المجلس الثاني

(في حديث تزويجه (ع) بفاطمة وحديث سد الأبواب وقصة يوم الغدير)

 

وفيه بابان وفصول:

الباب الأول

في حديث تزويجه بفاطمة وحديث سد الأبواب

 

وفيه فصلان:

الفصل الأول في حديث تزويجه بفاطمة عليهما السلام :

قد اشتهر في روايات المخالفين والموافقين وتواتر في طرق المحبين والمبغضين عن الأصحاب والتابعين بألفاظ مختلفة ومعان متفقة أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة (ع) فقال النبي صلى الله عليه وآله بردهما. وروى جماعة أيضا ان جملة من الصحابة خطبوها فردهم النبي حتى خطبها عبد الرحمن بن عوف فلم يجبه النبي فقال عبد الرحمن زوجنيها بكذا من المهر فغضب النبي (ص) ومد يده الى حصى فرفعها فسبحت في يده وجعلها في ذيله درا ومرجانا يعرض به جواب المهر. وعن مولانا الصادق عليه السلام أنه دعا رسول الله (ص) عليا (ع) فقال:


[ 52 ]

يا علي ابشر فأن الله كفاني ما كان من همي تزويجك فاطمة أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فناولنيها فأخذتها وشممتها فقلت ما سبب هذا السنبل والقرنفل قال أن الله تعالى أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنة كلها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب وأمر حور عينها بالقراءة فيها (طه ويس وحمعسق) ثم نادى مناد من تحت العرش أن اليوم يوم وليمة علي (ع) ألا أني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي رضي مني ببعضهما لبعض ثم أمر الله سحابة بيضاء فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها وياقوتها وقام الملائكة تلتقط من سنبلها وقرنفلها وهذا مما نثرت الملائكة. وفي خبر آخر رواه جابر وأبو هريرة وهو المروي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) بينما رسول الله (ص) جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها فقال (ص) حبيبي جبرئيل لم أراك في هذه الصورة قال الملك لست بجبرئيل أنا محمود بعثني الله أن أزوج النور من النور قال من وممن قال فاطمة من علي فلما ولى الملك وإذا بين كتفيه محمد رسول الله علي وصيه فقال رسول الله (ص): منذ كم كتب هذا بين كتفيك فقال من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام. وروى عن أم ايمن عن رسول الله (ص) في خبر وعقد جبرئيل وميكائيل في السماء نكاح علي (ع) وفاطمة (ع) فكان جبرئيل المتكلم عن علي وميكائيل الراد. وفي رواية أن الله تعالى أوحى إلى جبرئيل زوج النور من النور وكان الولي هو الله تعالى والخطيب هو جبرئيل والمنادي ميكائيل والداعي اسرافيل والناثر عزرائيل والشهود باقي الملائكة، ثم أوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن أنثري ما عليك فأنتثرت ما عليها وهو الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب فبادر الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن لبعض من تلك الجواهر ويتباركن بنكاح علي وفاطمة. وحكى الشيخ الأجل بهاء الدين العاملي (رحمه الله) ما معناه: أنه رأى في مسجد الكوفة درة حمراء مكتوب عليها:

أنا در من السما نثروني * * يوم تزويج والد السبطين

كنت أصفى من اللجين بياضا * * صبغتني دماء نحر الحسين


[ 53 ]

والخطبة التي خطب بها في السماء على ما هو المروي الحمد لله الأول اولية الأولين الباقي بعد فناء العالمين نحمده أن جعلنا ملائكة روحانيين وبربوبيته مذعنين وله على ما أنعم علينا شاكرين حجبنا من الذنوب وسترنا من العيوب وأسكننا في السماوات وقربنا الى السرادقات وحجب عنا التهم والشهوات وجعل تهمنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه الباسط رحمته الواهب نعمته جل عن ألحاد أهل الأرض من المشركين وتعالى بعظمته عن افك الملحدين، ثم قال الخطيب بعد كلام: واختار صفوة كرمه وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وامام المتقين فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه المصدق دعوته المبادر إلى كلمته على الوصول الى فاطمة البتول أبنة الرسول. وقال الحميري:

نصب الجليل لجبرئيل منيرا * * في ظل طوبى من متون زبرجد

شهد الملائكة الكرام وربهم * * وكفى بهم وبربهم من شهد

وتناثرت طوبى عليهم لؤلؤا * * وزمردا متتابعا لم يعقد

وروى أنه كان بين تزويج أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) في السماء إلى تزويجها في الأرض أربعين يوما زوجها رسول الله (ص) من علي أول يوم من ذي الحجة وروى أنه كان اليوم السادس منه وخطب رسول الله (ص) خطبته في تزويج فاطمة. رويت عن الرضا عليه السلام فقال: الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع في سلطانه المرغوب إليه فيما عنده المرهوب من عذابه النافذ في سمائه وأرضه الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه واعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد، أن الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وشبح الأرحام وألزم بها الأنام قال الله تعالى: " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا " ثم أن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي. الخ. وروى أنه كان صداقها خمسمائة درهم وصححه ابن شهراشوب. وروى اربعمائة مثقال فضة. وروى اربعمائة وثمانين مثقال فضة وهو المروي عن الحسين (ع) وعن الباقر (ع) برد حبرة واهاب شاة على غرار رواه عمر ابن مقدام وجابر الجعفي، وروى عن الصادق (ع) درع حطمية واهاب كبش أو جدي


[ 54 ]

رواه أبو يعلي مسندا عن مجاهد. وأما مهرها في السماء ففي خبر عن الباقر (ع) وجعلت نحلتها من علي (ع) خمس الدنيا وثلث الجنة وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ وعن الصادق عليه السلام أن الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة ربع الدنيا فربعها لها والجنة والنار فتدخل اولياءها الجنة واعداءها النار. وفي خبر سئل النبي عن مهر فاطمة عليها السلام فقال خمس الأرض فمن مشى عليها لها ولولدها مشى عليها حراما إلى أن تقوم الساعة. وعن ابن مردويه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلى (ع) تكلم خطيبا لنفسك فقال: الحمد لله الذي قرب من حامديه ودنى من سائليه ووعد الجنة من يتقيه وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم احسانه وأياديه حمد من يعلم أنه خالقه وباريه ومميته ومحييه ومسايله عن مساويه ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله صلاة ترفعه وتصطفيه - الخبر. وعن امالي الطوسي (رحمه الله) عن الصادق عليه السلام في خبر وسكب الدراهم في حجره فأعطى منها قبضة كانت ثلاثة وستين أو ستة وستين إلى أم ايمن لمتاع البيت وقبضة إلى اسماء بنت عميس للطيب وقبضة إلى ام سلمة للطعام وانقد عمارا وأبا بكر وبلالا لابتياع ما يصلحها وكل ما اشتروه قميص بسبعة دراهم وخمار بأربعة دراهم وقطيفة سوداء خيبرية وسريرا وفراشين وأربع مرافق وحصيرا ورحا وسقاء ومخضبا وقعبا ومطهرة وجرة خضراء وكيزان خزف ونطع من ادم وعباءا وقربة ماء وعن ابن مردويه في حديثه فمكث علي (ع) تسعة وعشرين ليلة فقال له جعفر وعقيل سله أن يدخل عليك أهلك فعرفت أم ايمن ذلك فقالت هذا من أمر النساء وخلت به أم سلمة فطالبته بذلك فدعاه النبي وقال حبا وكرامة فأتى الصحابة بالهدايا فأمر بطحن البر وخبزه وأمر عليا بذبح البقر والغنم فكان النبي يعضل ولم ير على يده اثر دم فلما فرغوا من الطبخ أمر النبي أن ينادي على رأس داره اجيبوا رسول الله وذلك قوله تعالى (واذن في الناس بالحج) فأجابوا من النخلات والزروع فبسط النطوع في المسجد وجلس الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة ورفعوا منها


[ 55 ]

ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شئ ثم عادوا في اليوم الثاني والثالث وأكلوا، ثم دعا رسول الله بالصحاف فملئت ووجه إلى منازل أزواجه ثم أخذ صحفة وقال: هذا لفاطمة وبعلها وكان النبي أمر نساءه أن يزين فاطمة ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة فاستدعين من فاطمة طيبا فأتت بقارورة فسألت عنها فقالت كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله فيقول لي يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمك فكان إذا نهض سقط من بين ثيابه شئ فيأمرني بجمعه فسئل رسول الله عن ذلك فقال: هذا عبير يسقط من أجنحة جبرائيل، وأتت بماء ورد فسألت أم سلمة عنه فقالت: هذا عرق رسول الله كنت آخذه عند قيلولته عندي، وروى أن جبرئيل أتى بحلة قيمتها الدنيا فلما لبستها تحيرت نسوة قريش منها وقلن من أين لك هذا قالت فاطمة: هذا من عند الله تعالى. قال جابر وفي ليلة زفت فيها فاطمة (ع) إلى علي عليه السلام كان النبي أمامها وجبرائيل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون الف ملك من خلفها يسبحون الله تعالى ويقدسونه، وفي خبر أمر النبي بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صبحة فاطمة وأن يفرحن ويرجزن ويكبرن ويحمدن ولا يقلن ما لا يرضي الله، قال جابر فأركبها النبي على ناقته وفي رواية على بغلته الشهباء وأخذ سلمان (رحمه الله) زمامها وحولها سبعون حوراء والنبي وحمزة وعقيل وجعفر عليهم السلام وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ونساء النبي قدامها يرجزن فأنشأت أم سلمة تقول:

سرن بعون الله جاراتي * * وأشكرنه في كل حالات

واذكرن ما أنعم رب العلى * * من كشف مكروه وآفات

فقد هدانا بعد كفر وقد * * أنعشنا رب السماوات

فسرن مع نساء خير الورى * * تفدى بعماتي وخالاتي

يا بنت من فضله ذو العلى * * بالوحي منه والرسالات

ثم قالت عايشة:


[ 56 ]

يا نسوة استرن بالمعاجر * * واذكرن ما يحسن بالمحاجر

واذكرن رب الناس إذ خصنا * * بدينه مع كل عبد شاكر

والحمد لله على أفضاله * * والشكر لله العزيز القادر

سرن بها فالله أعلى ذكرها * * وخصها منه بطهر طاهر

ثم قالت حفصة:

فاطمة خير نساء البشر * * ومن لها وجه كوجه القمر

فضلك الله على كل الورى * * بفضل من خص بآي الزمر

زوجك الله فتى فاضلا * * أعني عليا خير من في الحضر

فسرن جاراتي بها فأنها * * كريمة عند كريم الخطر

ثم قالت معاذ أم سعد بن معاذ:

أقول قولا فيه ما فيه * * وأذكر الخير وأبديه

محمد خير بني آدم * * ما فيه من كبر ولا تيه

بفضله عرفنا رشدنا * * فالله بالخير يجازيه

ونحن مع بنت نبي الهدى * * ذي شرف قد مكثت فيه

في ذروة شامخة أصلها * * فما أرى شيئا يدانيه

وكان النسوة يرجعن اول كل بيت من كل رجز ثم يكبرن ويهللن حتى دخلن الدار ثم أنفذ رسول الله (ص) الى علي (ع) ودعاه الى المسجد ثم دعى سلام الله عليها فأخذ بيدها ووضعها في يده وقال بارك الله لك في ابنة رسول الله، ثم قال مرجا ببحرين يلتقيان ونجمين يلتقيان اللهم انهما أحب خلقك الي فأحبهما وبارك في ذريتهما وأجعل عليهما منك حافظا وأني اعيذها وذريتهما بك من الشيطان الرجيم ثم خرج الى الباب وقال طهركما وطهر نسلكما أنا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما استودعكما الله واستخلفه عليكما، وباتت عندها أسماء بنت عميس اسبوعا بوصية خديجة إليها فدعا لها النبي في دنياها وآخرتها ثم أتاهما في صبيحتهما وقال: السلام عليكم أدخل رحمكما الله ففتحت أسماء الباب وكانا نائمين تحت كساء فقال على حالكما


[ 57 ]

فأدخل رجليه بين أرجلهما فسأل عليا (ع) كيف وجدت أهلك فقال نعم العون على طاعة الله، وسأل فاطمة فقالت: خير بعل، فقال اللهم اجمع شملهما وألف بين قلوبهما وأجعلهما وذريتهما من ورثة الجنة النعيم وارزقهما ذرية طيبة طاهرة مباركة واجعل في ذريتهما البركة وأجعلهم أئمة يهدون وبأمرك الى طاعتك. وروى أنه (ص) جاء لهما بقدح فيه لبن فقال لفاطمة: اشربي فداك أبوك، وقال لعلي: اشرب فداك ابن عمك. ولله در الاصبهاني حيث يقول:

أمن بسيدة النساء قضى لها * * ربي فأصبح أحسن الاختان

من بعد خطاب أتوه فردهم * * ردا يبين مضمر الأشجان

حتى إذا خطب الوصي أجابه * * من غير تورية ولا استيذان

الفصل الثاني في حديث سد الأبواب :

قال ابن شهراشوب (رحمه الله): هذا الحديث رواه نحو ثلاثين رجلا من الصحابة منهم زيد بن أرقم وسعد بن أبي وقاص وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأبو رافع وأبو الطفيل عن حذيفة بن اسيد الغفاري وأبو حازم عن ابن عباس والعلا عن ابن عمر وشعبة عن زيد بن علي عن أخته والباقر (ع) عن جابر، وروى عن علي ابن موسى الرضا (ع)، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض أنه لما قدم المهاجرون المدينة بنوا حوالي مسجده بيوتا فيها أبواب شارعة في المسجد ونام بعضهم في المسجد فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ بن جبل فنادى أن النبي يأمركم أن تسدوا أبوابكم إلا باب علي فأطاعوه إلا رجل واحد قال فقام رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فأني أمرت بسد هذه الأبواب عن المسجد إلا باب علي فقال فيه. قائلكم فأني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فأتبعته وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال (ص) أنا ما فتحته ولكن الله فتحه، وعن بريده الأسلمي أنه قال: يا أيها الناس ما أنا سددتها وما أنا فتحتها ولكن الله عز وجل سدها ثم قرأ: " والنجم إذا هوى ما ظل صاحبكم وما غوى إن هو إلا وحي يوحى "، وعن عبد الله بن


[ 58 ]

عمر فخرج العباس يبكي وقال يا رسول الله أخرجت عمك وأسكنت ابن عمك فقال ما اخرجته ولا اسكنته ولكن الله أسكنه وقال عمر دع لي خوخة اطلع منها الى المسجد فقال لا ولا بقدر أصبعة، فقال أبو بكر دع لي كوة انظر إليها فقال لا ولا رأس ابرة، فسأل عثمان مثل ذلك فأبى (ص)، قال السمعاني فلم يزل علي (ع) وولده في بيته الى أيام عبد الملك بن مروان فعرف الخبر فحسد القوم على ذلك واغتاض وأمر بهدم الدار وتظاهر أنه يريد أن يزداد في المسجد وكان فيها الحسن بن الحسن فقال لا أخرج ولا امكن من هدمها فضرب بالسياط وتصايح الناس وأخرج عند ذلك وهدمت الدار وزيد في المسجد، وفي ينابيع المودة للشيخ سلمان الحنفي بسند عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيبا فقال: أن رجالا لا يجدون في أنفسهم شيئا أن أسكنت عليا في المسجد وأخرجتهم والله ما اخرجتهم وأسكنته بل الله أخرجهم وأسكنه. أن الله عز وجل أوحى الى موسى وأخيه: " أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا قبلة وأقيموا الصلاة " ثم أمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنب إلا هارون وذريته وان عليا مني بمنزلة هارون من موسى وهو أخي ولا يحل لأحد أن ينكح فيه النساء إلا علي وذريته فمن سائه فها هنا وأشار بيده نحو الشام ولله در الحميري حيث يقول:

من كان ذا جار له في مسجد * * من نال منه قرابة وجوارا

والله أدخله وأخرج قومه * * واختاره دون البرية جارا

وفي البحار فأقبل العباس بن عبد المطلب وقال يا رسول الله أنك قد علمت ما بيني وبينك من القرابة والرحم الماسة فأسأل الله أن يجعل لي بابا مفتوحا إلى المسجد أتشرف بها على من سواي فقال يا عم ليس الي ذلك سبيل قال يابن أخي إذن فميزابا يكون من داري الى المسجد أتشرف به على القريب والبعيد فسكت صلى الله عليه وآله وسلم وصار لا يدري ما يعيد عليه من الجواب خوفا من الله وحياء منه فعند ذلك هبط عليه جبرائيل فقال يا محمد أن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: اجب سؤال عمك وانصب له ميزابا الى المسجد ويقول لك أني قد علمت ما في نفسك وقد اجبتك الى ذلك كرامة لك ونعمة


[ 59 ]

مني عليك وعلى عمك فكبر رسول الله (ص) وقال أبى الله إلا إكرامكم يا بني هاشم، ثم قام (ص) ومعه جماعة من الصحابة والعباس بين يديه حتى صار على سطح دار العباس فنصب له ميزابا الى المسجد ثم قال لأصحابه معاشر المسلمين أن الله قد شرف عمي العباس بهذا الميزاب فلا تؤذونني في عمي فأنه بقية الآباء والأجداد فلعن الله من آذاني فيه وأغار عليه أو حبسه حقه ثم خرج صلى الله عليه وآله وبقي على حاله مدة أيام النبي وخلافة أبي بكر وثلاث سنين من خلافة عمر فأعتل العباس ومرض مرضا شديدا فصعدت جاريته على السطح تغسل قميصه فجرى الماء الى صحن المسجد وكان عمر في المسجد فنال الماء بعض مرقعته فغضب غضبا شديدا فقال لغلامه اذهب واقلع هذا الميزاب فصعد الغلام وقلعه ورمى به على سطح الدار ثم قال عمر والله لئن رده أحد الى مكانه لأضربن عنقه فشق ذلك على العباس فدعى بولديه عبد الله وعبيد الله وغدى يمشي متكئا عليهما وهو يرتعش من شدة المرض فسار حتى دخل على أمير المؤمنين (ع) فلما رآه أمير المؤمنين دخل عليه وهو على تلك الحالة انزعج وقال: يا عم ما جاء بك فأخبره بما فعل معه عمر من قلع الميزاب وتهدده فيمن يرده الى مكانه ثم قال له يابن أخي قد كان لي عينان انظر بهما فمضت احداهما وهو رسول الله (ص) وبقيت الأخرى وهي أنت وما أظن ان أظلم أو يزول ما شرفني به النبي وأنت لي فقال أمير المؤمنين يا عم ارجع الى بيتك ثم نادى علي بذي الفقار فتقلده ثم خرج الى المسجد والناس حوله فنادى يا قنبر اصعد ورد الميزاب الى مكانه فصعد قنبر ورده الى مكانه ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: وحق صاحب هذا المنبر وهذا القبر لأن قلعه قالع لأضربن عنقه وعنق الآمر له بذلك ولأصلبنهما في الشمس حتى يتقددا فسمع عمر بذلك فنهض حتى أتى ودخل المسجد فنظر الى الميزاب وهو في مكانه فقال لا يغضب أحد أبا الحسن فيما فعلة ونكفر عن اليمين فلما كان من الغداة دخل أمير المؤمنين (ع) على عمه العباس وقال له: كيف أصبحت يا عم فقال بأفضل النعم ما دمت لي يابن أخي فقال (ع) يا عم طب نفسا وقر عينا فوالله لو خاصمني أهل الأرض لخاصمتهم في الميزاب بحول الله وقوته فقام العباس وقبل بين عينيه وقال له ما خاب من أنت ناصره.


[ 60 ]

الباب الثاني

في قصة يوم الغدير

 

اعلم أن رواة حديث الغدير جميع الأصحاب والتابعين وتابعي التابعين وهم لا يحصى عددهم وكفاك في خبر بلغ من الشهرة ما بلغ، حتى قال ابن حجر في صواعقه: وهو مروي من سبعين طريقا وأكثرها صحيح وحسن، وأنهاها بعضهم الى سبعمائة طريق، وحدثني بعض العلماء أنه رأى كتابا لبعض علماء الهند قد جمع فيه طرق حديث الغدير فكانت الفا وخمسمائة طريق وترجم رجال الحديث بأسمائهم وأسماء آبائهم مشايخهم وفي بعض التفاسير روى عن جميع الصحابة والتابعين متواترا قوله تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وإن لم تفعل فيما بلغت رسالته " نزلت في علي " ع " يوم غدير خم. أقول: ويؤيد ذلك ما حكى عن تفسير ابن الأثير أنه قرأ ابن مسعود: يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في علي وإن لم تفعل الآية، وتفصيل ذلك هو ما روي في كتاب روضة الواعظين عن أبي جعفر الباقر قال حج رسول الله من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه خلا الحج والولاية فأتاه جبرئيل فقال له يا محمد أن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول أني لم أقبض نبيا من أنبيائي ورسلي إلا بعد إكمال ديني وتكثير حجتي وقد بقى عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج إليه أن تبلغهما قومك فريضة الحج وفريضة الولاية والخليفة من بعدك فأني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها أبدا وأن الله يأمرك أن تبلغ قومك الحج تحج ويحج معك كل من استطاع السبيل من أهل الحضر وأهل الأطراف والأعراب وتعلمهم من حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك على أمثال الذين أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرايع فنادى رسول الله (ص) في الناس: ألا أن رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه، وخرج رسول الله وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا


[ 61 ]

مثله فحج بهم فبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة والأطراف والاعراب سبعين الف أنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى " ع " السبعين الف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فأتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة فلما وقف الموقف أتاه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول: أنه قد دنى أجلك ومدتك وأني استقدمتك على ما لا بد منه ولا محيص عنه فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد الى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الانبياء فسلمها الى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي ابن أبي طالب فأقمه للناس وخذ عهده وميثاقه وبيعته وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي وثقتهم به أو عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي وهو مولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب فأني لم أقبض نبيا من أنبيائي إلا بعد إكمال ديني واتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي وذلك تمام كمال توحيدي وديني واتمام نعمتي على خلقي واتباع وليي وطاعته وذلك أني لا أترك أرضي بغير قيم ليكون حجة على خلقي فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا علي وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، علي عبدي ووصي نبيي والخليفة من بعده والحجة البالغة على خلقي مقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي من أطاعه أطاعني ومن عصاه فقد عصاني جعلته علما بيني وبين خلقي فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك ببيعته كان مشركا ومن لقبني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وخذ عهدي وميثاقي بالذي واثقتهم عليه فأني قابضك الي ومستقدمك علي، فخشى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية لما عرف من عداوتهم وما يبطنون عليه أنفسهم لعلي (ع) من البغضاء وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله تعالى فأخر ذلك الى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرئيل وأمره أن يعهد عهده ويقيم عليا للناس ولم يأته بالعصمة من الله بالذي أراد، حتى أتى كراع العميم بين مكة والمدينة فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أمر به من


[ 62 ]

قبل ولم يأته بالعصمة فقال (ص) يا جبرئيل أني لأخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي ثم رحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال يا محمد أن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) فكان اولهم بلغ قرب الجحفة فأمره أن يرد من تقدم منهم وجلس من تقدم منهم في ذلك المكان ليقيم عليا للناس ويبلغهم ما أنزل الله عز وجل في علي عن الله تعالى وفي المواضع سلمات فأمر رسول الله (ص) أن يقيم ما تحتهن وينصب له أحجار كهيأة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون وقام رسول الله (ص) فوق تلك الاحجار وقال: الحمد لله الذي علا بتوحيده ودنى بتفرده وجل في سلطانه وعظم في أركانه وأحاط بكل شئ وهو في مكانه (يعني ان الشئ في مكانه) وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه حميدا لم يزل محمودا لا يزال ومجيدا لا يزول ومبدئا معيدا وكل أمر إليه يعود بارى المسموكات وداحي المدحوات قدوس سبوح رب الملائكة والروح متفضل على جميع من براه متطول على جميع من ذواه يلحظ كل نفس والعيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شئ رحمته ومن على جميع خلقه بنعمته لا يعجل بانتقامه ولا يبادر بما استحقوا من عذابه قد فهم السرائر وعلم الضمائر ولم تخف عليه المكنونات وما اشتبهت عليه الخفيات له الأحاطة بكل شئ والغية لكل شئ والقوة في كل شئ والقدرة على كل شئ لا مثله شئ وهو منشئ الشئ حين لا شئ وحين شئ قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم جل عن أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير لا يلحق وصفه أحد بمعانيه ولا يجد كيف هو من سر ولا علانية إلا بما دل على نفسه أشهد له بأنه الله الذي أبلى الدهر قدمه والذي يقنى الأبد نوره والذي ينفذ أمره بلا مشورة ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تقدير ولا تفاوت في تدبير صور ما ابتدع بلا مثال وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال أنشأها فكانت وبرأها فبانت وهو الذي لا إله إلا هو


[ 63 ]

المتقن الصنيع الحسن الصنعة العدل الذي لا يجور الأكرم الذي ترجع إليه الأمور أشهد أنه الله الذي تواضع كل شئ لعظمته وذل كل شئ لعزته واستسلم كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملك الأملاك وسخر الشمس والقمر في الأفلاك كل يجري لأجل مسمى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا قاصم كل جبار عنيد وكل شيطان مريد لم يكن له ضد ولا معه ند أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد إلها وربا ماجدا يشاء فيمضي ويريد فيقضي ويعلم فيحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي وبدبر فيقضي ويمنع ويعطي (له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) مستجيب العطاء جزيل العطاء محصي الانفاس رب الجنة والناس الذي لا يشكل عليه لغة ولا يضجره المستصرخون ولا يبرمه الحاح الملحين عليه العاصم للصالحين والموفق للمتقين مولى المؤمنين رب العالمين الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده على كل حال أحمده وأشكره على السراء والضراء والشدة والرخاء واؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله فاسمعوا واطيعوا الأمر وبادروا الى مرضاته وسلموا لما قضاه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره أقر له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية واؤدي ما اوحى الي به خوفا وحذرا من أن تحل بي قارعة لا يدفعها عني أحد وان عظمت منته وصفت خلته لأنه لا إله إلا هو قد أعلمني إن لم ابلغ ما انزل الي فما بلغت رسالته قد تضمن لي العصمة وهو الله الكافي الكريم واوحى الي: بسم الله الرحمن الرحيم " يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك " - الآية، معاشر الناس ما قصرت عن تبليغ ما انزله وانا مبين هذه الآية أن جبرئيل هبط الي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد واعلم كل ابيض واحمر وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والامام من بعدي الذي محله مني محل هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وليكم بعد الله ورسوله وقد انزل الله علي بذلك آية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة وآتى


[ 64 ]

الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال وسألت جبرئيل أن يستغفر لي من تبليغ ذلك اليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وادغال الآثمين وختل المستهزئين الذين وصفهم الله في كتابه: " بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم "، لكثرة أذاهم لي غير مرة حتى سموني اذنا وزعموا أنه لكثرة ملازمته أياي واقبالي عليه حتى انزل الله في ذلك: (الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن) فقال قل على الذين يزعمون أنه اذن خير لكم الى آخر الآية، ولو شئت اسمي القائلين بأسمائهم لسميت وأومأت إليهم بأعيانهم ولو شئت أن ادل عليهم لدللت ولكني في أمرهم قد تكرمت وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما انزل الي فقال (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) - الآية، فافهموا معاشر الناس وافهموا واعلموا أن الله قد نصب لكم وليا وإماما مفترضة طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين وعلى البادي والحاضر والأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جايز قوله نافذ أمره ملعون من خالفه مرحوم من صدقه قد غفر الله لمن سمع له وأطاع، معاشر الناس انه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم فإان الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه رسولكم محمد وليكم القائم المخاطب ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله ربكم ثم الأئمة الذين من صلبه إلى يوم يلقون الله ورسوله لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرم الله، علمني الحلال والحرام وأنا أفضيب مما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه، معاشر الناس ما من علم إلا وقد أحصاه الله في وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، ما من علم إلا علمته عليا وهو الإمام المبين، معاشر الناس لا تضلوا عنه ولا تفرقوا عنه ولا تستنكفوا من ولايته فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم وهو أول من آمن بالله ورسوله والذي فدى رسول الله بنفسه والذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره، معاشر الناس فضلوه فقد فضله الله واقبلوه فقد


[ 65 ]

نصبه الله، معاشر الناس أنه إمام من الله ولن يتوب الله على من أنكر ولايته ولن يغفر الله له حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور فأحذروا أن تخالفوني فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين، أيها الناس هي والله بشرى من الأولين من النبيين والمرسلين فجميع المرسلين إليهم من العالم من أهل السماوات والأرضين فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى ومن شك في قولي هذا فقد شك في الكل منه والشاك في ذلك فله النار، معاشر الناس حباني الله بهذه الفضيلة بمنه علي وإحسانه منه الي ولا إله إلا هو له الحمد مني أبد الآباد ودهر الدهور على كل حال، معاشر الناس فضلوا عليا فأنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وبقى الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب على من رد قولي هذا عن جبرئيل عن الله فلتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله أن تخالفوا أن الله خبير بما تعملون، معاشر الناس تدبروا القرآن وأفهموا آياته ومحكماته ولا تتبعوا متشابهه فو الله لهو مبين لكم نورا واحدا ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلي وشائل بعضده ومعلمكم أن من كنت مولاه فهذا مولاه وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي وموالاته من الله تعالى أنزلها علي، معاشر الناس أن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الاكبر وكل واحد منهما مبين عن صاحبه موافق له لن يفترقا حتى يردا علي الحوض بأمر الله في خلقه وبحكمه في أرضه وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا أن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله، ألا أنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ولا نحل إمرة المؤمنين لأحد غيره، ثم ضرب بيده الى عضد علي (ع) فرفعه فكان أمير المؤمنين منذ أول ما صعد رسول الله (ص) قد شال عليا حتى صارت رجليه مع رقبة رسول الله ثم قال: معاشر الناس هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على امتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والمعامل بما يرضيه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والامام الهادي بأمر الله، أقول ما يبدل القول لديه بأمر ربي


[ 66 ]

أقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من جحده اللهم أنك أنت أنزلت الأمامة لعلي وليك عند تبيين ذلك بتفضيلك إياه بما أكملت لعبادك من دينهم وأنعمت عليهم بنعتك ورضيت لهم الأسلام دينا فقلت: " ومن يتبع غير الأسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " اللهم أني اشهدك أني قد بلغت، معاشر الناس إنما اكمل الله عز وجل دينكم بامامته فمن لم يأتم به ويمن كان من ولدي من صلبة الى يوم القيامة والعرض على الله تعالى " فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم فيها خالدون، ولا تخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون "، معاشر الناس هذا أنصركم لي وأحق الناس بي والله عز وجل وإنا عنه راضيان وما نزلت آية رضا إلا فيه وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه ولا شهد الله بالجنة في هل اتى على الانسان إلا له ولا أنزلها في سواه ولا مدح بها غيره، معاشر الناس هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله وهو التقي النقي الهادي المهدي نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي، معاشر الناس ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي، معاشر الناس أن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم فأن آدم هبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله فكيف أنتم وان زللتم وأنتم عباد الله ما يبغض عليا إلا شقي ولا يتولى عليا إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص في علي والله سورة والعصر بسم الله الرحمن الرحيم (والعصر إن الأنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، معاشر الناس قد أشهدت الله وبلغتكم الرسالة وما على الرسول إلا البلاغ المبين، معاشر الناس " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، معاشر الناس آمنوا بالله ورسوله بالنور الذي انزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على اعقابها، معاشر الناس النور من الله عز وجل في ثم مسلوك في علي ثم في النسل منه الى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبحق كل مؤمن لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والغادرين والمخالفين والخائبين والآثمين والظالمين من جميع العالمين معاشر الناس: " أني رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مت أو قتلت أنقلبتم على اعقابكم


[ 67 ]

وإن تنقلبوا فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين الصابرين، ألا أن عليا الموصوف بالصبر والشكر امام بعدي ثم من بعده ولدي من صلبه، معاشر الناس لا تمنوا على الله بأسلامكم فيسخط الله عليكم فيصيبكم بعذاب من عنده ان ربك لبالمرصاد، معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون، معاشر الناس أن الله وأنا بريئان منهم، معاشر الناس أنهم وأنصارهم وأشياعهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين، معاشر الناس أني ادعهما أمانة ووراثة في عقبي الى يوم القيامة وقد بلغت ما بلغت حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل أحد ممن شهدا ولم يولد فليبلغ منكم الغائب والوالد الولد الى يوم القيامة وسيجعلوها ملكا واغتصابا (سنفرغ لكم أيها الثقلان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران)، معاشر الناس ان الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب، معاشر الناس أنه مامن قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها وكذلك مهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله عز وجل وهذا أمامكم ووليكم وهو مواعد والله يصدق وعده، معاشر الناس قد ضل قبلكم أكثر الأولين والله فقد أهلك الأولين وكذلك الآخرين، معاشر الناس أن الله قد أمرني ونهاني وقد أمرت عليا ونهيته وعليه الأمر والنهي من ربه عز وجل فاسمعوا لأمره وانتهوا لنهيه وصيروا الى مراده ولا يتفرق بكم السبل عن سبيله أنا صراط المستقيم الذي آمركم باتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون ثم قرأ (ص): الحمد لله. الى آخرها، وقال في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت وعمت أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا ان حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعدائهم أهل الشقاق العادون واخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ألا أن أوليائهم الذين ذكرهم الله في كتابه المؤمنون فقال: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " - الى آخر الآية. ألا ان أوليائهم الذين وصفهم جل وعز " ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون ". ألا ان اوليائهم الذين آمنوا ولم


[ 68 ]

يرتابوا، ألا ان اولياءهم الذين قال الله عز وجل: " يدخلون الجنة بغير حساب "، ألا ان اعداءهم يصلون سعيرا، ألا ان اعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا - الآية، ألا ان اعدائهم الذين قال الله عز وجل: " كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا " - الآية، ألا ان اولياءهم الذين يخشون ربهم لهم مغفرة واجر كبير، معاشر الناس انني نبي وعلي وصي، أن خاتمة الأئمة منا القائم المهدي، ألا أنه الظاهر على الدين، ألا أنه المنتقم من الظالمين. ألا أنه فاتح الحصون وهادمها، ألا وأنه فاتح كل قبيلة من الشرك، ألا أنه مدرك بكل ثار لأولياء الله عز وجل، ألا أنه الناصر لدين الله، ألا أنه الغراف من بحر عميق، ألا أنه يسم كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا أنه خيرة الله ومختاره، ألا أنه وارث كل علم والمحيط بكل فهم، ألا أنه المخبر عن ربه والمشبه لأمر ايمانه، ألا انه الرشيد، ألا أنه المفوض إليه، ألا أنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده، ألا انه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا أنه ولى الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته، معاشر الناس قد بينت لكم وافهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي، ألا وان عند انقضاء خطبتي ادعوكم الى مصافقتي على بيعته والاقرار به ثم مصافقته بعد يدي ألا أني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وانا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل فمن نكث فانما ينكث على نفسه - الآية. معاشر الناس ان الحج والعمرة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر - الآية، معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا نموا وانسالوا ولا تخلفوا عنه إلا اهتزوا وافترقوا، معاشر الناس ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقت ذلك فإذا انقضت حجته استونف علمه، معاشر الناس الحجاج معانون ونفقاتهم مخلفة والله لا يضيع أجر المحسنين، معاشر الناس حجوا بكمال الدين والنفقة ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بمؤنة واقلاع، معاشر الناس اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله فان طال عليكم الامد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم ما لا تعلمون " ألا أن الحلال والحرام اكثر من أن


[ 69 ]

احصيهما واعرفهما فأمر بالحلال وانهى عن الحرام في مقام واحد وأمرت أن أتخذ البيعة عليكم والصفة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه امة قائمة فيهم خاتمها المهدي الى يوم القيامة الذي يقضي بالحق، معاشر الناس فكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فأني لم ارجع عن ذلك ولم ابدل، ألا فأذكروا ذلك واحفظوا وتواصوا به ولا تبدلوه، ألا وأني اجدد القول، ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وآمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ألا وان رأس الامر بالمعروف ان تنتهوا الى قولي وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته فأنه أمر من الله عز وجل ومني، معاشر الناس القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده وعرفتكم انهم مني ومنه حيث يقول الله عز وجل: " وجعلها كلمة باقية في عقبه " ولن تضلوا ما تمسكتم بهما " معاشر الناس التقوى التقوى واحذروا الساعة كما قال الله عز وجل: " ان زلزلة الساعة شئ عظيم " واذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب فمن جاء بالحسنة أفلح فله عشر مثلها " ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها فمن جاء بالسيئة فليس له في الجنان من نصيب، معاشر الناس أنكم اكثر من أن تصافحوني بكف واحد وامرني الله عز وجل ان آخذ من السنتكم الاقرار بما عقد لعلي أمير المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم ان ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم انا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغته عن أمر ربي وأمر علي أمير المؤمنين وولده من صلبه من الأئمة على ذلك قلوبنا وانفسنا والسنتنا وأبداننا، على ذلك نحيا ونموت ونبعث لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ميثاق ونعطي الله ونعطيك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين لهم ذكر من صلبه منن الحسنين يعني الحسن والحسين الذين قد عرفتكم مكانهما مني ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل فقد أديت ذلك اليكم وانهما لسيدا شباب أهل الجنة وانهما لامامان بعد أبيهما علي وانا أبوهما قبله فقولوا اعطينا الله بذلك وأنت وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وانفسنا والسنتنا ومصافقة


[ 70 ]

أيدينا من أدركها بيده وأقر بهما بلسانه لا ينبغي بدلا ولا يرى الله عز وجل منهما حولا ابدا اشهدنا الله وكفى به شهيدا وأنت به علينا شهيد وكل من استطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله اكبر من كل شهيد، معاشر الناس ما تقولون فأن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فأنما يضل عليها ومن بايع فأنما يبايع الله يد الله فوق ايديهم، معاشر الناس فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة باقية يهلك الله من غدر ويرحم من وفى " ومن نكث فأنما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما "، معاشر الناس قولوا الذي قلت لكم وسلموا على علي بامرة المؤمنين وقولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير، وقولوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، معاشر الناس ان فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل وقد انزلها في القرآن اكثر من احصيها في مقام واحد فمن انبأكم بها فصدقوه، معاشر الناس من يطع الله عز وجل ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا مبينا عظيما، معاشر الناس السابقون السابقون الي مبايعته وموالاته والسلام عليه بأمرة المؤمنين اولئك الفائزون في جنات النعيم، معاشر الناس قولوا ما يرضي الله عنكم من القول فان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا اللهم اغفر للمؤمنين واعطب الكافرين والحمد لله رب العالمين، فناداه القوم، نعم سمعنا واطعنا على امر الله ورسوله بقلوبنا والسنتنا وايدينا وتداكوا على رسول الله وعلي (ع) بأيديهم، فكان اول من صافق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأول وثانيه وثالثه ورابعه وخامسه وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس على قدر منازلهم الى ان صليت العشاء والعتمة في وقت واحد وواصلوا البيعة والمعانقة ثلاثا ورسول الله (ص) يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين وعن أبي سعيد الخدري لما صدر النبي (ص) من حجة الوداع نزل بغدير خم وأمر بالصلاة جامعة ثم أمر ان يرتب له منبرا من حدوج الأباعر فصعده (ص) وقال: يا أيها الناس أني مسؤل وانكم مسؤلون فبما أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت ونصحت


[ 71 ]

وجاهدت فجزاك الله خيرا، فقال أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله وان جنته حق وناره حق والبعث بعد الموت حق، قالوا بلى نشهد بذلك قال اللهم اشهد، ثم قال ايها الناس ان الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم قالوا اللهم بلى، فقال اللهم اشهد حتى قالها ثلاثا ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، ثم قال: أني فرطكم وأنكم واردون علي الحوض حوض ما بين بصرى الى صنعا فيه عدد النجوم قد حان من فضة وأني سائلكم حين تردون علي الحوض عن الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فاستمسكوا بهما ولا تضلوا وأنه نبأني اللطيف الخبير انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، ثم نزل عن المنبر وقال: ايها الناس هنئوني بابن عمي وسلموا عليه بامرة المؤمنين، فأقبل الأصحاب يسلمون عليه الف وثلاثمائة رجل وأقبل عمر بن الخطاب يسلم عليه فقال بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنه وعن حذيفة بن اليمان رحمه الله في خبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة قال: ان الله عز وجل أمر رسوله (ص) في سنة عشر من مهاجرته من مكة الى المدينة أن يحج هو ويحج الناس معه فأوحى إليه بذلك: " وأذن بالناس في الحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المؤذنين فأذنوا في أهل السافلة والعالية: ألا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجهم ويعلمهم مناسكهم فيكون سنة لهم الى آخر الدهر، قال فلم يبق أحد ممن دخل في الاسلام إلا حج مع رسول الله (ص) لسنة عشر ليشهوا منافع لهم ويعلمهم حجهم ويعرفهم مناسكهم، وخرج رسول الله (ص) بالناس وخرج بنسائه معه وهي حجة الوداع فلما استتم حجهم وقضوا مناسكهم وعرف الناس جميع ما احتاجوا إليه وأعلمهم أنه قد أقام ملة إبراهيم (ع) وقد ازال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده ورد الحج الى حالته الأولى ودخل مكة فأقام بها يوما واحدا فهبط عليه جبرئيل الأمين فقال يا محمد اقرأ من رب العالمين: " بسم الله الرحمن الرحيم الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من


[ 72 ]

قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون "، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جبرئيل وما هذه الفتنة فقال يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك: أني ما أرسلت نبيا قبلك إلا أمرته عند انقضاء أجله ان يستخلف على امته من بعده من يقوم مقامه ويحيي سنته واحكامه فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسول الله هم الصادقون " والمخالفون على أمره هم الكاذبون وقد دنى يا محمد مصيرك الى ربك وجنته وهو يأمرك أن تنصب لأمتك من بعدك علي ابن أبي طالب وتعهد إليه فهو الخليفة القائم برعيتك وامتك إن اطاعوه وأن عصوه وسيفعلون ذلك وهي الفتنة التي تلوت عليها الآى فيها وأن الله عز وجل يأمرك ان تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما استحفظك واستودعك فأنه الأمين المؤتمن، يا محمد أني اخترتك من عبادي نبيا وأخترته لك وصيا " قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا (ع) فخلى به يومه وليلته واستودعه العلم والحكمة التي آتاه إياها وعرفه ما قال جبرئيل (ع) وكان ذلك في يوم عايشة بنت أبي بكر فقالت يا رسول الله: لقد طال استخلاؤك بعلي منذ اليوم، قال فأعرض عنها رسول الله (ص) فقالت لم تعرض عني يا رسول الله بأمر لعله يكون لي صلاحا، فقال (ص): صدقت وايم والله أنه لأمر صلاح لمن اسعده الله بقبوله والأيمان به وقد امرت بدعاء الناس جميعا إليه وستعلمين ذلك إذا قمت به في الناس، قالت يا رسول الله ولم لا تخبرني به الآن لأتقدم بالعمل ولآخذ بما فيه الصلاح، قال سأخبرك به فأحفظيه الى أن اؤمر بالقيام في الناس جميعا فأنك أن حفظتيه حفظك الله في العاجلة والآجلة جميعا وكان لك الفضيلة بسبقه والمسارعة الى الأيمان بالله ورسوله ولو ضيعته وتركتيه رعاية ما القى اليك منه كفرت بربك وحبط أجرك وبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله وكنت من الخاسرين ولم يضر الله ذلك ولا رسوله فضمنت له حفظه والأيمان به ورعايته، فقال (ص) أن الله تعالى أخبرني أن عمري قد انقضى وأمرني أن انصب عليا للناس علما وأجعله إماما فأستخلفه كما أستخلف الأنبياء من قبلي أوصياءها وأنا صائر الى أمر ربي وآخذ فيه بأمره فليكن هذا الأمر منك تحت سويداء قلبك الى أن يأذن الله بالقيام به فضمنت له ذلك واطلع الله نبيه على ما


[ 73 ]

يكون منها فيه ومن صاحبتها حفصة وأبويهما فلم تلبث أن أخبرت حفصة وأخبرت كل واحدة منهما أبويهما فاجتمعا فأرسلا الى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: ان محمد يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنة كسرى وقيصر الى آخر الدهر ولا والله ما لكم في الحياة من حظ أن افضى هذا الأمر الى علي ابن أبي طالب وأن محمدا عاملكم على ظاهركم وأن عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فأتفقوا على أن ينفروا بالنبي ناقته على العقبة فتحالفوا وتعاقدوا على ذلك وكان من عزم رسول الله أن يقيم عليا (ع) وينصبه للناس بالمدينة إذا قدم فسار رسول الله يومين وليلتين فلما كان اليوم الثالث أتاه جبرئيل بآخر سورة الحجر فقال اقرأ: " ولنسألنهم أجمعين عما كانوا يفعلون، فأصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين " قال ورحل رسول الله (ص) وأعد السير مسرعا على دخول المدينة لينصبه (ع) علما للناس فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل في آخر الليل فقرأ عليه: " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " وهم الذين هموا برسول الله فقال (ص) أخي جبرئيل أعد السير مجدا فيه لأدخل المدينة فأعرض ولايته على الشاهد والغائب فقال له جبرئيل ان الله يأمرك أن تعرض ولاية علي غدا إذا نزلت منزلك فقال (ص) نعم يا جبرئيل غدا أفعل ان شاء الله تعالى وأمر رسول الله (ص) بالرحيل من وقته وسار الناس معه حتى نزل بغدير خم وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه ودعا عليا " ع " ورفع رسول الله (ص) يد علي اليسرى بيده ورفع صوته بالولاء لعلي على الناس أجمعين وفرض طاعته عليهم وأمرهم أن يختلفوا عليه وخبرهم أن ذلك عن أمر الله عز وجل وقال لهم: ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره واخذل من خذله ثم أمر الناس أن يبايعوه، فبايعه الناس جميعا ولم يتكلم منهم أحد وقد كان أبو بكر وعمر تقدما الى الجحفة فبعث


[ 74 ]

وردهما ثم قال لهما النبي (ص) متجهما لهما يابن أبي قحافة ويا عمر بايعا عليا بالولاية من بعدي فقالا: أمر من الله ومن رسوله فقال (ص) وهل يكون مثل هذا من غير أمر الله ورسوله نعم أمر من الله ومن رسوله، فبايعا عليا ثم أنصرفا، وسار رسول الله باقي يومه وليلته حتى إذا دنوا من العقبة تقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة وقد حملوا معهم دبابا وطرحوا فيها الحصى، قال حذيفة فأمرني رسول الله أن اقود ناقته وعمار يسوقها حتى إذا صرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت وكادت ان تنفر برسول الله (ص) فصاح بها النبي: ان اسكني وليس عليك بأس فأنطقها الله تعالى بلسان عربي فصيح فقالت: والله يا رسول الله ما أزلت يدا عن مستقر يد ولا رجلا عن موضع رجل وأنت على ظهري، فتقدم القوم ليدفعوا الناقة فأقبلت انا وعمار فضرب وجوههم بأسيافنا وكانت ليلة مظلمة فولوا هاربين فقلت فقلت يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى فقال يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخره فقلت ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتون برؤوسهم فقال إن الله أمرني أن أعرض عنهم وكره أن يقول الناس دعا أناسا إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه ثم أقبل عليهم فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد وسيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ وسماهم لي وقد كان فيهم أناس أكره أن يكون منهم فأمسكت عن ذلك فقال (ص): كأنك شاك يا حذيفة في بعض من سميت إرفع رأسك إليهم فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها الشمس الطالعة فنظرت إلى القوم وإذا هم كما قال رسول الله (ص) أربعة عشر رجلا تسعة من قريش وخمسة من سائر الناس وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص هؤلاء من قريش وأما الخمسة الأخر فأبو موسى الأشعري والمغيرة ابن شعبة الثقفي واوس بن الحدثان البصري وأبو هريرة وأبو طلحة الأنصاري، قال حذيفة فانحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر فنزل رسول الله وتوضأ وانتظر أصحابه


[ 75 ]

حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا فرأيت القوم بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله فلما انصرف من صلاته نظر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة يتناجون فأمر مناديا ونادى في الناس لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر، وارتحل رسول الله (ص) من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسول الله أن لا يجتمع ثلاثة من الناس على سر والله لتخبروني عما أنتم عليه وإلا أتيت رسول الله حتى أخبره بذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه لئن نحن خبرناك بالذي نحن فيه فإن أحببت أن تكون معنا دخلت وإلا كتمت فقال سالم لكم ذلك قال حذيفة وكان سالم شديد البغض لعلي وعرفوا ذلك منه فقالوا له إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب بعده فقال عليكم عهد الله وميثاقه في هذا كنتم تخوضون قالوا نعم، فقال أنا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا يخالفكم عليه إنه والله ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إلي من بني هاشم ولا في بني هاشم أبغض ألي من على بن أبي طالب فأصنعوا في هذا الأمر ما بدي لكم فإني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر، فلما أراد رسول الله (ص) المسير أتوه فقال لهم فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى فقالوا ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم مليا ثم قال لهم: " أنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون " ثم سار حتى دخل المدينة واجتمع القوم جميعا وكتبوا بينهم صحيفة وكان أول ما فيها النكث لولاية علي وأن الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا، قال حذيفة حدثتني أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر وكتب سعيد بن العاص الصحيفة: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله من المهاجرين والأنصار وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله ليقتدي بهم من يأتي بعدهم من المسلمين: أما بعد فإن الله بعث محمدا رسولا إلى الناس كافة


[ 76 ]

حتى إذا أكمل الدين قبضه الله إليه من غير أن يستخلف أحدا من بعده والإختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه وأن للمسلمين بنبيهم أسوة حسنة وهو لم يستخلف أحدا لئلا يجري ذلك في أهل بيت واحد إرثا دون المسلمين ولئلا يقول المستخلف أن هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد والذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوي الرأي والصلاح منهم فيشاورا في أمورهم فمن رأؤه مستحقا ولوه فإن ادعى مدع أن رسول الله استخلف رجلا بعينه ونص عليه باسمه ونسبه فقد أبطل في قوله وخالف جماعة المسلمين وإن قال أن خلافته إرث فقد أحال في قوله لأن رسول الله قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وإن قال أنها لا تصلح إلا لرجل واحد لأنها تتلو النبوة فقد كذب لأنه قال (ص) أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم إهتديتم، وإن قال أنه مستحق لها بقربة من رسول الله فليس له لأن الله يقول: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقد قال رسول الله: من جاء إلى أمتي وهم جمع ففرق بينهم فاقتلوه ولا تجتمع أمتي على ظلال أبدا، وان المسلمين يد واحدة على من سواهم فإنه لا يخرج عن جماعة المسلمين إلا مفارق معاند لهم ومظاهر عليهم أعداءهم وقد أباح الله ورسوله دمه وأحل قتله، وكتب سعيد بن العاص باتفاق من أثبت اسمه وشهادته آخر الصحيفة في محرم سنة عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وسلم، قال ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أن ولي الأمر عمر فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي قال أمير المؤمنين عند موت عمر: ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى، قال حذيفة ثم انصرفوا وصلى رسول الله (ص) بالناس صلاة الفجر ثم التفت إلى أبي عبيدة بن الجراح فقال (ص): بخ بخ من مثلك لقد أصبحت أمين هذه الأمة وتلى صلى الله عليه وآله: " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " لقد أشبه هؤلاء في هذه الأمة هؤلاء ليستخفوا من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا، ثم قال أصبح


[ 77 ]

في هذه الآية في يومي هذا قوم شابهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلقوها في الكعبة وأن الله يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب ولو لا أنه أمرني بالاعراض للأمر الذي هو بالغه لضربت أعناقهم، قال فوالله لقد رأيناهم أحذتهم الرعدة ولم يبق أحد إلا علم أنه (ص) إياهم عنى ولهم تلى الأمثال.

المجلس الثالث

(في علمه وقضائه وزهده وعبادته وتقواه وحلمه وشفقته وكرمه)

(واستجابة دعوته وفيه ثلاثة أبواب):

الباب الأول

في عزارة علمه، وأنه أقضى الأصحاب

وفيه فصلان:

الفصل الأول في غزارة علمه :

وقد سبقت الأشارة الى ذلك من شهادة النبي والأصحاب في فصل من فصول المقدمة وهذا معقود لذلك، وروى الخوارزمي في كتابه بالإسناد الى عباد بن عبد الله عن سلمان عن رسول الله (ص) أنه قال: أعلم امتي من بعدي علي بن أبي طالب، وفيه بالإسناد الى أمير المؤمنين (ع) قال قلت يا رسول الله أوصني فقال صلى الله عليه وآله وسلم: قل ربي الله واستقم، فقلتها وزدت. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب فقال ليهنك العلم يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلت نهلا، وروى الديلمي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل، بانجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم، وعن


[ 78 ]

ابن عباس انه قال: ما علمي وعلم أصحاب محمد في جنب علم علي بن أبي طالب إلا كقطرة في جنب سبعة أبحر، وفي تفسير الصافي عنه (ع) أني لأعلم ما في السماوات والأرض واعلم ما في الجنة والنار وأعلم ما كان وما يكون ثم سكت هنيئة ورأى أن ذلك كبير على من سمعه فقال (ع): علمت ذلك من كتاب الله يقول فيه تبيان كل شئ. وروى أنه عليه السلام قال يوما على المنبر: سلوني عن طرق السماوات فأني أعلم بها من طرق الأرض فقام إليه رجل فقال إن كنت صادقا فأخبرني أين جبرئيل هذه الساعة فنظر مليا ثم نظر الى الأرض مليا شرقا وغربا بعدا وقربا ثم أقبل على القائل وقال (ع) قد جلت السماء عما سألت وكذلك الأرض وليس في الدائرة إلا أن تكون أنت جبرئيل فغاب عنهم وهو يقول: لله درك يا بن أبي طالب أنك لصادق غير كاذب. خبر اليهود: روى ان يهوديا دخل المسجد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عن وصية فأشاروا الى أبي بكر فدخل عليه وقال أني اريد أسألك عن اشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي اخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه إلا الله فقال أبو بكر هذه مسائل الزنادقة أو في السماء والأرض شئ ليس لله، وهم به مسلمون، وكان ابن عباس حاضرا فقال ما انصفتم الرجل فقال أبو بكر أو ما سمعت ما تكلم به فقال ابن عباس إن كان عندكم جوابه فأجيبوه وإلا فأذهبوا به الى من يجيبه فأني سمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه، قال فقام أبو بكر ومن حضر من المهاجرين والأنصار حتى أتوا عليا (ع) فأستأذنوا عليه ودخلوا فقال أبو بكر يا أبا الحسن أن هذا اليهودي سألني عن مسائل الزنادقة، فقال علي (ع) لليهودي ما تقول يا يهودي ؟ قال أني أسألك عن اشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي فقال علي: سل يا يهودي فأنبئك به، قال أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه إلا الله، فقال عليه السلام: أما قولك اخبرني عما ليس لله فليس لله شريك، وأما قولك عما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد وأما قولك عما لا يعلمه الله فذلك قولكم: عزير بن الله والله لا يعلم أن له ولدا، فقال


[ 79 ]

اليهودي: أشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصيه، فقام أبو بكر ومن معه من المهاجرين فقبلوا رأسه (ع) وقالوا يا مفرج الكرب. خبر آخر: روى أن يوما حضر الناس عند أمير المؤمنين (ع) وهو يخطب بالكوفة وهو يقول: سلوني قبل ان تفقدوني فأني لا أسأل عن شئ دون العرش إلا اجبت لا يقولها بعدي إلا مدع أو كذاب مفتر فقال إليه رجل من جنب مجلسه في عنقه كتاب كالمصحف فصاح رافعا صوته أيها المدعي لما لا يعلم والمتقدم لما لا يفهم أنا أسألك فأجب، قال فوثب أصحابه وشيعته من كل ناحية وهموا به فنهرهم علي (ع) وقال دعوه ولا تعجلوا فأن العجلة والبطش لا يقوم بها حجج الله ولا باعجال السائل تظهر براهين الله عز وجل، ثم التفت الى السائل وقال سل بكل لسانك ومبلغ علمك أجبك إن شاء الله بعلم لا يختلج به الشكوك ولا يهجنه دنس ريب الزيغ ولا قوة إلا بالله، قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب ؟ قال علي: مسافة الهواء قال الرجل وما مسافة الهواء قال علي (ع) دوران الفلك، قال وما دوران الفلك قال (ع): مسيرة يوم للشمس قال صدقت، قال فمتى القيامة ؟ قال: (ع) عند حضور المنية وبلوغ الآجل، قال صدقت، قال فكم عمر الدنيا ؟ قال: سبعة لا تحديد. قال صدقت. قال فأين بكة من مكة ؟ قال (ع): مكة اكناف الحرم وبكة موضع البيت، قال صدقت. فلم سميت مكة ؟ قال لأن الله عز وجل مد الأرض من تحتها، قال صدقت. فلم سميت بكة ؟ قال: لأنها بكت رقاب الجبارين وعنوق المذنبين، قال صدقت، فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه ؟ قال (ع): سبحان من تدركه الأبصار ولا تدرك كنة صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته ولا الملائكة من زاخر رشحات جلاله ويحك لا يقال لله أين ولا ثم ولا فيم ولا أي ولا كيف قال صدقت. فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء ؟ قال أتحسن أن تحسب ؟ قال الرجل نعم، قال (ع) لعلك لا تحسن أن تحسب قال بلى أني لا أحسن أن أحسب، قال أرأيت أن صب خردل في الأرض حتى سد الهواء وما بين الأرض والسماء ثم اذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق والمغرب ومد في عمرك واعطيت القوة على


[ 80 ]

ذلك حتى تنقله كان ذلك أيسر من أن احصي عدد اعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء وانما وصفت عشر عشر العشر من جزء من مائة الف جزء واستغفر الله عن التحديد والتقليل، قال فحرك الرجل رأسه بعد ذلك وأنشأ يقول:

أنت أصيل العلم يا ذا الهدى * * تجلو من الشك الغياهيبا

لا تنثني عن كل اشكولة * * تبدي إذا حلت أعاجيبا

لله در العلم من صاحب * * يطلب انسانا ومطلوبا

خبر آخر: روى ان أعرابيا سأل أمير المؤمنين عليه السلام قال رأيت كلبا وطى شاة فأولدها ولدا فما حكم ذلك في الحل ؟ فقال اعتبره بالاكل فأن أكل لحما فهو كلب وأن أكل علفا فهو شاة، فقال الاعرابي رأيته يأكل بذا تارة وهذا تارة فقال (ع) اعتبره في الشرب فان كرع فهو شاة وان ولغ فهو كلب، فقال الاعرابي: يلغ تارة ويكرع اخرى، فقال اعتبره في المشي مع الماشية فأن تأخر عنها فهو كلب وإن تقدم أو توسط فهو شاة، فقال وجدته مرة هكذا ومرة هكذا، فقال (ع) اعتبره في الجلوس فأن برك فهو شاة وان اقعى فهو كلب، قال الاعرابي: إنه يفعل هذا مرة وهذا مرة فقال اذبحه فإن وجدت له كرشا فهو شاة وإن وجدت له أمعاء فبهت الاعرابي عند ذلك من علم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام. خبر آخر: روى ان رجلا اتي به الى عمر بن الخطاب وكان صدر منه انه قال لجماعة من الناس وقد سألوه كيف أصبحت قال أصبحت احب الفتنة واكره الحق واصدق اليهود والنصارى واؤمن بما لم أره وأقر بما لم يخلق فرفع الى عمر فأرسل عمر الى علي (ع) فلما جاءه اخبره بمقالة الرجل، قال صدق يحب الفتنة قال الله تعالى: " أنما أموالكم وأولادكم فتنة " ويكره الحق وهو الموت قال الله: (وجاءت سكرة الموت بالحق) ويصدق اليهود والنصارى قال الله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ)، ويؤمن بما لم يره يعني يؤمن بالله عز وجل ولم يره. ويقر بما لم يخلق يعني الساعة، فقال عمر: اعوذ من معضلة لا علي لها، لولا علي لهلك عمر.


[ 81 ]

خبر فضة: روى عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي عن النظام في كتاب الفتيا ما ذكر عمر بن داود عن مولانا الصادق عليه السلام، قال كان لفاطمة عليها السلام جارية يقال لها فضة فصارت من بعدها لعلي (ع) فزوجها من أبي ثعلبة الحبشي فأولدها ابنا ثم مات عنها أبو ثعلبة فزوجها من بعده سليك الغطفاني ثم توفى أبنها من أبي ثعلبة فامتنعت من سليك أن يقربها فأشتكاها الى عمر وذلك في أيامه فقال لها عمر: ما يشتكي منك سليك يا فضة، فقالت: أنت تحكم في ذلك وما يخفى عليك أكثر مما ظهر لديك فقال عمر: ما اجد لك رخصة. فقالت يا أبا حفص: ذهبت بك المذاهب أن ابني من غيره مات فأردت أن استبرء بحيضة فإذا أنا حضت علمت ان ابني مات ولا اخ له وان كنت حاملا علمت أن الولد في بطني أخوه، فقال عمر: شعرة من آل أبي طالب أفقه من جميع آل خطاب، وفي رواية من عدي. خبر الجاثليق: روى الديلمي في الارشاد عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) انه لما بلغ ملك الروم خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخبر أمته واختلافهم - أمر العلماء الذين في مملكته أن يختاروا من بينهم رجالا يحققوا ذلك فاختاروا مائة رجل يقدمهم جاثليق لهم قد أقرت له جميع الروم بالعلم والفضل، فقدموا المدينة ولما نزلوا عن رواحلهم سألوا عن خليفة رسول الله (ص) فدلوهم على أبي بكر فأتوا مسجد رسول الله ودخلوا على أبي بكر وهو في جماعة من قريش فيهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وخالد بن الوليد وعثمان بن عفان وباقي القوم فوقفوا عليه وقال زعيمهم: ارشدونا الى القايم مقام نبيكم فانا قوم من الروم على دين المسيح عيسى بن مريم قدمنا لما بلغنا من وفاة نبيكم واختلافكم نسأل عن صحة نبوته ونسترشد لديننا ونتعرض دينكم فأن كان أفضل من ديننا دخلنا فيه وسلمنا وقبلنا الرشد منكم طوعا وأجبناكم الى ملة نبيكم وإن كان على خلاف ما جاءت به الرسل وجاء به عيسى (ع) - رجعنا الى دين المسيح فأيكم صاحب الامر بعد نبيكم ؟ فقالوا: هذا صاحب الأمر بعد نبينا وأشاروا الى أبي بكر، قال الجاثليق: هو هذا الشيخ ؟ فقالوا: نعم، فقال أيها الشيخ أنت الوصي لمحمد وأنت العالم المستغني بعلمك القائم بعد نبيك بأمر هذه الامة


[ 82 ]

قال أبو بكر لا ما أنا بوصي قال فما أنت فقال عمر: هذا خليفة رسول الله، قال النصراني: أنت خليفة رسول الله استخلفك في أمته قال أبو بكر لا، قال فما هذا الاسم الذي ابدعتموه بينكم فأنا قرأنا كتب الأنبياء فوجدنا الخلافة لا تصلح إلا لنبي من أنبياء الله عز وجل جعل آدم خليفة فرض طاعته على أهل السماء والأرض ونوره باسم داود فقال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) فكيف تسميت بهذا الاسم ومن سماك به. أنبيك سماك به قال لا ولكن تراضوا الناس فولوني واستخلفوني فقال النصراني: أنت خليفة قومك لا خليفة نبيك وقد قلت أن نبيك لم يوص إليك وقد وجدنا في سنن الأنبياء أن الله لم يبعث نبيا إلا وله وصي يوصي إليه ويحتاج الناس كلهم الى علمه وهو مستغن بعلمه وقد زعمت أنه لم يوصي كما أوصت الأنبياء وادعيت أشياء لست أهلها وما أراكم إلا وقد دفعتم نبوة محمد وقد أبطلتم سننن الأنبياء في قومهم قال ثم التفت الجاثليق الى أصحابه فقال أن هؤلاء يقولون: أن محمدا لم يأتهم بالنبوة وانما كان أمره بالغلبة ولو كان نبيا لأوصى كما أوصت الأنبياء وخلف فيهم كما خلفت الأنبياء من الميراث والعلم فلسنا نجد عند القوم أثر ذلك ثم التفت كالأسد وقال يا شيخ ما أنت فقد أقررت بأن محمدا لم يوصي إليك ولا استخلفك وانما تراضوا الناس ولو رضي الله عز وجل لرضاء الخلق واتباعهم لهوائهم واختيارهم لأنفسهم - ما بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأتاهم الكتاب والحكمة ليبينوا للناس فقد دفعتم النبيين عن رسالاتهم فلا بد أن نحتج عليكم حتى نعرف سبيل ما تدعون إليه ونعرف الحق فيكم بعد نبيكم أصواب ما فعلتم بايمان أم بجهل وكفر، قال فالتفت أبو بكر الى أبي عبيدة لأن يجيب فلم يحر جوابا ثم التفت الجاثليق الى أصحابه فقال بناء القوم على غير أساس ولا أرى حجة لهم افهمه، قالوا: بلى، ثم قال لأبي بكر يا شيخ أسألك قال سل قال اخبرني عني وعنك ما أنت عند الله وما أنا ؟ قال أما انا فعند نفسي مؤمن وما أدري ما انا عند الله فيما بعد، وأما أنت فعندي كافر ولا أدري ما أنت عند الله، قال الجاثليق: أما أنت فقد نسبت نفسك الكفر بعد الأيمان وجهلت مقامك في إيمانك محق أنت فيه أم مبطل وأما أنا فقد منيتني الأيمان بعد الكفر فما


[ 83 ]

أحسن حالي وأسوأ حالك عند نفسك أن تدري بما لك عند الله ثم قال يا شيخ أين مكانك الساعة من الجنة إذا ادعيت الايمان وأين مكاني من النار ؟ قال فالتفت أبو بكر الى عمر وأبي عبيدة مرة ثانية أن يجيب عنه فلم ينطق أحد منهما فقال لا أدري اين مكاني وما حالي عند الله، فقال الجاثليق: يا هذا اخبرني كيف اخترت لنفسك أن تجلس هذا المجلس وأنت محتاج الى علم غيرك، قال سلمان فلما رأيت ما نزل بالقوم من البهت نهضت لا أعقل اين أضع قدمي حتى وصلت باب أمير المؤمنين (ع) فدققت عليه الباب فخرج وهو يقول: ما دهاك يا سلمان فقلت يا مولاي هلك دين الله وأخبرته بخبر النصراني فأقبل علي معي حتى دخل على القوم وهم في أسوأ حالة من الذل فألتفت علي (ع) الى النصراني وقال يا هذا أقبل علي بوجهك وأقصدني بحجتك فعندي ما يحتاج الناس إليه فيما يأتون ويذرون وبالله التوفيق فتحول النصراني إليه وقال انا وجدنا في كتب الأنبياء ان الله لم يبعث نبيا قط إلا وكان له وصي يقوم مقامه وقد بلغنا اختلاف عن أمة محمد في مقام نبوته وادعاء قريش على الأنصار وادعاء الأنصار على قريش فأتينا عن ملكنا نبحث عن دين محمد ونعرف سنن الأنبياء فيه فأرشدونا الى هذا الشيخ فسألناه فوجدناه فظا غليظ القلب فقال: عندي الشفاء لصدوركم والضياء لقلوبكم فأقبل علي بوجهك وفرغ لي مسامع قلبك واحضرني ذهنك وأعي ما أقول لك: ان الله بمنه وطوله له الحمد قد صدق وعده واعز دينه ونصر محمدا عبده ورسوله وهزم الاحزاب وحده فله الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير تبارك وتعالى اختص محمدا واصطفاه وهداه وانتجبه لرسالته الى الناس كافة برحمته والى الثقلين برأفته وفرض طاعته على أهل السماء والأرض وجعله إماما لمن قبله من الرسل وخاتما لمن بعده من الخلق وورثه مواريث الأنبياء وأعطاه مقاليد الدنيا والآخرة واتخذه نبيا ورسولا وحبيبا وإماما ورفعه وقربه عن يمين عرشه بحيث لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل فأوحى الله إليه في وحيه ما كذب الفؤاد ما رأى وأنزل علاماته على الأنبياء وأخذ ميثاقهم لتؤمنن به ولتنصرنه ثم قال للأنبياء: (أقررتم على ذلك إصري قالوا اقررنا قال فأشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)، وقال: (يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم


[ 84 ]

بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعززوه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه فأولئك هم المفلحون)، فما مضى حتى اتم الله عز وجل مقامه وأعطاه وسيلته ورفع له درجته فلن يذكر الله عز وجل إلا كان معه مقرونا وفرض دينه ووصل طاعته بطاعته فقال: (ومن يطع الله ورسوله فقد أطاع الله)، وقال: (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا)، فأبلغ عن الله عز وجل رسالته وأوضح برهان ولايته واحكم آياته وشرع شرايعه وأحكامه ودلهم على سبيل نجاتهم وباب هداه وحكمته وكذلك بشر به النبيون قبله وبشر به عيسى روح الله وكلمته إذ يقول في الانجيل: " أحمد العربي النبي الامي صاحب الجمل الأحمر والقضيب "، وأقام لأمته وصيه فيهم وعيبة علمه وموضع سره ومحكم آيات كتابه وتاليه حق تلاوته وباب حطته ووارث كتابه وخلفه مع كتاب الله فيهم وأخذ فيهم بالحجة فقال (ص): قد (خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الثقلان كتاب الله الثقل الاكبر حبل ممدود من السماء الى الأرض سبب بأيديكم وسبب بيد الله عز وجل وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فلا تتقدموهم فتمرقوا ولا تأخذوا عن غيرهم فتعطبوا ولا تعلموهم فأنهم اعلم منكم، وأنا وصيه والقائم بتأويل كتابه والعارف بحلاله وحرامه وبمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأمثاله وعبره وتصاريفه وعندي علم ما تحتاج إليه أمته من بعده وعندي علم البلايا والمنايا والوصايا والانساب وفصل الخطاب ومولد الاسلام ومولد الكفر وصاحب الكرات ودولة الدول فاسألني عما يكون الى يوم القيامة وعما كان على عهد عيسى منذ بعثه الله وعن كل وصي وعن كل فئة تضل مائة وتهدي مائة وعن سائقها وقائدها وناعقها الى يوم القيامة وعما كان على عهد عيسى منذ بعثه الله تعالى وكل آية نزلت في كتاب الله في ليل أم نهار وعن التوراة والانجيل والقرآن العظيم فانه صلوات الله عليه لم يكتمني شيئا من علمه ولا شيئا يحتاج إليه الامم من أهل التوراة والانجيل واصناف الملحدين واحوال المخالفين واديان المختلفين، إذ كان (ص) خاتم النبيين بعدهم وعليهم فرضت


[ 85 ]

طاعته والايمان به والنصر له تجدون ذلك مكتوبا في التوراة والانجيل والزبور وفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ولم يكن ليضيع عهد الله عز وجل في خلقه ويترك الامة تائهين بعده وكيف يكون ذلك وقد وصفه الله تعالى بالرأفة والرحمة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة القسطاس وان الله عز وجل اوحى إليه كما اوحى الى نوح والنبيين من بعده وكما اوحى الى موسى وعيسى وصدق الله وبلغ رسالته وانا على ذلك من الشاهدين وقد قال تبارك وتعالى: " وكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا "، وقال: (وكفى بالله شهيد بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قد صدقه الله واعطاه الوسيلة إليه والى الله عز وجل فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، فنحن والله الصادقون وأنا اخوه في الدنيا والآخرة والشاهد عليهم بعده وانا وسيلته بينه وبين امته وانا وولدي ورثته وانا وهم كسفينة نوح في قومه من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وانا وهم كباب حطة في بني اسرائيل وانا منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده وانا الشاهد منه في الدنيا والآخرة ورسول الله على بينة من ربه وفرض طاعتي ومحبتي على أهل الأيمان وأهل الكفر وأهل النفاق فمن احبني كان مؤمنا ومن ابغضني كان كافرا والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي وأني على بينة بينها ربي عز وجل لنبيه محمد فبينها لي فأسألوني عما كان وعما هو كائن الى يوم القيامة، قال فالتفت الجاثليق الى اصحابه وقال: هذا والله هو الناطق بالعلم والقدرة والفائق الرائق ونرجوا من الله ان يكون قد صادفنا حظنا ونور هدايتنا وهذه والله حجج الأوصياء من الأنبياء على قومهم، قال التفت الجاثليق الى علي (ع) فقال كيف عدل القوم بك عن قصدهم إياك وادعوا ما أنت أولى به منهم إلا وقد حق القول عليهم فضروا انفسهم وما ضر ذلك الأوصياء مع ما اغناهم الله به من العلم واستحقاق مقامات رسله فأخبرني ايها العالم الحكيم ما أنت عند الله وما أنا ؟ قال علي (ع): اما انا فعند الله عز وجل وعند نفسي مؤمن مستيقن بفضله ورحمته وهدايته ونعمه علي وكذلك اخذ الله عز وجل جلاله ميثاقي على الأيمان وهداني لمعرفته ولا اشك في ذلك ولا ارتاب ولم ازل على ما أخذه الله


[ 86 ]

علي من الميثاق ولم أبدل ولم اغير وذلك بمن الله ورحمته وصنعه انا في الجنة لا اشك في ذلك ولا ارتاب وأما أنت فعند الله كافر بجحودك الميثاق والاقرار الذي اخذ الله عليك بعد خروجك من بطن أمك وبلوغك العقل ومعرفة التمييز للجيد والردئ والخير والشر واقرارك بالرسل وجحودك لما انزل في الانجيل من أخبار النبيين عليهم الصلاة والسلام ما دمت على هذه الحالة كنت في النار، قال فأخبرني عن مكاني من النار ومكانك من الجنة فقال (ع) أما الآخرة فلم ادخلها فأعرف مكاني من الجنة ومكانك من النار ولكن اعرفك ذلك من كتاب الله عز وجل ان الله جل جلاله بعث محمدا بالحق وانزل عليه كتابا " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " احكم فيه جميع علمه وأخبرني رسول الله عن الجنة بدرجاتها ومنازلها وقسم الله جل جلاله الجنان بين خلقه لكل عامل منهم ثوابا منها واجلهم على قدر فضائلهم في الأعمال والأيمان فصدقنا الله وعرفنا منازل الفجار وما أعد لهم من العذاب في النار وقال لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فمن مات على كفره وشركه ونفاقه وظلمه وقسوته فلكل باب منهم جزء مقسوم وقد قال عز وجل: " ان في ذلك لآيات للمتوسمين " وكان رسول الله هو المتوسم وانا وذريتي المتوسمين الى يوم القيامة. فالتفت الجاثليق الى أصحابه وقال: قد اصبتم ارادتكم وأرجو أن تظفروا بالحق إلا أني نصبت له مسائل فأن أجابنا عنها نظرنا في أمرنا وقبلنا منه قال علي (ع) فأن اجبتك عنها تدخل في ديننا قال نعم فقال علي: خذ على أصحابك الوفاء فأخذ عليهم العهد ثم قال علي: سل عما احببت قال أخبرني عن الله أحمل العرش أم العرش يحمله ؟ قال عليه السلام الله حامل العرش والسماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله (يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده أنه كان حليما غفورا)، قال أخبرني عن قول عز وجل (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) فكيف ذلك وقلت انه يحمل العرش والسماوات والأرض قال علي (ع) ان العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة نور أحمر احمرت منه الحمرة ونور أخضر اخضرت منه الخضرة ونور أصفر أصفرت منه الصفرة ونور أبيض ابيض منه البياض وهو العلم


[ 87 ]

الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته فبعظمته ونوره ابيضت منه قلوب المؤمنين وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتتة وكل محمول يحمله الله نوره ونور عظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكل شئ هو حياته ونوره تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، قال فأخبرني عن الله عز وجل اين هو قال (ع) هو هاهنا وهاهنا وهاهنا وهو فوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم)، والكرسي محيط بالسماوات والأرض فالذين يحملون العرش هم العلماء وهم الذين حملهم الله علمه وليس يخرج عن هذه الأربعة شئ، وخلق الله في ملكوته وهو الملكوت الذي أراه إبراهيم فقال (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) فكيف يحمل العرش لله وبحياته حييت قلوبهم وبنوره أهتدوا الى معرفته، قال والتفت الجاثليق الى أصحابه فقال هذا والله الحق من عند الله عز وجل على لسان المسيح والنبيين والأوصياء عليهم السلام قال فأخبرني عن الجنة هل في الدنيا هي أم في الآخرة واين الآخرة والدنيا ؟ قال (ع) الدنيا في الآخرة والآخرة محيطة بالدنيا وذلك ان الدنيا نقلة والآخرة حياة ومقام مثل ذلك كالنائم وذلك ان الجسم ينام والروح لا تنام وان الجسم يموت والروح لا تموت قال الله عز وجل: (وان الدار الآخرة لهي الحيوان)، والدنيا رسم الآخرة والآخرة رسم الدنيا وليس الدنيا الآخرة ولا الآخرة الدنيا، إذا فارق الروح الجسم يرجع كل واحد منهما الى مأمنه بدء ومأمنه خلق وكذلك الجنة والنار في الدنيا موجودة وفي الآخرة موجودة لأن العبد إذا مات صار في دار من الأرض أما روضة من رياض الجنة وأما بقعة من بقع النار وروحه في أحد دارين أما في دار النعيم مقيم لا يموت فيها وأما في دار عذاب لا يموت فيها والرسم لمن عقل موجود واضح وقد قال الله عز وجل: (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)، وعن الكافرين فقال: (انهم كانوا في غطاء عن ذكري وكانوا


[ 88 ]

لا يستطيعون سمعا) ولو علم الانسان علم ما هو فيه مات حياة من الموت ومن نجى فبفضل اليقين، قال فأخبرني عن قوله: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) فأذا طويت السماء وقبضت الأرض فأين تكون الجنة والنار فيها ؟ قال فدعى بدوات وقرطاس ثم كتب فيه الجنة والنار ثم درج القرطاس ودفعه الى النصراني وقال له: أليس قد طويت هذا القرطاس قال نعم قال فأفتحه ففتحه قال فهل ترى اية النار وأية الجنة أمحاها طي القرطاس ؟ قال لا، قال (ع): فهكذا في قدرة الله إذا طويت السماء وقبضت الأرض لم تبطل الجنة والنار كما لم يبطل طي هذا الكتاب آية الجنة وآية النار، قال فأخبرني عن قوله تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه) فما هذا الوجه وكيف هو واين يؤتى وما دليلنا عليه ؟ فقال (ع): يا غلام على بحطب ونار فأمر ان تضرم فلما استوقدت واشتعلت قال له يا نصراني هل تجد للنار وجها دون وجه قال لا قال (ع) فإذا كانت هذه النار المخلوقة المدبرة في ضعفها وسرعة زوالها لا تجد لها وجها فكيف من خلق هذه النار وجميع ما في ملكوته من شئ يوصف بوجه أو يحد بحد أو يدرك ببصر أو يحيط به عقل أو يضبطه وهم وقال الله تعالى: " ليس كمثله شئ وهو السميع البصير "، قال الجاثليق: صدقت أيها الوصي العليم الحكيم الرفيق الهادي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وأنك وصيه وصديقه ودليله، فأسلم النصراني ومن معه وشهدوا له بالوصية، الخبر. خبر الناقوس، عن الحارث الهمداني قال بينما اسير مع أمير المؤمنين (ع) الى الحيرة إذا نحن بديراني يضرب الناقوس قال فقال أمير المؤمنين يا حارث أتدري ما يقول هذا الناقوس قلت الله ورسوله وابن عم رسوله اعلم قال (ع) انه يضرب مثل الدنيا وخرابها ويقول لا إله إلا الله حقا حقا صدقا صدقا ان الدنيا قد غرتنا واشغلتنا واستهوتنا يابن الدنيا مهلا مهلا، يا بن الدنيا دقا دقا، يا بن الدنيا جمعا جمعا تفنى الدنيا قرنا قرنا، ما من يوم يمضي عنا، إلا أوهن منا ركنا، قد ضيعنا دارا


[ 89 ]

تبقى، واستوطنا دارا تفنى، لسنا ندري ما فرطنا فيها، إلا لو قدمتنا، قال الحارث: (رض) يا أمير المؤمنين النصارى يعلمون ذلك ؟ فقال (ع) لو علموا ذلك ما اتخذوا المسيح إلها دون الله عز وجل، قال فذهبت الى الديراني فقلت له بحق المسيح عليك لما ضربت الناقوس على الجهة التي تضربها قال فأخذ يضرب وأنا أقول حرفا حرفا حتى بلغ الى موضع إلا لو قدمتنا قال بحق نبيكم من أخبركم بهذا ؟ قلت هذا الرجل الذي كان معي أمس قال فهل بينكم وبينه من قرابة ؟ قلت نعم هو ابن عمه، قال بحق نبيكم أسمع هذا من نبيكم ؟ قال قلت نعم فأسلم ثم قال والله أني وجدت في التوراة انه يكون آخر الأنبياء نبي يفسر قول الناقوس. خبر، عن عمار بن ياسر: قال كنت عند أمير المؤمنين (ع) فمررنا بواد مملوء نملا فقلت يا أمير المؤمنين ترى أحدا من خلق الله يعلم عدد هذا النمل قال (ع): نعم يا عمار انا اعرف رجلا يعلم عدده وكم فيه ذكر وكم فيه انثى فقلت من ذلك الرجل يا مولاي ؟ فقال يا عمار: ما قرأت في سورة يس: (وكل شئ احصيناه في إمام مبين) فقلت بلى يا مولاي فقال أنا ذلك الامام المبين. وعن أبي فتوح الرازي: أنه حضر عند عمر اربعون امرأة وسألنه عن شهوة الآدمي فقال للرجل واحد وللمرأة تسعة فقلن ما بال الرجال لهم دوام ومتعة وسراري بجزء من تسعة وأما النساء فلا يجوز لهن إلا زوج واحد مع تسعة اجزاء فأفحم، فرفع ذلك الى أمير المؤمنين فأمر (ع) أن تأتي كل واحدة منهن بقارورة من ماء وامرهن بصبها في اجانة ثم أمر كل واحدة منهن أن تعرف ماءها فقلن لا يتميز ماءنا فأشار به ان يفرقن بين الأولاد ويبطل النسل والميراث، فقال عمر: لا ابقاني الله بعدك يا علي. سؤال ابن الكوى من أمير المؤمنين (ع)، في كتاب صفوة الأخبار: قام اليشكري الى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين اخبرني عن بصير بالليل بصير بالنهار وعن بصير بالنهار أعمي بالليل وعن بصير بالليل أعمى بالنهار فقال له أمير المؤمنين (ع) سل عما يعنيك ودع مالا يعنيك أما بصير بالليل فهذا رجل آمن بالرسل الذين مضوا وادرك النبي فآمن به فأبصر في ليله ونهاره وأما أعمى بالليل بصير بالنهار فرجل جحد الأنبياء


[ 90 ]

الذين مضوا والكتب وأدرك النبي وآمن به فعمى بالليل وأبصر بالنهار وأما أعمى بالنهار بصير بالليل فرجل آمن بالانبياء والكتب وجحد النبي فأبصر بالليل وعمى بالنهار فقال ابن الكوي: يا أمير المؤمنين ان في كتاب الله آية قد أفسدت قلبي وشككتني في ديني فقال له أمير المؤمنين (ع): ثكلتك امك وعدمك قومك ما هي ؟ قال قول الله عز وجل لمحمد في سورة النور: " والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه "، ما هذا الطير وما هذه الصلاة والتسبيح ؟ فقال (ع): ويحك ان الله خلق الملائكة في صور شتى ألا وان لله ملكا في صورة ديك ابخ شعث براثنه في الأرضيين السابعة السفلى وعرفه تحت عرش الرحمن له جناح في المشرق وجناح في المغرب فالذي في المشرق من نار والذي في المغرب من ثلج فأذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديكة في منازلكم بنحو من قوله عز وجل لنبيه: " والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه " من الديكة في الأرض، فقال ابن الكوي: فما قوله تعالى: " مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة " قال هو عمامة موسى وعصاه ورضراض الألواح وابريق زمرد وطشت من ذهب، قال فما " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " قال هم الأفجران من قريش بنو امية وبنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر واما بنو امية فمتعوا حتى حين فأما بنو المغيرة قال فما (الأخسرين أعمالا) - الآية قال " ع ": أهل حرورا قال أخبرني عن ذي القرنين أنبي هو أم ملك ؟ قال " ع ": لا نبي ولا ملك كان عبدا لله صالحا أحب الله فأحبه ونصح لله فنصحه أرسله الله الى قوم فضرب على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله ثم فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ثم رد الثالثة فأمكنه الله تعالى في الأرض وفيكم مثله يعني نفسه الشريفة عليه الصلاة والسلام. وروى محمد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس. عن ابن اذينة، عن محمد ابن مسلم، قال سمعت أبا جعفر " ع " يقول: نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلم برمانتين من الجنة فلقيه علي (ع) فقال له ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك قال أما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب وأما هذه فالعلم ثم فلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه نصفها رسول الله


[ 91 ]

ثم قال أما أنت فشريكي فيه وأنا شريكك فيه قال فلم يعلم والله رسول الله (ص) حرفا مما علمه الله إلا علمه عليا. وروى عن الأصبغ بن نباتة: قال كنا مع أمير المؤمنين (ع) وهو يطوف بالسوق ويأمرهم بوفاء الكيل والميزان حتى انتصف النهار فمر برجل جالس فقام إليه وقال يا أمير المؤمنين سر معي فأدخل بيتي وتغد عندي وادع الله لي فانك ما تغديت اليوم فقال أمير المؤمنين: شرط اشرطه قال لك شرطك قال (ع). أن لا تدخن في بيتك ولا تتكلف ما وراء بابك ثم دخل ودخلنا معه فأكلنا خلا وزيتا وتمرا ثم خرج يمشي حتى أنتهى الى قصر الامارة بالكوفة فركض رجله فتزلزلت الأرض ثم قال أما والله لو علمتم ما هيهنا، اما والله لو قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثنى عشر الف درع واثنى عشر الف بيضة لها وجهان ثم البسها اثنى عشر الف رجل من ولد العجم ثم ليأمرهم ليقتلوا كل من كان على خلاف ما هم عليه وأني لأعلم ذلك وأراه كما أعلم هذا اليوم وأراه. قال جامع الكتاب جعفر بن محمد غفر الله له وهذه المطالب وغيرها تدل أنه أعلم الأولين والآخرين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو غير خفي.