاء، كما صرح صلى الله عليه وآله بذلك. ومنح رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام بعد زواجها ما لم يمنحه لأحد، حتى بلغ من شدة عنايته بفاطمة، وتعلق قلبه بها: أنه إذا أراد الخروج في سفر أو غزوة، كانت فاطمة آخر إنسان يودعه، وإذا عاد من سفره أو غزوه، كان أول إنسان يلتقي به هو فاطمة. فعن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليها إذا قدم فاطمة عليها السلام - أخرجه أحمد - (1). وعن أبي ثعلبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قدم من غزوة أو سفر بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم أتى فاطمة، ثم أتى أزواجه (2). وبعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله اشتد عليها الحزن والأسى، ونزل بها المرض، حتى غدت نحيلة سقيمة، وبقيت تعاني من شدة المرض أربعين ليلة، حتى وافاها الأجل المحتوم، فكانت كما وعدها الصادق الأمين صلى الله عليه وآله، أول أهل بيته لحاقا به.. وعلى الرغم من اشتداد الألم، فإن فاطمة عليها السلام كانت تبدو في

(هامش)

(1) ذخائر العقبى: 37 - أخرجه أبو عمر -. (2) المصدر نفسه. (*)

ص 402

اليوم الأخير من حياتها وكأنها تتماثل للشفاء، فقد قامت من فراشها وغسلت ولديها الحسن والحسين عليهما السلام، وألبستهما ثيابهما، ثم طلبت منهما أن يزورا قبر جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى الرغم مما بدا عليها من تحسن في صحتها ونشاطها، إلا أنها كانت تستعد للرحيل، وتسرع الخطى للحاق بأبيها صلى الله عليه وآله، فطلبت من أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تحضر لها ماء لتغتسل به... فاغتسلت، ولبست أحسن ثيابها. وعندما أحست بالأجل يدنو، وبأنها تنعى إلى نفسها طلبت من أسماء أن تضع لها فراشا وسط البيت، فاضطجعت في فراشها، وهي مستقبلة القبلة. ثم دعت أسماء وأم أيمن، وطلبت إحضار علي بن أبي طالب عليه السلام، فحضر علي عليه السلام، فقالت: يا ابن العم، إنه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلا إنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي . فقال لها علي عليه السلام: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجلس عند رأسها، وأخرج من كان في البيت. ثم قالت عليها السلام: يا ابن العم، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال عليه السلام: معاذ الله، أنت أعلم، وأبر، وأتقى، وأكرم، وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي، وقد عز علي مفارقتك وفقدك، إلا أنه أمر لا بد منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأحزنها؟ هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها.

ص 403

ثم بكيا جميعا ساعة، وأخذ علي عليه السلام رأسها عليها السلام وضمها إلى صدره، ثم قال: أوصيني بما شئت، فإنك تجدينني وفيا، أمضي كلما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري، ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء، يا ابن عم، أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة أختي - أمامة - (1) فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لا بد لهم من النساء... (2). ثم أتمت وصيتها عليها السلام. ولم تعش فاطمة الزهراء عليها السلام طويلا بعد أبيها، وكما أخبرنا صلى الله عليه وآله أنها أول أهل بيته لحاقا به. قالت عائشة: كنت جالسة عند رسول الله صلى الله عليه وآله فجاءت فاطمة عليها السلام تمشي، كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها شيئا فبكت، ثم أسر إليها فضحكت، قالت: قلت: ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء، استخصك رسول الله صلى الله عليه وآله بحديثه ثم تبكين؟! قلت: أي شيء أسر إليك رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالت عليها السلام: ما كنت لأفشي سره ، فلما قبض صلى الله عليه وآله سألتها، فقالت عليها السلام: قال: إن جبريل عليه السلام كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة، وأنه أتاني العام الماضي فعارضني مرتين، ولا أظن إلا أجلي قد حضر، ونعم السلف أنا لك، قالت: وقال:

(هامش)

(1) لقد نفذ أمير المؤمنين عليه السلام الوصية، فتزوج بإمامة بنت أبي العاص بن الربيع بنت زينب أخت فاطمة عليها السلام. (2) المجالس السنية: 2 / 123. (*)

ص 404

أنت أول أهل بيتي لحاقا بي (1)، قالت: فبكيت لذلك، ثم قال: أما ترضين أن تكوني سيدة هذه الأمة أو نساء العالمين؟ قالت: فضحكت (2). ويأذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله أن يلحق به، ويمضي إلى عالمه العلوي، فيختاره تعالى إلى جواره، وينتقل إلى الرفيق الأعلى، وتشتد الرزية على فاطمة عليها السلام، ويعظم المصاب في نفسها، وتظل تعيش بعد أبيها في حزن وألم، وهي ترقب ساعة اللحاق به، والعيش معه في جنات الخلد. فقد اختلف المؤرخون في المدة التي عاشتها فاطمة عليها السلام بعد أبيها صلى الله عليه وآله، فذهب بعضهم إلى أنها عاشت خمسة وسبعين يوما، وذهب آخرون إلى أنها عاشت خمسة وسبعين يوما، وذهب آخرون إلى أنها عاشت ستة أشهر، ولقد عاشت فاطمة عليها السلام هذه المدة الوجيزة صابرة محتسبة، قضتها بالعبادة والانقطاع إلى الله سبحانه. كما ساهمت فيها مساهمة فعالة في قضية الخلافة والبيعة فقد كانت فاطمة عليها السلام تقف إلى جانب الإمام علي عليه السلام، وترى أن الخلافة لعلي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد ذكر جمع من المؤرخين أن الإمام علي عليه السلام لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة عليها السلام، وأنها كانت تلتقي بالمهاجرين والأنصار وتحاورهم في أمر الخلافة. وذكرها عليها السلام ابن عقدة في رواة حديث الغدير في كتابه، وكذلك تلميذه أبو بكر الجعابي، وقد نقل في إثبات الهداة ، عن كفاية الأثر ،

(هامش)

(1) ابن سعد في الطبقات الكبرى : 2 / 47 - 48. (2) نقل ابن سعد في الصفحة ذاتها نصا آخر للحديث: ومما جاء فيه: أنه يقبض في وجعه، فبكيت...، ثم أخبرني أني أول أهله لحاقا به فضحكت . (*)

ص 405

عن محمد بن أسيد في حديث، قال: سألت فاطمة عليها السلام: هل نص رسول الله صلى الله عليه وآله قبل وفاته على علي بالإمامة؟ فقالت عليها السلام: واعجبا أنسيتم يوم غدير خم؟! ، قلت: قد كان ذلك. الخبر. وقد وردت رواية مسلسلة ترويها فاطمة بنت الرضا عليه السلام، عن فاطمة بنت الكاظم عليه السلام، عن فاطمة بنت الصادق عليه السلام، عن فاطمة بنت الباقر عليه السلام، عن فاطمة بنت السجاد عليه السلام، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن أم كلثوم بنت فاطمة عليها السلام، عن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله، عن النبي صلى الله عليه وآله، يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه (1). وأن خلافا وقع بين أبي بكر وفاطمة عليها السلام، وبينها عليها السلام وبين عمر، حول ميراثها من أبيها، فقد جاءت فاطمة عليها السلام تطالب بميراثها.. تطالب بفدك (2)، وما أفاء الله على أبيها صلى الله عليه وآله بالمدينة،

(هامش)

(1) إثبات الهداة: 2 / 112 ح 473، أسنى المطالب: 32، إحقاق الحق: 6 / 282. (2) فدك: قرية زراعية من قرى الحجاز تقع بالقرب من خيبر، وقد صالح أهلها النبي صلى الله عليه وآله على نصف حاصلها، وهي ملك رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد أفاء الله عليه بها بلا حرب ولا قتال. فعن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت: *(وآت ذا القربى حقه)* دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكا. وعن ابن عباس قال: لما نزلت: *(وآت ذا القربى حقه)* أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فدكا. راجع: الهيثمي في مجمعه : 7 / 49، الذهبي في ميزانه : 2 / 228، المتقي في كنز العمال : 2 / 158، وأخرجه الحاكم في تاريخه ، وابن النجار، وغيرهم. (*)

ص 406

وبخمس خيبر، فرفض أبو بكر أن يعطيها شيئا، وقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة ، وقد دار بينها عليها السلام وبين أبي بكر حوار طويل كانت نتيجته أن تمسك أبو بكر برأيه، وتمسكت فاطمة عليها السلام برأيها. وقد حاول أبو بكر استرضاء فاطمة عليها السلام قبل موتها، وإزاحة أثر الموقف عن نفسها إلا أنها ظلت ترى أن لها من ميراث أبيها ما لغيرها من المسلمين من مواريث آبائهم، وأن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: لا نورث ليس هو عدم انطباق قوانين الميراث على الأنبياء، وقد ورث النبي سليمان داود كما نص القرآن على ذلك، قال تعالى: *(وورث سليمان داود...)*(1)، كما أن زكريا يدعو الله تعالى أن يرزقه من يرثه، فرزقه يحيى: *(يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى...)*(2). وليس معنى يرثني أن يرث النبوة، لأن النبوة ليست بالوراثة، بل أن معنى قول الرسول هو: أن الأنبياء لن يجمعوا أو يكدسوا الذهب والفضة، ليكون ميراثا بعدهم، كما يفعل الملوك وطلاب الدنيا. وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال: ما رئيت فاطمة ضاحكة منذ قبض النبي صلى الله عليه وآله (3).

(هامش)

(1) سورة النمل: 16. (2) سورة مريم: 6 و7. (3) حلية الأولياء: 2 / 43، طبقات ابن سعد: 2 / 40، فتح الباري: 9 / 201، الفصول المهمة: 148، وفيه: عن عمرو بن دينار قال: إن فاطمة عليها السلام لم تضحك بعد موت النبي صلى الله عليه وآله حتى قبضت. (*)

ص 407

ولما توفيت غسلها علي عليه السلام، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها (1). قال سلامة الموصلي: لما قضت فاطم الزهراء غسلها * عن أمرها بعلها الهادي وسبطاها وقام حتى أتى بطن البقيع بها * ليلا فصلى عليها ثم واراها ولم يصل عليها منهم أحد * حاشاها من صلاة القوم حاشاها وقد روي أنها اغتسلت في مرضها، فلما فرغت اضطجعت مستقبلة القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قبضت فدفنوها بغسلها ذلك، ولم تغسل بعد الموت، وكان ذلك شيء خصصها به أبوها صلى الله عليه وآله، وصلى عليها علي عليه السلام على ما يفهم من رواية البخاري (2).

(هامش)

(1) كشف الغمة: 1 / 502، حلية الأولياء: 2 / 43، مستدرك الصحيحين: 3 / 163، طرح التثريب: 1 / 150، أسد الغابة: 5 / 254، الإستيعاب: 2 / 751، إرشاد الساري: 6 / 360، الإصابة: 4 / 378، 380، تاريخ الخميس: 1 / 313. (2) روى الدولابي أن العباس صلى عليها، كما روى أبو سعد السمان: أن الذي صلى عليها أبو بكر. قال ابن حجر في الإصابة : 4 / 379، والزرقاني في شرح المواهب : 3 / 207، قال الواقدي من طريق الشعبي قال: صلى أبو بكر على فاطمة عليها السلام، وهذا فيه ضعف وانقطاع، وقد روى بعض المتروكين، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه نحوه، ووهاه الدارقطني وابن عدي. وقد روى البخاري عن عائشة: أنها لما توفيت دفنها زوجها علي عليه السلام ليلا، ولم يأذن بها أبا بكر، وصلى عليها. ولفظ حديث جعفر بن محمد: توفيت فاطمة ليلا فجاء أبو بكر وعمر وجماعة = (*)

ص 408

ودفنت ليلا (1) بالبقيع أو في بيتها على اختلاف الروايات، وكان بيتها متصلا بالمسجد، فلما زاد بنو أمية في المسجد صار فيه، ورثاها علي عليه السلام: لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الفراق قليل وإن افتقادي فاطما بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل وكيف هناك العيش من بعد فقدهم * لعمرك شيء ما إليه سبيل (2) وكان لها يوم ماتت ثمانية عشر سنة.

(هامش)

= كثيرة، فقال أبو بكر لعلي: تقدم فصلي، قال: لا والله، لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، فتقدم أبو بكر فصلى أربعا. قال الذهبي في ميزان الاعتدال : 2 / 7: إنه من موضوعات عبد الله بن محمد القدامي المصيصي ومن مصائبه. قال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار لعله قلب على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثا. وقال الحاكم والنقاش: روى عن مالك أحاديث موضوعة. وقال السمعاني: كان يقلب الأخبار لا يحتج به. لسان الميزان: 3 / 336، الغدير: 6 / 350 و7 / 227. (1) لقد صحت الأحاديث والروايات أن فاطمة عليها السلام ماتت وجداء على أبي بكر: ولأي الأمور تدفن ليلا * بضعة المصطفى ويعفى ثراها الغدير: 7 / 226، صحيح مسلم: 2 / 72، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 6، 9، تاريخ الطبري: 3 / 202، مشكل الآثار: 1 / 48، سنن البيهقي: 6 / 300، كفاية الطالب: 226، البداية والنهاية: 5 / 285، تاريخ الخميس: 2 / 193. (2) كفاية الطالب: 371، نور الأبصار: 47، مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 365، الفصول المهمة: 148 بإضافة: أرى علل الدنيا علي كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل (*)

ص 409

وأما مروياتها عليها السلام: فإنها روت عن أبيها صلى الله عليه وآله، وروى عنها علي عليه السلام وولديها، الحسن، والحسين عليهما السلام، وعائشة، وأم سلمة رضي الله عنها، وسلمى أم ولد أبي رافع، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها، وغيرهم. وأما أولادها عليهم السلام: فإنها ولدت ثلاثة بنين: الحسن، والحسين، ومحسن ومات سقطا، وابنتان: زينب، وأم كلثوم، وقال الليث بن سعد: وثالثة تسمى رقية، وماتت صغيرة. فأما زينب عليها السلام فزوجها أبوها من ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وولدت له، وماتت عنده. وأما أم كلثوم فهناك فرية مختلقة ولا صحة لها من الأساس وهي تزويجها من عمر بن الخطاب، فأم كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، لم تكن قط في حبالة عمر بن الخطاب، ولم تلد زيدا ولم تمت في عهد معاوية، وإنما هي بقيت حتى شهدت واقعة كربلاء الدامية. بالإضافة إلى أن الفريقين أثبتوا بطلانها لوجود نفر من الوضاعين والكذابين والمجروحين في سند الحديث كما صرح بذلك الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، والحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البستي، والحافظ شعبة بن الحجاج العتكي، والحافظ ابن حجر العسقلاني. ورواة الحديث هم: عمار بن أبي عمار، حماد بن سلمة، وكيع بن الجراح، ابن وهب، عطاء بن أبي رباح، يزيد بن أبي حبيب. وهؤلاء لا تقبل الرواية عنهم، لأن أئمة الحديث وحفاظ السنة تكلموا

ص 410

فيهم، ولم يأخذوا عنهم حرفا واحدا. وقد أفرد الحجة الثبت السيد ناصر حسين الهندي الموسوي حول هذه الإسطورة الهزيلة، والفرية الشائنة كتابا في مجلدين، أسماه إفحام الأعداء والخصوم في تكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم والكتاب رهن الطبع والنشر. كما أفرد حولها كتابا خاصا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسين بن أحمد بن يوسف بن عماد البحراني الماحوزي المعروف - بالمحقق البحراني - والمتوفى سنة (1121 هـ). وهكذا الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر الصادق عليه السلام المتوفى سنة (426 هـ). والحجة المجاهد الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن بن طالب بن عباس البلاغي النجفي المتوفى سنة (1352 هـ). وشيخ الطائفة أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: المفيد البغدادي المتوفى سنة (413 هـ). فضلا على عشرات البحوث التي جاءت خلال الكتب وكلها تنفي هذه الفرية على ضوء الحديث والتاريخ. 59 - قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري: أحد الركبان الشهود لأمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير، روى

ص 411

ابن الأثير، عن كتاب الموالاة لابن عقدة، بإسناده عن أبي مريم زر بن حبيش قال: خرج علي من القصر، فاستقبله ركبان متقلدي السيوف، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مولانا، ورحمة الله وبركاته. فقال علي عليه السلام: من هاهنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟ فقام اثني عشر، منهم: قيس بن ثابت بن شماس، وهاشم بن عتبة، وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا: أنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه ، وأخرجه أبو موسى المديني (1).

 60 - هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري: واسم أبي وقاص: مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يكنى أبا عمرو ، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص. وأبوه عتبة بن أبي وقاص، وهو الذي كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد، وكلم شفتيه، وشج وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ .

(هامش)

(1) أسد الغابة: 1 / 368، ورواه عن كتاب الموالاة لابن عقدة - ابن حجر في الإصابة : 1 / 305، وأسقط صدره إلى قوله: فقال علي، ولم يذكر من الشهود: هاشم بن عتبة، جريا على عادته بتنقيص فضايل آل الله، ورواه أيضا الشيخ محمد صدر العالم في معارج العلى ، كتاب الموالاة : 1 / 304 (ط / مصر - 1358 هـ). (*)

ص 412

فأنزل الله تعالى: *(ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)*(1). وقال حسان بن ثابت في ذلك اليوم هذه الأبيات: إذا الله حيا معشرا بفعالهم * ونصرهم الرحمان رب المشارق فهدك ربي يا عتيب بن مالك * ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق بسطت يمينا للنبي محمد * فدميت فاه قطعت بالبوارق فهلا ذكرت الله والمنزل الذي * تصير إليه عند إحدى الصقائق فمن عاذري من عبد عذرة بعد ما * هوى في دجوجي شديد المضائق وأورث عارا في الحياة لأهله * وفي النار يوم البعث أم البوائق وإنما قال: عبد عذرة ، لأن عتبة بن أبي وقاص وإخوته وأقاربه في نسبهم كلام. ذكر أهل النسب: أنهم من - عذرة - وأنهم أدعياء في قريش ولهم خبر معروف وقصة مذكورة في كتب النسب. وتنازع عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص في أيام عثمان في أمر فاختصما، فقال سعد لعبد الله: اسكت يا عبد هذيل، فقال له عبد الله: اسكت يا عبد عذرة. وهاشم بن عتبة هو المرقال لأنه كان يرقل في الحرب أرقالا.

(هامش)

(1) سورة آل عمران: 128. (*)

ص 413

قال أبو عمرو في كتاب الإستيعاب : أسلم هاشم بن عتبة - يوم الفتح - وكان من الفضلاء الأخيار ومن الأبطال المشار إليهم، فقئت عينه يوم اليرموك، ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد، كتب إليه بذلك فشهد القادسية وأبلى فيها بلاء حسنا، أقام منه في ذلك مقاما ما لم يقم به أحد، وكان سبب الفتح على المسلمين، وكان بهمة من البهم خيرا فاضلا. ثم شهد هاشم مع علي عليه السلام الجمل، وشهد صفين، وأبلى فيها بلاء حسنا، وبيده كانت راية علي عليه السلام على الرجالة يوم صفين، ويومئذ قتل رحمه الله. قال نصر بن مزاحم: وروي أنه لما شاع خبر عثمان، وبيعة الناس لأمير المؤمنين عليه السلام، وبلغ الخبر الكوفة اجتمعوا إلى أبي موسى الأشعري وهو يومئذ أمير عليها. وقالوا له: مالك لا تبايع لعلي عليه السلام تتربص، ولا تدعوا إلى بيعته، فإن المهاجرين والأنصار قد بايعوا؟ فقال أبو موسى في هذا الأمر: لنرى ما يحدث بعده، وما يأتينا من خبر!! فقال له هاشم بن عتبة: أي خبر يأتيك بعد هذا؟ قد قتل عثمان، وبايع المهاجرون والأنصار، والخاص والعام عليا عليه السلام، أتخاف إن بايعت لعلي عليه السلام أن يبعث عثمان فيلومك؟ ثم قبض هاشم بيده اليمنى على يده اليسرى، وقال: يدي اليسرى لي ويدي اليمنى لعلي عليه السلام، وقد بايعته، ورضيت بخلافته، وأنشأ يقول: أبايع غير مكترث عليا * ولا أخشى أميرا أشعريا أبايعه وأعلم أن سأمضي * هداك الله حقا والنبيا

ص 414

فلما رأى أبو موسى ذلك من هاشم لم يسعه إلا البيعة، فقام وبايع، وقام بعده أكابر أهل الكوفة وساداتهم ومشايخهم فبايعوا لعلي عليه السلام. قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين : لما عزم أمير المؤمنين عليه السلام على التوجه إلى صفين لقتال معاوية، قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء: إن يومنا ويومهم ليوم عصبصب: ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب، صادق النية، رابط الجأش، وأيم الله، ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم الأراذل. قال عبد الله بن بديل: وأنا والله أظن ذلك. فقال علي عليه السلام: ليكن هذا الكلام جوابنا في صدوركم لا تظهروه، ولا يسمعه منكم سامع، إن الله تعالى كتب القتل على قوم، والموت على آخرين، وكل آتيه منيته، كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في طاعته . فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: سر بنا يا أمير المؤمنين، إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضى الله، فأحلوا حرامه وحرموا حلاله، واستولاهم الشيطان، وأوعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم فصل الردى وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة. أنجزنا موعد ربنا، وأنت - يا أمير المؤمنين - أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما، وأفضل سابقة وقدما، وهم - يا أمير المؤمنين - يعلمون منك مثل الذي علمنا، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء،

ص 415

فكانوا ظالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا بنورك جذلة على من خالفك، وتولى الأمر دونك. والله، ما أحب أن لي ما على الأرض مما أقلت، وما تحت السماء مما أظلت، وإني واليت عدوا لك، أو عاديت وليا لك. فقال عليه السلام: اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيك . وروى نصر أيضا في كتابه المذكور، قال: دفع علي عليه السلام الراية يوما من أيام صفين إلى هاشم بن عتبة، وكانت عليه درعان، فقال له علي عليه السلام كهيئة المازح: يا هاشم، أما تخشى أن تكون أعورا جبانا ، فقال: ستعلم يا أمير المؤمنين، لألقن بين جماجم القوم ألف رجل ينوي الآخرة، فأخذ رمحا فهزه فانكسر، ثم أخذ رمحا آخر فوجده جاسيا فألقاه، ثم دعا برمح لين فشد به لواءه. ولما دفع علي عليه السلام الراية إلى هاشم رحمه الله، قال رجل من بكر بن وائل - من أصحاب هاشم -: أقدم مالك يا هاشم؟ قد انتفخ سحرك أعورا وجبنا. قال: من هذا؟ قالوا: فلان، قال: أهلها وخير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها. ثم قال لأصحابه: شدوا شسوع نعالكم، وشدوا أزركم، فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا، فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إليها. ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية، فرأى جمعا عظيما، فقال: من أولئك؟ قالوا: أصحاب ذي الكلاع، ثم نظر فرأى جندا آخر، فقال: من هؤلاء؟ قالوا:

ص 416

جند أهل المدينة، قال: قومي، لا حاجة لي في قتالهم، قال: من عند هذه البقعة البيضاء، قيل: معاوية وجنده، قال: فإني أرى دونهم أسوره، قالوا: ذاك عمرو بن العاص وابناه. فأخذ هاشم الراية فهزها، فقال له رجل من أصحابه: امكث قليلا ولا تعجل، فقال هاشم رحمه الله: قد أكثروا لومي وما أقلا * إني شريت النفس لما اعتلا أعور يبغي أهله محلا * لا بد أن يفل أو يفلا قد عالج الحياة حتى ملا * أشلهم بذي الكعوب شلا مع ابن عم أحمد المعلا * فيه الرسول بالهدى استهلا أول من صدقه وصلى * نجاهد الكفار حتى نبلى وكان علي عليه السلام قال: ما تخاف أن تكون أعورا جبانا يا هاشم المرقال؟! قال: يا أمير المؤمنين، أما والله، لتعلمن إن شاء الله تعالى سألق بين جماجم القوم، فحمل يومئذ يرقل ارقالا. قال نصر: وحدثنا عبد العزيز بن سباه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: لما تناول هاشم الراية جعل عمار بن ياسر رحمه الله يحرضه على الحرب، ويقرعه بالرمح، ويقول: أقدم يا أعور، لا خير في أعور لا يأتي الفزع فيستحي من عمار ويتقدم ويركز الراية، فإذا ركزها عاوده بالقول، فيقدم أيضا. فقال عمرو بن العاص: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لأن دام على هذا لتفنين العرب اليوم.

ص 417

فاقتتلوا قتالا شديدا وعمار ينادي: صبرا عباد الله، إن الجنة تحت ظلال البيض، وكان بأزاء هاشم وعمار أبو الأعور السلمي ولم يزل عمار بهاشم ينحني، وهو يزحف بالراية، حتى اشتد القتال وعظم، والتقى الزحفان فاقتتلا قتالا لم يسمع السامعون بمثله، وكثرت القتلى في الفريقين جميعا. قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن الشعبي، عن أبي سلمة: إن هاشم بن عتبة استصرخ الناس عند السلمة : ألا من كان له إلى الله حاجة ومن كان يريد الآخرة فليقبل، فأقبل إليه ناس كثير، فشد بهم على أهل الشام مرارا، ليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له، فقاتل قتالا شديدا. ثم قال لأصحابه: لا يهولنكم ما ترون من صبرهم، فوالله ما ترون منهم إلا حمية العرب، وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها، وإنهم لعلى ضلال، وإنكم لعلى الحق، يا قوم، اصبروا وصابروا واجتمعوا وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا، واذكروا الله، ولا يسلمن رجل أخاه، ولا تكثروا الالتفات، واصمدوا صمدهم، وجالدوهم محتسبين، حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين. قال أبو سلمة: فبينا هو وعصابة من القراء يجالدون أهل الشام إذ طلع عليهم فتى شاب وهو يقول: أنا ابن أرباب ملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان أنبأنا قراؤنا بما كان * إن عليا قتل ابن عفان ثم شد لا ينثني حتى يضرب بسيفه، ثم جعل يلعن عليا عليه السلام ويشتمه ويسهب في ذمه.

ص 418

فقال له هاشم بن عتبة: يا هذا، إن الكلام بعده الخصام، وأن لعنك سيد الأبرار بعده عقاب النار، فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فيسألك عن هذا الموقف وهذا المقام. قال الفتى: إذا سألني ربي: قلت: قاتلت أهل العراق لأن صاحبهم لا يصلي كما ذكر لي، وأنهم لا يصلون، وأن صاحبهم قتل خليفتنا، وهم آزروه على قتله. فقال له هاشم: يا بني، وما أنت وعثمان؟ إنما قتله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله الذين هم أولى بالنظر في أمور المسلمين، وأن صاحبنا كان أبعد القوم عن دمه. وأما قولك: إنه لا يصلي، فهو أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأول من آمن به. وأما قولك: إن أصحابه لا يصلون فكل من ترى معه قاري الكتاب، لا ينامون الليل تهجدا، فاتق الله واخش عقابه، ولا يغررك من نفسك الأشقياء المضلون. قال الفتى: يا عبد الله، لقد دخل قلبي من كلامك وإني لأظنك صادقا صالحا، وأظنني مخطئا آثما، فهل من توبة؟ قال: نعم، ارجع إلى ربك، وتب إليه فإنه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويحب التوابين ويحب المتطهرين. فرجع الفتى إلى صفه منكسرا نادما، فقال له قوم من أهل الشام: خدعك العراقي، قال: لا، ولكن نصح لي العراقي.

ص 419

قال نصر: ثم إن عليا عليه السلام دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة وكان معه لواءه. فقال له: يا هاشم، حتى متى؟ . فقال هاشم: لأجهدن أن لا أرجع إليك أبدا. فقال علي عليه السلام: إن بإزائك ذو الكلاع، وعنده الموت الأحمر . فتقدم هاشم، فلما أقبل، قال معاوية: من هذا المقبل؟ فقيل: هاشم المرقال، فقال: أعور بني زهرة، قاتله الله، فأقبل هاشم، وهو يقول: أعور يبغي نفسه خلاصا * مثل الفتيق لا بسا دلاصا لا دية يخشى ولا قصاصا * كل امرئ وإن نبا وحاصا ليس يرى من يومه مناصا فحمل صاحب لواء ذي الكلاع، وهو رجل من عذرة، وقال: يا أعور العين وما بي من عور * أثبت فإني لست من فرعي مضر نحن اليمانيون ما فينا خور * كيف ترى وقع غلام من عذر؟ ينعى ابن عفان ويلحى من عذر * سيان عندي من سعى ومن أمر فاختلفا طعنتين، فطعنه هاشم فقتله، وكثرت القتلى حول هاشم، وحمل - ذو الكلاع - واختلط الناس فاجتلدوا، فقتل هاشم وذو الكلاع جميعا.

ص 420

قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن السدي، عن عبد خير الهمداني، قال: قال هاشم بن عتبة يوم مقتله: أيها الناس، إني رجل ضخم فلا يهولنكم مسقطي إذا سقطت، فإنه لا يفرغ مني في أقل من نحر جزور، حتى يفرغ الجزار من جزرها ثم حمل فصرع. فمر عليه رجل وهو صريع بين القتلى، وناداه: اقرأ على أمير المؤمنين عليه السلام السلام، وقل: بركات الله عليك ورحمته يا أمير المؤمنين، أنشدك ألا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى، فإن الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى. فأخبر الرجل عليا عليه السلام بما قاله، فسار في الليل بكتائبه حتى جعل القتلى خلف ظهوره فأصبح والدبرة له على الشام. قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن السدي، عن عبد خير، قال: قاتل هاشم الحرث بن المنذر التنوخي حمل عليه بعد أن أعيى وكل وقتل عشرة بيده، فطعنه بالرمح فشق بطنه فسقط، وبعث إليه علي عليه السلام وهو لا يعلم: أقدم بلوائك ، فقال للرسول: انظر إلى بطني، فإذا هو قد انشق. فأخذ الراية رجل من - بكر بن وائل - ورفع هاشم رأسه فإذا هو بعبيد الله بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه، فحبا حتى دنا منه، فعفى على ثديه حتى ثبتت فيه أنيابه. ثم مات وهو على صدر عبيد الله بن عمر، وضرب البكري فرفع رأسه، فأبصر عبيد الله بن عمر قريبا منه، فحبا إليه حتى عضض على ثديه حتى ثبتت أنيابه فيه.

ص 421

ومات أيضا، فوجدا جميعا على صدر عبيد الله بن عمر هاشم والبكري قد ماتا جميعا. ولما قتل هاشم رحمه الله جزع الناس عليه جزعا شديدا، وأصيب معه عصابة من أسلم من أهل القرى. فمر عليهم علي عليه السلام وهم قتلى حوله أصحابه الذين قتلوا معه، فقال: جزى الله خيرا عصبة أسلمية * صباح وجوه صرعوا حول هاشم يزيد وعبد الله وبشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم وعروة لا يبعد ثناه وذكره * إذا اخترط البيض الخفاف الصوارم أخرج الحافظ ابن عقدة بإسناده في حديث الولاية ، عن أبي مريم زر بن حبيش شهادته لعلي عليه السلام بحديث الغدير بالكوفة، يوم الركبان، ورواه ابن الأثير على ما وجده من ابن عقدة (1)، ورواه ابن حجر (2)، وأسقط شطرا من أوله، ولم يذكر اسم هاشم بن عتبة المرقال ، وكم له من نظير في تآليف ابن حجر؟! ورواه السيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الحسيني الدشتكي الشيرازي، عن زر بن حبيش (3).

(هامش)

(1) أسد الغابة: 1 / 368. (2) الإصابة: 1 / 305. (3) الأربعين في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 1 / 211، 2 / 137. (*)

ص 422

61 - يعلى بن مرة بن وهب بن جابر الثقفي: أبو مرازم، وهو الذي يقال له: يعلى بن سيابة وهي أمه أو جدته، شهد مع النبي صلى الله عليه وآله بيعة الرضوان، وخيبر، وفتح مكة، وغزوة الطائف، وحنين (1).

(هامش)

(1) الإصابة: 3 / 542، أسد الغابة: 2 / 233، وج 3 / 93، وج 5 / 6. (*)

ص 423

 
 
الفصل السادس
حديث الغدير وعهد الولاية

 

ص 425

قلنا: إن مراسم يوم الغدير لم تكن وحدها المراسم التي أجريت لبيان وتثبيت ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولم يكن حديث الغدير النص الوحيد في ولايته، وسنوضح أيضا أن أحاديث الولاية لم تكن هي الدليل الوحيد على ولاية أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ولده عليهم السلام. ولكننا في هذه المناسبة بصدد الحديث عن الغدير. وما جرى يوم الغدير لم يكن كله محفوظا بدقة عند المسلمين وإن كان محفوظا عند أهل البيت عليهم السلام. وما حفظ من وقائع ونصوص عن الغدير لم يكن كلها موضع اتفاق بين السنة والشيعة. وما هو منها موضع اتفاق بينهم لم يكن كله بدرجة واحدة من التواتر أو الشهرة. ولكن من المتفق عليه بشهرة فائقة حديث الثقلين. وما اتفق عليه بتواتر حديث الولاية والدعاء وتهنئة الخليفة عمر بن الخطاب لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية.

ص 426

وهذا المقدار المتواتر كاف لإعطاء صورة واضحة عما كان يريد تأكيده الرسول صلى الله عليه وآله. وكما ذكرنا أن حديث الغدير والعهد فيه لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية لم يكن عند الشيعة مجرد خبر ورواية تدرس فيستنبط منها ما يريده الله سبحانه، وإنما هو واقع عاشوه من يوم الغدير لهذا اليوم. ولكن لما وقع من أحداث وما حصل من واقع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ولما ألفه المسلمون من الواقع وما يشعر به بعضهم من رغبة ودافع نحو تبرير الواقع فدار جدل حول معنى حديث الغدير، في فترة متأخرة عن عهد الصحابة، أما في عهد الصحابة فلم يقع الجدل لأنهم لم يختلفوا في معناه وإنما اختلفوا فيه من حيث الموقف، بل هم اختلفوا أيضا من حيث الإيمان، فمنهم من تقبله بصدر منشرح وسلم له، ومنهم من استكثره واستثقله، ومنهم من أعرض عنه، ومنهم من وقف ضده.. ونحن وبعد هذا التاريخ أصبحنا في مجال الحوار بين المسلمين بحاجة إلى فهم معنى الغدير أو بيان معنى هذا الحديث.

 وسوف نقتصر على القدر المتواتر منه وهو يتكون من الفصول التالية:

 1 - جمع الناس في ذلك المكان وقبل أن يتفرقوا في الطرق المؤدية إلى أقطارهم وفي ذلك الجو الحار القائظ.

 2 - صنع منبرا مؤقتا للرسول صلى الله عليه وآله واستدعاء أمير المؤمنين عليه السلام ليقف إلى جنبه.

 3 - نعي الرسول صلى الله عليه وآله نفسه للمسلمين أو تكرار هذا النعي.

ص 427

4 - قوله صلى الله عليه وآله: أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: نعم.

 5 - ثم قوله صلى الله عليه وآله بعد ذلك بلا فصل وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين عليه السلام ورفعه: من كنت مولاه فعلي مولاه، ومن كنت وليه فعلي وليه أو الاقتصار على العبارة الأولى.

 6 - قوله صلى الله عليه وآله: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار .

 7 - قول عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا علي، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن. هذه الفصول وإن كانت مترابطة وبينها تكامل ولكن عبارة من كنت مولاه فعلي مولاه تكفي وتفي بالغرض المقصود، ولذلك اشتهر ترديدها والاحتجاج بها، وهي المحور والعمود الفقري للحديث. وكما قدمنا آنفا ينبغي أن ندرس هذا الحديث بالذهنية الإسلامية وبالخلفية الفكرية عن الولاية في الإسلام. ثم نتدبر في الظرف المحيط بصدور الحديث والخطبة والجو الذي هيأ الرسول صلى الله عليه وآله بتلك المناسبة والمقدمات التي قدمها، وطريقة جمع الناس، والتوقيت وكونه بصدد الوصية، والعهد لما بعد موته الذي أعلن عن قربه. ثم ننظر بصورة مركزة بأقرب مقدمة وهي قوله صلى الله عليه وآله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وصبها بصيغة السؤال والاستفهام، مع أنه قريبا راحل عنهم. ويستلزم ذلك أن ننظر للخلفية لهذا النص.

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

الروض النضير في معنى حديث الغدير

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب